نشأة الشيعة الامامية

نبيلة عبد المنعم داود

نشأة الشيعة الامامية

المؤلف:

نبيلة عبد المنعم داود


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار المؤرّخ العربي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٠

أما في زمن الرشيد فقد تعرض موسى بن جعفر لمراقبة من الرشيد لخوف الرشيد منه ولوصول الأخبار إليه بأن له جماعة تقول بإمامته وقد كثرت الوشايات في موسى بن جعفر حتى حبسه.

ويذكر الأصفهاني السبب الذي من أجله حبس موسى بن جعفر ويجعل للبرامكة يداً في ذلك ، فيذكر أن يحيى بن خالد بن برمك استطاع أن يغري علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بالأموال وكان إسماعيل هذل على صلة بموسى بن جعفر وعلى علم بأخباره فلم يزل حتى سعى بموسى عند الرشيد وأخبره أن الأموال تحمل إليه من المشرق والمغرب وأن له بيوت أموال وأنه اشترى ضيعة بثلاثين ألف دينار وسماها اليسيرة فسمع منه الرشيد ذلك ووصله (١).

ولما حج الرشيد في تلك السنة ( ١٨٣ هـ ) بدأ بقبر النبي فقال : « يا رسول الله إني أعتذر إليك من شيء أريد أن أفعله ، أريد أن أحبس موسى ابن جعفر فانه يريد التشتيت بين أمتك وسفك دمائها » (٢).

ويذكر ابن طباطبا أن سبب حبس الرشيد لموسى بن جعفر أن بعض حساده من أقاربه قد وشوا به إلى الرشيد وذكروا أن الناس يحملون إلى موسى خمس أموالهم ويعتقدون إمامته وأنه عازم على الخروج فأقلق ذلك الرشيد فسجنه (٣).

وهكذا عملت الوشايات عملها حتى حبس الرشيد موسى بن جعفر عند عيسى بن جعفر بن المنصور وكان على البصرة ولما لم يجد هذا حجة عليه كتب إلى الرشيد يطلب منه إخلاء سبيله (٤).

أما المصادر الإمامية فتذكر أن السبب في حبس موسى بن جعفر زمن الرشيد أن الرشيد لما حج اجتمع إليه بنو هاشم وبقايا الهاجرين والأنصار

__________________

(١) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ٥٠١ ـ ٥٠٢.

(٢) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ٥٠٢.

(٣) ابن طباطبا : الفخري ص ١٩٦.

(٤) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ٥٠٢.

٢٢١

ومعهم موسى بن جعفر فلما انتهوا إلى قبر رسول الله وقف الرشيد وقال : السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا بن عم « افتخاراً على قبائل العرب ـ واستطالة عليهم بالنسب » ثم تقدم موسى بن جعفر فقال : السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبة « فتغير لون الرشيد وقال : يا أبا الحسن ان هذا لهو الفخر الجسيم » (١).

ولعل غضب الرشيد من موسى بن جعفر هنا لأنه يذكره بأنه ابن رسول الله وهو أولى به.

أما ابن عنبة فيذكر أن من أسباب غضب الرشيد على موسى بن جعفر إن محمد بن إسماعيل بن الصادق كان مع عمه موسى الكاظم يكتب له السر إلى شيعته في الأفاق وأن إسماعيل هذا سعي بعمه موسى عند الرشيد وقال للرشيد : « إن في الأرض خليفتين يجبي إليها الخراج فقال : الرشيد ويلك أنا ومن؟ قال : موسى بن جعفر وأظهر أسراره فقبض الرشيد على موسى الكاظم وحبسه وكان سبب هلاكه » (٢).

ويعطي ابن شهر آشوب سبباً آخر لحبس موسى بن جعفر فيذكر أن الرشيد كان يريد إرجاع فدك إلى موسى بن جعفر وكان موسى يأبي ذلك ولما ألح عليه الرشيد طلب موسى أن يأخذها بحدودها ولما سأله الرشيد عن حدودها قال : الحد الأول عدن والحد الثاني سمرقند والحد الثالث إفريقية والحد الرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية ، فغضب الرشيد وقال له : « فلم يبق لنا شيء فتحول إلى مجلسي ... فعند ذلك عزم الرشيد على قتله » (٣).

فقول موسى هذا يعني أنه صاحب الحق لأن ذكر أمصار الخلافة العباسية. ويبدو مما يرويه الصدوق أن العباسيين كانوا يضيقون على آل

__________________

(١) المفيد : الفصول المختارة من العيون والمحاسن ج ١ ص ١٥ ، الإرشاد ص ٢٩٨ الطبرسي : أعلام الورى بأعلام الهدى ص ٢٩٧.

(٢) ابن عنبة : عمدة الطالب ص ٢٣٣ ـ ٢٣٤.

(٣) ابن شهراشوب : مناقب آل أبي طالب ج ٤ ص ٣٢٠ ـ ٣٢١ وانظر أيضاً سبط ابن الجوزي تذكرة الخواص ص ٣٥٩ ـ ٣٦٠.

