موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

موسوعة الإمام الخوئي

المؤلف:

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قدّس سرّه
المطبعة: نينوى
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6084-13-3
الصفحات: ٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

على عدم تأثير الإجازة اللّاحقة ، والأوّل كعتق المفلس عبده المرتهن فإنه لو أعتقه يصح عتقه بإجازة المرتهن ، لأنّ المعتبر في صحّة العتق رضا من له الحق ولو حصل متأخراً ، والثاني وهو ما لو فرض أنه لا حق للغير عليه وإنما اعتبر الشارع رضاه وهذا مجرّد حكم شرعي ثابت في البين وخارج عن الفضولية رأساً كتوقف تزويج بنت الأخ أو الأُخت على رضا العمة أو الخالة ، فإن المعتبر رضاهما من دون فرق بين الإذن السابق أو اللاحق ، والمقام من قبيل ذلك لأنّ الحلف يتعلق بفعل نفسه وإنما اعتبر فيه رضا الوالد ، ولا فرق في حصوله قبل اليمين أو بعده.

ويدلُّ على الاكتفاء بذلك مضافاً إلى ما تقدّم ، ما دلّ على تزويج العبد وأنه إذا أجاز السيِّد صحّ معلّلاً بأنه لم يعص الله وإنما عصى سيِّده ، فإن المستفاد من ذلك أن كل مورد اعتبر فيه رضا أحد وكان العقد في نفسه سائغاً يرتفع المنع بحصول رضاه وله الحق في إمضاء ذلك حسب الحكم الشرعي ، فإذا رضي بذلك وأجاز صح سواء تقدم رضاه أو تأخر ، وليس ذلك كمعصية الله أصالة في أنه لا معنى للحوق رضا الله تعالى ومقتضى التعليل تعميم الحكم في جميع الموارد المشابهة.

ثمّ ذكر المصنف (قدس سره) أن جواز الحل أو التوقف على الاذن ليس في اليمين بما هو يمين مطلقاً ، بل إنما هو فيما كان المتعلق منافياً لحق الوالد أو الزوج ومزاحماً له وأما إذا لم يكن مزاحماً لحقه فلا ، كما إذا حلف الولد أن يقرأ كل يوم جزءاً من القرآن أو نحو ذلك ، واستشهد باستثناء جماعة الحلف على فعل الواجب أو ترك القبيح وحكموا بالانعقاد فيهما ، ولو كان المراد اليمين بما هو يمين لم يكن وجه لهذا الاستثناء فيعلم من ذلك أن الحكم بالتوقف على الاذن إنما هو في مورد المزاحمة والمنافاة ، ولذا لا عبرة بذلك في مورد فعل الواجب وترك الحرام.

وفيه ما لا يخفى ، إذ لو كان الحكم بالتوقف مختصاً بموارد المزاحمة لاستثنوا موارد كثيرة مما لم تكن منافية لحق الوالد والسيّد ، كما لو حلف أن يقرأ السورة الفلانية عند النوم أو يقرأ الآية الفلانية عند القيام من النوم وغير ذلك من الأفعال والأعمال غير المنافية لحق أحد من الناس ، ولعل منشأ استثناء فعل الواجب وترك الحرام هو أنّ

٣٠١

لا ينعقد ومع الإذن يلزم ومع عدمهما ينعقد ولهم حلّه ولا يبعد قوّة هذا القول ، مع أنّ المقدّر كما يمكن أن يكون هو الوجود يمكن أن يكون هو المنع والمعارضة أي لا يمين مع منع المولى مثلاً فمع عدم الظهور في الثاني لا أقل من الإجمال والقدر المتيقن هو عدم الصحّة مع المعارضة والنهي بعد كون مقتضى العمومات الصحّة واللّزوم. ثمّ إنّ جواز الحلّ أو التوقف على الإذن ليس في اليمين بما هو يمين مطلقاً (*) كما هو ظاهر كلماتهم ، بل إنما هو فيما كان المتعلق منافياً لحق المولى أو الزوج وكان ممّا يجب فيه طاعة الوالد إذا أمر أو نهى ، وأمّا ما لم يكن كذلك فلا كما إذا حلف المملوك أن يحجّ إذا أعتقه المولى ، أو حلفت الزوجة أن تحجّ إذا مات زوجها أو طلّقها ، أو حلفا أن يصلّيا صلاة اللّيل مع عدم كونها منافية لحق المولى أو حق الاستمتاع من الزوجة ، أو حلف الولد أن يقرأ كل يوم جزءاً من القرآن أو نحو ذلك ممّا لا يجب طاعتهم فيها للمذكورين فلا مانع من انعقاده ، وهذا هو المنساق من الأخبار فلو حلف الولد أن يحج إذا استصحبه الوالد إلى مكّة مثلاً لا مانع من انعقاده وهكذا بالنسبة إلى المملوك والزوجة ، فالمراد من الأخبار أنه ليس لهم أن يوجبوا على أنفسهم باليمين ما يكون منافياً لحق المذكورين

