موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

.................................................................................................

______________________________________________________

للعامد وغيره وإن كان العامد آثماً في التأخير ، كما هو الحال في نظائر المقام من موارد الأبدال الاضطرارية ، كمن آخر الصلاة عمداً حتى ضاق الوقت عن الوضوء أو أراق الماء عمداً فإنّه يجب عليه التيمم وتصح صلاته ، وكذا من آخر الصلاة عمداً حتى أدرك ركعة من الوقت صحت صلاته أداءً وإن أثم في التأخير ، فالانقلاب بمقتضى هذه الروايات قهري.

وفيه : أن مورد النصوص من كان غير متمكن في نفسه ، ولا يعم من كان متمكناً وجعل نفسه عاجزاً عمداً. ولا يقاس المقام بباب الصلاة ، لعدم سقوطها بحال من الأحوال بالضرورة والنص كقوله (عليه السلام) في معتبرة زرارة الواردة في المستحاضة «لا تدع الصّلاة على حال» (١) فإن المستفاد من ذلك عدم سقوط الصّلاة في حال من الأحوال لا من الرجال ولا من النّساء ، والرواية وإن كانت في مورد الاستحاضة ولكن لا يحتمل اختصاص عدم سقوط الصلاة بالنّساء ، فالقرينة القطعية قائمة على عدم سقوط الصلاة ولو بتعجيز نفسه عن مقدّماتها ، ولو لم يكن الدليل القطعي قائماً في باب الصلاة لكان مقتضى القاعدة سقوطها أيضا.

الثاني : أنه بعد الفراغ عن عدم شمول روايات العدول للمقام فالقاعدة تقتضي إتيان أعمال عمرة التمتّع ثمّ يأتي بالوقوف الاضطراري لعرفة وهو الوقوف ليلة العيد أو يأتي بالوقوف الاختياري للمشعر وهو الوقوف ما بين الطلوعين من يوم العيد ، أو الوقوف الاضطراري للمشعر وهو الوقوف بعد طلوع الشمس إلى زوال يوم العيد.

وبالجملة : مقتضى القاعدة هو إتمام العمرة والاكتفاء في الحج بما تقدّم من أحد المواقف الثلاثة ، ولا يضر عدم إدراك الموقف الاختياري لعرفة أو الاضطراري لعموم ما دلّ على أن من أدرك الوقوف بالمشعر فقد تمّ حجّه (٢).

وفيه : أن ما دل على الاكتفاء بالوقوف الاضطراري لعرفات أو الاجتزاء بالوقوف بالمشعر وإن لم يدرك الوقوف بعرفة خاص بما إذا كان الاضطرار حاصلاً بطبعه

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٤ : ٣٧ ٤٥ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ، ٢٥.

٢٤١

[٣٢١١] مسألة ٤ : اختلفوا في الحائض والنفساء إذا ضاق وقتهما عن الطهر وإتمام العمرة وإدراك الحج على أقوال :

أحدها : أنّ عليهما العدول إلى الإفراد والإتمام ثمّ الإتيان بعمرة بعد الحج لجملة من الأخبار.

الثاني : ما عن جماعة من أن عليهما ترك الطواف والإتيان بالسعي ثمّ الإحلال وإدراك الحج وقضاء طواف العمرة بعده ، فيكون عليهما الطّواف ثلاث مرّات مرّة لقضاء طواف العمرة ومرّة للحج ومرّة للنساء ، ويدلُّ على ما ذكروه أيضاً جملة من الأخبار.

الثالث : ما عن الإسكافي وبعض متأخري المتأخرين من التخيير بين الأمرين للجمع بين الطائفتين بذلك.

الرابع : التفصيل بين ما إذا كانت حائضاً قبل الإحرام فتعدل أو كانت طاهراً حال الشروع فيه ثمّ طرأ الحيض في الأثناء فتترك الطّواف وتتم العمرة وتقضي

______________________________________________________

وبنفسه ، وأمّا إذا فوت التمكن على نفسه باختياره وعجز نفسه اختياراً فالروايات منصرفة عنه ، فالقاعدة تقتضي فساد الحج ، ولا دليل على العدول ، ولا يقاس المقام بباب الصلاة إذا عجز نفسه اختياراً عن بعض مقدّماتها كما عرفت.

الثالث : أن يجعل عمرته مفردة إلحاقاً له بمن أحرم للحج ولم يدرك الوقوف بالمشعر فتبطل عمرته فقط دون إحرامه. وهذا أيضاً لا دليل عليه.

فالصحيح هو الوجه الرابع وهو الحكم ببطلان عمرته وإحرامه ، فإن الإحرام الصحيح هو الإحرام المتعقب بالطواف في سنته ، ومع عدم التعقب ولو كان بالاختيار انكشف بطلان الإحرام من الأوّل ، هذا ومع ذلك فالأحوط أن يأتي ببقية الأعمال بقصد الأعم من إتمامها حج إفراد أو عمرة مفردة ، فيأتي بأعمال الحج رجاءً ثمّ يأتي بالطّواف والسعي بقصد الأعم من حج الإفراد أو عمرة مفردة ، وعليه الحج من قابل إذا كان الحج واجباً عليه.

٢٤٢

بعد الحج ، اختاره بعض بدعوى أنه مقتضى الجمع بين الطائفتين بشهادة خبر أبي بصير «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في المرأة المتمتعة إذا أحرمت وهي طاهر ثمّ حاضت قبل أن تقضي متعتها : سعت ولم تطف حتى تطهر ثمّ تقضي طوافها وقد قضت عمرتها ، وإن أحرمت وهي حائض لم تسعَ ولم تطف حتى تطهر» ، وفي الرضوي : «إذا حاضت المرأة من قبل أن تحرم إلى قوله (عليه السلام) وإن طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها فتجعلها حجة مفردة ، وإن حاضت بعد ما أحرمت سعت بين الصفا والمروة وفرغت من المناسك كلّها إلّا الطواف بالبيت ، فإذا طهرت قضت الطواف بالبيت وهي متمتعة بالعمرة إلى الحج وعليها طواف الحج وطواف العمرة وطواف النّساء». وقيل في توجيه الفرق بين الصورتين ، إن في الصورة الأُولى لم تدرك شيئاً من أفعال العمرة طاهراً فعليها العدول إلى الإفراد ، بخلاف الصورة الثانية فإنها أدركت بعض أفعالها طاهراً فتبني عليها وتقضي الطواف بعد الحج. وعن المجلسي (قدس سره) في وجه الفرق ما محصله : أن في الصورة الاولى لا تقدر على نيّة العمرة لأنها تعلم أنها لا تطهر للطواف وإدراك الحج بخلاف الصورة الثانية فإنها حيث كانت طاهرة وقعت منها النيّة والدخول فيها.

