موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

موسوعة الإمام الخوئي

المؤلف:

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قدّس سرّه
المطبعة: نينوى
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6084-13-3
الصفحات: ٣٩٥

[٣١٢٢] مسألة ١٥ : لا يعتبر في الحجّ النذري الاستطاعة الشرعيّة ، بل يجب مع القدرة العقليّة ، خلافاً للدروس ، ولا وجه له إذ حاله حال سائر الواجبات التي تكفيها القدرة عقلاً (*) (١).

[٣١٢٣] مسألة ١٦ : إذا نذر حجّا غير حجّة الإسلام في عامه وهو مستطيع لم ينعقد (**) ، إلّا إذا نوى ذلك على تقدير زوالها فزالت ، ويحتمل الصحّة مع

______________________________________________________

ثانيهما : نذر الحجّ من دون التعليق على الاستطاعة ، وحينئذ يحب عليه تحصيل الاستطاعة والقدرة مقدّمة لأداء النذر والوفاء به من باب وجوب تحصيل المقدّمة للواجب ، وإن كان تحصيل الاستطاعة لأداء حج الإسلام غير واجب ، لأنه إنما يجب فيما إذا حصل التمكّن بنفسه ولا يجب تحصيل القدرة له.

(١) الحجّ النذري حاله حال سائر الواجبات الإلهية المقيّدة بالقدرة العقلية ، ويجب الإتيان به متى حصلت القدرة عقلاً ولم يكن في البين ضرر وحرج كما هو الشأن في جميع الواجبات. نعم ، يعتبر فيه زائداً على بقية الواجبات أن لا يكون محرماً للحلال ومحلِّلاً للحرام ، كما أنه في خصوص حج الإسلام يعتبر أمر زائد على القدرة العقلية وهي قدرة خاصّة المعبّر عنها اصطلاحاً بالقدرة الشرعية المفسرة في الروايات بأُمور خاصّة. وبعبارة اخرى : اعتبار القدرة الشرعية بالمعنى المذكور إنما يختص بحجّ الإسلام ، وأما غير ذلك من موارد الحجّ الواجب فلا دليل على اشتراطه بها ، فما عن الدروس من اعتبار القدرة الشرعية حتى في الحجّ النذري (١) لا وجه له أصلاً ، ولم يعلم صحّة الانتساب إليه ، والعبارة المحكية عنه غير ظاهرة فيما نسب إليه فراجع.

__________________

(*) لعله يريد بذلك أن النذر غير مشروط بالاستطاعة الشرعية المعتبرة في حجّة الإسلام وإلّا فهو مشروط بالقدرة الشرعية بلا إشكال.

(**) إذا كان نذره متعلقاً بالإتيان بحج آخر غير حجّة الإسلام على تقدير تركه لها فلا مانع من انعقاده.

(١) الدروس ١ : ٣١٨.

٣٤١

الإطلاق أيضاً إذا زالت حملاً لنذره على الصحّة (*) (١).

______________________________________________________

(١) لو نذر حجّا غير حجّة الإسلام في عام الاستطاعة ، فتارة يكون نذره مقيداً بزوال الاستطاعة بمعنى أنه ينذر حجاً آخر مغايراً لحج الإسلام ، فلا ريب في صحّة النذر ويجب الوفاء به إذا زالت الاستطاعة لتحقق موضوعه ، فوجوب الوفاء بالنذر يدور مدار وجود الاستطاعة وعدمها ، وأُخرى يكون مطلقاً وغير مقيد بزوال الاستطاعة. احتمل في المتن الصحّة إذا زالت الاستطاعة حملاً لنذره على الصحّة.

وفيه : أنه لا نعرف وجهاً لإجراء الحمل على الصحّة في المقام ، لأن الحمل على الصحّة إنما يجري في الشبهات الموضوعية ، سواء كانت في العبادات أو العقود أو الإيقاعات ، فلو شك فيما مضى من أعماله تحمل على الصحّة ، والحمل على الصحّة في المعاملات نظير قاعدة الفراغ في العبادات ، وأما الشبهات الحكمية فلا مجال لجريان أصالة الصحّة فيها ، لأن الحكم الشرعي لا يحرز بأصالة الصحّة ، نظير ما لو شك في اعتبار العربية في صحّة العقد وعدمه ، والمقام من الشك في الشبهات الحكمية للشك في صحّة النذر وعدمها بحسب الحكم الشرعي ، وأنّه هل يعتبر في صحّة النذر شرعاً أن لا يكون في عام الاستطاعة أم لا يعتبر ، هذا ولكن الظاهر صحّة النذر لإطلاق دليل وجوب الوفاء بالنذر بناء على تفسير الإطلاق برفض القيود وعدم لحاظها ، والخارج من الإطلاق إنما هو النذر المزاحم للواجب أو الحرام ، فإذا زالت الاستطاعة ينكشف عدم مزاحمة نذره لهما وإن كان هو لا يعلم بذلك ولكن في واقع الأمر لا منافاة ولا مزاحمة بين النذر والحجّ الواجب لانتفاء موضوعه وهو الاستطاعة ، فالإطلاق يكفي في صحّة النذر من دون حاجة إلى التقييد بالزوال.

وبعبارة اخرى المتحقق في الخارج مقدور له واقعاً ، ويكفي في صحّة النذر أن يكون متعلقه مقدوراً في ظرفه ولم يكن مستلزماً لترك الواجب أو فعل الحرام وإن كان الناذر حين النذر لا يعلم بذلك. هذا كله إذا زالت الاستطاعة.

__________________

(*) لا حاجة إلى ذلك لكفاية الإطلاق في صحته.

٣٤٢

[٣١٢٤] مسألة ١٧ : إذا نذر حجاً في حال عدم الاستطاعة الشرعية ثمّ حصلت له فإن كان موسعاً أو مقيداً بسنة متأخرة قدم حجّة الإسلام لفوريّتها وإن كان مضيقاً بأن قيّده بسنة معيّنة وحصل فيها الاستطاعة (*) أو قيده بالفورية قدمه ، وحينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجبت وإلّا فلا ، لأنّ المانع الشرعي كالعقلي ، ويحتمل وجوب تقديم النذر ولو مع كونه موسعاً لأنّه دين عليه بناء على أنّ الدّين ولو كان موسعاً يمنع عن تحقق الاستطاعة خصوصاً مع ظن عدم تمكّنه من الوفاء بالنذر إن صرف استطاعته في حجّة الإسلام (١).

