نشأة الشيعة الامامية

نبيلة عبد المنعم داود

نشأة الشيعة الامامية

المؤلف:

نبيلة عبد المنعم داود


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار المؤرّخ العربي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٠

مثله وأنه كان في بني إسرائيل التابوت فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون وان هذا فينا مثل التابوت وقامت السبئية ورفعوا أيديهم وكبروا ثلاثاً ... » (١).

فيظهر أن السبئية كانت ملتفة حول المختار حتى أن أتباع المختار كانوا يسمون السبئية وفي ذلك يقول أعشى همدان :

شهدت عليكم أنكم سبئية

وأني بكم يا شرطة الشرك عارف

وأقسم ما كرسيكم بسكينة

وان كان قد لفت عليه اللفائف

وان ليس في التابوت فينا وإن سعت

شبام حواليه ونهد وخارف (٢)

وهكذا فالكيسانية فرقة جديدة من فرق الشيعة إلا أنها لا تعد ضمن الشيعة الذين قالوا بإمامة علي والحسن والحسين وأبناه الحسين لأنها أخرجت الإمامة إلى محمد بن الحنفية كما أنها جاءت بمبادىء كمبادىء السبئية أو الغلاة وهؤلاء خارج نطاق الخط الشيعي الذي نحن بصدده.

ولعل هذا السبب الذي دعا الرازي لأن يعد الكيسانية من الغلاة فقال : « ومن السبأية انبعثت أصناف الغلاة وتفرقوا بالمقالات ومنهم أصناف الكيسانية منهم البيانية أتباع بيان والنهدية أتباع صائد النهدي والهاشمية ... » (٣).

وقد جاءت الكيسانية باراء مختلفة ولم تقتصر دعواتها إلى محمد بن الحنفية فقط ، وإنما دعا بعض أتباع هذه الفرق إلى أنفسهم كما يظهر ذلك من دعوة حمزة بن عمارة البربري ، حيث ادعى أنه نبي وأن محمد بن الحنفية هو الله ، وأنه الإمام فتبعه بيان وبرئت منه الشيعة (٤).

إلا أن أهم فرقة من الكيسانية هي الفرقة التي أقرت بموت محمد بن الحنفية وقالت : « إن محمد بن الحنفية مات والإمام بعده عبد الله بن

__________________

(١) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٦ ص ٨٢.

(٢) ن. م ج ٦ ص ٨٣.

(٣) الرازي : الزينة الورقة ٢٤٨.

(٤) النوبختي : فرق الشيعة ص ٢٠.

١٦١

محمد ابنه وكان يكنى أبا هاشم وهو أكبر ولده وإليه أوصى أبوه فسميت هذه الفرقة الهاشمية بأبي هاشم » (١).

فأبو هاشم هو وصي محمد بن الحنفية لذلك قالت الكيسانية : إن الإمامة جرت في علي ثم في الحسن ثم في الحسين ثم في ابن الحنفية ومعنى ذلك أن روح الله صارت في النبي وروح النبي صارت في علي وروح علي صارت في الحسن وروح الحسن صارت في الحسين وروح الحسين صارت في محمد بن الحنفية وروح ابن الحنفية صارت في ابنه أبي هاشم (٢).

كما قالوا : « إنه أفضى إليه بأسرار العلوم واطلعه على مناهج تطبيق الآفاق على الأنفس وتقدير التنزيل على التأويل ، وتصوير الظاهر على الباطن ، وقالوا : إن لكل ظاهراً باطناً ولكل تنزيل تأويل ... وهو العلم الذي استأتر علي به ابنه محمد وهو أفضى بذلك السر إلى ابنه أبي هاشم وكل من اجتمع له هذا العلم فهو الإمام حقاً » (٣).

ودعوة الغلو في الأئمة ليست جديدة فقد ظهرت أيام علي وأيام أبنائه كما ظهرت في أيام محمد بن الحنفية ولكنهم تبرؤوا منها كما مر بنا.

ويظهر أن الأمر قد اختلف في أيام أبي هاشم فيرى الدوري : « ان أبا هاشم كان طموحاً فحاول الاستفادة من هذه الآراء » (٤).

ويذكر ابن عبد ربه أنه قام بأمر الشيعة وأنهم كانوا يأتونه ويقوم بأمرهم ويؤدون إليه الخراج (٥).

وترد هنا كلمة شيعة والمقصود بها هنا ليست الجماعة التي شايعت علياً وقدمته على سائر أصحاب الرسول ، وإنما الجماعة التي أخرجت

__________________

(١) النوبختي : فرق الشيعة ص ٢٧.

(٢) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٢٦.

(٣) الشهرستاني : الملل والنحل ج ١ ص ٢٤٣.

(٤) الدوري : العصر العباسي الأول ص ٢٠.

(٥) ابن عبد ربه : العقد الفريد ج ٣ ص ١٩٤.

