موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

[٣١٦٨] مسألة ٢٧ : يجوز أن ينوب جماعة عن الميت أو الحي في عام واحد في الحج المندوب تبرعاً أو بالإجارة ، بل يجوز ذلك في الواجب أيضاً (١) كما إذا

______________________________________________________

مباشرة ولو عن الغير ، فلا نحتمل اختصاص جواز التشريك بالحج المأتي من قبل نفسه ، بل الظاهر من النصوص تعميم الحكم إلى الحج الصادر منه عن الغير.

(١) لا ريب في جواز تعدّد النائب ووحدة المنوب عنه عكس المسألة السابقة في الحج المندوب عن الحي أو الميت في عام واحد ، كما هو الظاهر من النصوص (١) ، وكذا يجوز في الحج الواجب والمندوب عن الحي العاجز الذي لا يتمكّن من المباشرة لإطلاق الأدلّة بأن يجهز ويرسل جماعة ليحجوا عنه ، كما أنه يجوز التعدّد في الحج الواجب المختلف عن الحي أو الميت ، كما إذا كان على الميت أو الحي العاجز حجّان مختلفان نوعاً كحج الإسلام والنذر ، فيجوز أن يستأجر أجيرين في عام واحد لأداء الحجين ، لإطلاق الأدلّة وعدم لزوم الترتيب بينهما وإن كان أحدهما أسبق زماناً وكذلك يجوز التعدد إذا كان الثابت في ذمّته حجتين متحدتين نوعاً كحجتين للنذر وكذا يجوز فيما إذا كان أحدهما واجباً والآخر مستحباً ، بل يجوز أن يستأجر شخصين لحج واجب واحد كحجّة الإسلام في عام واحد احتياطاً ورجاءً لاحتمال بطلان حج أحدهما ، كما هو الحال في سائر العبادات كالصلاة والصوم فيستنيب رجلين لأداء الصلاة.

بل ذكر في المتن جواز تعدّد النائب حتّى مع العلم بصحّة كل واحد منهما وإن كان إحرام أحدهما قبل إحرام الآخر ، ولا يلزم صدورهما في زمان واحد ، فكل من السابق واللّاحق ينوي الوجوب لأنّ الأمر الوجوبي ما لم يتم العمل به باق لم يسقط نظير صلاة جماعة على الميت في وقت واحد ، فإن كل واحد منهم ينوي الوجوب ولا يضر سبق أحدهم بقصد الوجوب من الآخر ، فإن الأمر ما لم يتم العمل به يكون باقياً فيصح قصد الوجوب من كل واحد منهم ولو كان بعضهم أسبق ، فيجوز قصد

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٠٨ / أبواب النيابة في الحج ب ٣٤ ، ٦٣ / أبواب وجوب الحج ب ٢٤.

٨١

كان على الميت أو الحي الذي لا يتمكن من المباشرة لعذر حجان مختلفان نوعاً كحجّة الإسلام والنّذر أو متحدان من حيث النوع كحجّتين للنذر ، فيجوز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد ، وكذا يجوز إذا كان أحدهما واجباً والآخر مستحباً ، بل يجوز أن يستأجر أجيرين لحج واجب واحد كحجة الإسلام في عام واحد احتياطاً لاحتمال بطلان حج أحدهما ، بل وكذا مع العلم بصحّة الحج من كل منهما وكلاهما آت بالحج الواجب وإن كان إحرام أحدهما قبل إحرام الآخر (*) فهو مثل ما إذا صلّى جماعة على الميت في وقت واحد ، ولا يضرّ سبق أحدهما بوجوب الآخر فإنّ الذمّة مشغولة ما لم يتم العمل فيصحّ قصد الوجوب من كل منهما ولو كان أحدهما أسبق شروعا.

______________________________________________________

الوجوب من اللّاحق قبل السابق من العمل.

ويضعف بأنه لو أتمّا العمل في زمان واحد صح ما ذكره ، ولكن لو أتم أحدهما قبل الآخر وسقطت ذمّة المنوب عنه بإتمام العمل صحيحاً يشكل قصد الوجوب من الآخر لسقوط الأمر وفراغ ذمّة المنوب عنه بالعمل الأوّل فلا يتّصف الثاني بالوجوب ، وكذا الحكم في المقيس عليه أي الصلاة على الميت. وبتعبير آخر : لو علم الثاني بأنّ الأوّل ينتهي من عمله قبله فكيف يمكن للثاني قصد الوجوب ، لأنّ الأوّل يكون مصداقاً للواجب. هذا تمام الكلام في الحج النيابي.

والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وصلّى الله على سيِّدنا محمّد وآله الطّاهرين.

__________________

(*) هذا إذا كان إتمام أعمال الحج منهما في زمان واحد ، وأمّا إذا كان قد سبق أحدهما بالإتمام كان هو حجّة الإسلام ، وكذا الحكم في الصلاة على الميت.

٨٢

فصل

في الوصيّة بالحج

[٣١٦٩] مسألة ١ : إذا أوصى بالحج فإن علم أنه واجب أُخرج من أصل التركة وإن كان بعنوان الوصية ، فلا يقال مقتضى كونه بعنوانها خروجه من الثّلث ، نعم لو صرّح بإخراجه من الثّلث أُخرج منه فإن وفي به وإلّا يكون الزائد من الأصل. ولا فرق في الخروج من الأصل بين حجّة الإسلام والحجّ النذري (*) والإفسادي لأنّه بأقسامه واجب مالي وإجماعهم قائم على خروج كل واجب مالي من الأصل ، مع أن في بعض الأخبار أنّ الحجّ بمنزلة الدّين ومن المعلوم خروجه من الأصل ، بل الأقوى خروج كل واجب من الأصل وإن كان بدنيّاً كما مرّ سابقاً (**) ، وإن علم أنّه ندبي فلا إشكال في خروجه من الثّلث ، وإن لم يعلم أحد الأمرين ففي خروجه من الأصل أو الثّلث وجهان (١) ،

______________________________________________________

(١) الحج الموصى به تارة يعلم بأنه واجب وأُخرى بأنه ندبي وثالثة يشك في كونه واجباً أو مندوبا.

