موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

هذا ، ولو فضل من السنين فضلة لا تفي بحجّة فهل ترجع ميراثاً أو في وجوه (*) البر أو تزاد على اجرة بعض السنين؟ وجوه (١).

______________________________________________________

الاثنا عشرية فيهم ، وتبعه غير واحد كالعلّامة (١) والفاضل المجلسي (٢).

ويردّه : أنّ هذا اجتهاد منه استنبطه من بعض الروايات ، ولو كان سفيراً لذكره الشيخ في كتاب الغيبة الذي تصدى فيه لذكر السفراء وكذلك النجاشي (٣) وغيرهما ممن تقدّم على ابن طاوس مع شدّة اهتمامهم بذكر السفراء والأبواب.

نعم ذكر الصدوق في كتاب إكمال الدين (٤) في الباب السابع والأربعين في ذكر من شاهد القائم (عليه السلام) حديثاً عن إبراهيم بن مهزيار وتشرفه بخدمة الصاحب (عليه السلام) ، وفيه دلالة على جلالة قدر الرجل ووثاقته وعلو مقامه ، ولكن راوي الرواية هو إبراهيم نفسه ، ولا يمكن إثبات وثاقة شخص بقول نفسه. على أن هذه الرواية مشتملة على أمر مقطوع البطلان والكذب وهو إخباره عن وجود أخ للحجّة (عليه السلام) مسمّى بموسى وقد رآه إبراهيم ، وهذا ممّا لا يمكن تصديقه أبداً ، والعمدة في وثاقته أنه من رجال كامل الزيارات ، فالرواية معتبرة والدلالة واضحة فلا ينبغي الرّيب في الحكم المذكور ، على أن الظاهر من حال الموصي كون الوصية بذلك من باب تعدّد المطلوب.

(١) أمّا احتمال رجوع المال الزائد ميراثاً ففيه : أن الإرث بعد إخراج الوصية فما لم يحرز العجز عن العمل بالوصية كما هو المفروض لاحتمال تعدد المطلوب لا يرجع ميراثاً ، وأمّا جعل الزائد إضافة على اجرة بعض السنين فلا موجب له بعد فرض عدم كفاية المال للموصى به ، ومقتضى القاعدة حينئذ سقوط الوصية بالحج الزائد

__________________

(*) الأظهر صرفها في وجوه البر.

(١) رجال العلامة (الخلاصة) : ٥١ / ١٧.

(٢) روضة المتقين ١٤ : ٣٨.

(٣) رجال النجاشي : ١٦ / ١٧.

(٤) كمال الدين : ٤٨٧ باب الخامس والأربعين.

١٠١

ولو كان الموصى به الحج من البلد ودار الأمر بين جعل اجرة سنتين مثلاً لسنة وبين الاستئجار بذلك المقدار من الميقات لكل سنة ففي تعيين الأوّل أو الثاني وجهان ، ولا يبعد التخيير بل أولوية الثاني ، إلّا أن مقتضى (*) إطلاق الخبرين الأوّل ، هذا كلّه إذا لم يعلم من الموصي إرادة الحج بذلك المقدار على وجه التقييد وإلّا فتبطل الوصية إذا لم يرج إمكان ذلك بالتأخير أو كانت الوصية مقيّدة بسنين معيّنة (١).

______________________________________________________

فيتعيّن الوجه الثاني وهو صرفه في مطلق وجوه البر ، لظهور حال الموصي في كون الوصية على نحو تعدد المطلوب.

نعم ، لو كانت الوصية بتعدّد الحج بالمقدار المعيّن على نحو التقييد تكون الوصية باطلة ، لتعلقها بأمر متعذر غير مقدور فيرجع المال إلى الوارث ، بخلاف ما إذا كانت الوصية في الحقيقة متعدِّدة أحدها تعلّق بالحج عنه والآخر تعلّق بصرف مقدار من الثّلث في وجوه البر من الحج ونحوه ، وتعذر واحد منهما لا يوجب سقوط العمل بالآخر كما هو الشأن في جميع موارد تعدّد المطلوب.

(١) إذا أوصى بالحج البلدي وفرضنا عدم كفاية المقدار المعيّن لتعدّده ودار الأمر بين تعدّد الحج الميقاتي وبين الاستئجار لحج بلدي واحد ، وبعبارة اخرى : دار الأمر بين إلغاء خصوصية البلد أو إلغاء التعدّد ، الظاهر تعين الثاني وتقديم الحج البلدي لإطلاق الخبرين المتقدّمين (١) لإبراهيم بن مهزيار ، فإن الأوّل منهما وإن لم يصرح فيه بذكر البلد ولكن مقتضى إطلاقه هو إتيان الحج البلدي مرّة واحدة وإن تمكن من حجّتين ميقاتيتين ، وأوضح منه الخبر الثاني ، لأنّ مورده الوصية بالحج البلدي لقوله : «وقد انقطع طريق البصرة فتضاعف المؤن» وقد أمر (عليه السلام) بجعل حجّتين مكان ثلاث حجج.

__________________

(*) وعليه فهو الأحوط.

(١) في ص ٩٩.

١٠٢

[٣١٧٥] مسألة ٧ : إذا أوصى بالحج وعيّن الأُجرة في مقدار فإن كان الحج واجباً ولم يزد ذلك المقدار عن اجرة المثل أو زاد وخرجت الزيادة من الثّلث تعيّن ، وإن زاد ولم تخرج الزيادة من الثّلث بطلت الوصية ويرجع (*) إلى أُجرة المثل ، وإن كان الحج مندوباً فكذلك تعيّن أيضاً مع وفاء الثّلث بذلك المقدار وإلّا فبقدر وفاء الثّلث مع عدم كون التعيين على وجه التقييد ، وإن لم يف الثّلث بالحج أو كان التعيين على وجه التقييد بطلت الوصية وسقط وجوب الحج (١).

______________________________________________________

وقد يقال بتعيين الميقاتي وإلغاء خصوصية البلدي بمقتضى النصوص الدالّة على أنه إذا لم يمكن الحج البلدي فمن الميقات حجة واحدة ، وقد عقد في الوسائل باباً لذلك وذكر فيها عدّة روايات دلّت على أن من أوصى بحجة الإسلام وجب أن يقضى عنه من بلده فإن لم تبلغ التركة فمن حيث بلغ ولو من الميقات ، منها : صحيحة علي بن رئاب وموثقة ابن بكير (١).

