موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

.................................................................................................

______________________________________________________

وبالجملة : لا يستفاد من الروايتين كراهة استنابة الصرورة ، بل المستفاد من الروايات لزوم كون النائب صرورة إذا كان المنوب عنه رجلاً حيّاً ، كما أن المستفاد من صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة استحباب كون النائب صرورة إذا كان المنوب عنه ميتاً ، لما عرفت من أن ذلك مقتضى الجمع بينها وبين صحيحة أبي أيوب المتقدّمة فكون النائب صرورة إما واجب أو مستحب فأين الكراهة.

وربّما يقال بأن صحيحة أبي أيوب المتقدّمة غير ظاهرة في حج الإسلام وكلامنا في حج الإسلام.

وفيه : أن الصحيحة وإن لم يقع فيها التصريح بكون الحج الموصى به حج الإسلام ولكن يظهر من الذيل أنه حج الإسلام ، لظهور قوله : «وإن كان لها مال فلتحج من مالها» في الاجتزاء بالتبرع ، ولا يكون ذلك إلّا في مورد حج الإسلام ، لأنّ الإيصاء بالحج وإخراجه من الثلث لا يسقط بالتبرع لعدم العمل بالوصية ولو تبرع ألف متبرع ، بخلاف حج الإسلام فإنه يسقط بالتبرع ويوجب فراغ ذمّة الميت المتبرع عنه ، ولا يبقى مجال للعمل بالوصية حينئذ لارتفاع موضوعها. وبعبارة واضحة : الصحيحة صريحة في تفريغ ذمّة الميت بالتبرع عنه مع أن الوصية لا تسقط به فيكشف ذلك عن كون الحج الموصى به هو حج الإسلام.

ومن جملة الروايات الدالّة على جواز نيابة غير الصرورة عن الميت صحيحة حكم ابن حكيم «إنسان هلك ولم يحج ولم يوص بالحج فأحج عنه بعض أهله رجلاً أو امرأة إلى أن قال إن كان الحاج غير صرورة أجزأ عنهما جميعاً وأجزأ الذي أحجّه» (١) وهي صريحة في الإجزاء مع كون النائب غير صرورة ، ومعنى الإجزاء عنهما الإجزاء عن المنوب عنه وتفريغ ذمّته وترتب الثواب على عمل النائب.

ومنها : الروايات الدالّة على سقوط الحج والاجتزاء بالتبرع (٢) ، ولا يمكن حملها على الصرورة ، لأنّه إذا كان النائب صرورة ذا مال يجب الحج عن نفسه.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٧٦ / أبواب النيابة في الحج ب ٨ ح ٣.

(٢) الوسائل ١١ : ١٩٦ / أبواب النيابة في الحج ب ٢٥.

٢١

[٣١٤٨] مسألة ٧ : يشترط في صحّة النيابة قصد النيابة وتعيين المنوب عنه في النية ولو بالإجمال (١) ولا يشترط ذكر اسمه وإن كان يستحب ذلك في جميع المواطن والمواقف.

[٣١٤٩] مسألة ٨ : كما تصحّ النيابة بالتبرّع وبالإجارة كذا تصحّ بالجعالة (٢) ولا تفرغ ذمّة المنوب عنه إلّا بإتيان النائب صحيحاً ولا تفرغ بمجرّد الإجارة

______________________________________________________

فظهر من جميع ما تقدّم استحباب كون النائب صرورة وجواز نيابة غير الصرورة كما يجوز التبرّع منه ، فما ذكروه من كراهة استنابة الصرورة ممّا لا أساس له ، بل استنابة الصرورة إمّا واجبة أو مستحبّة.

(١) لأنّ النيابة عنوان قصدي لا يتحقق إلّا بالقصد ، والواجب على النائب إتيان العمل عن الغير ، فهو وإن كان يمتثل الأمر المتوجه إلى نفسه إلّا أن متعلقه العمل للغير فلا بدّ أن يقصده فهو مأمور بالقصد عن الغير ، ولا يتعين العمل للمنوب عنه إلّا بالقصد عنه ، وهذا نظير إعطاء المال من الأجنبي للدائن من دون قصد تفريغ ذمّة المديون ، فإن ذلك لا يحسب من أداء الدين ولا يوجب سقوط ذمّة المدين إلّا إذا قصد عند الإعطاء تفريغ ذمّة المدين ولو تبرعاً.

ثمّ إنه لا بدّ من تعيين المنوب عنه بالقصد ، لاشتراك الفعل بين وجوه لا يتشخص لأحدها إلّا بالتعيين بالقصد ولو إجمالاً ، كما إذا قصد العمل عن الشخص الذي سجّل اسمه في الدفتر أو يقصد العمل عمن اشتغلت ذمّته له ونحو ذلك.

وهل يعتبر ذكر اسمه أم لا؟ في بعض الروايات صرّح بذكر الاسم وفي بعضها جوز الترك (١) ، والجمع بينهما يقتضي الحمل على الاستحباب ، وقد ثبت استحباب التسمية في جميع أفعال الحج وذلك من مخصصاته.

(٢) لإطلاق الأدلّة ، والظاهر أنه لا خلاف بيننا في ذلك.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٨٧ / أبواب النيابة في الحج ب ١٦.

٢٢

وما دلّ من الأخبار على كون الأجير ضامناً وكفاية الإجارة في فراغها (*) منزّلة على أنّ الله تعالى يعطيه ثواب الحج إذا قصّر النائب في الإتيان ، أو مطروحة لعدم عمل العلماء بها بظاهرها.

______________________________________________________

ثمّ إنّه قد وقع الكلام في أنه هل تبرأ ذمّة المنوب عنه بمجرّد الإجارة أو أنه لا تفرغ ذمّته إلّا بعد إتيان النائب العمل صحيحاً؟

والحق هو الثاني ، ويكون العمل المستأجر عليه حاله حال الدين في عدم سقوطه إلّا بعد أداء المال ، وكذلك في المقام لا موجب لسقوط العمل عن ذمّة المنوب عنه بمجرّد الإجارة ما لم يؤد الأجير العمل ، فإذا لم يأت النائب بالعمل فذمّة المنوب عنه مشغولة به كما أن ذمّة النائب مشغولة به أو بمال الإجارة.

