موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

والأحوط الثاني لكون الحكم على خلاف القاعدة (١) ، هذا. ولا يلزم التجديد في الميقات ولا المرور عليها وإن كان الأحوط التجديد خروجاً عن شبهة الخلاف.

______________________________________________________

ظرف العمل وناشئاً من قبل النذر فلا موجب للتخصيص ، فإن الإحرام قبل الميقات وإن كان مرجوحاً في نفسه إلّا أنه راجح في ظرفه بالنذر فالشرط حاصل.

والظاهر أن ما ذكره المصنف من الاكتفاء بالرجحان في ظرف العمل الناشئ من قبل النذر هو الصحيح ، ولا داعي للالتزام بالرجحان الذاتي مع قطع النظر عن تعلق النذر به ، إذ لا دليل لفظي على اعتبار الرجحان في متعلق النذر ، وإنما استفدنا ذلك من أن النذر جعل شي‌ء على ذمّته لله تعالى ، فلا بدّ أن يكون ذلك الفعل قابلاً للإضافة إليه تعالى والاستناد إليه سبحانه ، وما كان مرجوحاً في نفسه غير قابل للإضافة إليه تعالى ، ولكن يكفي في ذلك مجرد كون الفعل راجحاً ولو في ظرف العمل ، ولا يلزم ثبوت الرجحان الذاتي له قبل العمل.

وبالجملة : لا ريب في دلالة الروايات على صحّة هذا النذر وانعقاده ووجوب الوفاء به سواء كان ذلك تخصيصاً للقاعدة أو كان مطابقاً لها ، فإنّ المتبع هو النصوص فلا أثر للبحث عملاً وإنما هو بحث علمي ، فما ذهب إليه المشهور من انعقاد النذر ووجوب الوفاء هو الصحيح ، والقول بعدم الصحّة كما عن جماعة كالحلّي (١) والعلّامة (٢) وعن المحقق التردّد فيه (٣) فممّا لا وجه له بعد ورود النص ووضوح دلالته وصحّة سنده.

(١) مراده من الاحتياط أنه ليس للعاهد الاكتفاء بالإحرام من موضع العهد بل يجمع بين الأمرين ، يحرم من موضع العهد ويحرم من الميقات أو لا يعهد ولا يحلف ذلك ، وليس مراده من الاحتياط عدم الوفاء بالعهد والاقتصار بالإحرام من الميقات

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٢٧.

(٢) المختلف ٤ : ٦٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٨٠٥ ، لاحظ الشرائع ١ : ٢٧٤.

٣٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

حتى يرد عليه بأنه وإن كان أحوط من جهة ولكنه خلاف الاحتياط من جهة مخالفة العهد والمقام من قبيل الدوران بين المحذورين.

وبالجملة : كيفية الاحتياط في المقام إنما هي بالجمع بين الإحرام من مورد العهد وتجديده من الميقات ، فلا يرد عليه الاشكال.

والعمدة هو النظر إلى الروايات الواردة في المقام وأنها هل تشمل العهد واليمين أم لا فنقول : أمّا صحيحة الحلبي (١) فلا يبعد اختصاصها بالنذر ، لأنّ موردها أن يجعل لله عليه شكراً ، وذلك ينطبق على النذر خاصّة ، لأنّ النذر هو الذي يجعل الإنسان على نفسه شيئاً لله ، فكأنه جعل واقع بينه وبين الله ، بخلاف العهد فإنه ليس فيه جعل شي‌ء على نفسه لله وإنما هو معاهدة نفسانية وقرار نفساني فيما بينه وبين الله ، وكذلك الحلف فإنه إنشاء التزام بشي‌ء مربوط بالله تعالى ، فكأنه يجعل الله لعظمته وجلالته كفيلاً وشاهداً على فعله ، وليس فيه جعل شي‌ء على نفسه لله ، فالصحيحة لا تشمل العهد واليمين.

وأمّا الموثقة (٢) فغير قاصرة الشمول للعهد واليمين ، إذ لم يذكر فيها أن يجعل لله على نفسه شيئاً ، وإنّما المذكور فيها أن يجعل على نفسه ، وهذا العنوان مشترك بين النذر والعهد واليمين ، فإنّ الحالف أيضاً يجعل على نفسه ويجعل نفسه ملزمة بشي‌ء ، غاية الأمر مرتبطاً به سبحانه ويجعله كفيلاً وشاهداً على ما التزم به ، وكذلك قوله عاهدت الله يرجع إلى قرار نفساني وإلزام نفسه بشي‌ء ، وليس كالنذر بأن يجعل الله طرفاً لجعله ، بل هو مجرّد جعل على نفسه وإلزام على نفسه ولم يجعل الله طرفاً لجعله كما في النذر ، وهذا المعنى مشترك في الجميع.

وتوضيح ما ذكرنا يتوقف على بيان أمر ذكرناه في الأُصول (٣) وحاصله : أنّ كل

__________________

(١) المتقدِّمة في ص ٣١٧.

(٢) المتقدِّمة في ص ٣١٩.

(٣) محاضرات في أُصول الفقه ١ : ٨٦.

٣٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

كلام يبرز أمراً نفسانياً ، فالمتكلم عند ما يتكلّم بشي‌ء إنّما يبرز ذلك الأمر النفساني وحينئذ فالمبرز بالفتح قد يكون من الأُمور الاعتبارية كاعتبار شي‌ء في ذمّة المكلف فيبرزه بقوله افعل ، وقد يكون المبرز من الأُمور الواقعية كالاستفهام والتهديد والشوق ونحو ذلك ، وكذلك الحال في الجمل الاخبارية ، فإن المبرز فيها الإخبار عن قيام زيد بالضرب مثلاً ، فإذا قال القائل : ضرب زيد فقد أبرز ما في نفسه وهو الإخبار عن صدور الضرب من زيد ، ولذا ذكرنا أنه لا فرق بين الجمل الاخبارية والإنشائية من هذه الجهة ، ولأجل ذلك لا يتصف الخبر بالصدق والكذب ، ولكن حيث إن المبرز بالفتح في الجملة الخبرية له تعلق بالخارج قد يطابقه وقد يخالفه فيتصف بالصدق والكذب.

والحاصل : لا فرق بين الخبر والإنشاء من جهة الإبراز لما في النفس.

