موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

ويشترط في حج التمتّع أُمور : أحدها : النيّة بمعنى قصد الإتيان بهذا النوع من الحج حين الشروع في إحرام العمرة ، فلو لم ينوه أو نوى غيره أو تردّد في نيّته بينه وبين غيره لم يصح (١).

نعم في جملة من الأخبار أنّه لو أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز أن يتمتّع بها (٢) ، بل يستحب ذلك إذا بقي في مكّة إلى هلال ذي الحجة ، ويتأكد إذا بقي إلى يوم التروية ، بل عن القاضي وجوبه حينئذ ولكن الظاهر تحقق الإجماع على خلافه (*) ، ففي موثق سماعة عن الصادق (عليه السلام) «من حج معتمراً في شوال

______________________________________________________

(١) لأنّ أنواع الحج ماهيات وحقائق مختلفة ولا تتعين إلّا بالنيّة ، كما أنه يعتبر فيه قصد القربة زائداً على قصد العنوان ، لأنّه عبادي لا يحصل الامتثال إلّا بقصد القربة ويعتبر فيه استمرار النيّة إلى تمام العمل ، وتكفي نيّة واحدة للعمل التام ولا تعتبر في كل جزء مستقلا ، نظير الصلاة ونحوها من العبادات من كفاية نيّة واحدة للعمل المركّب واستمرارها إلى الجزء الأخير منه ، فلا فرق بين الحج وغيره من العبادات من هذه الجهة ، وإنما يفترق باب الحج عن الصلاة وغيرها من العبادات باستحباب التلفظ بالنيّة في كل عمل من أعمال الحج ، فالحكم بالاكتفاء بنيّة واحدة واستمرارها إلى الجزء الأخير من أعمال الحج ممّا لا ريب فيه.

مضافاً إلى دلالة النص على ذلك ، ففي صحيح البزنطي : «عن رجل متمتع كيف يصنع؟ قال : ينوي العمرة ويحرم بالحج» وفي صحيحه الآخر : «كيف أصنع إذا أردت أن أتمتع؟ فقال : لبّ بالحج وانو المتعة» (١) ، فقصد العنوان والتعيين ممّا يلزم في المقام لاختلاف الماهيّة وعدم تعينها إلّا بالنيّة.

(٢) قد ورد في جملة من الأخبار على ما ستأتي عن قريب إن شاء الله تعالى أنّه من أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز له أن يتمتّع بها ويكتفي بها عن عمرة

__________________

(*) على أن صحيحة إبراهيم بن عمر اليماني صريحة في الجواز.

(١) الوسائل ١٢ : ٣٥١ / أبواب الإحرام ب ٢٢ ح ١ ، ٤.

١٨١

ومن نيّته أن يعتمر ورجع إلى بلاده فلا بأس بذلك ، وإن هو أقام إلى الحج فهو متمتِّع ، لأنّ أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجّة فمن اعتمر فيهن فأقام إلى الحج فهي متعة ، ومن رجع إلى بلاده ولم يقم إلى الحج فهي عمرة ، وإن اعتمر في شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحج فليس بمتمتِّع وإنما هو مجاور أفرد العمرة ، فإن هو أحبّ أن يتمتّع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يتجاوز عسفان فيدخل متمتِّعاً بعمرته إلى الحج ، فإن هو أحبّ أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبِّي منها» ، وفي صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) «من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله إلّا أن يدركه خروج النّاس يوم التروية» ، وفي قويّة عنه (عليه السلام) «من دخل مكّة معتمراً

______________________________________________________

التمتّع ، بل ذكر المصنف (قدس سره) أن الانقلاب قهري إذا بقي في مكّة وأتى بالحج من غير حاجة إلى نيّة التمتّع بها.

وهل يستحب له الإقامة ليحج ويجعل عمرته عمرة متعة أم تجب حتّى يحج؟ وبعبارة اخرى : هل يستحب له أن يتمتّع بذلك إذا بقي إلى هلال ذي الحجة أو إلى يوم التروية أم يجب عليه إذا أدرك يوم التروية؟

فعن المشهور الاستحباب ، وعن القاضي وجوب الحج إذا أدرك التروية ، وتتبدل عمرته إلى المتعة (١) ، هذا كلّه فيما إذا أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج ، وأمّا إذا أتى بالمفردة في غير أشهر الحج فلا تتبدل إلى المتعة وإن بقي إلى زمان الحج ، ولم يقل أحد بوجوب البقاء عليه إلى الحج.

فيقع الكلام فعلاً فيما إذا أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج ، فالمشهور استحباب التمتّع بها ، وحكي عن القاضي وجوب البقاء عليه إلى أن يحج متعة ولا يجوز له الخروج بعد التروية.

__________________

(١) المهذب ١ : ٢١١.

١٨٢

مفرِداً للحج (*) فيقضي عمرته كان له ذلك وإن أقام إلى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة ، قال (عليه السلام) : وليس تكون متعة إلّا في أشهر الحج» وفي صحيحة عنه (عليه السلام) «من دخل مكّة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجّة فليس له أن يخرج حتى يحج مع النّاس» ، وفي مرسل موسى بن القاسم «من اعتمر في أشهر الحج فليتمتّع» إلى غير ذلك من الأخبار ، وقد عمل بها جماعة ، بل في الجواهر : لا أجد فيه خلافاً ، ومقتضاها صحّة التمتّع مع عدم قصده حين إتيان العمرة ، بل الظاهر من بعضها أنه يصير تمتعاً قهراً من غير حاجة إلى نيّة التمتّع بها بعدها ،

______________________________________________________

وأوردوا عليه بتحقّق الإجماع على خلافه ، وحملوا الروايات الواردة في المقام على الاستحباب ومراتب الفضل بالنسبة إلى البقاء إلى هلال ذي الحجة وإلى يوم التروية وذكروا أن من أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج يستحب له البقاء إلى الحج ، وإذا بقي إلى هلال ذي الحجة يتأكّد له الإتيان بالحج ، وإذا بقي إلى يوم التروية يكون الإتيان بالحج آكد ، فإن تمّ الإجماع فلا كلام وإلّا فلا بدّ من النظر إلى النصوص الواردة في المقام ، وهي على طوائف :

الأُولى : ما دلّت على أن المعتمر بالمفردة في أشهر الحج ولو في شهر شوال يجب عليه البقاء إلى أن يحج كصحيحة يعقوب بن شعيب ، قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المعتمر في أشهر الحج ، قال : هي متعة» (١) ومقتضى إطلاقها أن من اعتمر في أشهر الحج ولو عمرة مفردة ليس له الخروج من مكّة ، لأنّ عمرته تحسب متعة والمعتمر بعمرة التمتّع محتبس بالحج ليس له الخروج إلى أن يحج.

