موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

[٣٢٣٠] مسألة ١ : يعتبر فيها القربة والخلوص كما في سائر العبادات فمع فقدهما أو أحدهما يبطل إحرامه (١)

______________________________________________________

وقد يشكل بأنّ الإحرام إذا كان عبارة عن الالتزام والبناء على الترك فلا معنى لجعل النيّة من واجباته ، إذ لا يعقل صدوره من غير نيّة ، لأنّ الالتزام أو البناء أمر قصدي لا يتحقّق بغير القصد إلّا على وجه بعيد ، كما إذا كان بانياً على ترك المنهيات من غير قصد الحج ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا بأن الإحرام عبارة عن التلبية فإنّه يمكن جعل النيّة من واجباته ، لإمكان صدور التلبية عن قصد وعن غير قصد ، كما إذا أتى بالتلبية لتعليم الغير أو لتعليم نفسه ويكررها حتى يتعلم.

ولزيادة الإيضاح نقول : إن حال التلبية حال بقيّة الأعمال والأفعال الخارجية التي يمكن اقترانها بالنيّة كما يمكن صدورها من غير نيّة ، وأمّا توطين النفس على الترك والالتزام به فلا يمكن تحققه من غير قصد ونيّة أصلاً حتى نجعل النيّة من واجباته.

وكيف كان ، لا ينبغي الريب في اعتبار النيّة في الإحرام بالمعنى الذي ذكرناه ، ولكن اعتبارها فيه ليس أمراً زائداً على قصد الحج ، بل يكفي في تحقّقه نيّة الحج والقصد إليه ، فلا حاجة إلى قصد الإحرام بعنوانه على سبيل الاستقلال ، ويؤيد ذلك ما ورد في بعض الأدعية المستحبة «لبيك بحجة أو عمرة لبيك ، لبيك هذه عمرة متعة إلى الحج لبيك لبيك» (١).

(١) لا ينبغي الريب في اعتبار القربة والخلوص في النيّة ، لأنّ الإحرام من العبادات ، ولا يتصف العمل بالعبادة إلّا بالخلوص ونفي التشريك وجعل الأمر الإلهي محركاً وداعياً كما في سائر العبادات.

__________________

(١) المستدرك ٩ : ١٧٩ / أبواب الإحرام ب ٢٧.

٣٨١

[٣٢٣١] مسألة ٢ : يجب أن تكون مقارنة للشروع فيه ، فلا يكفي حصولها في الأثناء ، فلو تركها وجب تجديده (١) ، ولا وجه لما قيل من أن الإحرام تروك وهي لا تفتقر إلى النيّة ، والقدر المسلّم من الإجماع على اعتبارها إنما هو في الجملة ولو قبل التحلل ، إذ نمنع أوّلاً كونه تروكاً فإن التلبية ولبس الثوبين من الأفعال (*) ، وثانياً اعتبارها فيه على حدّ اعتبارها في سائر العبادات في كون اللّازم تحقّقها حين الشروع فيها.

______________________________________________________

(١) فالجزء الأوّل لا بدّ أن يكون مقارناً للنيّة إلى آخر العمل بحيث يكون الإحرام بتمام أجزائه صادراً عن النيّة والقصد والقربة ، فلو حصل ذلك في الأثناء لا يجزئ ولا يحكم بصحّة إحرامه ، كما هو الحال في سائر العبادات.

أقول : لو بنينا بأن الإحرام هو الالتزام النفساني وعقد القلب فهو أمر بسيط نفساني إمّا موجود أو معدوم ، وليس له أوّل أو أثناء ، فلا يتصوّر حصول النيّة في الأثناء ، وأمّا إذا قلنا بأن الإحرام هو التلبية فلا ريب في اعتبار اقتران جميع أجزاء التلبية بالنيّة والخلوص ، فلو سبق لسانه بأوّل جزء من التلبيات الأربع وأتى بالبقيّة مع النيّة والخلوص لا يجزئ عما وجب عليه من التلبيات.

ثمّ إنّه نسب إلى بعضهم الاكتفاء بحصول النيّة في الأثناء ، وعلله في المتن بأنّ الإحرام تروك وهي لا تفتقر إلى النيّة ، والقدر المسلم من الإجماع على اعتبارها إنما هو في الجملة ولو قبل التحلل من الإحرام بلحظة ، إذ لا دليل على أزيد من ذلك.

ولا يخفى أن هذا القول لو كان مبنياً على أن الإحرام نفس التروك فلا مانع حينئذٍ من الاكتفاء بحصول النيّة في الجملة ولو في آخره قبل التحلل ، وهذا واضح الفساد لأنّ هذه المنهيات والتروك أحكام مترتبة على الإحرام ، وموضوعها المحرم ، فلا معنى لأخذ الحكم في موضوعه ، بل قد عرفت أن الإحرام أمره دائر بين التلبية والالتزام

__________________

(*) بل الظاهر عدم كون لبس الثوبين جزءاً من الإحرام ، بل الإحرام يتحقق بالتلبية أو الإشعار أو التقليد.

٣٨٢

[٣٢٣٢] مسألة ٣ : يعتبر في النيّة تعيين كون الإحرام لحج أو عمرة ، وأن الحج تمتّع أو قران أو إفراد ، وأنه لنفسه أو نيابة عن غيره ، وأنه حجّة الإسلام أو الحج النذري أو الندبي (١) فلو نوى الإحرام من غير تعيين وأوكله إلى ما بعد ذلك بطل ، فما عن بعضهم من صحّته وأن له صرفه إلى أيّهما شاء من حج أو عمرة لا وجه له ، إذ الظاهر أنه جزء من النسك فتجب نيّته كما في أجزاء سائر العبادات ، وليس مثل الوضوء والغسل بالنسبة إلى الصلاة ، نعم الأقوى كفاية التعيين الإجمالي حتى بأن ينوي الإحرام لما سيعينه (*) من حج أو عمرة فإنه نوع تعيين ، وفرق بينه وبين ما لو نوى مردداً مع إيكال التعيين إلى ما بعد.

______________________________________________________

وتوطين النفس ، وأمّا هذه التروك فموضوعها المحرم لا أنها هي الإحرام ، ولذا لا يضر الالتزام بإتيان هذه الأُمور بالإحرام إلّا الجماع والاستمناء على ما سيأتي في محلّه.

ثمّ إنه يظهر من المصنف هنا أن لبس الثوبين من الإحرام ، وذلك ينافي ما سيأتي منه (قدس سره) أن لبس الثوبين ليس شرطاً في تحقق الإحرام وإنما هو واجب تعبّدي ، والصحيح ما ذكره هناك.