والجواب : أن مورد الروايات هو عدم التمكن من البلد ، والمفروض في محل الكلام هو التمكن منه ولكن لا يتمكن من التعدد ، فالروايات أجنبية عن المقام ولا يمكن التعدِّي من مواردها إلى محل كلامنا.

(١) يقع الكلام تارة في الحج الواجب وأُخرى في المندوب.

أمّا الأوّل : فإن عيّن الميت الأُجرة في مقدار معيّن ولم يزد ذلك المقدار عن اجرة المثل تعين ، وكذا لو زاد وكان ثلث الميت وافياً ، وأمّا لو زاد عن اجرة المثل ولم يبلغ الثّلث الزيادة ، كما إذا أوصى بإعطاء ألف دينار للأجير وفرضنا أن اجرة المثل خمسمائة وكان ثلثه ثلاثمائة دينار مثلاً ، ذكر المصنف أن الوصية تبطل ويرجع إلى أُجرة المثل لعدم صحّة الوصية بما زاد على الثّلث.

ولكن الظاهر أنه لا موجب للبطلان بل يضاف إلى أُجرة المثل مقدار الثّلث وهو

__________________

(*) بل صحّت وتكمل بها اجرة المثل بالمقدار الممكن.

(١) الوسائل ١١ : ١٦٦ / أبواب النيابة في الحج ب ٢ ح ١ ، ٢.

١٠٣

[٣١٧٦] مسألة ٨ : إذا أوصى بالحج وعيّن أجيراً معيّناً تعين استئجاره بأُجرة المثل وإن لم يقبل إلّا بالأزيد ، فإن خرجت الزيادة من الثّلث تعين أيضاً وإلّا بطلت الوصية واستؤجر غيره بأُجرة المثل في الواجب مطلقاً ، وكذا في المندوب إذا وفى به الثّلث ولم يكن على وجه التقييد وكذا إذا لم يقبل أصلا (١).

[٣١٧٧] مسألة ٩ : إذا عيّن للحج اجرة لا يرغب فيها أحد وكان الحج مستحبّاً بطلت الوصية إذا لم يرج وجود راغب فيها (٢) وحينئذ فهل ترجع ميراثاً أو تصرف في وجوه البر أو يفصّل بين ما إذا كان كذلك من الأوّل فترجع ميراثاً أو كان الراغب موجوداً ثمّ طرأ التعذّر؟ وجوه ، والأقوى هو الصرف في وجوه البر ، لا لقاعدة

______________________________________________________

ثلاثمائة دينار في المثال ، لوجوب العمل بالوصية بالمقدار الممكن وإن لم يبلغ ذلك المقدار المعيّن الموصى به.

وأمّا الثاني : فيظهر الحال فيه بما تقدّم من أنه يتعين المقدار الذي عيّنه ويجب إخراجه من الثّلث ، فإن وفى الثّلث بأُجرة المثل وبالزيادة فهو ، وإلّا فيضاف إلى أُجرة المثل بالمقدار الممكن وإن لم يبلغ المجموع ذلك المقدار المعيّن ، لوجوب العمل بالوصية مهما أمكن ، والمتعذر هو العمل بتمام الوصية ، وأمّا العمل بالمقدار الممكن فلا موجب لسقوطه إلّا إذا كانت الوصية على نحو التقييد ووحدة المطلوب ، أو كان الثّلث غير كاف أصلاً فتسقط الوصية حينئذ.

والمسألة اللاحقة شبيهة بهذه وهي ما إذا عيّن أجيراً معيّناً ، فإن قبل اجرة المثل تعين استئجاره وإن كان ممن يأبى عن النيابة أو لا يقبل إلّا بالأزيد ولا يكفي الثّلث للزيادة يستأجر شخص آخر ، هذا في الواجب ، وأمّا في المندوب فإن وفى الثّلث فهو وإن لم يف وكانت الوصية على وجه التقييد تسقط لعدم إمكان العمل بها ، وإن لم تكن على وجه التقييد يستأجر شخص آخر مع الإمكان.

(١) قد ذكرنا حكم هذه المسألة في المسألة السابقة فلا نعيد.

(٢) لعدم إمكان العمل بالوصية ، وهل ترجع الأُجرة المعيّنة ميراثاً ، أو تصرف في

١٠٤

الميسور بدعوى أن الفصل إذا تعذّر يبقى الجنس ، لأنّها قاعدة شرعيّة وإنّما تجري في الأحكام الشرعيّة المجعولة للشارع ولا مسرح لها في مجعولات الناس كما أشرنا إليه سابقاً ، مع أن الجنس لا يعدّ ميسوراً للنوع فمحلها المركبات الخارجية إذا تعذّر بعض أجزائها ولو كانت ارتباطية ، بل لأنّ الظاهر من حال الموصي في أمثال المقام إرادة عمل ينفعه وإنّما عيّن عملاً خاصّاً لكونه أنفع في نظره من غيره فيكون تعيينه لمثل الحج على وجه تعدّد المطلوب وإن لم يكن متذكراً لذلك حين الوصية نعم لو علم في مقام كونه على وجه التقييد في عالم اللُّب أيضاً يكون الحكم فيه الرجوع إلى الورثة ، ولا فرق في الصورتين بين كون التعذّر طارئاً أو من الأوّل ويؤيد ما ذكرنا ما ورد من الأخبار في نظائر المقام ، بل يدل عليه خبر علي بن سويد (*) عن الصادق (عليه السلام) قال : «قلت : مات رجل فأوصى بتركته أن أحج بها

______________________________________________________

مطلق وجوه البر ، أو يفصّل بين المتعذر من الأوّل والطارئ ففي الأوّل ترجع ميراثاً وفي الثاني تصرف في وجوه البر؟ وجوه.

والذي ينبغي أن يقال : إن الميت قد يعين الثّلث أوّلاً ثمّ يخرج منه الحج والصلاة والصوم ونحوها كما إذا قال : أخرجوا من ثلثي الحج والصلاة ونحوهما من وجوه البر ففي مثل ذلك لا ينبغي الشك في أنه لا موجب لرجوع المال إلى الورثة لعدم المقتضي وهكذا لو كان التعذر لأسباب أُخر كما لو أوصى من ثلثه تعمير مسجد وفرضنا أن المسجد وقع في الشارع ولم يمكن عمارته ، أو أوصى للمواكب الحسينية ومنعت ونحو ذلك ، ففي جميع هذه الموارد لا مقتضي لرجوع المال الذي عينه للصرف في جهة إلى الوارث لبقاء الثّلث على ملك الميت ، غاية الأمر تعذر صرفه في الموارد التي عينها فلا بدّ من صرفه في جهاته ، فإنه بتعيينه الثّلث لنفسه قد جعل الورثة محرومين عنه فلا يرجع إليهم ، ولا فرق بين أن يكون التعذّر من الأوّل أو أنه يطرأ بعد ذلك.