٢٢٢

البيت ويقللون أعطياتهم لئلا يلتف حولهم أنصار يحاربونهم بهم ، ذكر أن الرشيد اعطى موسى بن جعفر مائتي دينار بينما أعطى غيره ٥ آلاف دينار ولما سأله الفضل بن الربيع عن سبب ذلك قال الرشيد : « لو أعطيت هذا ما كنت أمنته أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعة هذا ومواليه ، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم » (١).

وبالرغم من شدة الرشيد مع موسى بن جعفر إلا أنه كان عارفاً قدره ومنزلته فقد كان يقول عن موسى بن جعفر : « أما أن هذا من رهبان بني هاشم » ولما سئل لم ضيق عليه في الحبس قال : هيهات لا بد من ذلك (٢).

فيبدو أن موسى بن جعفر كان مصدر قلق وخوف للرشيد بالرغم من أنه لم يشهر سيفاً بوجهه.

وقد أطلق الرشيد موسى بن جعفر حينما حبسه أول مرة بعد أن رأى في نومه من يقول له : « إن لم تخل عن موسى بن جعفر الساعة وإلا نحرتك بهذه الحربة » فأطلقه وخيره بين البقاء في العراق أو الذهاب إلى المدينة ودفع إليه ثلاثين ألف درهم (٣).

ولكن هذا لم يمنع الرشيد من حبسه مرة أخرى كانت فيها نهايته فيذكر اليعقوبي ، إن موسى بن جعفر توفي ١٨٣ هـ في حبس الرشيد قتله السندي بن شاهك ثم إن الرشيد دعا القواد والكتاب الهاشميين والقضاة والطالبيين ثم كشف عن وجه موسى وسألهم أتعرفون هذا قالوا : « نعرفه حق معرفته هذا موسى بن جعفر ، فقال هارون : أترون أن به أثراً وما يدل على اغتيال؟ قالوا : لا ، ثم غسل وكفن ودفن بمقابر قريش في الجانب الغربي » (٤).

ويبدو أن الرشيد بعد أن حبس موسى بن جعفر وقتله أراد أن يبرىء

__________________

(١) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٧٥ ـ ٧٦.

(٢) عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٧٩.

(٣) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٣٥٦ ـ ٣٥٧.

(٤) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٤٥.

٢٢٣

نفسه من الشكوك فكان يحاول أن يفهم الناس أنه لايد له في موته.

ويرى الدوري « أن هذا السؤال في ذاته يؤكد الشكوك في قتل الإمام » (١).

المسعودي يذكر أن موسى بن جعفر مات مسموماً (٢). أما الأصفهاني فيروي أنه بعد موت موسى بن جعفر نودي عليه « هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت فانظروا إليه » (٣).

وقد نودي بهذا النداء لأن جماعة من الشيعة اعتقدت بأن موسى بن جعفر لا يموت وأنه حي وهؤلاء هم الواقفة وسيأتي بيان ذلك في فصل الإمامة.

وتجمع المصادر الإمامية أن موسى بن جعفر توفي مسموماً في حبس الرشيد على يد السندي بن شاهك وأن الرشيد كان يحاول ان يتخلص من مسؤولية قتله فيذكر الصدوق ان الرشيد أدخل على موسى بن جعفر في سجنه ثمانين رجلاً من الوجوه وطلب اليهم أن ينظروا إليه إن كان حدث به مكروه وهذا « منزله وفرشه موسع عليه غير مضيق فوجدوه على ما ذكر الرشيد إلا أن موسى أخبرهم أنه سقي السم » (٤).

المفيد يذكر أن موسى بن جعفر قتل مسموماً في طعام قدم إليه وأن الرشيد أدخل إليه الفقهاء ووجوه بغداد وفيهم الهيثم بن عدي وأشهدهم أنه مات حتف أنفه فشهدوا على ذلك (٥).

ويقول ابن عنبة أنه لف في بساط حتى مات ثم أخرج للناس وعمل محضراً أنه مات حتف أنفه وترك ثلاثة أيام على الطريق يأتي من يأتي فينظر إليه ثم يكتب في المحضر (٦).

__________________

(١) الدوري : العصر العباسي الأول ص ١٤٢.

(٢) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٣٦٥.

(٣) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين : ص ٥٥٠ ، وانظر ابن الشحنة : روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر ج ٨ ص ٥٣. ( طبع الكتاب على هامش كتاب الكامل لابن الأثير ).

(٤) الصدوق : الأمالي ص ١٤٩ ـ ١٥٠.

(٥) المفيد : الإرشاد ص ٣٠١ ـ ٣٠٢.

(٦) ابن عنبة : عمدة الطالب ص ١٦٩ وانظر أيضاً ابن زهرة : غاية الاختصار ص ٩١.

٢٢٤

ويبدو من الأساليب التي اتخذها الرشيد في قضية قتل موسى بن جعفر أنها سبيل آخر من سياسة المخادعة التي اتبعها مع العلويين.

ولما مات موسى بن جعفر سنة ١٨٣ هـ (١) ، انتقلت الإمامة إلى ابنه علي بن موسى الرضا ، وكانت إمامته أيام المأمون المتسامحة مع العلويين.