(١) لأنّ أوامره تعالى متعدِّدة وإذا لم يقصد أمراً معيّناً لا يقع شي‌ء منها ، فإنّ امتثال كل أمر يتوقف على التعيين ، ولا يتعيّن إلّا بالقصد ولا يكفي التعين البعدي.

ونسب إلى العلّامة كفاية ذلك وأنّ الإحرام مثل الوضوء والغسل بالنسبة إلى الصلاة في عدم لزوم تعيين الغاية وعدم قصد الخصوصية لغاية معيّنة (٢) ، ولكن الفرق واضح ، لأنّ الوضوء أو الغسل عبادة مستقلة وراجح في نفسه ، لأنه طهور وإن لم يقصد غاية من الغايات ، كما هو المستفاد من قوله تعالى (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (٣) وأمّا التلبية فهي استجابة لأمر الله تعالى بالحج أو العمرة وهي

__________________

(١) باعتبار أن المنوي معيّن في علم الله فيكون إشارة إليه.

(٢) المنتهي ٢ : ٦٧٥ السطر ٤.

(٣) البقرة ٢ : ٢٢٢.

٣٨٣

[٣٢٣٣] مسألة ٤ : لا يعتبر فيها نيّة الوجه من وجوب أو ندب (١) إلّا إذا توقف التعيين عليها ، وكذا لا يعتبر فيها التلفظ بل ولا الإخطار بالبال فيكفي الداعي.

______________________________________________________

جزء من أجزاء الحج أو العمرة لا أنها مقدّمة مستقلّة ومستحبّة بنفسها ، فلو أتى بها لا بقصد الخصوصية فليست بمأمورة بها ، لأنّ المأمور به إنما هو التلبية الخاصّة التي يقصد بها الحج أو العمرة ويؤتى بها بعنوان الجزئية لأحدهما ، فما أتى به بعنوان الجزئية فهو مأمور به فلا بدّ أن يكون مقصوداً بخصوصه من الأوّل ، نظير القصد إلى البسملة بالنسبة إلى سورة خاصّة.

نعم ، يكفي التعيين الإجمالي كما لو قصد امتثال الفرد الذي يعينه فيما بعد ، لأنّ ذلك الفرد معلوم عند الله واقعاً وهو لا يدري ، فيقصد المتعيّن الواقعي وإن كان لا يعرفه بالفعل ، فإن المنوي يكون متعيّناً في علم الله وهو يشير إليه في مقام النيّة ، فإن القصد إلى الشي‌ء يقع على قسمين :

أحدهما : أن يقصد الطبيعة المطلقة من دون نظر إلى التعيين أصلاً وإنما يتعين فيما بعد.

ثانيهما : أن يقصد المتعيّن واقعاً وإن كان لا يدري به فعلاً ، كما إذا فرضنا أنه عيّنه وكتبه في قرطاس ثمّ نسي ما عيّنه وكتبه ولم يعثر على القرطاس ثمّ ينوي الإحرام على النحو الذي كتبه ، نظير ما إذا قرأ البسملة للسورة التي بعد هذه الصفحة وهو لا يعلم السورة بالفعل عند قراءة البسملة ، فإنّ السورة متعيّنة واقعاً وإن كان هو لا يدري بالفعل عند قراءة البسملة.

(١) لأنه لا يعتبر في الواجب العبادي إلّا إتيان المأمور به متقرّباً به إلى الله تعالى وخالصاً لوجهه الكريم ، وأمّا قصد الوجه فلا دليل على اعتباره ، نعم إذا توقف التعيين عليه لزم ، لا لاعتبار نيّة الوجه بنفسها بل لأجل اعتبار التعيين ، كما إذا كان في الخارج أمران أحدهما ندبي والآخر وجوبي ويريد أن يمتثل أحدهما ، فحينئذٍ يجب

٣٨٤

[٣٢٣٤] مسألة ٥ : لا يعتبر في الإحرام استمرار العزم على ترك محرماته ، بل المعتبر العزم (*) على تركها مستمرّاً فلو لم يعزم من الأوّل على استمرار الترك بطل ، وأمّا لو عزم على ذلك ولم يستمر عزمه بأن نوى بعد تحقق الإحرام عدمه أو إتيان شي‌ء منها لم يبطل ، فلا يعتبر فيه استدامة النيّة كما في الصوم ، والفرق أن التروك في الصوم معتبرة في صحّته بخلاف الإحرام فإنها فيه واجبات تكليفية (١).

______________________________________________________

عليه قصد الوجه من جهة توقف التعيين عليه.

كما لا يلزم الاخطار بالبال ، بل يكفي الإتيان بالعمل بحيث يكون أمر الله داعياً إليه وصحّ انتسابه إليه تعالى ، ولا دليل على أزيد من ذلك ، وكذلك لا يعتبر التلفظ بالنيّة وما ورد من التلفظ بها محمول على الاستحباب كما سيأتي في المسألة الثانية عشرة.

(١) لا ينبغي الإشكال في عدم اعتبار استمرار العزم على ترك المحرمات في الإحرام بعد الفراغ عن أن الإحرام ليس هو الالتزام وتوطين النفس على ترك المنهيات ، خلافاً للصوم فإن المعتبر فيه استدامة النيّة والبناء والعزم على ترك المفطرات في مجموع النهار ، ففي كل جزء من أجزاء النهار مأمور بالإمساك ، فلا بدّ أن يكون كل جزء من أجزاء الزمان مقترناً بالنيّة ، فلو أفطر في بعض الأزمنة أو نوى القطع أو القاطع كان منافياً للأمر على كلام تقدّم في كتاب الصوم (١) في نيّة القطع أو القاطع ولكن لا دليل على ذلك في باب الإحرام ، لأنه كما عرفت بما لا مزيد عليه عبارة عن التلبية الموجبة للإحرام والدخول في الحرمة ، أو عمّا يترتّب على التلبية ، فالإحرام اسم للسبب أو للمسبب ، فهو من قبيل الأفعال التوليدية المترتبة على عناوين خاصّة كالطّهارة المترتبة على الوضوء أو الغسل ، ولذا قد يؤمر بالطّهارة مرّة وبالغسل

__________________

(*) لا يعتبر العزم على الاستمرار في غير الجماع والاستمناء لأنّ المحرمات محرمات تكليفية وأمّا الجماع والاستمناء ففيهما الوضع أيضاً على المشهور.

(١) بعد المسألة [٢٤٩٥] الثاني من موارد وجوب القضاء دون الكفّارة.

