موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

.................................................................................................

______________________________________________________

بالحج ودخل وهو محرم بالحج» (١).

ومحل الاستشهاد قوله (عليه السلام) : «كان أبي مجاوراً هاهنا» إلى آخر الحديث إلّا أنّها لمعارضتها بما تقدّم من الأخبار لا يمكن الاعتماد عليها. على أنّها مشوّشة المتن لأنّ الجواب بقوله (عليه السلام) : «كان أبي مجاوراً هاهنا» إلى آخر الحديث ، لا يرتبط بالسؤال ، لأنّ السائل إنما سأل عن إحرام عمرة التمتّع والإمام (عليه السلام) حكم بالعمرة ثانياً إذا رجع في غير الشهر الذي تمتّع فيه ، ثمّ سأل السائل أنّه دخل في نفس الشهر الذي خرج فيه ، فالسؤال متمحض في حكم العمرة ، فالجواب بالإهلال بالحج ، وأن أباه (عليه السلام) أحرم بالحج ودخل وهو محرم بالحج لا يرتبط بالسؤال ولعلّ الجواب سقط في البين أو أنه (عليه السلام) أعرض عن الجواب تقيّة ونحوها وأجاب بأمر آخر أجنبي عن السؤال.

والذي يؤكِّد ما ذكرنا من عدم التئام الجواب مع السؤال أنّ أباه (عليه السلام) إذا كان متمتِّعاً بالحج فكيف خرج قبل الحج ، ثمّ إنّه (عليه السلام) متى كان مجاوراً في مكّة؟ وما هو المراد من المجاورة؟ هل جاور مدّة سنتين أو أقل؟ كل ذلك غير ثابت فلا بدّ من ردّ علم هذه الرواية إلى أهلها.

وأمّا حمل الحج فيها على العمرة كما في المتن وزعم أنّه أحسن المحامل فبعيد جدّاً لوجهين :

أحدهما : التقابل بين العمرة والحج في الرواية ، ففي صدرها يذكر العمرة وفي الذيل يذكر الإهلال بالحج ، فإن التقابل يقتضي إرادة الحج في قبال العمرة ، والحج وإن كان قد يطلق على عمرة التمتّع ولكن التقابل في الذكر يقتضي الافتراق.

ثانيهما : أنه (عليه السلام) بعد ما حكم بوجوب الإحرام إذا دخل في غير الشهر الذي تمتّع فيه سأله السائل أنه دخل في نفس الشهر الذي خرج فيه وأنّه هل يجب عليه الإحرام للعمرة لدخول مكّة؟ فأجابه الإمام (عليه السلام) بأنّ أباه (عليه السلام)

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٠٣ / أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٨.

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

أحرم من ذات عرق بالحج ودخل وهو محرم بالحج ، وذلك غير مرتبط بالسؤال أصلاً ولا يتلائم مع السؤال أبدا.

وبالجملة : لا ينبغي الريب في وجوب الإحرام بالحج من مكّة المشرفة ولا يجوز من خارجها ، والأفضل من مقام إبراهيم (عليه السلام) أو حجر إسماعيل كما في صحيح معاوية بن عمّار (١) ، وذكر بعضهم من تحت الميزاب ، ولم نعثر له على دليل ، نعم هو جزء للحجر.

فتحصل : أن مكّة المعظمة ميقات لحج التمتّع ، وحالها حال سائر المواقيت التي يجب الإحرام منها ، فإن تمكن من ذلك فهو وإلّا فيحرم من أي مكان هو فيه ، فلو فرضنا أنه خرج من مكّة بدون الإحرام ناسياً ولم يمكن له الرجوع إليها يحرم من مكانه ويذهب إلى عرفات ، وهذا الحكم وإن لم يرد فيه نص بالخصوص ولكنه مما قام عليه الإجماع والتسالم ، ويمكن استفادته من عدّة روايات (٢) وردت فيمن تجاوز الميقات بلا إحرام ولم يمكن له الرجوع إلى الميقات لخوف فوت الأعمال ، وهذه الروايات وإن كان موردها إحرام العمرة إلّا أنه يمكن التعدي من موردها إلى غيره للتعليل بخوف فوت الأعمال المذكور في الروايات ، فيعلم من ذلك أن الإحرام من الميقات مشروط بالتمكن من إدراك الموقف فإذا خاف الفوت أحرم من مكانه.

وأمّا إذا أتى الموقف ووصل إليه بدون الإحرام ناسياً ولم يمكن له الرجوع إلى مكّة لضيق الوقت ونحوه ، أحرم من مكانه أيضاً.

ويدلُّ عليه صحيحتا علي بن جعفر ، قال : «سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر وهو بعرفات فما حاله؟ قال يقول : اللهمّ على كتابك وسنّة نبيّك فقد تمّ إحرامه» (٣) وقال في الأُخرى : «عن رجل كان متمتعاً خرج إلى عرفات وجهل أن

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٠٧ / أبواب الإحرام ب ٥٢ ح ١.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٢٨ / أبواب المواقيت ب ١٤.

(٣) الوسائل ١١ : ٣٣٨ / أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ٣.

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده ، قال : إذا قضى المناسك كلّها فقد تمّ حجّه» (١) ويعلم منهما أن شرطية الإحرام من مكّة للحج إنما هي في حال التمكّن وموردهما وإن كان خصوص الجاهل والناسي ولكن المتفاهم منهما شمول الحكم لمطلق العذر وعدم اختصاصه بمورد الجهل والنسيان ، وإنما خصّ الجهل والنسيان بالذكر لعدم تمكن الإحرام من الميقات في موردهما وإلّا فلا خصوصية لهما.

ولو أحرم من غير مكّة اختياراً متعمداً والحال أنه متمكن من الإحرام منها بطل إحرامه ولا يجتزئ به ، لأنه غير مأمور به ، وإجزاء غير المأمور به عن المأمور به على خلاف القاعدة ويحتاج إلى الدليل وهو مفقود.

ولو فرضنا أنه أحرم من غير مكّة متعمداً ولكنه رجع إلى مكّة ثانياً فهل يجزئه هذا الإحرام أو يلزم عليه التجديد والإحرام ثانياً من مكّة؟ نسب إلى بعض العامّة صحّة الإحرام وعدم لزوم التجديد ، لأنّ المطلوب منه أمران أحدهما الإحرام والآخر كونه في مكّة وهما حاصلان ، ولكنه فاسد جدّاً ، لأنّ إحرامه من خارج مكّة في حكم العدم فلا بدّ من تجديد الإحرام من مكّة بلا خلاف بيننا.