١٦٢

الإمامة من أبناء علي إلى غيرهم وجاءت بآراء غريبة عن الشيعة كما فعل الكيسانية ، ثم أطلقت هذه اللفظة على شيعة بني العباس كما سنرى ذلك.

ويبدو مما يرويه صاحب أخبار العباس أن هناك جماعة أو شيعة لأبي هاشم تأتم به فقد ذكر أن أبا هاشم قدم على الوليد بسبب نزاعه مع زيد بن الحسن ، فوشى زيد بن الحسن بأبي هاشم وقال : إن له شيعة من أصحاب المختار يأتمون به ويحملون إليه صدقاتهم فحبسه الوليد (١).

وقد توسط علي بن الحسين ( زيد العابدين ) عند الوليد فأطلق أبا هاشم وقرب منزلته منه (٢).

وهناك روايات تفيد أن أبا هاشم وفد على سليمان بن عبد الملك وأن سليمان خاف منه فدس له السم (٣).

فلما مات أبو هاشم افترق أصحابه إلى عدة فرق منها من قال إن عبد الله مات وأوصى إلى أخيه علي بن محمد بن الحنفية (٤).

وأخرى قالت : أوصى إلى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (٥).

وقالت فرقة من أتباع أبي هاشم : إنه أوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب لأنه مات عنده بأرض الشراة بالشام وأنه دفع الوصية إلى أبيه علي بن عبد الله بن العباس لصغر سن محمد بن علي عند وفاة أبي هاشم وأمره أن يدفعها إليه (٦).

فنلاحظ أنه من هنا بدأ التحول في الإمامة إلى آل العباس وكانت هذه حجة بني العباس في انتقال الإمامة إليهم.

__________________

(١) مؤلف مجهول : أخبار العباس الورقة ٧٩ أ.

(٢) ن. م الورقة ٢٨٠ ب.

(٣) اليعقوبي ج ٣ ص ٤٠ ، الأصفهاني : المقاتل ص ١٢٦ ، أخبار العباس الورقة ٨٤ ب.

(٤) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٣٨.

(٥) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٣٩.

(٦) النوبختي : فرق الشيعة ص ٢٩.

١٦٣

ويذكر البلاذري ، لما سم أبو هاشم وهو في طريقه إلى الحجاز عدل الى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالحميمة فأوصى إليه وجمع بينه وبين قوم من الشيعة وأعطاه كتبه فقالت الشيعة : « قد زالت الشبهة وصرح اليقين بأنك الإمام وأن الخلافة في ولدك فمال إليه الناس وثبتوا على إمامته وإمامة ولده (١).

فالمقصود بالشيعة هنا الشيعة الهاشمية التي قالت بانتقال الإمامة من أبي هاشم إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس وقد ظل اسمهم هذا فترة من الزمن وكان محمد بن علي أول عباسي اعتبرته الهاشمية شيعة أبي هاشم إماماً (٢).

ويبدو مما مر أن أبا هاشم توفي ولا عقب له (٣).

ويبدو أن الصلة بين أبي هاشم ومحمد بن علي كانت وثيقة جداً فقد اتصل محمد بن علي بأبي هاشم وكتب عنه العلم وصار تلميذاً أميناً له حتى أنه إذا قام أبو هاشم يركب أخذ له بالركاب (٤).

كما يذكر صاحب أخبار العباس أنه بعد وفاة أبي هاشم اشتد وجد محمد بن علي عليه وظهر ذلك في وجهه ولما سئل عن سبب جزعه قال « إن ابا هاشم كان رجلاً من ولد علي وكان يتقدم أهلي جميعاً في شدة وده ولي وتعظيمه إياي » (٥).

وقبل وفاة أبي هاشم دفع إلى محمد بن علي الصحيفة الصفراء ، وهذه الصحيفة كانت لعلي بن أبي طالب ثم أخذها محمد بن الحنفية من أخويه الحسن والحسين لتكون حصته من علم أبيه ظن فلما حضرته الوفاة دفعها إلى ابنه أبي هاشم ، وفيها « علم رايات خراسان السوداء ، متى تكون وكيف تكون، ومتى تقوم ، ومتى زمانها ، وعلاماتها ، وآياتها وأي أحياء

____________

(١) البلاذري : أنساب الاشراف ج ٣ الورقة ٦٦ أ.

(٢) أخبارالعباس الورقة ٧٥ ب.

(٣) البخاري : سر السلسلة العلوية ص ٨٥.

(٤) أخبار العباس الورقة ٧٨ ب.

(٥) أخبر العباس الورقة ٨٧ أ.

١٦٤

العرب أنصارهم ، وأسماء رجال يقومون بذلك ، وكيف صفتهم وصفة رجالهم وأتباعهم » (١).

