موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

[٣٢٤٢] مسألة ١٣ : يستحب أن يشترط عند إحرامه على الله أن يحلّه إذا عرض مانع من إتمام نسكه من حج أو عمرة وأن يتمم إحرامه عمرة إذا كان للحج ولم يمكنه الإتيان ، كما يظهر من جملة من الأخبار ، واختلفوا في فائدة هذا الاشتراط ، فقيل : إنّها سقوط الهدي ، وقيل : إنها تعجيل التحلل وعدم انتظار بلوغ الهدي محله ، وقيل : سقوط الحج من قابل ، وقيل : أنّ فائدته إدراك الثواب فهو مستحب تعبدي ، وهذا هو الأظهر. ويدلُّ عليه قوله (عليه السلام) في بعض الأخبار : «هو حل حيث حبسه اشترط أو لم يشترط» (١) ،

______________________________________________________

(١) اختلفت كلمة الفقهاء في فائدة هذا الاشتراط فذكروا لذلك وجوهاً :

منها : ما عن العلّامة (١) وغيره أن الفائدة هي سقوط الهدي ، فيحل بمجرد الإحصار وعروض المانع ولا يحتاج إلى الهدي.

ويستدل له بصحيح ذريح المحاربي ، قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل متمتع بالعمرة إلى الحج ، وأُحصر بعد ما أحرم كيف يصنع؟ قال فقال : أو ما اشترط على ربّه قبل أن يحرم أن يحلّه من إحرامه عند عارض عرض له من أمر الله؟ فقلت : بلى قد اشترط ذلك ، قال : فليرجع إلى أهله حلّاً لا إحرام عليه ، انّ الله أحقّ من وفى بما اشترط عليه ، قال فقلت : أفعليه الحج من قابل؟ قال : لا» (٢).

وذكروا أنه يخصص الآية الكريمة (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) (٣) وكذا يخصص الروايات الدالّة على بلوغ الهدي محلّه إذا أُحصر (٤) فإن مقتضى الجمع بين الآية الكريمة وهذه الروايات وبين صحيح ذريح سقوط الهدي بالاحصار إذا اشترط عند إحرامه على الله أن يحل.

__________________

(١) التذكرة ٧ : ٢٦١ ، المختلف ٤ : ٩٢.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٥٦ / أبواب الإحرام ب ٢٤ ح ٣.

(٣) البقرة ٢ : ١٩٦.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٨١ / أبواب الإحصار والصد ب ٢.

٤٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

والذي ينبغي أن يقال : إن خبر ذريح وإن كان معتبراً ، ومقتضى القاعدة تخصيص الآية وتلك الروايات به ، ولكن وردت في المقام روايات ثلاث تدل على أن المحصور يحل سواء اشترط أم لم يشترط.

الأُولى : رواية حمزة بن حمران ، قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الذي يقول : حلني حيث حبستني ، قال : هو حل حيث حبسه قال أو لم يقل» (١) فإنها صريحة في الإحلال بالحصار والحبس اشترط أو لم يشترط ، ولكنها ضعيفة بحمزة فإنه لم يوثق ، ورواها الصدوق (٢) عن حمران بن أعين وهو من الأجلاء والثقات إلّا أن طريق الصدوق إليه مجهول ولم يذكره في المشيخة.

الثانية : صحيحة زرارة ، قال : «هو حل إذا حبسه اشترط أو لم يشترط» (٣).

وربّما يشكل في دلالتها باعتبار جهالة مرجع الضمير في قوله «هو حل» ، حيث إنه كلام ابتدائي غير مسبوق بشي‌ء ، ولعلّ المراد به شخص خاص معهود بين الإمام (عليه السلام) والراوي فتكون الرواية مجملة ، فلا يصح الاستدلال بها لمطلق المحبوس.

وفيه : أن الاشكال إنما نشأ من تقديم صاحب الوسائل صحيحة زرارة على رواية حمزة ، ولكن الكليني (٤) روى أوّلاً رواية حمزة ثمّ ذكر صحيحة زرارة بلا فصل فيرتفع الإجمال حينئذ ، ضرورة أن المرجع في الصحيحة ما ذكره في رواية حمزة وهو الذي يقول : «حلني حيث حبستني» ، والكافي إنما حذف المرجع في الصحيحة اختصاراً في النقل وإيعازاً إلى وحدة السؤال والجواب فيرتفع الاشكال.

ويؤيد ما ذكرنا عدم وضوح المراد من الحابس ولا المحبوس لو كانت الصحيحة منعزلة عن السؤال وكانت مذكورة قبل رواية حمزة كما أثبتها في الوسائل ، وهذا بخلاف ما لو كانت الصحيحة مسبوقة برواية حمزة كما في الكافي ، فإنّ المراد من الحابس

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٥٧ / أبواب الإحرام ب ٢٥ ح ٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٠٧ / ٩٤٢.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٥٧ / أبواب الإحرام ب ٢٥ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٣٣ / ٧.

٤٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

حينئذ هو الله تعالى ، ومن المحبوس هو الشارط على نفسه الذي كان مرجع الضمير حسبما عرفت.

ثمّ إنّ مقتضى الجمع بين هذه الصحيحة والآية الكريمة والروايات الدالّة على بلوغ الهدي وبعثه إلى محله وذبحه ، هو حمل الحل في الصحيحة على الحل من حيث أعمال الحج والعمرة ، بمعنى أنه من أُحصر لا يجب عليه إتيان الأعمال لا أنه يحل من جميع الجهات حتى من جهة التروك والمحرمات ، فيبقى محرماً ويحرم عليه التروك إلى أن يبلغ الهدي محله ثمّ يحل ويحلق رأسه ، بل نفس الصحيحة ظاهرة في هذا المعنى ، لأنّ الحبس إنما يكون بالنسبة إلى الأعمال والأفعال الوجودية ، وأمّا التروك فأُمور عدمية فلا حبس بالنسبة إليها.