______________________________________________________

وأمّا إذا لم تزل وكانت باقية يظهر من المتن بطلان النذر ، والصحيح أن يقال : إنّ هذا النذر على إطلاقه لا ينعقد لأنه يستلزم ترك الواجب ، وأمّا بناء على الترتب بأن يكون نذره متعلقاً بالإتيان بحجٍّ آخر غير حجّة الإسلام على تقدير تركه لها وفي ظرف تركه فلا مانع من انعقاده ، لعدم استلزامه ترك الواجب. نعم ، إذا التزم مقيداً بترك الواجب بمعنى أنه يلتزم بهذا الفعل المستلزم لترك الواجب فلا ريب في بطلانه.

(١) إذا نذر حجاً في حال عدم الاستطاعة ثمّ استطاع فقد يكون متعلق النذر مقيداً بسنة متأخرة عن الاستطاعة ، وقد يكون في سنة الاستطاعة بأن قيده بسنة معيّنة وحصل فيها الاستطاعة ، وقد يكون موسعاً ومطلقاً ، فهذه ثلاث صور.

أمّا الاولى : فلا ريب في أنه يجب عليه إتيان حجّة الإسلام في عام الاستطاعة وإتيان الحجّ النذري في السنة اللاحقة لعام الاستطاعة.

وأمّا الثانية : فقد ذكر في المتن أنه يقدم النذر على حجّة الإسلام وحينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجبت وإلّا فلا ، لأن الوفاء بالنذر مانع شرعاً عن تحقق الاستطاعة الشرعية ، والمانع الشرعي كالعقلي فهو غير مستطيع شرعاً فيقدم الحجّ النذري.

__________________

(*) إن كان المنذور مقصوداً به غير حجّة الإسلام فحصول الاستطاعة كاشف عن بطلان نذره ، وإن كان مطلقاً فيكفي حجّة واحدة عنهما ، ومنه يعلم حال المطلق أيضاً.

٣٤٣

[٣١٢٥] مسألة ١٨ : إذا كان نذره (*) في حال عدم الاستطاعة فورياً ثمّ استطاع وأهمل عن وفاء النذر في عامه وجب الإتيان به في العام القابل مقدّماً على حجّة الإسلام وإن بقيت الاستطاعة إليه لوجوبه عليه فوراً ففوراً ، فلا يجب عليه حجّة الإسلام إلّا بعد الفراغ عنه ، لكن عن الدروس أنه قال بعد الحكم بأن استطاعة النذر شرعية لا عقلية : فلو نذر ثمّ استطاع صرف ذلك إلى النذر فإن

______________________________________________________

وفيه : ما عرفت غير مرة من أن حج الإسلام غير مقيد بالقدرة الشرعية المصطلحة ، وإنما المعتبر في حج الإسلام قدرة خاصة مفسرة في الروايات بالزاد والراحلة وتخلية السرب ، ولكن مع ذلك لا بدّ من التفصيل بأن متعلق النذر إن كان مقيداً بغير حج الإسلام فالاستطاعة المتأخرة تكشف عن بطلان النذر ، وأما إذا كان مطلقاً وأعم من حجّ الإسلام ولم يكن مقيداً بغير حج الإسلام فيكفي حجّة واحدة عنهما للتداخل وتأكد وجوب حجّة الإسلام ، ويكون المأتي به ممّا ينطبق عليه الحجّ النذري وحجّ الإسلام معاً.

وأمّا الثالثة : وهي ما إذا كان متعلق النذر موسعاً ، اختار أوّلاً تقديم حج الإسلام لفوريته والمفروض أن النذر موسع وغير مقيد بسنة خاصّة فيأتي به في أي عام شاء واحتمل أخيراً وجوب تقديم النذر ولو كان موسعاً ، لأنّ النذر دين عليه والدّين مانع عن الحجّ.

ولكن قد عرفت بما لا مزيد عليه أن وجوب النذر لا يزاحم حجّ الإسلام ، وأمّا تقديم حجّ الإسلام ففيه تفصيل وهو : أن متعلق النذر إذا كان حجاً آخر مغايراً لحجّ الإسلام فيقدّم حجّ الإسلام ويأتي بالنذر في السنة المتأخرة ، وإن كان متعلقه هو الجامع وطبيعي الحجّ فيكفي حجّة واحدة عنهما ويجزئ حج الإسلام عن النذر إذا نوى بها امتثال النذر أيضاً.

__________________

(*) يظهر الحال في هذه المسألة مما تقدم آنفاً [في المسألة ٣١٢٤].

٣٤٤

أهمل واستمرت الاستطاعة إلى العام القابل وجب حجّة الإسلام أيضاً ، ولا وجه له. نعم ، لو قيد نذره بسنة معيّنة وحصل فيها الاستطاعة فلم يفِ به وبقيت استطاعته إلى العام المتأخر أمكن أن يقال بوجوب حجّة الإسلام أيضاً لأنّ حجّه النذري صار قضاء موسعاً ، ففرق بين الإهمال مع الفورية والإهمال مع التوقيت بناء على تقديم حجّة الإسلام مع كون النذر موسعاً (١).

______________________________________________________

(١) حاصل ما ذكره في هذه المسألة أنه لو نذر في حال عدم الاستطاعة فورياً كهذه السنة مثلاً ثمّ استطاع وأهمل عن وفاء النذر في عامه ولم يأتِ به في هذه السنة وجب الإتيان به في السنة اللّاحقة مقدّماً على حجّة الإسلام وإن بقيت الاستطاعة إلى السنة اللّاحقة ، وذلك لأنّ النذر مانع شرعاً عن تحقق الاستطاعة الشرعية ، فإن النذر كما يكون مانعاً عن حجّ الإسلام مقدّماً عليه في نفس السنة السابقة هكذا يكون مقدّماً عليه في السنة اللّاحقة بنفس الملاك الذي أوجب تقديمه على حجّ الإسلام في السنة السابقة ، وإنما يجب عليه حجّ الإسلام بعد الفراغ من النذر.

ونسب إلى الدروس الخلاف ، وأنه فصّل بين السنة الأُولى واللّاحقة ، ففي السنة الأُولى يقدّم النذر على حجّة الإسلام ، ولو أهمل ولم يأتِ بالنذر في السنة السابقة ففي السنة الثانية يقدّم حجّ الإسلام على النذر (١). وأورد عليه بأنه لا وجه له ، لأنّ السنة الثانية كالأُولى من دون فرق بينهما لاشتراك الملاك بينهما ، فلو قلنا بأن النذر يزاحم حجّ الإسلام ويقدّم عليه فلا فرق بين السنة الأُولى والثانية ، فالتفصيل لا وجه له.

ثمّ ذكر المصنف أنه لو قيّده بسنة معيّنة وحصل فيها الاستطاعة ولكنه أهمل وترك الحجّ وبقيت الاستطاعة إلى العام المتأخر ، أمكن أن يقال بتقديم حجّ الإسلام ، لأنّ الحجّ النذري صار قضاء موسعاً وحجّ الإسلام مضيق والواجب المضيق يقدّم على الموسع.