أمّا الأوّل : فقد حكم المصنف بخروجه من أصل التركة سواء كان حجة الإسلام أو النذري أو الافسادي. وما ذكره (قدس سره) من إخراج الحج الواجب من أصل التركة وإن كان صحيحاً بالنسبة إلى حج الإسلام ، وأمّا بالنسبة إلى الحج النذري والإفسادي فهو محل إشكال بل منع ، لما تقدّم من أنه لا دليل على إخراج الواجبات المالية من الأصل ، وحالها حال سائر الواجبات الإلهيّة ، وما ورد في بعض الأخبار أن الحج بمنزلة الدّين فهو في خصوص حج الإسلام دون سائر أقسام الحج كما صرّح به

__________________

(*) مرّ أن الحج النذري يخرج من الثّلث ، وكذا الإفسادي ، ويختص الخروج من الأصل بحجّة الإسلام.

(**) مرّ خلافه [في المسألة ٣١١٥ التعليقة ٣].

٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

في الصحيحة (١).

وأمّا الثاني : وهو ما علم أن الحج الموصى به ندبي فلا ريب في خروجه من الثّلث وأن الوصية تنفذ بمقداره.

وأمّا الثالث : وهو ما لو شك في أنه واجب أو مندوب ولم تكن قرينة على أحدهما فقد ذكر المصنف (قدس سره) أن في خروجه من الأصل أو الثّلث وجهين أقواهما خروجه من الثّلث ، إذ لم يعلم كونه واجباً ليخرج من الأصل ، وإنما يخرج من الأصل إذا ثبت كونه واجباً وإلّا فيخرج من الثّلث.

وقد نقل المصنف عن السيّد صاحب الرياض رأيه في خروج هذا القسم من الأصل ، حيث استفاد ذلك من توجيه السيّد لكلام والد الصدوق (٢) الظاهر في كون جميع الوصايا من الأصل بأن مراده ما إذا لم يعلم كون الموصى به واجباً أو ندباً فإن مقتضى عمومات وجوب العمل بالوصية خروجها من الأصل خرج عنها صورة العلم بكونها ندباً فيخرج من الثّلث ، وكذلك حمل خبر عمّار الدال بظاهره على ما عن والد الصدوق على صورة الشك.

أقول : أمّا عمومات الوصية فالجواب عنها ظاهر ، لأنها مخصّصة بما إذا لم يكن مورد الوصية ندباً وإلّا فيخرج من الثّلث ، فالتمسك بها لإثبات خروجه من الأصل من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وهو محل إشكال بل منع. وبعبارة اخرى : الوصية إنما يترتب عليها الأثر في غير الواجب ، وأمّا في مورد الواجب فلا أثر لها لإخراجه من الأصل أوصى به أو لم يوص به ، وأمّا في مورد الشك فلا يمكن الحكم بخروجه من الأصل لعدم إحراز الوجوب والأصل عدمه.

وأمّا خبر عمّار (٣) وهو ما رواه الشيخ عنه عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال :

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٧٤ / أبواب وجوب الحج ب ٢٩.

(٢) ما نقله السيّد في الرياض [٦ : ١١٩] إنما هو عن والد الصدوق فما في المتن من نقله عن الصدوق سهو.

(٣) الوسائل ١٩ : ٢٨١ / كتاب الوصايا ب ١١ ح ١٩.

٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح ، إذا أوصى به كلّه فهو جائز» فقد أجاب عنه في المتن بإعراض الأصحاب عنه ، ولكن لا حاجة إلى التمسك بالاعراض ، فإن الخبر موهون بمعارضته بغيره من الروايات ممّا هو أصح سنداً وأكثر عدداً وأشهر. على أن الخبر في نفسه ضعيف ولا يمكن الاعتماد عليه وإن لم يكن له معارض ، فإن الشيخ رواه في التهذيب عن أبي الحسن عمر بن شدّاد الأزدي والسري جميعاً عن عمّار بن موسى (١) ، وفي الاستبصار (٢) عن أبي الحسن عمرو بن شداد الأزدي ، وفي بعض الأسناد أبو الحسين ، وذكر في السند أيضاً عن أبي الحسن الساباطي عن عمّار بن موسى (٣) ، وكيف كان ، لم يوثق الرجل ، وأمّا السري فهو ملعون كذاب ، وقد حمل المصنف تبعاً لصاحب الوسائل المال المذكور في الخبر على خصوص الثّلث الذي أمره بيده ، وهو بعيد جدّاً ، كما أن الشيخ حمل الخبر على ما إذا لم يكن للميت وارث أصلاً لا من قريب ولا بعيد ، فيجوز له حينئذ أن يوصي بماله كيف ما شاء ، وهذا بعيد أيضاً. على أن وجود شخص لا وارث له أصلاً نادر جدّاً ، والعمدة أن الرواية ضعيفة سنداً لا يمكن الاعتماد عليها.

وقد يتوهّم أنه مع الشك يبنى على أن وصيته في الواجب لا في المندوب فيخرج من الأصل حملاً للوصية على الصحّة ، وإلّا لو كانت في المندوب لكانت باطلة ، فليس فيها مخالفة لما دل على عدم نفوذ الوصية فيما زاد عن الثّلث ، وليس ذلك من التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية. وبعبارة اخرى : يظهر الأثر في الزائد عن الثّلث ، لأنّ الوصية لو كانت بالواجب تصح بالنسبة إلى الزائد ، ولو كانت بالمندوب تبطل بالإضافة إليه ، فتحمل الوصية على الواجب حملاً لفعله على الصحّة.

ويندفع بأن خروج الحج الواجب من الأصل ليس لأجل الوصية ، فإنها صحّت أو لم تصح يخرج الحج الواجب من الأصل ، فهو أجنبي عن الوصية ، وإنما تؤثر في

__________________

(١) التهذيب ٩ : ١٨٧ / ٧٥٣.

(٢) الاستبصار ٤ : ١٢١ / ٤٥٩.

(٣) التهذيب ٩ : ١٨٦ / ٧٤٨.

٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

المندوب ، فإنه لو كان زائداً على الثّلث فلا أثر لها وتصح إذا كان بمقداره.