الخامس : ما نقل عن بعض من أنها تستنيب للطواف ثمّ تتم العمرة وتأتي بالحج ، لكن لم يعرف قائله. والأقوى من هذه الأقوال هو القول الأوّل (*) للفرقة

__________________

(*) بل الأقوى هو التفصيل بين ما إذا كان الحيض أو النفاس قبل الإحرام فتحرم لحج الإفراد فتأتي به ثمّ تعتمر عمرة مفردة وبين ما إذا كانت حال الإحرام طاهرة ثمّ حاضت أو نفست ولم تتمكن من الإتيان بالعمرة قبل الحج فهي تتخير بين أن تعدل إلى الإفراد ثمّ تأتي بعمرة مفردة وبين أن تسعى وتقصّر وتحرم للحج وبعد أداء مناسك منى تقضي طواف العمرة ثمّ تأتي بطواف الحج ، ووجه ذلك أن الرواية تعين العدول في الفرض الأوّل ولا معارض لها ، وأمّا الفرض الثاني ففيه طائفتان ظاهر إحداهما تعين العدول وظاهر الثانية المضي كما ذكر والجمع العرفي قاض بالتخيير.

٢٤٣

الاولى من الأخبار التي هي أرجح من الفرقة الثانية لشهرة العمل بها دونها ، وأمّا القول الثالث وهو التخيير فإن كان المراد منه الواقعي بدعوى كونه مقتضى الجمع بين الطائفتين ، ففيه أنهما يعدان من المتعارضين والعرف لا يفهم التخيير منهما والجمع الدلالي فرع فهم العرف من ملاحظة الخبرين ذلك ، وإن كان المراد التخيير الظاهري العملي فهو فرع مكافأة الفرقتين والمفروض أنّ الفرقة الأُولى أرجح من حيث شهرة العمل بها ، وأمّا التفصيل المذكور فموهون بعدم العمل ، مع أن بعض أخبار القول الأوّل ظاهر في صورة كون الحيض بعد الدخول في الإحرام نعم لو فرض كونها حائضاً حال الإحرام وعلمت بأنّها لا تطهر لإدراك الحج يمكن أن يقال : يتعين عليها العدول إلى الإفراد من الأوّل ، لعدم فائدة في الدخول في العمرة ثمّ العدول إلى الحج ، وأمّا القول الخامس فلا وجه له ولا له قائل معلوم (١).

______________________________________________________

(١) اختلف الأصحاب في الحائض والنفساء إذا منعهما عذرهما عن التحلل وإنشاء الإحرام بالحج لضيق وقتهما عن ذلك على أقوال :

الأوّل : وهو المشهور والمعروف بين الأصحاب بل ادعي عليه الإجماع ، أنها تعدل إلى حج الإفراد وتذهب إلى عرفات وتأتي بجميع المناسك ثمّ تأتي بعمرة مفردة بعد الحج.

الثاني : أن تأتي بأعمال عمرة التمتّع ولكن تترك الطواف والصلاة وتسعى وتقصر ثمّ تحرم بالحج وتقضي طواف العمرة ، فعليها الطواف ثلاث مرّات ، مرّة لقضاء طواف العمرة ومرّة للحج ومرّة لطواف النّساء ، وقد نسب هذا القول إلى علي بن بابويه (١) وأبي الصلاح (٢).

__________________

(١) نقل عنه في الدروس ١ : ٤٠٦.

(٢) الكافي في الفقه : ٢١٨.

٢٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الثالث : ما عن الإسكافي (١) والسيّد في المدارك (٢) من التخيير بين القولين المتقدّمين ، بدعوى أن ذلك مقتضى الجمع بين النصوص.

الرابع : التفصيل بين ما إذا كانت حائضاً قبل الإحرام فتعدل ، وبين ما إذا طرأ الحيض أثناء الإحرام فتترك الطواف ولكن تسعى وتقصر ثمّ تحرم بالحج وتقضي العمرة بعد الحج ، اختاره الكاشاني (٣) وصاحب الحدائق (٤).

الخامس : أنها تستنيب للطواف ثمّ تتم العمرة وتأتي بالحج ، ولكن الظاهر انه لا قائل به بل لا وجه له ، لأنّ الروايات الواردة في المقام بين الآمرة بالعدول وبين الآمرة بإتمام العمرة وقضاء طواف العمرة بعد أعمال الحج ولا يستفاد الاستنابة من شي‌ء منها.

ولعل القائل بالاستنابة يرى أن الروايات بأسرها متعارضة ومتساقطة ولا مجال للرجوع إليها ، فالمتبع حينئذ القاعدة وهي تقتضي الاستنابة ، لأنّ الطواف واجب على كل معتمر بأن يطوف هو بنفسه أو يطاف به فإن لم يتمكن من الأولين ينتقل الأمر إلى الطّواف عنه ، فيتم عمله ولو بإتيان بعض أجزائه نيابة ، وأمّا العدول إلى الإفراد يحتاج إلى الدليل والمفروض عدمه ، وإتيان العمرة الناقصة بدون الطواف لا دليل عليه أيضاً.