٣٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والوضوء اخرى ، فيؤمر بالمتولد تارة وبالمتولد منه أُخرى أي بالسبب وبالمسبب كما في قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (١) وقال تعالى أيضاً (وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) (٢) وهكذا المقام فقد أُمر بالتلبية تارة وبالإحرام اخرى فهما في الحقيقة شي‌ء واحد وليسا وجودين منحازين وتكليفين ، بل أحدهما متولد من الآخر ، والأمر بأحدهما أمر بالآخر ، هذا ما استفدناه من الروايات ، فإذا كان الإحرام عبارة عن التلبية أو عن المسبب منها فالعزم على ترك المحرمات خارج عن حقيقة الإحرام ، وإنما هي أحكام مترتبة على الإحرام لا أنها نفس الإحرام ، فلا يضر ارتكابها في الخارج في عقد الإحرام فضلاً عن العزم عليها ، فإذا لم يكن نفس ارتكاب الفعل المحرم مضراً فكيف بالعزم عليه.

إنما الإشكال فيما ذكره المصنف (قدس سره) من أن المعتبر العزم على تركها مستمرّاً ، يعني لا بدّ أن يكون عازماً على التروك في أوّل إحرامه ، فلو لم يعزم من الأوّل بطل إحرامه.

وأنت بعد ما أحطت خبراً على ما ذكرنا تعرف أنه لا دليل على اعتبار ذلك أيضاً لأنّ الإحرام إنما هو عبارة عن التلبية الموجبة للدخول في الحرمة أو عمّا يترتّب على التلبية ، فلا يضر عدم العزم من الأوّل على استمرار الترك ، فإنّ هذه التروك أحكام شرعيّة مترتبة على الإحرام وليست دخيلة في حقيقته ، كما صرّح المصنف (قدس سره) بذلك في لبس الثوبين ، وذكر أنه ليس دخيلاً في حقيقة الإحرام وإنما هو واجب تعبدي ، ولذا يصح إحرامه إذا أحرم في المخيط ، فإن القدر الثابت في الإحرام أن يكون إحرامه صادراً على وجه القربة ، والمفروض أنه حاصل ، والعزم على إتيان المحرمات لا يضر بإحرامه لخروج العزم على الترك عن حقيقة الإحرام.

نعم ، لو كان ارتكاب بعض هذه الأُمور موجباً لبطلان الإحرام كالجماع والاستمناء وكان عازماً على ارتكابه من الأوّل بطل إحرامه ، لا لأجل أن الإحرام

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) النساء ٤ : ٤٣.

٣٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

هو العزم على ترك المحرمات ، بل لأنه لم يقصد الحج والإحرام الصحيح ، فإن كان المنوي منافياً للحج فالعزم عليه يلازم عدم القصد إلى الحج بخلاف سائر التروك فإن العزم عليها لا يلازم بطلان الحج.

وبتعبير آخر : أن بقيّة المحرمات محرمات تكليفية ، وأمّا الجماع والاستمناء فيجتمع فيهما الحكمان التكليفي وهو الحرمة والوضعي وهو البطلان ، ولعل ذلك يتفق لكثير من الحجاج ، فإنه حين الإحرام قد يعزم على بعض التروك كالاستظلال أو لبس المخيط ونحوهما ومع ذلك يحكم بصحّة إحرامه وحجّه.

ملاحظة وتعقيب :

سبق لنا أن ذكرنا (١) في فصل مقدّمات الإحرام استحباب إعادة الإحرام لمن أحرم من غير غسل ، وذكرنا أنه لا مانع من صحّة الإحرامين ، غاية الأمر الإحرام الأوّل واجب والثاني مندوب ، ولكنّنا بعد إعادة النظر في هذا الموضوع نقول بأنّ الإحرام الأوّل هو الواجب والثاني صوري لا حقيقي ، وذلك لأنا استفدنا كما تقدّم من النصوص أن الإحرام أمر بسيط مسبب عن التلبية والتلبية موجبة للإحرام وسبب له ، فلا يمكن الحكم بصحّة الإحرامين ، ولا يصح إطلاق الإعادة على الثاني لعدم إمكان الدخول في الحرمة الإلهيّة مرّتين ، فإن الدخول ثانياً متوقف على الخروج ومن كان داخلاً في شي‌ء لا يدخل فيه ثانياً ، فإذا كان محرماً وداخلاً في الحرمة فلا معنى لإحرامه ودخوله في الحرمة مرّة أُخرى ، فإن الإحرام الحقيقي المسبب عن التلبية غير قابل للإعادة ، فلا بدّ إما من الحكم ببطلان الإحرام الأوّل أو أن الإعادة صورية لا حقيقية ، فحينئذٍ يقع الكلام في بيان المراد من صحيح الحسن بن سعيد الآمر بإعادة الإحرام إذا أحرم من غير غسل فنقول :

إن قوله (عليه السلام) في صحيح ابن سعيد (٢) «يعيده» إمّا يحمل على ظاهره من

__________________

(١) في ص ٣٦٨.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٤٧ / أبواب الإحرام ب ٢٠ ح ١ ، المتقدّم في ص ٣٦٧.

٣٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

إرشاده إلى فساد الإحرام الأوّل وبطلان العمل السابق ، كما هو الظاهر منه في سائر موارد استعمالاته من الأعمال المركبة ، كقولنا إذا تكلّم في صلاته مثلاً : يعيد صلاته فإنّ ذلك إرشاد إلى بطلان الصلاة بالتكلم ، ولكن هذا المعنى غير قابل في المقام ، لما عرفت من أن الإحرام أمر بسيط وعبارة عن الدخول في الحرمة الإلهيّة وذلك لا يتصف بالصحّة والفساد ، بل يدور أمره بين الوجود والعدم كسائر الأُمور البسيطة مثل الزوجية والملكية ، وإنما يتصف بالصحّة والفساد أسبابها كالبيع وعقد النكاح وإلّا فنفس الزوجية أو الملكية إما موجودة أو معدومة ، وهكذا الإحرام إما متحقق في الخارج أو لا ، فليس للإحرام فرد صحيح وفرد فاسد ، فالارشاد إلى الفساد لا معنى له ، وأمّا الإرشاد إلى عدم التحقق وإن كان أمراً قابلاً ولكن لا يعبر عنه بالإعادة ، لأنّ الإعادة وجود ثان بعد الوجود الأوّل ، فإذا كان الإحرام الأوّل غير متحقق في الواقع فلا بدّ أن يقول يحرم بدل يعيد ، فالتعبير بالإعادة في مورد عدم التحقق وعدم الثبوت غير صحيح لعدم صدق الإعادة على ذلك.