على أن أصالة الصحّة لا مجرى لها في أمثال المقام ، توضيح ذلك : أن مدرك أصالة الصحّة سواء كانت جارية في عمل نفسه أو عمل الغير هو السيرة لا الدليل اللفظي ليتمسك بإطلاقه ، فحينئذ لا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقن ، والقدر المتيقن جريانها فيما إذا كان الشك راجعاً إلى نفس العمل لا إلى العامل ، مثلاً لو شكّ في أن عقد النكاح أو عقد البيع وقع صحيحاً أم فاسداً يحمل على الصحّة ، وأمّا لو شكّ في أن العامل والمباشر هل له الولاية والسلطنة على ذلك أم لا فلا يمكن إحراز ذلك بالحمل على الصحّة ، فلو رأينا شخصاً يبيع ملك أحد وشككنا في أنه هل له الولاية على ذلك أم لا ، لا دليل على الحمل على الصحّة ولا يمكن إثبات الولاية ، نعم لو شكّ في صحّة العقد الصادر من نفس المالك أو الولي يحمل على الصحّة ، وكذا لو زوج شخص امرأة من رجل وشكّ في ولايته ووكالته عنها لا يمكن الحكم بالصحّة ، لعدم إحراز شمول السيرة لأمثال المقام.

والحاصل : حيث إن الدليل منحصر بالسيرة فلا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقن منها وهو ما إذا أُحرز سلطنة المباشر وولايته ولكن يشك في صحّة عمله من حيث وجدانه للشرائط وعدمه ، وأمّا لو شكّ في أصل ولايته وسلطنته فلا يمكن إثباتها بأصالة الصحّة ، ولذا لا نحكم بصحّة كل عقد صادر من كل أحد ، ومقامنا من هذا القبيل ، لأنّ الحج إذا كان واجباً لا حاجة إلى الوصية ، وإن كان مندوباً ليس له الولاية في إخراجه من الأصل ، فالشك في كون الموصى به واجباً أو ندباً راجع إلى الشك في صدور الوصية عمن له الولاية أم لا ، فالصحيح ما ذكره المصنف (قدس سره) من أنه يخرج من الثّلث في صورة الشك.

نعم ، إذا كان في البين قرينة على أن الحج الموصى به هو الواجب يؤخذ بها كالايصاء بالحج من الأمكنة البعيدة في الأزمنة السابقة ، فإن الظاهر منه هو الحج الواجب ، إذ الإيصاء بالمندوب من تلك الأمكنة في الأزمنة السابقة بعيد جدّا.

وربّما يقال بالحمل على الواجب للانصراف ، فإنه بمنزلة إخبار الميِّت وإقراره

٨٦

يظهر من سيّد الرياض (قدس سره) خروجه من الأصل حيث إنه وجّه كلام الصّدوق (قدس سره) الظاهر في كون جميع الوصايا من الأصل ـ : بأنّ مراده ما إذا لم يعلم كون الموصى به واجباً أو لا ، فإنّ مقتضى عمومات وجوب العمل بالوصية خروجها من الأصل خرج عنها صورة العلم بكونها ندبياً ، وحمل الخبر الدال بظاهره على ما عن الصدوق أيضاً على ذلك ، لكنه مشكل فإن العمومات مخصصة بما دلّ على أن الوصية بأزيد من الثّلث ترد إليه إلّا مع إجازة الورثة. هذا ، مع أن الشبهة مصداقية والتمسك بالعمومات فيها محل إشكال ، وأمّا الخبر المشار إليه وهو قوله (عليه السلام) : «الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح إن أوصى به كله فهو جائز» ، فهو موهون (*) بإعراض العلماء عن العمل بظاهره ، ويمكن أن يكون المراد بماله هو الثّلث الذي أمره بيده. نعم ، يمكن أن يقال في مثل هذه الأزمنة بالنسبة إلى هذه الأمكنة البعيدة عن مكّة : الظاهر من قول الموصي : حجّوا عنِّي ، هو حجة الإسلام الواجبة ، لعدم تعارف الحج (**) المستحبي في هذه الأزمنة والأمكنة فيحمل على أنه واجب من جهة هذا الظهور والانصراف ، كما أنه إذا قال : أدّوا كذا مقداراً خمساً أو زكاة ، ينصرف إلى الواجب عليه. فتحصل : أن في صورة الشك في كون الموصى به واجباً حتى يخرج من أصل التركة أو لا حتى يكون من الثّلث ، مقتضى الأصل الخروج من الثّلث ، لأنّ الخروج من الأصل

______________________________________________________

بالواجب عليه ، كما أن إخباره بعدم ثبوت حج الإسلام عليه يسمع منه.

وفيه : أن مجرّد الانصراف إلى الواجب غير مفيد ، لإمكان أن يكون الإيصاء من باب الاحتياط وكون الواجب واجباً احتياطياً لا واجباً أصلياً ، والذي يخرج من الأصل هو الواجب الأصلي لا الاحتياطي ، وكذا في الوصية بالخمس والزكاة

__________________

(*) الخبر في نفسه ضعيف فلا حاجة في سقوط حجيته إلى التمسك بالإعراض.

(**) نعم ولكن يمكن أن يكون الإيصال من باب الاحتياط وكذا في الوصية بالخمس ونحوه.

٨٧

موقوف على كونه واجباً وهو غير معلوم بل الأصل عدمه إلّا إذا كان هناك انصراف ، كما في مثل الوصية بالخمس أو الزكاة أو الحج ونحوها ، نعم لو كانت الحالة السابقة فيه هو الوجوب كما إذا علم وجوب الحج عليه سابقاً ولم يعلم أنه أتى به أو لا فالظاهر جريان الاستصحاب والإخراج من الأصل. ودعوى أن ذلك موقوف على ثبوت الوجوب عليه وهو فرع شكّه لا شكّ الوصي أو الوارث ، ولا يعلم انّه كان شاكّاً حين موته أو عالماً بأحد الأمرين مدفوعة بمنع اعتبار شكّه بل يكفي شكّ الوصيّ أو الوارث أيضاً ، ولا فرق في ذلك بين ما إذا أوصى أو لم يوص ، فإنّ مقتضى أصالة بقاء اشتغال ذمّته بذلك الواجب عدم انتقال ما يقابله من التركة إلى الوارث ، ولكنّه يشكل على ذلك الأمر في كثير من الموارد لحصول العلم غالباً بأن الميت كان مشغول الذمّة بدين أو خمس أو زكاة أو حج أو نحو ذلك ، إلّا أن يدفع بالحمل على الصحّة فإن ظاهر حال المسلم الإتيان بما وجب عليه ، لكنّه مشكل في الواجبات الموسعة بل في غيرها أيضاً في غير المؤقتة فالأحوط في هذه الصورة (*) الإخراج من الأصل.