وهذا القول وإن كان على طبق القاعدة إلّا أنه إنما يتم على تقدير تساقط الروايات وعدم إمكان الرجوع إليها ، ولكن الأمر ليس كذلك ، فإن طائفة من الروايات سليمة من التعارض فهذا القول ساقط ، وأمّا سائر الأقوال فيظهر حالها كما يظهر الصحيح منها من ذكر الروايات وما يستفاد منها ، فيقع البحث في مقامين :

__________________

(١) المختلف ٤ : ٣٥٠ المسألة ٢٩٤.

(٢) المدارك ٧ : ١٨١.

(٣) الوافي ١٣ : ٩٩٧.

(٤) الحدائق ١٤ : ٣٤٥.

٢٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما : إذا كانت المرأة حائضاً من أوّل الأمر ، أي حال الإحرام وحين الشروع فيه ويمتد حيضها إلى أوان الحج ، وأمّا لو فرض انتهاء حيضها قبل الوقوفين بحيث تتمكن من إتمام العمرة والوقوفين بعد حصول طهرها فلا كلام في عدم جواز العدول لها ، بل المتعين عليها التمتّع.

ثانيهما : ما إذا طرأ الحيض بعد الإحرام وفي أثنائه.

أمّا المقام الأوّل : فوظيفتها العدول إلى حج الإفراد ، ويدل على ذلك إطلاق صحيح جميل ، قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية ، قال : تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة ثمّ تقيم حتى تطهر فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة. قال ابن أبي عمير : كما صنعت عائشة» (١) فإنه واضح الدلالة على العدول إلى الإفراد سواء حدث الحيض قبل الإحرام أو في أثنائه.

ويدل عليه في خصوص حدوث الحيض قبل الإحرام صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إن أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر بالبيداء لأربع بقين من ذي القعدة في حجة الوداع ، فأمرها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فاغتسلت واحتشت وأحرمت ولبت مع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه ، فلمّا قدموا مكّة لم تطهر حتى نفروا من منى ، وقد شهدت المواقف كلّها عرفات وجمعاً ورمت الجمار ولكن لم تطف بالبيت ولم تسع بين الصّفا والمروة فلمّا نفروا من منى أمرها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فاغتسلت وطافت بالبيت وبالصّفا والمروة ، وكان جلوسها في أربع بقين من ذي القعدة وعشر من ذي الحجّة وثلاث أيّام التشريق» (٢).

فإنّها صريحة الدلالة على العدول وأن وظيفتها الإفراد ، والمفروض فيها حدوث

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٩٦ / أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٠١ / أبواب الإحرام ب ٤٩ ح ١.

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

النفاس قبل الإحرام ، نعم مقتضاها أن مدّة النفاس ثمانية عشر يوماً ، فتكون هذه الصحيحة من جملة الروايات الدالّة على أن مدّة النفاس ثمانية عشر يوماً كما هو أحد الأقوال في المسألة ، ولكن المختار عندنا أن مدّة النفاس كمدّة الحيض ، فالرواية من هذه الجهة غير معمول بها ، ولا يضر ذلك بالاستدلال بها للجهة التي نحن فيها.

وأوضح منها دلالة صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «إن أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر فأمرها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حين أرادت الإحرام من ذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف والخرق وتهل بالحج ، فلمّا قدموا وقد نسكوا المناسك وقد أتى لها ثمانية عشر يوماً فأمرها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أن تطوف بالبيت وتصلي ولم ينقطع عنها الدم ، ففعلت ذلك» (١) فإنها صريحة في أنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) أمرها بالحج من أوّل الشروع في الإحرام من ذي الحليفة.

ويؤيد ما ذكرنا خبران لأبي بصير «وإن هي أحرمت وهي حائض لم تسع ولم تطف حتى تطهر» (٢) والمراد منه أنها تذهب إلى عرفات قبل الطواف والسعي وتأتي بالمناسك كلّها ثمّ بعد حصول الطهر تطوف وتسعى ، وهذا هو حج الإفراد ، ولكنهما ضعيفان ، أحدهما بسهل بن زياد والثاني بالإرسال ، ونحوهما الفقه الرضوي.

والعمدة الصحاح المتقدّمة ، ولم يرد في مجموع روايات المقام إتمام عمرتها بدون الطواف وقضائه بعد الحج إذا كانت حائضاً من حين الشروع في الإحرام ، فلا موجب لرفع اليد عن الصحاح أصلاً ، فلا وجه للتخيير كما لا وجه للتأخير وقضاء الطواف ، وإطلاق صحيح جميل لا مقيّد له ، وصحيحا معاوية بن عمّار وزرارة لا معارض لهما.

وبالجملة : المستفاد منها أن وظيفة المحرمة الحائض التي لا تتمكن من إتمام عمرتها وإدراك الحج هي حج الإفراد مطلقاً ، سواء كانت ناوية للتمتع من أوّل الأمر لزعمها

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٦٢ / أبواب الطواف ب ٩١ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٥٠ / أبواب الطواف ب ٨٤ ح ٥.

٢٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

انتهاء الحيض قبل الموقف ثمّ تبيّن استمرار حيضها إلى ما بعد الموقف ، أو كانت عالمة من الأوّل باستمرار حيضها إلى ما بعد الموقف فطبعاً تنوي الإفراد من الأوّل ، كما أن المتفاهم من قضية أسماء ان حج الإفراد إنما وجب عليها لأجل النفاس بحيث لولا نفاسها كانت وظيفتها التمتّع ، فيستفاد من ذلك حكم كلّي شرعي للنفساء من دون نظر إلى خصوص المورد.

ويؤكد ذلك ما في صحيح العيص المشتمل على قضية أسماء وأن ولادتها كانت بركة للنّساء (١) ، فيعلم أن الحكم غير مختص بمورده.

المقام الثاني : وهو ما إذا طرأ الحيض أثناء الإحرام ، والروايات فيه على طائفتين.