__________________

(*) الرواية عن علي بن مزيد لا عن علي بن سويد ، وهي ضعيفة لا تصلح للاستدلال بها ، وتكفي القاعدة للحكم المذكور بعد ظهور حال الموصي كما ذكر.

١٠٥

عنه فنظرت في ذلك فلم تكف للحج فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا : تصدق بها ، فقال (عليه السلام) : ما صنعت؟ قلت : تصدّقت بها ، فقال (عليه السلام) : ضمنت إلّا أن لا تكون تبلغ أن يحج بها من مكّة ، فإن كانت تبلغ أن يحجّ بها من مكّة فأنت ضامن» ويظهر ممّا ذكرنا حال سائر الموارد التي تبطل الوصية لجهة من الجهات ، هذا في غير ما إذا أوصى بالثّلث وعين له مصارف وتعذر بعضها ، وأمّا فيه فالأمر أوضح لأنّه بتعيينه الثّلث لنفسه أخرجه عن ملك الوارث بذلك فلا يعود إليه.

[٣١٧٨] مسألة ١٠ : إذا صالحه على داره مثلاً وشرط عليه أن يحج عنه بعد موته صح ولزم وخرج من أصل التركة وإن كان الحج ندبياً ولا يلحقه حكم الوصية. ويظهر من المحقق القمي (قدس سره) في نظير المقام إجراء حكم الوصية عليه بدعوى أنه بهذا الشرط ملك عليه الحج (*) وهو عمل له اجرة فيحسب

______________________________________________________

وأمّا لو أوصى ابتداءً بأُمور ولم تكن وصيته مسبوقة بتعيين الثّلث وإخراجه كما إذا أوصى بالحج ابتداءً فهل يرجع المال ميراثاً أو يصرف في وجوه البر؟ وجهان ، قد يقال بالأوّل لعدم إمكان العمل بالوصية فيرجع المال إلى الوارث لفقد المانع.

ولكن ذهب جماعة منهم الماتن (قدس سره) إلى الثاني للقرينة العامّة الخارجيّة على تعدد المطلوب ، فإن الظاهر من حال الموصي في أمثال المقام إرادة عمل ينفعه وإنما عيّن عملاً خاصّاً لكونه أنفع في نظره من غيره ، فتعيينه لمثل الحج ونحوه من الأُمور القربية على نحو تعدد المطلوب وإذا تعذر بعضه لا يسقط الآخر.

ويؤكد ذلك عدّة من الروايات الواردة في باب نسيان الوصية وعدم وفاء المال للعتق (١) ، ويظهر من ذلك كلّه أن غرض الموصي لا خصوصية له بالنسبة إلى ما عيّنه

__________________

(*) الصحيح في الجواب أن يقال : إن الشارط لا يملك على المشروط عليه العمل المشروط حتى ينتقل إلى الورثة.

(١) الوسائل ١٩ : ٣٩٣ / كتاب الوصايا ب ٦١ ، ٧٣.

١٠٦

مقدار اجرة المثل لهذا العمل ، فإن كانت زائدة عن الثّلث توقف على إمضاء الورثة ، وفيه : أنه لم يملك عليه الحج مطلقاً في ذمّته ثمّ أوصى أن يجعله عنه بل إنما ملك بالشرط الحج عنه وهذا ليس مالاً تملكه الورثة ، فليس تمليكاً ووصية وإنّما هو تمليك على نحو خاص لا ينتقل إلى الورثة (١).

______________________________________________________

بل يرجع تعيينه لمثل ذلك إلى تعدّد المطلوب.

وقد استشهد في المتن بخبر علي بن سويد (١) ، والخبر على ما ذكره صحيح السند إلّا أن المذكور في السند ليس علي بن سويد ، بل هو إما علي بن مزيد كما في الفقيه (٢) أو علي بن فرقد كما في الكافي (٣) والتهذيب (٤) ، وعلى كل تقدير لم يوثق ، فتكون الرواية ضعيفة.

نعم لو علمنا بالخصوصية وأن الوصية على نحو التقييد تبطل في صورة التعذّر فلا مانع إذن من رجوع المال إلى الوارث. وأمّا قاعدة الميسور فقد عرفت غير مرّة أنه لا أساس لها ، على أنها مخدوشة في المقام صغرى لأنّ الجنس لا يعد ميسوراً للنوع.

(١) وقع الخلاف بين السيّد المصنف والمحقق القمي (قدس سرهما) في هذه المسألة.

اختار المصنف خروج الحج من أصل التركة وإن كان الحج ندبياً ولا يلحقه حكم الوصية ، وذلك لأنّ الحج عن الميت ليس مالاً تملكه الورثة ، وإنما هو ملك للميت على نحو خاص من الملكية غير قابل للانتقال إلى الوارث.

واختار المحقق القمي إجراء حكم الوصية عليه ، فيلاحظ مع الثّلث (٥) فإن كان بمقداره ينفذ وإن كان أزيد توقف على إمضاء الورثة ، بدعوى أنّ الموصي قد ملك

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ٣٤٩ / كتاب الوصايا ب ٣٧ ح ٢.

(٢) الفقيه ٤ : ١٥٤ / ٥٣٤.

(٣) الكافي ٧ : ٢١ / ١.

(٤) التهذيب ٩ : ٢٢٤ / ٨٨١.

(٥) جامع الشتات ١ : ٢٢٧ كتاب الصلح السطر ٢٩ ٣٠

١٠٧

وكذا الحال إذا ملّكه (*) داره بمائة تومان مثلاً بشرط أن يصرفها في الحج عنه أو عن غيره أو ملّكه إيّاها بشرط أن يبيعها ويصرف ثمنها في الحج أو نحوه ، فجميع

______________________________________________________

الحج على ذمّة المصالَح بالفتح بهذا الشرط ، وهو عمل له اجرة فصار من جملة ممتلكات الموصي ويعامل معه معاملة الأموال المتروكة من احتساب مقدار اجرة المثل لهذا العمل وملاحظة زيادتها على الثّلث وعدمها.

وبعبارة اخرى : الحج الثابت في ذمّة المصالَح بالفتح بسبب الشرط مملوك للمصالِح بالكسر ـ ، فإذا مات ينتقل إلى ورثته كسائر الأموال المتروكة فحينئذ يكون أمر الموصي للمصالَح بالفتح بفعل الحج عنه وصية منه بذلك فاللّازم خروجه من الثّلث.

