موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

[٣١٥٩] مسألة ١٨ : إذا أتى النائب بما يوجب الكفّارة فهو من ماله (١).

[٣١٦٠] مسألة ١٩ : إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل بمعنى الحلول في مقابل الأجل لا بمعنى الفورية إذ لا دليل عليها ، والقول بوجوب التعجيل إذا لم يشترط الأجل ضعيف ، فحالها حال البيع في أن إطلاقه يقتضي الحلول بمعنى جواز المطالبة ووجوب المبادرة معها (٢).

______________________________________________________

فللمستأجر الخيار ، ولو كان على نحو التقييد لم تجب إجابته ، وذكر بعضهم وجوب القبول ولا وجه له أصلاً ، لأنه جعل جديد وعقد جديد يحتاج إلى رضا مستقل للتغاير والتباين بين العمل المستأجر عليه وبين ما يأتي به في السنة اللّاحقة.

ومنها : هل تقسط الأُجرة بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال؟ ويشكل بأن المستأجر عليه هو العمل المربوط والأجزاء المتعاقبة ، ولا عبرة بالأبعاض والأجزاء نظير ما لو استؤجر للصلاة فمات في أثنائها أو مات في أثناء النهار إذا استؤجر للصوم ، فإنّه لا يستحق شيئاً من الأجر للتغاير والتباين بين المستأجر عليه وما أتى به ، وهما شيئان متغايران فإنّ الطبيعي بشرط شي‌ء يغاير الطبيعي بشرط لا.

(١) لا ريب في ثبوت الكفّارة على الأجير دون المستأجر ، لأنّ الأجير هو المباشر لما يوجبه فالتكليف متوجه إليه بنفسه ، ولا مقتضي لضمان المستأجر وأدائه أصلاً.

(٢) لو آجر نفسه للحج على الإطلاق أو لعمل من الأعمال من دون تعيين لسنة خاصّة وأجل معيّن فإطلاق الإجارة يقتضي التعجيل بمعنى الحلول في مقابل الأجل يعني أن الأجير ليس له التأخير إذا طالبه المستأجر ، إذ لا أجل له لينتظر الأجل وأمّا التعجيل بمعنى الفورية ووجوب الأداء من غير مطالبة فلا دليل عليه.

وذهب جماعة إلى التعجيل بمعنى الفورية بدعوى أن العمل المستأجر عليه الثابت في ذمّته مال للغير ، ولا يجوز التصرّف فيه إلّا بإذن المالك ورضاه ، وإبقاؤه في ذمّته وعدم تسليمه إلى المستأجر نوع من التصرف فلا يجوز إلّا برضا صاحبه.

٦١

[٣١٦١] مسألة ٢٠ : إذا قصرت الأُجرة لا يجب على المستأجر إتمامها كما أنّها لو زادت ليس له استرداد الزائد ، نعم يستحب الإتمام كما قيل بل قيل : يستحب على الأجير أيضاً رد الزائد ، ولا دليل بالخصوص على شي‌ء من القولين نعم يستدل على الأوّل بأنه معاونة على البر والتقوى وعلى الثاني بكونه موجباً للإخلاص في العبادة (١).

[٣١٦٢] مسألة ٢١ : لو أفسد الأجير حجّة بالجماع قبل المشعر فكالحاج عن نفسه يجب عليه إتمامه والحج من قابل وكفارة بدنة (٢) ،

______________________________________________________

وتضعف بأن إبقاء المال في الذمّة لا يعد تصرفاً في مال الغير ليتوقف على رضاه وإذنه ، ولا يقاس بإبقاء الأعيان الخارجية وعدم ردها إلى أصحابها فإن ذلك تصرف فيها قطعاً ، نظير من استعار ثوباً ونحوه فإنه ليس للمستعير إبقاء العين عنده بعد الانتفاع به في المدّة المقررة بل عليه إرجاعها وردّها ، فإن إبقاء العين نوع من الاستيلاء وهو تصرّف يتوقف على رضا المالك.

(١) يشكل الحكم بالاستحباب في الموردين بالعنوان الخاص الذي ذكره الفقهاء لعدم الدليل عليه ، وإنما ورد في عدّة من النصوص (١) عدم وجوب الرد.

أمّا الاستدلال لاستحباب الإتمام بالإعانة على البر والتقوى فإنما يتم لو كان في أثناء العمل أو قبله ، وأمّا بعد صدور العمل من الأجير فإعطاء المال له ليس معاونة على البر والتقوى ، كما أن ردّ المال الزائد بعد العمل لا يكون دخيلاً في إخلاص العبادة ، نعم يمكن الحكم بالاستحباب بعنوان آخر كالاحسان وإعطاء المال لأحد ونحو ذلك ، وأمّا الحكم بالاستحباب بعنوان التتميم أو ردّ المال فلا دليل عليه.

(٢) لإطلاق النصوص (٢) وشمولها للحاج عن نفسه وعن غيره. إنما الكلام في أن الأجير هل يستحق الأُجرة على الأوّل أو لا؟ قولان مبنيان على مسألة أُخرى وهي

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٧٩ / أبواب النيابة في الحج ب ١٠.

(٢) الوسائل ١٣ : ١١٠ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣.

٦٢

وهل يستحقّ الأُجرة على الأوّل أو لا؟ قولان مبنيّان على أنّ الواجب هو الأوّل وأنّ الثاني عقوبة أو هو الثاني وأنّ الأوّل عقوبة.

______________________________________________________

أن الواجب الأصلي هو الحج الأوّل والثاني عقوبة ، أو عكس ذلك وأنّ الحج الأوّل فاسد وإنّما أُمر بإتمامه عقوبة والواجب الأصلي هو الحج الثاني.

فعلى الأوّل فقد أتى الأجير بالحج المستأجر عليه وبرئت ذمّة المنوب عنه ، فلو فرضنا أنّ الأجير مات قبل أن يأتي بالحج الثاني أو تركه نسياناً أو عصياناً فلا يوجب ذلك خللاً في فراغ ذمّة المنوب عنه ، غاية الأمر أنّه لم يأت الأجير بوظيفته المقررة لنفسه فذمّته بنفسه مشغولة ، وعلى هذا لا ينبغي الريب في استحقاق الأجير تمام الأُجرة المسماة لتسليم العمل بتمامه وكماله إلى المستأجر وإن ترك ما هو الواجب عليه بنفسه ، فإنه أجنبي عن العمل المستأجر عليه ، خلافاً لصاحب الجواهر (١) وجماعة فإنهم أصروا على أن الحج الأوّل فاسد وإنما وجب إتمامه عقوبة والواجب الأصلي هو الثاني ، لإطلاق الفاسد على الأوّل في النص والظاهر منه الفساد حقيقة وحمله على الفساد الحكمي مجاز لا داعي له.