وهكذا الأمر في باب العهد واليمين ، فإن الحالف يبرز التزامه بشي‌ء غاية الأمر مرتبطاً بالله تعالى ، والالتزام أمر حقيقي نفساني نظير الاستفهام والتهديد ، وكذلك العهد ، فإن العاهد يقرر شيئاً في نفسه ويعتبر على نفسه شيئاً مرتبطاً به تعالى ويبرزه بقوله : عاهدت الله ، كما أنه في النذر يعتبر لله على نفسه شيئاً ويبرزه بقوله : نذرت لله على أن أفعل كذا ، فالالتزام النفساني المرتبط بالله متحقق في الموارد الثلاثة ، وإطلاق الموثقة يشمل الجميع.

ثمّ إنّه بعد الفراغ عن صحّة نذر الإحرام قبل الميقات لا حاجة إلى تجديد الإحرام في الميقات وإن مرّ عليه ، كما أنه يجوز له أن يسلك طريقاً لا يفضي إلى الميقات ، لأنّ الممنوع هو المرور بالميقات بلا إحرام ، وأمّا إذا كان محرماً بإحرام صحيح فلا موجب للإحرام ثانياً ، كما لا يجب عليه أن يذهب إلى الميقات ، لأنّ الذهاب إلى الميقات إنما يجب لأجل أن يحرم من الميقات ، فإن كان محرماً فلا موجب للذهاب إلى الميقات ، نعم لا بأس بالتجديد احتياطاً ورجاءً خروجاً عن شبهة الخلاف.

وأمّا ما حكي عن بعض من التفصيل بين ما إذا نذر إحراماً واجباً وجب التجديد وبين ما إذا نذر إحراماً مستحباً استحب له التجديد ، فلا وجه له ، إذ لو كان الإحرام

٣٢٣

والظاهر اعتبار تعيين المكان فلا يصح نذر الإحرام قبل الميقات مطلقاً فيكون مخيراً بين الأمكنة لأنّه القدر المتيقن بعد عدم الإطلاق في الأخبار (١) ، نعم لا يبعد الترديد بين المكانين بأن يقول : لله عليَّ أن أُحرم إمّا من الكوفة أو من البصرة ، وإن كان الأحوط خلافه (*).

ولا فرق بين كون الإحرام للحج الواجب أو المندوب أو للعمرة المفردة (٢) ، نعم لو كان للحج أو عمرة التمتّع يشترط أن يكون في أشهر الحج لاعتبار كون الإحرام لهما فيها ، والنصوص إنما جوزت قبل الوقت المكاني فقط ، ثمّ لو نذر وخالف نذره فلم يحرم من ذلك المكان نسياناً أو عمداً لم يبطل إحرامه إذا أحرم من الميقات.

______________________________________________________

صحيحاً فلا فرق بين الواجب والمستحب ، ولو كان باطلاً لا فرق بينهما أيضا.

(١) لأنّ الروايات إنما جوزت نذر الإحرام قبل الميقات فيما إذا عيّن مكاناً خاصّاً كالكوفة وخراسان والبصرة ونحو ذلك من الأماكن ، ولا خصوصية للكوفة وخراسان المذكورين في النص ، لأنّ الظاهر أن ذكرهما من باب المثال. والحاصل : حيث إنّ الحكم على خلاف القاعدة فلا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقن ، وهو جواز الإحرام قبل الميقات بالنذر إذا عيّن مكاناً خاصّاً ، فلا يصح نذر الإحرام قبل الميقات مطلقاً ومن أي مكان كان لعدم الدليل عليه.

وأمّا عدم استبعاد المصنف (قدس سره) لجواز الترديد بين المكانين فلم يظهر وجهه ، إذ لا فرق بين الترديد بين المكانين وبين عدم تعيين المكان ، لأنّ عدم تعيين المكان مرجعه إلى الترديد بين أماكن ومواضع متعددة.

(٢) لإطلاق الروايات وترك الاستفصال فيها ، غاية الأمر لو كان الإحرام لعمرة التمتّع لا بدّ من وقوع النذر في أشهر الحج وإلّا فلا يصح الإحرام ، لا من جهة وقوعه قبل الميقات بل من جهة وقوعه قبل أشهر الحج ، والنصوص إنما جوّزت قبل الوقت المكاني لا الزماني.

__________________

(*) لا يترك.

٣٢٤

نعم ، عليه الكفّارة إذا خالفه متعمداً (١).

______________________________________________________

(١) أمّا في فرض النسيان فالأمر واضح ، لعدم العصيان وعدم المبغوضية ، فلا مانع من اتصاف إحرامه بالصحّة ، وأمّا في فرض العمد فربّما يقال كما قيل بأنه لا يصح إحرامه ، لأنّ هذا العمل مفوت للواجب فيكون مبغوضاً فلا يقع عبادة.

وفيه : أن النذر إنما يوجب خصوصية زائدة في المأمور به ، كما إذا نذر أن يصلِّي جماعة أو يصلّي في المسجد الفلاني ونحو ذلك ، فإنه يجب عليه الإتيان بتلك الخصوصية وفاءً للنذر ، إلّا أن هذا الوجوب إنما نشأ من فعل المكلف ونذره ، فهو تكليف آخر غير الوجوب الثابت لذات العمل ، والمأمور به إنما هو الطبيعي الجامع بين الأفراد ، والنذر لا يوجب تقييداً ولا تغييراً في المأمور به الأوّل بحيث لو أتى بغير المنذور كان آتياً بغير المأمور به ، بل يكون آتياً بالمأمور به مع كونه تاركاً للنذر ، فهو واجب في واجب ، ويكون آثماً من جهة مخالفة النذر وعليه الكفّارة. والحاصل : النذر لا يوجب تبديل المأمور به الأوّل إلى المنذور.

وأمّا التفويت فلا يوجب شيئاً في المقام ، لأنّ أحد الضدّين لا يكون علّة لعدم ضد الآخر ولا العكس ، وإنما هما أمران متلازمان في الخارج لعدم إمكان الجمع بينهما في الخارج ، فإذا وجد أحدهما لا يوجد الآخر طبعاً.

