موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

موسوعة الإمام الخوئي

المؤلف:

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قدّس سرّه
المطبعة: نينوى
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6084-13-3
الصفحات: ٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أنه لو كان جاهلاً بالموضوع ولم يعلم بانعتاقه ، أو كان جاهلاً بالحكم ، كما إذا علم بالانعتاق ولم يعلم الحكم بالإجزاء حتى يجدد النيّة ، هو الاكتفاء وإجزاؤه عن حجّة الإسلام ، فما نسب إلى جماعة من وجوب تجديد النيّة لا وجه له.

الجهة الثانية : هل يعتبر في الإجزاء كونه مستطيعاً من أوّل الأمر حين دخوله في الإحرام ، أو تكفي استطاعته من حين الانعتاق ، أو لا يعتبر ذلك أصلاً ، لا من الأوّل ولا بعد العتق؟ أقوال ثلاثة ، قوى الأخير في المتن ، بدعوى إطلاق نصوص المقام وانصراف ما دل على اعتبار الاستطاعة عنه.

وفيه : أن هذه الروايات غير ناظرة إلى هذه الجهة ، وإنما هي ناظرة إلى الحرية والعبودية ، وأن الحرية تكفي بهذا المقدار ، فهي تخصيص في اعتبار الحرية ، وإلغاء لشرطية الحرية في تمام الأعمال ، وأما بالنسبة إلى اعتبار بقية الشرائط بعد الانعتاق فالنصوص غير ناظرة إليه ، ولا إطلاق لها من هذه الجهة ، ولذا لو جُن بعد الانعتاق لا يمكن القول بالصحة لأجل إطلاق النصوص ، وهذا شاهد قوي على أن الروايات ناظرة إلى خصوص الحرية والعبودية ، وغير ناظرة إلى سائر الشرائط.

فالأقوى هو القول الوسط ، وهو اعتبار الاستطاعة من حين الانعتاق ، لما عرفت من أن الروايات غير ناظرة إلى إلغاء جميع الشرائط ، فلا بدّ من الرجوع إلى الأدلّة الأوّلية المقتضية لاعتبار الاستطاعة ، ولو سُلّم انصرافها عن المقام ، فهو بدوي لا عبرة به.

وبالجملة : مقتضى إطلاق نصوص المقام أن حجّه إلى زمان العتق محكوم بالصحة ، وأما بعد العتق يرجع إلى الأدلّة الأوّلية المقتضية لاعتبار الاستطاعة ، فإلغاء شرطية الاستطاعة بالمرة لا دليل عليه ، كما أن الالتزام باعتبار الاستطاعة من أوّل الأمر لا شاهد عليه ، فإن هذه النصوص دلت على أن العبودية السابقة وإن كانت مع التسكع غير قادحة في صحّة الحجّ.

الجهة الثالثة : هل يشترط في الإجزاء إدراك خصوص المشعر ، سواء كان قد أدرك الوقوف بعرفات أو لا ، أو يكفي إدراك أحد الموقفين؟ إن نصوص المقام إنما تدل على

٤١

[٢٩٩١] مسألة ١ : إذا أذن المولى لمملوكه في الإحرام فتلبس به ليس له أن يرجع (*) في إذنه لوجوب الإتمام على المملوك ولا طاعة لمخلوق في معصية

______________________________________________________

الاكتفاء بحصول الحرية في أحد الموقفين ، فإن قلنا بالاجتزاء بالوقوف بعرفة فقط قلنا به في العبد المعتق أيضاً ، وإن قلنا بلزوم انضمام الوقوف بالمشعر في الاجتزاء نلتزم بذلك في العبد أيضاً.

وبعبارة اخرى : ليس الحكم بالنسبة إلى العبد حكماً جديداً ، بل حاله من هذه الجهة حال غيره ، ولذا لو فرض إدراك الوقوف الاختياري في عرفات فقط معتقاً من دون المشعر أصلاً ، فالأظهر بطلان حجّة كما في غيره ، فإن هذه الروايات تتكفل بإلغاء اعتبار الحرية بهذا المقدار ، ولا تتكفل بإثبات الصحة لو اقتصر على الوقوف بعرفة ، بل لا بدّ في الاجتزاء بذلك من الرجوع إلى غير ذلك من الأدلّة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى عدم الاكتفاء بالوقوف بعرفة فقط.

الجهة الرابعة : هل الحكم بالإجزاء فيما إذا انعتق قبل أحد الموقفين مختص بحج الإفراد والقران ، أو يعم حجّ التمتع أيضاً؟. مقتضى إطلاق النصوص هو الثاني لشموله لجميع أقسام الحجّ ، ولا مقتضي للتقييد بحج الإفراد والقران.

وأمّا ما ذكره (قدس سره) من أنه إذا انعتق في عمرة التمتع وأدرك بعضها معتقاً فلا إشكال ، فلم يظهر وجهه ، لأن حال ذلك حال ما لو أُعتق بعد العمرة ، فإن المستفاد من إطلاق النصوص عدم الفرق بين حصول الحرية قبل الشروع في أعمال الحجّ وحصولها في أثناء العمرة ، وبين حصول الحرية بعد العمرة وقبل الموقف بمدّة يسيرة مثلاً ، فإن الميزان في الاجتزاء كونه حرّا في أحد الموقفين ، سواء حصلت الحرية في أثناء العمرة أم بعدها قبل أحد الموقفين ، ولو نوقش في الإطلاق وادعي اختصاصها بحج الإفراد والقرآن ، فلا أثر للانعتاق أثناء العمرة والحكم فيه هو الحكم في الانعتاق أثناء الحجّ.

__________________

(*) على الأحوط ، ولا يبعد جواز الرجوع ، وبه يظهر الحال في المسألة الآتية.

٤٢

الخالق ، نعم لو أذن له ثمّ رجع قبل تلبسه به لم يجز له أن يحرم إذا علم برجوعه ، وإذا لم يعلم برجوعه فتلبس به هل يصح إحرامه ويجب إتمامه أو يصح ويكون للمولى حله أو يبطل؟ وجوه ، أوجهها الأخير لأنّ الصحّة مشروطة بالإذن المفروض سقوطه بالرجوع ، ودعوى أنه دخل دخولاً مشروعاً فوجب إتمامه فيكون رجوع المولى كرجوع الموكل قبل التصرف ولم يعلم الوكيل ، مدفوعة بأنه لا تكفي المشروعية الظاهرية ، وقد ثبت الحكم في الوكيل بالدليل ولا يجوز القياس عليه (١).