والتحقيق : أن الواجب الأصلي هو الأوّل والثاني عقوبة ، ولا بدّ من حمل الفساد الوارد في بعض النصوص بالنسبة إليه على الفساد المجازي ، للنصوص الدالّة على فراغ ذمّة الحاج عن نفسه وفراغ ذمّة المنوب عنه والدالّة على أن الأوّل هو الواجب الأصلي والثاني عقوبة.

منها : صحيحة زرارة «عن محرم غشي امرأته وهي محرمة إلى أن قال : وعليهما بدنة وعليهما الحج من قابل ... قلت : فأي الحجتين لهما؟ قال : الأُولى التي أحدثا فيها ما أحدثا والأُخرى عليهما عقوبة» (٢) وهذه الصحيحة وإن كان صدرها مطلقاً من حيث الحاج عن نفسه والحاج عن غيره ولكن يظهر من الذيل لقوله «أي الحجتين

__________________

(١) الجواهر ١٧ : ٣٨٩.

(٢) الوسائل ١٣ : ١١٢ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٩.

٦٣

قد يُقال بالثاني للتعبير في الأخبار بالفساد الظاهر في البطلان ، وحمله على إرادة النقصان وعدم الكمال مجاز لا داعي إليه ، وحينئذ فتنفسخ الإجارة (*) إذا كانت معيّنة ولا يستحق الأُجرة ويجب عليه الإتيان في القابل بلا اجرة ، ومع إطلاق الإجارة تبقى ذمّته مشغولة ويستحق الأُجرة على ما يأتي به في القابل والأقوى صحّة الأوّل وكون الثاني عقوبة لبعض الأخبار الصريحة في ذلك في الحاج عن نفسه ، ولا فرق بينه وبين الأجير ، ولخصوص خبرين في خصوص الأجير عن إسحاق بن عمّار عن أحدهما (عليهما السلام) «قال قلت : فإن ابتلي بشي‌ء يفسد عليه حجّه حتى يصير عليه الحج من قابل أيجزئ عن الأوّل؟ قال : نعم ، قلت : فإن الأجير ضامن للحج ، قال : نعم» وفي الثاني سئل الصادق (عليه السلام) : «عن رجل حج عن رجل فاجترح في حجّه شيئاً يلزم فيه الحج من قابل أو كفّارة ، قال (عليه السلام) : هي للأوّل تامّة وعلى هذا ما اجترح» فالأقوى استحقاق الأُجرة على الأوّل وإن ترك الإتيان من قابل عصياناً أو لعذر ، ولا فرق بين كون الإجارة مطلقة أو معيّنة ، وهل الواجب إتيان الثاني بالعنوان الذي أتى به الأوّل فيجب فيه قصد النيابة عن المنوب عنه وبذلك العنوان أو هو واجب عليه

______________________________________________________

لهما» أنهما حجا عن أنفسهما ، إذ يبعد أن يكون حج الزوج والزوجة معاً عن الغير.

وكيف كان ، الرواية صريحة في أن الحج الأوّل هو الأصلي والثاني عقوبة ، ويترتب على ذلك أنه لو مات لا يخرج الثاني من صلب المال.

ومنها : روايتان في خصوص الأجير :

الأُولى : صحيحة إسحاق بن عمّار ، قال : «سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجّة فيعطى رجل دراهم يحج بها عنه ... قلت : فإن ابتلي بشي‌ء يفسد عليه حجّه حتى

__________________

(*) بل للمستأجر أن يطالب اجرة مثل العمل الفائت عليه كما أن له فسخ الإجارة ومطالبة المسماة.

٦٤

تعبّداً ويكون لنفسه؟ وجهان ، ولا يبعد الظهور في الأوّل ولا ينافي كونه عقوبة فإنّه يكون الإعادة عقوبة ، ولكن الأظهر الثاني ، والأحوط أن يأتي به بقصد ما في الذمّة (١) ،

______________________________________________________

يصير عليه الحج من قابل أيجزئ عن الأوّل؟ قال : نعم ، قلت : لأنّ الأجير ضامن للحج؟ قال : نعم» (١).

الثانية : صحيحة أُخرى له أيضاً «في الرجل يحج عن آخر فاجترح في حجّه شيئاً يلزمه فيه الحج من قابل أو كفّارة؟ قال : هي للأوّل تامّة وعلى هذا ما اجترح» (٢).

وهذه الروايات صريحة في صحّة الحج الأوّل وأنه الحج الأصلي والثاني عقوبة ، ولا موجب لرفع اليد عن الروايات بعد وضوح دلالتها وصحّة أسانيدها ، فحينئذ يستحق الأجير الأُجرة على الأوّل وإن وجب عليه الحج ثانياً عقوبة على نفسه في السنة اللّاحقة ، وتفرغ ذمّة المنوب عنه وإن لم يأت النائب بالحج الثاني في العام القابل عصياناً أو عذرا.

(١) استظهر في المتن أوّلاً الوجه الأوّل ، وقد يوجه بأن الحج الثاني نظير القضاء فإذا كان العامل في الأوّل نائباً كان الثاني كذلك ، ولكن ما استظهره ثانياً هو الصحيح ، لأنّ الظاهر من النص كون الثاني عقوبة على من ارتكب ما يوجبها ويكون أجنبياً عن المنوب عنه كما يظهر من موثق إسحاق ، لقوله (عليه السلام) : «وعلى هذا ما اجترح» فإن ذلك واضح الدلالة على أن الحج الثاني إنما وجب من قبل النائب المجترح ، ومن المعلوم أن المنوب عنه ليس بمجترح ، فهذا الحج أجنبي عنه بالمرّة.

ولا فرق بين كون الإجارة مطلقة أو مقيّدة بهذه السنة ، لأنّ مقتضى إطلاق الموثقة صحّة الحج الأوّل مطلقاً ، فيستحق تمام الأُجرة وإن وجب عليه الحج ثانياً في القابل كفّارة وعقوبة لما اجترحه ، هذا كله إن قلنا بأن الحج الواجب عليه بالأصل هو الأوّل

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٨٥ / أبواب النيابة في الحج ب ١٥ ح ١ ، ٢.

(٢) الوسائل ١١ : ١٨٥ / أبواب النيابة في الحج ب ١٥ ح ١ ، ٢.