وقد ذكر صاحب أخبار العباس وصية أبي هاشم إلى محمد بن علي ، فذكر أن أبا هاشم أخرج من كان في الدار معهما ، ثم قال له : « يا أخي أوصيك بتقوى الله ... ومن بعد ذلك فإن هذا الأمر الذي تطلبه وتسعى في طلبه ، وسعوا فيه فيك وفي ولدك. حدثني أبي أن علياً قال : يا بني لا تسفكوا دماءكم فيما لم يقدر لكم بعدي فإن هذا الأمر كائن بعدكم ببني عمكم من ولد عبد الله بن عباس » (٢).

ثم دعا أبو هاشم أتباعه وقال لهم : « وهذا صاحبكم ( محمد بن علي ) فأتموا به وأطيعوه ترشدوا فقد تناهت الوصايا إليه » (٣).

وبهذا صار محمد بن علي « مرشحاً للإمامة واستقر الأمر حين أعطي الصحيفة الصفراء أو صحيفة العلم الباطن » (٤).

ويذكر الشهرستاني أن الهاشمية تعتقد بالتأويل وان علم الباطن انتقل من علي إلى محمد بن الحنفية ومنه إلى أبي هاشم « وكل من اجتمع فيه هذا العلم فهو الإمام حقاً » (٥).

وهكذا يظهر أن انتقال الإمامة كان بسبب العلم والبنوة الروحية (٦). وعلى أثر هذا العهد دعي محمد بن علي إماماً سنة ٩٨ هـ (٧).

وقد لعب محمد بن علي دوراً كبيراً في تنظيم الدعوة العباسية ، فيذكر الدينوري أنه أول من قام بالأمر وبث دعاته بالأفاق (٨).

__________________

(١) أخبار العباس الورقة ٨٤ ب.

(٢) ن. م الورقة ٨٥ ب.

(٣) أخبار العباس الورقة ٧٩ ب.

(٤) الدوري : ضوء جديد على الدعوة العباسية ، مقالة في مجلة كلية الآداب والعلوم العدد الثاني ١٩٥٧ ص ٦٨.

(٥) الشهرستاني : الملل والنحل ج ١ ص ٢٤٣.

(٦) ن. م ج ١ ص ٢٤٣.

(٧) أخبار العباس الورقة ٧٥ ب.

(٨) الدينوري : الأخبار الطوال ص ٣٣٢ ـ ٣٣٣.

١٦٥

وقد ابتدأ محمد بن علي بدعوة شيعته الجديدة ( أتباع أبي هاشم ) ثم اخذ يستعد لنشر دعوته وقد اقتصرت الدعوة على الكوفة في أول الأمر حتى مرت سنة ١٠٠ هـ ولم يتجاوز عدد الأتباع ٣٠ رجلاً (١).

وبالرغم من أن الدعوة ابتدأت من الكوفة إلا أنه كما يبدو من كلام محمد بن علي للدعاة : « ولا تكثروا من أهل الكوفة ولا تقبلوا منهم إلا النيات الصحيحة » إن الكوفة لم تكن المحل المناسب لنشر الدعوة لميولها العلوية (٢).

لذلك فقد اتجهت النية بعد سنة ١٠٠ هـ إلى خراسان (٣) ، وأوصاهم قال « إنه محرم عليكم ان تشهروا سيفاً على عدوكم كفوا أيديكم حتى يؤذن لكم » لذلك سمي الأتباع الكفية (٤).

وهكذا كان اختيار خراسان حدثاً فاصلاً في الدعوة. ولعل هذا يفسر اضطراب المؤرخين في تحديد بدء الدعوة إذ أنهم يتحدثون عنها في خراسان ويغفلون الفترة الأولى في الكوفة (٥).

وقد بين محمد بن علي السبب الذي دعاه لاختيار خراسان في وصيته إلى دعاته والتي يمكن أن نعدها « برنامج الدعوة » (٦) ، قال محمد بن علي : « أما الكوفة وسوداها فشيعة علي وولده ، وأما البصرة وسوادها فعثمانية تدين بالكف وتقول كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل ، وأما الجزيرة فحرورية مارقة وأعراب كاعلاج ومسلمون في أخلاق النصارى ، وأما أهل الشام فليس يعرفون إلا آل أبي سفيان وطاعة بني مروان وعداوة راسخة وجهل متراكم ، وأما مكة والمدينة فقد غلب عليها أبو بكر وعمر ، ولكن عليكم بخراسان فإن هناك العدد الكثير والجلد

__________________

(١) أخبار العباس الورقة ٨٩ ب.

(٢) ن. م الورقة ٨٩ ب.

(٣) أخبار العباس الورقة ٨٨ أ ـ ٩٠ ب.

(٤) ن. م الورقة ٩٣ أ ومما بعدها.

(٥) الدوري : ضوء على الدعوة العباسية ص ٧١.

(٦) الدوري : العصر العباسي الأول ص ١٧.