ولقد قام المأمون بعمل انفرد به وهو تقديم علي بن أبي طالب على العباس بن عبد المطلب وهذا شيء غريب بالنسبة للعباسيين فقد ذكر طيفور أن السندي بن شاهك دخل على الفضل بن سهل متعجباً بعد أن سمع أن المأمون قدم علي بن أبي طلب على العباس وكان يقول : « ما ظننت أني أعيش حتى أسمع عباسياً يقول هذا فقال له الفضل : تعجب من هذا؟ هذا والله ما كان قول أبيه قبله » (٢) ولكن لم نجد أحداً من الخلفاء العباسيين صرح بتفضيل علي سوى المأمون. وقد قام المأمون بالبيعة لعلي بن موسى الرضا وجعله ولي عهده وتروي المصادر التاريخية قصة بيعة المأمون للرضا.

فاليعقوبي يذكر أن المأمون استقدم علي الرضا من المدينة إلى طوس سنة ٢٠١ هـ وبايع له وألبس الناس الخضرة مكان السواد ودعا للرضا على المنابر وضرب الدنانير والدراهم باسمه (٣).

واليعقوبي يكتفي بهذا ولا يوضح سبب البيعة للرضا.

أما الطبري فيذكر أن السبب الذي دعا المأمون لمبايعة الرضا لأنه لم يجد أحداً أفضل ولا أورع ولا أعلم منه في بني العباس وبني علي وسماه الرضا من آل محمد (٤).

أما ابن طباطبا فيقول عن المأمون : « ومن اختراعاته نقل الدولة من

__________________

(١) الخطيب : تاريخ بغداد ج ١٣ ص ٣٢.

(٢) طيفور : بغداد ص ١٧.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٧٦.

(٤) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٢٤٣ ، ابن الثير : الكامل ج ٥ ص ١٨٣.

٢٢٥

بني العباس إلى بني علي » ويذكر السبب الذي دعا المأمون لذلك « كان المأمون فكر في حال الخلافة بعده وأورد أن يجعلها في رجل يصلح لها لتبرأ ذمته كذا زعم » (١) كما أنه وجد الرضا أفضل أعيان البيتين العلوي والعباسي (٢).

أما السيوطي فيرى أن السبب الذي دفع المأمون إلى توليه الرضا العهد إفراطه في التشيع حتى أنه هم بخلع نفسه وتفويض الأمر إليه (٣).

وتبين المصادر التاريخية دور الفضل بن سهل وتأثيره على المأمون في إسناد ولاية العهد إلى الرضا فاليعقوبي يذكر أن رجاء بن أبي الضحاك قريب الفضل بن سهل كان رسول المأمون إلى الرضا وهو الذي أتى به من المدينة (٤).

أما الطبري فيبين رد الفعل عند البغداديين بعد سماعهم ببيعة الرضا فقالوت : « إنما هذا دسيس من الفضل بن سهل » (٥).

ويبدو أن الفضل بن سهل لم يفعل هذا حباً لعلي الرضا ويؤيد هذا مارواه الجهشياري من أن كلاماً دار بينه وبين نعيم بن أبي خازم بحضرة المأمون فقال له نعيم : « إنك تريد ان تزيل الملك عن بني العباس إلى ولد علي ثم تحتال لتجعل الملك كسروياً ولولا أنك أردت ذلك لما عدلت عن لبسة علي وولده وهي البياض إلى الخضرة وهي لباس كسرى والمجوس » (٦).

وهذا يصح إذا نظرنا إلى الخلاف الذي حصل بين الرضا وابن سهل بعد البيعة ويؤكد ذلك أيضاً ابن طباطبا فيذكر « وكان الفضل بن سهل وزير المأمون هو القائم بهذا الأمر والمحسن له » (٧).

ويعتقد الدوري « أن تاثير الفضل بن سهل ووجود المأمون في

__________________

(١) ابن طباطبا : الفخري ص ٢١٦.

(٢) ن. م ص ٢١٧.

(٣) السيوطي : تاريخ الخلفاء ص ٣٠٧.

(٤) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٧٦.

(٥) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٢٤٣.

(٦) الجهشياري : الوزراء والكتاب ص ٣١٢ ـ ٣١٣.

(٧) ابن طباطبا : الفخري ص ٢١٧.

٢٢٦

خراسان هما اضطراه لاتخاذ هذه الخطة » (١).

ويرى جبريالي أن سبب ذلك لأن المأمون كان له ميل عاطفي ديني سابق للعلويين ، إلا أن هذا الميل ظهر بصورة فجائية ولأول مرة في الحقل السياسي في البيعة للرضا (٢).

ويبدو مما ترويه بعض المصادر التاريخية أن علي بن موسى الرضا لم يقبل البيعة في أول الأمر وإنما تردد في قبولها فيذكر المسعودي « ثم كتب إليه وسأله القدوم ليعقد له الأمر فامتنع عليه ثم كاتبه في الخروج وأقسم عليه » (٣).

ويذكر الأصفهاني أن المأمون هدد الرضا بقبول البيعة قائلاً : « لا بد من قبولك ما أريد فإني لا اجد محيطاً عنه ، ان عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة أحدهم جدك ... وشرط فيمن خالف أن تضرب عنقه » (٤).