الطائفة الأُولى : تدل على أن وظيفتها حج الإفراد ، وهي صحيح جميل المتقدِّم (٢) فإنه بإطلاقه يدل على ذلك ، ومصحح إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «سألته عن المرأة تجي‌ء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتى تخرج إلى عرفات ، قال : تصير حجّة مفردة ، قلت : عليها شي‌ء؟ قال : دم تهريقه وهي أُضحيتها» (٣) فإنه صريح الدلالة على العدول إلى الإفراد في الحيض الطارئ أثناء الإحرام.

الطائفة الثانية : تدل على أن وظيفتها التمتّع لكنّها تؤخِّر الطّواف إلى ما بعد الوقوفين ، وهي صحيح العلاء بن صبيح وجماعة معه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «المرأة المتمتعة إذا قدمت مكّة ثمّ حاضت تقيم ما بينها وبين التروية ، فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصّفا والمروة ، وإن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت واحتشت ثمّ سعت بين الصّفا والمروة ثمّ خرجت إلى منى ، فإذا قضت المناسك وزارت بالبيت طافت بالبيت طوافاً لعمرتها ثمّ طافت طوافاً للحج ثمّ خرجت فسعت ، فإذا

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٠٢ / أبواب الإحرام ب ٤٩ ح ٢.

(٢) في ص ٢٤٦.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٩٩ / أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ١٣.

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي‌ء يحل منه المحرم إلّا فراش زوجها ، فإذا طافت طوافاً آخر حل لها فراش زوجها» (١) فعليها بعد أداء المناسك ثلاثة أطواف ، طواف العمرة وطواف الحج وطواف النّساء.

ونحوها صحيحة عجلان أبي صالح ، قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة متمتعة قدمت مكّة فرأت الدم ، قال : تطوف بين الصفا والمروة ثمّ تجلس في بيتها فإن طهرت طافت بالبيت ، وإن لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء وأهلت بالحج من بيتها وخرجت إلى منى وقضت المناسك كلّها ، فإذا قدمت مكّة طافت بالبيت طوافين ثمّ سعت بين الصفا والمروة ، فإذا فعلت ذلك فقد حلّ لها كلّ شي‌ء ما خلا فراش زوجها» (٢) وغيرهما من الروايات المعتبرة ، وهي صريحة في بقائها على عمرتها وحجتها فيما إذا كان الحيض طارئاً أثناء الإحرام ، وأنها تطوف طواف العمرة والحج بعد قضاء المناسك ، فيتحقق التعارض بين الطائفتين ، لأنّ مقتضى الطائفة الثانية تعين التمتّع عليها وتأخير الطواف إلى ما بعد أعمال الحج ومقتضى الطائفة الأُولى كموثقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة (٣) تعين الإفراد عليها ولزوم العدول إليه عليها ، وحيث نعلم بعدم وجوبهما معاً عليها فالقاعدة تقتضي رفع اليد عن ظهور كل منهما في التعيين ، فإنّ الوجوب التعييني لا يستفاد من الظهور اللّفظي وإنما يستفاد من الإطلاق وعدم ذكر العدل للواجب بحرف أو ، ونحو ذلك ، فلا بدّ من رفع اليد عن إطلاق كلّ منهما في التعيين بصراحة الآخر في الوجوب ، ونتيجة ذلك هي التخيير بين الأمرين بمقتضى الجمع العرفي بين الروايات كما هو الحال في نظائر المقام.

فالمستفاد من مجموع الروايات هو التفصيل بين ما كان الحيض حادثاً قبل الإحرام وضاق وقتها عن إتمام العمرة وإدراك الحج فتحرم لحج الإفراد ، وبين ما إذا طرأ

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٤٨ / أبواب الطواف ب ٨٤ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٤٩ / أبواب الطواف ب ٨٤ ح ٢.

(٣) في ص ٢٤٨.

٢٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الحيض أثناء الإحرام قبل إتمام العمرة فتتخير بين العدول إلى الإفراد وبين أن تبقى على عمرتها وتأتي بجميع أعمال عمرة التمتّع عدا الطّواف ثمّ تحرم للحج وتأتي بأعماله ثمّ تأتي بطواف عمرة التمتّع قضاءً وطواف الحج وطواف النّساء.

ويؤيد ما ذكرناه من عدم تعيّن الإفراد عليها وجواز التمتّع لها بخبري أبي بصير قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في المرأة المتمتِّعة إذا أحرمت وهي طاهر ثمّ حاضت قبل أن تقضي متعتها : سعت ولم تطف حتى تطهر ثمّ تقضي طوافها وقد تمت متعتها ، وإن أحرمت وهي حائض لم تسع ولم تطف حتى تطهر» (١) إلّا أن أحدهما ضعيف بسهل بن زياد والآخر بالإرسال.

وملخص الكلام في هذه المسألة : أن الروايات الواردة في المقام على أقسام :

فمنها : ما دلّ على وجوب العدول إلى حج الإفراد مطلقاً كصحيحة جميل (٢).

ومنها : ما دلّ على وجوب العدول عند حدوث الحيض قبل الإحرام كصحيحة معاوية بن عمّار (٣) وصحيحة زرارة (٤).

ومنها : ما دلّ على ترك الطواف والإتيان بالسعي والتقصير وقضاء الطواف بعد ذلك فيما إذا حدث الحيض بعد الإحرام كصحيحتي العلاء وعجلان أبي صالح (٥).

ومنها : ما دلّ على العدول إلى حج الإفراد في هذه الصورة أيضاً كمصحح إسحاق ابن عمّار (٦).

أمّا القسم الأوّل : فلا مقيّد له فيما كان الحيض من الأوّل ، كما أن القسم الثاني ليس له معارض ، فيتعين القول بوجوب العدول إلى حج الإفراد من أوّل الأمر.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٥٠ / أبواب الطواف ب ٨٤ ح ٥.

(٢) المتقدّمة في ص ٢٤٦.

(٣) المتقدّمة في ص ٢٤٦.

(٤) المتقدّمة في ص ٢٤٧.

(٥) المتقدّمتين في ص ٢٤٨ و ٢٤٩.

(٦) المتقدّم في ص ٢٤٨.