وأمّا الإحرام من الميقات ومن المكان المنذور فليس بينهما أي علية ومعلولية وإتيان أحدهما لم يكن تفويتاً للآخر ، بل تفويت الآخر عند وجود أحدهما ملازم ومقارن له ، بل يستحيل الحكم بالفساد في أمثال المقام ، وذلك لأنّ حرمة الإحرام من الميقات متوقفة على كونه صحيحاً ، إذ لو لم يكن صحيحاً لم يكن مفوتاً ، فصدق التفويت يتوقف على أن يكون صحيحاً ، وما فرض صحّته كيف يكون فاسداً وحراماً.

٣٢٥

ثانيهما : إذا أراد إدراك عمرة رجب وخشي تقضيه إن آخر الإحرام إلى الميقات فإنّه يجوز له الإحرام قبل الميقات وتحسب له عمرة رجب وإن أتى ببقيّة الأعمال في شعبان ، لصحيحة إسحاق بن عمّار (*) عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «عن رجل يجي‌ء معتمراً ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق أيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب أو يؤخر الإحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال : يحرم قبل الوقت لرجب فإنّ لرجب فضلاً» وصحيحة معاوية بن عمّار «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقّت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلّا أن يخاف فوت الشهر في العمرة» (١)

______________________________________________________

(١) هذا هو المورد الثاني لجواز الإحرام قبل الميقات ، ويدلُّ عليه موثق إسحاق ابن عمّار ، قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يجي‌ء معتمراً ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال (هلال شعبان) قبل أن يبلغ العقيق فيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب أو يؤخر الإحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال : يحرم قبل الوقت لرجب فإن (فيكون) لرجب فضلاً وهو الذي نوى» (١).

والرواية واضحة الدلالة ، والسند معتبر ، وعبّر عنها في المتن بالصحيحة عن أبي عبد الله (عليه السلام) تبعاً لصاحب الجواهر (٢) ، إلّا أنّ الرواية عن أبي إبراهيم (عليه السلام) وليست بالصحيحة حسب الاصطلاح ، وإنما هي موثقة لأنّ إسحاق بن عمّار فطحي ثقة ، نعم على ما سلكناه من إطلاق الصحيحة على كل خبر معتبر مقابل الضعيف فلا بأس بإطلاق الصحيحة على الموثقة.

__________________

(١) الرواية موثقة وليست بصحيحة على مصطلح المشهور.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٢٦ / أبواب المواقيت ب ١٢ ح ٢.

(٣) الجواهر ١٨ : ١٢٤.

٣٢٦

ومقتضى إطلاق الثانية جواز ذلك لإدراك عمرة غير رجب أيضاً ، حيث إنّ لكل شهر عمرة لكن الأصحاب خصّصوا ذلك برجب فهو الأحوط (*) ، حيث إنّ الحكم على خلاف القاعدة ، والأولى والأحوط مع ذلك التجديد في الميقات ، كما أن الأحوط التأخير إلى آخر الوقت وإن كان الظاهر جواز الإحرام قبل الضيق إذا علم عدم الإدراك إذا آخر إلى الميقات (١).

______________________________________________________

(١) وهل يختص الحكم بعمرة رجب أو يتعدّى إلى عمرة غير رجب حيث إنّ لكل شهر عمرة ، والمفروض أنه لو آخر الإحرام إلى الميقات لا يدرك عمرة هذا الشهر؟ والأظهر عدم الاختصاص لإطلاق صحيحة معاوية بن عمّار ، قال «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقّته رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلّا أن يخاف فوت الشهر في العمرة» (١) ولا مانع من العمل بها لعدم ثبوت الاعراض عنها. على أن الاعراض غير ضائر بعد صحّة السند وظهور الدلالة.

وذكر صاحب الجواهر (٢) أنّ التعليل في موثقة إسحاق المتقدِّمة (٣) يوجب التخصيص بعمرة رجب ، لأنّ الظاهر من التعليل أنه إنما جاز التقديم لأجل أنّ عمرة شهر رجب لها فضل على عمرة شعبان ، وأمّا عمرة سائر الشهور فليست إحداها أفضل من الأُخرى ، فإن عمرة ربيع ليست بأفضل من عمرة جمادى وهكذا ، بل هي متساوية في الفضل.

وفيه : أن الموثقة غير مختصّة بدرك الأفضل ليختص التقديم بعمرة رجب ، بل تعم كل مورد يفوت منه الفضل وذلك لا يختص بشهر رجب ، لأنّ عمرة كل شهر لها فضل ، والمفروض أنه لو آخر الإحرام إلى الميقات لم يدرك فضل عمرة هذا الشهر فالتقديم قد يكون لدرك الفضل.

__________________

(*) وإن كان الأظهر عدم الاختصاص.

(١) الوسائل ١١ : ٣٢٥ / أبواب المواقيت ب ١٢ ح ١.

(٢) الجواهر ١٨ : ١٢٤.

(٣) في ص ٣٢٦.

٣٢٧

بل هو الاولى حيث إنه يقع باقي أعمالها أيضاً في رجب (١).

والظاهر عدم الفرق بين العمرة المندوبة والواجبة بالأصل أو بالنذر ونحوه (٢).

______________________________________________________

(١) وهل يشترط في جواز التقديم ضيق الوقت بمعنى أنه يعتبر إيقاع الإحرام في آخر الوقت من الشهر ، أو يجوز الإحرام قبل الضيق ولو في أواسط شهر رجب إذا علم عدم الإدراك إذا آخر إلى الميقات؟ وجهان.

والظاهر هو الثاني كما في المتن لإطلاق الموثقة من هذه الجهة ، والمستفاد منها أن الميزان في جواز الإحرام قبل الميقات إنما هو بخوف فوت شهر رجب ودخول شهر شعبان وهو غير محرِم ، سواء آخر الإحرام إلى أن يضيق الوقت أم أحرم قبل الضيق بل لا يبعد أن يكون التقديم أولى ، لأنّ زمان إحرامه أطول فتكون عبادته أكثر.

ولكن المصنف علل الأولوية بقوله : حيث إنه يقع باقي أعمالها أيضاً في رجب. ومراده والله العالم أنه لو أحرم من هذا المكان ولم يذهب إلى الميقات يدرك جميع أعمال العمرة في رجب ، بخلاف ما لو آخر الإحرام إلى الميقات فإنه لا يدرك من رجب إلّا الإحرام فيه. ويمكن أن يكون مراده باعتبار الطريق من أنه لو أحرم من هذا المكان فيسلك طريقاً لا يفضي إلى الميقات لكونه أقرب إلى مكّة فيدرك جميع الأعمال في رجب بخلاف ما لو ذهب إلى الميقات فإنه يتأخر هناك ويفوت عنه رجب ، فالتقديم والتأخير بلحاظ المكان لا باعتبار سعة الوقت.