وتؤيدها رواية علي بن أبي حمزة ، قال : «سأله أبو بصير وأنا حاضر عمن أهلّ

__________________

(*) هذا من سهو القلم والصحيح : مفرداً للعمرة.

(١) الوسائل ١٤ : ٣١١ / أبواب العمرة ب ٧ ح ٤.

١٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بالعمرة في أشهر الحج إله أن يرجع؟ قال : ليس في أشهر الحج عمرة يرجع منها إلى أهله ، ولكنه يحتبس بمكّة حتى يقضي حجّه لأنه إنما أحرم لذلك» (١).

ويؤيدها أيضاً خبر موسى بن القاسم ، قال : «أخبرني بعض أصحابنا أنه سأل أبا جعفر (عليه السلام) في عشر من شوال فقال : إني أريد أن أُفرد عمرة هذا الشهر فقال له : أنت مرتهن بالحج» (٢).

والعمدة هي صحيحة يعقوب بن شعيب ، وأمّا الخبر الثاني فضعيف بعلي بن أبي حمزة البطائني والثالث بالإرسال.

الطائفة الثانية : ما دلّت على جواز الخروج كصحيحة عبد الله بن سنان : «قال (عليه السلام) : لا بأس بالعمرة المفردة في أشهر الحج ثمّ يرجع إلى أهله» (٣).

ومقتضى الجمع العرفي بينها وبين الطائفة الاولى هو الحمل على استحباب البقاء إلى أن يحج وأنه مرتهن بالحج وتكون عمرته حينئذ عمرة التمتّع.

الثالثة : الروايات المقيّدة وهي مختلفة ، ففي بعضها قيد البقاء إلى هلال ذي الحجة وأنه إذا بقي إلى هلال ذي الحجة ليس له الخروج من مكّة ، كما في رواية إسحاق عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «من دخل مكّة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج حتى يحج مع النّاس» (٤).

والمستفاد منها أن جواز الخروج وعدمه يدوران مدار دخول هلال ذي الحجة ولم يرد بهذا العنوان في الأخبار إلّا هذه الرواية ، ولكنها ضعيفة بالحسين بن حماد الواقع في السند فإنه مجهول الحال ، فتوصيفها بالصحيحة كما في المتن غير صحيح فلا تصلح الرواية شاهدة للجمع بين الروايات.

وفي بعضها قيّد البقاء إلى يوم التروية ، وأنه لو بقي إلى يوم التروية ليس له الخروج ويتعيّن عليه الحج ، ففي صحيحة عمر بن يزيد : «قال (عليه السلام) : من اعتمر عمرة

__________________

(١) ٢) ، (٣) ، (٤) الوسائل ١٤ : ٣١٢ / أبواب العمرة ب ٧ ح ٧ ، ٨ ، ١ ، ٦.

١٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مفردة فله أن يخرج إلى أهله متى شاء إلّا أن يدركه خروج النّاس يوم التروية» (١) وفي موثقة سماعة : «وإن أقام إلى الحج فهو متمتع» (٢) يعني إن أقام إلى أن يحج النّاس وهو يوم التروية غالباً ، وهما واضحتا الدلالة في جواز الخروج قبل يوم التروية ، وفي صحيحة أُخرى لعمر بن يزيد : «وإن أقام إلى أن يدرك الحج كانت عمرته متعة» (٣) فإذا كانت عمرته متعة لا يجوز له الخروج ويجب عليه الحج لأنه مرتهن به.

فإن كان القاضي (قدس سره) يرى الوجوب قبل يوم التروية فضعيف جدّاً ومحجوج بهذه المعتبرات الصحيحة ، وإن أراد الوجوب لو بقي إلى يوم التروية فله وجه في نفسه ، ولكن الاشكال عليه يتضح مما سيأتي.

ولا يخفى أن مقتضى هذه الروايات بأجمعها انقلاب العمرة المفردة إلى المتعة قهراً وأنها تحسب متعة إن بقي إلى يوم التروية ، فلا حاجة إلى القصد من جديد ، من دون فرق بين وجوب البقاء عليه إلى أن يحج وبين جواز البقاء إلى أن يحج أيضاً ، فإن عمرته حينئذ تنقلب إلى المتعة قهراً ، فالانقلاب القهري لا يختص بما إذا وجب عليه الحج ، بل لو قلنا بجواز الحج له واختار البقاء وحج تنقلب عمرته إلى المتعة قهراً فعلى كل تقدير يحصل الانقلاب القهري ، غاية الأمر قد يجب عليه البقاء كما عن القاضي وقد لا يجب كما عن المشهور ، فلا بدّ من إثبات الوجوب والجواز.

فمقتضى ما تقدّم من الروايات المعتبرة الثلاث وجوب الحج عليه إذا بقي إلى يوم التروية ، ولو كنّا نحن وهذه الروايات لقلنا بالوجوب.

ولكن الظاهر أنه لا يمكن الالتزام بالوجوب ، فإنه مضافاً إلى الإجماع المدعى على الخلاف قد دلّ بعض النصوص المعتبرة على جواز الخروج حتى يوم التروية ، مثل صحيحة إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنه سئل عن رجل خرج في أشهر الحج معتمراً ثمّ خرج إلى بلاده ، قال : لا بأس ، وإن حج من عامه ذلك وأفرد الحج فليس عليه دم ، وإن الحسين بن علي (عليهما السلام) خرج يوم

__________________

(١) ٢) ، (٣) الوسائل ١٤ : ٣١٣ / أبواب العمرة ب ٧ ح ٩ ، ١٣ ، ٥.