______________________________________________________

(١) رجوع المولى عن إذنه بالإحرام يتصوّر على صور :

الاولى : ما إذا رجع المولى عن إذنه بعد تلبس العبد بالإحرام ، فقد ذكر في المتن أنه ليس له أن يرجع في إذنه ، ولا أثر لرجوعه ، لوجوب الإتمام على العبد ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (١).

والظاهر أنه لم يظهر منهم خلاف في المسألة ، وتتفرع على ذلك المسألة الآتية من أنه لو باع العبد المأذون في الإحرام بعد تلبسه به ، ليس للمشتري المولى الثاني منعه عن الإتمام ، لأن منعه عن الواجب يستلزم معصية الخالق ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فلا أثر لمنعه ، وكذا لو انتقل إلى الوارث ليس له منعه بعد وجوب الإتمام عليه. وبعبارة اخرى : ليس للمالك منعه عن الإتمام سواء كان هو المولى الأوّل أو الوارث ، أو المشتري المالك الثاني ـ ، ولا يترتّب أثر على منعه في إتيان الواجب لعدم طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

هذا ، وفيما ذكروه مجال واسع للإشكال عليه ، لأن إتمام الحجّ مشروط ببقاء الشرائط ، وإذا فقد الشرط لا يمكن التمسك بوجوب الإتمام ، لأن الإتمام إنما يجب فيما إذا كان سائغاً ومشروعاً في نفسه ، والمفروض أن الإتمام غير مقدور له شرعاً ، لأنه

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٥٧ / أبواب وجوب الحجّ ب ٥٩ ح ٧ وغيره ، ١٦ : ١٥٢ / أبواب الأمر والنهي ب ١١ ، ١٥ : ١٧٢ / أبواب جهاد النفس ب ٣ ح ١.

٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

مملوك ، وجميع تصرفاته متوقف على إذن المولى ، وهو لا يقدر على شي‌ء ، فكيف يقال بأنّ الإتمام واجب عليه.

وبعبارة اخرى : هذه الكبرى وهي أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وإن كانت مسلمة ، ولكنها تنطبق فيما إذا كانت المعصية مفروضة ومحرزة ، كمورد الزنا والكذب ونحوهما من المعاصي ، والكلام في المقام في كونه معصية للخالق أم لا فالصغرى غير محرزة ، ومعه لا يمكن تطبيق الكبرى ، توضيح ذلك : أنه يقع الكلام تارة من حيث الكبرى ، وبالنظر إلى ما يستفاد من هذه الجملة مع قطع النظر عن الحجّ ، وأُخرى من حيث الصغرى ، وبالنظر إلى حجّ العبد.

أمّا الأُولى : فهي مما لا إشكال فيه ولا ريب ، فإن معصية الخالق لا يزاحمها طاعة المخلوق بحكم العقل الضروري ، فإن العقل يحكم بوجوب طاعة المولى مطلقاً ، سواء في ذلك ما إذا كان في ترك الطاعة طاعة المخلوق وما إذا لم تكن ، وعليه فما ورد في بعض الروايات من أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق يكون إرشاداً إلى حكم العقل لا بياناً لحكم شرعي تعبّدي ، هذا ، وإن ما وردت هذه الجملة فيه من الروايات ضعيفة السند ، فالعمدة هو حكم العقل بذلك ، وكيف كان ، فكل مورد ممّا يجب فيه طاعة أحد المخلوقين أو استحبت ، كطاعة الولد لوالده ، والعبد لسيده ، والزوجة لزوجها ، يخصص بما إذا لم يكن معصية للخالق ، فكل مورد كان معصية لله تعالى ولو بإطلاق دليله ، يسقط وجوب طاعة المخلوق أو حسنها.

وبعبارة اخرى : وجوب طاعة المخلوق أو حسنها إنما يختص بالموارد الجائزة ، وأما إذا كان المورد حراماً في نفسه فلا طاعة للمخلوق في معصية الخالق ، كموارد الزنا والكذب وشرب الخمر وترك الواجب ونحو ذلك ، فلو أمر المولى عبده بالكذب وشرب الخمر أو ترك واجب لا ينفذ أمره ، لعدم طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وأما فيما إذا لم يكن العمل معصية للخالق حين كونه طاعة للمخلوق ، فلا تنطبق عليه الكبرى المذكورة ، ومن هنا لو فرضنا أن أحداً أباح لشخص ركوب دابته في سفره إلى الحجّ ، فركبها المباح له قاصداً للحج وأحرم له ، ثمّ رجع المبيح عن إباحته

٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وطلب الدابة وجب على المباح له ردها ، وليس له الامتناع بدعوى أن إتمام الحجّ واجب ، فإن الفعل في نفسه محرم وغير مشروع ، فهو معذور عن الإتمام ، ونحوه ما لو أعاره الثوب للصلاة ، ورجع المالك في أثناء الصلاة ، فإنه ليس له الامتناع من الرد بدعوى حرمة قطع الصلاة ، بل ينكشف برجوع المعير بطلان الصلاة ، لعدم قدرته على الإتمام ، هذا كلّه من حيث الكبرى.

وأمّا من حيث الصغرى وبالنظر إلى حجّ العبد ، فلا إشكال أن هذا النحو من التصرف مناف لحق المولى. نعم ، بعض الأفعال الصادرة منه لا ينافي حق المولى كتكلّمه وتفكره وأمثال ذلك ، وأما السفر وإتيان أعمال الحجّ فلا إشكال في منافاتها لحق المالك ، فحاله من هذه الجهة حال الدابة إذا طلبها المالك المعير ، فالعمل في نفسه غير مشروع والإتمام غير واجب.

ومع الغض عن جميع ذلك ، فقد ورد في جملة من الروايات أنه لا حجّ ولا عمرة على المملوك ، وأن الحجّ لا يصلح منه أصلاً (١) ، فحاله من هذه الجهة حال الحيوانات وإنما خرجنا عن مورد هذه الروايات في مورد الإذن واستمراره إلى نهاية الأعمال وأما إذا رجع المولى عن الإذن في الأثناء فتشمله النصوص الدالة على أنه لا حجّ ولا عمرة على المملوك ، الظاهرة في نفي الحقيقة وأنه ليس عليه حجّ أصلاً.