والظاهر أنّه لا خلاف فيما ذكرنا كما في الجواهر (١) ، ولم يقل أحد بالإجزاء بمجرّد الإجارة إلّا صاحب الحدائق قال (رحمه الله) : لو مات الأجير قبل الإحرام فإن أمكن استعادة الأُجرة وجب الاستئجار بها ثانياً ، وإن لم يمكن فإنها تجزئ عن الميت ، فإنه لما أوصى بما في ذمّته من الحج انتقل الخطاب إلى الوصي ، والوصي لما نفذ الوصية واستأجر فقد قضى ما عليه وبقي الخطاب على المستأجر ، وحيث إنه لا مال له سقط الاستئجار مرّة أُخرى إلى آخر ما ذكره ، ثمّ قال : إن هذا الحكم وإن لم يوافق قواعد الأصحاب إلّا أنه مدلول جملة من الأخبار (٢).

أقول : الأخبار التي استشهد بها قاصرة الدلالة وبعضها قاصر السند أيضاً.

فمن جملة الأخبار التي استدلّ بها مرسلة ابن أبي عمير «في رجل أخذ من رجل مالاً ولم يحج عنه ومات ولم يخلف شيئاً ، فقال : إن كان حج الأجير أُخذت حجّته ودفعت إلى صاحب المال وإن لم يكن حج كتب لصاحب المال ثواب الحج» (٣) ، والرواية

__________________

(*) لا دلالة لتلك الأخبار على كفاية الإجارة في فراغ ذمّة المنوب عنه في الفرض.

(١) الجواهر ١٧ : ٣٦٨.

(٢) الحدائق ١٤ : ٢٥٧ ٢٥٨.

(٣) الوسائل ١١ : ١٩٤ / أبواب النيابة باب ٢٣ ح ١.

٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ضعيفة سنداً بالإرسال وإن كان المرسل ابن أبي عمير ، لما ذكرنا مراراً أنّ مراسيله كسائر المراسيل ، وأمّا ما ذكره الشيخ من أن ابن أبي عمير لا يروي إلّا عن ثقة (١) فلم يثبت ، بل الشيخ بنفسه يضعف أحياناً بعض مراسيله (٢) ، وأمّا ضعف الدلالة فسنذكره بعد ذكر الأخبار.

ومنها : مرسل الصدوق «الرجل يأخذ الحجة من الرجل فيموت فلا يترك شيئاً فقال : أجزأت عن الميت وإن كان له عند الله حجة أثبتت لصاحبه» (٣) ، وهي أيضاً ضعيفة بالإرسال.

ومنها : معتبرة موسى بن عمّار «عن رجل أخذ دراهم رجل (ليحج عنه كما في التهذيب ـ) فأنفقها ، فلمّا حضر أوان الحج لم يقدر الرجل على شي‌ء قال : يحتال ويحج عن صاحبه كما ضمن ، سئل إن لم يقدر ، قال : إن كانت له عند الله حجّة أخذها منه فجعلها للّذي أخذ منه الحجّة» (٤) ، والعمدة هذه الرواية لصحّة سندها.

وأمّا ضعف دلالتها على كفاية الإجارة في فراغ ذمّة المنوب عنه فلوجوه :

أحدها : عدم دلالة الروايات على أن الحج المذكور فيها حج الإسلام وكلامنا في حج الإسلام ، بل يظهر منها أن الحج الذي ذكر فيها غير حج الإسلام ، لظهور قوله : «أخذ دراهم رجل» في كون المنوب عنه حيّاً ، والحج عن الحي لا يكون بحج الإسلام إذ لم يفرض فيه العجز والهرم.

ثانيها : لو سلمنا إطلاق الروايات من حيث حجّ الإسلام وغيره ، فنقيّدها بالروايات الدالّة على أن الحي يجهز رجلاً للحج (٥) ، والتجهيز لا يتحقق إلّا بإرسال شخص للحج ، ومجرّد التوكيل والإيجار لا يوجب صدق عنوان التجهيز والإرسال.

__________________

(١) عدّة الأُصول ١ : ٥٨ السطر ٨.

(٢) التهذيب ٨ : ٢٥٧.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٦١ ح ١٢٦٩ ، الوسائل ١١ : ١٩٤ / أبواب النيابة ب ٢٣ ح ٢.

(٤) الوسائل ١١ : ١٩٥ / أبواب النيابة ب ٢٣ ح ٣ ، التهذيب ٥ : ٤٦١ ح ١٦٠٨.

(٥) الوسائل ١١ : ٦٦ / أبواب وجوب الحج ب ٢٥.

٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وثالثها : أنا سنذكر أن الأجير إذا مات في الطريق قبل الإحرام لم يسقط الحج عن ذمّة المنوب عنه فكيف إذا مات قبل خروجه ، وحينئذ فنحمل هذه الروايات على الحج الاستحبابي لا محالة.

وبالجملة : الروايات المزبورة ضعيفة دلالة مضافاً إلى ضعف إسناد بعضها ، فلا حاجة في عدم الاعتماد عليها إلى التمسك بإعراض الأصحاب عنها ، هذا.

وقد يستدل لصاحب الحدائق بمعتبرة إسحاق بن عمّار «عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطى رجل دراهم يحج بها عنه فيموت قبل أن يحج ، ثمّ اعطي الدراهم غيره فقال : إن مات في الطريق أو بمكّة قبل أن يقضي مناسكه فإنه يجزئ عن الأوّل ، قلت : فإن ابتلي بشي‌ء يفسد عليه حجّه حتى يصير عليه الحج من قابل أيجزئ عن الأوّل؟ قال : نعم ، قلت : لأنّ الأجير ضامن للحج؟ قال : نعم» (١) ، فإن المستفاد منها انتقال الحج من ذمّة المنوب عنه إلى ذمّة الأجير لأنه ضامن.

وفيه : أن المعتبرة غير دالّة على الإجزاء قبل الخروج وقبل الشروع في السفر كما هو المدعى ، وإنما تدل على الإجزاء إذا مات قبل انقضاء المناسك والانتهاء من الأعمال كما سنوضحه إن شاء الله تعالى في المسألة العاشرة. وأمّا ضمان الأجير للحج فلأجل إفساده الحج ، فإن الأجير إذا أفسد حجّه بالجماع يجب عليه الحج ثانياً من قابل ، وهذا الحج الذي يأتي به ثانياً أجنبي عن المنوب عنه ، نظير الكفّارة الثابتة على ذمّة الأجير إذا أتى بموجبها.

والحاصل : الروايات التي استدلّ بها صاحب الحدائق غير ظاهرة فيما ذهب إليه. مضافاً إلى ضعف أسانيد بعضها ، هذا كله في موت النائب في منزله وبلده قبل أن يخرج إلى الحج ، وأمّا إذا مات في الطريق قبل الإحرام أو بعده فسنتعرض إلى ذلك في المسألة العاشرة مفصّلاً فانتظر.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٨٥ / أبواب النيابة في الحج ب ١٥ ح ١.