الرواية الثالثة : صحيحة البزنطي ، قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن محرم انكسرت ساقه أي شي‌ء تكون حاله؟ وأي شي‌ء عليه؟ قال : هو حلال من كل شي‌ء ، قلت : من النّساء والثياب والطيب؟ فقال : نعم من جميع ما يحرم على المحرم ، وقال : أمّا بلغك قول أبي عبد الله (عليه السلام) : حلني حيث حبستني لقدرك» (١) فإنها تدل على الإحلال بالحصر والمنع عن إتيان الأعمال لأجل كسر الساق مطلقاً ، سواء اشترط الحل أم لم يشترط ، ومجرّد الاستشهاد بقول الصادق (عليه السلام) واشتراطه الإحلال لا يدل على أن مورد السؤال كان من الاشتراط ، بل إحلاله عند الحبس والحصر في مورد الاشتراط من صغريات الإحلال بالحصر ، ولعله (عليه السلام) لذلك استشهد بقول الصادق (عليه السلام) لا لأجل تطبيق فعل الإمام على مورد السؤال ، فظاهر الصحيحة هو الإحلال بالحصر سواء اشترط أم لم يشترط وسواء بعث بالهدي أم لا ، إلّا أنه لا منافاة بين حصول الإحلال بالحصر وثبوت الهدي وإن كان محلا من حيث الأعمال ، فهذه الفائدة غير مترتبة على الاشتراط.

فتحصل : أن مقتضى الجمع بين الأدلّة أنه بالحصر يحل ويخرج من حرمة الله التي

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٧٩ / أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ٤.

٤٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أوجبت عليه إتمام الحج أو العمرة ولا يجب عليه إتمام الأعمال ، ولا ينافي ذلك وجوب الهدي عليه وإحلاله من التروك ببلوغ الهدي.

وممّا ذكرنا تعرف ضعف الاستدلال بالصحيحة على الإحلال بالاشتراط وسقوط الهدي ، لعدم ذكر الشرط في مورد الرواية.

ومن جملة فوائد اشتراط الإحلال تعجيل التحلّل بالإحصار ، ولكن الهدي لا يسقط كما ذهب إليه جماعة من الأصحاب كالمحقق في الشرائع (١) وتبعهم صاحب الجواهر (٢).

أقول : إنّ كان المراد من تعجيل التحلّل حصول الإحلال قبل الذبح كما هو ظاهر المتن فهذا ممّا لا دليل عليه ، وإن كان المراد به على ما يظهر من كلماتهم حصول الإحلال بعد الذبح في المكان الذي أُحصر فيه وعدم لزوم انتظار الذبح يوم النحر فقد استدلّ له بصحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث ، قال : «إنّ الحسين بن علي (عليهما السلام) خرج معتمراً فمرض في الطريق فبلغ علياً ذلك وهو بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه في السقيا (٣) وهو مريض بها ، فقال : يا بني ما تشتكي؟ فقال : أشتكي رأسي ، فدعا عليّ ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده إلى المدينة فلمّا برأ من وجعه اعتمر ... الحديث» (٤).

وفيه أوّلاً : لم يعلم أن الحسين (عليه السلام) اشترط الإحلال عند إحرامه ، ومجرّد الاستحباب لا يدل على صدور الاشتراط منه ، لجواز ترك المستحب بداع من الدواعي الراجحة ولا أقل لأجل بيان الجواز وعدم لزوم الاشتراط.

وثانياً : أن الرواية في مقام بيان حكم الاعتمار من دون نظر إلى الخصوصيات من ذكر الاشتراط ونحوه ، وإلّا لو كانت الخصوصية دخيلة في الحكم لكان على الصادق

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٧٩.

(٢) الجواهر ١٨ : ٢٦١.

(٣) السقيا بضم أوّله ، قرية جامعة من عمل الفرع بينهما مما يلي الجحفة تسعة عشر ميلاً ، معجم البلدان ٣ : ٢٢٨.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٧٨ / أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ٣.

٤٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

(عليه السلام) بيانها ، فإطلاق الآية الشريفة الدالّة على بلوغ الهدي محلّه ولزوم الذبح يوم النحر يقيد بالمعتمر المحصور ، فيجوز له الذبح في مكانه ولا يجب عليه الانتظار إلى يوم النحر.

وبالجملة : ما دلّ على إحلال الحسين (عليه السلام) بالمرض والحصر مطلق من حيث الاشتراط وعدمه. ويؤيد هذا الإطلاق ما رواه في كشف اللِّثام (١) والجواهر (٢) عن الجامع عن كتاب المشيخة لابن محبوب أنه روى صالح عن عامر بن عبد الله بن جذاعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل خرج معتمراً فاعتل في بعض الطريق وهو محرم ، قال : ينحر بدنة ويحلق رأسه ويرجع إلى رحله ولا يقرب النّساء ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً ، فإن برأ من مرضه اعتمر إن كان لم يشترط على ربّه في إحرامه ، وإن كان قد اشترط فليس عليه أن يعتمر إلّا أن يشاء فيعتمر ، ويجب أن يعود للحج الواجب المستقر وللأداء إن استمرت الاستطاعة في قابل ...» ، فإن ذكر التفصيل في ذيل الرواية بالنسبة إلى إعادة الاعتمار إن لم يشترط وعدم إعادته إن اشترط يكشف عن كون الحكم بالإحلال في صدر الرواية مطلقاً من حيث الاشتراط وعدمه ، فالمتحصل من الرواية أن الإحلال يتحقق بالحصر مطلقاً وإن لم يشترط بخلاف إعادة العمرة بعد البرء فإنه يفصل بين الاشتراط وعدمه ، ولكن الرواية ضعيفة السند.

ثمّ إن هنا صحيحة أُخرى تحكي خروج الحسين (عليه السلام) للعمرة ومرضه في الطريق ، وهي صحيحة رفاعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : خرج الحسين (عليه السلام) معتمراً وقد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا فبرسم (٣) فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه ، ثمّ أقبل حتى جاء فضرب الباب ، فقال : علي (عليه السلام)

__________________

(١) هذه الرواية لم نعثر عليها لا في الوسائل ولا في مستدرك الوسائل وإنما ذكرها كاشف اللثام في فصل الحصر والصد. كشف اللثام ٦ : ٣٠٧ ، الجامع للشرائع : ٢٢٢.