__________________

(١) الدروس ١ : ٣١٨.

٣٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : ما نسبه إلى الدروس غير صحيح ، ويظهر من المصنف (قدس سره) أنه لم يتأمّل في عبارته ، بل الشهيد (قدس سره) يريد معنى آخر حاصله : أنّ السنة السابقة تختلف حالها عن السنة الثانية ، لأنه في السنة الاولى لو وفى بنذره يكشف ذلك عن عدم الاستطاعة في هذه السنة ، فإن بقيت الاستطاعة إلى السنة الثانية وجب حج الإسلام ، وأما إذا فرضنا أنه أهمل ولم يأت بالنذر في السنة الأُولى ففي السنة الثانية يجب عليه الوفاء بالنذر ، ولكن يستقرّ عليه حجّ الإسلام لأنه فوّته عليه اختياراً لأنه كان بإمكانه أن يأتي بالنذر في السنة الأُولى فحينئذ يكون معذوراً في ترك حج الإسلام ، ولو أهمل ولم يأت بالنذر في السنة الأُولى يستقر عليه حج الإسلام ، فمقصود الشهيد (قدس سره) أنه لو أهمل ولم يأت بالنذر في السنة الأُولى يجب عليه إتيانه في السنة الثانية ، ويجب عليه حج الإسلام في السنة الثالثة لاستقرار حجّ الإسلام عليه بترك النذر في السنة الاولى ، فيجب عليه إتيان حجّ الإسلام ولو متسكعاً في السنين الآتية ، والإهمال في السنة الأُولى بترك النذر لا يوجب سقوط حجّ الإسلام.

والذي يدلّ على ما ذكرنا من تفسير كلامه (قدس سره) كلمة أيضاً بعد قوله : وجب حجّة الإسلام ، فإنها صريحة في أن حج الإسلام مضافاً إلى الحجّ النذري واجب ، والإهمال في السنة الاولى لا يوجب سقوط حج الإسلام.

وأمّا ما ذكره أخيراً من أن الحجّ النذري إذا كان مقيّداً بسنة معيّنة وحصل فيها الاستطاعة فلم يفِ به وبقيت استطاعته إلى العام المتأخر وجب عليه حج الإسلام ويقدّم على النذر ، لأن قضاء الحجّ النذري موسع وحج الإسلام مضيق ففيه : أنه ينافي ما تقدّم منه (قدس سره) من أن الواجب الموسع إذا كان ديناً يقدم على الحجّ ، لأنّ الدّين يمنع عن وجوب الحجّ خصوصاً إذا كان صرف المال في حجّ الإسلام يوجب العجز عن أداء الدّين.

ولا يخفى أنّ هذه الفروع المذكورة في هذه المسائل مبتنية على تقدّم النذر على حجّ الإسلام ، وقد عرفت بما لا مزيد عليه من أن النذر في جميع الصور لا يزاحم الحجّ

٣٤٦

[٣١٢٦] مسألة ١٩ : إذا نذر الحجّ وأطلق من غير تقييد بحجّة الإسلام ولا بغيره وكان مستطيعاً أو استطاع بعد ذلك فهل يتداخلان فيكفي حجّ واحد عنهما أو يجب التعدّد أو يكفي نيّة الحجّ النذري عن حجّة الإسلام دون العكس؟ أقوال ، أقواها الثاني (*) لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب ، والقول بأنّ الأصل هو التداخل ضعيف (١).

______________________________________________________

ويقدّم حجّ الإسلام مطلقاً فلا مجال لهذه الفروع.

(١) قد جعلوا هذه المسألة مبتنية على مسألة التداخل ، ولذا ذهب جماعة منهم المصنف (قدس سره) إلى عدم التداخل لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب كما هو الحال في سائر الواجبات ، وأما صحيحتا رفاعة ومحمّد بن مسلم : «عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام فمشى هل يجزئه عن حجّة الإسلام؟ قال (عليه السلام) : نعم» (١) فظاهرهما كفاية الحجّ النذري عن حجّة الإسلام مع عدم الاستطاعة وهو غير معمول به ، واختار بعضهم التفصيل والاكتفاء بنية الحجّ النذري عن حجّة الإسلام دون العكس ، لأن القاعدة الأوّلية تقتضي عدم التداخل ، وإنما يقال باكتفاء الحجّ النذري للنص ، وذهب جماعة إلى التداخل والاكتفاء بحج واحد عنهما.

والظاهر أن مسألتنا هذه غير مبتنية على مسألة التداخل ، لأن التداخل إنما يجري فيما إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء كما يقال : إذا ظاهرت فأعتق وإذا أفطرت فأعتق فيقع البحث المعروف من أن هذه الأُمور المتعددة الموجبة للجزاء هل هي أسباب حقيقية أم هي معرفات؟ ذهب جماعة إلى أنها معرفات وأنه لا يجب إلّا جزاء واحد عند تعدد الشرط ، وذهب آخرون إلى عدم التداخل وأن كل سبب يقتضي مسبباً مستقلا فلا بدّ من تعدد الجزاء بتعدّد السبب ، وهو الصحيح لأنّ الظاهر من كل قضية شرطية حدوث الحكم بحدوث هذه الأُمور المعبّر عنها بالشرط ، وقد ذكرنا في محله

__________________

(*) بل الأقوى هو الأوّل.

(١) الوسائل ١١ : ٧٠ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٧ ح ١ ، ٢ ، ٣.

٣٤٧

واستدلّ للثالث بصحيحتي رفاعة ومحمّد بن مسلم : «عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام فمشى هل يجزئه عن حجّة الإسلام؟ قال (عليه السلام) : نعم» ، وفيه : أنّ ظاهرهما كفاية الحجّ النذري عن حجّة الإسلام مع عدم الاستطاعة وهو غير معمول به ، ويمكن حملهما على أنه نذر المشي لا الحجّ ثمّ أراد أن يحجّ فسُئل (عليه السلام) عن أنه هل يجزئه هذا الحجّ الذي أتى به عقيب هذا المشي أم لا فأجاب (عليه السلام) بالكفاية. نعم ، لو نذر أن يحجّ مطلقاً أيّ حجّ كان كفاه عن نذره حجّة الإسلام بل الحجّ النيابي وغيره أيضاً ، لأنّ مقصوده حينئذ حصول الحجّ منه في الخارج بأيّ وجه كان.

______________________________________________________

أنّ إطلاق الأسباب والمعرفات في باب الأحكام الشرعية ممّا لا أساس له أصلاً ، إذ ليست هذه الأُمور أسباباً للأحكام الشرعية فإنها أفعال اختيارية للمولى ولا يكون لفعل المكلف أو أي أمر خارجي دخل في تحققها ، بل هي موضوعات وموارد للحكم الشرعي.