٦٥

ثمّ لا يخفى عدم تمامية ما ذكره ذلك القائل من عدم استحقاق الأُجرة في صورة كون الإجارة معيّنة ولو على ما يأتي به في القابل ، لانفساخها وكون وجوب الثاني تعبّداً لكونه خارجاً عن متعلق الإجارة وإن كان مبرئاً لذمّة المنوب عنه ، وذلك لأنّ الإجارة وإن كانت منفسخة بالنسبة إلى الأوّل لكنها باقية بالنسبة إلى الثاني

______________________________________________________

والثاني عقوبة.

وأمّا لو قلنا بأن الفرض هو الثاني والأوّل فاسد فحينئذ يقع الكلام في جهات :

الاولى : يظهر من كلماتهم أن الإجارة تنفسخ حينئذ إذا كانت معيّنة ومقيّدة بهذه السنة ولا يستحق الأُجرة ويجب عليه الإتيان في القابل بلا اجرة ، وإذا كانت مطلقة تبقى ذمّته مشغولة.

ويرد عليهم ما عرفته غير مرّة من أنه لا موجب للانفساخ في أمثال المقام ، لأنّ مجرد عدم الإتيان بالعمل المستأجر عليه اختياراً وعدم تسليمه غير موجب للانفساخ. نعم ، إذا كان عاجزاً عن الإتيان به ينكشف بطلان الإجارة ، فمن استأجر شخصاً للصلاة مثلاً ولم يأت بها الأجير اختياراً أو أفسدها لا تبطل الإجارة ، وإنما يملك المستأجر العمل في ذمّة الأجير فإن سلّمه فهو وإلّا يثبت الخيار للمستأجر ، فإن فسخ يرجع إلى الأجر المسمى وإن لم يفسخ يرجع إلى قيمة العمل الثابت في ذمّة الأجير لأنه فوّته على المستأجر ، وأمّا الأُجرة المسماة فيستحقها الأجير حسب العقد وقد تختلفان كثرة وقلّة ، فعلى كلا التقديرين فسخ أو لم يفسخ لا يستحق الأُجرة على العمل الفاسد ولكن الإجارة لا تفسد.

وبعبارة اخرى : إن فسخ المستأجر يرجع إلى الأجير في الأجر المسمى ويطالبه منه ، وإن لم يفسخ فللمستأجر مطالبة الأجير بأُجرة مثل العمل الفائت عليه ، وقد تكون أكثر من المسمّى وقد تكون مساوية له وقد تكون أقل ، فالأجير لا يحصل شيئاً من الأجر المسمّى إلّا في صورة واحدة وهي ما إذا كانت قيمة العمل أقل من الأجر المسمّى.

٦٦

تعبّداً لكونه عوضاً شرعياً (*) تعبّدياً عما وقع عليه العقد ، فلا وجه لعدم استحقاق الأُجرة على الثاني. وقد يقال بعدم كفاية الحج الثاني أيضاً في تفريغ ذمّة المنوب عنه بل لا بدّ للمستأجر أن يستأجر مرّة أُخرى في صورة التعيين وللأجير أن يحجّ ثالثاً في صورة الإطلاق ، لأنّ الحج الأوّل فاسد والثاني إنّما وجب للإفساد عقوبة فيجب ثالث إذ التداخل خلاف الأصل ، وفيه : أن هذا إنما يتم إذا لم يكن الحج في القابل بالعنوان الأوّل ، والظاهر من الأخبار (**) على القول بعدم صحّة الأوّل وجوب إعادة الأوّل وبذلك العنوان فيكفي في التفريغ ولا يكون من باب التداخل فليس الإفساد عنواناً مستقلا ، نعم إنما يلزم ذلك إذا قلنا إن الإفساد موجب لحج مستقل لا على نحو الأوّل وهو خلاف ظاهر الأخبار ، وقد يقال في صورة التعيين إنّ الحج الأوّل إذا كان فاسداً وانفسخت الإجارة يكون لنفسه فقضاؤه في العام القابل أيضاً يكون لنفسه ولا يكون مبرئاً لذمّة المنوب عنه فيجب على المستأجر استئجار حج آخر ، وفيه أيضاً ما عرفت (***) من أن الثاني واجب بعنوان إعادة الأوّل ، وكون الأوّل بعد انفساخ الإجارة بالنسبة إليه لنفسه لا يقتضي كون الثاني له وإن كان بدلاً عنه ، لأنّه بدل عنه بالعنوان المنوي لا بما صار إليه بعد الفسخ ، هذا. والظاهر عدم الفرق في الأحكام المذكورة بين كون الحج الأوّل المستأجر عليه واجباً أو مندوباً ، بل الظاهر جريان حكم وجوب الإتمام والإعادة في النيابة تبرّعاً أيضاً وإن كان لا يستحق الأُجرة أصلاً.

______________________________________________________

الجهة الثانية : بعد البناء على فساد الحج الأوّل لو أتى بالحج من قابل فهل يستحق اجرة على العمل الثاني أم لا؟ ذكر جماعة أنه لا يستحق الأُجرة عليه وإن أتى به عن المنوب عنه وفرغت ذمّته ، وذلك لعدم إتيان العمل المستأجر عليه في السنة

__________________

(*) الأمر بالحج من قابل لا يستلزم كونه عوضاً شرعياً وإبقاء للإجارة تعبداً عما وقع عليه العقد.

(**) لا ظهور للأخبار في ذلك.

(***) قد مرّ ما فيه [في التعليقة المتقدّمة].

٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المعيّنة ، وما أتى به من الحج الثاني لم يكن بأمر من المستأجر حتى يوجب الضمان وإنما أتى به بأمر من الله تعالى عقوبة عليه.

وأورد عليهم المصنف (رحمه الله) بأن الثاني عوض عن الأوّل شرعاً ، ومقتضى البدلية هو الاستحقاق فإن التبديل من قبل المولى الحقيقي ، والإجارة وإن كانت منفسخة بالنسبة إلى الأوّل لكنها باقية بالنسبة إلى الثاني تعبداً لكونه عوضاً شرعيّاً.