(٢) الجواهر ٢٠ : ١٢٤.

(٣) برسم من البرسام مرض معروف.

٤٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ابني وربّ الكعبة ، افتحوا له الباب ، وكانوا قد حموه الماء فأكب عليه فشرب ثمّ اعتمر بعد» (١).

وربّما يقال بأن هذه الصحيحة خارجة عن محل الكلام ، لأنّ موضع الخلاف من لم يسق الهدي وأمّا السائق كما في مورد الرواية فلا يسقط عنه الهدي بإجماع الأُمّة كما عن فخر المحققين (٢) ، فلو كانت القضية المذكورة في صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة متحدة مع القضيّة المذكورة في هذه الصحيحة فلا ريب في خروجهما عن محل الكلام لأنّ محل كلامنا من اعتمر ولم يسق الهدي والمفروض أنه (عليه السلام) كان سائقاً بدنة ولا يسقط الهدي حينئذٍ.

والجواب : أنه لم يعلم اتحاد القضيّة ، ومن المحتمل أنه (عليه السلام) اعتمر مرّتين ومرض فيهما وفي أحدهما ساق الهدي وفي الآخر لم يسق ، ثمّ إنه على تقدير اتحاد القضيّة فسوق الهدي في العمرة غير ثابت شرعاً وإنما ثبت في حج القران ، وأمّا العمرة المفردة أو التمتّع فليس فيها سوق بدنة ، فسياق بدنة مع الحسين (عليه السلام) غير مربوط بالحج أو العمرة ، ولعله كان من باب الاتفاق وإلّا فلا ريب في عدم ثبوت سوق البدنة في العمرة. نعم لو أُحصر المتمتع يجب عليه أن يبعث هدياً ويتحلل في مكانه بعد الذبح ، وله أن ينحر أو يذبح في مكانه ويتحلل.

فالمستفاد من الصحيحين الحاكيين لفعل الحسين (عليه السلام) أن المعتمر إذا أُحصر لا يجب عليه بعث الهدي إلى محله ، بل يجوز له الذبح في مكانه ويتحلل سواء اشترط الإحلال أم لا ، فما ذكره جملة من الأكابر (قدس الله أرواحهم) من جواز التعجيل فيما إذا اشترط لم يثبت ، بل الحكم ثابت لمطلق المعتمر إذا أُحصر اشترط الحل أو لم يشترط.

ومنها : سقوط الحج من قابل ، حكي ذلك عن الشيخ في التهذيب ، واستدل عليه

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٨٦ / أبواب الإحصار والصد ب ٦ ح ٢.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٣٢٧.

٤٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بصحيح ضريس بن أعين ، قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل خرج متمتعاً بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكّة إلّا يوم النحر ، فقال : يقيم على إحرامه ويقطع التلبية حتى يدخل مكّة فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق رأسه وينصرف إلى أهله إن شاء ، وقال : هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه فإن لم يكن اشترط فإن عليه الحج من قابل» (١).

ولكن الصحيحة أجنبيّة عن مورد كلامنا ، لأنّ محل الكلام إنما هو المحصور ، وهو الممنوع عن إتيان أعمال الحج أو العمرة بمرض ونحوه من الموانع ، ومورد الصحيحة من يتمكّن من الأعمال والمناسك من الطواف والسعي ولكن فاته الموقفان لضيق الوقت والغفلة ونحو ذلك ، فهذه الفائدة إنما تترتب على الاشتراط فيما إذا فاته الوقوفان وتتبدل وظيفته إلى إتيان العمرة المفردة بنفس الإحرام الأوّل فيطوف ويسعى ويحلق رأسه ثمّ يأتي بطواف النّساء ، فهذه الصحيحة من جملة الروايات الواردة في فوت الموقفين ، وتلك الروايات على طوائف :

الأُولى : ما دلّ على أن من فاته الوقوف يجب عليه الحج من قابل ، وفي بعضها أنه يجعل ما أتى به عمرة مفردة وعليه الحج من قابل ، كما في صحيح معاوية بن عمّار قال «وقال أبو عبد الله (عليه السلام) : أيما حاج سائق للهدي أو مفرد للحج أو متمتّع بالعمرة إلى الحج قدم وقد فاته الحج فليجعلها عمرة وعليه الحج من قابل» (٢) ، وقد ذكرنا غير مرّة أن هذه الجملة «عليه الحج من قابل» ونحوها ظاهرها عدم الإجزاء وعدم الاكتفاء بما أتى به أوّلا.

الثانية : وهي بإزاء الاولى ، كصحيحة ضريس المتقدّمة الدالّة على التفصيل من أنه لو اشترط الإحلال يسقط عنه الحج في القابل وتجزئ العمرة المفردة عن الحج الواجب عليه ، وإن لم يكن اشترط فعليه الحج من قابل.

الثالثة : ما يدل على أنه لو أتى بعمرة مفردة أُخرى غير ما بيده يسقط الحج عنه

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٤٩ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٩٥ / ١٠٠١.

(٢) الوسائل ١٤ : ٤٨ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ١.

٤٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

في القابل ويجزئ ذلك عن الحج ، وإن لم يعتمر ثانياً فعليه الحج من قابل ، كما في صحيحة داود الرقي ، قال : «كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) بمنى إذ دخل عليه رجل ، فقال : قدم اليوم قوم قد فاتهم الحج ، فقال : نسأل الله العافية ، قال : أرى عليهم أن يهريق كل واحدة منهم دم شاة ويحلون (يحلق) وعليهم الحج من قابل إن انصرفوا إلى بلادهم ، وإن أقاموا حتى تمضي أيّام التشريق بمكّة ثمّ خرجوا إلى بعض مواقيت أهل مكّة فأحرموا منه واعتمروا فليس عليهم الحج من قابل» (١).