١٦٦

الظاهر وهناك صدور سليمة وقلوب فارغة لم تتقسمها الأهواء ولم يتوزعها النحل وهم جند لهم أجسام وأبدان ومناكب وكواهل وهامات ولحى وشوارب وأصوات هائلة ولغات فخمة تخرج من أجواف منكرة ، وبعد فإني أتفاءل إلى المشرق وإلى مطلع سراج الدنيا ومصباح الخلق » (١).

فبين هنا حالة الأمصار وأن خراسان أصلح مكان للدعوة.

وقد استطاع محمد بن علي أن يسير بالدعوة خطوات كانت بطيئة في بادىء الأمر ، إلا أنه استطاع بتدبيره أن يحكم أمرها فقد أرسل الدعاة وقال لهم : « انطلقوا أيها النفر فادعوا الناس في رمق وستر » (٢) ، وكما أنه استطاع أن يجلب كل العلويين المقاومين للأمويين إلى جانبه وأظهر أنهم إنما يدعون للقضاء على الدولة الأموية ، « وأن قضيتهم هي قضية جهاد الحق ضد الباطل » (٣).

كما أن العباسيين دعوا إلى الرضا من آل محمد ولم يعينوا شخصاً وهذه الدعوة مبهمة على العلويين الذين عطفوا على الدعوة وعلى الأمويين الذين قاوموها ، فقد ذكر أن عبد الله بن حسن دعا أهل بيته إلى طعام وكان فيهم إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله ، وكان قد بلغه خبر الدعوة في خراسان فقال : « إنه قد بلغنا أن أهل خراسان قد تحركوا لدعوتنا فلو نظرنا في ذلك واخترنا منا من يقوم بالأمر ، فقال إبراهيم : نجمع مشايخنا وننظر في ذلك » (٤). فيبدو من هذا أن الأمر قد خفي على عبد الله بن الحسن ولم يعرف كنه الدعوة إلى الرضا من آل محمد وأنه قد خدع بها من قوله « دعوتنا ». وكما أبهم الأمر على العلويين ، كذلك على الأمويين فقد كان مروان بن محمد حين بلغة أمر الدعوة إلى الرضا من آل محمد شك في شخصية المدعو إليه ، وكان يعتقد أنه عبد الله بن الحسن بن الحسن(٥).

__________________

(١) ابن الفقيه : مختصر كتاب البلدان ص ٣١٥.

(٢) الدينوري : الأخبار الطوال ص ٣٣٢.

(٣) الدوري : العصر العباسي الأول ص ٢٥.

(٤) مؤلف مجهول : نبذة من كتاب التاريخ ص ١٠٢ ـ ١٠٣.

(٥) ن. م ص ٨٩.

١٦٧

وهكذا أبعد العباسيون الشبهة عن أنفسهم ، كما أنهم لم يحاولوا الاشتراك مع من قام من العلويين ضد الأمويين ، ففي أيام محمد بن علي ثار زيد بن علي بالكوفة سنة ١٢٢ هـ ، حذر العباسيون شيعتهم من الخروج معه فيرد عن بكير بن ماهان أنه قال لأصحابه : « إني أعلم ما لا تعلمون الزموا بيوتكم وتجنبوا زيداً وأصحاب زيد ومخالطتهم فو الله ليقتلن وليصلبن بمجمع من أصحابكم » (١) كما أن بكيراً خرج هو وجماعة من أتباعه إلى الحيرة ولم يرجعوا حتى قتل زيد وصلب (٢).

وفي سنة ١٢٥ هـ توفي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وكان قد أوصى إلى ابنه إبراهيم (٣).

وقام إبراهيم الإمام بأمر الدعوة وقد ساعدته الظروف على نشرها فالحروب الأهلية والفوضى والعصبية القبلية حتى يئس الناس من أمر الدولة الأموية في إصلاح الأمور ويدل على ذلك قول العباس بن الوليد يخاطب الأمويين :

إن البـريـة قـد ملـت سياستكـم

فاستمسكوا بعمود الدين وارتدعوا (٤)

وهكذا استطاع العباسيون أن يستغلوا الظروف المحيطة بهم فاستفادوا من أمور عدة منها فكرة المنقذ أو المهدي فتنبؤوا بسلطان يحيي العدل ، فيذكر الدينوري في سنة ١٠١ هـ « توافدت الشيعة على الإمام محمد بن علي وقالوا له : أبسط يدك نبايعك على هذا السلطان لعل الله يحيى بك العدل ويميت بك الجور ، فإن هذا وقت ذاك أوانه الذي وجدناه مأثوراً عن علمائكم » (٥).

__________________

(١) أخبار العباس الورقة ١١٠ أ وبكير بن ماهان داعي الدعاة ولم أتكلم عن الدعاة وأخبارهم وعن تفصيلات الدعوة لأن هذا يخرج عن الموضوع وإنما اكتفيت بذكر الخطوط الرئيسية للدعوة.

(٢) أخبار العباس الورقة ١١٠ أ.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ٧٢ ، أخبار العباس الورقة ١١٤ أ.

(٤) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٩ ص ٨.