ولو أحرم من غير مكّة جهلاً أو نسياناً فإن أمكنه الرجوع إلى مكّة فلا كلام في لزوم العود إليها حتى يحرم ، إذ لا دليل على جواز الاجتزاء بذلك ، ومجرّد الجهل أو النسيان لا يجدي في الحكم بالصحّة.

وأمّا إذا لم يتمكن من الرجوع إلى مكّة فهل يجزي الإحرام الأوّل أو يجب عليه التجديد في مكانه ، لأنّ الإحرام الأوّل لا دليل على الاجتزاء به؟ نسب إلى الشيخ في الخلاف (٢) والعلّامة في التذكرة (٣) الاجتزاء ، وعلله بعضهم بأنه لا اثر للتجديد لمساواة ما فعله لما يستأنفه ويجدده ، فإن ما يجدده عين ما أتى به أوّلاً. واستدلّ أيضاً بأصالة

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٣٨ / أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ٢.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٦٥ المسألة ٣١.

(٣) التذكرة ٧ : ١٩٣.

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

البراءة عن لزوم التجديد.

وأشكل عليه في الجواهر بأنّ ما أوقعه أوّلاً لم يكن بمأمور به فهو فاسد فلا بدّ من إتيان الإحرام الصحيح المأمور به ، ومجرد كون الثاني مساوياً للأوّل في الكون في غير مكّة لا أثر له ، لأنّ الإحرام الأوّل فاسد فهو كالعدم ، وليس النسيان مصححاً وإنّما هو عذر في عدم وجوب العود ، وذلك لا يوجب الاجتزاء بالإحرام الأوّل. وأمّا أصالة البراءة فلا مجال لها مع الإطلاقات الدالّة على الإتيان بالإحرام الصحيح ، وما أتى به غير صحيح على الفرض ، وقد عرفت أن مجرّد النسيان لا يصحح الإحرام وإنما هو عذر لترك الواجب ، فالحكم بالصحّة يحتاج إلى الدليل وهو مفقود (١). وما ذكره صحيح متين.

ثمّ إن مقتضى إطلاق كلام المصنف (قدس سره) عدم جواز الاكتفاء بإحرام من أحرم من غير مكّة ناسياً أو جاهلاً ولو كان حين الإحرام غير متمكن من الرجوع إلى مكّة واقعاً حتى إذا كان متذكراً ، كما أن صاحب الجواهر (قدس سره) تأمل في الحكم بالصحّة في الصورة المذكورة ، ولكن لا يبعد جواز الاكتفاء بإحرامه إذا كان حينه غير متمكِّن من الرجوع إلى مكّة واقعاً ، لأنه قد أتى بما هو مكلف به واقعاً وهو الإحرام من هذا المكان لفرض عدم إمكان العود ، فإحرامه صحيح وإن لم يعرف سببه ، بل تخيل واعتقد أنّ الإحرام من هذا المكان جائز في نفسه وأنّه بحسب الوظيفة الأوّلية مع أنّ الأمر ليس كذلك وإنما جاز له الإحرام في هذا المكان لعجزه عن العود إلّا أنّ هذا الاعتقاد غير ضائر في صحّة عمله وإحرامه بعد فرض مصادفته للأمر به واقعاً ، فلا بدّ من التفصيل بين الإحرام الصادر عنه جهلاً أو نسياناً في حال التمكن من الرجوع إلى مكّة فيحكم ببطلانه ، لعدم كونه مأموراً به وبين الإحرام الصادر عنه في حال العجز عن العود إلى مكّة فيحكم بصحّته ، لانقلاب وظيفته الواقعية إلى الإحرام من هذا المكان وإن لم يعلم به.

__________________

(١) الجواهر ١٨ : ٢١ ، ٢٢.

٢٠٤

الخامس : ربّما يقال أنه يشترط فيه أن يكون مجموع عمرته وحجّه من واحد وعن واحد ، فلو استؤجر اثنان لحج التمتّع عن ميت أحدهما لعمرته والآخر لحجّة لم يجزئ عنه ، وكذا لو حجّ شخص وجعل عمرته عن شخص وحجّه عن آخر لم يصح ولكنّه محل تأمّل ، بل ربّما يظهر من خبر محمّد بن مسلم (*) عن أبي جعفر (عليه السلام) صحّة الثاني حيث قال : «سألته عن رجل يحج عن أبيه أيتمتّع؟ قال : نعم المتعة له والحج عن أبيه» (١).

______________________________________________________

(١) أمّا الأوّل وهو استئجار شخصين لحج التمتّع أحدهما لعمرته والآخر لحجة فلا ينبغي الريب في عدم جوازه ، لأنّ كل واحد من العمرة والحج المتمتع بهما مشروع لمن أتى بالآخر ، وأمّا إذا لم يأت بأحدهما فلا يشرع له الآخر ، لأنّ الإحرام لحج التمتّع من مكّة إنما يشرع لمن أتى قبله بالعمرة ، كما أن عمرة التمتّع مشروعة لمن يحرم للحج من مكّة ، فالتفكيك بينهما غير مشروع.

وأمّا الثاني وهو أن يأتي شخص واحد بالعمرة والحج ولكن يجعل عمرته عن شخص وحجّه عن آخر فقد تأمل فيه في المتن ، بل استظهر الجواز من صحيح محمّد ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال «سألته عن رجل يحج عن أبيه أيتمتّع؟ قال : نعم المتعة له والحج عن أبيه» (١).

ولكن الظاهر أن ذلك غير جائز أيضاً ، لأنّ المستفاد من الروايات (٢) الدالّة على أن العمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة كونهما عملاً واحداً وإن تخلل الفصل بينهما بالإحلال ، فكل منهما جزء لواجب واحد وليس لكل منهما أمر مستقل لينوب أحد عن شخص في أحدهما وينوب في الجزء الآخر عن شخص آخر ، فإن العمل الواحد

__________________

(*) لا يظهر منه ذلك والأحوط إن لم يكن أقوى عدم جواز التبعيض ، نعم لا بأس بالتمتع عن الام والحج عن الأب ولا ذبح فيه للنص ولا يتعدى عن مورده.