وفيه : أنه لم يذكر في شي‌ء من الروايات كون الثاني بدلاً وعوضاً عن الأوّل وإنما ورد فيها الحج من قابل ، وهل هو بدل أو واجب مستقل فالروايات ساكتة عن ذلك بل مقتضى إطلاقها لزوم إتيان الحج ثانياً وإن كان الأوّل ندباً أو تبرعاً ، فلا ملازمة بين الوجوب في القابل وبين كونه عوضاً ، فما ذكره القائل (١) من عدم استحقاق الأُجرة أصلاً لا عن الأوّل لفساده وعدم تسليمه ولا عن الثاني لعدم كونه بأمره بل هو أجنبي عن المستأجر وإنّما سببه وموجبه الأجير هو الصحيح ، نعم تفرغ ذمّة المنوب عنه على كلام سيأتي إن شاء الله تعالى ولكنه لا يلازم استحقاق الأُجرة.

الجهة الثالثة : هل تفرغ ذمّة المنوب عنه بالحج ثانياً أم لا؟ وبعبارة اخرى : بعد ما فرضنا فساد الحج الأوّل هل تفرغ ذمّة المنوب عنه بإتيان الأجير وظيفته من إتمام الحج الأوّل وإتيان الحج من قابل أم لا ، فلا بدّ للمستأجر من الاستئجار ثانياً إما شخصاً آخر في هذه السنة في صورة التعيين ، أو على الأجير أن يحج ثالثاً في صورة الإطلاق؟

ربّما يقال بذلك لأنّ الحج الأوّل فاسد على الفرض والثاني إنما وجب للإفساد عقوبة فيجب ثالث ، ولا دليل على تفريغ ذمّة المنوب عنه بالحج الأوّل ولا بالثاني أمّا الأوّل فلفساده ، وأمّا الثاني فإنما وجب على المجترح نفسه عقوبة فكيف يكون موجباً لفراغ الذمّة.

وأشكل عليه المصنف (قدس سره) بأن الحج الثاني إنما يجب بالعنوان الأوّل ، فإن

__________________

(١) هو صاحب الجواهر ١٧ : ٣٩٠.

٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الظاهر من الأخبار لزوم إتيانه بذلك العنوان ووجوب إعادة الأوّل نظير وجوب القضاء ، ومعنى الإعادة إتيان الشي‌ء ثانياً كما أتى به أوّلاً ، غاية الأمر أن الوجود الأوّل فيه خلل والثاني لا خلل فيه فالواجب هو الإعادة ، فإن كان الأوّل واقعاً بعنوان لا بدّ من وقوع الثاني بذلك العنوان ليتحقق عنوان الإعادة وإلّا لا يصدق عنوان الإعادة على الثاني ، وحيث إن الأوّل وقع بعنوان النيابة فكذلك الثاني لا بدّ من وقوعه بذلك العنوان ويكفي ذلك في التفريغ.

ويضعف بأنّ كلمة الإعادة لم ترد في شي‌ء من الروايات ولا ما يشبه كلمة الإعادة بل المذكور فيها الحج من قابل ، ومقتضى إطلاق الروايات وجوب الحج عليه من قابل بما هو ومن دون تقييده بالعنوان الأوّل ، والأمر بالحج من قابل لم يختص بالأجير حتى يتوهم أن الألف واللّام فيه من باب العهد أي الحج الذي آجره ، فإن مورد الروايات الآمرة بالحج من قابل (١) ليس خصوص الأجير بل موردها مطلق المحرم فلا يتوهّم العهد من الألف واللام أصلاً ، فحاله حال سائر الكفارات الثابتة على نفس المرتكب ، فكما أن الكفّارة تثبت على من أوجد سببها كذلك الحج من قابل ، ولا يظهر من شي‌ء من الروايات أن الواجب عليه هو الحج بالعنوان الأوّل. نعم ، لو فرض إطلاق في هذه الروايات وقلنا بشمولها لما إذا قصد بالثاني الحج عن غيره وفرض أن النائب في مفروض الكلام قد أتى بالثاني بعنوان المنوب عنه صح القول بالإجزاء وفراغ ذمّة المنوب عنه ، ولكن ظاهر قوله «عليه» ونحوه وجوب الحج الثاني على الأجير نفسه ومن قبل نفسه لا بعنوان كونه أجيراً ليأتي بالحج الثاني من قبل شخص آخر.

والحاصل : أنه بناء على فساد الحج الأوّل فإنما يجب الحج من قابل على الأجير نفسه ، وعلى المستأجر أن يستأجر ثانياً لإتيان حج ثالث ، فلا يمكن الحكم بالتفريغ قبل الإتيان بالحج الثالث ، إذ لا مقتضي للبراءة والحكم بالفراغ ، لأنّ الأوّل فاسد على الفرض والثاني عقوبة على الأجير فتبقى ذمّة المستأجر مشغولة فعليه أن

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١١٢ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣.

٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

يستأجر مرّة أُخرى.

هذا كلّه بناءً على فساد الحج الأوّل ، ولكن قد عرفت أن الفرض هو الأوّل والثاني عقوبة عليه فيجزئ عن المنوب عنه الحج الأوّل كما في النصوص ، ويستحق الأُجرة بذلك وإن لم يحج الأجير من قابل لعذر أو غير عذر.

فرع : لو أفسد الحاجّ عن نفسه حجّه لا ريب في أنه يجب عليه الحج ، وهل يجتزئ به عن حجة الإسلام ولا يجب عليه الحج ثالثاً أم عليه الحج ثالثا؟

لا إشكال في الاجتزاء والاكتفاء بما حج ثانياً ولا يجب عليه الحج ثالثاً ، وذلك لظهور الروايات (١) في الاكتفاء بحج واحد ، لأنّ التعبير بأن عليه الحج من قابل أو عليهما الحج من قابل مع كون الروايات في مقام البيان والسكوت عن وجوب حج ثالث يقتضي الاكتفاء بالحج الثاني عن الحج الواجب بالاستطاعة ، وعدم وجوب حج ثالث عليه أو عليهما ، وأوضح من ذلك كلّه صحيح زرارة المتقدِّم (٢) ، فإن المرتكز في ذهن زرارة أنه إذا فسد حجّه يجب عليه حج واحد ولم يتعرّض للحج ثالثاً أصلاً وقد قرره الإمام (عليه السلام) على ذلك.

وبالجملة : السكوت في المقام يدل على عدم وجوب حج ثالث عليه ، فالمستطيع إذا أفسد حجّه يجب عليه إتمامه وحجة أُخرى في القابل ، ولا يجب عليه حجتان بعنوان العقوبة وبعنوان الاستطاعة ، بل يكتفي في العام القابل بحجة واحدة مع إتمامه الحج الأوّل ، هذا إذا كان حجّه الأوّل حجة الإسلام وبعد استطاعته.