فالروايات الدالّة على سقوط الحج في القابل وعدمه بين ما هي مطلقة وبين ما هي مفصلة بين الاشتراط وعدمه ، وبين ما هي مفصلة بين إتيان عمرة ثانية وعدمه.

فالمستفاد من هذه الطوائف سقوط الحج من قابل عمن اشترط ، أو عمن أتى بعمرة مفردة ثانياً إذا فاته الموقف ، فإن تمّ الإجماع المدعى على أن من وجب عليه الحج وتمكّن منه لا يسقط عنه كما عن العلّامة (٢) وارتضاه غيره من الأكابر حتى صاحب الحدائق (٣) الذي لا يعتني بأمثال هذه الإجماعات ، فلا بدّ من رفع اليد عن الخبرين الدالين على سقوط الحج من قابل إذا اشترط أو أتى بعمرة مفردة ثانياً ، وإن لم يتم الإجماع واحتملنا الاجتزاء من الشارع بما أتى به المشترط أو بما أتى به من العمرة المفردة ثانياً عن الحج الواجب عليه ، فلا مانع من الالتزام بمضمون الروايتين ، وعلى كل تقدير سواء التزمنا بمضامين هذه الروايات أم لم نلتزم فهي أجنبيّة عن المحصور والمصدود ، لأنّ موردها عدم التمكّن من الوقوف لضيق الوقت ونحوه لا الممنوع عن الأعمال بمرض ونحوه.

والأولى أن يستدل لترتب هذه الفائدة بصحيح ذريح المتقدّم ، فإنه صريح في سقوط الحج من قابل إذا اشترط الإحلال ، فإنه (عليه السلام) بعد ما سأل أو ما اشترط على ربّه قبل أن يحرم أن يحله؟ فأجاب السائل بقوله بلى ، ثمّ سأل الراوي

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٥٠ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ٥.

(٢) المنتهي ٢ : ٦٨٠ السطر ١٩.

(٣) الحدائق ١٥ : ١٠٦.

٤٠٨

والظاهر عدم كفاية النيّة في حصول الاشتراط بل لا بدّ من التلفظ ، لكن يكفي كل ما أفاد هذا المعنى فلا يعتبر فيه لفظ مخصوص ، وإن كان الأولى التعيين ممّا في الأخبار (١).

______________________________________________________

أ فعليه الحج من قابل؟ قال (عليه السلام) : لا (١) ، ولو كنّا نحن وهذه الصحيحة لالتزمنا بسقوط الحج من قابل ، ولكن بإزائها صحيحة أُخرى وهي صحيحة أبي بصير الدالّة على ثبوت الحج من قابل ، قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشترط في الحج أن حلّني حيث حبسني ، عليه الحج من قابل؟ قال : نعم» (٢) والتنافي بين الصحيحتين ظاهر جدّا.

وحمل قوله «نعم» في صحيح أبي بصير على الحكم الوضعي والفساد وقوله «لا» في صحيح ذريح على نفي الوجوب التكليفي ، فتكون النتيجة عدم وجوب الحج عليه في السنة القادمة وإن كان ما أتى به فاسداً فلا تعارض في البين ، خلاف الظاهر ، بل الظاهر أن النفي والإثبات واردان في مورد واحد ، وبعد التعارض والتكافؤ يحكّم إطلاق الروايات الدالّة على وجوب الحج في السنة القادمة.

فتحصل من جميع ما تقدّم : أنه لا دليل على ما ذكروه من الفوائد ، فلا محيص إلّا عن الالتزام بأنّ فائدة الاشتراط إدراك الثواب بذكر الشرط في عقد الإحرام ، فهو مستحب تعبدي في نفسه ودعاء مأمور به في الأخبار يترتب على فعله الثواب ودعاء يعلم المحرم باستجابته ، لأنه لو أُحصر ومنع عن إتيان الأعمال يحلّه الله تعالى.

(١) لا بدّ من إبراز هذا الاشتراط بمبرز ومظهر في عقد الإحرام والغالب هو اللّفظ ومجرّد القصد القلبي غير كاف في صدق الاشتراط كما هو الحال في سائر موارد الاشتراط ، فإنّ الشرط ربط شي‌ء بشي‌ء آخر ، ومجرد النيّة لا يوجب الارتباط ما لم يظهره بمبرز ، نعم لا يعتبر فيه لفظ مخصوص ، بل يكفي كلّما أفاد هذا المعنى وإن كان الأولى قراءة الأدعية المشتملة على ذكر الشرط.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٥٦ / أبواب الإحرام ب ٢٤ ح ٣ ، ١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٥٦ / أبواب الإحرام ب ٢٤ ح ٣ ، ١.

٤٠٩

الثاني من واجبات الإحرام : التلبيات الأربع ، والقول بوجوب الخمس أو الست ضعيف (١) ،

______________________________________________________

(١) لا ينبغي الريب في وجوب التلبيات بل وجوبها من جملة القطعيات ، وإنما وقع الخلاف في صورتها وكيفيتها على أقوال ذكرها في المتن.

أمّا الأوّل : فيدل عليه صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث ، قال : «التلبية أن تقول : لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنِّعمة لك والملك لا شريك لك لبيك ، ذا المعارج لبيك ، لبيك داعياً إلى دار السلام لبيك ، لبيك غفّار الذنوب ، إلى آخر الدعاء ، ثمّ قال (عليه السلام) : واعلم أنه لا بدّ من التلبيات الأربع التي كن في أوّل الكلام وهي الفريضة وهي التوحيد ...» (١) وهي صريحة في أن الواجب من التلبيات هو التلبيات الأربع المذكورة في أوّل الحديث ، وأمّا البقيّة فمستحبة.

وأمّا القول الثاني : فاستدل له بعدّة من الروايات.

منها : ما رواه الصدوق في الخصال (٢) بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في حديث «قال (عليه السلام) والتلبيات الأربع ، وهي : لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنِّعمة لك والملك لا شريك لك» (٣) ولكنّها ضعيفة السند بعدّة من المجاهيل.

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : لما لبى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنِّعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك ، ذا المعارج لبّيك» (٤).