ومما ذكرنا يظهر الحال في الفرع الثاني ، وهو ما لو باع العبد المأذون بالحج المتلبّس بالإحرام ، ومنعه المالك الثاني ، فإن حاله حال المالك الأوّل في جواز الرجوع ، فإن تصرفه بدون إذن المالك محرم ، وحجّه مناف لحق المولى ، ومناف لإطلاق قوله تعالى (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) (٢) فلا مجال للتمسك بقوله : «لا طاعة لمخلوق» في الخبر المتقدم وأمّا أدلّة وجوب الإتمام فهي غير ناظرة إلى الشرائط الأُخر ، وإنما تدل على وجوب الإتمام في نفسه ، ولذا لو استلزم الإتمام محرماً آخر ، كالتصرف في

ملك أحد من دون رضاه لم يكن لها دلالة على إسقاط هذا الشرط وعدم العبرة به ، ومع الغض عن جميع

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٤٧ / أبواب وجوب الحجّ ب ١٥.

(٢) النحل ١٦ : ٧٥.

٤٥

[٢٩٩٢] مسألة ٢ : يجوز للمولى أن يبيع مملوكه المحرم بإذنه وليس للمشتري حل إحرامه (١) ، نعم مع جهله بأنه محرم يجوز له الفسخ مع طول الزمان

______________________________________________________

ما تقدّم فإن المقام يدخل في باب المزاحمة ، ولا بدّ من مراعات الأهم ، ولا ريب أن حرمة التصرف في سلطان أحد من دون رضاه أهم من وجوب الإتمام ، فجواز الرجوع هو الأظهر ، وإن كان الأحوط عدم جواز الرجوع.

الصورة الثانية : ما إذا رجع المولى عن إذنه قبل تلبس العبد بالإحرام ، وعلم به العبد ، فلا إشكال في عدم جواز إحرامه وفي فساده لفقد الإذن ، فإنه كما لو تلبس بالإحرام بدون إذن المولى من أوّل الأمر.

الصورة الثالثة : ما إذا رجع المولى عن إذنه ، ولم يعلم العبد برجوعه فتلبس بالإحرام ثمّ علم ، فهل يصح إحرامه ويجب عليه إتمامه ولا أثر لرجوع المولى ، فحال العبد حينئذ حال الوكيل المعزول في نفوذ تصرفاته إذا علم الوكيل بعزله بعد التصرّف ، أو يصحّ وللمولى حلّه ، أو يبطل؟ وجوه ، أوجهها الأخير كما في المتن وذلك لأن الحكم الظاهري لا يوجب قلب الحكم الواقعي ، فإن الإحرام في الواقع لم يكن واجداً للشرط وإنما العبد تخيل وجدان الشرائط ، أو أنه شك في رجوع المولى وبنى على عدمه وبقاء الإذن ، ولكن بعد العلم بالرجوع ينكشف عدم الإذن ، فالأمر بالحج حال الإحرام إما أنه كان خيالياً أو ظاهرياً ، ولا يوجب شي‌ء منهما تبدّل الحكم الواقعي ، فالحج الصادر منه حجّ بدون إذن المولى ، وإنما أتى به مبنيّاً على الخيال أو الحكم الظاهري ، وانكشف كونه غير واجد للشرط من الأوّل ، وقياس المقام بباب عزل الوكيل قياس محض ، لأنه في باب الوكالة ثبت الحكم بالدليل ، ولم يثبت هنا ، ويترتب على ذلك أنه لو أذن المالك ثانياً بعد رجوعه عن الإذن الأوّل لا يكفي في الصحّة ، بل لا بدّ من التجديد من الأوّل.

(١) قد عرفت أن المولى له الرجوع في إذنه ، وليس للعبد أن يتم الحجّ بعد رجوع المولى ، ولو قلنا بأنه ليس للمولى الرجوع فباع العبد المأذون بالإحرام بعد تلبسه به

٤٦

الموجب لفوات بعض منافعه.

[٢٩٩٣] مسألة ٣ : إذا انعتق العبد قبل المشعر فهديه عليه ، وإن لم يتمكن فعليه أن يصوم ، وإن لم ينعتق كان مولاه بالخيار بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم للنصوص والإجماعات (١).

______________________________________________________

فإن كان الزمان قصيراً جدّاً بحيث لا ينافي القدرة على التسليم ، أو اشترط التسليم بعد مدّة ، فلا كلام في عدم ثبوت الخيار للمشتري ، وأمّا إذا كان الزمان طويلاً ، أو لم يشترط التأخير وكان المشتري جاهلاً ، يثبت له الخيار ، كما لو باع داراً وانكشف أنها مستأجرة.

(١) إذا انعتق العبد فالذبح أو الصوم عليه كسائر الأحرار ، وليس على المولى شي‌ء ، وأما إذا لم ينعتق كان مولاه بالخيار بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم ، فيمتاز العبد عن الصبي بأن الصبي إذا حجّ به يذبح عنه تعييناً كما في النص (١) ، وأما العبد فيذبح عنه أو يؤمر بالصوم بدلاً عن الهدي إجماعاً ونصوصاً.

منها : صحيحة جميل «عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع ، قال : فمُرْه فليصم ، وإن شئت فاذبح عنه» (٢).

ومنها : صحيحة سعد بن أبي خلف «إن شئت فاذبح عنه ، وإن شئت فمُرْه فليصم» (٣).

وبإزائهما صحيحة ابن مسلم «عن المتمتع المملوك ، فقال : عليه مثل ما على الحر إمّا أُضحية وإمّا صوم» (٤) ، وقد حملها الشيخ على من أدرك أحد الموقفين معتقاً ، وهو بعيد جدّاً ، لأنّ مورد السؤال وموضوع الحكم المملوك لا المملوك الذي صار حراً

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٨٨ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٧ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٤ : ٨٣ / أبواب الذبح / ب ٢ ح ١.

(٣) الوسائل ١٤ : ٨٣ / أبواب الذبح ب ٢ ح ٢.

(٤) الوسائل ١٤ : ٨٥ / أبواب الذبح ب ٢ ح ٥.