وأورد عليه المصنف بأن الموصي قد يملك الحج مطلقاً في ذمّة شخص آخر ، فإذا ملك عليه الحج مطلقاً ثمّ أوصى أن يجعله عنه يعامل معه معاملة الأموال المتروكة لأنه عمل له مالية وأُجرة فينتقل من الميت إلى الوارث ويجري عليه أحكام الوصية وقد يملك عليه الحج عنه وهذا ليس مالاً تملكه الورثة فليس تمليكاً ووصية ، وإنما هو تمليك على نحو خاص لا ينتقل إلى الورثة.

ولزيادة التوضيح نقول : الحج الذي وجب على المشروط عليه بسبب الشرط وإن فرض أنه ملك للميت لكنه غير قابل للانتقال إلى الورثة ، فإن المملوك وهو الحج عن الموصي بسبب الشرط إذا أتى به المشروط عليه فقد سلمه إلى مالكه وهو الميت الموصي ، ومع تسليم المال إلى مالكه وهو الميت تفرغ ذمّة المشروط عليه علم به الوارث أو جهل به فلا موجب لاحتسابه من الثّلث ، والإخراج من الثّلث إنما هو في الأموال القابلة للانتقال إلى الوارث ، فليس الحج المفروض من قبيل بقيّة الأموال

__________________

(*) ليس هذا كالصلح المشروط بالحج أو التمليك بشرط بيع العين وصرف الثمن في الحج ، وذلك فإن مائة تومان في المثال ملك للشارط حال حياته وقد شرط على من ملكه الدار أن يصرفها في الحج فإن كان بمقدار ثلثه نفذت الوصية وإلّا فلا.

١٠٨

ذلك صحيح لازم من الأصل وإن كان العمل المشروط عليه ندبياً ، نعم له الخيار عند تخلّف الشرط وهذا ينتقل إلى الوارث بمعنى أن حق الشرط (*) ينتقل إلى الوارث فلو لم يعمل المشروط عليه بما شرط عليه يجوز للوارث أن يفسخ المعاملة.

______________________________________________________

المتروكة ، نظير ما لو باع شيئاً واشترط على المشتري بناء داره مثلاً ، فإنه يجب عليه تسليم العمل في الخارج ، وتسليمه إنما هو بوجوده وتحققه خارجاً ، فما ذكره القمي من الاحتساب من الثّلث لا وجه له.

والصحيح أن يقال : إنه لا وجه لما ذكره المصنف من أنه ملك بالشرط ، وهو تمليك على نحو خاص لا ينتقل إلى الورثة ، لأنه لو سلمنا أنه ملك للميت فلا مانع من انتقاله إلى الوارث ، ومجرّد أنّ الثابت في الذمّة هو الحج عن الميت لا طبيعي الحج لا يكون مانعاً عن الانتقال إلى الوارث فيكون له الإبراء والإسقاط أو إيقاع مصالحة جديدة عليه ، كما يكون له مطالبته وتسليمه بالحج عن الميت.

كما لا وجه لما ذكره المحقق القمي من أنه يحسب من الثّلث ، وذلك فإنّ الحج المشروط به الصلح ليس مالاً وملكاً للميت لينتقل إلى الوارث ، فإنّ الاشتراط لا يوجب كون الشرط ملكاً للشارط ، لأنّ غاية ما يقتضيه الاشتراط لزوم العمل بالشرط وثبوت الخيار عند التخلّف كما هو كذلك في غير المقام.

وبعبارة اخرى : الاشتراط لا يوجب ملكية الشرط للشارط ولا يملك الشارط على المشروط عليه العمل بالشرط حتى ينتقل إلى الورثة ، وإنما يترتّب على الاشتراط الإلزام من الشارط والالتزام بالشرط من المشروط عليه ، فهو يقتضي إلزاماً من شخص والتزاماً من شخص آخر ، فالحج المشروط به الصلح في المقام ليس

__________________

(*) إن هذا الحق الذي لا ينتفع به الوارث ولا يمكنه إسقاطه لا ينتقل إلى الوارث ، بل الظاهر أنه باق على ملك الميت فإذا تخلف المشروط عليه يفسخ الحاكم عليه بالولاية ويصرف المال فيما شرط على المشروط عليه.

١٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ممّا تركه الميت حتى يتنازع في خروجه من الثّلث أو من الأصل وإنّما يجب الإتيان به على المشروط عليه بمقتضى الوفاء بالشرط ، فلو وفى بالشرط وأتى بالحج فقد أتى بما وجب عليه وليس للورثة معارضته ، ولو تخلف وترك الحج يثبت الخيار لتخلف الشرط.

وهل يثبت الخيار للوارث أو أن الوارث أجنبي عن ذلك؟ وجهان ، اختار المصنف الأوّل وذكر أن حق الشرط ينتقل إلى الوارث فلو لم يعمل المشروط عليه بما شرط عليه يجوز للوارث أن يفسخ المعاملة.

ويردّه : أن الحج كما لا ينتقل إلى الوارث لعدم كونه ملكاً للميت كذلك حق الخيار بتخلّف الشرط لا ينتقل إلى الوارث. بيان ذلك : أن حق الخيار كسائر الحقوق وإن كان ينتقل إلى الوارث ومنه خيار تخلف الشرط ، فلو باع شيئاً واشترط على المشتري بناء داره مثلاً ثمّ مات وتخلف المشتري عن العمل بالشرط كان لورثة البائع الخيار ، فلهم إسقاط الخيار ولهم فسخ البيع ومطالبة المشتري بالمبيع.

والوجه في ذلك : أن الشرط وهو البناية في مفروض المثال يرجع نفعه إلى الوارث فلذا كان الخيار المترتب على تخلفه داخلاً فيما ترك فينتقل إلى الوارث ، فلهم إسقاطه كما أن لهم إعماله ، وأمّا الشرط الذي لا ينتفع به الوارث أصلاً كما في المقام فلا يكون الخيار المترتب على تخلفه مما تركه الميت ، فإن الانتفاع به خاص بالميت نفسه فيكون الخيار أيضاً مختصاً به ، ومن هنا ليس للورثة إسقاط هذا الخيار بل هم أجنبيون عنه وبما أن الميت لا يتمكن من إعمال الخيار ، للوصي أو الحاكم صرف المال فيما شرط على المشروط عليه.