٢٥

[٣١٥٠] مسألة ٩ : لا يجوز استئجار المعذور في ترك بعض الأعمال ، بل لو تبرّع المعذور يشكل الاكتفاء به (١).

[٣١٥١] مسألة ١٠ : إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسك فإن كان قبل الإحرام لم يجزئ عن المنوب عنه ، لما مرّ من كون الأصل عدم فراغ ذمّته إلّا بالإتيان بعد حمل الأخبار الدالّة على ضمان الأجير على ما أشرنا إليه ، وإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ عنه (٢) ،

______________________________________________________

(١) قد ذكرنا في باب قضاء الصلاة (١) عدم جواز استنابة المعذور ، بل ذكرنا عدم جواز الاكتفاء بتبرّعه ، وذلك لأنّ الذي يجب على المكلف أوّلاً إنما هو العمل التام الواجد لجميع الأجزاء والشرائط ، ولا ينتقل الأمر إلى الفاقد إلّا بعد العذر عن إتيان الواجد التام ، وهكذا الحال بالنسبة إلى النائب ، فإن الواجب على المكلف استنابة طبيعي النائب ولا يختص بشخص خاص ، فإذا تمكن المكلف من استنابة النائب القادر على إتيان الأعمال التامّة لا يجوز له استنابة العاجز المعذور الذي لا يتمكّن من إتيان العمل التام ، لعدم الدليل على جواز استنابة المعذور وجواز الاكتفاء بالناقص بعد فرض تمكنه من استنابة القادر.

وبما قلنا يظهر أنّ التبرّع بالناقص لا يوجب فراغ ذمّة المتبرع له ، لأنّ الواجب عليه هو الحج الكامل التام.

(٢) موت النائب قبل الإتيان بالمناسك يتصور على أنحاء :

الأوّل : ما إذا مات النائب بعد الإحرام وبعد دخول الحرم.

الثاني : ما إذا مات بعد الإحرام وقبل الدخول في الحرم.

الثالث : موته في الطريق بعد الخروج من بيته وبعد الشروع في السفر قبل الإحرام ، وأمّا الموت قبل الخروج من منزله فقد عرفت في المسألة السابقة بما لا مزيد عليه عدم الإجزاء جزماً خلافاً لصاحب الحدائق.

__________________

(١) في المسألة [١٨٢٤].

٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا الفرض الأوّل : فلا ريب في الإجزاء فيه ، لا لكون الحكم في الحاج عن نفسه كذلك ، لعدم التلازم والاشتراك في الحكم بين النائب والمنوب عنه ، فإنّ الاشتراك بينهما إنّما هو في أفعال الحج وأعماله لا في اللوازم المترتبة على الحج ، إذ يمكن اختصاص كل منهما بحكم أجنبي عن الآخر ، فالتعدي من أحدهما إلى الآخر يحتاج إلى الدليل ، بل إنّما نقول بالإجزاء في النائب أيضاً لأنّه القدر المتيقّن من موثقة إسحاق ابن عمّار المتقدِّمة (١).

ولكن المصنف (قدس سره) ذكر أن الموثقة مطلقة من حيث الدخول في الحرم وعدمه ، وتقيد بمرسلة المقنعة «من خرج حاجّاً فمات في الطريق فإنه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجّة» (٢) الشاملة للحاج عن غيره أيضاً ، وضعفها سنداً بل ودلالة منجبر بالشهرة ، فالجمع بين موثقة إسحاق بن عمّار والمرسلة يقتضي الإجزاء عن المنوب عنه إذا مات النائب بعد الإحرام ودخول الحرم ، ولا تعارضها موثقة عمّار الدالّة على أن النائب إذا مات في الطريق يجب عليه الإيصاء (٣) ، لأنّها محمولة على ما إذا مات النائب قبل الإحرام ، أو على الاستحباب.

ويرد عليه : أنّه لا يمكن التقييد بالمرسلة ، لضعفها سنداً بالإرسال ، ودلالة لاختصاصها بالحاج عن نفسه بقرينة ذيلها لظهوره في الأصيل ، وأمّا ضعف الدلالة فلا ينجبر بالشهرة ولو قلنا بانجبار ضعف السند بها.

فالأولى بل المتعيّن أن يقال : إنّ موثقة إسحاق وإن كانت مطلقة إلّا أن القدر المتيقّن منها موت النائب بعد الإحرام ودخول الحرم ، فلا ينبغي الإشكال في الإجزاء في هذه الصورة.

وأمّا الثاني : وهو ما إذا مات النائب بعد الإحرام وقبل دخول الحرم ، ففي الإجزاء

__________________

(١) في ص ٢٥.

(٢) الوسائل ١١ : ٦٩ / أبواب وجوب الحج ب ٢٦ ح ٤ ، المقنعة : ٤٤٥.

(٣) الوسائل ١١ : ١٨٦ / أبواب النيابة في الحج ب ١٥ ح ٥.

٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

قولان ، والظاهر هو الإجزاء ، لصدق عنوان أنه مات في الطريق قبل أن يقضي مناسكه الذي ذكر في الموثق ، ولا معارض له سوى موثقة عمّار الساباطي «في رجل حج عن آخر ومات في الطريق ، قال : وقد وقع أجره على الله ، ولكن يوصي فإن قدر على رجل يركب في رحله ويأكل زاده فعل» (١) ، فإن المستفاد منها عدم الإجزاء عن المنوب عنه إذا مات النائب في الطريق وأن عليه أن يوصي أن يحج رجل آخر ، ولكن لا بدّ من حملها على الموت قبل الإحرام ، بيان ذلك :

أنّ المستفاد من موثقة إسحاق هو الإجزاء إذا شرع في الأعمال ولو بالإحرام ، فإنّ قوله : «قبل أن يقضي مناسكه» معناه قبل الانتهاء من مناسكه وأعماله ، فإنّ القضاء هنا بمعنى الإتمام والانتهاء ، ومنه إطلاق القاضي على من يحكم بين المتخاصمين لانهائه النزاع بينهما ، ولا يصدق هذا المعنى إلّا بعد الشروع في الأعمال ولا أقل في الإحرام.

والحاصل : هذه الجملة «إن مات في الطريق أو بمكّة قبل أن يقضي مناسكه» ظاهرة في الإجزاء إذا مات في الطريق قبل الانتهاء من أعماله ولو بالشروع في الإحرام وعدم إتمامه ، كما أنها ظاهرة فيه إذا دخل مكّة ولم يتم مناسكه ، هذا بناء على رجوع القيد أعني «قبل أن يقضي مناسكه» إلى الأمرين أي الموت في الطريق والدخول إلى مكّة ، وأمّا إذا مات قبل الإحرام فلا يصدق عليه أنه مات قبل انتهاء عمله ، إذ لم يشرع في عمل حتى ينهاه ، هذا ما يستفاد من موثق إسحاق.