(٢) لإطلاق موثقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة (١). وربّما أشكل عموم النص للعمرة الواجبة بالأصل ، لأنّ قوله : «ينوي عمرة رجب» ظاهر في العمرة الرجبية الثابتة لشهر رجب وهي مندوبة.

وفيه : أن العمرة الرجبية ليست اسماً للمندوبة ، فإن العمرة تحتاج إلى زمان تقع فيه ، وإنما ذكر خصوص رجب لأنّ وقوعها فيه ذو فضيلة ومزية ، وذلك لا يوجب

__________________

(١) في ص ٣٢٦.

٣٢٨

[٣٢٢٠] مسألة ٢ : كما لا يجوز تقديم الإحرام على الميقات كذلك لا يجوز التأخير عنها ، فلا يجوز لمن أراد الحج أو العمرة أو دخول مكّة أن يجاوز الميقات اختياراً إلّا محرماً ، بل الأحوط (*) عدم المجاوزة عن محاذاة الميقات أيضاً إلّا محرماً وإن كان أمامه ميقات آخر ، فلو لم يحرم منها وجب العود إليها مع الإمكان إلّا إذا كان أمامه ميقات آخر فإنه يجزئه الإحرام منها (**) وإن أثم بترك الإحرام من الميقات الأوّل ، والأحوط العود إليها مع الإمكان مطلقاً وإن كان أمامه ميقات آخر ، وأمّا إذا لم يرد النسك ولا دخول مكّة بأن كان له شغل خارج مكّة ولو كان في الحرم فلا يجب الإحرام. نعم ، في بعض الأخبار (***) وجوب الإحرام من الميقات إذا أراد دخول الحرم وإن لم يرد دخول مكّة ، لكن قد يدعى الإجماع على عدم وجوبه وإن كان يمكن استظهاره من بعض الكلمات (١).

______________________________________________________

اختصاص قوله «عمرة رجب» بالعمرة المندوبة الواقعة فيه ، فإطلاق الموثقة لترك الاستفصال فيها محكم.

(١) أمّا عدم جواز التأخير عن نفس المواقيت فللنصوص الكثيرة المتقدّمة (١) الدالّة على توقيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) المواقيت الخاصّة ، وأنه لا يجوز تجاوزها إلّا وهو محرم ، ولا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وليس لأحد أن يعدو من هذه المواقيت إلى غيرها ، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك.

وأمّا التجاوز والتأخير عن المحاذي فقد ذكر أن الأحوط عدم المجاوزة عن محاذاة الميقات.

ولا يخفى أنّ الإحرام من محاذي مسجد الشجرة في صورة خاصّة مذكورة في النص

__________________

(*) لا بأس بتركه إلّا في مورد النص وهو مسجد الشجرة في صورة خاصّة.

(**) فيه إشكال ، بل منع.

(***) محمول على مريد الدخول بمكّة.

(١) الوسائل ١١ : ٣١٢ / أبواب المواقيت ب ٢.

٣٢٩

[٣٢٢١] مسألة ٣ : لو آخر الإحرام من الميقات عالماً عامداً ولم يتمكّن من العود إليها لضيق الوقت أو لعذر آخر ولم يكن أمامه ميقات آخر بطل إحرامه وحجّه على المشهور الأقوى (*) ووجب عليه قضاؤه إذا كان مستطيعاً ، وأمّا إذا لم

______________________________________________________

ممّا يمكن الالتزام بوجوبه ، لظهور قوله في صحيح ابن سنان «فليحرم منها» (١) في الوجوب ، وأمّا بالنسبة إلى محاذاة سائر المواقيت فلا نلتزم بالوجوب لقصور النص وأقصى ما يمكن الالتزام به في محاذاة سائر المواقيت إنما هو الجواز ، لأنه القدر المتيقن من اتفاق الأصحاب على الإحرام من المحاذي ، فاحتياط المصنف بالنسبة إلى المحاذاة في محلّه بعد الفراغ عن جواز الإحرام من المحاذي.

ثمّ إنه لو لم يحرم من الميقات وجب العود إليها مع الإمكان ، لظهور روايات التوقيت في الوجوب التعييني وبيان الوظيفة ، فلا بدّ من الرجوع إليها لأداء الوظيفة وإن كان أمامه ميقات آخر خلافاً للمصنف ، ويؤكد ذلك أن مقتضى هذه الروايات عدم التجاوز لأهل المدينة عن مسجد الشجرة مع أن أمامهم ميقات آخر وهو الجحفة. مضافاً إلى صراحة صحيحة إبراهيم بن عبد الحميد المتقدِّمة (٢) في أن من دخل المدينة ليس له الإحرام إلّا من مسجد الشجرة.

وأمّا ما قيل من أن مقتضى كون هذه المواقيت مواقيت لأهلها ولمن أتى عليها ومرّ بها وإن لم يكن من أهلها ، الاجتزاء بالإحرام من الميقات الآخر الواقع أمامه وعدم وجوب العود إلى الميقات الذي تجاوزه بلا إحرام ، ففيه : أن غاية ما يستفاد من هذه الروايات عدم اختصاص هذه المواقيت بأهلها بل هي لمن يمر عليها وإن لم يكن من أهلها ، وليس معنى ذلك أن يترك ميقاتاً اختياراً ويمر بميقات آخر.

__________________

(*) بل الأقوى صحّته لكن لو أمكن الرجوع إلى الميقات فليرجع ويحرم منه وإلّا فيحرم من مكانه إن كان خارج الحرم ولو كان أمامه ميقات آخر ، وإن كان في الحرم وأمكن أن يرجع إلى خارج الحرم رجع إليه ويحرم منه.

(١) الوسائل ١١ : ٣١٨ / أبواب المواقيت ب ٧ ح ٣.

(٢) في ص ٢٦٣.