٢٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا القسم الثالث فبإزائه القسم الرابع ، حيث إنّ مقتضى أحدهما العدول ومقتضى الآخر إتمام العمرة بدون طواف وقضاؤه بعد ذلك ، فإن بنينا على أنهما متعارضان وليس بينهما جمع عرفي فيتساقطان لا محالة ، فيكون المرجع إطلاق صحيحة جميل الدالّة على وجوب العدول مطلقاً فيتم ما ذهب إليه المشهور ، وأمّا إذا بنينا على أن إطلاق كلّ منهما يقيد بنص الآخر كما هو الصحيح فتكون النتيجة هي التخيير فيقيد بذلك إطلاق صحيحة جميل.

فالنتيجة : أن الحيض إذا كان قبل الإحرام كانت الوظيفة حج الإفراد وإذا طرأ بعد الإحرام كانت الوظيفة هي التخيير.

بقي في المقام شي‌ء وهو أنه ربّما يظهر من بعض النصوص عدم إمكان التخيير لها وعدم مشروعية المتعة لها كما في صحيحة ابن بزيع «عن المرأة تدخل مكّة متمتعة قبل أن تحل متى تذهب متعتها؟ قال : كان جعفر (عليه السلام) يقول : زوال الشمس من يوم التروية إلى أن قال إذا زالت الشمس أي من يوم التروية ذهبت المتعة فقلت : فهي على إحرامها أو تجدّد إحرامها للحج؟ فقال : لا ، هي على إحرامها» (١) فإن المتفاهم من قوله : «ذهبت المتعة» أن المتعة غير ثابتة وغير مشروعة في حقها.

وكذا صحيح مرازم «المتمتِّع يدخل ليلة عرفة مكّة أو المرأة الحائض متى يكون لها المتعة؟ قال : ما أدركوا النّاس بمنى» (٢) أي ليلة عرفة ، لاستحباب الذهاب إلى منى ليلة عرفة ثمّ الذهاب إلى عرفة. والمستفاد منه أنها لو لم تدرك الحائض النّاس بمنى لا تشرع لها المتعة ، فيقع التعارض بين هاتين الروايتين وما دلّ على التخيير ، والمتبع حينئذ إطلاق صحيح جميل الدال على العدول إلى الإفراد مطلقا.

ولكن الظاهر أن الأمر ليس كذلك ولا تعارض في البين ، وذلك فإن الصحيحتين

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٩٧ / أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ٤.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٩٤ / أبواب أقسام الحج ب ٢٠ ح ١٤.

٢٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

لا نظر لهما إلى عدم تمكن الحائض من الطواف لأجل حيضها ، بل تنظران إلى ضيق وقت الحج بزوال الشمس يوم التروية أو بآخر زمان يمكن فيه إدراك النّاس بمنى فلا تشرع المتعة بعد ذلك ، فلو فرضنا أن الحائض قد سعت قبل زوال الشمس من يوم التروية وأخرت طوافها إلى ما بعد الوقوفين على ما دلّت عليه صحيحتا العلاء وعجلان فالصحيحتان لا تدلان على بطلان ذلك ، بل إن مقتضى صحيح ابن بزيع أن المرأة إذا حاضت يوم التروية بعد صلاة الطواف فزالت الشمس فلا متعة لها ، كما أن مقتضى صحيح مرازم أن الحائض إذا طهرت وطافت وصلت ولكنّها لا تدرك النّاس بمنى إذا سعت أنه لا متعة لها وينقلب حجها إلى الإفراد ، فلا فرق بين من عليها السعي فقط ومن عليها الطواف والسعي ، وحينئذ فإطلاقهما يقتضي ثبوت ذلك حتى إذا كانت متمكنة من الإتيان بالوظيفة بعد ظهر يوم التروية أو ليلة عرفة وأمكنها اللحوق بالنّاس في عرفات ، فيعارض ما دلّ على جواز الطواف وإتيان عمرة التمتّع ما دام يمكن لها درك الموقف ، فلا بدّ من حمل الصحيحين على التقيّة.

وإن رفعنا اليد عن الإطلاق وقيدناه بعدم تمكن الحائض من الوقوف إذا لم تذهب يوم التروية إلى منى كان حال الحائض حال سائر النّاس ، فإن العبرة في جواز تكميل عمرة التمتّع وعدمه بدرك الموقف وعدمه كما في صحيح جميل وصحيح الحلبي المتقدِّمين (١) ، فلو فرضنا أنها لا تتمكّن من الموقف إذا أتمت عمرتها فطبعاً تذهب متعتها ، وعلى كل تقدير فلا تعرض في الصحيحتين لحكم الحائض من جهة عدم تمكنها من الطّواف الذي هو محل الكلام.

__________________

(١) في ص ٢٣١ ، ٢٣٢.

٢٥٢

[٣٢١٢] مسألة ٥ : إذا حدث الحيض وهي في أثناء طواف عمرة التمتّع فإن كان قبل تمام أربعة أشواط بطل طوافها على الأقوى (*) ، وحينئذ فإن كان الوقت موسعاً أتمّت عمرتها بعد الطّهر وإلّا فلتعدل (**) إلى حج الإفراد وتأتي بعمرة مفردة بعده ، وإن كان بعد تمام أربعة أشواط فتقطع الطواف وبعد الطّهر تأتي بالثلاثة الأُخرى وتسعى وتقصّر مع سعة الوقت ، ومع ضيقه تأتي بالسعي وتقصّر ثمّ تحرم للحج وتأتي بأفعاله ثمّ تقضي بقيّة طوافها قبل طواف الحج أو بعده (***) ثمّ تأتي ببقيّة أعمال الحج ، وحجّها صحيح تمتّعاً ، وكذا الحال إذا حدث الحيض بعد الطّواف وقبل صلاته (١).

______________________________________________________

(١) هذه المسألة لها صور :

الاولى : أن يطرأ الحيض قبل إتمام أربعة أشواط مع سعة الوقت للاستئناف فالمشهور فيها البطلان ولزوم الاستئناف ، واستدل على ذلك بعدة روايات.