والحاصل : أدلّة الإرث لا تشمل المقام ، بل يلزم على المشروط عليه الوفاء بالشرط والإتيان بالحج ، وإن تخلف يلزمه الحاكم أو الوصي بالإتيان به ، وإن امتنع المشروط عليه من الوفاء يفسخ الحاكم أو الوصي ، ويصرف الحاكم أو الوصي المال في الحج باستئجار شخص آخر.

ثمّ إن المصنف ذكر مثالين آخرين لمورد الكلام بينه وبين المحقق القمي :

أحدهما : ما إذا باع داره بمائة دينار واشترط على المشتري أن يصرف المائة في

١١٠

[٣١٧٩] مسألة ١١ : لو أوصى بأن يحج عنه ماشياً أو حافياً صح واعتبر خروجه من الثّلث إن كان ندبياً وخروج الزائد عن اجرة الميقاتية منه إن كان واجباً (*). ولو نذر في حال حياته أن يحج ماشياً أو حافياً ولم يأت به حتى مات وأوصى به أو لم يوص وجب الاستئجار (**) عنه من أصل التركة كذلك ، نعم لو كان نذره مقيّداً بالمشي ببدنه أمكن أن يقال بعدم وجوب الاستئجار عنه ، لأنّ المنذور هو مشيه ببدنه فيسقط بموته لأنّ مشي الأجير ليس ببدنه ، ففرق بين كون المباشرة قيداً في المأمور به أو موردا (١).

______________________________________________________

الحج عنه أو عن غيره فإن المال يخرج من الأصل ، لعدم انتقاله إلى الوارث وبقائه على ملك الميت فلا تجري عليه أحكام الوصية.

ولا يخفى أن ما ذكره من غرائب ما صدر منه ، وذلك لأنّ الدار قد انتقلت إلى المشروط عليه والمائة دينار قد انتقلت إلى الشارط وصارت ملكاً له حال حياته فتشمله أحكام الوصية ، وليس هذا كالصلح المشروط بالحج المذكور في أوّل المسألة لأنّ المبلغ في المثال ملك للشارط حال حياته وقد شرط على من ملكه الدار أن يصرفها في الحج ، فهذا كالوصية الابتدائية بالحج بمائة دينار فلا ريب في جريان أحكام الوصية حينئذ ، نظير ما لو أودع مالاً عند شخص وطلب منه الحج عنه بعد موته ، فإنه لا كلام في جريان أحكام الوصية على ذلك.

ثانيهما : أن يملكه العين بشرط بيعها وصرف ثمنها في الحج عنه ، فالدار تنتقل إلى المشروط عليه بإزاء الشرط ويجب عليه الوفاء بالشرط ، وهذا المثال صحيح.

(١) لا ريب في نفوذ الوصية على كل حال ، فإن كان الحج الموصى به ندبياً أُخرج جميع مصارفه من الثّلث ، وإن كان واجباً وكان حجة الإسلام أُخرج أُجرة الحج من الميقات من الأصل والزائد من الثّلث.

__________________

(*) وكان حجة الإسلام.

(**) تقدّم عدم وجوبه من الأصل ، وكذا فيما بعده من فروض وجوب الحج غير حجة الإسلام.

١١١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولو نذر حال حياته أن يحج ماشياً أو حافياً ولم يأت به حتى مات وأوصى به ، فإن قلنا بأن الحج النذري يخرج من الثّلث كما هو المختار فلا كلام ، وأمّا لو قيل بخروجه من الأصل أوصى به أم لم يوص به كما عليه المصنف فهل يخرج الحج النذري بجميع خصوصياته التي منها كونه ماشياً أو حافياً من أصل التركة ، أو يخرج منه أصل الحج النذري دون خصوصياته؟ وجهان.

اختار المصنف الأوّل ، والأظهر هو الثاني ، وذلك لأنّ الذي يجب خروجه من صلب المال إنما هو حج الإسلام وأمّا غيره فلا دليل على خروجه منه ، وإنما ادعي الإجماع على إلحاق الحج النذري بحج الإسلام ، ولو سلمنا كون الإجماع تامّاً فإنّما يتم في خروج أصل الحج لا في الخصوصيات.

وبعبارة أُخرى : الإجماع دليل لبِّي لا بدّ من الاقتصار فيه على القدر المتيقن وهو خروج أصل الحج النذري من الأصل لا الخصوصيات ، نظير الصوم المنذور في يوم معيّن كيوم الجمعة إذا صادف العيد أو اتفق له السفر أو المرض ، فإن القاعدة تقتضي بطلان نذره لعدم التمكّن من متعلقه ، ولكن النص (١) دلّ على وجوب القضاء ومقتضاه وجوب أصل القضاء وجواز إلغاء الخصوصيات المأخوذة فيه ككونه واقعاً في يوم الجمعة أو في شهر رجب بل يقضي يوماً بدل يوم.

ثمّ إنه لو فرضنا أن الدليل دلّ على لزوم القضاء في الحج النذري لم يكن فرق بين الصورتين اللتين ذكرهما المصنف بقوله : «ففرق بين كون المباشرة قيداً في المأمور به أو مورداً» ، وذلك لأنّ نذره إذا تعلق بالحج ماشياً فلا محالة كان الواجب عليه هو المشي ببدنه لاستحالة المشي ببدن غيره ، فالتقييد وعدمه سيان من هذه الجهة ، فإذا وجب القضاء مع عدم التقييد وجب مع التقييد أيضاً.

فتحصل : أن الظاهر عدم وجوب قضاء الحج النذري وإنما يختص بالواجب أصالة ، وعلى فرض وجوب القضاء فالواجب إخراج أصل الحج دون الخصوصيات.

__________________

(١) الوسائل ٢٣ : ٣١٠ / أبواب النذر ب ١٠ ح ١.

١١٢

[٣١٨٠] مسألة ١٢ : إذا أوصى بحجّتين أو أزيد وقال : إنها واجبة عليه صُدّق وتخرج من أصل التركة (*) ، نعم لو كان إقراره بالوجوب عليه في مرض الموت وكان متّهماً في إقراره فالظاهر أنه كالإقرار بالدّين فيه في خروجه من الثّلث إذا كان متّهماً على ما هو الأقوى (١).