وأمّا موثق عمّار الساباطي الدال على عدم الإجزاء إذا مات في الطريق فمطلق من حيث الإحرام وعدمه ، فتكون النسبة بينه وبين موثق إسحاق نسبة العموم والخصوص ، ومقتضى الجمع بينهما هو الإجزاء بعد الإحرام وعدمه قبله ، فيكون الحكم في النائب أوسع منه في الحاج عن نفسه ، لأنّ الحاج عن نفسه إذا مات إنما يجزئ حجّه إذا مات بعد الإحرام وبعد دخول الحرم ، ولكن النائب يجزي إذا مات

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٨٦ / أبواب النيابة في الحج ب ١٥ ح ٥.

٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد الإحرام وإن لم يدخل الحرم ، لما عرفت أن الميزان في الإجزاء في مورد النائب بمجرد الشروع في العمل ولو بالإحرام وإن لم يتمه ، فتختص موثقة عمّار الدالّة على عدم الإجزاء بالموت قبل الإحرام.

هذا كلّه بناء على رجوع القيد وهو قوله : «قبل أن يقضي مناسكه» إلى الأمرين وهما الموت في الطريق والدخول في مكّة كما هو الظاهر ، نظير ما إذا قيل : (جئني بزيد أو عمرو يوم الجمعة) ، فإن القيد يرجع إليهما معاً ، وأمّا لو قلنا بعدم ظهور رجوع القيد إلى الأمرين فتكون الرواية بالنسبة إلى الموت في الطريق مجملة ، لاحتمال اختصاص رجوع القيد إلى الأخير وهو الدخول إلى مكّة ، فحينئذ لا بدّ من الاقتصار على المتيقن وهو الإجزاء بعد الإحرام ودخول الحرم فلا ظهور للموثقة في الإجزاء قبل الإحرام.

وبالجملة : لا يظهر من الموثقة الإجزاء قبل الإحرام سواء قلنا بأنها ظاهرة في الإجزاء بعد الإحرام كما هو الظاهر ، أو قلنا بأن القدر المتيقن منها هو الإجزاء بعد الإحرام وبعد دخول الحرم.

وممّا بينا ظهر حال الصورة الثالثة وهي ما إذا مات في الطريق بعد الخروج من بيته وبعد الشروع في السفر وقبل الإحرام.

فتلخص من جميع ما تقدّم أن صور المسألة أربع :

الأُولى : ما إذا مات النائب في بيته ومنزله قبل أن يشرع في السفر ، ولا إشكال في عدم الإجزاء بذلك ، لما عرفت من أن مجرد الاستنابة والإيجار لا يكفي في تفريغ ذمّة الميت ، بل لا بدّ من إتيان العمل خارجاً خلافاً لصاحب الحدائق (١) (رحمه الله) مستشهداً بعدّة من الروايات التي تقدّمت وذكرنا ضعفها سنداً ودلالة.

الثانية : ما إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم.

الثالثة : إذا مات بعد الإحرام وقبل الدخول في الحرم.

الرابعة : إذا مات بعد الخروج من منزلة وبعد الشروع في السفر وقبل الإحرام.

__________________

(١) الحدائق ١٤ : ٢٥٧.

٢٩

لا لكون الحكم كذلك في الحاج عن نفسه لاختصاص ما دلّ عليه به ، وكون فعل النائب فعل المنوب عنه لا يقتضي الإلحاق ، بل لموثقة إسحاق بن عمّار المؤيدة بمرسلتي الحسين بن عثمان والحسين بن يحيى الدالّة على أن النائب إذا مات في الطريق أجزأ عن المنوب عنه المقيّدة بمرسلة المقنعة «من خرج حاجّاً فمات في الطريق فإنه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة» الشاملة للحاج عن غيره أيضاً ، ولا تعارضها موثقة عمّار الدالّة على أن النائب إذا مات في الطريق عليه أن يوصي ، لأنّها محمولة على ما إذا مات قبل الإحرام أو على الاستحباب. مضافاً إلى الإجماع على عدم كفاية مطلق الموت في الطريق ، وضعفها سنداً بل ودلالة منجبر بالشهرة والإجماعات المنقولة فلا ينبغي الإشكال في الإجزاء في الصورة المزبورة.

وأمّا إذا مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم ففي الإجزاء قولان ، ولا يبعد الإجزاء وإن لم نقل به في الحاج عن نفسه ، لإطلاق الأخبار في المقام والقدر المتيقن من التقييد هو اعتبار كونه بعد الإحرام ، لكن الأقوى عدمه (١) ، فحاله حال الحاج عن نفسه في اعتبار الأمرين في الإجزاء ، والظاهر عدم الفرق بين حجّة الإسلام وغيرها من أقسام الحج ، وكون النيابة بالأُجرة أو بالتبرّع.

______________________________________________________

ولا يخفى أنّ مقتضى القاعدة هو عدم الإجزاء في جميع الصور ، لعدم صدور العمل المستأجر عليه من الأجير ، ويدلّ عليه مضافاً إلى ذلك موثق عمّار الساباطي المتقدّم (٢) ، للأمر فيه بالإيصاء إذا حصلت أمارة الموت للنائب في أثناء الطريق ، وأمّا بحسب الروايات فلا ريب في الإجزاء إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم كما هو المستفاد من موثقة إسحاق بن عمّار ، وقد عرفت أن هذه الصورة هي القدر المتيقن من النص ، كما أن الظاهر منه هو الإجزاء إذا مات بعد الإحرام وقبل الدخول في الحرم

__________________

(١) بل الأقوى هو الإجزاء.

(٢) في ص ٢٨.

٣٠

[٣١٥٢] مسألة ١١ : إذا مات الأجير بعد الإحرام ودخول الحرم (*) يستحق تمام الأُجرة إذا كان أجيراً على تفريغ الذمّة ، وبالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال إذا كان أجيراً على الإتيان بالحج بمعنى الأعمال المخصوصة ، وإن مات قبل ذلك لا يستحق شيئاً سواء مات قبل الشروع في المشي أو بعده وقبل الإحرام أو بعده (**) وقبل الدخول في الحرم ، لأنه لم يأت بالعمل المستأجر عليه لا كلّاً ولا بعضاً بعد فرض عدم إجزائه ، من غير فرق بين أن يكون المستأجر عليه نفس الأعمال أو مع المقدّمات من المشي ونحوه (١).