وأمّا إذا كان غيرها واستطاع بعد الإفساد فهل يتداخل الحج الواجب بالإفساد مع الحج الواجب بالاستطاعة أم لا؟ الظاهر هو التداخل فلا يجب عليه أن يحج ثالثاً بعنوان حج الإسلام ، فإن التداخل وإن كان على خلاف الأصل لأنّ كل أمر ظاهر في حدوث وجوب عند حدوث سببه لكن هذا فيما إذا كان متعلق كل منهما قابلاً للتعدّد

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١١٠ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣.

(٢) في ص ٦٣.

٧٠

[٣١٦٣] مسألة ٢٢ : يملك الأجير الأُجرة بمجرد العقد ، لكن لا يجب تسليمها إلّا بعد العمل إذا لم يشترط التعجيل ولم تكن قرينة على إرادته من انصراف أو غيره ، ولا فرق في عدم وجوب التسليم بين أن تكون عيناً أو ديناً لكن إذا كانت عيناً ونمت كان النماء للأجير ، وعلى ما ذكر من عدم وجوب التسليم قبل العمل إذا كان المستأجر وصيّاً أو وكيلاً وسلّمها قبله كان ضامناً لها على تقدير عدم العمل من المؤجر أو كون عمله باطلاً ، ولا يجوز لهما اشتراط التعجيل من دون إذن الموكل أو الوارث (*) ، ولو لم يقدر الأجير على العمل مع عدم تسليم الأُجرة كان له الفسخ (**) وكذا للمستأجر ، لكن لما كان المتعارف تسليمها أو نصفها قبل المشي يستحق الأجير المطالبة في صورة الإطلاق ، ويجوز للوكيل والوصي دفعها من غير ضمان (١).

______________________________________________________

وأمّا إذا تعدّد الأمر واتّحد المأمور به وكان المأمور به غير قابل للتعدّد والتكرار يكون الأمر الثاني تأكيداً للأوّل لا محالة ، ولا يبقى ظهور للأمر في التأسيس بل ينقلب إلى ظهور ثانوي وهو التأكيد والتداخل ، وحيث إنّ الحج في العام القابل غير قابل للتعدّد لأنّ كل سنة لا يقع فيها إلّا حج واحد ، والمفروض أنه يجب على هذا الشخص الذي أفسد حجّه الحج من قابل عقوبة وكذا يجب عليه بعنوان الاستطاعة ، لأنّ المستطيع يجب عليه الحج فوراً وفي سنة الاستطاعة ، فيتعلق الأمران بحج واحد فيتداخلان فالتداخل في أمثال المقام على طبق القاعدة.

(١) لا ريب في أن الأجير يملك الأُجرة بمجرد العقد كما هو مقتضى العقد ، ولكن ما لم يسلّم العمل إلى المستأجر ليس له مطالبة الأُجرة لأنّ مبنى المعاوضات على التسليم والتسلم ، فلا يجب على المستأجر تسليم الأُجرة ابتداءً إلّا إذا كان هناك انصراف أو

__________________

(*) لا أثر لإذن الوارث إلّا إذا كانت التركة زائدة على مقدار مئونة الحج بمقدار يكفي للاستئجار مرّة أُخرى فيلزم عليهم الاستئجار ثانياً في الفرض.

(**) بل يبطل العقد لعدم القدرة على التسليم.

٧١

[٣١٦٤] مسألة ٢٣ : إطلاق الإجارة يقتضي المباشرة فلا يجوز للأجير أن يستأجر غيره إلّا مع الإذن صريحاً أو ظاهراً ، والرواية الدالّة على الجواز (*) محمولة على صورة العلم بالرضا من المستأجر (١).

______________________________________________________

قرينة على لزوم إعطاء الأُجرة قبل تسليم العمل.

ثمّ إنه بناء على عدم وجوب تسليم الأُجرة قبل العمل لو أدّى الوكيل أو الوصي الأُجرة قبل تسليم العمل يكون ضامناً ، إذ ليس له إعطاء الأُجرة قبله إلّا إذا وكّله الموكّل على هذا النحو ، وأمّا الوصي فليس له الإعطاء حتى إذا أذن الوارث ، لأنّ المال للميت والوارث أجنبي عنه ولا أثر لإذنه إلّا إذا كانت التركة كثيرة وزائدة على مقدار مئونة الحج ومصارفه مما يكفي للاستئجار مرّة أُخرى ، فإن حصّة الميت حينئذ كالكلِّي في المعيّن ، وإذا تلف مقدار من المال لا ينقص من حصّة الميت شي‌ء. وبالجملة : لا أثر لإذن الوارث فيما إذا أعطى الأُجرة من مال الميت ، نعم إذا أعطى الوارث من كيسه ومن ماله فلا بأس على الوصي أن يعطي الأُجرة قبل التسليم بإذنه.

ثمّ ذكر المصنف (قدس سره) أنه لو لم يقدر الأجير على العمل مع عدم تسليم الأُجرة كان لهما الفسخ ، ولم يظهر لنا وجهه ، لأنّ عدم القدرة على العمل يوجب بطلان العقد لاعتبار القدرة على التسليم في متعلق الإجارة ، فلو فرض أنه غير قادر على العمل ولو لأجل عدم إعطاء الأُجرة له ينفسخ العقد ، لكشف العجز وعدم القدرة من الأوّل عن البطلان.

(١) لا ريب في أن مقتضى إطلاق الإجارة هو مباشرة الأجير لما استؤجر عليه ما لم تكن في البين قرينة على الخلاف ، لأنّ رضا المستأجر حسب إطلاق العقد قد تعلّق بالمباشرة ولم يعلم تعلقه بالتسبيب ، فالتبديل بفرد آخر يحتاج إلى رضا جديد من المستأجر.

__________________

(*) الرواية ضعيفة جدّاً مع أنها لم ترد في مورد الاستئجار.

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ إنّ هنا رواية استدل بها على جواز التسبيب وإن لم يرض المستأجر ، وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن عثمان بن عيسى ، قال «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) : ما تقول في الرجل يعطى الحجة فيدفعها إلى غيره؟ قال : لا بأس» (١) وقد حملها المصنف وغيره على صورة العلم بالرضا من المستأجر ولكن لا وجه له.