______________________________________________________

الولد ليس له أن يجعل على نفسه شيئاً مقابل والده وليس له أن يلتزم بشي‌ء في قباله ، وهذا ينصرف عما لو كان قد جعل الله عليه شيئاً من التكاليف.

وبعبارة اخرى : إنما نقول بأن الولد ليس له أن يجعل على نفسه شيئاً في قبال والده في الأُمور المباحة المرخصة ، وأما إذا جعل الله عليه شيئاً من إتيان الواجب أو ترك الحرام فليس للوالد حق في المقام. ولكن هذا أيضاً غير تام ، لأن الجعل باليمين ولو في مورد الواجب أو الحرام جعل ثانوي التزم على نفسه وهذا ممّا لم يجعله الله عليه فحاله من هذه الجهة حال المباحات من عدم الجعل على نفسه في قبال والده ، والظاهر عدم

__________________

(*) الأظهر عدم صحّة اليمين منهم مطلقاً.

٣٠٢

ولذا استثنى بعضهم الحلف على فعل الواجب أو ترك القبيح وحكم بالانعقاد فيهما ، ولو كان المراد اليمين بما هو يمين لم يكن وجه لهذا الاستثناء. هذا كلّه في اليمين ، وأمّا النذر فالمشهور بينهم أنّه كاليمين في المملوك والزوجة ، وألحق بعضهم بهما الولد أيضاً ، وهو مشكل لعدم الدليل عليه خصوصاً في الولد إلّا القياس على اليمين بدعوى تنقيح المناط وهو ممنوع ، أو بدعوى أن المراد من اليمين في الأخبار ما يشمل النذر لإطلاقه عليه في جملة من الأخبار منها خبران في كلام الإمام (عليه السلام) ، ومنها أخبار في كلام الراوي وتقرير الإمام (عليه السلام) له وهو أيضاً كما ترى ، فالأقوى في الولد عدم الإلحاق (*).

______________________________________________________

الفرق في عدم انعقاد اليمين بين ما ينافي حق الوالد وما لا ينافي لإطلاق قوله : «لا يمين للولد مع والده إلخ» ، بل لو كان منافياً كان باطلاً في نفسه لأنه مرجوح وقد اعتبر الفقهاء (قدس سرهم) في متعلق اليمين أن لا يكون مرجوحاً ، هذا كله في اليمين.

وأمّا النّذر فذكر المصنف (قدس سره) أن المشهور بينهم أنه كاليمين في المملوك والزوجة ، وألحق بعضهم بهما الولد أيضاً ، واستشكل فيه بدعوى عدم الدليل عليه خصوصاً في الولد إلّا القياس على اليمين.

أقول : هذا غريب منه (قدس سره) لأنه خصّ توقف انعقاد اليمين على الاذن بما إذا كان منافياً لحق الوالد أو السيّد أو الزوج ، وذلك لا يفرق فيه بين النذر واليمين لاعتبار الرجحان في متعلق النذر ، وإذا كان متعلق النذر منافياً لحق الوالد مثلاً فلا رجحان فيه ولا ينعقد ، فالنذر كاليمين في عدم انعقاده إذا كان متعلقه منافياً لحق هؤلاء لكونه مرجوحاً ، فلا حاجة في إلحاق النذر باليمين إلى دليل خاص حتى يقال بعدم الدليل

__________________

(*) إن كان الملاك منافاة مورد نذر هؤلاء لحق المولى والزوج والوالد فلا يحتاج الحكم في الإلحاق إلى أمر سوى القاعدة وهي لزوم الرجحان في متعلق النذر ، وإن كان الملاك إطلاق دليل المنع فلا وجه للإلحاق في غير الولد أيضاً كما لا وجه له فيه.

٣٠٣

نعم ، في الزوجة والمملوك لا يبعد الإلحاق باليمين لخبر قرب الإسناد (*) عن جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) «أن علياً (عليه السلام) كان يقول : ليس على المملوك نذر إلّا بإذن مولاه» وصحيح ابن سنان (**) عن الصادق (عليه السلام) «ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها إلّا بإذن زوجها إلّا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة قرابتها» وضعف الأوّل منجبر بالشهرة واشتمال الثاني على ما لا نقول به لا يضر.