منها : ما رواه الصدوق بإسناده عن ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عمّن سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن امرأة طافت أربعة أشواط وهي معتمرة ثمّ طمثت ، قال : تمّ طوافها وليس عليها غيره ومتعتها تامّة ، ولها أن تطوف بين الصفا والمروة لأنها زادت على النصف وقد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج وإن هي لم تطف إلّا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج ، فإن أقام بها جمّالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعرانة أو إلى التنعيم فلتعتمر» (١).

ورواه الشيخ عن أبي عبد الله (عليه السلام) باختلاف يسير عن إبراهيم بن أبي

__________________

(*) فيه إشكال ، والأحوط الإتيان بطواف بعد طهرها بقصد الأعم من الإتمام والتمام ، كما أن الأحوط ذلك أيضاً فيما إذا حدث الحيض بعد تمام أربعة أشواط.

(**) تقدّم أن حكمها التخيير.

(***) الظاهر لزوم القضاء قبل طواف الحج.

(١) الوسائل ١٣ : ٤٤٥ / أبواب الطواف ب ٨٥ ح ٤.

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إسحاق عن سعيد الأعرج إلى قوله : «فلتستأنف بعد الحج» (١) ، والرواية بكلا طريقيها ضعيفة ، فإنّ إبراهيم الواقع في السند إن كان هو النهاوندي فهو ضعيف وإن كان غيره فمجهول. على أن الطريق الأوّل فيه إرسال والطريق الثاني فيه محمّد بن سنان ، هذا مضافاً إلى أنها لا تدل على بطلان الأشواط الثلاثة وعدم جواز إتمامها بأربعة أشواط بعد الطهر فيما إذا تمكنت من ذلك ، بل هي تدل على وجوب العدول إلى الحج ، وموردها من لا يتمكن من الطواف قبل الحج ، وهو خارج عن محل الكلام كما هو المفروض في الرواية فيمن حاضت بعد أربعة أشواط.

ومنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ ، قال : «حدثني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : في المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثمّ حاضت فمتعتها تامّة ، وتقضي ما فاتها من الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ، وتخرج إلى منى قبل أن تطوف الطواف الآخر» (٢).

ورواه الشيخ الكليني عن إسحاق بياع اللؤلؤ إلى قوله : «فمتعتها تامّة» (٣) ، فإن الرواية تدل بمفهومها على عدم تمامية المتعة لها إذا طافت أقل من أربعة أشواط ولكنّها ضعيفة بأبي إسحاق صاحب اللؤلؤ كما عن الشيخ وبإسحاق بياع اللّؤلؤ كما عن الكليني ، وبالإرسال. على أن موردها أيضاً من لا تتمكن من الطواف قبل الحج فلا دلالة لها على فساد الأشواط الثلاثة وعدم جواز إتمامها بعد الطهر إذا أمكنها ذلك.

ومنها : ما رواه الشيخ الكليني عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عمن ذكره عن أحمد بن عمر الحلال عن أبي الحسن (عليه السلام) ، قال : «سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثمّ اعتلت ، قال : إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بالصفا والمروة وجاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت ، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوّله» (٤).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٥٦ / أبواب الطواف ب ٨٦ ح ١ ، التهذيب ٥ : ٣٩٣ / ١٣٧١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٤٦ / أبواب الطواف ب ٨٦ ح ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٩٣ / ١٣٧٠.

(٣) الكافي ٤ : ٤٤٩ / ٤.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٥٤ / أبواب الطواف ب ٨٥ ح ٢ ، الكافي ٤ : ٤٤٩ / ٣.

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : ما رواه الشيخ الكليني بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة فجاوزت النصف فعلمت ذلك الموضع ، فإذا طهرت رجعت فأتمت بقيّة طوافها من الموضع الذي علمته ، فإن هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوّله» (١) وهذه الرواية وإن كانت دلالتها على بطلان الطواف ظاهرة إلّا أنها ضعيفة ، فإن في سندها سلمة بن الخطاب ولم تثبت وثاقته ، وقال النجاشي : إنه ضعيف في حديثه (٢).

وذهب الشيخ الصدوق (قدس سره) إلى الصحّة وجواز إتمام الطواف بعد الطهر والاغتسال ، قال في الفقيه : وروى حريز عن محمّد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة طافت ثلاثة أطواف أو أقل من ذلك ثمّ رأت دماً ، فقال : تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت منه واعتدت بما مضى» ، وروى العلاء عن محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) مثله. قال مصنف هذا الكتاب (رضي الله عنه) : وبهذا الحديث افتي دون الحديث الذي رواه ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عمّن سأل أبا عبد الله (عليه السلام) ، لأنّ هذا الحديث إسناده منقطع والحديث الأوّل رخصة ورحمة وإسناده متصل. انتهى (٣).

أقول : الرواية التي تمسك بها الشيخ الصدوق (قدس سره) وإن كانت صحيحة ولا يعارضها ما تقدّم من الروايات الضعيفة إلّا أنها لم ترد في طواف الفريضة وإنما هي مطلقة ، فترفع اليد عن إطلاقها وتحمل على النافلة.

قال الشيخ (قدس سره) بعد ذكره لصحيحة محمّد بن مسلم مع اختلاف يسير : إنه محمول على النافلة ، لأنّا قد بيّنا فيما مضى أن طواف الفريضة متى نقص عن النصف يجب على صاحبه استئنافه من أوّله ، ويجوز له في النافلة البناء عليه ، وفيه غنى إن

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٥٣ / أبواب الطواف ب ٨٥ ح ١ ، الكافي ٤ : ٤٤٨ / ٢.

(٢) رجال النجاشي : ١٨٧ / ٤٩٨.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤١ / ١١٥٤.

٢٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

شاء الله (١).