[٣١٨١] مسألة ١٣ : لو مات الوصي بعد ما قبض من التركة اجرة الاستئجار وشكّ في أنّه استأجر للحج قبل موته أو لا ، فإن مضت مدّة يمكن الاستئجار فيها فالظاهر حمل أمره على الصحّة (**) مع كون الوجوب فورياً منه ، ومع كونه موسعاً إشكال ، وإن لم تمض مدّة يمكن الاستئجار فيها وجب الاستئجار من بقيّة التركة إذا كان الحج واجباً ومن بقيّة الثّلث إذا كان مندوباً ، وفي ضمانه لما قبض وعدمه لاحتمال تلفه عنده بلا ضمان وجهان (***) ، نعم لو كان المال المقبوض موجوداً أُخذ

______________________________________________________

(١) إذا كانت إحدى الحجّتين حجّة الإسلام والأُخرى الاستئجار تخرج اجرة الحجّتين من الأصل ، أمّا أُجرة حجّة الإسلام فواضحة ، لأنّ الإيصاء والإخبار بها إقرار بالدّين حقيقة أو تنزيلاً ، وكذلك بالنسبة إلى أُجرة الحج الاستئجاري ، لأنّ الإخبار بها إقرار بالدّين حقيقة ، ولا ريب في نفوذ الإقرار بالنسبة إلى الديّن وغيره لاستقرار سيرة العقلاء عليه. مضافاً إلى ما يستفاد من النصوص الكثيرة المنتشرة في أبواب متفرقة كالروايات في باب الأموال والرقية والزوجية ، وتستنتج منها قاعدة كليّة وهي نفوذ الاعتراف والإقرار بالنسبة إلى ما عليه. وأمّا النبوي المعروف «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» فضعيف السند جدّاً ، وكذا مرسل العطار «قال : المؤمن أصدق على نفسه من سبعين مؤمناً عليه» (١).

__________________

(*) فيما كانا يخرجان من أصل التركة على تقدير الثبوت كالحج الإسلامي والحج الاستئجاري دون الواجب بمثل النذر كما تقدّم.

(**) فيه إشكال ، بل منع.

(***) أوجههما العدم.

(١) الوسائل ٢٣ : ١٨٤ / أبواب الإقرار ب ٣ ح ١ ، ٢.

١١٣

حتى في الصورة الأُولى وإن احتمل أن يكون استأجر من مال نفسه إذا كان مما يحتاج إلى بيعه وصرفه في الأُجرة وتملك ذلك المال بدلاً عما جعله اجرة لأصالة بقاء ذلك المال على ملك الميت (١).

______________________________________________________

هذا كلّه إذا كان الحج المقر به واجباً مالياً كالحج الاستئجاري ، وأمّا إذا كان واجباً نذرياً فخروجه من الأصل أو الثّلث يبتني على الخلاف بيننا وبين المصنف.

(١) لو قبض الوصي اجرة الاستئجار ثمّ مات وشكّ في أنه استأجر الحج قبل موته أو لا ، ذكر في المتن لذلك صورتين :

الاولى : مضي زمان لا يمكن فيه عادةً الاستئجار ، فلا ريب في أنه يجب الاستئجار فيها من الأصل إذا كان الحج واجباً ومن الثّلث إذا كان مندوباً ، ويسترجع مال الإجارة من ورثة الوصي إذا كان المال موجوداً وإلّا فلا ضمان على الوصي إذا لم يكن مفرطاً ، لأنّ المال أمانة عنده ولا ضمان على الأمين.

الثانية : ما إذا مضت مدّة يمكن فيها الاستئجار وهي على قسمين :

أحدهما : ما إذا كان الوجوب فورياً وشك في أن الوصي هل عمل بوظيفته أم لا ، وهل استأجر في هذه السنة أم لا ، حمل في المتن أمره على الصحّة فتفرغ ذمّة الميت.

ثانيهما : ما إذا كان الوجوب موسعاً غير مقيّد بسنة خاصّة ، استشكل الماتن فيه في حمل أمره وفعله على الصحّة.

وقد يقال بأن جريان أصالة الصحّة في المقام عند المصنف من جهة أن الموصي إذا كان مؤمناً خصوصاً إذا كان متورعاً لا يترك ما وجب عليه ، والمفروض أن الواجب فوري لا يجوز تأخيره ، وأصالة الصحّة تقتضي صدور الاستئجار منه والمبادرة من الوصي إليه ، ولذا استشكل في جريان أصالة الصحّة في الواجب الموسع لأنّ ترك الاستئجار فيه وعدم المبادرة لا ينافيان التورع.

ولكن الظاهر عدم إرادة المصنف هذا المعنى من أصالة الصحّة ، لأنّ غاية ما تقتضيه أصالة الصحّة على هذا المعنى عدم ارتكاب المؤمن المعصية ، وأمّا وقوع

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عقد الإيجار منه فلا يثبت بأصالة الصحّة ، نظير ما إذا كان المؤمن مديناً ومطالباً فإنه لا يمكن الحكم بالأداء بحمل فعله على الصحّة. ويؤيد عدم إرادة هذا المعنى إشكاله وتردّده في الواجب الموسع ، إذ لو كان مراده من أصالة الصحّة عدم ارتكاب المؤمن الحرام لا وجه للتوقف والتردد في جريان أصالة الصحّة في الواجب الموسع ، لعدم الحرمة في التأخير وعدم وجوب المبادرة إليه قطعاً ، إذ لا نحتمل ارتكابه للمحرم ليحمل فعله على الصحّة.

والظاهر أن كلامه (قدس سره) ناظر إلى صورة صرف المال وعدم وجدانه عند الوصي ، للتصريح في آخر كلامه بقوله : «نعم لو كان المال المقبوض موجوداً أُخذ» فيعلم أن مورد كلامه قبل ذلك عدم وجود المال عند الوصي ، وكذا استشكاله في إجراء أصالة الصحّة في الواجب الموسع قرينة أُخرى على أن كلامه ناظر إلى عدم وجود المال.

وبالجملة : مورد كلامه هو ما إذا تصرف الوصي في المال ولم يكن المال موجوداً عنده وشكّ في أنه هل صرفه في استئجار الحج أم لا ، فإن كان الواجب فورياً حمل فعله على الصحّة ونحكم بصحّة تصرفه وأنه صرف المال في استئجار الحج ، وإن كان الواجب موسعاً يجوز له صرفه في الاستئجار للحج كما يجوز له صرفه في غيره مما يرى فيه المصلحة ففي جريان أصالة الصحّة إشكال. هذا إذا كان المال غير موجود.

وأمّا إذا كان المال المقبوض موجوداً فيحتمل أن بقاء المال عنده كان على وجه مشروع كما لو أعطى الأُجرة من مال آخر ، كما يحتمل أن بقاءه عنده كان غير مشروع ، لأنّ المفروض أن الواجب فوري فيكون عدم صرف المال في الاستئجار أمراً غير مشروع. وبعبارة اخرى : نشك في أن استيلاءه على المال كان مشروعاً أو لا ، وأصالة الصحّة بالنسبة إلى بقاء المال عنده واستيلائه عليه لا تثبت لازمه وهو صرف بدله في الاستئجار للحج.