ويروي الدوري أن إجبار المأمون الرضا على البيعة لأنه كان مرغماً على مجاراة الخراسانيين كما أنه أراد أن يسير خطوة جديدة في إحياء حكم العدل الذي وعد به الخراسانيين فلذلك قال : إنه اختار للخلافة خير مايصلح لها من بني هاشم (٥).

ويبدو أن المأمون تساهل مع العلويين رغبة في كسب ودهم واراد تصفية الجو المتوتر الذي خلقته سياسة أبيه مع العلويين كما أنه أراد القضاء على تذمر العلويين وثوراتهم فبايع للرضا.

أما المصادر الإمامية فتعطي أسباباً أخرى دفعت المأمون لمبايعة

__________________

(١) الدوري : العصر العباسي الأول ص ٢٠٨.

(٢) جبريالي : المأمون والعلويون (عن العصر العباسي الأول ص ٢٠٧ ).

(٣) المسعودي : إثبات الوصية ص ١٧٢.

(٤) الأصفهاني ك مقاتل الطالبيين ص ٥٦٣.

(٥) الدوري : العصر العباسي الأول ص ٢٠٩ وانظر :

Hamid; the pro-Alid policy of M’mun, Bullein of the College of Arte and Sciences, Baghdad, Vol. I, June, ١٩٥٦.

٢٢٧

الرضا بالإضافة إلى ما ورد من أسباب في المصادر التاريخية وأحسن مرجع في هذا الباب من المصادر الامامية كتاب عيون أخبار الرضا للصدوق.

فقد ذكر الصدوق أن السبب الذي دفع المأمون للبيعة للرضا وذلك لأنه كان يعتقد أن الرضا يدعو إلى نفسه في السر فأراد أن يجعله ولي عهده ليتعرف بالخلافة والملك له « وليعتقد فيه المفتونون به أنه ليس مما ادعى في قليل ولا كثير وأن هذا الأمر لهم دونه ( العباسيين ) » (١).

وهكذا كان الخلفاء العباسيون يعتقدون أن الأئمة يدعون إلى أنفسهم ويطلبون الخلافة ولو لم يخرج منهم أحد لا تخاذهم الجانب السلبي تجاه الأحداث السياسة بعد أن راوا أن لا جدوى من خروجهم. إلا أن الظاهر أن خوف الخلفاء العباسيين كان من أتباع الأئمة الذين اعتقدوا إمامتهم ولم يعترفوا بشرعية الحكم للعباسي.

كما أن منزلة الأئمة وما يتمتعون به من احترام قد أثار خوف العباسيين يدل على ذلك ما رواه الكليني عن الرضا بعد قبوله ولاية العهد ، فكان يقول : « والله ما زادني هذا الأمر الذي دخلت فيه من النعمة عندي شيئاً ولقد كنت بالمدينة وكتابي ينفذ في المشرق والمغرب ولقد كنت أركب حماري وأمر في سكك المدينة وما بها أعز مني وما كان بها أحد منهم يسألني حاجة يمكنني قضاؤها إلا قضيتها له » (٢).

فلذلك كما يعتقد الصدوق أن المأمون « جعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس أنه راغب في الدنيا فيسقط محله من نفوسهم » (٣).

كما يذكر الصدوق أن المأمون إنما فعل ذلك إشارة بما أملاه الفضل ابن سهل على المأمون « أن يتقرب إلى ألله عزَّ وجلّ وإلى رسوله بصلة رحمه بالبيعة بالعهد لعلي بن موسى الرضا ليمحمو بذلك ما كان من أمر

__________________

(١) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٧٠.

(٢) الكليني : الكافي ج ٨ ص ١٥١.

(٣) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٩.

٢٢٨

الرشيد وما كان يقدر على خلافه في شيء » (١).

وتجمع المصادر الإمامية على أن الرضا لم يقبل ولاية العهد إلا كارهاً لها وخوفاً من تهديد المأمون فيذكر الصدوق عدة روايات تدل على أن الرضا كان كارهاً للبيعة وكانت من غير رضاه « وذلك بعد أن هدده بالقتل وألح عليه مرة بعد أخرى وفي كلها يأبي عليه حتى أشرف من تأبيه على الهلاك » (٢).

كما ترى الإمامية أن الرضا قبل العهد وشرط على المأمون أن لا يولي ولا يعزل أحداً ولا يغير رسماً ولا سنة (٣).

وتكثر الإمامية من الروايات من هذا الباب محاولة تبرير قبول الرضا لولاية العهد لأن الإمامية ليس من رأيها الخروج أو الاشتراك مع السلطة الظالمة لأنهم في تقية حتى يقوم قائمهم يؤيد هذا ما رواه الطبرسي عن أيوب بن نوح قال « قلت للرضا : إناّ نرجو أن تكون صاحب هذا الأمر وأن يسديه الله إليك من غير سيف فقد بويع لك وضربت الدارهم باسمك فقال : ما منا أحد اختلف إليه الكتب وسئل عن المسائل وأشارت غليه الأصابع وحملت إليه الأموال إلا اغتيل أو مات على فراشه حتى يبعث الله عزَّوجلّ بهذا الأمر رجلاً خفي المولد والمنشأ غير خفي في نسبه » (٤).