٣٣٠

يكن مستطيعاً فلا يجب (١) وإن أثم بترك الإحرام بالمرور على الميقات خصوصاً إذا لم يدخل مكّة ، والقول بوجوبه عليه ولو لم يكن مستطيعاً بدعوى وجوب ذلك عليه إذا قصد مكّة فمع تركه يجب قضاؤه ، لا دليل عليه خصوصاً إذا لم يدخل مكّة ، وذلك لأنّ الواجب عليه إنما كان الإحرام لشرف البقعة كصلاة التحيّة في دخول المسجد فلا قضاء مع تركه ، مع أنّ وجوب الإحرام لذلك لا يوجب وجوب الحج عليه ، وأيضاً إذا بدا له ولم يدخل مكّة كشف عن عدم الوجوب من الأوّل وذهب بعضهم إلى أنّه لو تعذّر عليه العود إلى الميقات أحرم من مكانه (*) كما في الناسي والجاهل ، نظير ما إذا ترك التوضّؤ إلى أن ضاق الوقت فإنّه يتيمّم وتصح صلاته وإن أثم بترك الوضوء متعمِّداً ، وفيه : أنّ البدلية في المقام لم تثبت بخلاف مسألة التيمّم والمفروض أنّه ترك ما وجب عليه متعمِّداً.

______________________________________________________

(١) ذكر المصنف (قدس سره) في هذه المسألة أنه لو آخر الإحرام عالماً عامداً ولم يكن أمامه ميقات آخر ولم يتمكن من العود إليها بطل إحرامه ، لأنه ترك الوظيفة اختياراً فيفسد حجّه ، نظير ترك التكبيرة للصلاة ، فيجب عليه قضاؤه إذا كان مستطيعاً ، وإن لم يكن مستطيعاً فلا يجب ، فيقع الكلام في جهات :

الاولى : ما إذا ترك الإحرام من الميقات عمداً وكان أمامه ميقات آخر ، وفرضنا أنه لا يتمكّن من العود إلى الميقات الذي تجاوز عنه.

فإن قلنا بمقالة المصنف في المسألة السابقة من جواز الإحرام من الميقات الثاني الواقع أمامه ولو مع التمكّن من العود إلى الميقات الأوّل ، فلا ريب في الاجتزاء في المقام ، لأنّ المفروض عدم لزوم العود إلى الميقات الأوّل في فرض التمكّن فضلاً عن المعذور كما هو المفروض في المقام.

وأمّا إذا لم نقل بذلك والتزمنا بعدم الاجتزاء بالإحرام من الميقات الثاني بدعوى

__________________

(*) هذا هو الصحيح على تفصيل تقدّم [في التعليقة السابقة].

٣٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقّت المواقيت الخاصّة وجعل الإحرام منها وظيفة للمكلّف ، فلا بدّ من العود إليها إن تمكن ، وأمّا إذا تعذر فقد يقال بفساد حجّه لأجل عدم الإحرام من الميقات المتعين له ، ولا ينفعه الإحرام من الميقات الثاني لأنه على خلاف وظيفته المقررة له ، ولا دليل على الاكتفاء بالإحرام منه وكونه ميقاتاً له.

ولكن الصحيح أن يقال : إن من تعذر عليه الرجوع لا يفسد حجّه ، بل يحرم من مكانه إذا كان خارج الحرم ، وإذا كان في الحرم يخرج إلى أدنى الحل فيحرم منه كالجاهل والناسي ، فحال العامد حالهما من هذه الجهة ، وأن الميقات السابق ميقات له ما دام متمكناً من الإحرام منه ، وإذا تعذر ذلك يسقط عن كونه ميقاتاً له فيحرم من الميقات الثاني ، فهو وإن لم يكن ميقاتاً له حدوثاً ولكنه ميقات له بقاءً.

الجهة الثانية : ما إذا تجاوز عن الميقات الأوّل بلا إحرام عالماً عامداً ولم يتمكن من العود إليه لضيق الوقت أو لعذر آخر ولم يكن أمامه ميقات آخر ، فهل يفسد إحرامه وحجّه أم لا؟

المشهور هو الأوّل ، وذهب جماعة من المتأخرين إلى الصحّة وأنه يحرم من مكانه كما في الناسي والجاهل ، وقد اختاره صاحب المستند (١) وكشف اللثام (٢) ، بل نسب إلى بعض القدماء ، وقد اتفقوا على أن الجاهل والناسي يحرمان من مكانهما إذا لم يدخلا الحرم ، وإذا دخلا فيه بغير إحرام يخرجان منه ويحرمان من أدنى الحل ، فكذلك العامد ، نظير من جعل نفسه فاقداً للماء اختياراً ، فإنه يتعين عليه التيمم وتصح صلاته وإن كان الفقدان بسوء اختياره.

ويظهر من المصنف أن القائل بالصحّة قاس المقام بباب التيمم عند فقدان الماء اختياراً وأنه لا فرق بين المقام وهناك. وأورد عليه بأن القياس في غير محله ، لأنه قد ثبت في باب التيمم بدلية التراب عن الماء مطلقاً حتى في حال فقدان الماء اختياراً ، ولم تثبت البدلية في المقام عند الترك العمدي.

__________________

(١) مستند الشيعة ١١ : ١٩٦.

(٢) كشف اللثام ٥ : ٢٣٠.

٣٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن الظاهر أن القائل بالصحّة إنما ذكر ذلك تشبيهاً لا اعتماداً عليه وتمسكاً به وإنما مستنده صحيح الحلبي «عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم ، فقال : يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم ، فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه ، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج» (١) فإن إطلاقه يشمل العامد وليس فيه ما يظهر اختصاصه بالجاهل والناسي ، بل قوله : «عن رجل ترك الإحرام» ظاهر في الترك العمدي ، ولا أقل من الإطلاق.

ولكن صاحب الجواهر (٢) (قدس سره) رجح روايات التوقيت العامّة على هذه الصحيحة ، ومقتضى تلك الروايات هو البطلان ، لأنّ مقتضى إطلاقها شرطية الإحرام من الميقات مطلقاً ، خرجنا عنه في خصوص الجاهل والناسي ، وأمّا في العامد فيبقى إطلاق الروايات الدالّة على الشرطية على حالها ، وأمّا صحيح الحلبي فنخصصه بمورد العذر يعني غير العامد ، فرفع اليد عن إطلاق صحيح الحلبي أولى من رفع اليد عن إطلاق تلك الروايات لوجوه.