وبالجملة : هذا البحث يجري في تلك المسائل ، وأمّا في باب النذر فيتبع التعدّد والوحدة قصد الناذر ، والشارع إنما يمضي ما التزمه الناذر على نفسه ، فإن النذر إنما هو التزام المكلف بشي‌ء على نفسه فلا بدّ من النظر إلى متعلق نذره ، فإن كان التزامه متعلقاً بالجامع وبطبيعي الحجّ فينطبق ما التزم على نفسه على حجّ الإسلام قهراً ، لأنّ المفروض أن متعلق نذره مطلق وغير مقيّد بفرد خاص فلا موجب للتعدّد ، وأصالة عدم التداخل لا تجري في المقام ، فإنه بعد ما كان المقصود من النذر هو المطلق والطبيعي فينطبق منذورة على المأتي به وإن قصد به حج الإسلام ، فيكون المأتي به ممّا يصدق عليه متعلق النذر ، ولا فرق في ذلك بين التصريح بالإطلاق وعدمه ، فما ذكره من عدم التداخل في صورة عدم التصريح بالإطلاق لا وجه له ، وقد صرّح الماتن (قدس سره) في آخر المسألة بكفاية حج واحد إذا صرح بالإطلاق ، ومن الواضح عدم الفرق بين التصريح بالإطلاق وعدمه بعد ما كان المقصود هو الجامع الصادق على حج الإسلام ، والصحيحتان مؤكدتان لما ذكرنا.

٣٤٨

[٣١٢٧] مسألة ٢٠ : إذا نذر الحجّ حال عدم استطاعته معلقاً على شفاء ولده مثلاً فاستطاع قبل حصول المعلق عليه فالظاهر تقديم حجّة الإسلام ، ويحتمل تقديم المنذور إذا فرض حصول المعلق عليه قبل خروج الرفقة مع كونه فورياً ،

______________________________________________________

وما ذكره من أن ظاهرهما كفاية الحجّ النذري عن حجّة الإسلام مع عدم الاستطاعة وهو غير معمول به ففيه : أنّ الظاهر منهما الإتيان بالحج ماشياً وفاء لنذره في حال الاستطاعة ، ثمّ يسأل عن الاجتزاء به عن حج الإسلام ، فالصحيح هو الاكتفاء بحج واحد عنهما.

وهل يحتاج التداخل والاكتفاء بحج واحد إلى النيّة لهما فلو قصد أحدهما دون الآخر لا يجزئ لعدم القصد أم لا؟ وجهان ، الظاهر هو الثاني لعدم اعتبار قصد العنوان في إتيان المنذور ، ولا يلزم الإتيان به بعنوان أنه متعلق النذر ، وإنما يلزم الإتيان به في الخارج ، لأنّ وجوب الوفاء بالنذر توصّلي لا يعتبر في إتيانه وسقوطه قصد العنوان بخصوصه ، فلو نذر أن يصوم اليوم المعين وصام ذلك اليوم وغفل عن أنه متعلق نذره أو غفل عن النذر بالمرّة صح صومه ، وكذا لو نذر أن يصلِّي صلاة اللّيل وصلاها ولكنّه نسي النذر ، وهكذا لو نذر أن يعطي ديناراً لزيد وأعطاه غافلاً عن أنه مورد النذر ففي جميع هذه الموارد ونحوها لا يعتبر قصد العنوان في سقوط النذر وامتثاله ، بل مجرّد إتيان متعلق النذر كاف في سقوطه ، ولو عكس الأمر وقصد عنوان النذر بخصوصه ولم يقصد حجّ الإسلام نلتزم بالاكتفاء عن حج الإسلام أيضاً ، كما إذا حج ويزعم أنه غير مستطيع ثمّ علم بالاستطاعة فإنه لا ريب في الاكتفاء به عن حج الإسلام وإن أتى به بقصد عنوان النذر.

وبتعبير آخر الحجّ الصادر في أوّل سنة الاستطاعة من حج الإسلام سواء قصد هذا العنوان أم لا ، بل لو فرضنا أنه لم يعلم بهذا العنوان ولم يسمع به وحجّ كفى عنهما ويؤكد ذلك الصحيحتان ، وبالجملة : قصد العنوان غير لازم ويكتفي بالحجّ الواحد سواء قصد العنوانين أو قصد أحدهما.

٣٤٩

بل هو المتعين (*) إن كان نذره من قبيل الواجب المعلق (١).

[٣١٢٨] مسألة ٢١ : إذا كان عليه حجّة الإسلام والحجّ النّذري ولم يمكنه الإتيان بهما إمّا لظنّ الموت أو لعدم التمكّن إلّا من أحدهما ، ففي وجوب تقديم الأسبق سبباً أو التخيير أو تقديم حجّة الإسلام لأهميتها وجوه ، أوجهها الوسط وأحوطها الأخير (**) ، وكذا إذا مات وعليه حجتان ولم تفِ تركته إلّا لأحدهما وأمّا إن وفت التركة فاللّازم استئجارهما (***) ولو في عام واحد (٢).

______________________________________________________

(١) لأنّ الميزان عنده (قدس سره) في تقديم أحد الواجبين على الآخر تقدّم سبب الوجوب ، ولذا قدّم حجّة الإسلام في الصورة الأُولى لأن سببها أسبق ، وأمّا لو حصل شفاء ولده المعلّق عليه قبل خروج الرفقة يقدم الحجّ النذري لا سيما إذا كان نذره من قبيل الواجب المعلّق لأنّ سبب وجوب النذر أسبق من الاستطاعة ، فإنّ الوجوب ثابت من أوّل النذر وإن كان المعلق عليه متأخراً زماناً عن الاستطاعة ، وحينئذ يكون معذوراً في ترك حج الإسلام لكون النذر مانعاً عن تحقق الاستطاعة ، فإن بقيت إلى السنة اللّاحقة يجب حج الإسلام وإلّا فلا.

ويرد عليه ما ذكرناه غير مرة من أن الوجوب الناشئ من النذر بجميع صوره لا يزاحم حج الإسلام الواجب بالأصالة ، فإن النذر لا يوجب تفويت الواجب الأصلي ، فالمتعين تقديم حجّة الإسلام في كلتا الصورتين.

(٢) لو استقر عليه الواجبان الحجّ النذري وحج الإسلام معاً وعجز عن إتيانهما فهل يقدّم الأسبق سبباً أو يتخيّر بينهما أو يقدّم حجّ الإسلام؟ وجوه ، ذكر في المتن أنّ

__________________

(*) بل المتعين تقديم حجّة الإسلام.