وملخص كلامه : أن أصالة الصحّة والحكم بتحقق الاستئجار إنما تجري فيما لم تكن عين مال الإجارة موجودة ، وأمّا إذا كانت موجودة فلا تجري بل يحكم ببقاء العين

١١٥

[٣١٨٢] مسألة ١٤ : إذا قبض الوصي الأُجرة وتلف في يده بلا تقصير لم يكن ضامناً ، ووجب الاستئجار من بقيّة التركة أو بقيّة الثّلث ، وإن اقتسمت على الورثة استرجع منهم ، وإن شكّ في كون التلف عن تقصير أو لا فالظاهر عدم الضمان أيضاً ، وكذا الحال إن استأجر ومات الأجير ولم يكن له تركة أو لم يمكن الأخذ من ورثته (١).

______________________________________________________

على ملك مالكها وهو الميت الموصي ، هذا.

ولكن الصحيح عدم جريان أصالة الصحّة أصلاً حتى فيما إذا كان المال غير موجود ، لأنّ أصالة الصحّة الثابتة بالسيرة الشرعيّة إنما تجري في كل فعل صادر من الفاعل شكّ في صحّته وفساده من جهة الشك في وجدانه للأجزاء والشرائط ، سواء كان من المعاملات كالعقود والإيقاعات أو العبادات كالصلاة ونحوها ، وأمّا لو لم يحرز صدور الفعل منه فأصالة الصحّة لا تتكفّل بوقوع الفعل منه خارجاً وصدوره منه فصرف المال في المقام وإن كان محرزاً خارجاً لكن وقوع الإيجار منه مشكوك فيه ولا يثبت بأصالة الصحّة ، نظير ما إذا أعطى المدين المال إلى الوكيل ليعطيه للدائن وصرف الوكيل المال ، فإنّه لا يمكن إثبات براءة المدين بحمل فعل الوكيل على الصحّة.

والحاصل : مدرك أصالة الصحّة هو السيرة المتشرعيّة والقدر المتيقن منها جريان أصالة الصحّة فيما إذا كان العمل بنفسه محرزاً وجداناً وشكّ في وقوعه صحيحاً أم لا وأمّا لو كان العمل بنفسه مشكوكاً فيه فلا يثبت بأصالة الصحّة من دون فرق بين وجود المال وعدمه.

(١) قد ذكرنا في بعض المباحث السابقة أن ثبوت الدين بالنسبة إلى المال من باب الكلّي في المعيّن ، فلو تلف شي‌ء من التركة قبل أداء الدّين لا ينقص من الدّين شي‌ء أصلاً فإن الإرث بعد الدّين ، وأمّا الوصية بالمال فثبوتها على نحو الإشاعة ، فإن الظاهر من النفوذ بمقدار الثّلث وكون الثّلثين للورثة هو الإشاعة ، لأنّ ذكر النسب والمقادير ظاهر في الإشاعة ، فلو تلف شي‌ء من التركة قبل التقسيم يحسب على

١١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الجميع وينقص من الثّلث أيضاً ويكون الثّلث من الباقي ، لأنّ نسبة التالف إلى المال على حد سواء.

وبالجملة : تنفذ الوصية بمقدار الثّلث وثبوتها في المال المتروك على نحو الإشاعة وأمّا الدّين فهو على نحو الكلّي في المعيّن ، وقد ثبت أن الحج دين ، فلو تلف من التركة شي‌ء أو تلف المال كلّه وبقي بمقدار الحج لا بدّ من أدائه ولا ينقص منه شي‌ء.

ويترتّب على ذلك ما ذكر في هذه المسألة من لزوم إعطاء الحج من بقيّة التركة فإن الإرث بعد أداء الحج ، ومجرّد أخذ الأُجرة لا يوجب فراغ ذمّة الميت ما لم يؤد الحج بل لا بدّ من الحج أوّلاً ثمّ تقسيم المال بين الورثة.

ولو أخذ الوصي الأُجرة وتلفت في يده بلا تقصير لم يكن ضامناً لأنّه أمين ، ولو فرض تقسيم المال بين الورثة استرجع منهم لانكشاف بطلان القسمة ، لأنّ القسمة إنما تصح بعد أداء الدين لتقدّم الوفاء به على الإرث ، هذا كلّه في الحج الواجب الأصلي ، وأمّا في مورد الوصية بالحج فإذا أخذ الوصي الأُجرة فتلفت عنده من غير تفريط فلا ضمان عليه ، ولا بدّ من إخراج الحج من الثّلث.

ولو شكّ في كون التلف عن تقصير أم لا فالظاهر عدم الضمان ، لأنّه يشك في كون التلف موجباً لضمانه أم لا والأصل هو البراءة عن الضمان ، فإنّ التلف السماوي وشبهه لا يوجب الضمان والذي يوجبه هو التلف المستند إلى تفريطه وتفويته ، فلو شكّ في استناد التلف إلى تفويته وتفريطه فالأصل عدمه.

وبذلك يظهر الحال فيما إذا استأجر شخصاً للحج وأُعطي مال الإجارة قبل الإتيان بالحج كما هو المتعارف خصوصاً في باب الحج ومات الأجير قبل أداء الحج وفرضنا أن الأجير لم يكن له مال ليؤخذ منه أو لم يمكن الأخذ من ورثته فحينئذ يجب الإخراج من بقيّة التركة واستئجار شخص آخر إن كان الحج واجباً أصلياً وإلّا فمن الثّلث.

١١٧

[٣١٨٣] مسألة ١٥ : إذا أوصى بما عنده من المال للحج ندباً ولم يعلم أنه يخرج من الثّلث أو لا لم يجز صرف جميعه (١) ، نعم لو ادعى أن عند الورثة ضعف هذا أو أنّه أوصى سابقاً بذلك والورثة أجازوا وصيته ففي سماع دعواه وعدمه وجهان (*) (٢).

______________________________________________________

(١) لو كان عنده مقدار من المال وأوصى أن يصرف خصوص هذا المال في الحج المندوب وشكّ في أن هذا المال بمقدار الثّلث أو أزيد فهل تنفذ الوصية حينئذ أم لا؟

ربّما يحتمل نفوذ الوصية للترديد بين الصحّة والبطلان ، لأنّ المال لو كان بمقدار الثّلث فالوصية صحيحة ولو كان أزيد فتبطل ، ومقتضى أصالة الصحّة هو الحمل على الصحيح ، فإن الوصية إيقاع صادر من الوصي ونشك في صحّته وفساده فيحمل على الصحّة.