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٨٢ / أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٢.

(٢) الخصال : ٦٠٦.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٣٣ / أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٢٩.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٨٤ / أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٤.

٤١٠

بل ادّعى جماعة الإجماع على عدم وجوب الأزيد من الأربع ، واختلفوا في صورتها على أقوال :

أحدها : أن يقول : لبّيك اللهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك.

الثاني : أن يقول بعد العبارة المذكورة : إنّ الحمد والنعمة لك ، الملك ، لا شريك لك.

______________________________________________________

والجواب : أن الصحيحة في مقام بيان حكاية تلبية النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، ولا دليل على أن جميع ما أتى به واجب ، بل ذكر الدّعاء في ذيل التلبيات قرينة على عدم وجوب جميع هذه الجملات ، لأنّ الدعاء غير واجب قطعاً.

ومنها : صحيحة عاصم بن حميد الحاكية لتلبية النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) لبى بالأربع ، فقال : «لبّيك اللهمّ لبّيك ، اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنِّعمة والملك لك ، لا شريك لك لبيك» (١).

وفيه : أن هذه الصحيحة غير منطبقة على هذا القول لاشتمالها على ست أو خمس تلبيات ، مضافاً إلى أن كلمة «الملك» متقدّمة على «لك» في الصحيحة ، وهذا القائل التزم بالعكس ، بل لم يقل أحد بوجوب تقديم «والملك» على «لك». على أنها تحكي فعل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، وقد عرفت أن مجرّد حكاية فعله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لا يدل على الوجوب. وأمّا القول الثالث والرابع فلا دليل عليهما أصلا.

والذي ينبغي أن يقال : إنّ التلبية تتحقّق بجميع ذلك ، لأنّ المستفاد من صحيح معاوية بن عمّار لزوم الإتيان بالتلبيات الأربع على النحو المذكور في الصحيحة من دون نقيصة في العبارة ، ولكن لا دليل على عدم جواز الفصل بينها بدعاء أو ذكر بل ولو بكلام آدمي ، فيقول مثلاً : لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد لا شريك لك ، اللهم اغفر لي لبّيك ، لكن مع التحفظ على صدق هذه العبارة ومراعاتها

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٧٦ / أبواب الإحرام ب ٣٦ ح ٦.

٤١١

الثالث : أن يقول : لبّيك اللهمّ لبّيك لبّيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك.

الرابع : كالثالث ، إلّا أنه يقول : إنّ الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبيك بتقديم لفظ «والملك» على لفظ «لك». والأقوى هو القول الأوّل (*) كما هو صريح صحيحة معاوية بن عمّار والزوائد مستحبّة ، والأولى التكرار بالإتيان بكل من الصور المذكورة ، بل يستحب أن يقول كما في صحيحة معاوية بن عمّار : لبّيك اللهمّ لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنِّعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك ذا المعارج لبّيك ، لبّيك داعياً إلى دار السلام لبّيك غفّار الذنوب لبّيك ، لبّيك أهل التلبية لبّيك ، لبّيك ذا الجلال والإكرام لبّيك مرهوباً ومرغوباً إليك ، لبّيك لبّيك تبدأ والمعاد إليك ، لبّيك كشّاف الكروب العظام لبّيك ، لبّيك عبدك وابن عبديك لبّيك لبّيك يا كريم لبّيك.

[٣٢٤٣] مسألة ١٤ : اللّازم الإتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات على قواعد العربيّة ، فلا يجزئ الملحون مع التمكّن من الصحيح بالتلقين أو التصحيح ، ومع عدم تمكنه فالأحوط الجمع بينه وبين الاستنابة (١) ،

______________________________________________________

فلو خرجت عن كونها تلبية كما إذا كان الفصل بينها طويلاً ولو بالدعاء والذِّكر فلا ريب في عدم صدق التلبية.

(١) لا ينبغي الريب في لزوم الإتيان بهذه الكلمات الشريفة على الوجه الصحيح المطابق للقواعد العربيّة وأداء الحروف من مخارجها ، لأنّ ذلك هو المأمور به فلا يجزئ الملحون مع التمكّن من الصحيح ، والأمر بإتيان التلبيات الأربع في صحيح معاوية بن عمّار (١) يراد به الإتيان بها صحيحاً ، إذ لا إشكال في أنه (عليه السلام) قرأ

__________________

(*) كما أن الأحوط هو الثاني.

(١) الوسائل ١٢ : ٣٨٢ / أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٢.

٤١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

هذه الكلمات على الوجه الصحيح ، فاللّازم الإتيان بمثل ذلك ولا دليل على الاجتزاء بغيره ، فحال التلبيات حال القراءة والأذكار في الصّلاة (١).

ولو لم يتمكّن من الأداء على الوجه الصحيح فقد ذكر في المتن أن الأحوط الجمع بين الإتيان بالملحون والاستنابة.

وقيل في وجهه : إن مقتضى قاعدة الميسور الاجتزاء بالملحون ، ومقتضى خبر زرارة «إنّ رجلاً قدم حاجّاً لا يحسن أن يلبِّي فاستفتي له أبو عبد الله (عليه السلام) فأمر له أن يلبّى عنه» (٢) لزوم الاستنابة ، والجمع بين الدليلين يقتضي الجمع بين الإتيان بالملحون والاستنابة.

وفيه : إن كان خبر زرارة صحيح السند فلا حاجة إلى القاعدة بل يتعيّن الاستنابة وإن كان ضعيفاً فلا موجب للاستنابة ، وأمّا قاعدة الميسور فغير تامّة أصلاً ولا يمكن إثبات حكم من الأحكام الشرعيّة بها ، وقد ذكرنا ذلك في موارد كثيرة ، وأمّا خبر زرارة فضعيف السند بياسين الضرير فإنه لم يوثق.