(١) الوسائل ١١ : ٢٠١ / أبواب النيابة في الحج ب ٢٧ ح ١.

(٢) الوسائل ١١ : ٢١٢ / أبواب أقسام الحج ب ٢.

٢٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

غير قابل للتبعيض ، نظير عدم جواز التبعيض في نيابة الصلاة بأن يجعل الركعة الأُولى عن زيد والركعة الثانية عن عمرو ، فكذا الصوم بأن يجعل نصف النهار عن شخص والنصف الآخر عن شخص آخر وهكذا ، فإن الأجزاء ليس لها أمر مستقل لتصح النيابة فيها ، والعمل الواحد يقع عن واحد ، فتقع العمرة عمن يقع عنه الحج وكذلك العكس ، ولا يمكن التفريق والتفكيك بينهما.

وأمّا الصحيح الذي استدل به المصنف (قدس سره) لجواز التفريق تبعاً لصاحب الوسائل حيث ذكر في عنوان الباب جواز نيّة الإنسان عمرة التمتّع عن نفسه وحج التمتّع عن أبيه (١) فلا يصح الاستدلال به ، لأنه مبني على أن يكون المراد من قوله «أ يتمتّع» عمرة التمتّع ، وكذلك يبتني على أن تحمل المتعة في قوله «المتعة له» على عمرة التمتّع وهذا غير ظاهر ، فإن كلمة المتعة وإن استعملت في بعض الروايات في عمرة التمتّع إلّا أنه خلاف الظاهر المتفاهم منها عرفاً ، فإن الظاهر أن المراد بها معناها اللغوي وهو الالتذاذ.

بيان ذلك : أنّ الراوي سأل الإمام (عليه السلام) عمن يحج عن أبيه أيتمتّع أي هل له أن يأتي بحج التمتّع ، مع أنّ المنوب عنه إذا كان ميتاً كما هو ظاهر السؤال غير قابل للتمتّع بالنساء والطيب وغيرها في الفصل بين الفراغ من العمرة والشروع في إحرام الحج ، فأجاب (عليه السلام) بجواز ذلك وأن الحج عن أبيه والمتعة أي الالتذاذ بالمذكورات لك ، فالرواية أجنبيّة عما توهمه الماتن وصاحب الوسائل. ولو أغمضنا عن ذلك فلا ريب في جواز حمل الرواية على ما ذكرناه فتصبح مجملة فلا يمكن الاستدلال بها على جواز التفريق.

ثمّ إن هذا المعنى الذي ذكرناه يظهر من الصدوق في الفقيه ، لأنه (قدس سره) ذكر في عنوان الباب باب المتمتع عن أبيه (٢) وكذلك المجلسي الأوّل استظهر هذا المعنى من

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٠١ / أبواب النيابة في الحج ب ٢٧.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٧٣.

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الحديث في كتابه روضة المتّقين (١). نعم انّه (قدس سره) استدلّ على جواز التفريق وجعل العمرة عن شخص والحج عن آخر بخبر الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل تمتع عن امّه وأهل بحجه عن أبيه ، قال : إن ذبح فهو خير له وإن لم يذبح فليس عليه شي‌ء ، لأنه إنما تمتع عن امّه وأهل بحجه عن أبيه» (٢) ووصفه بالصحّة والاعتبار.

والخبر كما ترى صريح في جواز التفريق بين عمرة التمتّع وحجّه وجواز جعلهما لاثنين ، إنما الكلام في السند فإن فيه صالح بن عقبة وهو لم يوثق في كتب الرجال ، بل ابن الغضائري ضعفه ، وقال : غال كذاب لا يلتفت إليه ، وتبعه العلّامة (٣) ، ولكن التضعيف المنسوب إلى ابن الغضائري لا يعارض توثيق ابن قولويه له في كامل الزيارات وعلي بن إبراهيم القمي في تفسيره ، لما ذكرنا غير مرّة أن نسبة الكتاب إلى ابن الغضائري لم تثبت ، وأمّا تضعيف العلّامة فلا عبرة به لأنه أخذه من كتاب ابن الغضائري فالرجل من الثقات ، ولا كلام في وثاقة بقيّة رجال السند ، فالخبر معتبر لا مانع من الأخذ بمضمونه والحكم بجواز التفريق بين عمرة التمتّع وحجّه وجعلهما عن اثنين.

إلّا أن الخبر حيث إنه مخالف لما تقتضيه القاعدة كما عرفت فلا بدّ من الاقتصار على مورده بالالتزام بجواز التفريق في حج التمتّع عن أبيه وأُمّه ، بان يجعل عمرة التمتّع عن امّه وجعل حجّه عن أبيه لا جواز مطلق التفريق ولو عن غير امّه وأبيه ، فلا نتعدّى عن مورده كما صنع صاحب الوسائل حيث جعل (قدس سره) مضمون صحيح ابن مسلم عنواناً للباب السابع والعشرين من النيابة (٤) وبذلك يظهر الحال

__________________

(١) قال (رحمه الله) عند شرحه لصحيح محمّد بن مسلم : مع أنه لا فائدة للأب في التمتّع لأنه لا يمكن له التمتّع بالنساء والطيب والثياب الذي هو فائدة حج التمتّع ، قال (عليه السلام) : نعم المتعة والتمتّع بالأشياء المذكورة له والحج عن أبيه. روضة المتقين ٥ : ٦٥.

(٢) الوسائل ١٤ : ٨٠ / أبواب الذبح ب ١ ح ٥.

(٣) رجال العلّامة (الخلاصة) : ٣٦٠ / ١٤١٩.

(٤) الوسائل ١١ : ٢٠١ / أبواب النيابة في الحج ب ٢٧ ح ١.