______________________________________________________

لما تقدّم أن موضوع الإجزاء هو الشروع في العمل وذلك صادق على من أحرم وإن لم يدخل الحرم ، فإن الإحرام أوّل أعمال الحج.

وممّا ذكرنا ظهر عدم الإجزاء إذا مات في الطريق قبل الإحرام ، لعدم صدق الشروع في الأعمال الذي هو موضوع الإجزاء بمجرد السفر والخروج من البيت فإن ذلك من مقدّمات الحج للوصول إلى إعماله وأفعاله لا من أعماله ، فلا ظهور لموثق إسحاق لما قبل الإحرام ، فالمرجع حينئذٍ القاعدة الأولية المقتضية لعدم الإجزاء مضافاً إلى موثقة عمّار الساباطي ، وقد ظهر بما ذكرنا أيضاً عدم الإجزاء في الصورة الرابعة كالأُولى ، فيختص الإجزاء بالصورة الثانية والثالثة.

(١) يقع الكلام في مقامين :

المقام الأوّل : إذا مات الأجير بعد الإحرام ودخول الحرم فقد عرفت بما لا مزيد عليه أنه لا ينبغي الريب في الإجزاء ، وهل يستحق تمام الأُجرة أم لا؟ فيه تفصيل وهو أن النائب إذا كان أجيراً على تفريغ ذمّة الميت يستحق تمام الأُجرة ، لأنّ المفروض فراغ ذمّة الميت بذلك ، وقد ذكرنا في محلّه صحّة الإجارة على ذلك ، فإنّ التفريغ وإن لم يكن مقدوراً للنائب ولكنّه مقدور له بالواسطة وبأسبابه وهذا المقدار

__________________

(*) بل بعد الإحرام ولو قبل دخول الحرم.

(**) مرّ استحقاقه فيما إذا مات بعد الإحرام.

٣١

نعم ، لو كان المشي داخلاً في الإجارة على وجه الجزئية بأن يكون مطلوباً في الإجارة نفساً استحقّ مقدار ما يقابله من الأُجرة بخلاف ما إذا لم يكن داخلاً أصلاً ، أو كان داخلاً فيها لا نفساً بل بوصف المقدّمية ، فما ذهب إليه بعضهم من توزيع الأُجرة عليه أيضاً مطلقاً لا وجه له ، كما أنّه لا وجه لما ذكره بعضهم من التوزيع على ما أتى به من الأعمال بعد الإحرام ، إذ هو نظير ما إذا استؤجر للصلاة فأتى بركعة أو أزيد ثمّ أُبطلت صلاته ، فإنّه لا إشكال في أنه لا يستحق الأُجرة على ما أتى به.

______________________________________________________

يكفي في صحّة الإجارة ، نظير الاستئجار على التطهير فإنّه مقدور بالواسطة وإلّا فالتطهير بنفسه غير مقدور له.

وأمّا إذا كان أجيراً على الأعمال والمناسك نفسها فلا بدّ من تقسيط الأُجرة وتوزيعها حسب الإتيان بالأعمال. نعم ، إذا مات قبل الإحرام فلا يستحق من الأُجرة شيئاً وإن أتى ببعض المقدّمات كالسفر ونحوه ، لعدم تفريغ ذمّة الميت بذلك وعدم الإتيان بالأعمال والأفعال المستأجر عليها ، ودعوى تقسيط الأُجرة حتى بالنسبة إلى المقدّمات لا شاهد لها.

كما أن دعوى أنه يستحق اجرة المثل لما أتى به من المقدّمات لاحترام عمل المسلم نظير استحقاق اجرة المثل في الإجارة الفاسدة لا وجه لها ، لأنّه إنّما أتى بالمقدّمات باختياره لأجل الوصول إلى العمل المستأجر عليه ، والمفروض أنه لم يكن مغروراً من قبل المستأجر ولم يكن صدور هذه المقدّمات مستنداً إلى أمر المستأجر ، فلا يقاس المقام بباب الإجارة الفاسدة الموجبة لاستحقاق اجرة المثل لأنّ إتيان العمل في باب الإجارة الفاسدة مستند إلى أمر المستأجر وذلك موجب للضمان ، بخلاف المقام فإنّ إتيان المقدّمات لم يكن بأمر المستأجر وإنما أتى الأجير بها باختياره لغرض الوصول إلى العمل المستأجر عليه ، فهي أجنبية عن متعلق الإجارة بالمرّة ، نظير ما لو استأجر على الصلاة فتوضّأ الأجير أو اغتسل ثمّ عجز عن أداء الصلاة فإنّه لا يستحق اجرة المثل لوضوئه أو غسله.

٣٢

ودعوى أنه وإن كان لا يستحق من المسمّى بالنسبة لكن يستحق اجرة المثل لما أتى به حيث إن عمله محترم ، مدفوعة بأنه لا وجه له بعد عدم نفع للمستأجر فيه ، والمفروض أنه لم يكن مغروراً من قبله ، وحينئذ فتنفسخ الإجارة إذا كانت للحج في سنة معيّنة ويجب عليه الإتيان به (*) إذا كانت مطلقة (١) من غير استحقاق لشي‌ء على التقديرين.

______________________________________________________

المقام الثاني : إذا مات الأجير بعد الإحرام وقبل دخول الحرم ، فإن قلنا بالإجزاء كما هو المختار فحكمه حكم ما لو مات بعد دخول الحرم من كون الأُجرة في قبال التفريغ أو في قبال الأعمال ، وإن قلنا بعدم الإجزاء فحاله حال الموت قبل الإحرام في عدم استحقاق شي‌ء من الأُجرة ، لأنّ المستأجر عليه ليس هو الإحرام فقط وإنما هو الإحرام المتعقب لسائر الأعمال ، فالإحرام وحده لا يوجب استحقاق الأُجرة ، نظير ما إذا استؤجر للصوم فمات الأجير في أثناء النهار ، فإنّ إمساك مقدار من النهار لم يكن متعلقاً للإجارة ، وكذا لو استؤجر للصلاة فأتى بركعة أو أزيد ثمّ أُبطلت صلاته فإنه لا إشكال في عدم استحقاق الأُجرة على ما أتى به لعدم كونه من العمل المستأجر عليه ، بل لو فرضنا تعلق الإجارة بنفس الإحرام وحده بطل عقد الإجارة ، لأنّ الإحرام وحده من دون تعقبه لإعمال الحج عبادة غير مشروعة ، فإن ذلك نظير الاستئجار لركعة واحدة أو الصوم بمقدار نصف النهار.