وأمّا إرادة الوجوب التكليفي من قوله (عليه السلام) «يعيد» بمعنى وجوب الإتيان بالإحرام مرّة أُخرى ، فإن قلنا باشتراط الإحرام بالغسل يمكن القول بوجوب الإعادة ، ولكن التعبير بالإعادة أيضاً غير صحيح ، لأنه بناءً على اشتراط الإحرام بالغسل يكون الإحرام الأوّل باطلاً وكأنه لم يتحقق من الأوّل لفقد الشرط ، فيجب عليه الإحرام ثانياً فلا يصح أن يعبر عنه الإعادة ، لأنّ الإعادة وجود ثاني للطبيعي والمفروض عدم تحقّق الوجود الأوّل ، وإن قلنا بأن الغسل ليس بشرط للإحرام فلا تجب الإعادة ، إذ لا نحتمل وجوب الإحرام ثانياً لتدارك الغسل الذي ليس بشرط في الإحرام ، فلا بدّ من إرادة صورة الإحرام بأن يأتي بالتلبية بعد الغسل ، وهذا أمر ممكن لا مناص من الالتزام به وإن كان على خلاف ظاهر النص ، ولكن لا مانع من ارتكابه بعد ما عرفت من أن الإحرام أمر بسيط غير قابل للتكرار والإعادة ولا يمكن رفع اليد عنه إلّا بالتحلّل الشرعي.

ومن جميع ما ذكرنا يظهر أنه لا معنى لاستحباب إعادة الإحرام ، لأنّ الإعادة معناها رفع اليد عن الوجود الأوّل ، والإحرام على ما فسرناه غير قابل لرفع اليد

٣٨٨

[٣٢٣٥] مسألة ٦ : لو نسي ما عيّنه من حج أو عمرة وجب عليه التجديد (*) سواء تعيّن عليه أحدهما أو لا ، وقيل : إنه للمتعين منهما ومع عدم التعيين يكون لما يصح منهما ومع صحّتهما كما في أشهر الحج الأولى جعله للعمرة المتمتع بها وهو مشكل إذ لا وجه له (١).

______________________________________________________

عنه ، إذ لو ارتفع كلّاً وجب الإحرام من جديد ولا يكون مستحباً ، وإن لم يرتفع الأوّل فالوجود الثاني له المعبر عنه بالإعادة غير ممكن ، فالصحيح ما ذكره المصنف من أنه لو أحرم بغير غسل أتى بالغسل وأعاد صورة الإحرام.

(١) أمّا التجديد الذي ذهب إليه المصنف فلا وجه له إلّا إذا حكم ببطلان الإحرام الأوّل ، ولا موجب للبطلان بعد وقوعه صحيحاً ، فكيف يجدد الإحرام مع أنه محرم بالفعل ، غاية الأمر لا يدري أنه للعمرة أو للحج ، فبأي شي‌ء يتحلل من إحرامه حتى يجدِّده.

__________________

(*) بل الظاهر هو التفصيل بأن يقال : إذا كان أحدهما صحيحاً والآخر غير صحيح كما إذا كان في غير أشهر الحج وشك في أن إحرامه كان للحج أو للعمرة المفردة فإن كان شكّه بعد الدخول في الغير كالطّواف كما إذا أتى به بعنوان العمرة فشك في صحّة إحرامه جرت فيه قاعدة التجاوز وحكم بصحّته عمرة ، وإن كان شكّه قبل التجاوز لم تجر قاعدة التجاوز ولا قاعدة الصحّة بل يجري استصحاب عدم الإحرام لما هو الصحيح فله رفع اليد وله تجديد الإحرام للصحيح ، وأمّا إذا كان كل منهما صحيحاً كما إذا أحرم في شهر شوال فشك فلا موجب للحكم بوجوب تجديد الإحرام وبطلان الإحرام الأوّل مع العلم بوقوعه صحيحاً ووجوب إتمامه وهو متمكن من ذلك بيان ذلك : أن شكّه إذا كان في أن إحرامه كان لعمرة التمتّع أو للعمرة المفردة فيجب عليه الاحتياط بالإتيان بطواف النّساء وعدم الخروج من مكّة إلى زمان الحج للعلم الإجمالي فإذا بقي إلى الحج وأتى بأعماله أحرز فراغ ذمّته من حج التمتّع لو كان واجباً عليه وإن كان إحرامه للعمرة المفردة واقعاً لأنها تنقلب إلى عمرة التمتّع حينئذ وأمّا إذا كان شكّه في أن إحرامه كان للحج أو للعمرة المفردة فطريق الاحتياط ظاهر ، وأمّا إذا دار أمر الإحرام بين أن يكون للحج أو لعمرة التمتّع فيدور الأمر حينئذ بالنسبة إلى التقصير قبل الحج بين الوجوب والتحريم فلا محالة يكون الحكم هو التخيير وإذا جاز التقصير وجب لإحراز الامتثال بالنسبة إلى وجوب إتمام إحرامه.

٣٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ودعوى أنه لا يتمكن من الامتثال لتردد الإحرام بين أمرين لا يتمكن من امتثالهما معاً ، مدفوعة بعدم كونه عاجزاً من الامتثال بل متمكن منه قطعاً أو احتمالاً ، وعلى كل حال لا وجه للتجديد ، لأنّ التجديد في مورد بطلان الإحرام الأوّل ولا موجب له.

وتفصيل المقام أن الترديد قد يكون بين الباطل والصحيح وقد يكون بين الصحيحين.

أمّا الأوّل : كما إذا أحرم في غير أشهر الحج ثمّ شك في أن إحرامه كان للعمرة المفردة ليكون إحرامه صحيحاً أو للحج فيكون فاسدا.

وربّما يقال بعدم كون هذا المورد من موارد دوران الأمر بين الصحيح والفاسد ، بل يحكم في مثله بالصحّة عملاً بأصالة الصحّة ، لأنّ كل عمل يشك في صحّته وفساده يبنى على الصحّة.

وفيه : ما ذكرناه غير مرّة أنّ أصالة الصحّة الجارية في العبادات والمعاملات لم تثبت بدليل لفظي ليتمسك بإطلاقه ، وإنّما دليلها السيرة القطعية مع بعض الروايات الخاصّة الواردة في موارد مخصوصة المعبر عنها بقاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز وبأصالة الصحّة أحياناً ، والقدر المتيقن من السيرة جريان أصالة الصحّة في مورد يكون عنوان العمل محفوظاً ومعلوماً ولكن يشك في بعض الخصوصيات من الأجزاء والشرائط ، وأمّا إذا كان أصل العنوان مشكوكاً فيه ولا يعلم تحقق العنوان في الخارج فلا تجري أصالة الصحّة ، فلو صدر منه البيع مثلاً وشكّ في صحّته وفساده يحمل على الصحّة ، وأمّا إذا شكّ في أصل البيع وأنه هل صدر منه البيع أو القمار لا نحكم بأنه باع استناداً إلى أصالة الصحّة ، بل أصالة عدم صدور البيع منه محكّمة ، وهكذا في العبادات فلو صلّى وشكّ في أنه كبر أو ركع يحكم بالصحّة ، وأمّا لو شكّ في أنه صلّى أو قرأ القرآن فلا يحكم بصدور الصلاة منه ، ومقامنا من هذا القبيل لأنّ عنوان العمل غير محفوظ ، لترديده بين العمل الصحيح وهو العمرة المفردة وبين العمل الباطل وهو الحج في غير أشهر الحج.