٢٠٧

[٣٢٠٩] مسألة ٢ : المشهور أنّه لا يجوز الخروج من مكّة بعد الإحلال من عمرة التمتّع قبل أن يأتي بالحج وأنّه إذا أراد ذلك عليه أن يحرم بالحج فيخرج محرماً به ، وإن خرج مُحلّاً ورجع بعد شهر فعليه أن يحرم بالعمرة ، وذلك لجملة من الأخبار الناهية عن الخروج ، والدالّة على أنّه مرتهن ومحتبس بالحج ، والدالّة على أنه لو أراد الخروج خرج ملبِّياً بالحج ، والدالّة على أنّه لو خرج مُحلّاً فإن رجع في شهره دخل محلّاً وإن رجع في غير شهره دخل محرماً ، والأقوى عدم حرمة الخروج (*) وجوازه محلّاً حملاً للأخبار على الكراهة كما عن ابن إدريس (١)

______________________________________________________

بالنسبة إلى صحيح ابن مسلم فإنّه لو سلمنا ظهوره في التفريق نلتزم بجوازه في خصوص الحج عن الأب ، فالمتبع في غير ذلك هو القاعدة المقتضية لعدم جواز التفريق كما هو الحال في التفريق في صوم يوم واحد وصلاة واحدة.

(١) المعروف والمشهور أو الأشهر أنه لا يجوز للمتمتع بعد الإتيان بعمرته الخروج من مكّة وأنه محتبس ومرتهن بالحج إلى أن يأتي بالحج إلّا مع الاضطرار والحاجة إلى الخروج فيخرج محرماً للحج ، فإن رجع في شهره إلى مكّة فيخرج إلى الحج من دون إحرام جديد ، وإن رجع في غير شهره يحرم من جديد ويلغي إحرامه الأوّل ، وإن خرج محلّاً ورجع في شهره يرجع محلا ويحرم من مكّة بالحج ، وإن رجع بعد شهر فعليه أن يحرم بالعمرة ويدخل.

وقد دلّت على هذه الأحكام روايات كثيرة معتبرة واضحة الدلالة.

فمنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال «قلت له : كيف أتمتع؟ قال : تأتي الوقت فتلبي إلى أن قال : وليس لك أن تخرج من مكّة حتى تحج» (١).

ومنها : صحيحة أُخرى لزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : كيف أتمتع؟ فقال : تأتي الوقت فتلبي بالحج إلى أن قال : وهو

__________________

(*) بل لا يبعد الحرمة ، وما استدل به على الجواز لا يتم.

(١) الوسائل ١١ : ٣٠١ / أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ١.

٢٠٨

(رحمه الله) وجماعة أُخرى بقرينة التعبير بـ (لا أحبّ) في بعض تلك الأخبار وقوله (عليه السلام) في مرسلة الصدوق (قدس سره) : «إذا أراد المتمتِّع الخروج من مكّة إلى بعض المواضع فليس له ذلك لأنه مرتبط بالحج حتى يقضيه إلّا أن يعلم أنه لا يفوته الحج» ونحوه الرضوي ، بل وقوله (عليه السلام) في مرسل أبان : «ولا يتجاوز إلّا على قدر ما لا تفوته عرفة» ، إذ هو وإن كان بعد قوله : «فيخرج محرماً» إلّا أنه يمكن أن يستفاد منه أن المدار فوت الحج وعدمه ، بل يمكن أن يقال : إنّ المنساق من جميع الأخبار المانعة أن ذلك للتحفّظ عن عدم إدراك الحج وفوته لكون الخروج في معرض ذلك ، وعلى هذا فيمكن دعوى عدم الكراهة أيضاً مع علمه بعدم فوات الحج منه ، نعم لا يجوز الخروج لا بنية العود أو مع العلم بفوات الحج منه إذا خرج.

______________________________________________________

محتبس ليس له أن يخرج من مكّة حتى يحج» (١).

ولكن المصنف تبعاً لجماعة اختار الجواز وحمل الروايات الناهية على الكراهة ، بل ذكر (قدس سره) أنه يمكن دعوى عدم الكراهة أيضاً مع علمه بعدم فوات الحج منه واستشهد بوجوه :

منها : التعبير بقوله «ما أُحب» في صحيح الحلبي ، قال (عليه السلام) : «وما أُحبّ أن يخرج منها إلّا محرماً» ، فإن قوله «وما أُحب» ظاهر في الكراهة فنرفع اليد عن ظهور بقيّة الأخبار في المنع.

وفيه : ما لا يخفى ، فإن جملة «لا أُحب» غير ظاهرة في الكراهة بالمعنى الأخص بل استعملت في القرآن المجيد في الموارد المبغوضة المحرمة كثيراً ، كقوله تعالى (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) (٢) وقوله عزّ وجلّ (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ) (٣) وهو الغيبة المحرمة

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٠٢ / أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٥ ، ٧.

(٢) البقرة ٢ : ٢٠٥.

(٣) النساء ٤ : ١٤٨.

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذلك ما نسب إلى الذوات كقوله عزّ من قائل (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ*) (١) (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ*) (٢) (فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) (٣) وغير ذلك من الآيات الكريمة فإنّ الظاهر منها أنّه تعالى لا يحبّهم لأجل إسرافهم واعتدائهم وكفرهم وظلمهم ولمبغوضية هذه الأفعال عنده تعالى ، بل تستعمل هذه الجملة في المبغوضية حتى في المحاورات فيما بين العقلاء.

وبالجملة : جملة «لا أُحب» غير ظاهرة في الجواز مع الكراهة ، بل إما تستعمل في المبغوضية المحرمة أو الأعم منها ومن الكراهة ، فلا تكون هذه الجملة صالحة لرفع اليد عن ظهور تلك الروايات في الحرمة.

ومنها : مرسل الصدوق ، قال «قال الصادق (عليه السلام) : إذا أراد المتمتع الخروج من مكّة إلى بعض المواضع فليس له ذلك ، لأنه مرتبط بالحج حتى يقضيه إلّا أن يعلم أنه لا يفوته الحج» (٤) فإن المستفاد منه أن المنع عن الخروج من جهة احتمال فوت الحج ، فلو علم بعدم الفوت فلا يحرم الخروج.

وفيه : ضعف السند بالإرسال وإن كان ظاهر كلام الصدوق ثبوت كلام الصادق (عليه السلام) عنده ، ولذا يقول (قدس سره) قال الصادق (عليه السلام) ، ولو لم يكن كلامه (عليه السلام) ثابتاً عنده لم ينسب الخبر إليه صريحاً بل قال : روي ونحو ذلك ولكن مع ذلك لا نتمكّن من الحكم بحجية المرسلة لسقوط الوسائط بينه وبين الإمام (عليه السلام) ، ولعلّه (قدس سره) بنى على أصالة العدالة التي لا نعتمد عليها ، فمجرّد الثبوت عند الصدوق لا يجدي في الحجية.