وأمّا استحقاق الأُجرة للمقدّمات فيجري فيه ما تقدّم من أن المقدّمات كالمشي ونحوه لو كانت متعلقة للإجارة وداخلة فيها على وجه الجزئية توزع الأُجرة عليها وإلّا فلا.

(١) في العبارة تشويش لأنّ مفروض كلامنا فيما إذا مات الأجير ، فلا مجال لقوله :

__________________

(*) في العبارة تشويش ، والصحيح أن يقال : إن الإجارة إذا كانت مقيّدة بالمباشرة فهي تنفسخ بالموت من غير فرق بين أن تكون الإجارة في سنة معيّنة أو كانت مطلقة ، وأمّا إذا لم يقيد الإجارة بالمباشرة وجب الاستئجار من تركة الأجير من غير فرق أيضاً بين السنة المعيّنة وغيرها.

٣٣

[٣١٥٣] مسألة ١٢ : يجب في الإجارة تعيين (*) نوع الحج من تمتع أو قران أو إفراد (١) ، ولا يجوز للمؤجر العدول عما عيّن له وإن كان إلى الأفضل كالعدول من أحد الأخيرين إلى الأوّل ، إلّا إذا رضي المستأجر بذلك فيما إذا كان مخيراً بين النوعين أو الأنواع كما في الحج المستحبي والمنذور المطلق ، أو كان ذا منزلين متساويين في مكّة وخارجها ، وأمّا إذا كان ما عليه من نوع خاص فلا ينفع رضاه (**) أيضاً بالعدول إلى غيره ، وفي صورة جواز الرضا يكون رضاه من باب إسقاط حق الشرط إن كان التعيين بعنوان الشرطية (***) ومن باب الرضا بالوفاء بغير الجنس إن كان بعنوان القيديّة ، وعلى أيّ تقدير يستحق الأُجرة المسماة وإن لم يأت بالعمل المستأجر عليه على التقدير الثاني ، لأنّ المستأجر إذا رضي بغير النوع الذي عيّنه فقد وصل إليه ماله على المؤجر كما في الوفاء بغير الجنس في

______________________________________________________

ويجب عليه الإتيان به إذا كانت مطلقة. والصحيح أن يقال : كما في التعليقة إن الإجارة إذا كانت مقيّدة بالمباشرة فهي تنفسخ بالموت من غير فرق بين أن تكون الإجارة في سنة معيّنة أو كانت مطلقة ، وأمّا إذا لم تقيد الإجارة بالمباشرة وجب الاستئجار من تركة الأجير من غير فرق أيضاً بين السنة المعيّنة وغيرها.

(١) ذكر الفقهاء أنه لا بدّ في الإجارة للحج من تعيين نوع الحج من تمتع أو قران أو إفراد ، لأنّ مقتضى قواعد الإجارة اعتبار تعيين النوع الذي يريده المستأجر في صحّة الإجارة وإلّا يلزم الغرر ، فإنّ أعمال الحج غير متساوية ومختلفة حسب الكيفية والأحكام والأُجرة والقيمة كما هو كذلك في سائر الأعمال المتعلقة للإجارة ، كذا علّله في الجواهر (١).

__________________

(*) بالمعنى المقابل للفرد المبهم وأمّا الإجارة على الجامع فالظاهر جوازها.

(**) في براءة ذمّة المستأجر لا في استحقاق الأجير للأُجرة.

(***) الاشتراط في أمثال المقام يرجع إلى التقييد حسب الارتكاز العرفي.

(١) الجواهر ١٧ : ٣٧٣.

٣٤

سائر الديون فكأنه قد أتى بالعمل المستأجر عليه ، ولا فرق فيما ذكرنا بين العدول إلى الأفضل أو إلى المفضول ، هذا ويظهر من جماعة جواز العدول إلى الأفضل كالعدول إلى التمتّع تعبّداً من الشارع لخبر أبي بصير عن أحدهما «في رجل أعطى رجلاً دراهم يحج بها مفردة أيجوز له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحج؟ قال (عليه السلام) : نعم إنّما خالف إلى الأفضل» والأقوى ما ذكرناه ، والخبر منزّل على صورة العلم برضا المستأجر بذلك مع كونه مخيراً بين النوعين ، جمعاً بينه وبين خبر آخر (*) «في رجل أعطى رجلاً دراهم يحج بها حجة مفردة ، قال (عليه السلام) : ليس له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحج لا يخالف صاحب الدراهم» وعلى ما ذكرنا من عدم جواز العدول إلّا مع العلم بالرضا إذا عدل بدون ذلك لا يستحق الأُجرة في صورة التعيين على وجه القيدية وإن كان حجّه صحيحاً عن المنوب عنه ومفرغاً لذمّته إذا لم يكن ما في ذمّته متعيّناً فيما عيّن ، وأمّا إذا كان على وجه الشرطية (**) فيستحق إلّا إذا فسخ المستأجر الإجارة من جهة تخلّف الشرط ، إذ حينئذ لا يستحق المسمّى بل اجرة المثل.

______________________________________________________

أقول : لعلّ نظرهم إلى استئجار العمل المبهم المردد فإنّ ذلك مستلزم للغرر ، وأمّا إذا وقع عقد الإجارة على الطبيعي الجامع بين الأفراد فليس فيه أي غرر وإن اختلفت الأفراد كيفية وقيمة ، وللأجير اختيار أي فرد شاء وليس للمستأجر إلزامه باختيار فرد خاص كالأكثر قيمة أم غيره ، لكون المفروض أن المستأجر عليه هو الطبيعي الجامع بين الأفراد ، نظير استئجار شخص لصيام شهر من شهور السنة مع أن الصوم في الشتاء تختلف قيمته مع الصوم في الصيف ، وهكذا الحج البلدي إذا لم

__________________

(*) هذا الخبر ضعيف فإنه من غير المعصوم (عليه السلام) ، والعمدة أن الرواية الأُولى غير ظاهرة في التعبّد بقرينة التعليل فهي منزّلة على صورة العلم برضا المستأجر كما هو الغالب في موردها.

(**) مرّ أن مرجع الاشتراط إلى التقييد في أمثال المقام.

٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

يعين له طريقاً خاصّاً فإن الأُجرة تختلف حسب اختلاف كيفية السفر وأنواعه من الجو والبحر والبر ، ففي جميع الفروض تصح الإجارة من دون تعيين نوع خاص وكيفية مخصوصة وليس فيها أي غرر بعد فرض كون الأجير مختاراً في إتيان أي فرد شاء ، ولم يكن للمستأجر إلزام الأجير باختيار فرد خاص. نعم ، لو تعلق عقد الإجارة بالمبهم المردّد بين فردين بحيث لم يعلم أن مورد الإجارة هل هو هذا الفرد أو الفرد الآخر فقد يكون الأجير يختار فرداً خاصّاً والمستأجر يختار فرداً آخر ، تبطل الإجارة حينئذ للغرر.