وقد استاء أهل بغداد حينما وصلهم خبر البيعة للرضا وخافوا خروج الأمر من أيديهم إلى بني علي أو بالأحرى إلى الخراسانيين فيقول الطبري : إنهم « أنفوا من غلبة الفضل بن سهل » (٥).

وقد بلغ استياء أهل بغداد من البيعة مبلغاً كبيراً حتى أن أهل محلة الحربية ثاروا ضد الحسن بن سهل وأخرجوه من بغداد وأرادوا أن يبايعوا

__________________

(١) الصدوق : عيون اخبار الرضا ج ٢ ص ١٧٠.

(٢) ن. ط م ج ١ ص ١٩.

(٣) ن. م ج ١ ص ٢٠ وانظر المفيد : الإرشاد ص ٣١٠ ، الطبرسي : أعلام الورى ص ٣٢٠.

(٤) الطبرسي : أعلام الورى ص ٤٠٧.

(٥) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٢٢٧.

٢٢٩

محمد بن صالح بن المنصور خوفاً من خروج الأمر من آل العباس (١).

كما يذكر الطبري أيضاً أن أهل بغداد امتنعوا عن البيعة ولبس الخضرة ورفضوا أن يخرجوا هذا الأمر عن ولد العباس وقالوا : « إنما هذا دسيس من الفضل بن سهل » (٢).

وقد استمر استياء أهل بغداد فبايعوا لإبراهيم بن المهدي ( بعد أن رفض محمد بن صالح بن المنصور ) سنة ٢٠١ هـ (٣).

وكان الفضل بن سهل يخفي هذه الأخبار عن المأمون ولكن الرضا أخبره « بما فيه الناس من الفتنة والقتال منذ قتل أخوه وبما كان الفضل بن سهل يستر عنه من الأخبار وأن أهل بيته والناس نقموا عليه استياء » (٤) ، كالبيعة له بولاية العهد وتغير لباس السواد (٥).

فلما اطلع المأمون على ذلك وعرف نوايا ابن سهل ووضعه الخطر سار إلى بغداد وكان أن قام بمحاولة للتخلص من الرضا فسمه بالعنب أو بعصير الرمان سنة ٢٠٣ هـ في قرية نوقان قرب طوس (٦).

الطبري لا يذكر ذلك وإنما يقول : « إنه أكل عنباً فأكثر منه فمات » (٧).

وتجمع المصادر الإمامية على أن المأمون سم الرضا لأسباب فالصدوق يرى أن المأمون حسد الرضا لما رأى من علو منزلته وعظمها في نفوس الناس (٨).

أما الطبرسي فيرى أن سبب قتله مسموماً لأن الرضا كان لا يحابي

__________________

(١) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٧٩.

(٢) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٢٤٣.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٧٩.

(٤) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٢٥٠.

(٥) ابن طباطبا : الفخري ص ١٦٧ وانظر ابن الشحنة : روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر ج ٨ ص ٥٧ ( على هامش كتاب الكامل لابن الأثير ).

(٦) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٨٠ وانظر أيضاً الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ٥٧٧.

(٧) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٢٥١ ، المسعودي : مروج الذهب ج ٤ ص ٢٨ ، إثبات الوصية ص ١٧٥ ـ ١٧٦ ، أبو الفدا : المختصر في أخبار البشر ج ٣ ص ٣٢.

(٨) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٩.

٢٣٠

المأمون في حق ويجبهه في أكثر الأحوال (١).

وهكذا انتهت هذه المحاولة التي قام بها المأمون ويرى الدوري « إن البيعة ذاتها لم تقرب جميع العلويين من المأمون ولكنها أرضت قسماً منهم فقط » (٢) فلم يؤيد المأمون أحد من العلويين إلا إبراهيم بن موسى بن جعفر وكان متغلباً على الحجاز فإنه بايع للمأمون حالما سمع بالتولية (٣).

واستمر المأمون على علاقته الحسنه بالعلويين وفي زمانه انتقلت إمامة الشيعة والإمامية إلى محمد الجواد الرضا.

وقد عاصر محمد الجواد كلاّ من المأمون والمعتصم ولا تذكر المصادر التاريخية أخباره إلا أخباره أيام المأمون وتبين حسن معاملة المأمون له وتزويجه ابنته (٤).

وتروي المصادر الإمامية أخبار محمد الجواد مع المأمون والمعتصم فيذكر ابن رستم الطبري أنه بلغ عمره ست سنين قتل المأمون أباه وبقيت الشيعة في حيرة واختلفت الكلمة بين الناس واستصغر سن أبي جعفر محمد الجواد (٥).

أما أخباره في زمن المعتصم فلا يذكر عنها شيء وقد توفي محمد الجواد سنة ٢٢٠ هـ.

وانتقلت إمامة الشيعة إلى أبي الحسن علي بن محمد ( الهادي ) وقد عاصر الهادي من الخلفاء المعتصم الواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز (٦).

وقد بينا سياسة الواثق تجاه العلويين فلم يلاقوا شدة زمانه ولكن

__________________

(١) الطبرسي : أعلام الورى ص ٣٢٥.

(٢) الدوري : العصر العباسي الأول ص ٢١٠.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٧٣.

(٤) طيفور : بغداد ص ١٤٢ ـ ١٤٣.