______________________________________________________

بل نفس الأدلّة الأوّلية الدالة على وجوب الوفاء بالنذر كافية في عدم انعقاده إذا كان منافياً لحق الوالد ، لأنها تدل على لزوم الرجحان في متعلق النذر ، فالبحث عن لحوق النذر باليمين وعدمه ساقط على مسلكه (قدس سره). نعم ، إنما يتم هذا البحث على ما اخترناه من توقف انعقاد اليمين مطلقاً على الاذن أو أن لهم الحل سواء كان متعلقه منافياً لحقهم أم لا.

والظاهر عدم اللحوق من هذه الجهة باليمين ، لأنّ مقتضى الإطلاقات الدالّة على الوفاء بالنذر انعقاد النذر ولزوم الوفاء به وعدم توقفه على الإذن ، وإنما خرجنا عن ذلك في خصوص اليمين لدليل خاص وهو مفقود في النذر. نعم ، قد أُطلق في عدّة من الروايات اليمين على النذر (١) ولكن قد ذكرنا غير مرة أن الإطلاق أعم من الحقيقة والمتفاهم عرفاً تغاير اليمين والنذر ، وثبوت الحكم في الأعم يحتاج إلى الدليل ، ومجرّد الإطلاق في بعض الموارد لا أثر له. نعم ، للوالد حل نذره لأن متعلق النذر يعتبر فيه الرجحان حتى بقاء وإذا نهاه الأب عن إتيان المتعلق يصبح مرجوحاً فينحل

__________________

(*) الرواية صحيحة فيتعين العمل بها في موردها.

(**) ظاهر الصحيحة بقرينة استثناء الحجّ وما بعده أنها في مقام بيان الكبرى الكلية وهي المنع عن تصرفات الزوجة في مالها إلّا بإذن زوجها ، فلا بدّ من حملها على الجهة الأخلاقية فلا مجال لما في المتن.

(١) الوسائل ٢٣ : ٣٠٧ / كتاب النذر ب ٨ ح ٤ ، وفي ص ٣١٨ ب ١٧ ح ٤ وغيرهما.

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فيختلف اليمين عن النذر في أن اليمين يتوقف على الاذن ، وأما النذر فلا وإنما للوالد حلّه ، والحاصل نذر الولد لا ينعقد مع نهي والده كما ينحل بنهيه عنه بعد النذر.

وتفصيل الكلام يقتضي البحث في موارد ثلاثة :

الأوّل : نذر الولد ، وقد عرفت أنه غير ملحق باليمين وينعقد ولو من دون إذن الأب لعدم الدليل على الإلحاق ، ومجرّد إطلاق اليمين على النذر في بعض الأخبار لا أثر له ، لأنّ الاستعمال أعم من الحقيقة ، بل المتفاهم عرفاً أنّ النذر واليمين مفهومان متغايران ولا يتعدّى حكم أحدهما إلى الآخر إلّا بالدليل ، والمستفاد من الأدلّة عدم انعقاد نذر الولد إذا كان منافياً لحق الوالد ، لأنه مرجوح وقد اعتبر الرجحان في متعلق النذر ، وأمّا إذا لم يكن منافياً لحقه ينعقد ولا يعتبر فيه إذنه وإنما له الحل ، فإذا حلّه ونهاه عن العمل به ينحل لأنه بقاء يكون المتعلق مرجوحاً.

وبعبارة اخرى : وجوب الوفاء بالنذر واجب مشروط برجحان متعلقه حدوثاً وبقاء ، فإذا نهاه الوالد عن العمل بالنذر يكون مرجوحاً فينحل ، وأما جواز الحل للوالد فهو على مقتضى القواعد الأوّلية لأن دليل الوفاء لا يشمله فله حله متى شاء.

الثاني : نذر العبد وهو كاليمين لمعتبر الحسين بن علوان : «ليس على المملوك نذر إلّا أن يأذن له سيّده» (١) ، بل المستفاد منه أن الحكم بالتوقف على الاذن في النذر أشد من اليمين ، لما عرفت أن المراد بتوقف اليمين على الإذن عدم استقلال المملوك في يمينه ولزوم مراجعته إلى السيّد في أمر يمينه وعدم مزاحمته له ، وذلك لا يفرق بين تحصيل الرضا والإذن منه قبل اليمين أو بعده ، ولكن مقتضى الجمود على ظاهر اللفظ في النذر اعتبار الإذن السابق المقابل للإجازة اللاحقة لأن ظاهر كلمة الإذن الواردة في النص هو الرضا السابق.