١٨٥

بل يمكن أن يستفاد منها أن التمتّع هو الحج عقيب عمرة وقعت في أشهر الحج بأي نحو أتى بها ، ولا بأس بالعمل بها ، لكن القدر المتيقن (*) منها هو الحج الندبي ففيما إذا وجب عليه التمتّع فأتى بعمرة مفردة ثمّ أراد أن يجعلها عمرة التمتّع يشكل الاجتزاء بذلك عما وجب عليه سواء كان حجة الإسلام أو غيرها ممّا وجب بالنذر أو الاستئجار (**).

______________________________________________________

التروية إلى العراق وكان معتمراً» (١).

وفي الرواية وإن لم يصرح بجواز الخروج يوم التروية ولكن يظهر من استشهاد الصادق (عليه السلام) بقضية خروج الحسين (عليه السلام) أن ذلك من باب تطبيق الكبرى على الصغرى وأن خروجه (عليه السلام) يوم التروية كان جائزاً في نفسه واستشهاده بفعل الحسين (عليه السلام) دليل على جواز الخروج سواء كان الحسين (عليه السلام) مضطراً كما في كتب المقاتل والتواريخ أم لا.

وأوضح من ذلك دلالة معتبرة معاوية بن عمّار ، قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : من أين افترق المتمتع والمعتمر؟ فقال : إن المتمتع مرتبط بالحج والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء ، وقد اعتمر الحسين (عليه السلام) في ذي الحجة ثمّ راح يوم التروية إلى العراق والنّاس يروحون إلى منى ، ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج» (٢). وإنما كانت هذه الرواية أوضح باعتبار ذيلها «ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج».

والحاصل : لا ريب في أن المستفاد من الخبرين أن خروج الحسين (عليه السلام) يوم التروية كان على طبق القاعدة لا لأجل الاضطرار ، ويجوز ذلك لكل أحد وإن لم

__________________

(*) لكن الروايات مطلقة تشمل من وجب عليه الحج أيضاً.

(**) لا وجه لاحتمال الإجزاء للحج الاستئجاري ويحتمل أن يكون ذكره من سهو القلم ، وأمّا في النذر فالحكم تابع لقصد الناذر.

(١) ، (٢) الوسائل ١٤ : ٣١٠ / أبواب العمرة ب ٧ ح ٢ ، ٣.

١٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

يكن مضطراً ، فيكون الخبران قرينة على الانقلاب إلى المتعة قهراً ، والاحتباس بالحج إنما هو فيما إذا أراد الحج ، وأمّا إذا لم يرد الحج فلا يحتبس بها للحج ويجوز له الخروج حتى يوم التروية.

بقي الكلام في جهات :

الاولى : يظهر من بعض الروايات عدم مشروعية العمرة المفردة في العشر الاولى من ذي الحجة كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «العمرة في العشر متعة» (١) وفي صحيحة ابن سنان : «عن المملوك في الظهر يرعى وهو يرضى أن يعتمر ثمّ يخرج ، فقال : إن كان اعتمر في ذي القعدة فحسن وإن كان في ذي الحجة فلا يصلح إلّا الحج» (٢).

وبإزائهما روايات أُخر تدل على جواز العمرة المفردة حتى في عشرة ذي الحجة وإن لم يكن قاصداً للحج ، كصحيحة إبراهيم اليماني المتقدِّمة (٣) الدالّة على جواز الإتيان بالعمرة المفردة في أشهر الحج لمن لا يقصد الحج ، ومقتضى تطبيقه (عليه السلام) ذلك على عمرة الحسين (عليه السلام) جواز العمرة حتى في عشرة ذي الحجة كما عرفت سابقاً ، وكصحيحة معاوية بن عمّار المتقدِّمة أيضاً (٤) حيث جوّز الإمام (عليه السلام) إتيان العمرة المفردة في ذي الحجة كما صنع الحسين (عليه السلام).

ومقتضى الجمع العرفي هو حمل الطائفة الأُولى على المرجوحية وأن الأفضل الإتيان بعمرة التمتّع.

الجهة الثانية : ما دلّ على انقلاب العمرة المفردة إلى المتعة هل يختص بمن لم يكن قاصداً للحج ولكن من باب الاتفاق بقي إلى أيّام الحج أو يشمل الأعم منه ومن القاصد للحج؟ وبعبارة اخرى : من كان مأموراً بالحج متعة هل يجوز له الإتيان بالعمرة المفردة ثمّ يكتفي بها عن عمرة التمتّع أو أنه يلزم عليه الإتيان بعمرة التمتّع؟ فمن

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٣١٣ / أبواب العمرة ب ٧ ح ١٠.

(٢) الوسائل ١٤ : ٣١٣ / أبواب العمرة ب ٧ ح ١١.

(٣) في ص ١٨٥.

(٤) في ص ١٨٦.

١٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

كان قاصداً للحج وكان مأموراً بالحج متعة لا تكون عمرته المفردة مورداً للانقلاب إلى المتعة.

لم أر من تعرض لذلك ، ويترتب على ذلك آثار منها : أنه لو كانت عمرته مفردة يجوز له الخروج بعدها ، وأمّا إذا انقلبت إلى المتعة وكانت عمرته متعة لا يجوز له الخروج بعدها ، لأنه مرتهن ومحتبس بالحج.

والظاهر أن الروايات ناظرة إلى الصورة الأُولى وهي ما لو لم يكن قاصداً للحج ولكن اتفق له البقاء إلى أيّام الحج ، وأمّا إذا كان قاصداً من الأوّل للحج فعمرته المفردة لا تكون مورداً للانقلاب إلى المتعة ولا يجوز له الاكتفاء بذلك ، ويشهد لما ذكرنا عدّة من الروايات :

منها : موثقة سماعة : «قال : من حج معتمراً في شوال ومن نيّته أن يعتمر ويرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك ، وإن أقام إلى الحج فهو متمتِّع» (١) ومورد الرواية من لم يكن مريداً وقاصداً للحج بل كان من قصده الرجوع إلى بلاده ولكن من باب الاتفاق أقام وبقي إلى الحج ، فحينئذ حكم (عليه السلام) بانقلاب عمرته إلى عمرة التمتّع ، وأمّا إذا كان قاصداً للحج من الأوّل فلا تشمله الرواية.