(٥) الدينوري : الأخبار الطوال ص ٣٣٢.

١٦٨

وقد أثرت هذه النبوءات حتى على الأمويين ، فيذكر اليعقوبي أن مروان بن محمد قصد الزاب لمواجهة الجيوش العباسية « لأن بني أمية كانت تروي في ملاحمها أن المسودة لا يجوز سلطانهم الزاب » (١).

وقد استفاد العباسيون من اختيار الراية السوداء لكونها راية رسول الله في حروبه مع الكفار وقد أوصاهم أبو هاشم باتخاذها وقال : « فعليكم بالسوداء فليكن لباسكم » (٢).

ويعتقد فان فلوتن أن لاختيار الراية السوداء علاقة بكتب الملاحم إذ كان لواء الرسول أسود ، لذا صارت الراية السوداء رمز الحق والعدل ، ومن ثم صار من الضروري للإمام الذي يزول علي يده سلطان بني أمية أن يتخذ الألوية السوداء شعارا له (٣). وقيل إن ذلك كان حزناً على إبراهيم الإمام.

وقد قام الدعاة أيضاً بنصيب وافر في تقوية الدعوة وادعوا بأن العباسيين هم آل البيت وأصحاب ميراث الرسول ، فيذكر مسكويه أن أبا داود خالد بن إبراهيم تكلم فقال مبيناً فضل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلمه وأن ذلك خلفه عند عترته منهم ورثته وأقرب الناس إليه (٤).

ويقول الدوري « ولم يتورع الدعاة عن إدخال الآراء غير الإسلامية كمبدأ تناسخ الأرواح ومبدأ الحلول في دعوتهم ، وبهذا جذبوا قسماً كبيراً ممن لم يدخل الإسلام قلوبهم واكسبوا الأئمة حقاً مقدساً » (٥).

ويذكر الطبري أن خداشاً وهو أحد الدعاة « أظهر دين الخرمية ودعا إليه ورخص لبعضهم في نساء بعض » (٦).

كما أن الراوندية أتباع أبي هريرة الراوندي قالوا : إن الإمامة لعم

__________________

(١) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ٨٣.

(٢) أخبار العباس الورقة ١١٧ أ.

(٣) فان فلوتن : السيادة العربية ص ١٢٦.

(٤) مسكويه : تجارب الأمم الورقة ١٠٦ ب ( حوادث سنة ١٠٤ هـ ١٣٤ هـ ).

(٥) الدوري : العصر العباسي الأول ص ٣٦.

(٦) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٨ ص ٢٢٩.

١٦٩

النبي العباس (١) ، ومنهم من قال : إن الروح التي كانت في عيسى بن مريم صارت في علي بن أبي طالب ثم في الأئمة واحداً بعد واحد إلى إبراهيم بن محمد وأنهم آلهة (٢).

كما وضعت الأحاديث عن الرسول وعن علي بن أبي طالب في انتقال السلطان للعباسيين فيرد عن أبي هاشم أنه قال : حدثني أبي « إنه سمع علياً يقول : دخل العباس على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم وأنا عنده في منزل أم سلمة وهو متوسد وسادة آدم فألقاها إلى العباس وقال له : اجلس عليها قال : وأقبل عليه يناجيه دوني بشيء لم أسمعه ثم نهض فخرج ، ولما توارى قال : يا علي هون عليك نفسك فليس لك في الأمر نصيب بعدي إلا نصيب خسيس وأن الأمر في هذا وولده يأتيهم عفواً من غير جهد ويدركون ثأركم وينتقمون ممن أساء إليكم » (٣).

ويذكر المقدسي أن علي بن أبي طالب افتقد عبد الله بن عباس يوماً فسأل عنه فأخبر أنه ولد له مولود فمضى إليه وأخذ المولود وحنكه ودعا له وقال لأبيه : خذ إليك أبا الأملاك ... قد سميته علياً وكنيته أبا محمد (٤).

وهكذا قوي أمر الدعوة ، فيقول ابن الطقطقي : « لما قدر انتقال الملك إلى بني العباس هيأ لهم جميع الأسباب ، فكان إبراهيم الإمام بالحجاز أو الشام جالساً على مصلاه مشغولاً بنفسه وعبادته ومصالح عياله ... وأهل خراسان يقاتلون عنه ويبذلون نفوسهم وأموالهم دونه وأكثرهم لا يعرفه ولا يفرق بين اسمه وشخصه ، وهو لا ينفق عليهم مالاً ولا يعطي أحدهم راية ولا سلاحاً بل هم يجبون إليه الأموال ويحملون إليه الخراج في كل سنة » (٥).

ولعل ذلك راجع إلى أنهم كانوا مدفوعين بعوامل سياسية.

__________________

(١) النوبختي : فرق الشيعة ٤٢.

(٢) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٩ ص ٣٠٦.

(٣) نبذة من كتب التاريخ ص ٣١ ـ ٣٢.