توضيح ذلك : أنه قد تقدّم (٢) أنه متى نقص طواف الفريضة عن النصف وأحدث الطائف وخرج ليتوضّأ بطل طوافه بخلاف النافلة ، وهذا يقتضي البطلان بحدوث الحيض لا محالة ، على أن الحائض لا تخلو أيّام حيضها من سائر الأحداث ، فإذن تحمل الرواية على النافلة ، وكأن الحكم بالبطلان على ما ذهب إليه المشهور هو الصحيح ، هذا ولو فرضنا أن الصحيحة كانت معارضة لتلك الروايات فبما أن الطواف عمل واحد وتعتبر فيه الموالاة فلا مناص عن القول بالبطلان ولا سيما إذا كان الفصل بأيّام كما هو المفروض في المقام. هذا ومع ذلك فالأحوط هو الإتمام بعد الطهر والإتيان بطواف كامل ، ويكفي في الاحتياط الإتيان بطواف كامل بقصد الأعم من الإتمام والتمام.

الصورة الثانية : أن يطرأ الحيض قبل إتمام أربعة أشواط ولم يسع الوقت لإتمام الطّواف بعد الطهر أو استئنافه ، وهذا يدخل في المسألة السابقة فتعدل إلى حج الإفراد على المشهور ، وتتخير بينه وبين إتمام العمرة بدون طواف وتقضي الطّواف بعد رجوعها إلى مكّة وبعد الموقفين على المختار ، ولا فرق في ذلك بين القول بجواز فصل الحيض بين الأشوط وعدمه ، فإن جواز الفصل في نفسه لا يقتضي جواز تأخير بعض الأشواط عن الوقوفين مع عدم دليل على ذلك ، وحيث لا دليل في المقام فيتعيّن العدول إلى الإفراد أو التخيير بينه وبين إتمام العمرة من دون طواف وقضائه بعد ذلك ولكن ظاهر كلام الصدوق (٣) (قدس سره) هو جواز الإتمام في هذه الصورة أيضاً ولا يمكن المساعدة عليه بوجه.

الصورة الثالثة : أن يطرأ الحيض بعد إكمال الشوط الرابع ، والمشهور فيها صحّة الطواف والعمرة فتتم طوافها بعد الطهر قبل الحج في سعة الوقت وبعد الوقوفين

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٩٧ / ١٣٨٠.

(٢) بل يأتي في شرائط الطواف مسألة ٢٨٥ من شرح المناسك.

(٣) كما في المختلف ٤ : ٣٤٨ المسألة ٢٩٢.

٢٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

والرجوع إلى مكّة مع ضيق الوقت وعدم إمكان الإتمام قبل الحج ، وعن الحلِّي (قدس سره) بطلان الطواف بحدوث الحيض في هذه الصورة أيضاً (١) ، وقيل : إنه تبعه على ذلك بعض المتأخرين.

واستدل للمشهور بما دلّ على أن المرأة إذا حاضت بعد أربعة أشواط فقد تمّت متعتها ، لكنّك قد عرفت أن ما دلّ على ذلك ضعيف السند ، ولا أساس للقول بانجبار ضعف السند بقول المشهور ، وعليه فالقول بالبطلان هو الصحيح ، فإن الطواف كما عرفت عمل واحد يعتبر فيه الموالاة ومع الفصل بين الأشواط ولا سيما إذا كان الفصل بأيّام يحكم بالبطلان لا محالة ، وعليه فإن كان الوقت واسعاً استأنفت الطواف بعد الطّهر وأتمّت عمرتها ، وإن كان ضيقاً ولو من جهة أنها لا تطهر إلى آخر زمان يمكن فيه الخروج إلى الحج فهذا يدخل في المسألة السابقة ، والمختار فيها عندنا هو التخيير على ما عرفت ، ولكن الأحوط في الفرض الأوّل وفي هذا الفرض أن تجمع بين الإتمام والتمام كما مرّ.

هذا كلّه فيما إذا حاضت المرأة في أثناء الطواف ، وأمّا إذا حاضت بعد الطواف وقبل صلاته فلا ينبغي الريب في صحّة طوافها ، فإنه لو قيل بأن حدوث الحيض بعد أربعة أشواط لا يوجب البطلان ويجوز لها الإتيان ببقيّة الأشواط بعد أعمال الحج فالحكم بالصحّة في المقام أولى ، لأنّ كلّاً منهما عمل مستقل ، وإن لم نقل بذلك كما هو المختار عندنا ، فمقتضى القاعدة أيضاً الصحّة ، إذ لا موجب لبطلانه بالحيض اللاحق ، نعم يتحقق الفصل بين الطواف والصلاة ولا بأس به إذا كان غير اختياري لها ، كما إذا عجز الطائف من الصلاة لمانع آخر كالمرض والكسر ونحوهما ، فتأتي بالصلاة بعد ارتفاع الحيض ثمّ تأتي بأعمال الحج ، هذا إذا كان الوقت واسعاً ، وإن لم يسع الوقت فتسعى وتقصر وتصلي بعد رجوعها إلى مكّة ، كما هو الحال في قضاء الطواف. وأمّا احتمال العدول إلى الإفراد فساقط جزماً ، لأنّ أدلّة العدول وردت في من لا يتمكّن من الطواف لا الصلاة.

__________________

(١) السرائر ١ : ٦٢٣.

٢٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ويكفينا في الحكم بالصحّة صحيح زرارة ، قال : «سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل أن تصلّي الركعتين ، فقال : ليس عليها إذا طهرت إلّا الركعتين وقد قضت الطّواف» (١) ، ونحوه صحيح معاوية بن عمّار ، قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة طافت بالبيت ثمّ حاضت قبل أن تسعى ، قال : تسعى» (٢) ، ومورده وإن كان حدوث الحيض قبل السعي ولكن إطلاقه يشمل قبل الصلاة وبعدها. وتؤيدهما رواية أبي الصباح الكناني قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة طافت بالبيت في حج أو عمرة ثمّ حاضت قبل أن تصلّي الركعتين ، قال : إذا طهرت فلتصل ركعتين عند مقام إبراهيم وقد قضت طوافها» (٣) ، وقوله : «ليس عليها إلّا الركعتين» في صحيح زرارة ظاهر في أن الطّواف طواف الفريضة.