وذكر في المستمسك أن المراد بالوجوه المرجحة شهرة تلك الروايات وكثرتها وشهرة الفتوى بها ، والحمل على الصحّة في صحيح الحلبي ، باعتبار أن حمل الترك في صحيح الحلبي على الترك العمدي خلاف حمل فعل المسلم على الصحّة ، لأنّ المسلم الذي يريد الحج وأداء الواجب لا يترك الإحرام عمداً من الميقات ، فالمتبع إطلاق تلك الروايات الموقتة الدالّة على البطلان ، نعم ورد النص في صحّة إحرام خصوص الجاهل والناسي (٣).

أقول : أمّا الحمل على الصحّة فلم يتحصل لنا معنىً صحيح له ، لأنّ الحمل على الصحّة إنما يجري فيما إذا صدر فعل من المسلم وشك في صدور الفعل عنه صحيحاً أو فاسداً ، وأمّا حمل السؤال عن فعل من الأفعال على الصحّة فلا معنى له ، فإنه يمكن

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٣٠ / أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٧.

(٢) الجواهر ١٨ : ١٣٢.

(٣) المستمسك ١١ : ٣١٩.

٣٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

السؤال عن الحرام اليقيني ، كما يصح أن يسأل عن رجل إذا زنى أو شرب الخمر مثلاً وأنه ما هو حكمه وغير ذلك من المحرمات التي وقعت في الأسئلة ، فإن السؤال قد يقع عن قضية فرضية لا يلزم انتسابها إلى أحد.

وأمّا تقديم الروايات العامّة التوقيتية على صحيح الحلبي لكثرتها وشهرتها وشهرة الفتوى بها فلا وجه له ، لأنّ صحيح الحلبي نسبته إلى تلك الروايات نسبة الخاص إلى العام ، ولا ريب في تقدّم الخاص على العام ، فإن مورد صحيح الحلبي خشية فوت الحج ، وتلك مطلقة من هذه الجهة ، فترجيح المطلقات أو العمومات على صحيح الحلبي مما لا وجه له ، فما ذهب إليه كاشف اللثام وصاحب المستند من الحكم بالصحّة هو الصحيح وإن ارتكب أمراً محرماً بتركه الإحرام من الميقات الأوّل.

الجهة الثالثة : أنه بعد الفراغ عن فساد الحج والإحرام كما ذهب إليه المشهور هل يجب عليه القضاء أم لا؟

اختار المصنف وجوب القضاء إذا كان مستطيعاً ، فإن الحج إذا فات عنه يجب الإتيان به فوراً ففوراً ، يعني يجب عليه الإتيان به في سنة الاستطاعة ، فإن لم يأت به فيها يجب عليه أداؤه في السنة اللاحقة وهكذا ، فالتعبير عنه بالقضاء فيه مسامحة وأمّا إذا لم يكن مستطيعاً فلا يجب عليه قضاؤه لعدم وجوب الحج عليه من الأوّل فكيف بوجوب القضاء ، نعم قد ارتكب أمراً محرماً بالمرور على الميقات محلّا.

خلافاً للشهيد الثاني حيث ذهب إلى وجوب القضاء ولو لم يكن مستطيعاً ، وذكر المصنف أنه لا دليل له إلّا دعوى وجوب الحج والإحرام عليه لدخول مكّة ، فمع تركه يجب قضاؤه.

وأشكل عليه بأنه إذا بدا له ولم يدخل الحرم أو دخل الحرم ولم يدخل مكّة ينكشف أن الإحرام لم يكن واجباً عليه من الأوّل ، وإنما تخيل أن الحج واجب عليه.

واحتمال وجوب الإحرام عليه واقعاً بمجرد قصد الدخول إلى مكّة وإن لم يدخلها كما نسب إلى الشهيد الثاني (١) لا دليل عليه ، لأنّ مقتضى الأدلّة وجوب الإحرام

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٢٢.

٣٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لدخول مكّة لا على من يقصد الدخول وإن لم يدخلها ، فلا معنى لوجوب القضاء مع عدم وجوب الإحرام.

مضافاً إلى أن الذي يجب عليه لدخول مكّة إنما هو الإحرام الجامع بين الحج والعمرة لا وجوب الحج ، فلم يفت منه حج حتى يجب قضاؤه ، ومجرّد القصد إلى الحج لا يوجب تعيّن الحج عليه ، ولو سلمنا وجوب الحج عليه لدخول مكّة إلّا أنّ القضاء يحتاج إلى دليل خاص ، لأنّه بأمر جديد ، وقضاء الحج إنما ثبت في موارد خاصّة ، ومجرّد وجوب الحج عليه أداءً لا يوجب ثبوت القضاء.

فتحصل : أنه يصح إحرامه وحجّه لإطلاق صحيح الحلبي ، وهذا الحكم لا إجماع على خلافه ، وعلى فرض الفساد فقد أثم بترك الإحرام بالمرور على الميقات ولا يجب القضاء.

ثمّ إن هنا رواية وهي ما رواه عبد الله بن الحسن عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال : «سألته عن رجل ترك الإحرام حتى انتهى إلى الحرم فأحرم قبل أن يدخله ، قال : إن كان فعل ذلك جاهلاً فليبن مكانه ليقضي ، فإنّ ذلك يجزئه إن شاء ، وإن رجع إلى الميقات الذي يحرم منه أهل بلده فإنّه أفضل» (١). ولا يخفى أنه لا محصل لقوله «فليبن» أو «فليبين» ، ويمكن أن يكون فليلبِّي ووقع فيه التصحيف ، وعلى كل تقدير المراد من هذه الجملة صحّة الإحرام بقرينة قوله : «فإن ذلك يجزئه» ، ففي الرواية جهتان :

الاولى : أن مقتضى الرواية أن الجاهل لا يجب عليه الرجوع إلى الميقات وإن كان الرجوع أفضل ، فتكون الرواية أجنبية عن محل كلامنا ، لأنّ كلامنا في العامد.

الثانية : مقتضى المفهوم منها أنّ العالم العامد لا يجزئه الإحرام من مكانه ويفسد إحرامه ، فتكون مقيّدة لإطلاق صحيح الحلبي المتقدِّم (٢).

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٣١ / أبواب المواقيت ب ١٤ ح ١٠ ، قرب الاسناد : ٢٤٢ / ٩٥٦.