(٤) المقدسي : البدء والتاريخ ج ٦ ص ٥٦ ـ ٥٧.

(٥) ابن الطقطقي : تاريخ الدول الإسلامية ص ١٤٥.

١٧٠

ولما مات إبراهيم الإمام سنة ١٣١ هـ أوصى إلى أخيه أبي العباس ويذكر البلاذري الوصية وجاء فيها :

« بسم الله الرحمن الرحيم حفظك الله يا أخي بحفظ أهل الإيمان ... فإذا أنا هلكت فأنت الإمام الذي يقيم ويرعى حرمة أوليائنا ودعاتنا ويتم الله به وعلى يديه ما أثلنا وما أثل لنا » ثم أوصاه بشيعته وأهل بيته وأهل خراسان وأهل الكوفة (١).

فلما قتل إبراهيم الإمام خرج أبو العباس من الحميمة يريد الكوفة وكان أول أهله خروجاً لخوفه على نفسه ولمصير الإمامية إليه (٢).

فلما دخل أبو العباس الكوفة وجماعته « أظهروا أبا سلمة وسلموا إليه الرياسة وسموه وزير آل محمد » (٣).

وهنا تأتي محاولة أبي سلمة في نقل الخلافة إلى العلويين. وتجمع المصادر التاريخية على أن أبا سلمة حاول نقل الأمر من آل العباس إلى آل علي فأخفي أبو العباس ولم يعلن ظهوره ، ويعلل المسعودي سبب هذه المحاولة أنه لما قتل إبراهيم الإمام خاف أبو سلمة انتقاض الأمر وفساده (٤) ، ولكن هذا التفسير مردود لأن مركز العباسيين تحسن بانتصاراتهم العسكرية (٥). أما صاحب العيون والحدائق فيقول : إن أبا سلمة كان هواه مع جعفر بن محمد الصادق ولكنه أخفي ذلك ولم يمكنه مخالفة الجمهور (٦).

أما ابن الطقطقي فيذكر أن أبا سلمة لما سبر أحوال بني العباس عزم على العدول عنهم إلى بني علي (٧). ويقول الدوري « وهذا تفسير اعتذاري

____________

(١) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ٢٧ أ.

(٢) ن. م ج ٣ الورقة ٢٧ أ ، قتله مروان بن محمد بعد أن بلغه أنه يؤهل نفسه للخلافة انظر اليعقوبي ج ٣ ص ٧٩.

(٣) الجهشياري : الوزراء والكتاب ص ٨٤.

(٤) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٢٦٨ ، اليعقوبي ج ٣ ص ٨١ ، الطبري ج ٩ ص ١٢٤.

(٥) الدوري : العصر العباسي ص ٥١.

(٦) العيون والحدائق ص ١٨١.

(٧) ابن الطقطقي : تاريخ الدول الإسلامية ص ١٥٤.

١٧١

لأن الحكم لم يصبح بيد العباسيين بعد (١).

وهكذا كان أول عمل قام به أبو سلمة الخلال بعد دخوله الكوفة « ان أظهر الإمامة الهاشمية ولم يسم الخليفة (٢)».

وقد يكون أبو سلمة مدفوعاً بميوله العلوية لذلك عزم على هذا الأمر « فالكوفة علوية والخلال يميل لبني علي ثم أن المجال كان مفسوحاً أمامه ليحقق ما يميل إليه وخاصة أن المدعو له لم يكن معروفاً من الجمهور » (٣).

وقد أرسل أبو سلمة الخلال ثلاث رسائل إلى كل من جعفر بن محمد الصادق وعبد الله بن الحسن بن الحسن وعمر بن الأشرف بن زيد العابدين ، فأحرق الصادق الكتاب ورفض عمر بن الأشرف وأجاب عبد الله بالرغم من تحذير الصادق له (٤).

وقد رشح عبد الله بن الحسن ابنه محمد لهذا وقال لرسول أبي سلمة : « أنا شيخ كبير وابني محمد أولى بهذا الأمر مني وأرسل إلى جماعة من بني أبيه وقال : بيعوا لابني محمد » (٥).

وقد منع الصادق عبد الله بن الحسن من قبول هذه الدعوة وقال له : « ياأبا محمد ومتى كان أهل خراسان شيعة لك أأنت بعثت أبا مسلم إلى خراسان : أأنت أمرته بلبس السواد ، وهؤلاء الذين قدموا إلى العراق أكنت سبب قدومهم أو وجهت فيهم وهل تعرف منهم أحداً » (٦).

وقد كانت نتيجة هذه المحاولة الفشل لأنها لم تجد صدى من قبل العلويين ما عدا عبد الله بن الحسن ، فلم تخف هذه المحاولة على

__________________

(١) الدوري : العصر العباسي ص ٥١.

(٢) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ٨٢.

(٣) الدوري : العصر العباسي ص ٥٢.

(٤) الجهشياري : الوزراء والكتاب ص ٨٦.