ثمّ إنه قد صرّح جماعة ومنهم المصنف (رحمه الله) أنه لو استأجره لما عيّن له كالقران فليس للأجير العدول عما عيّن له ولو إلى الأفضل ، خلافاً للشيخ حيث صرّح بأنه لو استأجره للتمتع لم يجزئ غيره وأمّا لو استأجره للإفراد أو للقران أجزأه التمتع (١) ، فيقع الكلام في مقامين :

أحدهما : فيما تقتضيه القاعدة.

ثانيهما : فيما يقتضيه النص.

أمّا الأوّل : فمقتضى القاعدة عدم جواز العدول مطلقاً ، لأنّ العمل المستأجر عليه مملوك للمستأجر وعلى الأجير تسليم العمل المعيّن إلى المستأجر ، وليس للأجير تبديله إلى عمل آخر لم يقع عليه عقد الإجارة وإن كان أفضل. وبعبارة اخرى : الإجارة إنما تعلقت بذلك العمل المعيّن ، فلا يكون الآتي بغيره آتياً بما استؤجر عليه سواء كان أفضل ممّا استؤجر عليه أم لا ، كما لو استأجره لزيارة مسلم بن عقيل (عليه السلام) فزار الحسين (عليه السلام) بدلاً عن زيارة مسلم (عليه السلام) ، فإنه لم يأت حينئذ بمتعلق الإجارة وبقيت ذمّته مشغولة به.

نعم ، إذا استأجره على الحج المندوب أو المنذور المطلق أو كان المستأجر ذا منزلين متساويين في مكّة وخارجها بحيث كان مخيراً بين التمتّع والإفراد ، فللأجير في هذه

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٢٤.

٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الصورة التبديل إذا رضي المستأجر بذلك ، فالتبديل إنما لا يجوز له إذا كان نوع خاص من أقسام الحج متعيّناً على المستأجر كما إذا نذر حجاً خاصّاً أو كان ممن يتعين عليه حج التمتّع مثلا.

بل ذكر المصنف أنه ليس له التبديل والعدول ولو مع رضا المستأجر ، فلا ينفع رضاه بالعدول إلى غيره. ولا يخفى أن مراده من عدم جواز العدول حتى مع رضا المستأجر إنما هو بالنسبة إلى براءة ذمّة المستأجر وتفريغ ذمّته ، يعني إذا كان المتعيّن عليه حجاً خاصّاً فلا ينفع رضاه بالعدول إلى غيره في براءة ذمّته ، لأنّ تفريغ ذمّته لا يمكن إلّا بإتيان ما تعين عليه.

وأمّا بالنسبة إلى استحقاق الأجير الأُجرة لما أتى به فلا مانع منه إذا رضي المستأجر بالعدول ، فإن التبديل والعدول إذا كان عن رضا المستأجر فهو كالإبراء والمستأجر يجوز له أن يبرأ الأجير ويستأجر شخصاً آخر لما تعين عليه ، كما أن له أن يرضى بالعدول إلى نوع آخر الذي هو مستحب نفسي ويستأجر شخصاً لما وجب عليه بعينه.

فما ذكره المصنف من عدم جواز العدول حتى مع رضا المستأجر إنما يتم بالنسبة إلى أداء التكليف وتفريغ الذمّة لا أنه لا يجوز له العدول حتى مع رضاه بحيث لا يستحق الأجير الأُجرة.

ثمّ ذكر السيّد المصنف (رحمه الله) أنه في صورة جواز التبديل وجواز الرضا به يستحق الأجير الأُجرة المسماة من دون فرق بين كون التعيين على الأجير بعنوان الشرطية ويكون رضاه بالتبديل من باب إسقاط حق الشرط ، وبين كون التعيين بعنوان القيدية وكان الرضا بالعدول من باب الرضا بالوفاء بغير الجنس.

وما ذكره واضح بناء على الشرطية ، لأنّ الأجير قد أتى بنفس العمل المستأجر عليه ، والمفروض أن المستأجر قد رفع اليد عن الشرط ، وأمّا على القيدية فإنه وإن لم يأت بالعمل المستأجر عليه ولكن قد أتى بالبدل بأمر المستأجر ، فعلى كلا التقديرين يستحق الأُجرة المسماة.

٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وتوضيح المقام يحتاج إلى بيان معنى الاشتراط والفرق بينه وبين القيد ، وهذا البحث وإن تقدّم في بعض المباحث السابقة مفصّلاً (١) فلا مجال للبسط ولكن لا بأس بالإشارة إليه ولو إجمالاً فنقول : قد ذكرنا في باب الشرط من بحث المكاسب (٢) أنّ المعروف بينهم أن الشرط هو الالتزام في ضمن التزام آخر من غير أن يكون مقيّداً بالآخر ، وهذا المعنى ممّا لا محصل له ، لأنّ مجرّد الظرفية ما لم يكن بينهما ارتباط لا يترتّب عليه شي‌ء ، بل هذا الالتزام يكون وعداً ابتدائياً لا أثر لمخالفته ، فلا بدّ من ارتباط أحدهما بالآخر حتى يترتّب عليه الأثر كما هو المتفاهم من الشرط ، ومنه الشريط فإنّه يطلق على الخيط الرابط بين شيئين ، فالشرط هو الربط بين شيئين ويقع الكلام في تحقيق هذا الارتباط ، وليس معناه تعليق المنشأ كالبيع بالشرط وإلّا لبطل العقد للتعليق المجمع على بطلانه سواء وقع الشرط في الخارج أم لا ، مع أنّه لا إشكال في جواز البيع المشروط وثبوت الخيار عند تخلّف الشرط.

بل معنى الاشتراط يرجع إلى أحد أمرين : تعليق المنشأ على الالتزام أو أنّ الالتزام بالمنشإ كالبيع معلق على وجود الشرط بحيث إذا لم يكن الشرط موجوداً لم يكن ملتزماً.

فعلى الأوّل فالعقد وإن كان معلقاً إلّا أن مثل هذا التعليق لا يضر بصحّته ، إذ المفروض تحقق الالتزام المعلّق عليه وحصوله بالفعل من المشتري ، وهذا المقدار من التعليق لا يوجب البطلان ، فإن التعليق المبطل هو التعليق على أمر متوقع الحصول وأمّا التعليق على أمر حاصل موجود بالفعل فغير موجب للبطلان. هذا فيما إذا كان الشرط من قبيل الأفعال التي قابلة للالتزام بها كالخياطة والخدمة ونحو ذلك.