إلّا أن الرواية غير قابلة للاعتماد عليها من جهات :

الاولى : أن صاحب الوسائل (قدس سره) نقل هذه الرواية عن الشيخ في التهذيب عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن أبي سعيد عن يعقوب بن يزيد عن أبي جعفر الأحول عن عثمان بن عيسى ، وأبو جعفر الأحول هو مؤمن الطاق المعروف الثقة وكان من أصحاب الباقر (عليه السلام) والصادق (عليه السلام) ، ولكن الموجود في موضع من التهذيب (٢) الأحول فقط وفي موضع آخر جعفر الأحول (٣) ، ولم يعلم أن المراد به أبو جعفر الأحول المعروف ، وعلى كل تقدير أي سواء كان الراوي هو الأحول أو جعفر الأحول فهو لم يوثق في كتب الرجال ، بل هو مجهول الحال ، ولا يمكن الاعتماد على نسخة الوسائل بعد مخالفتها للتهذيب ، بل لا يمكن أن يكون الراوي هو أبا جعفر الأحول المعروف ، لأنّه من أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام) والراوي عنه يعقوب بن يزيد وهو من أصحاب الهادي (عليه السلام) ، ولا يمكن رواية من هو من أصحاب الهادي (عليه السلام) من أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام) عادة للفصل الكثير بينهما ، مع أن الرواية عن الرضا (عليه السلام) ، كما لا يمكن رواية أبي جعفر الأحول عن عثمان بن عيسى الذي من أصحاب الرضا (عليه السلام).

الثانية : أن في السند أبا سعيد الذي روى عنه محمّد بن أحمد بن يحيى وروى عن يعقوب بن يزيد ، وربّما يتخيّل أن أبا سعيد هذا هو أبو سعيد القماط أو أبو سعيد المكاري وكل منهما ثقة ، إلّا أنه لا يمكن رواية كل منهما عن يعقوب بن يزيد ، لأنّ

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٨٤ / أبواب النيابة في الحج ب ١٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٦٢ / ١٦٠٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٤١٧ / ١٤٤٩.

٧٣

[٣١٦٥] مسألة ٢٤ : لا يجوز استئجار من ضاق وقته عن إتمام الحج تمتعاً وكانت وظيفته العدول إلى حج الإفراد عمن عليه حج التمتع ، ولو استأجره مع سعة الوقت فنوى التمتّع ثمّ اتفق ضيق الوقت فهل يجوز العدول ويجزئ عن المنوب عنه أو لا؟ وجهان ، من إطلاق أخبار العدول ومن انصرافها إلى الحاج عن نفسه ، والأقوى عدمه (*) ، وعلى تقديره فالأقوى عدم إجزائه عن الميت وعدم استحقاق الأُجرة عليه لأنه غير ما على الميت ، ولأنه غير العمل المستأجر عليه (١).

______________________________________________________

القماط من أصحاب الكاظم (عليه السلام) وأبا سعيد المكاري من أصحاب الصادق (عليه السلام) ويعقوب بن يزيد من أصحاب الهادي (عليه السلام) فلا بدّ أن يكون أبو سعيد المذكور هو سهل بن زياد فإنه مكنى بهذه الكنية أيضاً ، وذلك بقرينة رواية محمّد بن أحمد بن يحيى عنه فإنه يروي عن سهل بن زياد كثيراً ، ويؤيده رواية الكليني عن سهل بن زياد عن يعقوب بن يزيد (١). ولا أقل من أن أبا سعيد المذكور في السند مجهول لم يعلم من هو ، على أن أبا سعيد المكاري لم تثبت وثاقته فالرواية ضعيفة جدّا.

الجهة الثالثة : أن الرواية ضعيفة دلالة أيضاً ، لأنها لم ترد في مورد الاستئجار والنيابة وإنما المذكور فيها إعطاء الحجة وهو أعم من النيابة ، والظاهر أن المراد بها إعطاء الحجة والتبرع بها بأي وجه كان والغرض هو الحج كيفما اتفق ، نظير إعطاء المال للزيارة وصرفه في طريقها على نحو الإطلاق ، فكأن إعطاء المال لأجل مساعدة الحاج والزائر لا على نحو الإيجار والاستنابة فالرواية أجنبية عن المقام.

(١) أمّا عدم جواز استئجار من ضاق وقته عن أداء التمتّع فظاهر لاعتبار القدرة

__________________

(*) بل الأقوى هو الجواز والإجزاء بالعدول ، هذا بالنسبة إلى أصل الإجزاء عن المنوب عنه ، وأمّا بالنسبة إلى استحقاق الأُجرة فإن كانت الإجارة على تفريغ الذمّة استحق الأُجرة ، وإن كانت على نفس العمل الخاص فلا يستحقها إلّا بالنسبة.

(١) الكافي ٤ : ٣٠٩ / ٢.

٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

في متعلق الإجارة ، فإذا كان الأجير عاجزاً لا يصح الإيجار ، ولا بدّ من استئجار من يتمكّن من هذا العمل ، وأمّا لو استأجر من يتمكن من ذلك ثمّ عرض له عارض ومانع عن الأداء كضيق الوقت ونحوه فالإجارة صحيحة لوقوعها على العمل المتمكن منه.

وهل تشمل أدلّة التبديل إلى حج الإفراد والعدول المقام أم لا؟ ذكر الماتن (قدس سره) أن فيه وجهين.

ولا يخفى أن أدلّة جواز العدول إلى الإفراد كثيرة (١) خصوصاً في مورد النساء لما يعرضهن من الحيض ، وجملة منها وردت في الرجال لضيق الوقت عن أداء التمتّع وبعضها وردت في الرجل والمرأة معاً في مورد الضيق ، ولا ريب أن جملة منها منصرفة إلى الحاج عن نفسه وناظرة إليه ، ولكن جملة منها مطلقة تشمل الحاج عن نفسه وعن غيره وغير منصرفة إلى الحج النفسي ، فدعوى الانصراف في مجموع الروايات لا نعرف لها وجهاً ، فإن الانصراف المانع عن الأخذ بالإطلاق ما إذا بلغ إلى حد يكون قرينة متصلة وموجباً لظهور المطلق في قسم خاص أو يكون صالحاً للقرينيّة وموجباً للإجمال ، وأمّا في غير ذلك فيؤخذ بالإطلاق ويكون ظهوره متبعاً ويكون الانصراف بدوياً ، وبالجملة : مجرد كون قسم خاص متيقناً من الإطلاق لا يوجب الانصراف إليه ولا يوجب اختصاص المطلق به.

ثم إنّه على تقدير جواز العدول لا ينبغي الريب في الإجزاء ، فإنّه بعد البناء على شمول الروايات للحج النيابي وعدم انصرافها إلى الحج عن نفسه يتعين الإجزاء ، لأنّ ما أتى به النائب بدل عما في ذمّة المنوب عنه بحكم الشارع ، فما ذكره الماتن (قدس سره) من أن الأقوى عدم الجواز لأنه غير ما على الميت لا يمكن المساعدة عليه بوجه.