(٥) اليعقوبي ج ٣ ص ٨٦.

(٦) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٢٦٧ وانظر نبذة من كتاب التاريخ ص ١١٤ ـ ١١٥.

(١) أخبار العباس الورقة ٨٨ ب.

١٧٢

الصادق لأن أبا سلمة كان من الهاشمية ومن الأوائل الذين ارتبطوا بمحمد ابن علي (١).

ولهذا يقول ابن الطقطقي عن أبي سلمة : « وزير آل محمد وفي النفس أشياء » (٢) كما أن المحاولة لم تجد صدىعند الخراسانيين فقد قالوا لأبي سلمة : « يا أبا سلمة ما لك تدعونا وما أنت لنا بإمام » (٣).

وكان على رأس المعارضين لهذه الدعوة أحد القواد وهو أبو الجهم فقد ألح على أبي سلمة بإضهار أبي العباس وقد اكتشف محاولته فجاء الخراسانيون إلى أبي العباس ومعهم أصحابهم في السلاح فبايعوه وبايع الخلال (٤).

وقد بويع أبو العباس السفاح بالخلافة سنة ١٣٢ هـ وخطب بالكوفة فقال : « الحمد الله الذي اصطفى الإسلام ديناً لنفسه فكرمه وشرفه ... واختاره لنا وأيده بنا وجعلنا أهله وكهفه وحصنه ... وخصنا بعم رسول الله ... وأنشأنا من شجرته واشتقنا من نبعته فوضعنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع وذكرنا في كتابه المنزل فقال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ... ) ثم جعلنا ورثته وعصبته » (٥).

ويذكر الطبري نص الخطبة كما أوردها البلاذري ويضيف عليه « فوضعنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع ... ثم يذكر قوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ... ) وقال : ( لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) وقوله : ( وانذر عشيرتك الأقربين ) (٦).

وقد مر بنا ذكر هذه الآيات واحتجاج الشيعة بها وأنها من دلائل إمامة علي بن أبي طالب وأولاده.

__________________

(٢) ابن الطقطقي : تاريخ الدول الإسلامية ص ١٥٥.

(٣) الجهشياري : الوزراء والكتاب ص ٨٦.

(٤) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٩ ص ١٢٥.

(٥) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ٣٩ ب.

(٦) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٩ ص ١٢٥.

١٧٣

وكان أبو العباس موعوكاً فقام عمه داود بن علي وخطب مكانه قال مبيناً السبب الذي دعاهم إلى الخروج : « وإنما أخرجتنا الأنفة من ابتزازهم حقنا والغضب لبني عمنا ... ثم قال : لكم ذمة الله وذمة رسول الله وذمة العباس أن نحكم فيكم بما أنزل الله ونعمل بكتاب الله ونسير في العامة منكم والخاصة بسيرة رسول الله » ثم أشاد بجهود أهل الكوفة وأهل خراسان (١).

وهكذا أبان العباسيون أنهم جاؤوا إلى هذا الأمر لكونهم ورثة الرسول وأنهم آل البيت وقد ذكرهم الله في القرآن.

ثم ادعوا أنهم إنما خرجوا طلباً للثأر ممن قتل أبناء عمهم ولإحياء العدل بين الناس. كما أكدوا أنهم سيسرون بسيرة الرسول ويعلموا بكتاب الله.

وهكذا نجد أن تشيع العباسية كان أصله من قبل محمد بن الحنفية وقد بقي هذا مدة من الزمن وفي أيام المنصور أظهر أن الخلافة جائتهم عن طريق العباس عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصدق مثل على ذلك المكاتبات التي دارت بين المنصور ومحمد ذي النفس الزكية فكلها تأكيد على أحقية العباس بالخلافة (٢). وسنأتي على بيان ذلك في الفصل الرابع. ثم جاء المهدي فردهم إلى إثبات الإمامة للعباس وقال لهم : قولوا إن الإمامة كانت للعباس عم النبي لأنه كان أولى الناس به وأقربهم إليه ثم من بعده لعبد الله ابن العباس ثم لعلي بن عبد الله ثم لمحمد بن علي ثم لإبراهيم بن محمد ثم لأبي العباس ثم لأبي جعفر ثم للمهدي (٣).

والذي دعا العباسيين إلى أنهم في أول أمرهم تعلقوا بوصية أبي هاشم بن محمد بن الحنفية ضعف مركزهم في بداية أمرهم ولما قوي مركزهم وتوطدت أركان دولتهم رجعوا عن دعوتهم الأولى وادعوا بأنهم جاؤوا لهذا الأمر بوراثة النبي من قبل عمه العباس.

__________________

(١) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٩ ص ١٢٥.

(٢) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ١١ أ ـ ١١ ب.

(٣) أخبار العباس الورقة ٧٤ أ ـ ب.

١٧٤

وهكذا انفرد العباسيون بالخلافة بعد أن استغلوا العلويين واتخذوهم وسيلة للوصول إلى أغراضهم كما حاربوهم ونكلوا بهم بصورة أشد وأقسى من الأمويين وسيأتي بيان ذلك.