ومنها : صحيحة معاوية بن عمّار الدالّة على أن المتعة مرتبطة بالحج وأن المعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء كما اعتمر الحسين (عليه السلام) في ذي الحجة ثمّ راح يوم التروية ، ثمّ ذكر (عليه السلام) أخيراً «ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج» (٢).

والمستفاد منها عدم الاكتفاء بالعمرة المفردة عن المتعة إذا كان مريداً للحج وقاصداً إليه.

ومنها : صحيحة الحسن بن علي الوشاء ابن بنت الياس عن أبي الحسن الرضا

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٣١٣ / أبواب العمرة ب ٧ ح ١٣.

(٢) الوسائل ١٤ : ٣١٣ / أبواب العمرة ب ٧ ح ٣.

١٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

(عليه السلام) «أنه قال : إذا أهل هلال ذي الحجة ونحن بالمدينة لم يكن لنا أن نحرم إلّا بالحج لأنا نحرم من الشجرة وهو الذي وقت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأنتم إذا قدمتم من العراق فأهل الهلال فلكم أن تعتمروا ، لأنّ بين أيديكم ذات عرق وغيرها مما وقت لكم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)» (١).

وقد دلّت الصحيحة على أنهم حيث يقصدون الحج لا يشرع لهم العمرة المفردة وإنّما عليهم العمرة إلى الحج ، فالحكم بالانقلاب يختص بمن لم يكن قاصداً للحج ولكن أراد الحج من باب الاتفاق ، وأمّا أهل العراق فيتمكنون من الإحرام للحج متعة من ذات عرق ونحوها ويتمكنون من الرجوع إليها ، فيجوز لهم أن يعتمروا عمرة مفردة ثمّ يرجعوا إلى ذات عرق وغيرها ويحرمون منها للتمتع.

وأمّا أهل المدينة حيث إنهم يقصدون الحج ولبعد الطريق بينهم وبين مكّة وقلة الوقت فلا يتمكنون من الرجوع إلى ميقاتهم فليس لهم إلّا أن يحرموا من الشجرة ، كما أن ليس لهم أن يعتمروا عمرة مفردة بل عليهم أن يعتمروا للحج متعة.

وبالجملة : يظهر من الرواية أن انقلاب المفردة إلى المتعة في مورد غير القاصد إلى الحج ، وأمّا القاصد إليه فليس له إلّا المتعة فلم تكن عمرته مورداً للانقلاب بل تتعين عليه المتعة.

الثالثة : ذكر المصنف (قدس سره) أن الحكم بانقلاب المفردة إلى المتعة يختص بالحج الندبي لأنه القدر المتيقن من الأخبار. وأمّا الحج الواجب سواء كان حج الإسلام أو الواجب عليه بالنذر أو الاستئجار فيشكل الاجتزاء بالمفردة عما وجب عليه من حج التمتّع.

أقول : الظاهر أن ذكر كلمة الاستئجار من سهو القلم ، لأنه لو استأجر شخصاً لحج التمتّع فالمستأجر يملك العمل في ذمّة الأجير من الأوّل ، وإذا فرضنا أن الأجير اعتمر عمرة مفردة لنفسه يكون عمله هذا محسوباً على نفسه لأنه لم يكن متعلقاً للإجارة ، فكيف يحتمل الاكتفاء والاجتزاء بذلك عمّا تعلق به الإيجار ، فيجب على

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٣١٣ / أبواب العمرة ب ٧ ح ١٤.

١٨٩

الثاني : أن يكون مجموع عمرته وحجّه في أشهر الحج ، فلو أتى بعمرته أو بعضها في غيرها لم يجز له أن يتمتّع بها ، وأشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة بتمامه على الأصح (١) ، لظاهر الآية وجملة من الأخبار كصحيحة معاوية بن عمّار وموثقة سماعة وخبر زرارة. فالقول بأنها الشهران الأولان مع العشر الأوّل من ذي الحجّة كما عن بعض أو مع ثمانية أيّام كما عن آخر أو مع تسعة

______________________________________________________

الأجير بمقتضى وجوب تسليم العمل المملوك الخروج من مكّة لعمرة الحج.

وأمّا في النذر فالحكم تابع لقصد الناذر ، فإن قصد الإتيان بالحج على النحو المتعارف فلا يكتفي بهذا الفرد لعدم كونه مصداقاً لنذره ، فيجب عليه الخروج والإحرام للحج من أحد المواقيت ، وإن قصد الأعم يعني نذر إتيان الحج على إطلاقه ولو لم يكن قاصداً إليه من الأوّل يجوز الاكتفاء بذلك ، لأنّ الشارع يحسب عمرته متعة.

وأمّا الحج الواجب الأصلي فلا ريب في شمول الروايات له لإطلاقها ، فمن اعتمر عمرة مفردة في شهر شوال ومن باب الاتفاق بقي إلى يوم التروية وأراد الحج يكتفي بما اعتمر في شهر شوال وتحسب عمرته متعة شرعاً. فلا وجه لاستشكال الماتن (قدس سره).

وأمّا الحج الندبي فقد خصّ المصنف الانقلاب به بدعوى أنه القدر المتيقن من الأخبار ، فيرده : أن وجود القدر المتيقن لا يمنع من الأخذ بالإطلاق وإلّا فكل مطلق له القدر المتيقن ، فمجرّد وجود القدر المتيقن لا يكون مانعاً عن الأخذ بالإطلاق.

(١) يقع الكلام في مقامين :

أحدهما : أنه يعتبر في حج التمتّع وقوع عمرته وحجّه في أشهر الحج ، فلو أتى بعمرته أو بعضها في غيرها لم يجز أن يتمتّع بها. والظاهر أنه لا خلاف في ذلك ، وتدل عليه عدّة من الروايات المعتبرة (١).

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٥٤ / أبواب أقسام الحج ب ٥ وص ٢٨٤ ب ١٥ ، ١٤ : ٣١٠ / أبواب العمرة ب ٧.