(٢) في ص ٣٣٣.

٣٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وفيه أوّلاً : أن مورد الرواية غير معمول به ، لأنّ مقتضاها الإحرام من مكانه وإن كان متمكِّناً من العود إلى الميقات ، ولم يقل به أحد.

وثانياً : أن الرواية ضعيفة بعبد الله بن الحسن العلوي ، فإنه لم يرد فيه أي توثيق ومدح ولم يذكر في كتب الرجال.

تتميم

لا خلاف ولا إشكال في عدم جواز الدخول إلى مكّة إلّا محرماً إلّا لأشخاص ممن يتكرر دخوله كالحطّاب والحشّاش.

وإنما وقع الكلام في الداخل إلى الحرم ولم يكن من قصده الدخول إلى مكّة ، فهل يجب عليه الإحرام لدخول الحرم أم لا يجب إلّا لمن يريد الدخول إلى مكّة؟

المعروف والمشهور بين الأصحاب عدم وجوب الإحرام لمن لا يريد دخول مكّة ونسب إلى بعضهم وجوب الإحرام للعمرة أو للحج لمن يريد دخول الحرم ، فإنّ الإحرام وإن كان عبادة ولكن لا يستقل بنفسه ، بل إما أن يكون للحج أو للعمرة ، فمن كان قاصداً لدخول الحرم لحاجة وغرض من الأغراض ولم يكن مريداً لدخول مكّة يجب عليه الإحرام لدخول الحرم ، ثمّ يجب عليه أن يذهب إلى مكّة لأداء المناسك من العمرة أو الحج ، وممّن صرّح بوجوب الإحرام لدخول الحرم صاحب الوسائل (١) ، حيث أخذ عدم جواز دخول الحرم إلّا محرماً في عنوان الباب الخمسين من أبواب الإحرام وذكر : باب أنه لا يجوز دخول مكّة ولا الحرم بغير إحرام ، وما يذكره في عنوان الباب يفتي به.

والصحيح ما ذهب إليه المشهور ، فإن الروايات الواردة في المقام على طائفتين :

الأُولى : ما دلّ على وجوب الإحرام لدخول مكّة ، كصحيحة محمّد بن مسلم «هل يدخل الرجل مكّة بغير إحرام؟ قال : لا إلّا مريضاً أو من به بطن» (٢).

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٠٢ / أبواب الإحرام ب ٥٠.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٠٣ / أبواب الإحرام ب ٥٠ ح ٤ ، ١.

٣٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الثانية : ما دل على وجوب الإحرام لدخول الحرم كصحيحة عاصم «يدخل الحرم أحد إلّا محرماً؟ قال لا إلّا مريض أو مبطون» (١).

ومقتضى الطائفتين في بادئ الأمر وجوب الإحرام لدخول مكّة ودخول الحرم ولكن التأمل فيهما يقضي بوجوب الإحرام لدخول مكّة فقط ، وحمل أخبار الحرم على مريد الدخول إلى مكّة. والوجه في ذلك : أن جعل الحكمين معاً أي جعل وجوب الإحرام لدخول الحرم وجعل وجوب الإحرام لدخول مكّة يستلزم اللغوية.

بيان ذلك : الحكم بوجوب الإحرام لو كان مختصّاً بمن كان داخل الحرم لأمكن جعل الحكمين معاً في حقه ، فيقال له : إذا أردت دخول مكّة يجب عليك الإحرام وإذا خرجت من الحرم وأردت دخوله يجب عليك الإحرام لدخول الحرم ، إلّا أنّ مقتضى بعض الروايات الصحيحة وصراحتها ثبوت هذا الحكم لعامّة المسلمين وعدم اختصاصه بطائفة دون اخرى ، كما في صحيحة معاوية بن عمّار «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم فتح مكّة : إن الله حرم مكّة يوم خلق السموات والأرض ، وهي حرام إلى أن تقوم الساعة ، لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي» (٢).

فلا يمكن تخصيص الحكم بداخل الحرم ، وعليه فجعل الحكمين معاً يصبح لغواً لأنّه لو وجب الإحرام لدخول الحرم فإنما هو لأداء المناسك ، وإلّا فمجرّد الإحرام بدون الأعمال والمناسك لا نحتمل وجوبه ، ومن الواضح أن مكّة المكرمة محاطة بالحرم ، فإذا دخل الحرم محرماً لأداء المناسك فجعل وجوب الإحرام الثاني لدخول مكّة لغواً لا أثر له ، فهذه القرينة توجب حمل روايات وجوب الإحرام لدخول الحرم على من يريد الدخول إلى مكّة.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٠٣ / أبواب الإحرام ب ٥٠ ح ٤ ، ١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٠٤ / أبواب الإحرام ب ٥٠ ح ٧.

٣٣٧

[٣٢٢٢] مسألة ٤ : لو كان قاصداً من الميقات للعمرة المفردة وترك الإحرام لها متعمداً يجوز له أن يحرم من أدنى الحل وإن كان متمكناً من العود إلى الميقات فأدنى الحل له مثل كون الميقات أمامه (*) ، وإن كان الأحوط مع ذلك العود إلى الميقات ، ولو لم يتمكن من العود ولا الإحرام من أدنى الحل بطلت عمرته (١).

______________________________________________________

فمن دخل الحرم لغرض من الأغراض ولا يريد الدخول إلى مكّة لا يجب عليه الإحرام.

(١) لا ريب في أن العمرة المفردة كالحج وعمرة التمتّع في وجوب الإحرام لها من الميقات ، وإنما الفرق بما ذكره في المتن من أنه لو كان قاصداً للعمرة المفردة وترك الإحرام لها من الميقات عمداً يجوز له الإحرام لها من أدنى الحل ، ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات وإن كان متمكِّناً من العود إليها ، فحال أدنى الحل حال الميقات الذي يكون أمامه ، فأدنى الحل ميقات اختياري للعمرة المفردة وإن كان آثماً بتركه الإحرام عند مروره بالميقات.