والصحيح أن يستدل للاجتزاء بالملحون إذا لم يتمكن من الصحيح بمعتبرة مسعدة ابن صدقة ، قال : «سمعت جعفر بن محمّد (عليه السلام) يقول : إنّك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح ، وكذلك الأخرس في القراءة في الصّلاة والتشهد وما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم والمحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلِّم الفصيح ...» (٣) ، فإن المستفاد منها عدم الاكتفاء بالترجمة بالعجز عن الصحيح ، وأنه يجب على كل مكلّف أن يأتي بالقراءة أو التلبية بالعربيّة ولا تصل النوبة إلى الترجمة مع التمكّن من العربيّة ، فيجب عليه الإتيان بالعربيّة حدّ الإمكان ولو بالملحون ، لأنّ ما يراد من العربي العارف باللّغة لا يراد من الأعجمي الذي لا يتمكّن من أداء الكلمات

__________________

(١) لقد تعرّض سيّدنا الأُستاذ (دام ظلّه) لهذا الموضوع في بحث القراءة في باب الصّلاة. ذيل المسألة [١٥٢٩].

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٨١ / أبواب الإحرام ب ٣٩ ح ٢.

(٣) الوسائل ٦ : ١٥١ / أبواب القراءة في الصّلاة ب ٦٧ ح ٢.

٤١٣

وكذا لا تجزئ الترجمة مع التمكّن ، ومع عدمه فالأحوط الجمع (*) بينهما وبين الاستنابة (١) ،

______________________________________________________

على النهج الصحيح ، فلا يسقط عنه القراءة أو التلبية بمجرّد عجزه عن أداء الكلمات صحيحاً ، إذ لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح العارف باللّغة العربيّة ، فالملحون يقوم مقام الصحيح.

ويمكن الاستدلال له بما رواه الكليني بسند معتبر عندنا وفيه النوفلي والسكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته القرآن في الصّلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه» (١) فإن المستفاد منها عدم جواز الاستنابة بالعجز عن أداء الكلمات ، فإذا ثبت جواز الاكتفاء بالمقدار الممكن في الأخرس ولو بتحريك لسانه ثبت في غيره أيضاً ، إذ لا نحتمل سقوط الحج أو سقوط التلبية عنه والمفروض أنه لا دليل على الاستنابة ، فالمأمور بالتلبية نفس الأخرس أو العاجز عن أداء الكلمات الصحيحة فينتقل الواجب إلى الملحون ، فالاكتفاء بالملحون هو الأقوى وإن كان الجمع بينه وبين الاستنابة أحوط.

(١) وأمّا الترجمة فمع التمكّن من العربيّة فلا تجزئ لأنها على خلاف المأمور به في الروايات ، ومع عدم التمكّن من العربيّة فقد ذكر في المتن أنّ الأحوط الجمع بين الملحون والترجمة والاستنابة.

أقول : لا بدّ من خروج الأخرس عن هذا البحث بالمرّة ، لأنّه غير قادر على التكلّم أبداً لا بالملحون ولا بالترجمة ، فالكلام في القادر على التكلّم ، ولا ريب أن من كان قادراً على التكلّم يقدر على أداء الكلمات العربيّة ولو ملحوناً فيدخل المقام في المسألة السابقة من الاجتزاء بالملحون بدلاً عن الصحيح ، نعم لو فرض عدم التمكن حتى من الملحون فيدور الأمر بين الترجمة والاستنابة.

__________________

(*) وإن كان الأظهر جواز الاكتفاء بالملحون ، وكذلك الحال فيما بعده.

(١) الكافي ٣ : ٣١٥ / ١٧ ، الوسائل ٦ : ١٣٦ / أبواب القراءة في الصّلاة ب ٥٩ ح ١.

٤١٤

والأخرس يشير إليها بإصبعه مع تحريك لسانه (١) ، والأولى أن يجمع بينهما وبين الاستنابة ، ويلبى عن الصبي غير المميز وعن المغمى عليه (٢).

وفي قوله : إنّ الحمد (إلخ) يصح أن يقرأ بكسر الهمزة وفتحها (٣) ، والأولى الأوّل ، و (لبيك) مصدر منصوب بفعل مقدر ، أي ألبّ لك إلباباً بعد إلباب ، أو لبّا بعد لبّ ، أي إقامة بعد إقامة ، من لَبّ بالمكان ، أو ألبّ أي أقام ، والأولى كونه من لبّ ، وعلى هذا فأصله (لبّيْن لك) ، فحذف اللّام وأُضيف إلى الكاف

______________________________________________________

وقد يشكل بأن هذا الشخص لم يجب عليه الحج ، لأنه معذور عن أدائه فكيف يجب عليه الترجمة أو الاستنابة مع أنهما فرع وجوب الحج عليه ، فعليه أن يصبر إلى العام القابل ليتعلّم أداء الكلمات صحيحا.

(١) كما في رواية السكوني المتقدِّمة (١) ، ويقصد بذلك عقد الإحرام بالتلبية.

(٢) وأمّا الصبي غير المميز فيلبي عنه كما في صحيح زرارة (٢) ، وأمّا المغمى عليه فلا دليل عليه سوى مرسل جميل «في مريض أُغمي عليه فلم يعقل حتى أتى الموقف (الوقت) ، فقال : يحرم عنه رجل» (٣) ودلالته على جواز الاستنابة في المقام بناءً على نسخة «الوقت» وهو الميقات تامّة ولكنّه ضعيف السند بالإرسال. مضافاً إلى احتمال صحّة نسخة «الموقف» فيخرج عن محل الكلام ، لعدم دلالته على جواز الاستنابة عمن أُغمي عليه من الميقات لعمرة التمتّع أو الحج ، وإنما يختص بمن أتى الموقف مغمى عليه ، فحينئذ تكون وظيفة المغمى عليه الرجوع إلى الميقات إن أمكن وإلّا فمن مكانه. كما هي وظيفة الجاهل والناسي إذا تجاوزا الميقات غير محرمين.

(٣) أمّا الكسر فللابتداء بجملة مستقلّة والإتيان بأوّل كلام آخر بعد الجمل المتقدِّمة من التلبيات ، وأمّا الفتح فلأجل التعليل ، أي لبّيك واستجيب لك لأجل كون

__________________

(١) في ص ٤١٤.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٨٨ / أبواب أقسام الحج ب ١٧ ح ٥.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤١٣ / أبواب الإحرام ب ٥٥ ح ٢.