١٩٠

أيّام وليلة يوم النحر إلى طلوع فجره كما عن ثالث أو إلى طلوع شمسه كما عن رابع ضعيف. على أن الظاهر أن النزاع لفظي ، فإنه لا إشكال في جواز إتيان بعض الأعمال إلى آخر ذي الحجّة ، فيمكن أن يكون مرادهم أن هذه الأوقات هي آخر الأوقات التي يمكن بها إدراك الحج.

______________________________________________________

وأمّا العمرة المفردة فإن أتى بها في غير أشهر الحج فلا يكتفي بها عن عمرة التمتّع وإذا وقعت في أشهر الحج يكتفي بها ، وقد دلّت على ذلك روايات تقدّمت قريباً.

المقام الثاني : قد اختلف الأصحاب في أشهر الحج على خمسة أقوال :

الأوّل : أنها شوال وذو القعدة وذو الحجة بتمامه ، اختاره الماتن.

الثاني : أنها الشهران الأولان مع العشر الأوّل من ذي الحجة.

الثالث : الشهران الأولان مع ثمانية أيّام من ذي الحجة تبدأ بدخول الليلة الاولى من الشهر وتنتهي بانتهاء الليلة التاسعة منه.

الرابع : الشهران الأولان وتسعة أيّام من ذي الحجة وليلة يوم النحر إلى طلوع الفجر.

الخامس : نفس القول الرابع ولكن إلى طلوع الشمس.

ولكن يمكن أن يقال : إنه لا اختلاف في الحقيقة بين الأقوال والنزاع لفظي كما ذكره الماتن وغيره ، وأن كلّاً منهم يريد شيئاً لا ينافي القول الآخر ، فمن حدّده إلى تمام ذي الحجّة أراد جواز إيقاع بعض أعمال الحج في طول ذي الحجّة ، ومن حدده إلى عشرة ذي الحجّة أراد إدراك المكلف الموقف الاختياري من الوقوفين وإدراك الموقف الاضطراري للمشعر فإنه يمتد إلى زوال يوم العيد ، ومن ذهب إلى أنّه مع ثمانية أيّام يريد أنه من لا يتمكّن من الاعتمار ليلة التاسع يجب عليه أن يأتي بإحرام الحج وليس له العمرة على قول ، ومن ذكر أنه مع تسعة أيّام إلى طلوع فجر يوم العيد أراد الموقف الاختياري لعرفة والموقف الاضطراري لها ، ومن قال : إنه مع تسعة أيّام إلى طلوع

١٩١

[٣٢٠٨] مسألة ١ : إذا أتى بالعمرة قبل أشهر الحج قاصداً بها التمتّع فقد عرفت عدم صحّتها تمتعاً. لكن هل تصح مفردة أو تبطل من الأصل؟ قولان اختار الثاني في المدارك ، لأنّ ما نواه لم يقع والمفردة لم ينوها ، وبعض اختار الأوّل لخبر الأحول عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل فرض الحج في غير أشهر الحج ، قال يجعلها عمرة» ، وقد يستشعر ذلك من خبر سعيد الأعرج ، قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «من تمتع في أشهر الحج ثمّ أقام بمكّة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة ، وإن تمتع في غير أشهر الحج ثمّ جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم إنما هي حجة مفردة إنما الأضحى على أهل الأمصار» ، ومقتضى القاعدة وإن كان هو ما ذكره صاحب المدارك لكن لا بأس بما ذكره ذلك البعض للخبرين (*) (١).

______________________________________________________

الشمس من يوم النحر أراد الوقوف الاختياري لعرفة والمشعر ، فلا خلاف من حيث المنتهي كما لا خلاف من حيث المبدأ أيضاً ، كيف وأنهم بعد ما اتفقوا على عدم صحّة الإحرام للعمرة أو الحج بعد اليوم العاشر قد اتفقوا على صحّة الحج عند تأخير الهدي أو بدله وعند تأخير الرمي والحلق عن يوم العيد ، وكذلك تأخير الطواف ، فغير بعيد أن يكون مرادهم من أن هذه الأوقات هي آخر الأوقات التي يمكن بها إدراك الحج فيكون النزاع لفظياً.

ثمّ انه قد يستشهد لكون النزاع لفظياً (١) باتفاقهم على أن أعمال منى إنما يؤتى بها بعد اليوم العاشر ، ولكن يمكن منع ذلك بأن يقال : إنها ليست بأعمال الحج وإنما هي أعمال مخصوصة مستقلة يؤتى بها في أوقات مخصوصة ، ولذا لا يفسد الحج بتركها ولو عمداً.

(١) لو أتى بعمرة التمتّع في غير أشهر الحج فهل يحكم ببطلانها أو تنقلب إلى

__________________

(*) الروايتان ضعيفتان على أن الثانية لا دلالة لها على صحّة العمرة التي هي محل الكلام.

(١) المستشهد هو صاحب الجواهر (قدس سره) ١٨ : ١٣.

١٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المفردة فيجب عليه طواف النّساء؟

اختار السيّد في المدارك البطلان ، لأنّ ما نواه لم يقع والمفردة لم ينوها (١).

واختار المصنف تبعاً للجواهر (٢) الصحّة وانقلابها إلى المفردة بدعوى أن مقتضى القاعدة وإن كان هو البطلان ولكن مقتضى الخبرين المذكورين في المتن هو الصحّة وانقلابها إلى المفردة.

أمّا الخبران فأحدهما : خبر الأحول «في رجل فرض الحج في غير أشهر الحج قال : يجعلها عمرة» (٣). ولكن الخبر ضعيف لضعف طريق الصدوق إلى أبي جعفر الأحول فلا يصحّ الاستدلال به ، فإن الصدوق (٤) (قدس سره) يرويه عن شيخه ماجيلويه الذي لم يرد فيه توثيق ، وقد ذكرنا غير مرّة أن مجرد الشيخوخة لا توجب الوثاقة ، فإن من مشايخه من هو ناصبي خبيث كالضبي (٥).

وربّما أورد عليه بأن مورد الخبر هو الحج وكلامنا في العمرة فالخبر أجنبي عن محل كلامنا.