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وجوز حملها على بيان المساواة في الكمية لئلا يظن أن عليه نصف ما على الحر كالظهار ونحوه فيكون المراد من الرواية أن الأُضحية الثابتة في حجّ المملوك كالأُضحية الثابتة في حجّ الحر ، ولا تعرض لها إلى أن الهدي على نفس المملوك أو على المولى ، فلا منافاة بين هذه الرواية وما تقدم مما دل على ثبوت التخيير للمولى بين أن يذبح عنه ، أو يأمره بالصوم.

نعم ، هناك روايتان يظهر منهما أن المتعين على المولى الذبح دون التخيير بينه وبين أن يأمره بالصوم.

إحداهما : رواية أبي حمزة البطائني قال : «سألته عن غلام أخرجته معي فأمرته فتمتع إلى أن قال ... فاذهب فاذبح عنه شاة سمينة» (١).

الثانية : رواية الحسن بن عمار «... واذبحوا عنهم أي الغلمان كما تذبحون عن أنفسكم» (٢).

والجواب أوّلاً : أنه لا بدّ من رفع اليد عن ظهورهما في التعيين بتلك الروايات الصريحة في التخيير.

وثانياً : أن المراد بالغلام لم يعلم أنه المملوك ، إذ من المحتمل قريباً أن يراد به الصبي الذي لم يبلغ الحلم (٣).

وثالثاً : أنهما ضعيفتان سنداً ، الاولى بعلي بن أبي حمزة الكذاب ، والثانية بالحسن ابن عمار الذي لم يوثق.

ثمّ لا يخفى أن تقييد الحكم بكون الهدي على العبد بما إذا انعتق قبل المشعر ، كما في

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٨٤ / أبواب الذبح ب ٢ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٤ : ٨٥ / أبواب الذبح ب ٢ ح ٧.

(٣) الغلام غير موضوع للعبد لغة ، وإنما هو موضوع للصبي المراهق المعبّر عنه في اللغة بالطار الشارب [لسان العرب ١٢ : ٤٤٠] ، نعم يصحّ إطلاقه على العبد والأجير والخدم ويقال أمر غِلمانه ، أو جاء مع غلمانه ، واستعماله في هذه الموارد من باب الإطلاق على المورد.

٤٨

[٢٩٩٤] مسألة ٤ : إذا أتى المملوك المأذون في إحرامه بما يوجب الكفّارة فهل هي على مولاه ، أو عليه ويتبع بها بعد العتق ، أو تنتقل إلى الصوم فيما فيه الصوم مع العجز ، أو في الصيد عليه وفي غيره على مولاه (*)؟ وجوه (١)

______________________________________________________

كلام الأصحاب لا وجه له أصلاً ، لأنّ الانعتاق قبل المشعر دخيل في إجزاء حجّ العبد عن حجّة الإسلام ، يعني إذا انعتق بعد المشعر لا يجزئ حجّه عن حجّة الإسلام ، وأمّا الهدي فهو من آثار حجّ التمتع ، واختصّ به من بين أقسام الحجّ ، وإذا انعتق العبد بعد الموقفين وكان حراً حين النحر أو الذبح ، فمقتضى القاعدة والإطلاق كون الهدي عليه لأنه حر وزالت عنه العبودية ، ولا مقتضي لكونه على المولى.

وبالجملة : إجزاء حجّه عن حجّة الإسلام يتوقف على انعتاقه قبل المشعر ، وأما ثبوت الهدي في حجّه فهو من آثار حجّ التمتّع ، فلو فرضنا أن حجّه غير مجز عن حجّة الإسلام ، كما إذا انعتق يوم العيد ، ولكن عند الذبح صار حرّا فالهدي عليه لأنه حر ولا موجب لكونه على مولاه ، فبحث الإجزاء وعدمه وثبوت الهدي على مولاه أو على العبد ، كل له حكم خاص لا يرتبط أحدهما بالآخر ، فتقييد ثبوت الهدي على العبد بانعتاقه قبل المشعر ممّا لا وجه له أصلاً ، ولم أر من تعرّض لهذه النكتة الدقيقة.

(١) إذا أتى العبد المأذون بما يوجب الكفّارة ففي ثبوت الكفّارة على العبد أو على مولاه وجوه وأقوال :

الأوّل : أن الكفّارة على سيِّده مطلقاً ، كما عن الشيخ في التهذيب (١) والمحقق في المعتبر (٢).

الثاني : أنها على العبد مطلقاً ، وليس على المولى شي‌ء ، اختاره في الجواهر

__________________

(*) هذا الوجه هو الأظهر.

(١) لاحظ التهذيب ٥ : ٣٨٢.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٥١.

٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

مستدلّاً بالأصل ، وبالقواعد المقتضية لكونها على العبد دون مولاه ، إذ لا (تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ، فإن كان له مال فيذبح ، وإلّا فيصوم إذا لم يكن مزاحماً لحق المولى ولم ينهه عن ذلك ، وإلّا فهو عاجز عنهما ، ويثبت في ذمته إلى أن ينعتق كسائر الجنايات الصادرة منه (١).

الثالث : التفصيل بين الصيد وغيره ، ففي الصيد على العبد وفي غيره على مولاه.

الرابع : عكسه كما حكي عن المفيد (٢).

الخامس : ما في المتن من التفصيل بين كون العبد مأذوناً في الإحرام بالخصوص وبين ما كان مأذوناً مطلقاً ، إحراماً كان أو غيره ، ولكن العبد اختار الحجّ ، فالكفارة في الأوّل على المولى وفي الثاني على العبد.

أقول : أما ما ذكره في الجواهر فلا وجه له أصلاً ، بعد ورود النص الصحيح في المقام ، ومعه لا مجال للتمسك بالأصل وبالقواعد العامة ، فلا بدّ من النظر إلى الروايات.

فمنها : ما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن الحسين ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن عبد أصاب صيداً وهو محرم هل على مولاه شي‌ء من الفداء؟ فقال : لا شي‌ء على مولاه» (٣) ، والسند صحيح ، ولكن صاحب المعالم ناقش في المنتقى في السند من وجهين (٤) أحدهما : أن رواية محمّد بن الحسين وهو محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب عن ابن أبي نجران غير معهودة ، فتكون الرواية غريبة.

__________________

(١) الجواهر ١٧ : ٢٣٩.

(٢) لاحظ المقنعة : ٤٣٩.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٠٥ / أبواب كفارات الصيد ب ٥٦ ح ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٨٣ / ١٣٣٥.

(٤) منتقى الجمان ٣ : ٢١٤.

٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وفيه : أنّ ما ذكره نشأ عن عدم عثوره لروايته عنه وعدم تفحصه في أخبار الكتب الأربعة ، وقد روى محمّد بن الحسين عن ابن أبي نجران في موردين آخرين (١) فدعوى أنه لا وجود لذلك غريبة.

ثانيهما : أنّ رواية سعد بن عبد الله عن محمّد بن الحسين بواسطة محمّد بن الحسن غريبة أيضاً ، إذ لا رواية له عن محمّد بن الحسن الصفار.

وفيه : أنه قد روى عن محمّد بن الحسن في غير مورد أيضاً (٢) ، وروايته عن محمّد ابن الحسين بلا واسطة وإن كانت كثيرة تبلغ ثمانين أو أكثر (٣) ، ولكن قد يروي عن محمّد بن الحسين بالواسطة كمحمّد بن الحسن الصفار ، فإنهما في طبقة واحدة ويجوز أن يروي عنه أيضاً ، نعم ، روايته عن محمّد بن الحسن الصفّار قليلة جدّاً ، وهي خمسة موارد (٤) والأكثر روايته عن محمّد بن الحسين بلا واسطة ، فلا وجه للمناقشة في الرواية سنداً.

وقد حمل الشيخ هذه الصحيحة على ما إذا أحرم العبد من غير إذن مولاه ، وأما إذا كان مأذوناً ، فالكفّارة على السيّد كما في صحيح حريز الآتي.

وفيه : أن ما ذكره من الحمل بعيد جدّاً ، لأنه لو كان الإحرام بلا إذن من المولى بطل حجّه ، ويكون إحرامه كلا إحرام ، مع أن موضوع الصحيحة العبد المحرم ، وهي صريحة الدلالة على أن الكفّارة على نفس العبد ولا شي‌ء على مولاه.

ومنها : صحيحة حريز قال (عليه السلام) «كل ما أصاب العبد وهو محرم في إحرامه فهو على السيد إذا أذن له في الإحرام» (٥).

__________________

(١) الوسائل ٢٦ : ٣٤ / أبواب موانع الإرث ب ٩ ح ٢. التهذيب ٩ : ٣٧٩ / ١٣٥٨.

(٢) التهذيب ٢ : ١٣٧ / ٥٣٢ ، ٤ : ٨٥ / ٢٤٦.

(٣) تبلغ رواياته عن محمّد بن الحسين ٨٤ وعن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب تبلغ ٨١ مورداً [معجم رجال الحديث ٩ : ٤٣٢].

(٤) أنظر معجم رجال الحديث ٩ : ٤٣١.

(٥) الوسائل ١٣ : ١٠٤ / أبواب كفّارات الصيد ب ٥٦ ح ١.

٥١

أظهرها كونها على مولاه ، لصحيحة حريز ، خصوصاً إذا كان الإتيان بالموجب بأمره أو بإذنه ، نعم ، لو لم يكن مأذوناً في الإحرام بالخصوص بل كان مأذوناً مطلقاً إحراماً كان أو غيره ، لم يبعد كونها عليه ، حملاً لخبر عبد الرحمن بن أبي نجران النافي لكون الكفّارة في الصيد على مولاه على هذه الصورة.

______________________________________________________

ومقتضى الجمع بينها وبين الصحيحة المتقدمة هو التفصيل بين الصيد وغيره لأجل تخصيص الصحيحة الثانية بالصحيحة الأُولى ، فالصحيح هو القول الثالث.

تنبيه : ذكر الشيخ صحيحة حريز في الإستبصار (١) بعين السند المذكور في التهذيب ، إلّا أنه قال : «المملوك كلّ ما أصاب الصيد» بدل «كلّ ما أصاب العبد» فالموضوع العبد إذا صاد لا كلّ ما أصاب ، فيقع التعارض بين صحيحة حريز وصحيحة ابن أبي نجران ، لأنّ صحيحة ابن أبي نجران دلّت على أنّ العبد إذا أصاب صيداً ليس على مولاه شي‌ء ، وصحيحة حريز على نسخة الإستبصار تدلّ على أن العبد إذا أصاب الصيد فعلى سيده.

ولكن لا تصل النوبة إلى التعارض ، لأن هذه الصحيحة رواها الكليني عن حريز بعين السند (٢) مثل ما في التهذيب (٣) وكذا الصدوق في الفقيه (٤). ولا نحتمل أن حريزاً روى روايتين إحداهما كما في الاستبصار ، والأُخرى كما في التهذيب ، فإن الاستبصار ليس كتاباً مستقلا ، وإنما هو جزء وتتميم للتهذيب ، وإنما ألّفه لأجل دفع التعارض الواقع في بعض الروايات المذكورة في التهذيب ، وكل ما في الاستبصار موجود في التهذيب ولا عكس ، فالرواية واحدة جزماً ، فيدور الأمر بين كون ما في الإستبصار غلطاً ، أو ما في التهذيب غلطاً ولا ريب أن الأوّل هو المتعين ، لشهادة الكليني

__________________

(١) الإستبصار ٢ : ٢١٦ / ٧٤١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٤ / ٧.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨٢ / ١٣٣٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٦٤ / ١٢٨٤.

٥٢

[٢٩٩٥] مسألة ٥ : إذا أفسد المملوك المأذون حجّه بالجماع قبل المشعر فكالحر في وجوب الإتمام والقضاء (١) ، وأما البدنة ففي كونها عليه أو على مولاه فالظاهر أن حالها حال سائر الكفّارات على ما مرّ ، وقد مر أن الأقوى كونها على المولى الآذن له في الإحرام (٢) ، وهل يجب على المولى تمكينه من القضاء ، لأنّ الإذن في الشي‌ء إذن في لوازمه ، أو لا ، لأنّه من سوء اختياره؟ قولان أقواهما الأوّل (*) (٣).

______________________________________________________

والصدوق على صحّة ما في التهذيب فلا يلتفت إلى ما في الإستبصار.

وأما ما ذكره المصنف من أن الإذن إن كان إذناً عاما فعلى العبد ، وإن كان إذناً خاصاً بالحج فعلى سيده ، فهو جمع تبرعي لا شاهد له ، فإن حمل الإذن في أحد الصحيحين على الإذن العام ، وفي الصحيح الآخر على الإذن الخاص بلا مقتضي.