٤١٥

فحذف النون. وحاصل معناه إجابتين لك ، وربّما يحتمل أن يكون من (لبّ) بمعنى واجه ، يقال : داري تلب دارك ، اي تواجهها ، فمعناه مواجهتي وقصدي لك ، وأمّا احتمال كونه من (لُب الشي‌ء) أي خالصة ، فيكون بمعنى إخلاصي لك فبعيد. كما أن القول بأنه كلمة مفردة نظير (على) و (لدى) فاضيفت إلى الكاف فقلبت ألفه ياء لا وجه له ، لأنّ (على) و (لدى) إذا أُضيفا إلى الظاهر يقال فيهما بالألف كعلي زيد ولدي زيد وليس لبى كذلك فإنه يقال فيه (لبي زيد) بالياء.

[٣٢٤٤] مسألة ١٥ : لا ينعقد إحرام حج التمتّع وإحرام عمرته ولا إحرام حج الإفراد ولا إحرام حج العمرة المفردة إلّا بالتلبية ، وأمّا في حج القران فيتخير بين التلبية وبين الإشعار أو التقليد (١) ،

______________________________________________________

الحمد لك وبسبب أن الحمد والنعمة لك ، وحكي عن العلّامة في المنتهي (١) عن بعض أهل العربيّة أنه قال : من قال أن بالفتح فقد خصّ ومن قال بالكسر فقد عم ، فإن الكسر يقتضي تعميم التلبية وإنشاء الحمد ، والفتح يقتضي تخصيص التلبية ، أي لبيك بسبب أن الحمد لك.

(١) لا ريب في أن التلبية ثابتة في جميع أقسام الحج والعمرة ، وهي استجابة لله تعالى ، وهي التي توجب الإحرام والدخول في حرمة الله ، وما لم يلب يجوز له ارتكاب المنهيات ، فكل حاج عليه أن يلبي ، ولا ينعقد الإحرام إلّا بها.

ففي صحيح الحلبي قال : «سألته لم جعلت التلبية؟ فقال : إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى إبراهيم أن (أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (٢) ، فنادى فأُجيب من كل وجه يلبون» (٣). ويظهر منها أنّ التلبية استجابة لله تعالى ولا نختص بقسم خاص من أقسام الحج.

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٦٨ السطر ١٤.

(٢) الحج ٢٢ : ٢٧.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٧٤ / أبواب الإحرام ب ٣٦ ح ١.

٤١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي صحيحة معاوية بن عمّار قال (عليه السلام) بعد ذكر التلبيات : «واعلم أنه لا بدّ من التلبيات الأربع التي كن في أوّل الكلام ، وهي الفريضة وهي التوحيد وبها لبى المرسلون» (١).

وفي صحيحة معاوية بن وهب «تحرمون كما أنتم في محاملكم تقول : لبيك إلى الآخر» (٢).

ويعلم من هذه الروايات أنّ التلبية ثابتة في الحج وأنّ الإحرام لا ينعقد إلّا بها ، وقد تقدّمت جملة من الروايات الدالّة على أنه إذا لم يلب يجوز له كل شي‌ء من المنهيات ويظهر منها أن تحقّق الإحرام إنما هو بالتلبية وأنه حرّ قبل التلبية ، ففي صحيحة عبد الرحمن «في الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد الإحرام ولم يلب ، قال : ليس عليه شي‌ء» (٣) هذا كلّه في غير القرآن من أقسام الحج والعمرة.

وأمّا حج القران فلا تجب فيه التلبية بل الحاج يتخير بين التلبية وبين الإشعار أو التقليد ، وتدل على ذلك جملة من الروايات.

منها : صحيحة معاوية بن عمّار «قال : يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية والإشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم» (٤).

ومنها : صحيحة أُخرى له «يقلدها نعلاً خلقاً قد صليت فيها ، والإشعار والتقليد بمنزلة التلبية» (٥).

ومنها : صحيحة عمر بن يزيد ، «من أشعر بدنته فقد أحرم وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير» (٦).

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٨٢ / أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٨٣ / أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ١.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٣٣ / أبواب الإحرام ب ١٤ ح ٢.

(٤) الوسائل ١١ : ٢٧٩ / أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ٢٠.

(٥) الوسائل ١١ : ٢٧٧ / أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ١١.

(٦) الوسائل ١١ : ٢٧٩ / أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ٢١.

٤١٧

والإشعار مختص بالبُدن ، والتقليد مشترك بينها وبين غيرها من أنواع الهدي (١)

______________________________________________________

وعن السيّد (١) وابن إدريس (٢) عدم انعقاد الإحرام مطلقاً حتى في حج القران إلّا بالتلبية ، ويردهما النصوص المتقدّمة ، كما أن ما نسب إلى الشيخ (٣) من أن انعقاد الإحرام بالإشعار متوقف على العجز عن التلبية فهو في طولها مردود أيضاً بإطلاق الصحاح المتقدّمة.

(١) أمّا الثاني وهو اشتراك التقليد بين أقسام الهدي فلا ينبغي الريب فيه لعدّة من الروايات (٤) مضافاً إلى عدم نقل الخلاف من الأصحاب.

وأمّا الأوّل : وهو اختصاص الاشعار بالبدن فقد يقال : إنّ مقتضى صحيحتي معاوية ابن عمّار المتقدّمتين عدم الاختصاص وتعميمه لسائر أفراد الهدي ، إلّا إذا قلنا بأنّ الصحيحتين ليستا في مقام بيان الموارد ، وإنّما هما في مقام بيان أنّ الإحرام يتحقّق بذلك في الجملة ، وأمّا أنه في أي مورد وبأي شرط وفي أي زمان ومكان ، فالصحيحتان ساكتتان عن هذه الجهة.