وليعلم أنه قد عرفت سابقاً أنه لو تجاوز عن الميقات بلا إحرام يجب عليه الرجوع ، ولا يكتفي بالإحرام من الميقات الذي أمامه ، وقد دلّ على ذلك صريحاً بعض الروايات المعتبرة كرواية إبراهيم بن عبد الحميد (١) التي منعت من الإحرام من ذات عرق لمن كان في المدينة ، بل لو فرضنا جواز ذلك فإنما يجوز في الحج أو عمرة التمتّع ، وأمّا في العمرة المفردة فلا دليل على كون أدنى الحل ميقاتاً لها على الإطلاق وإنما هو ميقات لها لمن كان في مكّة وإن لم يكن من أهلها ، وأضفنا إلى ذلك من بدا له العمرة وكان دون المواقيت ، فإنه لا يجب عليه أن يذهب إلى الميقات الذي وراءه ، بل يجوز له الإحرام من أدنى الحل كالجعرانة كما فعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعد ما رجع من الطائف وغزوة حنين ، فإنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) بدا له أن

__________________

(*) فيه إشكال ، بل لا يبعد وجوب العود إلى الميقات.

(١) المتقدِّمة في ص ٢٦٣ ، الوسائل ١١ : ٣١٨ / أبواب المواقيت ب ٨ ح ١.

٣٣٨

[٣٢٢٣] مسألة ٥ : لو كان مريضاً لم يتمكن من النزع ولبس الثوبين يجزئه النيّة والتلبية فإذا زال عذره نزع ولبسهما (*) ولا يجب حينئذ عليه العود إلى الميقات ، نعم لو كان له عذر عن أصل إنشاء الإحرام لمرض أو إغماء ثمّ زال وجب عليه العود إلى الميقات إذا تمكن ، وإلّا كان حكمه حكم الناسي في الإحرام من مكانه (**) إذا لم يتمكّن إلّا منه ، وإن تمكن العود في الجملة وجب (***) وذهب بعضهم إلى أنه إذا كان مغمى عليه ينوب عنه غيره لمرسل جميل عن أحدهما (عليهما السلام) «في مريض أُغمي عليه فلم يفق حتى أتى الموقف ، قال (عليه السلام) : يحرم عنه رجل» ، والظاهر أن المراد أنه يحرمه رجل ويجنبه عن محرمات الإحرام لا أنه ينوب عنه في الإحرام ، ومقتضى هذا القول عدم وجوب

______________________________________________________

يعتمر فأهلّ من الجعرانة ولم يرجع إلى الميقات.

وبالجملة : في هذين الموردين يجوز الإحرام للعمرة المفردة من أدنى الحل ، وأمّا في غيرهما فلا دليل على كونه ميقاتاً لها ، خلافاً للمصنف وصاحب الجواهر (١) (قدس سرهما) ، فإنهما جعلا أدنى الحل ميقاتاً اختيارياً لمطلق العمرة المفردة حتى لمن يريد العمرة من الخارج ، وحملا كلام المحقق (٢) من المنع عن الإحرام من أدنى الحل على غير العمرة المفردة ، ولا دليل على ما ذكراه ، بل يشكل شمول الحكم بجواز الإحرام من مكانه عند نسيان الإحرام من الميقات أو الجهل بذلك ولم يتمكن من الرجوع إلى الميقات للعمرة المفردة ، لأنّ الدليل إنما دلّ على جواز الإحرام من مكانه في الحج أو عمرة التمتّع ، ولا يشمل العمرة المفردة.

__________________

(*) سيأتي منه (قدس سره) عدم وجوب استدامة اللبس بعد تحقق الإحرام وهو الصحيح فلا يجب لبسهما في الفرض.

(**) على تفصيل تقدّم [في المسألة ٣٢٢١ التعليقة ٤].

(***) على الأحوط في خصوص الحائض في خارج الحرم ، ولا يجب في غيرها.

(١) الجواهر ١٨ : ١٣٣.

(٢) الشرائع ١ : ٢٧٤ ، المعتبر ٢ : ٨٠٤.

٣٣٩

العود إلى الميقات بعد إفاقته وإن كان ممكناً ، ولكن العمل به مشكل لإرسال الخبر وعدم الجابر ، فالأقوى العود مع الإمكان وعدم الاكتفاء به مع عدمه (١).

______________________________________________________

(١) كان الأنسب ذكر هذه المسألة في فصل كيفية الإحرام وواجباته ، ولا يناسب ذكرها هنا لعدم ذكر لبس الثوبين في المقام. وكيف كان ، فقد تعرض المصنف (قدس سره) في هذه المسألة لبيان فرعين :

الأوّل : لبيان حكم من كان مريضاً ولم يتمكن من نزع ثيابه.

الثاني : ما لو كان له عذر عن أصل إنشاء الإحرام والنيّة له من مرض أو إغماء أو ما شاكلهما.

أمّا الفرع الأوّل : فقد ذكر أنه تجزئه النيّة والتلبية ، وإذا زال عذره نزع ثيابه ويلبس ثوبي الإحرام.

وللمناقشة في ذلك مجال ، فإن ما ذكره بالنسبة إلى نزع ثيابه المخيطة بعد ارتفاع العذر وإن كان صحيحاً ، لأنّ لبس المخيط حرام على المحرم حدوثاً وبقاءً ، فمتى زال العذر يحرم عليه لبس المخيط ، ولكن بالنسبة إلى لبس ثوبي الإحرام بعد ارتفاع العذر فوجوب لبسهما بعد البرء وزوال العذر مبني على وجوب لبسهما حدوثاً وبقاءً ، وأمّا بناءً على وجوب لبسهما حدوثاً فقط يعني عند النيّة والتلبية وعدم وجوب استدامة لبس الثوبين وجواز نزعهما لغرض من الأغراض ، كما صرّح بذلك في المسألة السابع والعشرين من فصل كيفيّة الإحرام ، فلا يجب عليه حينئذٍ لبسهما بعد البرء وزوال الاضطرار ، فإن لبسهما في الأوّل غير واجب للعذر فكذلك لا يجب لبسهما بعد ارتفاع العذر ، لعدم وجوب استدامة لبس الثوبين ، بل يجوز له أن يبقى عارياً إذا أمن من الناظر المحترم.

وأمّا الفرع الثاني : وهو ما لو كان له عذر عن أصل إنشاء الإحرام من الميقات لمرض أو إغماء ثمّ زال ، ففي المتن أنه يجب عليه العود إلى الميقات إذا تمكن ، وإلّا كان حكمه حكم الناسي في الإحرام من مكانه على تفصيل تقدّم قريباً.

٣٤٠