(٥) ابن رستم الطبري : دلائل الإمامة ص ٢٠٤.

(٦) الكليني : الكافي ج ١ ص ٤٩٧.

(٧) ابن رستم الطبري : دلائل الإمامة ص ٢١٦.

٢٣١

الحال اختلف أيام المتوكل فقد اشتد في معاملة العلويين وقد بينا الأساليب التي اتخذها المتوكل في معاملة العلويين ونتيجة لذلك فقد تعرض علي الهادي للسعايات التي وجدت أذاناً صاغية من المتوكل فيذكر اليعقوبي أنه استقدم علي الهادي من المدينة إلى سر من رأي بعد أن وصلته الأخبار « بأن هناك قوماً يقولون » أنه الإمام « فلما وصل إلى الياسرية تلقاه إسحاق بن إبراهيم فرأى تشوق الناس إليه واجتماعهم لرؤيته دخل به في الليل فأقام ببغداد ثم ذهب إلى سامراء ، ثم لا يذكر بعد ذلك عنه شيئاً (١).

أما المسعودي فيذكر أنه قد قيل للمتوكل « إن في منزله ( علي الهادي ) سلاحاً وكتباً من شيعته » فلما ذهب الرسول لم يجد من ذلك شيئاً ووجد أبو الحسن متوجهاً إلى ربه يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد فجيء به إلى المتوكل وهو في مجلس الشراب فأعظمه وأجلسه إلى جنبه ورده إلى منزله سالماً (٢).

وقد تبدلت سياسة العباسيين تجاه الشيعة أيام المنتصر فلم يسىء للعويين ثم ملك المستعين ولا تذكر المصادر شيئاً عن العلاقة بين الإمامية والمستعين ، وقد توفي علي الهادي أيام المعتز سنة ٢٥٤ هـ (٣).

وقد انتقلت إمامة الشيعة الإمامية بعد علي الهادي إلى ابنه الحسن بن علي العسكري وقد عاصر المعتز والمعتمد.

ولا ترد أخبار الحسن العسكري في المصادر التاريخية سوى إشارات قليلة ولكن أخباره مع العباسيين ترد في المصادر الإمامية.

ويبدو أن الفترة التي عاشها الحسن العسكري قد امتازت بالشدة معاملة العلويين بما فيهم الزيدية والإمامية (٤) ، لذلك تجمع المصادر الإمامية أن الحسن العسكري قد حبس في زمن المعتمد واشتد في

__________________

(١) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ٢٠٩.

(٢) المسعودي : مروج الذهب ج ٤ ص ٩٣ ـ ٩٤.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ٢٢٥.

(٤) انظر الأصفهاني : مقاتل الطالبيين عن الثورات في هذه الفترة ص ٦٨٥ وما بعدها.

٢٣٢

معاملته (١).

وتوفي الحسن العسكري سنة ٢٦٠ هـ في خلافة المعتمد وقد تنازع الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري واختلفوا فيمن يخلفه فيذكر المسعودي أن الحسن العسكري هو والد المهدي المنتظر والإمام الثاني عشر عند القطعية من الإمامية وهم جمهور الشيعة وقد تنازع هؤلاء في المنتظر من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وافترقوا عشرين فرقة (٢).

أما المصادر الإمامية فتذكر لما توفي الحسن العسكري ، خلفه ابنه المنتظر لدولة الحق ، وكان قد أخفي مولده وستر أمره لصعوبة الوقت وشدة طلب سلطان الزمان له واجتهاده في البحث عن أمره ولما شاع من مذهب الإمامية وعرف من انتصارهم له فلم يظهر ولده في حياته ولا عرفه الجمهور بعد وفاته » (٣). لذلك لم يره « إلا الخواص من شيعته » (٤).

وسيأتي الكلام عن المهدي المنتظر في الفصل الخامس لأن هذا يدخل في باب العقائد.

وهكذا نجد أن الشيعة الإمامية التزمت الجانب السلبي في الصراع مع العباسيين واتقت السلطان فلم يدُع أحد منهم إلى الخروج عليه فكانت إمامتهم إمامة روحية وقد كثر أتباعهم ومن بأمرهم ولعل هذا كان مصدر قلق وخوف للعباسيين فكان ما كان في معاملة الأئمة وأتباعهم.

__________________

(١) الكليني : ج ١ ص ٥١٣ وانظر أيضاً ابن شهرآشوب : المناقب ج ٤ ص ٤٢٩ ، الطبرسي : أعلام الورى ص ٣٦٠ ، المفيد : الإرشاد ص ٣٤٤.

(٢) المسعودي : مروج الذهب ج ٤ ص ١٩٩. ويجعلهم سعد القمي ١٥ فرقة ، ص ١٠٢.

(٣) المفيد : الإرشاد ص ٣٤٥.

(٤) الطبرسي : أعلام الورى ص ٣٦٠.