وكان أبو جعفر المنصور أول هاشمي أوقع الفرقة بين بني عبد المطلب بن هاشم حتى قيل : عباسي وطالبي (١).

ولم يقتصر الأمر على التسمية وإنما بدأ بسياسة العباسيين مع العلويين ومحاربتهم له ، وسنبين ذلك في الفصل التالي.

__________________

(١) اليعقوبي : مشاكلة الناس لزمانهم ص ٢٢ ـ ٢٣.

١٧٥

١٧٦

الفصل الرابع

سياسة العلويين تجاه الشيعة

١ ـ الزيدية

(أ) ثورات الزيدية

(ب) موقف الإمامية من الثورات الزيدية

٢ ـ الشيعة الإمامية

(أ) موقف الإمامية من العباسيين

١٧٧

١٧٨

١ ـ الزيدية :

ثورات الزيدية :

لما انتظم أمر الدعوة العباسية وتم لها النجاح انفرد العباسيون بالسلطة ولم يحاولوا أن يشركوا أبناء عمهم سواء كان منهم من أبناء الحسن أم أبناء الحسين. وكان أبناء الحسين ساروا على منهاج اتخذوه وهو ترك مقاومة السلطان والخروج عليه ، إلا أن أبناء الحسن التزموا الجانب الإيجابي ولم يتركوا العباسيين ينعمون بما حصلوا عليه من ثمرة الكفاح المشترك لجميع الهاشميين.

وفي فترة تولي العباسيين الحكم كان الشيعة ينقسمون إلى جماعتين الزيدية والإمامية.

فأما الزيدية فهم اتباع زيد بن علي بن الحسين الذي ثار في أيام هشام بن عبد الملك وقتل ما بين سنة ١٢١ هـ ـ ١٢٢ هـ (١).

ومن مبادىء الزيدية في الإمامة : « إن علي بن أبي طالب أفضل الناس بعد الرسول لقرابته وسابقته ولكن كان جائزُ للناس أن يولوا غيره إذا كان الوالي الذي يولونه مجرباً »(٢).

ثم جعلوا الإمامة بعد علي في الحسن والحسين وأولادهما وهي شورى بينهما ، فمن خرج منهم وشهر سيفه ودعا إلى نفسه فهو مستحق للإمامة (٣). فالخروج بالسيف عند الزيدية شرط أساسي للإمامة.

__________________

(١) البلاذري : أنساب الأشراف جـ ٣ الورقة ٢٢ أ.

(٢) النوبختي : فرق الشيعة ص ١٨.

(٣) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٨.

١٧٩

وتقول الزيدية أيضاً أن الإمامة في « كل أولاد فاطمة كائناً من كان بعد أن يكون عنده شروط الإمامة » (١).

وشروط الإمامة عندهم هو » أن يكون كل فاطمي عالم زاهد شجاع سخي خرج بالإمامة يكون إماماً واجب الطاعة » (٢).

لذلك قصرت الزيدية الإمامة على أبناء الحسن والحسين وأولادهما « بما امتاز به الحسن والحسين وأولادهما من العلم والورع والتقوى والبصيرة والتدين » (٣).

وبالرغم من أن الزيدية ترى أن الإمام علي أفضل الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنه أولى بالخلافة من غيره (٤).

إلا أنهم قالوا « جائز أن يكون الإمام مفضولاً ، كما يكون الأمير مفضولاً وفي رعيته من هو أفضل منه » (٥).

وفي أيام زيد حينما خرج وسألته الشيعة عن رأيه في أبي بكر وعمر فقال : « كنا أحق البرية بسلطان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستأثرا علينا وقد وليا علينا وعلى الناس فلم يألوا عن العمل بالكتاب والسنة » (٦).

فالبرغم من أن زيداً يرى أن علياً أفضل الصحابة وأن آل البيت أولى بالخلافة من غيرهم إلا أنه لا ينفي غمامة من تقدمه.

وقد تطورت هذه الفكرة بعد زيد وأصبحت من مبادىء الزيدية وهي جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل.

ويذكر الجاحظ رأي الزيدية ويرى أن مقياس الفضل عندهم أربعة اقسام : أولها القدم في الإسلام حيث لا رغبة ولا رهبة إلا من الله وإليه ،

__________________

(١) ابن النديم : الفهرست ص ١٧٨.

(٢) الشهرستاني : الملل والنحل ج ١ ص ٢٤٩.

(٣) المفيد : المسائل الجارودية ( رسالة طبعت ضمن رسائل المفيد ) ص ٣.

(٤) الجاحظ : ثلاث رسائل للجاحظ نشرها السندويي ص ٢٤١ ( استحاق الإمامة ).

(٥) الأشعري : مقالات الإسلاميين ص ١٣٤.

(٦) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ٢١ أ.

١٨٠