وأمّا الثاني فمورده ما إذا كان الشرط خارجاً عن تحت الاختيار ككتابة العبد أو جماله ونحوهما ، فإن تعليق العقد على الالتزام بذلك مما لا معنى له ، لأنّ الالتزام بشي‌ء إنما يتعلق بأمر اختياري مقدور للملتزم وأمّا إذا كان غير مقدور له فلا معنى للالتزام

__________________

(١) راجع شرح العروة ٢٦ : ١٣٥ ذيل المسألة [٣٠٣٦].

(٢) مصباح الفقاهة ٧ : ٢٦٨.

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

به ، ففي أمثال هذه الموارد معنى الاشتراط هو أن الالتزام بالمنشإ والوفاء به معلق على الكتابة أو الجمال مثلا ، ومرجع ذلك إلى جعل الخيار بلسان الشرط. فحقيقة الشرط ليست عبارة عن الالتزام في ضمن التزام آخر ، بل حقيقته إما تعليق المنشأ على الالتزام في الأُمور القابلة للالتزام بها وإما أن الالتزام بالعقد معلق على وجود الشرط ، فمرجع الشرط في العقد إلى أحد هذين الأمرين وهما قد يجتمعان وقد يفترقان ، ففي كل مورد غير قابل للخيار كالنكاح بناء على المشهور وخلافاً لصاحب الجواهر (١) أو الطلاق والعتق ونحوهما من الإيقاعات التي لا يجري فيها الخيار يرجع الاشتراط إلى تعليق العقد أو الإيقاع على الالتزام ، فلو اشترطت الزوجة على زوجها بأن يكون اختيار السكنى بيدها أو أن ينفق عليها كل شهر كذا مقداراً ، معناه أنّ أصل النكاح معلق على التزام الزوج بهذه الأُمور ، وأثره إلزام الشارع المشروط عليه بإتيان الشرط ، للسيرة ولقولهم (عليهم السلام) : «المؤمنون عند شروطهم» (٢) وليس أثره الخيار للمشروط له ، فليس في البين إلّا حكم تكليفي وهو وجوب الإتيان بالشرط على المشروط عليه.

وفي بعض الموارد يرجع الاشتراط إلى جعل الخيار من دون التزام فيه كموارد اشتراط كتابة العبد أو جماله ونحو ذلك ممّا لا معنى للالتزام به ، لعدم كونه اختيارياً وعدم كونه تحت قدرته ، فإن الكتابة ونحوها من الصفات إما موجودة أو معدومة فمرجع الاشتراط إلى جعل الخيار له عند التخلّف. وبعبارة اخرى : التزام البائع بالعقد مشروط ومعلّق بالكتابة وإذا لم تكن موجودة فهو غير ملتزم به ، ومرجع ذلك إلى جعل الخيار له عند التخلّف.

وقد يجتمع المعنيان في مورد واحد كالبيع المشروط فيه الخياطة مثلاً ، فإنّ معنى الاشتراط فيه تعليق البيع على الالتزام بالخياطة ، وهذا التعليق بما أنّه تعليق على أمر حاصل موجود يعلم به المتعاقدان غير ضائر في صحّة البيع ، ونتيجته وجوب الوفاء

__________________

(١) الجواهر ٢٣ : ٢٠٤.

(٢) الوسائل ٢١ : ٢٧٧ / أبواب المهور ب ٢٠ ح ٤ ، ١٨ : ١٦ / أبواب الخيار ب ٦.

٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بالشرط على المشروط عليه ، كما أنه بالدلالة الالتزامية يدل على أن التزامه بالعقد معلّق على الخياطة وعلى تقدير التخلّف وعدم تحقق الخياطة يثبت له الخيار ، فأمثال هذه الموارد مجمع بين الأمرين ، تعليق البيع على الالتزام وتعليق الالتزام على الشرط ولازم الأوّل وجوب الوفاء بالشرط وإلزامه بالوفاء ، ولازم الثاني جعل الخيار له عند التخلّف ، والمشروط له يجوز له إلزام المشروط عليه بإتيان الشرط ، وله أيضاً إعمال الخيار إما في طول إلزامه أو في عرضه على الخلاف المحرر في محلِّه.

بقي الكلام في الفرق بين الشرط والقيد فإنهم قد ذكروا أن الوصف إذا كان دخيلاً في العقد على نحو الشرطية فلا يوجب تخلفه البطلان وإنما له خيار تخلف الشرط ، وأمّا إذا كان دخيلاً على نحو القيدية فتخلفه يوجب البطلان.

والذي ينبغي أن يقال : إنّ الوصف المأخوذ في العقد إن كان من الأعراض والصفات الخارجية التي ليست دخيلة في فردية الفرد للطبيعي ، فإن الفرد فرد للطبيعي سواء كان متصفاً بهذا الوصف أم لا ، كما إذا باع العبد مع توصيفه بالكتابة أو باعه بشرط كونه كاتباً ، فلا يعقل فيه التقييد والتضييق ويرجع ذكره في العقد إلى الاشتراط ، أعني تعليق الالتزام بالوفاء بالعقد على أن يكون العبد كاتباً ، ونتيجته ثبوت الخيار عند التخلّف من دون فرق بين التعابير ، لأنّ الفرد الخارجي جزئي حقيقي غير قابل للتضييق والتقييد ولا يتحصص بحصتين.

وإن كان الوصف المأخوذ من الأُمور الذاتية الموجبة للاختلاف في الجنس والماهية كقول البائع بعت هذا الحيوان على أن يكون فرساً ، فحينئذ إذا تخلّف وظهر كونه بقراً مثلاً بطل البيع بالمرّة ، لأنّ البيع لم يقع على الجامع بين الحيوانين وإنما وقع على الجنس المعيّن المعنون بعنوان خاص ، فاختص البيع بجنس خاص دون جنس آخر ، كما إذا باع ذهباً فبان أنه نحاس أو حديد وأمثال ذلك ، فإن هذه العناوين دخيلة في الفردية وتخلّفها يوجب بطلان البيع طبعاً لعدم انعقاد البيع بالنسبة إليه ، فما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع ، من دون فرق بين أن يعبر ويقول : بعت هذا الحيوان على أن يكون فرساً أو بعت هذا الفرس ، فإن عنوان الفرسية عنوان مقوم للمبيع فإذا تخلف وظهر غيره يبطل البيع بالنسبة إليه جزماً.

٤٠