والمتحصل : أنّ الطّواف لا يبطل بالحيض الطارئ بعده ولا يضر الفصل بأيّام بينه وبين صلاته ، فإن كان الوقت واسعاً تصلّي بعد الطهر قبل السعي لعدم الدليل على جواز تأخيرها عن السعي مع التمكّن ، وإن كان ضيقاً فتسعى وتصلّي بعد رجوعها إلى مكّة بعد الوقوفين.

ثمّ إنّ المصنف (قدس سره) ذكر أنها تقضي بقيّة طوافها قبل طواف الحج أو بعده ولكن مقتضى صحيح العلاء (٤) أنها تطوف أوّلاً طوافاً لعمرتها ثمّ تطوف طوافاً للحج ثمّ طواف النّساء.

والحمد لله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٥٨ / أبواب الطواف ب ٨٨ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٥٩ / أبواب الطواف ب ٨٩ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٥٨ / أبواب الطواف ب ٨٨ ح ٢.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٤٨ / أبواب الطواف ب ٨٤ ح ١.

٢٥٨

فصل

في المواقيت

وهي المواضع المعيّنة للإحرام أُطلقت عليها مجازاً أو حقيقة متشرعيّة والمذكور منها في جملة من الأخبار خمسة ، وفي بعضها ستة ، ولكن المستفاد من مجموع الأخبار أن المواضع التي يجوز الإحرام منها عشرة :

أحدها : ذو الحُليفة ، وهي ميقات أهل المدينة ومن يمرّ على طريقهم ، وهل هو مكان فيه مسجد الشجرة أو نفس المسجد؟ قولان ، (١) وفي جملة من الأخبار أنه

______________________________________________________

(١) ذكر المصنف (قدس سره) عشرة مواقيت ، الخمسة الأُول منها تختص بمن كان بعيداً عن مكّة بمسافة معيّنة ، سنتعرض إليها إن شاء الله تعالى ، وهذه المواقيت مسلّمة لا كلام فيها ، وأمّا الخمسة الباقية فلهم فيها بحث سنذكر كلّاً منها في محله.

الأوّل : ذو الحليفة ، وقد اتفقت كلمة الفقهاء في أنه ميقات أهل المدينة ومن يمر على طريقهم ، والروايات في ذلك متظافرة ، منها : صحيحة الحلبي «ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة» (١).

إنما الكلام في أن الميقات المكان الذي فيه المسجد أو نفس المسجد؟ ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار ، ففي بعضها أنه ذو الحليفة وفي بعضها أنه الشجرة وفي بعضها أن ذا الحليفة هو مسجد الشجرة ، وذكر في المتن أن الأحوط الاقتصار على نفس المسجد ، لحمل المطلق وهو ذو الحليفة على المقيّد وهو المسجد.

أقول : لو كان الأمر كما ذكره المصنف (عليه الرحمة) من تعيين مسجد الشجرة ميقاتاً في الأخبار فما ذكره من حمل المطلق على المقيّد هو الصحيح ، لأنّ ذا الحليفة إن كان اسماً لنفس المسجد فالأمر واضح وإن كان المراد بذي الحليفة المكان الذي فيه

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٠٨ / أبواب المواقيت ب ١ ح ٣.

٢٥٩

هو الشجرة ، وفي بعضها أنه مسجد الشجرة ، وعلى أيّ حال فالأحوط الاقتصار على المسجد ، إذ مع كونه هو المسجد فواضح ومع كونه مكاناً فيه المسجد فاللّازم حمل المطلق على المقيّد (*) ، لكن مع ذلك الأقوى جواز الإحرام من خارج المسجد ولو اختياراً وإن قلنا إن ذا الحليفة هو المسجد ، وذلك لأنّ مع الإحرام من جوانب المسجد يصدق الإحرام منه عرفاً ، إذ فرق بين الأمر بالإحرام من المسجد أو بالإحرام فيه ، هذا مع إمكان دعوى أن المسجد حد للإحرام فيشمل جانبيه مع محاذاته ، وإن شئت فقل : المحاذاة كافية (**) ولو مع القرب من الميقات.

______________________________________________________

المسجد فليس المراد بالإحرام منه الإحرام من كل جزء من أجزاء تلك البقعة ، بل المراد جواز الإحرام من أي مكان من تلك البقعة سواء أكان من نفس المسجد أو من خارجه وحواليه ، فإذا ورد دليل على لزوم الإحرام من نفس المسجد تكون نسبته إلى الأوّل نسبة المقيّد إلى المطلق.

هذا ولكن الأمر ليس كذلك ، فإن المذكور في الأخبار ذو الحليفة وفي بعضها الشجرة ، ولا يبعد أن تكون الشجرة اسماً لذي الحليفة فيكون لهذا المكان اسمان أحدهما ذو الحليفة والآخر الشجرة ، ولم يرد في شي‌ء من الروايات الأمر بالإحرام من مسجد الشجرة أو أنه الميقات ليكون مقيّداً فيحمل المطلق عليه كما يدعيه المصنف ، بل الوارد فيها أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة وهي الشجرة ، كما أنه ورد فيها أن ذا الحليفة هو مسجد الشجرة (١) ، فلا موضوع لحمل المطلق على المقيّد.

__________________

(*) لم يرد في شي‌ء من الروايات الأمر بالإحرام من مسجد الشجرة أو أنه الميقات ، بل الوارد فيها أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة وهي الشجرة ، كما أنه ورد فيها أن ذا الحليفة هو مسجد الشجرة فلا موضوع لحمل المطلق على المقيّد ، وغير بعيد أن يكون مسجد الشجرة اسماً لمنطقة فيها المسجد كما هو كذلك في مسجد سليمان.

(**) يأتي الكلام على كفاية المحاذاة [في الميقات التاسع].

(١) الوسائل ١١ : ٣٠٨ / أبواب المواقيت ب ١ ح ٣ ، ٧.

٢٦٠