______________________________________________________

ونحوهما من الحقوق المالية ، فإن الإيصاء بها لو كان من باب الاحتياط ولو احتياطاً وجوبياً ليس إقراراً باشتغال ذمّته وباستقرار الدين عليه ، فإن الاحتياط لا يوجب اشتغال الذمّة ، نعم إذا كان هناك ظهور في أن الموصى به هو الحج الأصلي فهو المتبع فإنّ الظهور كالصراحة في لزوم الاتباع.

ثمّ إنّ المصنف (رحمه الله) ذكر المتحصل ممّا تقدّم ، وهو أنه في صورة الشك في كون الموصى به واجباً حتى يخرج من الأصل أو لا حتى يكون من الثّلث ذكر أن مقتضى الأصل الخروج من الثّلث ، لأنّ الخروج من الأصل موقوف على كونه واجباً وهو

__________________

(*) بل الأظهر ذلك فيما إذا علم بكون الحق ثابتاً في ذمّته وشكّ في أدائه ، وكذلك فيما إذا علم بتعلق الحق بالعين وكانت باقية وأمّا مع تلفها فالأصل يقتضي البراءة من الضمان.

٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

غير معلوم بل الأصل عدمه ، إلّا إذا كان هناك انصراف إلى الواجب كالوصية بالخمس والزّكاة والحج ، إلّا إذا كان واجباً عليه سابقاً وشكّ في إتيانه وعدمه فالظاهر جريان الاستصحاب بشك الوصي أو الوارث لا شك الموصي.

ثمّ قال : يشكل على ذلك ، الأمر في كثير من الموارد من الأموال المتروكة ، لحصول العلم غالباً بأن الميت كان مشغول الذمّة بدين أو خمس أو زكاة أو حج ونحو ذلك من الحقوق المالية ، وإجراء الاستصحاب يوجب الإشكال في التصرف في الأموال المتروكة ، ثمّ دفع الإشكال بالحمل على الصحّة ، فإن ظاهر حال المسلم الإتيان بما وجب عليه ، ثمّ أورد على نفسه بأنه يشكل إجراء أصالة الصحّة في الواجبات الموسعة ، بل في غيرها مما لم يكن على نحو التوقيت كالواجبات التي يجب الإتيان بها فوراً وإن لم تكن مؤقتة ، ولذا احتاط في هذه الصورة بالإخراج من الأصل.

والذي ينبغي أن يقال : إن موارد الاشتغال بالحقوق المالية على ثلاثة أقسام.

الأوّل : ما إذا تعلق الحق كالخمس والزكاة بعين المال الشخصي والمال موجود بعينه ، ونشك في أن المالك أدى ما عليه من الحق أم لا؟

الثاني : ما إذا تعلق الحق بعين المال ولكن المال غير موجود بعينه ، ونشك في أن المالك هل أدى خمسة أو زكاته قبل تلف المال أو أنه تلف قبل أداء الحق وقد اشتغلت ذمّته به؟

الثالث : ما إذا اشتغلت ذمّته بالحق من أوّل الأمر ، بمعنى أنا نعلم أن المالك أتلف المال قبل أداء الحق واشتغلت ذمّته به وانتقل الحق إلى الذمّة ، ولكن نشك في أنه هل أدّى الحق الثابت في ذمّته أم لا؟

أمّا الأوّل : فلا ينبغي الريب في جريان الاستصحاب فيه ، لأنّ هذا المال بعينه قد تعلق به الخمس مثلاً ونشك في أدائه وعدمه ، والأصل العدم.

ثمّ إن العبرة بشك الوارث أو الوصي لا شك الميت ، فلا يضر الجهل بكونه شاكاً حين موته أو كان عالماً بأحد الأمرين ، ولا يكفي إجراء أصالة الصحّة في إثبات أداء الميت الحق المتعلق بعين المال ، لأنّ أصالة الصحّة تقتضي عدم ارتكاب المالك الحرام

٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وعدم سوء الظن به ، ولا يترتب عليه أي أثر آخر ، ولذا لا تترتب عليه الآثار الشرعية في العقود والإيقاعات في أمثال المقام ، فلو شكّ في أنه باع داره أو صدر منه العقد أو الكلام الباطل المحرم لا يحكم عليه ببيع داره لحمل فعله على الصحّة ، بل غاية ما يترتّب على ذلك أنه لم يرتكب محرماً ولم يصدر منه الكلام الباطل ، ومن ذلك ما ذكره الشيخ الأنصاري من أنه لو تردد الأمر بين أن سلم أو سبّ لا يجب علينا ردّ السلام لحمل فعله على الصحّة (١) ، وإنما نحكم بأنه لم يصدر منه السب ، فاستصحاب عدم الأداء وبقاء الاشتغال محكّم.

وأمّا الثاني : فالظاهر أن استصحاب عدم أداء الخمس لا يؤثر في الضمان ولا يوجبه ، لأنّ المفروض أن المال تلف حينما كان المالك ولياً عليه وكان جائزاً له أن يتلف الخمس ويبدله من مال آخر ، والضمان إنما يترتب على التفريط وهو غير محرز واستصحاب عدم الأداء لا يثبته.

وأمّا الثالث : وهو ما إذا اشتغلت ذمّته بالحق قطعاً ولكن نشك في أنه هل فرغ ذمّته أم لا فهل يحكم بضمان الميت واشتغال ذمّته أو بتفريغ ذمّته؟ يبتني ذلك على مسألة محررة في محلها وهي أن إثبات الدين على الميت يحتاج إلى ضمّ اليمين إلى البينة فقد وقع الكلام في ضم اليمين وأنه من باب الجزء المتمم للبينة فيكون المثبت لدعوى الدين على الميت البينة واليمين منضماً ، أو أن الدين يثبت بالبيّنة ولا يحتاج إلى ضمّ اليمين ولكن بقاؤه لا يثبت بالبيّنة إلّا بعد ضمّ اليمين ، فاليمين لإثبات بقاء الدين وعدم سقوطه لا لإثبات أصل الدّين ، فالاستصحاب لا يكفي في الحكم في البقاء بل لا بدّ في إثبات بقائه من ضمّ اليمين.

إن قلنا بالأوّل كما هو المحقق في محلّه (٢) فالدين ثابت في الذمّة على الفرض ونشك في الأداء وعدمه ، فحينئذ لا مانع من جريان استصحاب عدم الإتيان ما لم يطمئن بالأداء.

__________________

(١) فرائد الأُصول ٢ : ٧١٨.