(**) بل الأقوى هو الأخير ، وكذا فيما بعده ، ولا يخفى عدم صحّة الجمع بين الحكم بالتخيير والاحتياط بتقديم حجّة الإسلام لأن المقام من موارد التزاحم والتخيير فرع تساوي الاحتمالين في الأهمية والاحتياط فرع انحصار احتمال الأهمية في أحدهما.

(***) وجوب قضاء المنذور مبني على الاحتياط.

٣٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الأوجه هو التخير ، والأحوط تقديم حج الإسلام للأهمية.

وفيه : أنّ الحكم بالتخيير لا يجتمع مع الاحتياط بتقديم حجّ الإسلام لأن المقام من موارد التزاحم ، والتخيير فرع تساوي الاحتمالين في الأهمية ، والاحتياط فرع انحصار احتمال الأهمية في أحدهما. والحاصل : لا بدّ من إعمال قاعدة التزاحم في المقام ، فإن كان الواجبان متساويين يحكم بالتخيير بينهما ، وإن أُحرز الأهمية في أحدهما أو احتملت يقدم ذلك ، وفي المقام حيث نحتمل أهميّة حج الإسلام ولذا احتاط في تقديمه على الحجّ النذري يتعين التقديم ولا تصل النوبة إلى التخيير ، وإذا احتملنا الأهميّة في كل من الواجبين فالحكم هو التخيير أيضاً ، فلا وجه لكون حجّ الإسلام أحوط.

وبالجملة : لو أُحرز التساوي في كل من الواجبين المتزاحمين أو احتمل الأهميّة في كل منهما فالحكم هو التخيير ، وإذا كان أحدهما محرز الأهميّة أو محتملها يقدّم جزماً ولا ريب في تقديم حج الإسلام لأنه أهم قطعاً ولا أقل احتمالاً.

ولو مات وعليه حجتان الحجّ النذري وحج الإسلام ولم تفِ التركة إلّا لأحدهما فإن قلنا بعدم وجوب قضاء الحجّ النذري كما هو المختار أو قلنا بخروجه من الثلث فلا مزاحمة أصلاً بين الحجين بل يتعين قضاء حج الإسلام عنه من الأصل ، وأمّا بناء على وجوب قضاء النذر وخروجه من أصل المال وكونه كالدين فمقتضى القاعدة هو تقسيط المال بين النذر وحج الإسلام لأنه دين أيضاً ، ولكن المفروض عدم إمكان ذلك في المقام لعدم وفاء المال لهما ، والحجّ غير قابل للتبعيض ، فلا بدّ من تقديم أحدهما والمتعين تقديم حجّ الإسلام على كل دين سواء كان ديناً إلهياً أو ديناً شخصياً إنسانياً للنص (١) ، ولا فرق بين الحياة والممات. هذا كله لو قلنا بخروج الواجب بالنذر من الأصل لكونه ديناً ، وأما إذا قلنا بخروجه من الثلث فلا موضوع للبحث ويجب تقديم حج الإسلام بلا إشكال.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٤٣ / أبواب وجوب الحجّ ب ١١ ح ١.

٣٥١

[٣١٢٩] مسألة ٢٢ : من عليه الحجّ الواجب بالنذر الموسّع يجوز له الإتيان بالحجّ المندوب قبله (١).

[٣١٣٠] مسألة ٢٣ : إذا نذر أن يَحج أو يُحج انعقد ووجب عليه أحدهما على وجه التخيير ، وإذا تركهما حتى مات يجب القضاء عنه مخيراً (*) ، وإذا طرأ العجز من أحدهما معيناً تعين الآخر ، ولو تركه أيضاً حتى مات يجب القضاء عنه مخيراً أيضاً ، لأنّ الواجب كان على وجه التخيير فالفائت هو الواجب المخيّر ولا عبرة بالتعيين العرضي ، فهو كما لو كان عليه كفّارة الإفطار في شهر رمضان وكان عاجزاً عن بعض الخصال ثمّ مات فإنّه يجب الإخراج من تركته مخيّراً وإن تعيّن عليه في حال حياته في إحداها ، فلا يتعيّن في ذلك المتعين (٢).

______________________________________________________

(١) لعدم الدليل على المنع ، وإنما قام الدليل على المنع من التطوع بالصوم لمن كان عليه الصوم الواجب ، وقد وقع الكلام في التطوع بالصلاة لمن كان عليه الفريضة واخترنا الجواز في محله.

(٢) ذكر (قدس سره) أنه إذا نذر أن يحج بنفسه مباشرة أو يُحج غيره انعقد ووجب عليه أحدهما على وجه التخيير ، وإذا تركهما حتى مات يجب القضاء عنه مخيراً بناء على ثبوت وجوب القضاء في الحجّ النذري ، وإذا طرأ العجز من أحدهما معيناً تعين الآخر كما هو الحال في جميع الواجبات التخييرية ، فإن العجز عن أحد الواجبين التخييريّين لا يوجب سقوط الواجب الآخر بالضرورة ، لأن المفروض أن الواجب هو الجامع وهو أحد الأمرين ، ولو تعين عليه أحدهما وتركه أيضاً حتى مات يجب القضاء عنه بناء على وجوب القضاء ، وهل الواجب في القضاء التعيين أو التخيير ، بمعنى أنه لو تعين عليه أحد الواجبين بطروء العجز وتركه أيضاً هل يقضى عنه ما تعيّن عليه أو يقضى عنه مخيّراً؟

__________________

(*) لا يبعد عدم وجوب قضاء شي‌ء منهما.

٣٥٢

نعم ، لو كان حال النذر غير متمكّن إلّا من أحدهما معيناً ولم يتمكن من الآخر إلى أن مات أمكن أن يقال (*) باختصاص القضاء بالذي كان متمكناً منه ، بدعوى أن النذر لم ينعقد بالنسبة إلى ما لم يتمكن منه بناء على أن عدم التمكن يوجب عدم الانعقاد ، لكن الظاهر أن مسألة الخصال ليست كذلك فيكون الإخراج من تركته على وجه التخيير وإن لم يكن في حياته متمكناً إلّا من البعض أصلاً ، وربّما يحتمل في الصورة المفروضة ونظائرها عدم انعقاد النذر بالنسبة إلى الفرد الممكن أيضاً بدعوى أن متعلق النذر هو أحد الأمرين على وجه التخيير ومع تعذر أحدهما لا يكون وجوب الآخر تخييرياً ، بل عن الدروس اختياره في مسألة ما لو نذر إن رُزق ولداً أن يُحجّه أو يحجّ عنه إذا مات الولد قبل تمكّن الأب من أحد الأمرين ، وفيه : أنّ مقصود الناذر إتيان أحد الأمرين من دون اشتراط كونه على وجه التخيير ، فليس النذر مقيداً بكونه واجباً تخييرياً حتى يشترط في انعقاده التمكّن منهما.