٣٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

والحاصل : لو كانت صورة العمل غير محفوظة فلا مجال لجريان أصالة الصحّة وإذا كانت صورة العمل محفوظة ولكن يشك في بعض الأجزاء والشرائط فلا مانع من أصالة الصحّة ، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في نظير المقام في أوّل مسألة من مسائل ختام كتاب الصلاة (١) ، وهي ما لو شكّ أن ما بيده ظهرٌ أو عصر.

ثمّ إنه إذا كانت صورة العمل محفوظة ، كما إذا رأى نفسه في العمرة ولكن يشك في الإحرام الصادر منه وأنه كان للحج أو للعمرة المفردة ، فإن كان شكّه بعد الدخول في الغير كالطواف إذا أتى به بعنوان العمرة جرت قاعدة التجاوز وحكم بصحّة إحرامه عمرة ، نظير ما لو شكّ في حال الطواف في أصل صدور الإحرام منه في أوّل الأعمال ، وإن كان شكّه قبل الدخول في الأعمال وقبل التجاوز لم تجر قاعدة التجاوز ولا قاعدة الصحّة ، بل مقتضى الأصل عدم صدور الإحرام الصحيح منه وعليه تجديد الإحرام الصحيح.

وأمّا الثاني : وهو ما إذا دار الإحرام بين الصحيحين كما إذا أحرم في أشهر الحج وشكّ في أنه أحرم للعمرة المفردة أو عمرة التمتّع ، فقد قيل : إنه إذا كان أحدهما متعيّناً تنصرف نيّته إلى المتعيّن الواقعي.

وفيه : أنه لا أساس لدعوى الانصراف ، لأنّ العمل قصدي يحتاج إلى النيّة ، ومجرّد التعيين الواقعي لا يوجب كونه منوياً ومما تعلق به القصد إلّا إذا كان ارتكازه على إتيان هذا الفرد بخصوصه ، كما إذا كان أحدهما واجباً والآخر مندوباً وارتكازه على إتيان ما هو الواجب عليه ، فحينئذ لا مانع من الانصراف إلى ما هو المرتكز ، وقد لا يكون كذلك كما إذا فرضنا أنه لم يكن عالماً بما تعيّن عليه أو كان عالماً به وغفل عنه بالمرّة.

وأمّا تجديد الإحرام الذي اختاره المصنف فلا وجه له ، لأنّ المفروض أن إحرامه الأوّل وقع صحيحاً ويجب عليه إتمامه فلا موجب لبطلانه.

__________________

(١) ذيل المسألة [٢١٣٤].

٣٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

فالصحيح أن يقال : إنه يجب عليه الاحتياط بالجمع بين أعمال العمرة المفردة وأعمال عمرة التمتّع إذا كان شكّه في أن إحرامه لعمرة التمتّع أو للعمرة المفردة ، وحينئذ يجب عليه الإتيان بطواف النّساء وعدم الخروج من مكّة إلى زمان الحج ، للعلم الإجمالي بحرمة الخروج عليه من مكّة إذا كان إحرامه لعمرة التمتّع وبوجوب طواف النّساء عليه إذا كان إحرامه للعمرة المفردة ، وحيث إنه يتمكن من الامتثال والجمع بين الأمرين يجب عليه ذلك لتنجز العلم الإجمالي.

نعم ، يكفي إتيان طواف النّساء مرّة واحدة بعد أعمال الحج بقصد ما في الذمّة ، فإن كانت عمرته عمرة التمتّع فليس فيها طواف النّساء وإنما يجب عليه الحج وقد أتى به وإن كان إحرامه للعمرة المفردة فقد وجب عليه طواف النّساء ، والمفروض أنه أتى به ولو بعد أعمال الحج والمناسك ، ولا يضر الفصل لعدم وجوب المبادرة إلى طواف النّساء بعد أعمال العمرة المفردة ، هذا كلّه فيما إذا دار أمر الإحرام بين كونه للعمرة المفردة أو لعمرة التمتّع.

وأمّا إذا دار أمر الإحرام بين العمرة المفردة وحج الإفراد فطريق الاحتياط أن يأتي بأعمال الحج أوّلاً ويذهب إلى الموقفين ويرمي يوم العيد ولا يقصر ، لاحتمال أن إحرامه للعمرة المفردة فلا يجوز له التقصير قبل إتيان أعمالها ، فيرجع إلى مكّة فيأتي بالطواف والسعي بالنيّة المرددة بين الحج والعمرة المفردة ثمّ يرجع إلى منى فيقصر أو يحلق ، فإن كان إحرامه للعمرة المفردة فقد أتى بأعمالها من الطواف والسعي والتقصير ، ولا يضر الفصل بين الطواف والسعي وبين التقصير ، وإن كان إحرامه للحج فقد أتى بأعماله أيضاً ، نعم يلزم عليه أن يأتي بعمرة مفردة متى شاء ، لاحتمال أن إحرامه كان للحج الأفرادي ولا بدّ من إتيان العمرة المفردة له (١).

__________________

(١) وله طريق آخر للاحتياط ، وهو أن يأتي بأعمال العمرة المفردة من الطواف والسعي رجاءً ولا يقصر ، لاحتمال أن إحرامه للحج ، فيذهب إلى الموقفين فيأتي بأعمال الحج ويقصر أو يحلق في منى بقصد ما في الذمّة من العمرة المفردة أو الحج ويرجع إلى مكّة ويأتي بالطواف والسعي رجاءً فيتم أعمال الحج ويأتي بطواف النّساء.