(٢) مباني تكملة المنهاج ١ : ١٨.

٩٠

[٣١٧٠] مسألة ٢ : تكفي الميقاتية سواء كان الحج الموصى به واجباً أو مندوباً (١) ، ويخرج الأوّل من الأصل والثاني من الثّلث ، إلّا إذا أوصى بالبلدية وحينئذ فالزائد عن اجرة الميقاتية في الأوّل من الثّلث كما أن تمام الأُجرة في الثاني منه.

[٣١٧١] مسألة ٣ : إذا لم يعيّن الأُجرة فاللّازم الاقتصار على اجرة المثل للانصراف إليها (٢) ،

______________________________________________________

وإن قلنا بالثاني وأن اليمين لإثبات البقاء وإلغاء الاستصحاب في باب الدين على الميت تمسكاً برواية ضعيفة (١) فلا مجال لجريان الاستصحاب ، فجريان الاستصحاب وعدمه يبتنيان على تنقيح هذين الأمرين.

(١) لأنّ مبدأ الحج من الميقات والزائد من جملة المقدّمات التي لا تجب أصلاً وعرضاً. نعم ، إذا أوصى حجاً بلدياً أو من مكان خاص يجب ، والزائد عن اجرة الميقاتية يخرج من الثّلث ، فإن كان واجباً أصلياً تقسّط الأُجرة فما كان في مقابل الميقات يخرج من الأصل والزائد عن الثّلث ، وأمّا إذا كان واجباً بالوصية فيخرج تمام الأُجرة من الثّلث.

(٢) يقع البحث في موردين : أحدهما : في الحج الواجب الأصلي. ثانيهما : في الحج الندبي وإن وجب بالوصية.

أمّا الأوّل : فلا ريب في خروجه من صلب المال ، ولا أثر لتعيين الموصي أُجرته مطلقاً سواء عيّن قليلاً أو كثيراً أو مساوياً ، بل ليس له حق التعيين لعدم ثبوت ولايته عليه ، فلو فرضنا أنه عيّن الأقل أُجرة يجب الاستئجار بالأكثر إذا كان بمقدار اجرة المثل ، ويخرج من أصل المال رضي أو لم يرض أوصى أو لم يوص ، ودعوى الانصراف لا أثر لها في المقام ، نعم لو عيّن أُجرة زائدة عن اجرة المثل يخرج الزائد من

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ٢٣٦ / أبواب كيفية الحكم ب ٤ ح ١.

٩١

ولكن إذا كان هناك من يرضى بالأقل منها وجب استئجاره إذ الانصراف إلى أُجرة المثل إنما هو نفي الأزيد فقط. وهل يجب الفحص عنه لو احتمل وجوده؟ الأحوط ذلك (*) توفيراً على الورثة خصوصاً مع الظن بوجوده وإن كان في وجوبه إشكال خصوصاً مع الظن بالعدم (١) ، ولو وجد من يريد أن يتبرّع فالظاهر جواز الاكتفاء به بمعنى عدم وجوب المبادرة إلى الاستئجار ، بل هو المتعيّن (**) توفيراً على الورثة فإن أتى به صحيحاً كفى وإلّا وجب الاستئجار (٢) ،

______________________________________________________

الثّلث ، لأنّ الذي يجب إخراجه من الأصل إنما هو الأُجرة المتعارفة للحج ، وهي اجرة المثل كما قلنا.

ولو فرض وجود أجيرين أحدهما يأخذ أُجرة المثل والآخر يرضى بالأقل فالظاهر وجوب استئجار الثاني للانصراف إلى الأقل في هذا الفرض ، بل لأنّ الثابت في ذمّة الميت نفس الحج ، والطبيعي ينطبق على الأقل فليس للوصي تطبيقه على الأكثر ، ويكون الزائد للورثة ولا يجوز له التصرف فيه إلّا برضاهم.

(١) هل يجب على الوصي الفحص عمن يرضى بالأقل؟ الظاهر عدم وجوبه لأصالة عدم وجدانه خارجاً ، ولا يستلزم ذلك تفويتاً ولا تزاحماً بالنسبة إلى حق الورثة ، إذ لم ينتقل هذا المقدار من المال إلى الورثة ليتحقق التزاحم ، فله الاستئجار بالمثل ولو احتمل وجود الأقل بل حتى ولو ظن ، لعدم العبرة بالظن فإنّه كالشك.

(٢) تارة نفرض أن المتبرِّع أتى بالحج وأُخرى نفرض أنّه تبرّع ولكنّه لم يأت به بعد.

أمّا الأوّل : فلا ريب في عدم جواز الاستئجار حينئذ ، لأنّ الواجب على الوصي تفريغ ذمّة الميت بالاستئجار ، فإذا فرض فراغ ذمّته بالتبرع ليس له الاستئجار ، لعدم بقاء شي‌ء في ذمّة الميت حتى يستأجر عنه ، فلا موضوع للاستئجار ، كالدين المتبرع

__________________

(*) لا بأس بتركه.

(**) فيه إشكال ، بل منع.

٩٢

ولو لم يوجد من يرضى بأُجرة المثل فالظاهر وجوب دفع الأزيد إذا كان الحج واجباً (١) بل وإن كان مندوباً أيضاً مع وفاء الثّلث ، ولا يجب الصبر إلى العام القابل ولو مع العلم بوجود من يرضى بأُجرة المثل أو أقل ، بل لا يجوز لوجوب المبادرة إلى تفريغ ذمّة الميت في الواجب والعمل بمقتضى الوصيّة في المندوب

______________________________________________________

به ، فإنه لو تبرع أحد بالدين لا يجب على الوصي بل لا يجوز له إعطاء المال للدائن لانتقال المال إلى الورثة ، ولا يجوز لأحد التصرف فيه بدون رضاهم ، لأنّ المفروض فراغ ذمّة الميت فلا موضوع لأداء الدّين عنه.

وأمّا الثاني : فلا يجب على الوصي الصبر حتى يأتي به المتبرع توفيراً للورثة ، بل له أن يعطي الحج قبل إتيان المتبرِّع به ولا سيما إذا أراد التأخير إلى سنة أُخرى ، لأنّ المال قبل الإتيان بالحج لم ينتقل إلى الورثة بل هو باق على ملك الميت وإنما ينتقل إلى الورثة بعد الأداء ، ولا يجب على الوصي السعي لتحصيل النفع للورثة بإيجاد موضوع الإرث. والحاصل : القدر المسلم هو عدم جواز تفويت حق الورثة أو مزاحمتهم ، وأمّا إيجاد الموضوع لإرثهم فغير واجب ، فالصبر إلى أن يأتي المتبرع بالحج أو يؤدي الدّين غير لازم ، بل ليس للميت أن يوصي على هذا النحو وإنما له الوصية بالحج عنه ما لم يؤت بالواجب لا ما لم يتبرع به أحد.