ومنها : الرضوي (٥) ، ومضمونه كمضمون المرسل المزبور ، ولكن الفقه الرضوي لم

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٩٠.

(٢) آل عمران ٣ : ٥٧.

(٣) آل عمران ٣ : ٣٢.

(٤) الوسائل ١١ : ٣٠٤ / أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ١٠ ، الفقيه ٢ : ٢٣٨ / ١١٣٩.

(٥) المستدرك ٨ : ٩٩ / أبواب أقسام الحج ب ١٧ ح ١.

٢١٠

ثمّ الظاهر أن الأمر بالإحرام إذا كان رجوعه بعد شهر إنّما هو من جهة أنّ لكل شهر عمرة لا أن يكون ذلك تعبّداً أو لفساد عمرته السابقة أو لأجل وجوب

______________________________________________________

يثبت كونه رواية فضلاً عن كونه موثقاً.

ومنها : خبر أبان وفيه : «فيخرج محرماً ، ولا يجاوز إلّا على قدر ما لا تفوته عرفة» (١) فإن المستفاد منه أنّ المدار في جواز الخروج وعدمه فوت الحج وعدمه.

وفيه : أنه مخدوش سنداً من وجهين ، لأنّ معلى بن محمّد يرويه عمن ذكره ويروي أبان عمن أخبره ، هذا مضافاً إلى أنه يدل على جواز الخروج مع الحاجة محرماً وهو خارج عن محل الكلام.

وأغرب من ذلك قول المصنف : إنّ المنساق من جميع الأخبار المانعة أن ذلك للتحفظ عن عدم إدراك الحج وفوته. إذ كيف يمكن استفادة ذلك من تلك الروايات مع التصريح فيها بعدم جواز الخروج محلا مطلقاً وجوازه محرماً مع الحاجة.

ثمّ إنّ المصنف (قدس سره) بعد ما اختار الجواز وحمل الأخبار الناهية على الكراهة ذكر أنه يمكن دعوى عدم الكراهة أيضاً ، لأنّ الممنوع هو الخروج فيما إذا خاف فوت الحج ، وأمّا لو علم بعدم فوت الحج منه فلا منع أصلاً حتى على وجه الكراهة. وبعبارة اخرى : يظهر من الروايات المانعة أن المنع عن الخروج إرشاد إلى لزوم التحفّظ على إدراك الموقف وعدم فوت الحج عنه وليس حكماً تعبدياً ، فإذا لم يكن خائفاً من الفوت فلا مانع من الخروج حتى على وجه الكراهة.

ولكن قد عرفت عدم إمكان رفع اليد عن ظهور تلك الروايات في المنع بل صراحتها في ذلك.

وربّما يقال بأنّ مرسل موسى بن القاسم عن بعض أصحابنا «أنه سأل أبا جعفر (عليه السلام) في عشر من شوال فقال : إني أريد أن أُفرد عمرة هذا الشهر ، فقال :

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٠٤ / أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٩.

٢١١

الإحرام على من دخل مكّة ، بل هو صريح خبر إسحاق بن عمّار ، قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المتمتِّع يجي‌ء فيقضي متعته ثمّ تبدو له حاجة فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق أو إلى بعض المنازل ، قال (عليه السلام) : يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتّع فيه لأنّ لكل شهر عمرة وهو مرتهن بالحج» إلخ ، وحينئذ فيكون الحكم بالإحرام إذا رجع بعد شهر على وجه الاستحباب لا الوجوب لأنّ العمرة التي هي وظيفة كل شهر ليست واجبة (*) لكن في جملة من الأخبار كون المدار على الدخول في شهر الخروج أو بعده كصحيحتي حمّاد وحفص ابن البختري (**) ومرسلة الصدوق والرضوي ،

______________________________________________________

أنت مرتهن بالحج ، فقال له الرجل : إن المدينة منزلي ومكّة منزلي ولي بينهما أهل وبينهما أموال ، فقال له : أنت مرتهن بالحج ، فقال له الرجل : فإن لي ضياعاً حول مكّة وأحتاج إلى الخروج إليها ، فقال : تخرج حلالاً وترجع حلالاً إلى الحج» (١) صريح في جواز الخروج محلا ، لكن الإشكال في سنده.

وفيه : أن الظاهر كونه أجنبياً عن مورد الكلام ولا أثر له حتى إذا كان معتبراً سنداً ، وذلك لأنّ مورده عمرة الإفراد ومحل كلامنا عمرة التمتّع المرتبطة بالحج ، ولا ريب في جواز الخروج بعد العمرة المفردة ، لأنها عمل مستقل وغير مرتبط بالحج وأمّا قوله : «وأنت مرتهن بالحج» فلا بدّ من حمله على أن الحج كان واجباً عليه وأنه كان حج الإفراد كما يظهر من قوله (عليه السلام) : «وترجع حلالاً إلى الحج» ، فكأنه

__________________

(*) نعم ولكن الإحرام لدخول مكّة واجب إذا كان بعد شهره ، وقد صرّح في صحيحة حماد بن عيسى بأن العمرة الاولى لاغية ولا تكون عمرة التمتّع وإنما التمتّع بالعمرة الثانية.

(**) ليس في صحيحة حفص تعرض لذلك ، وأمّا صحيحة حماد فالمذكور فيها الرجوع في شهره والرجوع في غيره فتحمل بقرينة موثقة إسحاق على أن المراد بالشهر فيها هو الشهر الذي اعتمر فيه.

(١) الوسائل ١١ : ٣٠١ / أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٣.

٢١٢

وظاهرها الوجوب ، إلّا أن تحمل على الغالب من كون الخروج بعد العمرة بلا فصل لكنّه بعيد فلا يترك الاحتياط بالإحرام إذا كان الدخول في غير شهر الخروج (١)

______________________________________________________

(عليه السلام) قال له : يجب عليك الحج وأنت مرتهن به وإن جاز لك الخروج من مكّة ولكن ترجع لأداء الحج. وكيف كان ، فمورد الرواية العمرة المفردة ومحل كلامنا عمرة التمتّع فالرواية أجنبية عن محل الكلام.