٣٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا إذا كان شكّه في أن إحرامه كان لحج الإفراد أو لعمرة التمتّع فيدور الأمر حينئذ بالنسبة إلى التقصير قبل الحج بين الوجوب والتحريم ، إذ لو كان إحرامه لعمرة التمتّع يجب عليه التقصير قبل الحج ليحل حتى يحرم ثانياً للحج ، وإن كان إحرامه لحج الإفراد يحرم عليه التقصير بل يجب عليه الذهاب إلى الموقفين لأداء أعمال الحج ويقصر أو يحلق في منى ، فالاحتياط غير ممكن فتصل النوبة إلى الامتثال الاحتمالي ، ونتيجة ذلك هو الاقتصار على أحد العملين والتخيير بينهما ، فله أن يخرج من الإحرام باختيار عمرة التمتّع ويقصر ثمّ يذهب إلى الحج ويأتي بأعمال حج التمتّع رجاءً ، وبعد الفراغ من ذلك كلّه يخرج من الإحرام جزماً ، فإن الواجب عليه لو كان عمرة التمتّع فقد أتى بمناسكها وخرج من الإحرام ، وإن كان الواجب عليه حج الإفراد واقعاً فقد جاء بأعمال الحج ، ولم يصدر منه سوى مخالفة الحكم التكليفي احتمالاً وهو التقصير الواقع قبل أداء الحج ، ولا يوجب ذلك شيئاً إلّا الكفّارة. كما أن له أن يختار الحج أوّلاً ، فالواجب عليه الوقوفان ولا يجوز له التقصير ، فحينئذ يحتمل الامتثال كما يحتمل المخالفة للواقع أيضاً لأجل تركه الطواف والسعي والتقصير قبل الحج.

وكيف كان ، في مورد التقصير يدور أمره بين المحذورين فلا محالة يكون الحكم هو التخيير.

هذا ما يقتضيه الحال في بادئ النظر ، ولكن مقتضى التأمل وجوب التقصير ، لأنّ التقصير إذا جاز بحكم التخيير وجب لوجوب إتمام العمرة والحج ، فإذا جاز له التقصير يتمكن من الإتمام ، فإذا تمكن منه وجب لقوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) (١) وقد ذكرنا نظير ذلك في كتاب التيمّم (٢) في مسألة ما لو كان عنده ماء وتراب وعلم بغصبية أحدهما ، فقد ذكر الماتن أنه من فاقد الطّهورين ولا يجوز له الوضوء ولا التيمم ، ولكن قلنا هناك بوجوب الوضوء عليه حينئذٍ لأنّه من دوران الأمر بين المحذورين في كل من التيمم والوضوء ويحكم بالتخيير وبجواز ارتكاب أحد الطرفين

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٩٦.

(٢) في المسألة [١١١١].

٣٩٣

[٣٢٣٦] مسألة ٧ : لا تكفي نيّة واحدة للحج والعمرة بل لا بدّ لكل منهما من نيّته مستقلا ، إذ كل منهما يحتاج إلى إحرام مستقل (١) فلو نوى كذلك وجب عليه تجديدها ، والقول بصرفه إلى المتعيّن منهما إذا تعيّن عليه أحدهما والتخيير بينهما إذا لم يتعيّن وصحّ منه كل منهما كما في أشهر الحج لا وجه له ، كالقول بأنه لو كان في أشهر الحج بطل ولزم التجديد وإن كان في غيرها صحّ عمرة مفردة.

______________________________________________________

فإذا جاز الوضوء وجب لأنه واجد للماء فلم ينتقل الأمر إلى التيمم.

(١) لأنّ كلّا منهما عمل مستقل يحتاج إلى نيّة مستقلّة.

ثمّ نقل المصنف قولين آخرين :

أحدهما : أنّ النيّة تنصرف إلى المتعيّن منهما إذا تعيّن عليه أحدهما والتخيير بينهما إذا لم يتعيّن وصحّ منه كل منهما ، كما إذا كان إحرامه في أشهر الحج ، وهذا القول نسبه في المدارك (١) إلى الشيخ في الخلاف (٢).

ثانيهما : ما اختاره المحقق في الشرائع (٣) بأنه لو كان إحرامه في أشهر الحج بطل ولزم تجديد النيّة ، وإن كان في غيرها تعيّن للعمرة المفردة.

والتحقيق أن يقال : إنه قد يقصد بإحرامه مجموع العملين وهذا مما لا ينبغي الريب في بطلانه ، سواء كان هناك متعيّن أم لا؟ وسواء كان إحرامه في أشهر الحج أم في غيرها ، وذلك لأنّ مجموع العملين لم يشرع له الإحرام وإنما شرع الإحرام لكل واحد منهما ، فما قصده لم يشرع له الإحرام وما شرع له الإحرام لم يقصده.

ولو أحرم للحج والعمرة على نحو التداخل ، بمعنى أنه يحرم لكل منهما بإتيان فرد واحد في الخارج بحيث يكون مجمعاً للفردين ، نظير ما إذا سلم جماعة على شخص فأجاب بجواب واحد قاصداً به ردّ الجميع ، فإنه في الحقيقة أجاب كل واحد من أفراد

__________________

(١) المدارك ٧ : ٢٦٠.

(٢) لم نعثر عليه في الخلاف بل هو في المبسوط ١ : ٣٦٨.

(٣) الشرائع ١ : ٢٧٧.

٣٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

السلام الصادر من الجميع ، غاية الأمر بمظهر ومبرز واحد ، وبذلك يتحقق الامتثال لكل من الفردين بإتيان فرد واحد حيث كان مجمعاً للعنوانين.

ثمّ إنّه في هذه الصورة قد نفرض أنه عالم بعدم جواز ذلك ويعلم أن كل واحد من الحج والعمرة يحتاج إلى إحرام مستقل ونيّة مستقلة ومع ذلك ينويهما بنيّة واحدة ويأتي بإحرام واحد ، فيكون مشرعاً ويصدر العمل منه على نحو التشريع ، فيقع العمل الصادر منه مبغوضاً ولا يمكن التقرب ولا الامتثال به ، وقد يفرض أنه جاهل بذلك فلا يكون مشرّعاً ولا يكون العمل الصادر منه مبغوضاً ، وفي هذه الصورة تارة يصح كل منهما في نفسه وأُخرى لا يصح.

أمّا الأُولى : كما إذا كان الإحرام في أشهر الحج ففي مثله لا يمكن الحكم بصحّتهما معاً ولا يقع كلاهما في الخارج جزماً ، لاحتياج كل منهما إلى إحرام مستقل ، ولا بدّ في الحكم بصحّتهما معاً من تحقق الإحرامين وهي غير ممكنة على الفرض ، وصحّة أحدهما دون الآخر ترجيح من غير مرجح ، ولا دليل على التخيير في المقام ، فمقتضى القاعدة هو الحكم بالبطلان ، نظير البيع الصادر من المالك والوكيل في وقت واحد نعم ورد التخيير في بعض الموارد كتزويج الأُختين معاً بعقد واحد أو اختيار الخامسة فيما إذا تزوج من خمسة بعقد واحد كما في النص (١).