(١) إذ لا موجب للتأخير بعد ما كان الواجب تفريغ ذمّة الميت في هذه السنة لأنّ الحج واجب فوري ، والثابت في ذمّته نفس الحج لا قيمته فيجب دفع الأزيد هذا كلّه في الحج الواجب الأصلي.

وأمّا الحج المندوب في نفسه وإن عرضه الوجوب بالوصية فإن لم يعيّن الأُجرة فاللّازم الاقتصار على اجرة المثل للانصراف إليها ، وإن وجد الأقل تعين ولا مجال للتصرّف في الأزيد ، وأمّا الانصراف إلى أُجرة المثل فقد عرفت أنه لنفي الأزيد لا الأقل.

وأمّا لو عيّن الأُجرة فتارة يعيّن الأُجرة المتعارفة وأُخرى يعيّن الأقل منها.

٩٣

وإن عيّن الموصي مقداراً للأُجرة تعيّن وخرج من الأصل في الواجب إن لم يزد على اجرة المثل وإلّا فالزيادة من الثّلث ، كما أنّ في المندوب كلّه من الثّلث.

______________________________________________________

أمّا في الصورة الأُولى فيؤخذ بذلك إن لم يزد ما عيّنه على الثّلث.

وأمّا في الصورة الثانية فإن وجد من يقبل ذلك فهو وإلّا فيبنى على مسألة تعدّد المطلوب ووحدته ، فإن قلنا بالتعدّد يعطى الأكثر وأمّا لو قلنا بعدم التعدّد فالوصية باطلة لتعذر العمل بها.

ولو تبرّع متبرِّع بالحج في مورد الوصية به لا يوجب سقوط العمل بالوصية ، بل الوصية باقية على حالها فيجب العمل بها ، فإن التبرّع إنما يفيد في الحج الواجب الأصلي ، لما عرفت أن الوجوب فرع اشتغال الذمّة ، وإذا فرغت ذمّته بالتبرع لا مورد للوجوب ، بخلاف المقام فإن الوجوب من ناحية الإيصاء وهو باق على حاله حتى لو تبرّع متبرِّع.

ولو أوصى بالحج وانصرف الإيصاء به إلى الأُجرة المتعارفة ولكن فرضنا أنه لم يوجد من يرضى بالأُجرة المتعارفة في هذه السنة فهل يجوز التأخير إلى السنة القادمة أم لا؟ ذكر المصنف (قدس سره) أنه لا يجوز بل تجب المبادرة إلى العمل بالوصية لأنّ العمل بها واجب فوري والتعطيل في العمل بها تصرف في مال الميت بغير إذنه فاللّازم عليه تنفيذ الوصية ولو بإعطاء المقدار الزائد على المتعارف فيما إذا كان لا يزيد على الثّلث فإنّ ذلك لا يضر الورثة ، فإنّ هذا المقدار من المال للميت ويجب صرفه فيما أوصاه ، فالتأخير توفيراً للورثة لا موجب له أصلاً ، وما ذكره صحيح.

٩٤

[٣١٧٢] مسألة ٤ : هل اللازم في تعيين اجرة المثل الاقتصار على أقل الناس اجرة أو يلاحظ من يناسب شأن الميت في شرفه وضعته؟ لا يبعد الثاني والأحوط الأظهر الأوّل (*) ، ومثل هذا الكلام يجري أيضاً في الكفن الخارج من الأصل أيضاً (١).

______________________________________________________

(١) يظهر من كلامه (قدس سره) أن مورد هذه المسألة حجّة الإسلام لتنظيره ذلك بكفن الميت ، حيث يظهر من ذلك أن مورد الكلام هو الواجب الأصلي الذي يخرج من الأصل. وكيف كان ، لم يستبعد ملاحظة شأن الميت شرفاً وضعة ، ولكن ذكر أن الأحوط الأظهر الاقتصار على أقل النّاس اجرة.

أقول : أمّا كونه أظهر فيمكن توجيهه بأن الواجب هو الطبيعي ويمكن انطباقه على الأقل ومعه لا موجب لتطبيقه على الأكثر. وأمّا كونه أحوط فلا ، لأنّ المال مردّد بين الميت والورثة فكيف يكون الاقتصار على الأقل أحوط مع احتمال كون المال وما يصرف في الحج راجعاً إلى الميت نفسه.

بل الأظهر هو الثاني ، فإن اللّازم في تعيين الأُجرة ملاحظة شأن الميت وأن لا يكون هتكاً له ، فإن النّاس مختلفة شرفاً وضعة بالنسبة إلى من يستأجر عنهم ، وكل أحد لا يناسب أن يكون أجيراً لذي الشرف والعز ، والعبرة بحال الميت من حيث الرفعة والضعة ، كما هو الحال في الكفن ، والسيرة قائمة على ذلك ، ويمكن استظهار ذلك من بعض النصوص كقوله (عليه السلام) : «يحجّ عنه من صلب ماله» (١) لظهوره في الحج من ماله ممّا يناسب شأنه واعتباره. وبعبارة اخرى : أدلّة إخراج مصارف الحج من التركة ناظرة إلى التعارف الخارجي ، والتعارف الخارجي يختلف حسب اختلاف النّاس.

__________________

(*) فيه إشكال ، بل منع.

(١) الوسائل ١١ : ٧٢ / أبواب وجوب الحج ب ٢٨ ح ٤.

٩٥

[٣١٧٣] مسألة ٥ : لو أوصى بالحج وعيّن المرّة أو التكرار بعدد معيّن تعيّن (١) وإن لم يعيّن كفى حج واحد إلّا أن يعلم أنه أراد التكرار ، وعليه يحمل ما ورد في الأخبار من أنه يحج عنه ما دام له مال كما في خبرين أو ما بقي من ثلثه شي‌ء كما في ثالث بعد حمل الأولين على الأخير من إرادة الثّلث من لفظ المال ، فما عن الشيخ وجماعة من وجوب التكرار ما دام الثّلث باقياً ضعيف.