وفيه : أنه يمكن إطلاق الحج على عمرة التمتّع ، والحج أعم من عمرة التمتّع والحج فمن أحرم لعمرة التمتّع يصدق عليه أنه أحرم للحج.

ثانيهما : خبر سعيد الأعرج «من تمتع في أشهر الحج ثمّ أقام بمكّة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة ، ومن تمتع في غير أشهر الحج ثمّ جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم ، إنما هي حجة مفردة وإنما الأضحى على أهل الأمصار» (٦).

__________________

(١) المدارك ٧ : ١٧٠.

(٢) الجواهر ١٨ : ١٩.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٧٣ / أبواب أقسام الحج ب ١١ ح ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٧٨ / ١٣٦١.

(٤) الفقيه ٤ (شرح المشيخة) : ١٤.

(٥) الضبي هو أبو نصر أحمد بن الحسين ، يقول الصدوق في حقه : وما لقيت أنصب منه ، وبلغ من نصبه أنه كان يقول : اللهمّ صلّ على محمّد فرداً ، ويمتنع عن الصلاة على آله. عيون اخبار الرضا ٢ : ٢٨٠ / ب ٦٩ ح ٣.

(٦) الوسائل ١١ : ٢٧٠ / أبواب أقسام الحج ب ١٠ ح ١.

١٩٣

الثالث : أن يكون الحج والعمرة في سنة واحدة ، كما هو المشهور المدعى عليه الإجماع (١) ، لأنه المتبادر من الأخبار المبيّنة لكيفية حج التمتّع ، ولقاعدة توقيفية العبادات ، وللأخبار الدالّة على دخول العمرة في الحج وارتباطها به والدالّة على عدم جواز الخروج من مكّة بعد العمرة قبل الإتيان بالحج ، بل وما دلّ من الأخبار على ذهاب المتعة بزوال يوم التروية أو يوم عرفة ونحوها ، ولا ينافيها خبر سعيد الأعرج المتقدّم بدعوى أن المراد من القابل فيه العام القابل فيدل على جواز إيقاع العمرة في سنة والحج في أُخرى ، لمنع ذلك بل المراد منه الشهر القابل. على أنه لمعارضة الأدلّة السابقة غير قابل (*) ، وعلى هذا فلو أتى بالعمرة في عام

______________________________________________________

ولكن الخبر لا يدل على حكم العمرة التي صدرت منه وإنما يدل على أن الرجل إذا جاور مكّة انقلبت وظيفته من التمتّع إلى الإفراد ، فيكون الخبر مخالفاً للنصوص المعتبرة المتقدّمة الدالّة على عدم الانقلاب إذا أقام في مكّة بمدّة أقل من السنتين وإنما الانقلاب يتحقق إذا جاور مدّة سنتين ، فالرواية أجنبية عن المقام. مضافاً إلى ضعف السند بمحمّد بن سنان ، فالحكم على ما يقتضيه القاعدة من البطلان من الأصل ، لأنّ ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع ، نعم لا بأس بذلك رجاء ويأتي بطواف النّساء.

(١) الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في هذا الحكم ، ويدلُّ عليه وجوه :

الوجه الأوّل : ما يستفاد من النصوص الدالّة على وجوب الحج على أهل الجدة والثروة في كلّ عام مرّة واحدة (١) ، فإن المستفاد من هذه الروايات أن الحج من وظائف السنة الواحدة ، ولو جاز التفكيك والافتراق بين الحج والعمرة وجاز الإتيان بهما في سنتين لكان ذلك منافياً لهذه الأدلّة ، فحال الحج حال نظائره من العبادات كالصلاة اليومية فإنها من وظائف كل يوم ، وصلاة الجمعة فإنها من وظائف كل

__________________

(*) بل هو ضعيف سنداً فلا يصلح للمعارضة.

(١) الوسائل ١١ : ١٦ / أبواب وجوب الحج ب ٢.

١٩٤

وأخّر الحج إلى العام الآخر لم يصح تمتعاً سواء أقام في مكّة إلى العام القابل أو رجع إلى أهله ثمّ عاد إليها ، وسواء أحل من إحرام عمرته أو بقي عليه إلى السنة الأُخرى ، ولا وجه لما عن الدروس من احتمال الصحّة في هذه الصورة ، ثمّ المراد من كونهما في سنة واحدة أن يكونا معاً في أشهر الحج من سنة واحدة ، لا أن لا يكون بينهما أزيد من اثني عشر شهراً وحينئذ فلا يصحّ أيضاً لو أتى بعمرة التمتّع في أواخر ذي الحجّة وأتى بالحج في ذي الحجّة من العام القابل.

______________________________________________________

أسبوع ، والعمرة فإنّها من وظائف كل شهر ، وهكذا الحج فإنه من وظائف السنة الواحدة.

نعم لا ريب أن هذه النصوص محمولة على الاستحباب ، لعدم وجوب الحج على المكلّفين في كل سنة وإنّما يجب في العمر مرّة واحدة بالضرورة والنصوص (١) كما عرفت في أوّل الكتاب (٢) ، ولكن ذلك غير دخيل في الاستفادة المذكورة.

الوجه الثاني : الأخبار المبينة لكيفية حجّ التمتّع (٣) ، وليس فيها دلالة ولا إشعار على جواز التفريق بين الحج والعمرة باتيانهما في سنتين ، ولو كان مشروعاً لأُشير إليه ولو في رواية واحدة ، فخلوّ الروايات البيانية مع كثرتها يكشف عن عدم مشروعية الافتراق.

الوجه الثالث : الروايات الدالّة على أن المعتمر بعمرة التمتّع محتبس في مكّة حتى يحج (٤) ، فإن المنظور في هذه الروايات عدم الافتراق بين العمرة والحج وأن من تمتّع بالعمرة ليس له الخروج من مكّة إلى أن يحج ، وفي ذيل بعضها أنه لو اقتضت

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٩ / أبواب وجوب الحج ب ٣.

(٢) راجع شرح العروة ٢٦ : ٧.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٣٩ / أبواب أقسام الحج ب ٣.

(٤) الوسائل ١١ : ٣٠١ / أبواب أقسام الحج ب ٢٢.