وأمّا الثانية : فيمكن الحكم بصحّة أحدهما دون الآخر كما إذا كان إحرامه في غير أشهر الحج ، فحينئذٍ لا يبعد الحكم بالتعيين للعمرة المفردة لإمكان وقوعه عمرة والمفروض أنه أحرم قربة إلى الله تعالى ، ولا يقع عن الحج لعدم إمكان وقوعه.

وبعبارة اخرى : لا مانع من الحكم بصحّة الإحرام للعمرة المفردة لأنّ أصل الإحرام قد أتى به متقرباً إلى الله تعالى ، وإنما تخيل إتيان فردين بذلك ، أحدهما مشروع في نفسه وقابل لوقوعه والآخر غير مشروع ، والمفروض أنه لم يكن مشرعاً ليقع العمل الصادر منه مبغوضاً غير قابل للتقرب به ، وإنما ظنّ كفاية النيّة الواحدة

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ٤٧٨ / أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٥ ، وفي ص ٥٢٢ / أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٤.

٣٩٥

[٣٢٣٧] مسألة ٨ : لو نوى كإحرام فلان فإن علم أنه لماذا أحرم صح ، وإن لم يعلم فقيل بالبطلان لعدم التعيين ، وقيل بالصحّة لما عن علي (عليه السلام) والأقوى الصحّة لأنه نوع تعيين ، نعم لو لم يحرم فلان أو بقي على الاشتباه فالظاهر البطلان (*) ، وقد يقال : إنه في صورة الاشتباه يتمتّع ، ولا وجه له إلّا إذا كان في مقام يصح له العدول إلى التمتّع (١).

______________________________________________________

على نحو التداخل وظنّ إمكان إتيانهما معاً فضم ما هو المشروع إلى قصد أمر آخر غير مشروع ، فبالنسبة إلى الحج لا يقع لعدم وقوعه في محله ، ولكن لا مانع من وقوعه للعمرة المفردة ، ومجرد ضمه إلى ما هو غير مشروع غير ضائر بالعمل القربي الواجد لما يعتبر فيه ، نظير انضمام بعض الأغسال الواردة إلى أغسال أُخر لا موجب لها ، فإنّ مجرّد اقتران ما لا أمر له إلى ما هو المأمور به لا يضر بصحّة المأمور به.

(١) هذه المسألة تتصور إلى ثلاثة صور :

الاولى : ما إذا فرضنا أن فلانا الذي قصد أن يحرم مثله لم يحرم أصلاً ، فلا ينبغي الريب في بطلان إحرامه لأنّه أحرم إحراماً لا واقع له ، إذ المفروض أن ذلك الشخص لم يحرم.

الثانية : ما إذا صدر الإحرام من ذلك الشخص المقصود واقعاً وعلم بما قصده وأن إحرامه للحج أو للعمرة ، وهذا ممّا لا ينبغي الشك في صحّته لحصول النيّة المعتبرة وتميز المنوي ، ومجرّد قصده بأنّ إحرامه كإحرام فلان غير ضائر بصحّة إحرامه.

الثالثة : ما إذا كان إحرام من قصد متابعته مجهولاً عنده ولا يعلم به حين الإحرام فتارة يفرض أنه يعلمه بعد ذلك وأُخرى لا ينكشف له إلى الآخر ويبقى على الاشتباه.

أمّا الثاني : فقد حكم المصنف بالبطلان ، والظاهر أنه لا موجب له لأنّ التعيّن الواقعي مع الإشارة الإجمالية إليه يكفي وإن لم يعلم به تفصيلاً كما تقدّم في الناسي وذكرنا هناك أن الإحرام إذا كان بقصد ما عيّنه واقعاً وإن كان منسياً فعلاً يحكم

__________________

(*) بل الظاهر هو الصحّة ولزوم العمل بالاحتياط المتقدّم في الحاشية السابقة.

٣٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بصحّته ، ولا فرق بين المقامين سوى كون النسيان مسبوقاً بالعلم وإلّا فالواقع متعيّن في الموردين ، غاية الأمر لا يتمكن من التمييز فتكفي الإشارة الإجمالية ، بل حتى إذا كان متمكناً من التمييز لا يلزم التفصيل في النيّة وتكفي الإشارة الإجمالية ، فيجوز له أن يحرم لما يعيّنه الله واقعاً فيما بعد ، والمقام أولى بالصحّة لأنه متعيّن في غير علم الله أيضاً ، لأنّ الشخص الذي أحرم أوّلاً يعلم قصده ، غاية الأمر من أحرم كإحرامه لا يدري بما قصده ، فالمقام نظير ما إذا نوى طبقاً لما كتبه في القرطاس الذي نساه ولا يتمكّن من الرجوع إلى القرطاس.

وأمّا الأوّل : وهو الذي يعلمه بعد ذلك وينكشف له كيفية إحرام ذلك الشخص فالظاهر أيضاً أنه لا مانع من الحكم بالصحّة ، لأنّ التعيين الإجمالي حاصل ، ولا دليل على اعتبار الأزيد من ذلك ، بل هذه الصورة أولى بالصحّة من الإحرام لما يعيّن الله فيما بعد ، الذي قلنا بجواز ذلك وإن لم ينكشف عنده ، والمفروض في المقام حصول الانكشاف لديه أيضاً.

وقد يتمسك للصحّة في هذه الصورة بفعل علي (عليه السلام) حينما قدم من اليمن محرماً بالحج وسأله النبي (صلّى الله عليه وآله) «وأنت يا علي بما أهللت؟ قال (عليه السلام) : إهلالاً كإهلال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : كن على إحرامك مثلي (١)» كما في صحيحة معاوية بن عمّار ، وفي صحيحة الحلبي «فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : يا علي بأي أهللت؟ فقال : أهللت بما أهلّ النبي (صلّى الله عليه وآله) ، فقال : لا تحل أنت ، فأشركه في الهدي» (٢) فقد ذكروا أن معنى ذلك أني نويت الإحرام بما أحرمت به أنت يا رسول الله كائناً ما كان ، فكأنه (عليه السلام) لم يعيّن إهلاله حجاً أو عمرة وإنما نوى إهلالاً كإهلال النبي (صلّى الله عليه وآله) فأقره النبي (صلّى الله عليه وآله) على ذلك فقال له : لا تحل أنت وكن على إحرامك.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢١٥ / أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٢٢ / أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١٤.