فالصحيح هو التفصيل بين الصيد وغيره ، فإن كان ما أصابه صيداً ، فكفارته على العبد لا على مولاه ، وإن كان غير صيد فعلى مولاه ، حسب ما يقتضيه الجمع العرفي بين الصحيحين.

(١) لا ريب في أن فساد الحجّ بالجماع مشترك بين الحر والعبد ولا يختص بالحر وكل حاج جامع قبل المشعر فسد حجّه ، سواء كان حراً أو عبداً ، لعموم الأدلّة.

(٢) الظاهر أنه يجري فيها ما تقدم في مطلق الكفّارة ، حيث لم يرد في خصوص البدنة نص بالخصوص ، وقد عرفت أن مطلق الكفّارة في غير الصيد على السيد كما يقتضيه صحيح حريز.

(٣) قد عرفت أن الحجّ إذا فسد يجب عليه الإتمام والقضاء من قابل ، حراً كان أو عبداً ، وهل يجب على المولى تمكين العبد ليحج في السنة القابلة أو يجوز له منعه؟ وهل يجب على العبد إطاعته حينئذ أم لا؟ اختار المصنف وجوب التمكين على المولى

__________________

(*) فيه إشكال ، ولا سيما على القول بأن القضاء هو حجّة الإسلام والأوّل فاسد.

٥٣

سواء قلنا إن القضاء هو حجّه أو أنه عقوبة وأن حجّه هو الأوّل ، هذا إذا أفسد حجّه ولم ينعتق ، وأما إن أفسده بما ذكر ثمّ انعتق فإن انعتق قبل المشعر كان حاله حال الحر (١) في وجوب الإتمام والقضاء والبدنة (٢) (*).

______________________________________________________

مستدلّاً بأنّ الإذن في الشي‌ء إذن في لوازمه.

وفيه : ما لا يخفى من الغرابة ، لأنّ المولى لم يأذن له في الجماع ، وإنما أذن له في الحجّ وليس القضاء من لوازمه ، وإنما القضاء من أحكام الجماع ولوازمه وعقوبة مترتبة على ذلك ، فإن ذلك نظير ما إذا أذن المولى عبده بالصيام قضاء فأفطر العبد عمداً بعد الزوال ، ولا نحتمل أن تكون الكفّارة على المولى باعتبار أن المولى أذن له بالصوم وأن الإذن بالشي‌ء إذن في لوازمه ، فإن المولى إنما أذن له بالصوم خاصة ، لا فيما يوجب الكفّارة ، بل الكفّارة التي تعد عقوبة على نفس العبد.

نعم ، قد يقال بوجوب تمكين المولى وعدم وجوب إطاعة العبد لمولاه إن منعه عن القضاء ، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، إلّا أنه لا يتم ، ويظهر وجهه مما ذكرناه في المسألة الاولى من هذا الفصل (٢).

(١) إذا كان الانعتاق بعد المشعر ، فلا ريب في عدم إجزاء حجّه عن حجّة الإسلام مطلقاً ، سواء قلنا بأن الحجّ الثاني قضاء أو عقوبة. وإن كان الانعتاق قبل المشعر والتزمنا بأن حجّة هو الأوّل ، والحجّ الثاني عقوبة لأجل إفساده كما صُرح بذلك في بعض الروايات المعتبرة ، فيكون حجّة الأوّل مجزئاً عن حجّة الإسلام ، وإنما يجب عليه الحجّ ثانياً عقوبة ، ولذا لو عصى ولم يأت بالقضاء صح حجّه وأجزأ عن حجّة الإسلام.

(٢) لا وجه لكون البدنة عليه ، بل مقتضى الأدلة أنها على المولى ، لأنّ المفروض

__________________

(١) لا يبعد أن يكون وجوب البدنة على المولى.

(٢) في ص ٤٢.

٥٤

وكونه مجزئاً عن حجّة الإسلام إذا أتى بالقضاء على القولين من كون الإتمام عقوبة وأن حجّه هو القضاء أو كون القضاء عقوبة ، بل على هذا إن لم يأت بالقضاء أيضاً أتى بحجة الإسلام وإن كان عاصياً في ترك القضاء ، وإن انعتق بعد المشعر فكما ذكر إلّا أنه لا يجزئه عن حجّة الإسلام فيجب عليه بعد ذلك إن استطاع ، وإن كان مستطيعاً فعلاً ففي وجوب تقديم حجّة الإسلام أو القضاء وجهان مبنيّان على أن القضاء فوري أو لا ، فعلى الأوّل يقدم لسبق سببه (١) ، وعلى الثاني تقدم حجّة الإسلام لفوريتها دون القضاء (١).

______________________________________________________

أنه ارتكب العمل حال كونه عبداً ، ومقتضى ما دل على أن المملوك إذا أتى بشي‌ء غير الصيد فعلى مولاه كون البدنة على مولاه ، فإن العبرة بالارتكاب حال العبودية ، من دون فرق بين حصول العتق قبل المشعر أو بعده.

نعم ، في خصوص الهدي العبرة بحال الأداء والإتيان ، فإن كان حال الإتيان بالهدي حراً فعليه ، وإلّا فعلى مولاه.

وأما الكفّارة فالعبرة بحال الصدور والارتكاب ، فإن كان حين الصدور حراً فعليه ، وإن كان حين الصدور عبداً فعلى مولاه ، بمقتضى النص كما عرفت ، فموضوع الحكم ارتكاب الشي‌ء حال كونه عبداً من دون فرق بين حصول الحرية قبل المشعر أو بعده ، وإنما ذلك يؤثر في إجزاء الحجّ وعدمه ، وأنه إذا انعتق قبل المشعر يجزئ حجّه عن حجّة الإسلام ، وإن انعتق بعده فلا يجزئ.

(١) لو فرضنا أن حجّه هذا لا يجزئ عن حجّة الإسلام ، لأنه انعتق بعد المشعر والمفروض أنه يجب عليه الحجّ قضاء من قابل لأنه أفسد حجّه بالجماع ، فلو استطاع في هذه السنة ، فهل يجب تقديم القضاء أو تقديم حجّة الإسلام؟ وجهان ، بل قولان اختار المصنف تقديم القضاء بناء على القول بالفورية لسبق سببه ، فإنّ الاستطاعة

__________________

(١) فيه إشكال ، ولا يبعد لزوم تقديم حجّة الإسلام.

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

حصلت بعد السبب السابق ، والسبب السابق المقتضي للقضاء يؤثر أثره.