ثمّ إنّه بناءً على منع إطلاق النص يكفينا في عدم ثبوت الإشعار في غير البدنة عدم الدليل.

نعم ، يظهر من صحيح عمر بن يزيد «من أشعر بدنته فقد أحرم» اختصاص الاشعار بالبدنة ، وإلّا لو كان الاشعار ثابتاً في غير البدنة أيضاً لكان ذكر البدنة لغواً ، لما ذكرنا في محلّه أنّ القيد وإن لم يكن له مفهوم بالمعنى المشهور من الانتفاء عند الانتفاء ولكن يوجب عدم سريان الحكم في الطبيعي وإلّا لكان ذكر القيد لغواً. وكيف كان ، لا دليل على ثبوت الإشعار في غير البدن.

__________________

(١) الانتصار : ١٠٢.

(٢) السرائر ١ : ٥٣٢.

(٣) المبسوط ١ : ٣١٧ ، الخلاف ٢ : ٢٨٩ المسألة ٦٦.

(٤) الوسائل ١١ : ٢٧٥ / أبواب أقسام الحج ب ١٢.

٤١٨

والأولى في البدن الجمع بين الإشعار والتقليد ، فينعقد إحرام حج القران بأحد هذه الثلاثة ، ولكن الأحوط مع اختيار الإشعار والتقليد ضم التلبية أيضاً (١) ،

______________________________________________________

ثمّ إنه في البدن مخير بين الاشعار والتقليد ، ويكفي أحدهما في عقد الإحرام ، لإطلاق الروايات المتقدّمة كصحيحة معاوية بن عمّار ونحوها.

نعم ، الأولى في البدن الجمع بين الاشعار والتقليد لمعتبرة السكوني عن جعفر (عليه السلام) «أنه سئل ما بال البدنة تقلد النعل وتشعر؟ فقال : أمّا النعل فتعرف أنها بدنة ويعرفها صاحبها بنعله ، وأمّا الإشعار فإنّه يحرم ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها» (١) فكأنّ الجمع بينهما مفروغ عنه وإنما سئل (عليه السلام) عن وجهه والإمام (عليه السلام) بين وجه الجمع ، ولصحيح معاوية بن عمّار «البدن تشعر في الجانب الأيمن ، ويقوم الرجل في الجانب الأيسر ، ثمّ يقلدها بنعل خلق قد صلّى فيها» (٢).

بل الأحوط الأولى هو الجمع بين التلبية والإشعار والتقليد ولا يكتفي في عقد الإحرام بالإشعار أو التقليد ، خروجاً عن مخالفة السيّد (٣) وابن إدريس (٤) حيث ذهبا إلى أنّ التلبية محققة للإحرام في جميع الموارد حتى حج القران.

(١) ويستدل لذلك بأحد أمرين :

أحدهما : الإطلاقات الآمرة بالتلبية (٥) ، إذ لا يظهر منها الاختصاص بغير حج القران ، وحيث إن المفروض تحقق الإحرام بالإشعار أو التقليد فيكون وجوب التلبية عليه حينئذ وجوباً نفسيّا.

ثانيهما : موثقة يونس ، قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إني قد اشتريت

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٧٩ / أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ٢٢.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٧٦ / أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ٤.

(٣) الانتصار : ١٠٢.

(٤) السرائر ١ : ٥٣٢.

(٥) الوسائل ١٢ : ٣٨٢ / أبواب الإحرام ب ٤٠.

٤١٩

نعم الظاهر وجوب التلبية على القارن وإن لم يتوقف انعقاد إحرامه عليها فهي واجبة عليه في نفسها (*) ، ويستحب الجمع بين التلبية وأحد الأمرين وبأيهما بدأ

______________________________________________________

بدنة ، فكيف أصنع بها؟ فقال : انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة فأفض عليك من الماء والبس ثوبك ، ثمّ أنخها مستقبل القبلة ، ثمّ ادخل المسجد فصلّ ثمّ افرض بعد صلاتك ، ثمّ اخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها ، ثمّ قل : بسم الله اللهمّ منك ولك اللهمّ تقبل منّي ، ثمّ انطلق حتى تأتي البيداء فلبّه» (١) فإن المفروض في مورد الرواية تحقق الإحرام بالإشعار ، فيكون الأمر بالتلبية ظاهراً في الوجوب النفسي.

والجواب عنه : أمّا عن الأوّل فبأنه لا يمكن التمسك بالإطلاقات ، فإن الأخبار الآمرة بالتلبية كلّها في مقام بيان تحقق الإحرام بذلك وأنه أحد الثلاثة ، فإذا أشعر أو قلّد فقد حصل الإحرام منه ، ومعه لا يبقى مجال وموضوع للتلبية.

وأمّا عن الثاني : وهو موثقة يونس ، فالظاهر من الأمر بالتلبية في مورد الاشعار والإحرام به هو وجوب التلبية وجوباً نفسيا.

ودعوى أنه مشتملة على جملة من المستحبات وذلك يوجب عدم ظهور الأمر في الوجوب ، ضعيفة لما ذكرنا غير مرّة أن مجرد اشتمال الرواية على المستحبات لا يوجب رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب ، إلّا إذا قامت القرينة على عدم إرادة

الوجوب ، فالموثقة لا قصور في دلالتها على الوجوب.

ولكن مع ذلك لا يمكن الاستدلال بها للوجوب ، لأنّ الموثقة لو كانت على النحو الذي ذكرناها ورواها الكليني (٢) فالأمر كما ذكرنا ، إلّا أن الصدوق (٣) رواها أيضاً بطريقه الصحيح بزيادة توجب كون الموثقة أجنبيّة عن المقام بالمرّة ، ولم يذكر الكليني هذه الزيادة ، فقد روى الصدوق بإسناده عن ابن فضال عن يونس بن يعقوب ، قال :

__________________

(*) في وجوبها عليه إشكال.

(١) الوسائل ١١ : ٢٧٥ / أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٢٩٦ / ١.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١٠ / ٩٥٨ ، الوسائل ١١ : ٢٧٥ / أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ٣.

٤٢٠