٣٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن يظهر من الصحيحتين أن فعل علي (عليه السلام) أجنبي عن الإجمال في النيّة وعن الاكتفاء بقوله : أُحرم كإحرام فلان ، وذلك لأنّ الظاهر من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : إهلالاً كإهلال النبي (صلّى الله عليه وآله) ، أني نويت الحج المشروع الواجب على المسلمين وهو حج الإفراد أو القرآن ، فمراده (عليه السلام) والله العالم أني نويت الحج كحج النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وسائر المسلمين ، ولم يكن حج التمتّع حينذاك مشروعاً ، وإنما شرّع بعد وصول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى مكّة وبعد السعي قبل وصول أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى مكّة ، فما نواه أمير المؤمنين (عليه السلام) إنما هو حج الإفراد فلا إجمال في نيّته أصلا.

نعم ، في صحيح معاوية بن عمّار وصحيحة الحلبي ما يظهر منهما المنافاة من جهة أُخرى ، ولا يمكن الجمع بينهما من هذه الجهة ، وهي أن مقتضى صحيح معاوية بن عمّار أن الهدي الذي جاء به رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أربع وستّون أو ستّ وستون وما جاء به أمير المؤمنين (عليه السلام) أربع وثلاثون أو ستّ وثلاثون الترديد من الراوي وساق الهدي كالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) فيشمله قوله (صلّى الله عليه وآله) : «ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محلّه» ، ويظهر من صحيح الحلبي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يأت بالهدي ولم يسق هدياً وإنما رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ساق مائة بدنة وأشركه في هديه وجعل له سبعاً وثلاثين ، فيكون حاله (عليه السلام) كحال سائر المسلمين لقوله (صلّى الله عليه وآله) : «يأمرني أن آمر من لم يسق هدياً أن يحل» (١) ومع ذلك أمره بعدم الإحلال وأشركه في هديه وحجّه ، فلا بدّ من الالتزام بأن ذلك من مختصاته (عليه السلام) ونحو ذلك من التأويلات.

ثمّ إنّ المصنف ذكر في آخر المسألة أنه قد يقال : يتمتّع في صورة الاشتباه وعدم انكشاف الحال إلى الآخر ، ولكن لا دليل عليه إلّا في مورد يصح له العدول إلى التمتّع كما فعله المسلمون بأمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، وفيما إذا لم يكن متعيّناً عليه

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٣١ ، أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٢٥.

٣٩٨

[٣٢٣٨] مسألة ٩ : لو وجب عليه نوع من الحج أو العمرة فنوى غيره بطل (*) (١).

[٣٢٣٩] مسألة ١٠ : لو نوى نوعاً ونطق بغيره كان المدار على ما نوى دون ما نطق (٢).

[٣٢٤٠] مسألة ١١ : لو كان في أثناء نوع وشك في أنه نواه أو نوى غيره بنى على أنه نواه (٣).

[٣٢٤١] مسألة ١٢ : يستفاد من جملة من الأخبار استحباب التلفّظ بالنيّة

______________________________________________________

نوع خاص فحينئذٍ يجوز له قلب الإفراد إلى التمتّع ، وأمّا في غير ذلك فلا دليل على الانقلاب.

(١) أي لا يقع عما وجب عليه لا أنه يبطل برأسه ، فيحكم بصحّة المأتي به ولكن لا يجزئ عمّا وجب عليه.

(٢) لأنّ العبرة بالقصد القلبي ولا عبرة بما سبق لسانه فإنه صادر من غير قصد واختيار ، وربّما يستدل له بخبر علي بن جعفر ، قال : «سألته عن رجل أحرم قبل التروية فأراد الإحرام بالحج يوم التروية فأخطأ وذكر العمرة ، قال فقال : ليس عليه شي‌ء فليعتد (فليعد) الإحرام بالحج» (١).

وفيه : أن الخبر أجنبي عن المقام بالمرّة ، لأنّ المفروض فيه صدور الإحرام منه في الخارج ولكن يريد الإحرام ثانياً يوم التروية لدرك فضل الإحرام يوم التروية ، فلا يشمل الخطأ في الإحرام من الأوّل ، مضافاً إلى ضعف السند بعبد الله بن الحسن.

(٣) لقاعدة التجاوز والصحّة ، وليس الشك في أصل النيّة حتى يكون الشك في أصل العنوان.

__________________

(*) أي لم يقع عما وجب عليه.

(١) الوسائل ١٢ : ٣٥٤ / أبواب الإحرام ب ٢٢ ح ٨.

٣٩٩

والظاهر تحقّقه بأي لفظ كان ، والأولى أن يكون بما في صحيحة ابن عمار وهو أن يقول : اللهمّ إني أُريد ما أمرت به من التمتّع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنّة نبيّك (صلّى الله عليه وآله وسلم) فيسّر ذلك لي وتقبّله منِّي وأعني عليه فإن عرض شي‌ء يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ ، اللهمّ إن لم تكن حجّة فعمرة أُحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخّي وعصبي من النّساء والطيب ، ابتغي بذلك وجهك والدار الآخرة (١).

______________________________________________________

(١) ذكر المصنف في هذه المسألة استحباب التلفظ بالنيّة ، ولا خصوصية لعبارة خاصّة ويتحقق بأي لفظ كان ، لاختلاف الأخبار في كيفية التلفظ ، وذكر في المسألة الآتية استحباب أن يشترط عند إحرامه على الله أن يحله إذا عرض مانع من إتمام نسكه ، ويدل على استحبابهما جملة من الروايات.

منها : صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : لا يكون الإحرام إلّا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة إلى أن قال اللهمّ إني أُريد التمتّع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنّة نبيّك (صلّى الله عليه وآله) فإن عرض لي عارض يحبسني فخلني حيث حبستني» (١) وفي التهذيب : فحلني (٢) بالحاء المهملة وهو الصحيح لعدم صحّة استعمال خلني أو خلاه وإنما يقال خلي سبيله.

ومنها : صحيحة ابن سنان ، قال «إذا أردت الإحرام والتمتّع فقل : اللهمّ إني أُريد ما أمرت به من التمتّع بالعمرة إلى الحج فيسر ذلك لي ... وحلني حيث حبستني» (٣) ولا يخفى أن المصنف خلط بين صدر رواية ابن سنان وذيل رواية معاوية بن عمّار ، وذكر صدر رواية عبد الله بن سنان في صدر رواية معاوية بن عمّار ثمّ ذكر تتمّة خبر معاوية ابن عمّار ، والأمر سهل ، فلا كلام في استحباب الأمرين.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٤٠ / أبواب الإحرام ب ١٦ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٧ / ٢٥٣.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٤٢ / أبواب الإحرام ب ١٦ ح ٢.

٤٠٠