______________________________________________________

(١) لوجوب العمل على طبق الوصية ، وأمّا التكرار فإنما يجب فيما إذا كان الثّلث وافياً ، وإن أطلق ولم يعيّن كفى حج واحد ، لأنّ الوصية بطبيعي الحج وهو يحصل بالمرّة.

ولكن نسب إلى الشيخ (١) وتبعه جماعة منهم صاحب الحدائق (٢) وجوب التكرار ما دام الثّلث باقياً ووافياً ، واستدلوا بالروايات كقوله (عليه السلام) في بعضها : «يحج عنه ما دام له مال» (٣) أو «ما بقي من ثلثه شي‌ء» (٤) كما في البعض الآخر.

والظاهر من قوله : «ما دام له مال» هو ثلث الميت لأنّ ماله هو الثّلث فيوافق الخبر الآخر الدال على أنه «يحج عنه ما بقي من ثلثه شي‌ء» ، فليس المقام من باب حمل المطلق على المقيّد كما توهم المصنف (قدس سره) ، فإن مال الميت لا إطلاق له بل هو منحصر في الثّلث ، فالروايات متحدة في هذا المعنى.

ثمّ إن المصنف أجاب عن الروايات بوجهين :

أحدهما : أنها محمولة على ما إذا علم أنه أراد التكرار.

ويرد عليه أن ذلك بعيد جدّاً ، للتصريح في الروايات بأن الموصي أبهم ولم يسمّ شيئاً ونحو ذلك مما يدل على الجهل بمراده.

ثانيهما : إعراض الأصحاب عنها فلا بدّ من طرحها.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٠٨ / ١٤١٩ ، ١٤٢٠.

(٢) الحدائق ١٤ : ٢٩٩.

(٣) ٤) الوسائل ١١ : ١٧١ / أبواب النيابة في الحج ب ٤ ح ١ ، ٢.

٩٦

مع أنه يمكن أن يكون المراد من الأخبار أنه يجب الحج ما دام يمكن الإتيان به ببقاء شي‌ء من الثّلث بعد العمل بوصايا أُخر ، وعلى فرض ظهورها في إرادة التكرار ولو مع عدم العلم بإرادته لا بدّ من طرحها لإعراض المشهور عنها (*) فلا ينبغي الإشكال في كفاية حج واحد مع عدم العلم بإرادة التكرار ، نعم لو أوصى بإخراج الثّلث ولم يذكر إلّا الحج يمكن أن يقال (**) بوجوب صرف تمامه

______________________________________________________

وهذا الوجه مردود أيضاً لما ذكرنا غير مرّة أنه لا عبرة بإعراض الأصحاب. والصحيح في الجواب أن الروايات في نفسها ضعيفة غير قابلة للاعتماد عليها وهي ثلاث روايات :

الاولى : ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن محمّد بن الحسن (الحسين) أنه قال لأبي جعفر (عليه السلام) : «جعلت فداك قد اضطررت إلى مسألتك ، فقال : هات ، فقلت : سعد بن سعد أوصى حجوا عنّي مبهماً ولم يسم شيئاً ولا يدرى كيف ذلك ، فقال : يحج عنه ما دام له مال» (١).

الثانية : ما رواه بإسناده عن ابن فضال عن محمّد بن أُورمة عن محمّد بن الحسن الأشعري مثله إلّا أنه قال : «ما دام له مال يحمله» (٢).

الثالثة : ما رواه عن محمّد بن الحسين بن أبي خالد «عن رجل أوصى أن يحج عنه مبهماً ، فقال : يحج عنه ما بقي من ثلثه شي‌ء» (٣).

أمّا الضعف في الروايات فبمحمّد بن الحسن كما في التهذيب ، المعبّر عنه بمحمّد بن الحسن الأشعري أو محمّد بن الحسن بن أبي خالد أو محمّد بن حسن أبي خالد الأشعري وقد يضاف إليه القمي ، وقد يعبر عنه بمحمّد بن حسن بن أبي خالد

__________________

(*) الأخبار في نفسها ضعيفة فلا حاجة إلى التشبث بالإعراض.

(**) في إطلاقه إشكال.

(١) الوسائل ١١ : ١٧١ / أبواب النيابة في الحج ب ٤ ح ١ ، التهذيب ٥ : ٤٠٨ / ١٤١٩.

(٢) الوسائل ١١ : ١٧١ / أبواب النيابة في الحج ب ٤ ح ١.

(٣) الوسائل ١١ : ١٧١ / أبواب النيابة في الحج ب ٤ ح ٢.

٩٧

في الحج ، وكذا لو لم يذكر إلّا المظالم أو إلّا الزكاة أو إلّا الخمس ، ولو أوصى أن يحج عنه مكرّراً كفى مرّتان لصدق التكرار معه (١).

[٣١٧٤] مسألة ٦ : لو أوصى بصرف مقدار معيّن في الحج سنين معيّنة وعيّن لكل سنة مقداراً معيّناً واتّفق عدم كفاية ذلك المقدار لكل سنة صرف نصيب سنتين في سنة أو ثلاث سنين في سنتين مثلاً وهكذا ، لا لقاعدة الميسور لعدم جريانها (*) في غير مجعولات الشارع ، بل لأنّ الظاهر من حال الموصي إرادة صرف ذلك المقدار في الحج وكون تعيين مقدار كل سنة بتخيّل كفايته ، ويدلّ عليه أيضاً خبر علي بن محمّد الحضيني وخبر إبراهيم بن مهزيار ففي الأوّل تجعل حجّتين في حجّة وفي الثاني تجعل ثلاث حجج في حجّتين ، وكلاهما من باب المثال كما لا يخفى (٢).

______________________________________________________

شنبوله ، وروى عنه الشيخ في الاستبصار (١) إلّا أن فيه محمّد بن الحسين بن أبي خالد والصحيح ما في التهذيب ، وعلى كل تقدير لم تثبت وثاقته (٢).

(١) ما ذكره وإن كان صحيحاً ولكن لا يتم على إطلاقه ، وإنما نلتزم بذلك فيما إذا كان للكلام ظهور في صرف جميع الثّلث في الحج أو الزكاة ، وأمّا إذا كان ظاهراً في أمرين مستقلين أي إخراج الثّلث وإخراج الحج فلا وجه لصرف تمام الثّلث في الحج بل الظاهر حينئذ صرف مقدار منه في الحج وصرف البقيّة في سائر الأُمور الخيرية فالمتبع ظهور الكلام.