______________________________________________________

ربما يقال بقضاء المتعيّن عليه ، لأنّ الواجب عليه في حال حياته خصوص هذا العدل ، والفائت عنه مما هو وظيفته خصوص هذا الفرد.

وأجاب عنه بأن الواجب عليه أصالة كان على وجه التخيير ، والفائت هو الواجب المخير ، ولا عبرة بالتعيين العرضي فإن التعيين الطارئ القهري في حال الحياة لا يوجب التعيين حال القضاء ، نظير كفارة الخصال الثابتة للإفطار في شهر رمضان فإنه لو كان عاجزاً عن بعض الخصال حال حياته ثمّ مات يجب الإخراج من تركته مخيراً.

توضيحه : أن العجز عن بعض الأفراد لا يوجب التعيين في الباقي ، لأنّ المتمكّن منه من أفراد الواجب إنما وجب عليه من باب العنوان الكلي ، بمعنى أن الواجب الأصلي

__________________

(*) لكنه بعيد جدّاً.

٣٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه شرعاً هو العنوان الكلي ، وإنما تعين عليه هذا الفرد بخصوصه بحكم العقل لعجزه عن الفرد الآخر ، والخصوصية الفردية غير دخيلة في الحكم الشرعي وإنما الخصوصية للإلزام العقلي ، نظير تعين وجوب الصلاة بآخر الوَقت لمن ترك الصلاة قبل ذلك ، فإن تعين ذلك بآخر الوقت غير دخيل في الحكم وفي الوقت المحدد لها ، وإنما تعيّن الوجوب بهذا الوقت بحكم العقل وإلّا فالواجب هو إتيان الصلاة من الزوال إلى الغروب ، والخصوصيات الفردية من حيث الزمان أو المكان غير دخيلة في الواجب ولا فرق بين الواجبات التخييرية الطولية بحسب الزمان والواجبات التخييرية العرضية بحسب الأفراد.

وبالجملة : ما فات عنه هو الجامع ، والذي فات عنه يجب قضاؤه ، ولا يقاس المقام بقضاء المسافر صلاته قصراً إذا تركها في موارد التخيير ، فإن المسافر يجب عليه القصر إلّا المتمكن من القصر والتمام في موارد التخيير فيما إذا وسع الوقت لهما ، وأما إذا ضاق الوقت عن التمام يتعين عليه القصر ولا يثبت له التخيير لعدم تمكنه من التمام والقصر ، فإذا تعين عليه القصر كما إذا فرضنا أنه لم يصل فالفائت عنه ما تعين عليه وهو القصر ، ويجب قضاء ما فات عنه.

وبعبارة اخرى : وظيفة المسافر إنما هي الصلاة قصراً ، وإنما يتخير بينهما فيما إذا وسع الوقت لهما ، وأمّا إذا أخّر الصلاة بحيث لا يسع الوقت للتمام يتعين عليه القصر وإذا ترك الصلاة فالفائت عنه هو القصر ويجب قضاؤه. على أنّ التخيير ثابت في الأداء لا في القضاء ، والسر ما ذكرناه من أن الواجب التخييري لا ينقلب إلى التعيين شرعاً بتعذر بعض الأفراد وإنما يتعين بعض الأفراد بحكم العقل بعد العجز عن إتيان الفرد الآخر. والحاصل : طروء العجز على أحدهما في حال حياته لا يوجب تعيّن القضاء به لأنّ وجوب أحدهما المعين وجوب عقلي ، لتوقف الامتثال على إتيان الفرد المقدور وإلّا فالواجب عليه أوّلاً وأصالة إنما هو الجامع بين الأمرين. هذا كلّه فيما لو كان متمكِّناً من الفردين حال النذر.

وأمّا لو كان حال النذر غير متمكن إلّا من أحدهما معيّناً ولم يتمكّن من الآخر إلى

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أن مات كما إذا كان شيخاً كبيراً أو مريضاً لا يتمكّن من الحجّ مباشرة ولكنه متمكِّن من الإحجاج ففيه وجوه ثلاثة :

الأوّل : انعقاد النذر ، ويتخيّر في القضاء وإن لم يتمكن من أحدهما في حال حياته كما في مسألة الخصال ، فإن الإخراج من تركته على وجه التخيير وإن لم يكن في حال حياته متمكناً إلّا من البعض.

الثاني : أن النذر ينعقد بالنسبة إلى المقدور وأما بالنسبة إلى غيره فلا ، لاعتبار التمكّن في متعلق النذر ، فيختص القضاء بالذي كان متمكناً منه.

الثالث : ما نسب إلى الشهيد (قدس سره) من عدم انعقاد النذر حتى بالنسبة إلى الفرد المقدور ، لأن متعلق النذر هو أحد الفردين على وجه التخيير ومع تعذر أحدهما لا يكون الوجوب تخييرياً ، فما تعلق به النذر غير قابل للصحة لعدم التمكن منه وما هو قابل لذلك لم ينذره (١).

والصحيح هو الوجه الأوّل ، وذلك لأن الوجوب التخييري سواء كان أصلياً ككفّارة الخصال أو كان التزامياً وعرضياً كتعلق النذر بأحد شيئين إنما يتعلق بالجامع بين الأمرين أو الأُمور ، والخصوصيات الفردية غير دخيلة في الواجب ، فالواجب التخييري الشرعي من حيث الخصوصيات كالتخيير العقلي بين الأفراد الطولية أو العرضية فإن هذه الخصوصيات غير دخيلة في الواجب ، والتمكن وعدمه إنما يلاحظان بالنسبة إلى متعلق الوجوب ونفس المأمور به لا بالنسبة إلى الخصوصيات الخارجة عن المأمور به التي لا دخل لها في متعلق التكليف ، والنذر إذا كان متعلقاً بأحد أمرين وبالجامع بينهما يكون الواجب شرعاً هو الجامع لأن الشارع يمضي ما التزم الناذر على نفسه.

والحاصل : أن الوجوب التخييري ما تعلق بالجامع بين الأمرين ، نظير وجوب إعطاء الزكاة لطبيعي الفقير ، وهكذا لو نذر أن يعطي درهماً للفقير ، ففي كلا الموردين

__________________

(١) الدروس ١ : ٣١٨.