٢٣٣
٢٣٤

الفصل الخامس

الإمامـة وتطورها عند الشيعة الإمامية

١ ـ الإمامة

أ ـ إمامة جعفر بن محمد الصادق

ب ـ إمامة موسى بن جعفر الكاظم

جـ ـ إمامة علي بن موسى الرضا

د ـ إمامة محمد بن علي الجواد

هـ ـ إمامة علي بن محمد الهادي

و ـ إمامة الحسن بن علي العسكري

ز ـ إمامة محمد بن الحسن المهدي ( صاحب الزمان )

٢ ـ عقائد الإمامية

أ ـ الإمامة

ب ـ العصمة

ج ـ التقية

د ـ الرجعة

٢٣٥
٢٣٦

الإمامة :

أ ـ إمامة جعفر الصادق :

لما توفي أبو جعفر الباقر سنة ١١٤ هـ (١) ، قال بعض الشيعة بإمامة ابنه أبي عبد الله جعفر الصادق (٢).

وتستدل الشيعة على إمامة الصادق بعدة أدلة ، فقد ذكر الكليني عن أبي عبد الله أنه قال « إن أبي استودعني ما هناك ، فلما حضرته الوفاة قال : ادع لي شهوداً فدعوت له أربعة نفر من قريش فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر فقال : اكتب ، هذا ما أوصى به يعقوب بنيه ( يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) وأوصى محمد بن علي إلى جعفر بن محمد ... ثم قال للشهود : انصرفوا رحمكم الله فقلت له : يا أبت ـ بعدما انصرفوا ـ ما كان في هذا بأن تشهد عليه فقال : يا بني كرهت أن تغلب وأن يقال : إنه لم يوصِ إليه فأردت أن تكون لك الحجة » (٣).

ويذكر المسعودي أن محمداً الباقر أشار إلى الصادق في حياته مدة أيامه ثم نص عليه ويورد رواية في النص على أبي عبد الله الصادق عن زرارة وأبي الجارود (٤) ، « إن أبا جعفر أحضر أبا عبد الله وهو صحيح لا علة به فقال : إني أريد أن آمرك بأمر فقال له : مرني بما شئت ، فقال :

__________________

(١) النوبختي : فرق الشيعة ص ٥٣.

(٢) ن. م ص ٥٥.

(٣) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٠٧ ( الأصول ) وانظر المفيد : الإرشاد ص ٢٧١.

(٤) زرارة بن أعين من أصحاب الإمام الباقر كان فقيهاً ومحدثاً وعد أيضاً من أصحاب الإمام الصادق توفي سنة ١٥٠ هـ. انظر الطوسي : الفهرست ١٠٠ ، أما أبو الجارود فهو المنذر بن زياد زيدي المذهب إليه تنسب الجارودية عده الطوسي من أصحاب الإمام الباقر ، انظر الفهرست ص ٩٨.

٢٣٧

ائتني بصحيفة ودواة فأتاه بها فكتب له وصيته الظاهرة ثم أمر أن يدعو له جماعة من قريش فدعاهم واشهدهم على وصيته إليه » (١).

كما أورد الكليني عدة روايات استدل بها على إمامة الصادق ، فعن أبي الصباح الكناني قال « نظر أبو جعفر إلى أبي عبد الله يمشي فقال : ترى هذا؟ من الذين قال الله عز وجل : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) (٢).

وعن سدير الصيرفي قال « سمعت أبا جعفر يقول إن من سعادة الرجل أن يكون له الولد يعرف فيه شبه خلقه وخلقه وشمائله وإني لأعرف من إبني هذا شبه خلقي وخلقي وشمائلي يعني أبا عبد الله » (٣).

وروي أيضاً عن أحمد بن مهران صاحب أبي جعفر الباقر قال « كنت قاعداً عند أبي جعفر فأقبل جعفر ( الصادق ) فقال أبو جعفر : هذا خير البرية » (٤).

كما روي عن جبر الجعفي (٥) ، رواية عدها من أدلة إمامة الصادق فقد ذكر جابر عن أبي جعفر قال « سئل ( الباقر ) عن القائم فضرب بيده على أبي عبد الله فقال : هذا والله قائم آل محمد ، قال عنبة : فلما قبض أبو جعفر دخلت على أبي عبد الله فأخبرته بذلك فقال : صدق جابر ثم قال لعلكم ترون ان ليس كل إمام هو القائم بعد الإمام الذي قبله » (٦).

فيلاحظ أن أبا جعفر الباقر كان يؤكد إمامة ابنه جعفر الصادق خوفاً من أن تذهب ظنون الشيعة إلى القول بإمامة غيره ، ولعله فعل ذلك لظهور

__________________

(١) المسعودي : إثبات الوصية ص ١٧٨.

(٢) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٠٦ ( الأصول ) وقد ذكر هذه الرواية المفيد في الإرشاد ص ٢٧١ في باب إمامة الصادق.

(٣) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٠٦ ( الأصول ).

(٤) ن. م ج ١ ص ٣٠٧ وانظر المفيد : الإرشاد ص ٢٧١.

(٥) جابر بن يزيد الجعفي من أصحاب الإمام الباقر توفي سنة ١٢٨ هـ. انظر الطوسي : الرجال ص ١١١.

(٦) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٠٧ ، المسعودي : إثبات الوصية ص ١٧٨ ، المفيد : الإرشاد ص ٢٧١ ، النيسابوري ( ت ٥٠٨ ) : روضة الواعظين ص ٢٤٩.