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الضرورة للخروج في حاجة فليخرج محرماً بالحج ثمّ يمضي إلى عرفات ، فإن هذه الخصوصية تدل على لزوم إتيانهما في سنة واحدة.

والحاصل : لا يبتني الاستدلال بهذه الروايات على مجرّد الاحتباس في مكّة والارتهان بالحج حتى يرد عليه بأنه أعم من المدعى ، بل المنظور في الاستدلال بما في ذيل بعض الروايات من أنه لو اقتضت الضرورة للخروج لا يخرج إلّا محرماً للحج فإنّ هذا المعنى يدل بوضوح على عدم جواز الافتراق والتفكيك بين الحج والعمرة ولزوم الإتيان بهما في عام واحد.

الوجه الرابع : الأخبار الدالّة على أن عمرة التمتّع مرتبطة بالحج وأنه «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ، وشبك (صلّى الله عليه وآله) أصابعه بعضها إلى بعض» (١) بخلاف المفردة فإنها غير مرتبطة بالحج كما في الروايات المستفيضة (٢) ومعنى الارتباط أن مشروعية العمرة مرتبطة بمشروعية الحج ، فإذا أتى بالعمرة لا يجوز له تأخير الحج لأنه واجب فوري ، وإن لم يأت به فقد أفسد عمرته وإلّا لكان منافياً للارتباط ، وإذا أتى بعمرة التمتّع بعد أيّام الحج لم تكن عمرته بمشروعة لعدم مشروعية الحج له حينئذ ، وإذا لم يكن الحج مشروعاً لا تكون العمرة مشروعة أيضاً لفرض ارتباطها به.

الوجه الخامس : الروايات الدالّة على ذهاب المتعة بزوال يوم التروية أو بدخول يوم عرفة أو إلى زمان لم يدرك الحج (٣) ونحو ذلك ، فإن العمرة حينئذ غير مشروعة ويجعلها حجة وقد فاتته عمرة المتعة ، ولو كان الافتراق باتيانهما في عامين جائزاً لا وجه لفوات عمرة المتعة ، فيكشف ذلك عن لزوم إتيانهما في عام واحد.

الوجه السادس : قاعدة الاشتغال المعبّر عنها بقاعدة توقيفية العبادات كما في المتن.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٩٦ / أبواب أقسام الحج ب ٢ ، ٢٢.

(٢) الوسائل ١٤ : ٣٠٥ / أبواب العمرة ب ٥ ، ٧.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٩٦ / أبواب أقسام الحج ب ٢١.

١٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأُورد عليها بأن القاعدة المذكورة لا تقتضي وجوب الاحتياط بالإتيان بهما في عام واحد ، بل المقام من موارد الرجوع إلى أصل البراءة ، لبنائهم على الرجوع إليها عند الشك في الجزء والشرط وعند الشك في الأقل والأكثر.

والتحقيق أن يقال : إن جريان قاعدة الاشتغال أو أصالة البراءة مبني على كون الحج واجباً مشروطاً أو معلقاً.

فإن قلنا بأنه واجب مشروط بخروج الرفقة كما عن المشهور ولذا جوزوا تفويت الاستطاعة قبل خروج الرفقة ولم يجوزوا بعده فحينئذ لو شكّ في اعتبار اقتران العمرة بالحج وإتيانهما في سنة واحدة فمقتضى القاعدة الاشتغال ، لأنّ المفروض عدم ثبوت الوجوب قبل خروج الرفقة وإنما يحدث الوجوب بعده ، فلو أتى بعمرة التمتّع قبل ذلك مفصولة عن الحج يشك في السقوط وعدمه والأصل عدمه.

توضيح ذلك : أنه لو أتى بعمرة التمتّع قبل أيّام الحج فلا ريب في لزوم الإتيان بالحج بعدها ، لأنّ الحج واجب فوري لا يجوز تأخيره ، وهذا مما لا كلام فيه. إنما الكلام فيما لو أتى بعمرة التمتّع بعد أيّام الحج كأواخر ذي الحجة من هذه السنة ، والمفروض أن الحج يجب بخروج الرفقة في السنة الآتية ففي هذه السنة لا وجوب للحج ، فحينئذ يشك في سقوط الأمر بعمرة التمتّع من السنة الآتية باعتبار إتيان العمرة في هذه السنة بمعنى أن وجوب الحج وإن لم يكن ثابتاً بالفعل ولكن يحتمل سقوط الأمر بعمرة التمتّع للسنة الآتية بهذه العمرة المفصولة التي أتى بها في هذه السنة ، والأصل عدم السقوط وعدم الإتيان بالمسقط ، هذا كلّه بناءً على أن الحج واجب مشروط.

وأمّا لو قلنا بأن الحج واجب معلق كما هو الصحيح بمعنى أن الوجوب فعلي والواجب استقبالي ، وأن أوّل زمان الوجوب أوّل زمان الاستطاعة ولذا لو استطاع في ذي الحجة بعد فوات زمان الحج في سنته فقد وجب عليه الحج بعدها فعلاً وإن كان متعلقه متأخراً ، فحينئذ لو شكّ في أن الوجوب الفعلي للحج هل تعلق بالعمرة المقيّدة بالسنة الآتية المقترنة للحج أو بالأعم من ذلك ومن العمرة المفصولة التي أتى

١٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بها في السنة الأُولى ، فيكون الشك شكّاً في الأقل والأكثر باعتبار تقييد العمرة بإتيانها في السنة الآتية مقترنة للحج وعدمه ، والمرجع هو أصل البراءة عن التقييد ، لأنّ متعلق الواجب باعتبار التقييد يكون كالأكثر والأصل عدمه.

ولكن قد عرفت أنه لا ينبغي الريب في الحكم المذكور ويكفينا الوجوه المتقدّمة مضافاً إلى أنه مما لا خلاف فيه بين الأصحاب.

ثمّ إنه لا ينافي الوجوه المتقدّمة خبر سعيد الأعرج : «من تمتع في أشهر الحج ثمّ أقام بمكّة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة» (١) بدعوى أن المراد بالقابل فيه العام القابل فيدل على جواز إيقاع العمرة في سنة والحج في أُخرى.