٣٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

يتعلّق الوجوب بالجامع والمكلف مخير في تطبيق الحكم على أي فرد شاء ، والتطبيق بحكم العقل فالتخيير الشرعي كالعقلي من هذه الجهة سواء كان تخييرياً أصلياً ككفارة الخصال أو تخييرياً جعلياً كموارد النذر ، فإن التخيير العقلي ما تعلق الوجوب بالجامع الذي له عنوان خاص ، والتخيير الشرعي ما كان له جامع انتزاعي وهو عنوان أحدهما ، وإلّا ففي الواقع لا فرق بينهما في إلغاء الخصوصيات في كلا الموردين ولا شبهة في صحّة تعلق الأمر بالعنوان الانتزاعي كعنوان أحدهما ، لأنه مقدور للمكلف وإن كان بعض الأفراد غير مقدور له ، وبالجملة : الجامع الذي تعلّق به الوجوب مقدور له ، والعبرة بالتمكن منه وإن كان بعض أفراده غير مقدور له ، والملتزم به في باب النذر المتعلق بأحد الأمرين هو الجامع لا التخيير حتى يقال بأنّ ما التزم به غير قابل للجعل ، لأن مع تعذر أحدهما لا يكون وجوب الآخر تخييرياً ، وما هو قابل له غير ملتزم به وهو الفرد الممكن خاصة ، بل الذي التزم به هو الجامع وهو مقدور له وإن كان تمكنه في ضمن فرد دون آخر.

وأما ما ذكر من انعقاد النذر بالنسبة إلى المقدور فقط واختصاص القضاء به ، ففيه : ما عرفت من أن القدرة معتبرة في متعلق النذر لا في الأمر الخارج عنه كالخصوصيات ، والمفروض أن متعلق النذر هو الجامع الانتزاعي بينهما وهو مقدور له.

وبما ذكرنا ظهر أنه إذا مات الناذر لا يختص وجوب القضاء بالنسبة إلى ما كان مقدوراً له ، بل لو كان مقدوراً للوارث يأتي به قضاء عن الميت وإن لم يكن مقدوراً للميت ، كما لو نذر الميت أن يعطي درهماً للفقير ولم يكن متمكناً من إعطائه إلى زيد وكان متمكناً من إعطائه إلى عمرو خاصة ومات قبل الإعطاء لا يجب على الوارث أن يعطي الدرهم إلى عمرو بخصوصه ، وذلك لأن الملتزم به إعطاء الدرهم إلى الفقير الجامع بين الأفراد وهو صادق على كل من زيد وعمرو. وبما ذكرنا ظهر أيضاً فساد ما نسب إلى الدروس من بطلان النذر وعدم انعقاده أصلاً ، إذ لا وجه له بعد ما عرفت أن متعلق النذر هو الجامع وهو مقدور له.

٣٥٦

[٣١٣١] مسألة ٢٤ : إذا نذر أن يحجّ أو يزور الحسين (عليه السلام) من بلده ثمّ مات قبل الوفاء بنذره وجب القضاء (*) من تركته (١) ، ولو اختلفت أُجرتهما يجب الاقتصار على أقلهما اجرة إلّا إذا تبرّع الوارث بالزائد أُجرة فلا يجوز للوصي اختيار الأزيد اجرة وإن جعل الميِّت أمر التعيين إليه (**) ، ولو أوصى باختيار الأزيد اجرة خرج الزائد من الثلث.

______________________________________________________

(١) هذا بناء على ما تقدم منه (قدس سره) من أن الواجبات الإلهية كسائر الديون العرفية تخرج من الأصل ، ثمّ إنه لو فرض التساوي بين اجرة الحجّ وأُجرة الزيارة فلا كلام في أن الوصي أو الوارث مخير بينهما ، ولو اختلفت أُجرتهما ذكر (قدس سره) أنه يجب الاقتصار على أقلهما اجرة ولا يجوز له اختيار الأكثر ، لأنّ الميت مديون بالجامع ويمكن تطبيقه على الأقل وتبرأ ذمته بذلك ، فليس له اختيار الأكثر حتى لو جعل الميت أمر التعيين إلى الوصي. وبعبارة اخرى : ما يخرج من الأصل هو الجامع وهو صادق على الأقل فلا يزاحم حق الوارث في الأكثر ، ثمّ ذكر أنه لو أوصى باختيار الأزيد اجرة خرج الزائد من الثلث.

أقول : لا فرق بين ما ذكره أخيراً وبين ما لو جعل أمر التعيين بيد الوصي ، فإن كلّاً منهما وصيّة بالزيادة ، غاية الأمر تارة تستفاد الوصيّة بالزيادة من جعل الخيار له وأُخرى يصرح بذلك ، ومجرّد ذلك غير فارق فالتفصيل غير فاصل ، فللوصي أن يعطي الأكثر فيما لو جعل أمر التعيين إليه ولكن يخرج الزائد من الثلث لأنه محسوب من وصايا الميت فلا فرق بين الموردين.

__________________

(*) الظاهر عدم الوجوب حتى على القول بوجوب إخراج الحجّ المنذور من التركة.

(**) الظاهر جواز اختيار الأكثر اجرة في هذا الفرض ، غاية الأمر أن الزائد يخرج من الثلث على مختار الماتن (قدس سره) وعلى ما اخترناه فالكل يخرج من الثلث.

٣٥٧

[٣١٣٢] مسألة ٢٥ : إذا علم أنّ على الميِّت حجّا ولم يعلم أنه حجّة الإسلام أو حجّ النذر وجب قضاؤه عنه (*) من غير تعيين وليس عليه كفّارة ، ولو تردّد ما عليه بين الواجب بالنذر أو بالحلف وجبت الكفّارة أيضاً (**) ، وحيث إنها مرددة بين كفّارة النذر وكفّارة اليمين فلا بدّ من الاحتياط ، ويكفي حينئذ إطعام ستين مسكيناً ، لأنّ فيه إطعام عشرة أيضاً الذي يكفي في كفّارة الحلف (١).

______________________________________________________

(١) إذا قلنا بعدم وجوب قضاء الحجّ النذري كما هو المختار لا يجب القضاء عنه أصلاً ، إذ لا نعلم باشتغال ذمّته على كل تقدير فالعلم الإجمالي غير منجز ، وأما بناء على وجوب قضاء الحجّ النذري كما اختاره المصنف وغيره فالقضاء عنه متعين لثبوت القضاء عليه على كل تقدير فيتنجز بالعلم الإجمالي ، وأمّا الكفّارة فلا ، لعدم العلم بكون الفائت حجّا نذرياً ، فإنّ الكفّارة إنما تترتّب على حنث النذر وهو غير ثابت.