وأمّا الأُجرة فالكلام فيها ما تقدّم بعينه فيما إذا مات الأجير بعد الإحرام والحرم

__________________

(١) راجع الوسائل ١١ : ٢٩٦ / أبواب أقسام الحج ب ٢١.

٧٥

[٣١٦٦] مسألة ٢٥ : يجوز التبرّع عن الميت في الحج الواجب أيّ واجب كان والمندوب (١) ،

______________________________________________________

وأنّه تفرغ ذمّة المنوب عنه فيما إذا كان الإيجار على تفريغ الذمّة ، فحينئذ يستحق الأجير تمام الأُجرة ، وأمّا إذا كانت الإجارة على نفس الأعمال الخارجية فلا بدّ من تقسيط الأُجرة بالنسبة إلى الأعمال ، وتبديل الوظيفة غير ملازم لجعل الأُجرة بإزائه فإن الروايات الدالّة على جواز العدول ناظرة إلى تعيين الوظيفة وتبديلها وليست ناظرة إلى الأُجرة.

(١) يقع الكلام تارة في التبرّع عن الميت وأُخرى عن الحي.

أمّا الأوّل : فلا ريب في جواز التبرّع عنه في الحج الواجب والمندوب وتبرأ ذمّة الميت بذلك ، وتدل عليه عدّة من الروايات ، منها : معتبرة عامر بن عميرة ، قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : بلغني عنك أنك قلت : لو أن رجلاً مات ولم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه ، فقال : نعم ، أشهد بها على أبي أنه حدثني أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله سلّم) أتاه رجل فقال : يا رسول الله إن أبي مات ولم يحج ، فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حج عنه فإن ذلك يجزئ عنه» (١) وإنما تدل على ما ذكرنا بعد الفراغ عن عدم الفرق بين الأهل وغيره في التبرع عنه حسب الارتكاز في أذهان العرف. نعم ، لو كان مورد الرواية خصوص حج الولد عن والده مثلاً لاحتملنا الاختصاص ، ولكن المذكور في النص بعض الأهل ولا نحتمل الاختصاص به ، فالرواية من حيث الدلالة لا نقاش فيها.

إنّما الكلام في السند ، فإنّ الشيخ في التهذيب رواها عن عمّار بن عمير (٢) ، والظاهر أنه سهو من قلمه الشريف ، لعدم وجود هذا الاسم في الرواة ، فإنّ الشيخ بنفسه لم يذكره في رجاله مع حرصه (رحمه الله) على استقصاء الرواة وأصحاب الأئمة (عليهم

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٧٧ / أبواب وجوب الحج ب ٣١ ح ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٠٤ / ١٤٠٧.

٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

السلام) حتى عدّ المنصور العباسي من جملة أصحاب الصادق (عليه السلام) ، ولو كان من جملة الأصحاب والرواة لذكره في رجاله ، وأمّا الكليني فذكر «عامر» ولا ريب أنه أضبط ، بل الشيخ ذكر في رجاله عامر بن عمير (١) ، وذكر البرقي عامر بن عميرة كما في الكافي (٢) ، والظاهر اتحادهما وإلّا لذكره الشيخ في رجاله ، فاختصاص كل واحد منهما بذكر أحدهما يكشف عن اتحادهما. وكيف كان ، الرجل ثقة لأنه من رجال كامل الزيارات.

ويؤكّد الرواية المذكورة الروايات الكثيرة الدالّة على الإحجاج بالأُجرة فإنها تدل على جواز التبرع أيضاً ، لأنّ احتمال دخل صرف المال في الصحّة بعيد جدّا.

وبإزاء ذلك رواية معتبرة تدل على أن الحج عن الميت إنما يجزئ إذا صرف من مال الميت وإلّا فلا يجزئ ، وهي موثقة سماعة : «عن الرجل يموت ولم يحج حجة الإسلام ولم يوص بها وهو موسر ، فقال : يحج عنه من صلب ماله ، لا يجوز غير ذلك» (٣).

ولكنّها محمولة على عدم جواز التصرّف في تركة الميت قبل أداء الحج من ماله ولا تدل على عدم جواز الحج عنه من مال آخر ، وذلك بشهادة صحيحة حكم بن حكيم : «إنسان هلك ولم يحج ولم يوص بالحج فأحج عنه بعض أهله رجلاً أو امرأة هل يجزئ ذلك ويكون قضاءً عنه ويكون الحج لمن حج ويؤجر من أحج عنه؟ فقال : إن كان الحاج غير صرورة أجزأ عنهما جميعاً وأُجر الذي أحجّه» (٤) فإنها واضحة الدلالة على أن الميت له مال ، لقوله : «ولم يحج ولم يوص بالحج» إذ يعلم من ذلك أن الميت له مال ولكن لم يوص بالحج ، ولو لم يكن له مال لا أثر للوصيّة وعدمها ، فمورد الرواية الميت الذي له مال ولم يحج من ماله وأحج عنه بعض أهله فحكم (عليه السلام) بالإجزاء ولم يوجب صرف المال من تركته ، فيعلم أن الحكم

__________________

(١) رجال الطوسي : ٢٥٦ / ٣٦٠٨.

(٢) الكافي ٤ : ٢٧٧.

(٣) الوسائل ١١ : ٧٢ / أبواب وجوب الحج ب ٢٨ ح ٤.

(٤) الوسائل ١١ : ٧٣ / أبواب وجوب الحج ب ٢٨ ح ٨.

٧٧

بل يجوز التبرّع عنه بالمندوب وإن كانت ذمّته مشغولة بالواجب (١) ولو قبل الاستئجار عنه للواجب ، وكذا يجوز الاستئجار عنه في المندوب كذلك ، وأمّا الحي فلا يجوز التبرّع عنه في الواجب إلّا إذا كان معذوراً في المباشرة لمرض أو هرم (*) فإنّه يجوز التبرّع عنه ويسقط عنه وجوب الاستنابة على الأقوى كما مرّ (**) سابقاً

______________________________________________________

بعدم الجواز في تلك الرواية إنما هو للتصرف في التركة قبل أداء الحج.

وبعبارة أُخرى : الحكم بعدم الجواز ناظر إلى جهة المال وأنه لا يجوز التصرّف بهذا المال إلّا في سبيل الحج عن الميت ، وليس النظر إلى أنه لا يجوز الحج بغير مال الميت ولو على نحو التبرّع كما هو محل الكلام.