ولو أوصى أن يحج عنه مكرراً كفى مرّتان لصدق التكرار بذلك ولا تجب الزيادة.

(٢) قد استدل على ذلك مضافاً إلى عدم الخلاف بوجوه :

الأوّل : قاعدة الميسور.

الثاني : ظهور حال الموصي في صرف المقدار المعيّن في الحج ، وإنما عيّن مقداراً

__________________

(*) القاعدة في نفسها غير تامّة وعلى تقدير تماميتها تجري في المقامين من غير فرق.

(١) الإستبصار ٤ : ١٣٧ / ٥١٣.

(٢) قد تعرّض سيِّدنا الأُستاذ (دام ظلّه الشّريف) تفصيل ذلك في معجم رجال الحديث ١٦ : ٢١٦.

٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

خاصّاً لكل سنة لتخيل كفايته لحجتين أو ثلاث.

الثالث : خبران لإبراهيم بن مهزيار.

أقول : أمّا قاعدة الميسور فقد أورد عليها المصنف (قدس سره) بأنها تجري في خصوص المجعولات الشرعيّة ، وأمّا في غيرها كالوصية في المقام فلا ، لأنّ القاعدة ناظرة إلى الأحكام المجعولة من قبل الشارع لا الأحكام المجعولة من قبل الموصي ونحوه.

والصحيح في الجواب : أنّ القاعدة كما ذكرنا مراراً لا أساس لها وهي مخدوشة كبرى وصغرى ، ولا تجري في الواجبات الارتباطية. نعم ، في الواجبات المستقلّة غير المرتبطة يقتصر على الميسور لا لقاعدة الميسور بل لأنّ الاقتصار على الميسور في هذه الواجبات بحكم العقل ، فإن العجز عن إتيان تمام الواجب لا يوجب سقوط الواجب عنه بالمرّة ، مثلاً لو عجز عن صيام تمام شهر رمضان وتمكّن منه في بعض الأيّام من الشهر يجب عليه الصيام في تلك الأيّام ، وهكذا الدين فإنه لو كان عاجزاً عن أداء تمام الدّين لا يوجب سقوط الأداء حتى بالنسبة إلى المقدار الممكن.

ولو تنزلنا والتزمنا بتمامية القاعدة ولو لأجل الانجبار فمقتضاها ثبوت حكم جديد على الميسور مغاير للحكم الأوّل الثابت لتمام الأجزاء ، فإن الحكم الأوّل تعلق بمجموع الأجزاء وقد انتفى بانتفاء المركب ، فالحكم الثاني الثابت للباقي حكم جديد يغاير الأوّل لا أنه يكشف عن بقاء الحكم الأوّل ، وعليه لا مانع من شمول القاعدة للمقام ، لأنّ العمل بالوصية بتمامها إذا كان غير ممكن فلا مانع من العمل بالمقدار الممكن منها.

والحاصل : القاعدة في نفسها غير تامّة وعلى تقدير تماميتها تجري في المقامين من غير فرق.

وأمّا الوجه الثاني : فلا بأس به في الجملة ويمكن قبوله في بعض الموارد.

وأمّا الوجه الثالث : فإن الخبرين رواهما الشيخ عن إبراهيم بن مهزيار.

أحدهما : ما رواه بإسناده عن محمّد بن علي بن محبوب عن إبراهيم بن مهزيار قال : «كتب إليه علي بن محمّد الحضيني أن ابن عمي أوصى أن يحجّ عنه بخمسة عشر

٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ديناراً في كلّ سنة ، وليس يكفي ، ما تأمرني في ذلك؟ فكتب (عليه السلام) : يجعل حجّتين في حجّة ، فإن الله تعالى عالم بذلك» (١).

ثانيهما : ما رواه عنه أيضاً قال : «كتبت إليه (عليه السلام) : أن مولاك علي بن مهزيار أوصى أن يحجّ عنه من ضيعة صيّر ربعها لك في كل سنة حجّة إلى عشرين ديناراً وأنه قد انقطع طريق البصرة ، فتضاعف المؤن على الناس ، فليس يكتفون بعشرين ديناراً ، وكذلك أوصى عدّة من مواليك في حجهم ، فكتب (عليه السلام) : يجعل ثلاث حجج حجتين إن شاء الله» (٢) ورواهما الصدوق أيضاً عن إبراهيم بن مهزيار مسنداً (٣) ورواهما الكليني عنه مرسلاً (٤) ، وراوي الخبرين إنما هو إبراهيم بن مهزيار ، والمصنف نسب الأوّل إلى علي بن محمّد الحضيني وليس كذلك ، فإن الحضيني هو الكاتب إلى الإمام (عليه السلام) لا الراوي عنه ، ودلالتهما واضحة ، وذكر الثلاث والاثنين من باب المثال قطعاً ، فلو كانت الحجة خمسة مثلاً ولا يكفي المال لها يصرف في أربعة أو ثلاثة إذا كان المال وافيا.

إنّما الكلام في السند فقد ذكر السيّد في المدارك أن في الروايتين ضعفاً (٥) ، وأورد عليه في الحدائق بأن طريق الصّدوق إلى إبراهيم بن مهزيار صحيح بل في أعلى مراتب الصحّة ، وأمّا إبراهيم فهو ثقة (٦).

ولكن لا يخفى أن إبراهيم بن مهزيار لم يصرح بوثاقته في كتب الرجال إلّا أنه قد يستدل على ذلك بوجوه عمدتها وأساسها ما عن السيّد ابن طاوس في ربيع الشيعة أنه من سفراء الصّاحب (عجّل الله تعالى فرجه) والأبواب المعروفين الذين لا تختلف

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٦٩ / أبواب النيابة في الحج ب ٣ ح ١ ، التهذيب ٥ : ٤٠٨ / ١٤١٨.

(٢) الوسائل ١١ : ١٧٠ / أبواب النيابة في الحج ب ٣ ح ٢ ، التهذيب ٩ : ٢٢٦ / ٨٩٠.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٧٢ / ١٣٢٧ ، ١٣٢٦.

(٤) الكافي ٤ : ٣١٠ / ١ ، ٢.

(٥) المدارك ٧ : ١٤٤.

(٦) الحدائق ١٤ : ٢٩٧.

١٠٠