(١) ذكر المصنف (قدس سره) في هذا المقام فرعاً آخر وهو أن المعتمر متعةً إذا خرج من مكّة محلّاً سواء كان الخروج جائزاً كما هو المختار عنده أو محرماً كما هو المختار عندنا وأراد الرجوع إلى مكّة بعد شهر فهل يجب عليه الإحرام للدخول إلى مكّة بعمرة أُخرى أو لا يجب؟

اختار الثاني بدعوى أن الأمر بالإحرام من جهة أن لكل شهر عمرة ، وليس ذلك من جهة التعبد أو لفساد عمرته السابقة ، أو لأجل وجوب الإحرام على من دخل مكّة ، وإنما أمر به استحباباً لا على وجه الوجوب ، لأنّ العمرة في كل شهر مستحبة وليست بواجبة فالإحرام يكون مستحباً ، وذكر (قدس سره) أن الحكم بالاستحباب ممّا يدل عليه صريحاً صحيح إسحاق بن عمّار ، قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المتمتع يجي‌ء فيقضي متعة ثمّ تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة وإلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن ، قال : يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتّع فيه لأنّ لكل شهر عمرة ، وهو مرتهن بالحج ، قلت : فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه» الحديث (١) فإن التعليل بأن لكل شهر عمرة صريح في أن الأمر بالإحرام ثانياً لدخول مكّة على وجه الاستحباب ، لأنّ العمرة لكل شهر ليست بواجبة بل هي مستحبّة.

ويرد على ما ذكره أن الصحيحة ناظرة إلى أن العمرتين لا تصحّان في شهر واحد فإذا كان رجوعه في نفس الشهر الذي وقعت فيه الاولى فلا حاجة إلى الثانية ، وإن

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٠٣ / أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٨.

٢١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

كان رجوعه في شهر آخر فلا بدّ من عمرة ثانية ، ولا نظر فيها إلى الاستحباب أصلا.

والذي يكشف عما ذكرناه أن المتعة المعادة في مفروض الرواية هي عمرة التمتّع على ما يظهر من قوله (عليه السلام) : «فإن لكل شهر عمرة ، وهو مرتهن بالحج» فإن الارتهان بالحج يقتضي كون العمرة عمرة التمتّع وأمّا المفردة فهي غير مرتبطة بالحج بوجه ، وقد صرّح بذلك في ذيل صحيحة حماد الآتية ، وهي إمّا واجبة أو غير مشروعة فإن كان الرجوع في نفس الشهر فهي غير مشروعة لأنّ العمرتين لا تصحّان في شهر وإن كان في شهر آخر لزمته العمرة وتلغى الاولى كما صرّح به في ذيل الصحيحة ، وبعد ذلك كيف يمكن القول بأنّ الأمر بالإحرام من جهة الاستحباب ، هذا.

ولو قطعنا النظر عن ذلك وفرضنا أن مورد الرواية العمرة المفردة فإنه مع ذلك أيضاً لا يمكن القول بالاستحباب للتعليل في النص بأن لكل شهر عمرة ، فإن استحباب العمرة نفسياً لا ينافي وجوب الإحرام لدخول مكّة الواجب عليه من جهة أداء فريضة الحج ، إذ لا موجب لرفع اليد عمّا دلّ على حرمته إلّا في موارد خاصّة وكون العمرة مستحبة في نفسها لا يستلزم جواز الدخول بغير إحرام كما هو ظاهر.

ثمّ ذكر المصنف (قدس سره) أن المستفاد من جملة من الأخبار كصحيحي حماد وحفص بن البختري وغيرهما أن المدار في لزوم الإحرام والاعتمار على الدخول في شهر الخروج أو بعده لأشهر الاعتمار ، يعني يحسب الشهر من خروجه عن مكّة ودخوله إليها ، فربّما يفصل بين العمرتين بأزيد من شهر وإن كان دخوله قبل مضي شهر من خروجه كما إذا اعتمر في أوّل شوال وخرج من مكّة في آخره ثمّ دخل مكّة في عشرين من ذي القعدة ، فحينئذ لا ينطبق التعليل بأن لكل شهر عمرة الذي استفدنا منه استحباب الإحرام على التفصيل بين الرجوع في الشهر والرجوع بعده فيجب الأخذ بظاهر الأمر بالإحرام المقتضي للوجوب.

وبعبارة اخرى : إنما نلتزم بالاستحباب لظاهر التعليل بان لكل شهر عمرة الوارد في معتبرة إسحاق بن عمّار ، ولكنه لا ينطبق على ما ورد في صحيح حماد ، حيث جعل العبرة فيه بشهر الخروج لا بشهر الاعتمار ، فحينئذ لا موجب لرفع اليد عن ظهور

٢١٤

بل القدر المتيقن من جواز الدخول مُحلا صورة كونه قبل مضي شهر من حين الإهلال أي الشروع في إحرام العمرة ، والإحلال منها ، ومن حين الخروج ، إذ الاحتمالات في الشهر ثلاثة : ثلاثون يوماً من حين الإهلال وثلاثون من حين

______________________________________________________

الأمر بالإحرام في الوجوب ، إلّا أن يحمل صحيح حماد على الغالب من كون الخروج بعد العمرة بلا فصل ، فيتّحد مورد الصحيح مع مورد التعليل الوارد في معتبرة إسحاق وينطبق شهر الاعتمار على شهر الخروج ، ولكنه بعيد ، ولذا احتاط الماتن (قدس سره) في وجوب الإحرام إذا كان الدخول في غير شهر الخروج.

ويرد على ما ذكره أن صحيحة حماد عن أبي عبد الله (عليه السلام) لم يذكر فيها أن المدار بشهر الخروج وأن الشهر يحسب من زمان الخروج ، فإنه قال : «من دخل مكّة متمتعاً في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج إلى أن قال ـ : إن رجع في شهره دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً ، قلت : فأي الإحرامين والمتعتين متعة الأُولى أو الأخيرة؟ قال : الأخيرة هي عمرته وهي المحتبس بها التي وصلت بحجّته» الحديث (١) ولا قرينة ولا دليل على أن المراد بالشهر المذكور فيه هو شهر الخروج بل لا يبعد أن يراد به الشهر الذي تمتّع فيه فيتحد الروايتان صحيحة إسحاق وصحيحة حماد بحسب المورد.