فلا ينبغي الريب في جواز التبرّع عن الميت وهذا الحكم ممّا لا خلاف فيه ، مضافاً إلى السيرة المستمرّة الجارية بين المسلمين.

أمّا الثاني : وهو الحج عن الحي ، فإن كان الحج واجباً عليه فلا يسقط بفعل الغير لعدم سقوط الواجب عن المكلف بإتيان الغير ، نعم ورد في الحي العاجز عن المباشرة إتيان الحج عنه ، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في محلّه (١) وذكرنا أن الظاهر من الأدلّة وجوب الاستنابة ، بأن يجهز رجلاً صرورة لا مال له ويبعثه إلى الحج ، فلا يكتفي بالتبرّع ، هذا في الحج الواجب ، وأمّا المندوب فالظاهر جواز النيابة والتبرّع فيه للنصوص ، وقد عقد في الوسائل الباب ٢٥ من أبواب النيابة لاستحباب التطوّع بالحج والعمرة عن المؤمنين أحياءً وأمواتا (٢).

(١) ربّما يشكل ذلك بدعوى أنه مأمور بالواجب وهو متمكن منه على الفرض فكيف يصحّ الحج المندوب عنه.

__________________

(*) أو غير ذلك من الأعذار.

(**) مرّ عدم السقوط.

(١) في شرح العروة ٢٦ : ١٩٤ ذيل المسألة [٣٠٦٩].

(٢) الوسائل ١١ : ١٦٩ / أبواب النيابة في الحج ب ٢٥.

٧٨

وأمّا الحج المندوب فيجوز التبرّع عنه كما يجوز له أن يستأجر له حتى إذا كان عليه حج واجب لا يتمكّن من أدائه فعلاً ، وأمّا إن تمكّن منه فالاستئجار للمندوب قبل أدائه مشكل ، بل التبرّع عنه حينئذ أيضاً لا يخلو عن إشكال في الحج الواجب (*) (١).

[٣١٦٧] مسألة ٢٦ : لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد (٢) وإن كان الأقوى فيه الصحّة ، إلّا إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة كما إذا نذر كل منهما أن يشترك مع الآخر في تحصيل الحج ، وأمّا في الحج المندوب فيجوز حج واحد عن جماعة بعنوان النيابة ، كما يجوز بعنوان إهداء الثواب ، لجملة

______________________________________________________

ويدفع أوّلاً بأنّه لا مانع من إتيان الحج المندوب مع اشتغال ذمّته بالحج الواجب على نحو الترتّب.

وثانياً : أنّه لم يدل دليل على أن كل مورد لا تصح فيه المباشرة لا تصح فيه النيابة والتسبيب ، ولذا تصح النيابة عن الحائض مع أنها غير قادرة على المباشرة ، كما تصح النيابة عن الميت مع أنه لا تعقل المباشرة فيه. وبالجملة : مقتضى إطلاق النصوص جواز التبرّع سواء كان المنوب عنه مكلّفاً أم لا ، وسواء كان قادراً على المباشرة أم لا.

(١) هذه الجملة أي قوله : «في الحج الواجب» موضعها في المسألة الآتية بعد قوله : «في عام واحد» ، لأنّ الكلام هنا في الحج المندوب ولا تلتئم هذه العبارة مع ما قبلها كما أن قوله : «والأقوى فيه الصحّة» في المسألة اللاحقة موقعه هنا والعبارة هكذا «بل التبرّع عنه حينئذ أيضاً لا يخلو عن إشكال وإن كان الأقوى فيه الصحّة» وفي المسألة اللّاحقة تكون العبارة هكذا «لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد في الحج الواجب» ، ولعل الناسخ اشتبه وأثبت كلّاً منهما في غير موقعه ، والله العالم.

(٢) يقع البحث تارة في الحج الواجب وأُخرى في المندوب.

__________________

(*) هذه الجملة موضعها في المسألة الآتية بعد قوله (في عام واحد) ، وأمّا قوله (وإن كان الأقوى الصحّة) فموقعه هنا.

٧٩

من الأخبار الظاهرة في جواز النيابة أيضاً ، فلا داعي لحملها على خصوص إهداء الثواب.

______________________________________________________

أمّا الأوّل : فلا تصح نيابة شخص واحد عن اثنين في عام واحد ، لأنّ المفروض وجوب الحج على كل واحد من المنوب عنه مستقلا سواء كان وجوبه وجوباً عرضيا كالنذر أو وجوباً أصلياً كحج الإسلام ، فلا بدّ من أن يكون حج النائب مثله على نحو الاستقلال فإن العمل الواحد يقع عن واحد ، ووقوعه عن اثنين يحتاج إلى دليل وهو مفقود ، بل لو وجبت على المنوب عنه حجتان يجب عليه أن يستنيب شخصين وليس له الاكتفاء بإحجاج شخص واحد ، لأنّ الواجب إذا كان متعدداً يجب أن تكون النيابة متعددة.

نعم إذا كان الوجوب عليهما على نحو التشريك لا الاستقلال كما إذا نذر كل منهما أن يشترك مع الآخر في إحجاج شخص واحد فلا مانع.

وأمّا الثاني : فلا مانع من التشريك وإتيان حج واحد عن اثنين أو أكثر للنصوص الكثيرة ، وقد عقد صاحب الوسائل باباً مستقلا لذلك ، منها : صحيح محمّد بن إسماعيل قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) كم أُشرك في حجّتي؟ قال : كم شئت» (١).

ولقائل أن يقول : إن إشراك الغير في الحج إنما يجوز إذا حج عن نفسه ، وأمّا إذا حج عن الغير نيابة فالروايات لا تدلّ على جواز الإشراك حينئذ ، لأنّ الظاهر من قوله : «كم أشرك في حجّتي» أو «يشرك في حجّته» كون الحج عن نفسه ويشرك في حجّه شخصاً آخر من المؤمنين والصلحاء والأقارب.

وهذه الدعوى وإن كانت في نفسها قريبة ولكن التدبّر في النصوص (٢) يقتضي جواز التشريك مطلقاً ولو لم يقصد الحج عن نفسه ، لأنّه بعد البناء على مشروعية النيابة في نفسها وجواز التشريك ورجحانه لا نحتمل اختصاص الجواز بصورة كون الحج عن نفسه. على أن المراد بقوله «بحجتي» أو «حجته» هو الحج الصادر منه

__________________

(١) ٢) الوسائل ١١ : ٢٠٢ / أبواب النيابة في الحج ب ٢٨ ح ١.

٨٠