وفيه : ما تقدّم من أن أصالة الصحّة بمعنى ترتيب الأثر على العقد أو الإيقاع لا بمعنى عدم ارتكاب الحرام مستندها السيرة القطعية ، ولكن مورد هذه السيرة ما إذا أحرزنا ولاية العامل على الفعل وشكّ في أنه أوقعه على الوجه الصحيح أم لا فيحمل فعله حينئذ على الصحّة ، وأمّا إذا شكّ في أصل ثبوت الولاية فلا يمكن إثبات الصحّة بالأصل ، كما إذا تصدى أحد لبيع دار زيد وشكّ في ولايته على ذلك لم يجز الشراء منه بأصالة الصحّة في بيعه ، وكذا إذا كانت عين موقوفة في يده وأراد بيعها وشكّ في أنه هل له الولاية على ذلك أم لا ، لا يمكن الحكم بصحّة بيعه بأصالة الصحّة.

وبالجملة : لا دليل على جريان أصالة الصحّة في جميع موارد الشك في الصحّة والفساد ، وإنما قام الدليل على إجرائها في موارد الشك في وجدان العمل للشرائط والأجزاء بعد إحراز الولاية على العمل.

(٢) ذكر بعضهم أنه يسمع دعواه لأنه إخبار عما في يده وتحت اختياره.

__________________

(*) أوجههما عدم السماع.

١١٨

[٣١٨٤] مسألة ١٦ : من المعلوم أنّ الطّواف مستحب مستقلا من غير أن يكون في ضمن الحج ، ويجوز النيابة فيه عن الميت ، وكذا عن الحي إذا كان غائباً عن مكّة أو حاضراً وكان معذوراً في الطّواف بنفسه ، وأمّا مع كونه حاضراً وغير معذور فلا تصحّ النيابة عنه (١) وأمّا سائر أفعال الحج فاستحبابها مستقلا غير معلوم حتى مثل السعي بين الصّفا والمروة (٢).

______________________________________________________

وفيه : أنه لم تثبت حجية إخبار ذي اليد عما في يده بجميع ما يرجع إلى ما تحت يده ، نعم لو رجع إخباره عما في يده إلى الإقرار على نفسه يسمع ، كما إذا أخبر بأن ما في يده مغصوب ، وأمّا الإخبار ببقيّة الجهات فلا دليل على السماع منه ، ولذا ذكروا أنه لو أخبر بكرية الماء الذي في يده لا يسمع منه ، فالإخبار عن إجازة الورثة أو أن المال بمقدار الثّلث يحتاج إلى الإثبات.

(١) لا ينبغي الإشكال في كون الطّواف مستحبّاً نفسيّاً مستقلا ولو لم يكن في ضمن أعمال الحج أو العمرة كاستحباب الصّلاة في نفسها ، كما في النصوص ، وقد عقد في الوسائل أبواباً تتضمن ذلك (١) ، كما أنه تجوز النيابة فيه عن الميت والحي لإطلاق جملة منها وخصوص بعض الروايات كالنصوص الواردة في الطواف عن المعصومين (عليهم السلام) أحياءً وأمواتاً (٢) ، كما لا فرق بين كون المنوب عنه غائباً عن مكّة أو حاضراً معذوراً ، لدلالة جملة من النصوص المعتبرة (٣) ولإطلاق ما ورد في المبطون والمريض (٤) ، نعم ورد المنع في خصوص المقيم الحاضر في مكّة إذا لم يكن معذوراً كما في صحيح إسماعيل بن عبد الخالق (٥).

(٢) لا ريب في عدم استحباب سائر أفعال الحج مستقلا كالوقوفين أو المبيت في

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٠٢ / أبواب الطواف ب ٤ ، ٩.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٠٠ / أبواب النيابة في الحج ب ٢٦.

(٣) الوسائل ١١ : ١٩٠ / أبواب النيابة في الحج ب ١٨.

(٤) الوسائل ١٤ : ٣٩٣ / أبواب الطواف ب ٤٩.

(٥) الوسائل ١٣ : ٣٩٧ / أبواب الطواف ب ١٥ ح ١.

١١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

منى ورمي الجمار لعدم الدليل عليه.

وأمّا السعي فربّما يقال باستحبابه مستقلا لصحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) : «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لرجل من الأنصار : إذا سعيت بين الصفا والمروة كان لك عند الله أجر من حج ماشياً من بلاده ، ومثل أجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة» (١) بدعوى أن الظاهر من قوله : «إذا سعيت بين الصفا والمروة» إلخ ، ترتب الثواب على نفس السعي وإن لم يكن في ضمن أعمال الحج ، فإن ذكر السعي في قبال الحج مع أن كل حج فيه السعي يدل على ترتب الثواب على السعي في نفسه.

ولكن هذا الاستدلال إنما يتم بناءً على ورود الصحيحة في خصوص السعي بنفسه كما في المحاسن والوسائل إلّا أن الأمر ليس كذلك ، لأنّ الصحيحة المذكورة لم تقتصر على ذكر السعي وثوابه فقط ليستفاد منه الاستحباب النفسي ، بل كان السعي في جملة ما ذكر في هذه الصحيحة من بيان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لما يترتب على أعمال الحج من الثواب في المحاورة التي دارت بينه (صلّى الله عليه وآله وسلم) وبين الأنصاري ، حيث رواها الشيخ والصدوق في التهذيب والفقيه على النحو التالي بنفس السند ، وكذلك الوسائل رواها في الباب الثاني من أقسام الحج الحديث ٧ (٢).

ففي التهذيب عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن محمّد بن قيس قال : «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول وهو يحدث النّاس بمكّة فقال : إن رجلاً من الأنصار جاء إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) يسأله ، فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : إن شئت فسل وإن شئت أخبرتك عما جئت تسألني عنه ، فقال : أخبرني يا رسول الله ، فقال : جئت تسألني مالك في حجك وعمرتك ، فإن لك إذا توجّهت إلى سبيل الحج ثمّ ركبت راحلتك ثمّ قلت بسم الله والحمد الله ثمّ مضت راحلتك لم تضع خفّاً ولم ترفع خفّاً إلّا كتب لك حسنة ومحي عنك سيّئة ، فإذا أحرمت

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٧١ / أبواب السعي ب ١ ح ١٥ وفي المحاسن : ٦٥ / ١١٩.

(٢) الوسائل ١١ : ٢١٨ / أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٧.

١٢٠