ولو تنزّلنا عن ذلك فلا أقل من الإجمال ، فصحيح حماد إمّا يتحد مورده مع صحيح إسحاق أو يكون مجملاً ، فعليه يصح أن يقال : إنه لا عبرة بشهر الخروج أصلاً ، إذ لم يرد ذلك في أيّ رواية معتبرة ، أمّا صحيح حماد فقد عرفت حاله ، وأمّا صحيح حفص بن البختري فلم يتعرض فيه لذكر الشهر أصلاً ، فقد روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل قضى متعة وعرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها قال فقال : فليغتسل للإحرام وليهل بالحج وليمض في حاجته فإن لم يقدر على الرجوع

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٠٢ / أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٦.

٢١٥

الإحلال بمقتضى خبر إسحاق بن عمّار وثلاثون من حين الخروج بمقتضى هذه الأخبار (١).

بل من حيث احتمال (*) كون المراد من الشهر في الأخبار هنا والأخبار الدالّة على أنّ لكل شهر عمرة الأشهر الاثني عشر المعروفة لا بمعنى ثلاثين يوماً.

______________________________________________________

إلى مكّة مضى إلى عرفات» (١) فالاستشهاد به في المقام لعلّه من سهو القلم.

نعم ، في مرسل الصدوق والرضوي المتقدّمين (٢) جعل العبرة بمضي الشهر من الخروج وعدمه ، ولكن السند ضعيف بالإرسال. هذا وفي المقام مرسل آخر لحفص وأبان : «في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم ، قال : إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام ، فإن دخل في غيره دخل بإحرام» (٣) ولكنّه ضعيف سنداً بالإرسال ودلالة لأنّ الظاهر أنه بين حكم أهل مكّة أو من كان مقيماً فيها ويخرج منها لحاجة ، وحكمه إن دخل قبل شهر من خروجه يدخل محلا وإن دخل بعد شهر من خروجه بدخل محرماً ، وكلامنا فيمن دخل مكّة معتمراً بعمرة التمتّع ويريد الخروج منها بعد أداء العمرة وقبل إتيان الحج ، فالمرسل أجنبي عن محل الكلام بالمرّة.

(١) هل العبرة في العمرة الأُولى التي يعتبر مضي الشهر عنها باهلالها (٤) والشروع في إحرامها أو بإحلالها والفراغ من إحرامها وأعمالها؟ فيه كلام.

اختار المصنف (قدس سره) الأوّل بدعوى أنه القدر المتيقن من جواز الدخول محلّاً ، فإن أحرم للعمرة ثمّ بعد الأعمال خرج فإن رجع بعد مضي شهر من زمان

__________________

(*) هذا الاحتمال هو الأظهر.

(١) الوسائل ١١ : ٣٠٢ / أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٤.

(٢) في ص ٢١٠.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٠٧ / أبواب الإحرام ب ٥١ ح ٤.

(٤) المراد به الإحرام. أهل بالحج والعمرة رفع صوته بالتلبية.

٢١٦

ولازم ذلك أنه إذا كانت عمرته في آخر شهر من هذه الشهور فخرج ودخل في شهر آخر أن يكون عليه عمرة والأولى مراعاة الاحتياط من هذه الجهة أيضاً. وظهر ممّا ذكرنا أن الاحتمالات ستّة : كون المدار على الإهلال أو الإحلال أو الخروج ، وعلى التقادير فالشهر إمّا بمعنى ثلاثين يوماً أو أحد الأشهر المعروفة (١).

______________________________________________________

إهلاله وإحرامه للعمرة يرجع محرماً ثانياً وإن كان الزمان بالنسبة إلى إحلاله وفراغه من الأعمال أقل من شهر ، إذ قد يحرم للعمرة ويبقى محرماً ولا يحل إلّا بعد يوم أو يومين أو أكثر.

أقول : ما ذكره وإن كان أحوط ولكن الظاهر من معتبرة إسحاق ابن عمّار (١) كون العبرة في مبدأ الشهر بالإحلال والفراغ من العمرة ، لقوله (عليه السلام) : «يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه ، وكلمة «تمتع» فعل ماضي ظاهره التحقّق والفراغ في قبال فعل الاستقبال ، فالمراد بالشهر الذي تمتّع فيه هو الشهر الذي فرغ من عمرته ، وأمّا إذا أهلّ بالعمرة ولم يفرغ منها فلا يصدق عليه انه تمتّع بل هو مشغول بأداء أعمال العمرة ، كما استظهرنا ذلك في سائر الموارد كقولنا : صلّى أو صام وغير ذلك.

(١) لا ريب في أن المتفاهم من إطلاق الشهر هو ما بين الهلالين لا مقدار ثلاثين يوماً ، وهو الذي صرّح به اللغويون ، إلّا إذا قامت قرينة على إرادة مقدار ثلاثين يوماً ، كما في أشهر العدّة فإن المراد بها مقدارها لا ما بين الهلالين ، لأنّ فرض موت الأزواج في رأس الشهر نادر بل يقع الموت غالباً في أثناء الشهر فطبعاً يراد بأربعة أشهر وعشراً مقدارها ، ولذا لا ريب في كفاية التلفيق.

هذا مضافاً إلى ما يستفاد من معتبرة إسحاق بن عمّار ، قال «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : السنة اثنا عشر شهراً يعتمر لكل شهر عمرة» (٢) فإنها صريحة في أن العبرة

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٠٣ / أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٨.

(٢) الوسائل ١٤ : ٣٠٩ / أبواب العمرة ب ٦ ح ٩.

٢١٧

وعلى أيّ حال إذا ترك الإحرام مع الدخول في شهر آخر ولو قلنا بحرمته لا يكون موجباً لبطلان عمرته السابقة فيصحّ حجّه بعدها (*) (١).

______________________________________________________

بما بين الهلالين لا بمقدار الشهر ، لأنّ المستفاد من ذلك استحباب العمرة بدخول كل شهر من الأشهر الاثني عشر المعروفة لا مضي ثلاثين يوماً.

كما يستفاد ذلك أيضاً من استحباب العمرة في خصوص بعض الشهور كشهر رجب وشهر رمضان المبارك ، فإنّ مقتضى ذلك كون العبرة بالشهر وبما بين الهلالين لا بمقدار الشهر.

وعليه لو اعتمر في آخر الشهر ثمّ خرج وأراد الدخول في أوّل الشهر اللّاحق فيعتمر ، لأنّ لكل شهر عمرة وإن كان الفصل بيوم واحد.