ولكن هذه الدعوى ممنوعة ، فإن المراد من القابل فيه الشهر القابل لا العام القابل لأنّ الظاهر من قوله : «من تمتع في أشهر الحج ثمّ أقام بمكّة حتى يحضر الحج من قابل» بقرينة المقابلة بين الأشهر والقابل هو الشهر القابل ، يعني من تمتع في شوال أو ذي القعدة وأقام حتى يحضر الحج من الشهر القابل. نعم ، لو قال : من تمتع في هذا العام وأقام حتى يحضر الحج من قابل لكان ظاهراً في العام القابل. على أن الخبر ضعيف بمحمد بن سنان ، ومعارض بمجموع الروايات المتقدّمة الدالّة على إتيانهما في عام واحد.

وعلى هذا فلو أتى بالعمرة في عام وأخر الحج إلى العام الآخر لم يصح تمتعاً سواء أقام في مكّة إلى العام القابل أو رجع إلى أهله ثمّ عاد إليها ، ومن دون فرق بين ما لو أحل من إحرام عمرته أو بقي عليه إلى السنة القادمة ، فما عن الدروس من احتمال الصحّة لو بقي على إحرام عمرته إلى السنة القادمة (٢) لا وجه له أصلاً بعد فساد عمرته وإحرامه.

ثمّ المراد من السنة الواحدة ليس هو الفصل بمقدار السنة أي مضي مقدار اثنى

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٧٠ / أبواب أقسام الحج ب ١٠ ح ١.

(٢) الدروس ١ : ٣٣٩ الدرس ٨٩.

١٩٨

الرابع : أن يكون إحرام حجّه من بطن مكّة مع الاختيار للإجماع والأخبار. وما في خبر إسحاق عن أبي الحسن (عليه السلام) من قوله (عليه السلام) : «كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج ودخل وهو محرم بالحج» حيث إنه ربّما يستفاد منه جواز الإحرام بالحج من غير مكّة ، محمول على محامل (*) أحسنها أن المراد بالحج عمرته حيث إنّها أوّل أعماله ، نعم يكفي أيّ موضع منها كان ولو في سِكَكها للإجماع وخبر عمرو بن حريث (**) عن الصادق (عليه السلام) : «من أين أُهل بالحج؟ فقال : إن شئت من رَحلك وإن شئت من المسجد وإن شئت من الطريق» (١)

______________________________________________________

عشر شهراً حتى يقال بصحّة العمرة لو أتى بها في أواخر ذي الحجّة من هذا العام وبالحج في السنة القادمة لكون الفصل أقل من السنة الواحدة بعدة أيّام ، بل المراد من السنة الواحدة ومن إتيانهما في سنة واحدة أن يكونا معاً واقعين في أشهر الحج من سنة واحدة ، وحينئذ فلا يصح أيضاً لو أتى بعمرة التمتّع في أواخر ذي الحجة وأتى بالحج في العام القابل.

(١) أجمع علماؤنا كافة على أن ميقات حج التمتّع مكّة المكرّمة ولا يجوز الإحرام من حواليها وضواحيها ، ويدلُّ عليه عدّة من الروايات ، وفي بعضها الأمر بالإحرام من المسجد (١) ، ولكن الرواية ضعيفة بإبراهيم بن ميمون لأنه لم يوثق فتحمل على الاستحباب بناءً على التسامح في أدلّة السنن ، وفي صحيح عمرو بن حريث قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : من أين أُهل بالحج؟ فقال : إن شئت من رحلك وإن شئت من الكعبة وإن شئت من الطريق» (٢).

__________________

(*) الرواية وإن كانت معتبرة سنداً إلّا أنها لمعارضتها مع ما تقدّم من الأخبار لا يمكن الاعتماد عليها ، على أنها مشوّشة المتن.

(**) الخبر صحيح سندا.

(١) الوسائل ١١ : ٣٣٩ / أبواب أقسام الحج ب ٩ ح ٤.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٣٩ / أبواب المواقيت ب ٢١ ح ٢.

١٩٩

وأفضل مواضعها المسجد وأفضل مواضعه المقام أو الحجر وقد يقال : أو تحت الميزاب ، ولو تعذّر الإحرام من مكّة أحرم ممّا يتمكّن ، ولو أحرم من غيرها اختياراً متعمداً بطل إحرامه ، ولو لم يتداركه بطل حجّه ، ولا يكفيه العود إليها بدون التجديد بل يجب أن يجدّده لأنّ إحرامه من غيرها كالعدم ، ولو أحرم من غيرها جهلاً أو نسياناً وجب العود إليها والتجديد مع الإمكان ، ومع عدمه جدّده في مكانه (*).

______________________________________________________

والرواية على ما رواه في الكافي (١) لم يصرح فيها بموقع الرحل ومكانه كما لم يعلم المراد من الطريق ، ولكن الشيخ رواها في التهذيب بنحو آخر (٢) يتضح منه الأمران ، وذلك فإنّه ذكر في أوّل الخبر «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) وهو بمكّة» فيعلم أن السؤال والجواب كانا في مكّة فيكون المراد من الرحل رحله الملقى في مكّة كما أن المراد من الطريق أزقة مكّة وطرقها وشوارعها ، وقد ذكر الشيخ كلمة «من المسجد» بدل قوله «من الكعبة» ، ولعله الأظهر لعدم تمكن إحرام الحاج من الكعبة نوعاً.

ويدلُّ على الحكم المذكور أيضاً صحيح الحلبي (٣).

وفي المقام رواية ربّما يستفاد منها جواز الإحرام بالحج من غير مكّة وهي موثقة إسحاق بن عمّار ، قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المتمتع يجي‌ء فيقضي متعة ثمّ تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة وإلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن ، قال : يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه ، لأنّ لكل شهر عمرة ، وهو مرتهن بالحج ، قلت : فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه ، قال : كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقى (ملتقياً) بعض هؤلاء ، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق

__________________

(*) لا يبعد جواز الاكتفاء بإحرامه إذا كان حينه أيضاً غير متمكن من الرجوع إلى مكّة.

(١) الكافي ٤ : ٤٥٥ / ٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٧٧ / ١٦٨٤.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٦٦ / أبواب أقسام الحج ب ٩ ح ٣.

٢٠٠