نعم ، لو علمنا بمخالفته على تقدير ثبوت الحجّ النذري في ذمته يكون وجوب الكفارة طرفاً للعلم الإجمالي ، لأنه حينئذ يعلم إجمالاً إما بوجوب القضاء عنه لو كان الفائت حج الإسلام أو بوجوب الكفارة عليه إذا كان الفائت الحجّ النذري وإن لم نقل بوجوب قضاء الحجّ النذري ، ولا طريق لنا إلى إثبات أحدهما إلّا بالقرعة ، هذا فيما إذا قلنا بوجوب الكفارة من مال الميت ، وأمّا إذا قلنا بسقوط وجوبها بالموت وأنها ليست كالدين فكل من الطرفين غير ثابت ، لأنّ الحجّ النذري لا يجب قضاؤه كما هو المختار ، والمفروض عدم وجوب الكفارة وسقوطها بالموت فيصبح حجّ الإسلام مشكوكاً فيه فينفى بالأصل.

__________________

(*) الظاهر عدم الوجوب فيه وفيما بعده.

(**) هذا إذا علم أنه تركه عن تقصير وقلنا بلزوم إخراج الكفارة من الأصل ، وأما إذا احتمل المعذورية فلا وجه لوجوب الكفارة. ثمّ إن الاحتياط في الكفارة مبني على تغاير الكفارتين ولكن الأظهر أن كفارة النذر هي كفارة اليمين ، هذا مع أنه على القول بالتغاير فلا موجب للاحتياط ، فإن العلم الإجمالي قد تعلق بثبوت دين على الميت مردد بين متباينين ولا موجب للاحتياط وإلزام الوارث بشي‌ء زائد على دين الميت بل يجب حينئذ الرجوع إلى القرعة.

٣٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولو تردّد ما عليه بين الواجب بالنذر أو بالحلف فإن لم نعلم بالمخالفة العمديّة واحتملنا المعذورية فلا شي‌ء عليه ، لأنّ الكفّارة إنّما تثبت بالمخالفة المعدية وإحراز الحنث ، وأمّا إذا علم بالترك عمداً وأن تركه كان عن تقصير ، فإن قلنا بخروج الواجبات المالية من أصل المال فتخرج الكفارة من الأصل وإلّا فلا. ثمّ إنه بناء على اتحاد الكفارتين وعدم المغايرة بينهما كما هو الأظهر تخرج كفّارة واحدة من التركة بناء على عدم سقوط الواجبات المالية بعد الموت ، وأمّا بناء على مغايرة كفارة النذر لكفّارة الحلف فقد ذكر في المتن أنه لا بدّ من الاحتياط ، لأنّ الشك حينئذ بين المتباينين ومقتضى القاعدة هو الاشتغال إلّا أنه يكفي إطعام ستين مسكيناً لأن فيه إطعام العشرة الذي هو كفارة الحلف.

وربما يقال بأن المسألة من صغريات الشك بين الأقل والأكثر ، وينحل العلم الإجمالي بوجوب الأقل والشك في الأكثر فتجري البراءة عن الأكثر ويكتفى بإطعام العشرة ، فإنه القدر المتيقن والزائد مشكوك فيه ينفى بالأصل.

وفيه : أنّ ما اشتهر من أنّ الأقل هو المتيقن ، فيه مسامحة واضحة ، فإنّ العبرة في جريان البراءة في مسألة الشك بين الأقل والأكثر بالعلم بكون الأقل مورداً للتكليف والشك في إطلاقه وتقييده ، فالمتيقن هو الطبيعي المهمل لا على نحو بشرط شي‌ء ولا اللّابدية بشرط القسمي ، مثلاً لو شك في جزئية السورة للصلاة فيرجع الشك إلى أن بقية الأجزاء مطلقة من حيث السورة أو مقيدة بها ، فكل من الإطلاق والتقييد غير معلوم وليس الأقل متيقناً ، فالمراد بكون الأقل متيقناً هو الجامع الطبيعي المهمل ، وأما الطبيعي المطلق فلا نعلم به كما لا نعلم بالطبيعي المقيد ، فالعلم الإجمالي الدائر بين الأقل والأكثر هو العلم بوجوب الأقل على سبيل الإهمال.

هذا ، ولكن مع ذلك تجري البراءة في المقام بملاك آخر ، وهو أن الإطلاق إرفاق للمكلّف ولا كلفة فيه بخلاف التقييد فإن فيه تضييقاً عليه وحيث إنه مشكوك فيه يدفع بالأصل ، وتوضيح ذلك : أن الميزان في جريان البراءة عن الأكثر في الشك بين

٣٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الأقل والأكثر أن يكون التكليف متعلقاً بالأقل قطعاً ونشك في إطلاقه وتقييده وتجري البراءة عن التقييد ، مثلاً نعلم أن غير السورة من أجزاء الصلاة واجب ونشك في تقييد هذه الأجزاء بالسورة أو إطلاقها فتجري البراءة عن التقييد ، وأما لو كان متعلق التكليف في أحدهما مغايراً للآخر فتعلّق التكليف بكل منهما غير معلوم وإن كان أحدهما أقل من الآخر ، ومجرد أن أحدهما أقل لا يجدي في جريان البراءة عنه ، مثلاً لو علم إجمالاً بأنه مدين لزيد أو لعمرو ، ولكن على تقدير كونه مديناً لزيد دينه أقل من دين عمرو ، فلا تجري البراءة في المقام ، ولا يعد ذلك من باب الشك بين الأقل والأكثر بل الشك حينئذ بين المتباينين ، لأن تعلق التكليف بكل من الأقل والأكثر غير معلوم ، وهكذا الحال في مسألتنا فإن التكليف لم يعلم تعلقه بإطعام عشرة مساكين حتى يقال بأن الشك في إطلاقه وتقييده ، بل التكليف تعلق بالجامع المردد بين إطعام العشرة والجامع بين إطعام الستين وعِدليه ، فالشك في المقام بين المتباينين.

نعم ، بحسب الخارج تكون العشرة في ضمن الستين وإلّا فهما في الحقيقة متباينان والعبرة في الملاك الذي لأجله تجري البراءة إنما هي بملاحظة نفس التكليف ومتعلقه لا بملاحظة التطبيق الخارجي.

ثمّ إنّ الاحتياط الذي ذكره بإطعام ستين إنما يصح بالنسبة إلى نفس المكلّف ، وأما إذا كان الإطعام عن الميت وخروجه من تركته فكيف يمكن الاحتياط بإعطاء الأكثر؟ ولا موجب لإلزام الوارث بشي‌ء زائد على دين الميت بل يجب حينئذ الرجوع إلى القرعة ، لأن العلم الإجمالي قد تعلق بثبوت دين على الميت مردد بين متباينين ولا وجه للتصرف الزائد في ملك الميت ، وقد مرّ نظير هذه المسألة في بحث الزكاة في المسألة السادسة من الختام والمسألة ٣٠ من الخُمس وقرّبنا في التعليقة الرجوع إلى القرعة.

٣٦٠