(١) لأنّ ذلك واجب مستقل غير مرتبط بالحج ، وتركه وإن كان محرماً ويكون الداخل بلا إحرام آثماً ولكنّه لا يوجب فساد عمرته السابقة ولا حجّه.

أقول : ذكر في الجواهر (١) أنّه ليس في كلامهم تعرض لما لو رجع محلّاً بعد شهر ولو آثماً ، وقوى عدم الفساد لعدم الدليل عليه.

والصحيح أن يقال : إنّ العمرة الأُولى بحسب النص لاغية وغير قابلة للارتباط بالحج وإنّما التمتّع بالعمرة الثانية ، فالأُولى لا تكفي للتمتّع فيفسد حجّه ، فإن عمدة الروايات الواردة في المقام روايتان ، موثقة إسحاق بن عمّار وصحيحة حماد (٢) والمستفاد من الاولى أنّ العمرة التي يجب الإتيان بها لدخول مكّة بعد شهر إنّما هي عمرة التمتّع ، لأنّه (عليه السلام) بعد ما حكم بأنه يرجع بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتّع فيه قال : «وهو مرتهن بالحج» ، ومن المعلوم أن الذي يوجب الارتهان والارتباط بالحج إنما هو عمرة التمتّع ، نعم العمرة المفردة قد تجب لدخول مكّة ، ولكن

__________________

(*) تقدّم أن الاولى لا تكفي حينئذ للتمتع.

(١) الجواهر ١٨ : ٢٩.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٠٢ / أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٦ ، ٨ ، المتقدّمتين في ص ٢١٣ ، ٢١٥.

٢١٨

ثمّ إن عدم جواز الخروج على القول به إنما هو في غير حال الضرورة بل مطلق الحاجة ، وأمّا مع الضرورة أو الحاجة (*) مع كون الإحرام بالحج غير ممكن أو حرجاً عليه فلا إشكال فيه (١).

______________________________________________________

وجوبها وجوب مستقل غير مرتبط بالحج ولا يضر تركها بالحج وإن كان عاصياً بالترك.

وأمّا الثانية فهي صريحة في ذلك ، لقوله (عليه السلام) : «وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً ، قلت : فأي الإحرامين والمتعتين متعة ، الأُولى أو الأخيرة؟ قال : الأخيرة هي عمرته ، وهي المحتبس بها التي وصلت بحجّته» ، وقد تقدّم أن كلمة المتعة لا تستعمل في العمرة المفردة ، فالعمرة الاولى مشروطة بأن لا يخرج من مكّة أو أنه يرجع إليها قبل الشهر وإلّا تكون العمرة الاولى ملغاة ويزول الارتباط بينها وبين الحج فيفسد حجّه حينئذ.

(١) لصحيحتي حفص وحماد ، ففي الاولى : «في رجل قضى متعته وعرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها ، قال فقال : فليغتسل للإحرام وليهل بالحج وليمض في حاجته» ، وقال في الثانية : «من دخل مكّة متمتعاً في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج ، فإن عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عِرق خرج محرماً» (١) فمقتضى الصحيحتين جواز الخروج عند الحاجة ، فإن كان متمكناً من الإحرام ولم يكن الإحرام عليه حرجياً أحرم بالحج ثمّ يخرج وإلّا سقط وجوبه لنفي الحرج.

وهل يكفي مجرد الحاجة لجواز الخروج محلا أو لا بدّ من الاضطرار إليه؟ ظاهر المصنف (قدس سره) عدم جواز ترك الإحرام لمجرد الحاجة ، واختصاصه بمورد الحرج أو عدم الإمكان من الإحرام.

__________________

(*) جواز الخروج مع الحاجة غير الضرورية إذا لم يتمكن من الإحرام أو كان حرجياً محل إشكال بل منع.

(١) الوسائل ١١ : ٣٠٢ / أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٤ ، ٦.

٢١٩

وأيضاً الظاهر اختصاص المنع على القول به بالخروج إلى المواضع البعيدة ، فلا بأس بالخروج (*) إلى فرسخ أو فرسخين ، بل يمكن أن يقال باختصاصه بالخروج إلى خارج الحرم ، وإن كان الأحوط خلافه (١).

______________________________________________________

ويظهر من بعضهم جواز الخروج وترك الإحرام لمجرّد الحاجة ، واستدلّ بمصحح إسحاق المتقدّم (١) ، فإنّ المفروض فيه أنه خرج محلا بقرينة قوله : «يرجع إلى مكّة بعمرة» ، فإنّ موضوع السؤال أنّه خرج من مكّة لمجرّد الحاجة وفرض أنّه خرج بلا إحرام ، فيعلم من ذلك جواز الخروج بلا إحرام لمجرّد الحاجة.

وفيه : أنّ السؤال في مصحح إسحاق لم يكن عن جواز الخروج وعدمه وإنّما السؤال عن حكم الخارج وأنّه إذا خرج ماذا يصنع ، فالمتبع حينئذ إنما هو صحيح حفص المتقدّم الدال على وجوب الإحرام عند الحاجة ، ونحوه صحيح حماد.

فتحصل : أنّ مطلق الحاجة يكفي في جواز الخروج ولكن لا يكفي في ترك الإحرام وإنما يجوز ترك الإحرام عند الخروج حال الضرورة أو الحرج.

(١) وقع الكلام في أن الممنوع من الخروج هل هو مختص بالخروج إلى الأماكن البعيدة ، فلا بأس بالخروج إلى فرسخ أو فرسخين ، أو أن الممنوع هو الخروج إلى خارج الحرم ، فالخروج إلى ما دون الحرم سائغ كما عن بعضهم.

اختار الماتن (قدس سره) الأوّل ، وذكر شيخنا الأُستاذ النائيني (قدس سره) في تعليقته على العروة وكذا في مناسكه أن الممنوع هو الخروج إلى المسافة الشرعية لا ما دونها (٢) ، لكون مقدار الحرم مختلفاً من جهاته فلا يصحّ التقدير به ولا يطرد في جميع جوانبه.

__________________

(*) بل الظاهر عدم جواز الخروج عن مكّة مطلقا.

(١) في ص ٢١٣.

(٢) دليل الناسك : ١٢١.

٢٢٠