وفيه : أن تقدم السبب لا أثر له ، لأنه لو فرضنا أن القضاء فوري يتزاحم هذا الواجب الفوري مع حجّة الإسلام ، وتقدم السبب لا أثر له في تقدم أحد الواجبين على الآخر ، بل العبرة بالأهمية وبفعلية التكليف بقاء ، وإن كان سبب أحد التكليفين أسبق ، كما إذا تزاحم وجوب الإزالة عن المسجد بنجاة الغريق ، فإنه لا إشكال في تقدم نجاة المؤمن لأنه أهم ، وإن كان سبب الإزالة أسبق ، فإن العبرة في باب التزاحم بالأهميّة ، وعليه إذا بنينا على أن الحجّ يعتبر فيه القدرة الشرعية وأن كل واجب أو حرام يمنع عن وجوب الحجّ ، والحجّ مشروط بعدم ترك الواجب وعدم إتيان المحرم ، فيتقدم القضاء ، لأن حجّ الإسلام غير واجب حينئذ ، لأن المفروض أن كلّاً من ترك الحرام ، وإتيان الواجب دخيل في وجوب حجّة الإسلام ، والواجب المقيد بالقدرة العقلية مقدم على الواجب المقيد بالقدرة الشرعية ، وقد ذكرنا في بحث الترتب أن الترتب لا يجري في الواجبات المقيدة بالقدرة الشرعية ، لأن التكليف الثاني معجّز عن الواجب المقيد بالقدرة الشرعية.

ونتيجة الكلام أن القضاء يتقدم لأنه لم يقيد بالقدرة الشرعية بخلاف الحجّ فإنه مقيد بالقدرة الشرعية.

هذا ولكن حققنا في بحث الترتب (١) أنّ الحجّ لم يؤخذ فيه القدرة الشرعية ، ولم يثبت ذلك بأي دليل ، فإنّ المعتبر في الحجّ الاستطاعة المفسرة في النصوص بالزاد والراحلة وتخلية السرب ، والقدرة الشرعية التي ذكروها غير معتبرة في وجوب الحجّ ، فطبعاً يتحقق التزاحم بين واجبين فعليين القضاء وحجّة الإسلام ولا ريب أنّ الثاني مقدّم لكونه أهم ، لأنه ممّا بُنيَ عليه الإسلام ، ومن أركانه ، وليس كذلك القضاء ، هذا كله مع تسليم فورية القضاء ، وأما على القول بعدم الفورية فالأمر أوضح.

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ٢٤٧.

٥٦

[٢٩٩٦] مسألة ٦ : لا فرق فيما ذكر من عدم وجوب الحجّ على المملوك وعدم صحّته إلّا بإذن مولاه وعدم إجزائه عن حجّة الإسلام إلّا إذا انعتق قبل المشعر بين القن والمدبر والمكاتب وأُم الولد والمبعّض إلّا إذا هاياه مولاه وكانت نوبته كافية مع عدم كون السفر خطريّاً ، فإنّه يصحّ منه بلا إذن (١)

______________________________________________________

(١) يختص العبد بالنسبة إلى أحكام حجّه بأمرين :

الأوّل : أن حجّه من دون إذن مولاه فاسد وغير جائز.

الثاني : أنه إذا أذن له مولاه في الحجّ وأتى به حال كونه عبداً ، فلا يجزئ حجّه عن حجّة الإسلام إذا انعتق بعد المشعر ، وأما إذا أدرك أحد الموقفين معتقاً ، فيجزئ عن حجّة الإسلام.

أمّا الحكم الأوّل : فيجري في جميع أقسام العبيد من دون فرق بينها إلّا المبعّض إذا هاياه مولاه ، أي قرر له المولى مدة ونوبة ينتفع بها العبد (١) ، وكانت نوبته كافية لأداء أعمال الحجّ ، فلا حاجة حينئذ إلى الإذن ، لأن المفروض حسب قراره مع المولى كون منافعه في هذه المدّة له ، ويجوز له التصرّف ، لكن لا بدّ أن يكون السفر غير خطري ، لأنه مأذون في التصرّف في منافعه ، وأما العين فهي ملك للمولى ، ولا يجوز له تعريضها إلى الهلاك والتلف.

وأمّا الحكم الثاني : وهو عدم إجزاء حجّه عن حجّة الإسلام إذا انعتق بعد المشعر ، وإجزاؤه إذا حصل العتق قبل المشعر ، فمن الأحكام المسلمة التي عدت من الضروريات ، وأرسلوه إرسال المسلمات ، وتقدّمت الروايات الدالّة على عدم إجزاء حجّ العبد عن حجّة الإسلام ، وهي عامّة تشمل جميع أقسام العبيد حتى أُمّ الولد التي فيها شائبة الحرية.

إنّما الإشكال في المبعّض إذا حجّ في نوبته ، وأنه هل يجزئ عن حجّة الإسلام ولا

__________________

(١) هاياه في دار كذا بينهما ، أي سكنها هذا مدة وذاك مدة ، وانتفع كل منهما بسهمه. أقرب الموارد ٢ : ١٤١٢ مادّة (هيّأ).

٥٧

لكن لا يجب ولا يجزئه حينئذ عن حجّة الإسلام وإن كان مستطيعاً لأنّه لم يخرج عن كونه مملوكاً ، وإن كان يمكن دعوى الانصراف (١) عن هذه الصورة ، فمن الغريب ما في الجواهر من قوله : (ومن الغريب ما ظنّه بعض النّاس من وجوب حجّة الإسلام عليه في هذا الحال ضرورة منافاته للإجماع المحكي عن المسلمين الذي يشهد له التتبّع على اشتراط الحرّيّة المعلوم عدمها في المبعض ...) إذ لا غرابة فيه بعد إمكان دعوى الانصراف ، مع أن في أوقات نوبته يجري عليه جميع آثار الحرّيّة (٢).

______________________________________________________

يجب عليه الحجّ ثانياً وإن انعتق وصار حرّا وكان مستطيعاً ، أم لا يجزئ؟

ذكر في الجواهر أنّ بعض النّاس ظنّ الإجزاء ، وأن حجّ الإسلام واجب عليه في هذا الحال ، واستغربه بدعوى منافاته للإجماع المحكي عن المسلمين على اشتراط الحرية المعلوم انتفاؤها في المبعّض (٣) واستغرب المصنف من استغراب صاحب الجواهر وقال : لا غرابة فيه ، لإمكان دعوى انصراف ما دلّ على عدم إجزاء حجّ العبد عن هذه الصورة ، وأن دليل المنع مختص بما إذا كان بتمامه عبداً ، وأما المبعض فلا يشمله دليل المنع ، فما ظنّه بعض الناس ليس بغريب.