٢٣٨

أخيه زيد بن علي بن الحسين وقول جماعة من الشيعة بإمامته لذلك وضح الصادق قول أبيه مؤكداً إمامته بعده.

ويقول المفيد في إمامة الصادق : « وكان الصادق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين من بين إخوته خليفة أبيه محمد بن علي ووصيه والقائم بالإمامة بعده » (١).

ويستدل الطوسي على إمامة الصادق لكونه علماً بجميع أحكام الشريعة لأنه لم يكن هناك من ادعيت له هذه الصفة ، كما أن تواتر الشيعة بالنص عليه من أبيه دليلاً على إمامته (٢).

واختلفت الشيعة أيام جعفر بن محمد الصادق في الإمامة وتفرقوا وظهرت حركات غلو خرجت عن الخط الشيعي ، فقد ظهر في أيام الصادق الكيسانية التي بإمامة محمد بن الحنفية وتطورت حتى أخرجت الإمامة من ولد علي إلى آل العباس وقد مر ذكر ذلك في باب الدعوة العباسية.

كما خرج في أيام الصادق محمد بن عبد الله النفس الزكية على المنصور سنة ١٤٥٠ هـ كما مر ذكره في الفصل الرابع وقتل محمد فظهرت طائفة قالت بإمامته وزعمت بأنه القائم وأنه المهدي (٣).

وقد أنكر هؤلاء الذي قالوا بإمامة محمد النفس الزكية إمامة الصادق وادعت فرقة منهم أن الإمامة في المغيرة بن سعيد إلى خروج المهدي ، وهو عندهم محمد النفس الزكية وقالوا بأنه حي لم يمت ولم يقتل وهؤلاء هم المغيرية (٤).

__________________

(١) المفيد : الإرشاد ص ٢٧٠.

(٢) الطوسي : تلخيص الشافي ج ٤ ص ١٩٦ ، ويضيف الطبرسي دليلاً آخر على أدلة إمامة الصادق فيروى عن الكليني قصة مناقشة أحد الشاميين مع الإمام الصادق في الإمامة ودعوة الصادق هشام بن الحكم لإجابته إلا أن الشامي رفض إلا أن يناقشه الصادق فلما ناقشه وأقنعه فقال الشامي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله وأنك وصي الأوصياء. الطبرسي : الإحتجاج ج ١ ص ١٩٩ ، إلا أن الخبر غير وارد في الكليني في باب إمامة الصادق انظر الكليني ج ١ ص ٣٠٧.

(٣) النوبختي : فرق الشيعة ص ٥٤.

(٤) النوبختي ص ٥٥.

٢٣٩

كما ظهرت فرق أخرى من الغلاة منهم العلبائية وقد ادعى هؤلاء أن محمداً عبداً لعلي وعلي هو الرب وهؤلاء أصحاب بشار السعيري (١).

ولعل أخطر حركات الغلو التي ظهرت أيام الصادق « الخطابية » أتباع أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع الأسدي ، وكان هذا من أتباع جعفر الصادق وقد زعم أبو الخطاب أن لجعفر الصادق طبيعة إلهية وأن له معجزات وأنه يعلم الغيب (٢).

وقد كثر أتباع أبي الخطاب في الكوفة فيذكر الكشي « أن أبا الخطاب أفسد أهل الكوفة فصاروا لا يصلون المغرب حتى يغيب الشفق » (٣).

وقد وقف الصادق موقفاً صارماً تجاه أبي الخطاب وأتباعه فمنع أصحابه من الإتصال بهم فروى المفضل بن يزيد أن أبا عبد الله الصادق قال له عندما ذكر أصحاب أبي الخطاب والغلاة فقال : « لا تواكلوهم ولا تشاربوهم ولا تصافحوهم ولا توارثوهم » (٤).

ومن مبادئ الخطابية ، أنهم زعموا أنه لا بد من وجود رسولين في كل عصر واحد ناطق والآخر صامت فكان محمد ناطقاً وعلي صامتاً وتأولوا في ذلك قول الله تعالى ( ثم أرسلنا رسلنا تترى ) وقد قال بعضهم هما آلهة ، ثم إنهم افترقوا لما بلغهم أن الصادق لعنهم وتبرأ منهم كما لعن أبا الخطاب وتبرأ منه (٥).

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٥٩.

(٢) الكشي : الرجال ص ٢٤٦ ـ ٢٤٨.

(٣) ن. م ص ٢٤٩.

(٤) ن. م ص ٢٥٢.

(٥) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٥٠ ، ويذكر سعد القمي أن الخطابية افترقوا إلى أربع فرق ، منهم من قال أن جعفر بن محمد هو الله وأن أبا الخطاب نبي مرسل أرسله جعفر وأمر بطاعته. وقال آخرون أن بزيغاً وكان حائكاً من حاكة الكوفة هو نبي مرسل مثل أبي الخطاب وشريكه ، أرسله الصادق وجعله شريك أبي الخطاب في النبوة والرسالة. ومنهم من قال أن السرى الأقصم أرسله الصادق كما زعموا أن جعفر الصادق هو الإسلام والإسلام هو السلم والسلم هو الله ونحن بنو الإسلام ودعوا إلى نبوة السرى وصلوا

٢٤٠