أقول : الظاهر أن استغراب صاحب الجواهر في محله ، إذ ليس في الأدلة ما يوجب الانصراف ، فإن المستفاد منها وجوب الحجّ على جميع المكلفين غير العبيد ، وقد صُرح في الروايات أنه لا حجّ ولا عمرة على المملوك حتى يعتق ، فما لم يحصل العتق لا حجّ عليه ، إذ الغاية في ثبوت الحجّ عليه العتق.

وبعبارة اخرى : المستفاد من الأدلة أن العبد من حين ولادته وحال كونه عبداً إلى

__________________

(١) هذه الدعوى ممنوعة فإنّ الجزء الحر لا يجب عليه الحجّ ، والعبد لا حجّ عليه حتى ينعتق على ما نطق به النص.

(٢) فيه منع ظاهر.

(٣) الجواهر ١٧ : ٢٤٨.

٥٨

[٢٩٩٧] مسألة ٧ : إذا أمر المولى مملوكه بالحج وجب عليه طاعته وإن لم يكن مجزئاً عن حجّة الإسلام ، كما إذا آجره للنيابة عن غيره ، فإنه لا فرق بين إجارته للخياطة أو الكتابة وبين إجارته للحج أو الصلاة أو الصوم (١).

الثالث : الاستطاعة من حيث المال وصحّة البدن وقوّته وتخلية السرب وسلامته وسعة الوقت ، وكفايته بالإجماع والكتاب والسنّة.

[٢٩٩٨] مسألة ١ : لا خلاف ولا إشكال في عدم كفاية القدرة العقلية في وجوب الحجّ بل يشترط فيه الاستطاعة الشرعية ، وهي كما في جملة من الأخبار الزاد والراحلة ، فمع عدمهما لا يجب وإن كان قادراً عليه عقلاً بالاكتساب ونحوه (٢).

______________________________________________________

زمان حصول العتق لا حجّ عليه ، ومن المعلوم أنّ المبعّض لا يصدق عليه المعتق ، فلا حجّ عليه ، وكذا ما دل من النصوص على أنه لو حصل العتق بعد المشعر لا يجزئ حجّه عن حجّة الإسلام ، وإذا حصل قبله يجزئ ، فإنه بإطلاقه يشمل المبعّض ، لأن المفروض أنه غير معتق.

وبالجملة : لا ريب أن المستفاد من النصوص أنه ما لم ينعتق ولم تحصل الحرية لا يجزئ حجّه ، فإن الغاية هي الحرية والعتق ، والمفروض عدم تحققهما ، فتشمله الروايات النافية ، فدعوى الانصراف لا أساس لها.

(١) لأنّ العبد مملوك للمولى عيناً ومنفعة ، وله أن يطالبه بإتيان الحجّ عن نفسه أو نيابة ، كما أنّ له المطالبة بإتيان الصلاة أو الصوم نيابة. وبالجملة : له التصرّف في جميع منافعه ، ولا فرق بين أمره بالخياطة والكتابة ونحوهما من سائر الأعمال والأفعال ، وبين أمره بالحج أو الصلاة أو الصوم.

(٢) لا يخفى أن مقتضى حكم العقل اعتبار القدرة والتمكن في الحجّ كسائر التكاليف والواجبات الإلهية ، والآية الكريمة أيضاً تدل على ذلك ، ولا تزيد على حكم العقل

٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فإن الاستطاعة المذكورة فيها هي القدرة والتمكن ، فالآية إرشاد إلى ما حكم به العقل ويكون الحجّ بمقتضى العقل والآية المباركة واجباً عند التمكّن والقدرة. نعم ، يرتفع وجوبه فيما إذا كان حرجياً ، لأنه منفي في الشريعة المقدّسة كسائر الواجبات الشرعية.

والحاصل : لو كنا نحن والعقل والآية الشريفة ، لكان حال الحجّ حال بقية الواجبات الإلهية من اعتبار القدرة فيه وارتفاع وجوبه عند الحرج.

هذا بحسب ما يقتضيه حكم العقل والآية ، وأما بحسب الروايات الواردة في المقام فالاستطاعة المعتبرة في الحجّ أخص مما يقتضيه العقل والآية ، حيث فُسرت الاستطاعة في جملة من الروايات بالزاد والراحلة ، ومن ثمّ وقع الخلاف في الاستطاعة المفسرة في الروايات ، فذهب جماعة من المتأخرين إلى أن اشتراط الزاد والراحلة مختص بصورة الاحتياج إليهما ، ولو كان قادراً على المشي من دون مشقة خصوصاً إذا كانت المسافة قريبة ، فلا يعتبر وجود الراحلة ، فالاستطاعة المذكورة في الروايات أُريد بها المعنى اللغوي ، وتخصيصها بالزاد والراحلة مطلقاً لا وجه له ، وإنما يُشترطان في حق المحتاج إليهما ، ويظهر من صاحب الوسائل اختيار هذا القول ، لأخذ الحاجة في عنوان أخبار المقام (١).

وذهب القدماء وجماعة من المتأخرين إلى أنهما معتبران مطلقاً حتى في حق من كان متمكناً من المشي وقادراً عليه من دون مشقة ، خصوصاً إذا كانت المسافة بعيدة ، فلو حجّ ماشياً من دون وجود الراحلة ، لا يجزئ حجّه عن حجّة الإسلام وأما المصنف (قدس سره) فقد احتاط في المقام وإن قوى القول الثاني ، ولا ريب أن الاحتياط حسن على كل حال ، وإنما البحث فيما تقتضيه الأدلة.

ومنشأ الاختلاف اختلاف الروايات ، قيل : إن بعضها يدل على الاكتفاء بالتمكّن من المشي وعدم اعتبار وجود الراحلة إلّا مع الحاجة إليها ، وعدّة منها تدل على اعتبار الراحلة مطلقاً ، بل بعضها صريحة في ذلك أو في غاية الظهور.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٣ / أبواب وجوب الحجّ ب ٨.

٦٠