ثمّ إنّ المصنف وصف هذا الخبر بالضعف وذكر أنه منجبر بالشهرة ، وقد ذكرنا غير

__________________

(١) الوسائل ٢٣ : ٣١٦ / كتاب النذر ب ١٥ ح ٢.

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

مرّة أن الانجبار لا أساس له ، ولم يعلم اعتماد المشهور على هذا الخبر ولو علم فلا أثر له ، فدعوى الانجبار ممنوعة كبرى وصغرى ، إلّا أنّ الخبر ليس بضعيف بل هو معتبر فإن الضعف المتوهم هو من ناحية الحسين بن علوان ولكنه موثق لأنّ الكشي يمدحه (١) والنجاشي يوثقه لقوله : الحسين بن علوان الكلبي وأخوه الحسن يكنّى أبا محمّد ثقة (٢) وقد زعم بعضهم أن التوثيق راجع إلى الحسن أخيه ولكنه فاسد بل التوثيق راجع إلى الحسين نفسه لأنه المقصود في الترجمة ، وكثيراً ما جرت عادة النجاشي أن يذكر شخصاً من أقارب المترجَم في ضمن ترجمة الشخص الذي عنونه. على أنّ العلّامة ذكر عن ابن عقدة أنّ الحسن كان أوثق من أخيه وأحمد عند أصحابنا (٣) وفي كلامه دلالة على وثاقة الحسين أيضاً ، مضافاً إلى ذلك أنّ الحسين من رجال تفسير علي بن إبراهيم القمي.

المورد الثالث : نذر الزوجة ، وقد استدل على إلحاق نذرها باليمين وأنه يعتبر الاذن من زوجها في انعقاده بصحيح ابن سنان : «ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها إلّا بإذن زوجها إلّا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة رحمها» (٤).

وفيه أوّلاً : أنّ النص أخص من المدعى ، لأنّ مورده عدم انعقاد النذر في مالها بدون إذن الزوج ، فالتوقف إنما هو في الأُمور المالية ولا يشمل ما إذا تعلّق النذر بغير الأموال كامور العبادة ونحوها ، فإسراء الحكم إلى النذر المتعلِّق بغير الأموال من القياس الذي لا نقول به.

وثانياً : أنه لا يمكن الأخذ بظاهر النص ولا بدّ من حمله على الجهة الأخلاقية

__________________

(١) رجال الكشي : ٣٩٠ / ٧٣٣.

(٢) رجال النجاشي : ٥٢ / ١١٦.

(٣) الخلاصة : ٣٣٨ / ١٣٣٧.

(٤) الوسائل ٢٣ : ٣١٥ / كتاب النذر ب ١٥ ح ١.

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لاشتماله على ما لا يقول به أحد ، لأن عدة من المذكورات لا إشكال في عدم توقفها على إذن الزوج كالصدقة من مالها والهبة من مالها ونحو ذلك من التصرّفات في أموالها الشخصية ، ولم يلتزم أحد باعتبار إذن الزوج في صحّة هذه التصرفات ، فلا بدّ من حمل الرواية على الجهة الأخلاقية والتأدب بالنسبة إلى الزوج واحترامه.

وقد أجاب غير واحد عن هذا الإشكال بأن اشتمال النص على ما لا نقول به في بعض الموارد لا يوجب سقوطه عن الحجية في مورد آخر ، وقد وقع نظير ذلك في كثير من الأدلة.

وفيه : أن الأمر وإن كان كذلك لكن فيما إذا كان هناك جمل متعددة على إشكال في ذلك أيضاً ، وأما إذا كانت جميع الفقرات بياناً لصغريات تعود إلى كبرى واحدة فالمتبع ظهور تلك الكبرى ، والمقام كذلك ، إذ ليس في البين جملات متعدِّدة متكرِّرة مستقلّة بل ذكر في أوّل الكلام كبرى كلّية وهي أنه ليس للمرأة مع زوجها أمر ثمّ ذكر عدّة من الأُمور بياناً لصغرى هذه الكبرى ، والمتبع ظهور هذه الكبرى ، وقد عرفت أنه لا يمكن الأخذ بإطلاقها إذ لا يقول به أحد من الأصحاب فلا بدّ من حملها على حكم أخلاقي تأدبي. وبالجملة : لا دليل على توقف نذر الزوجة على إذن الزوج فيما لا ينافي حقه ، ولا سيما في نذر الزوجة أمراً لا يتعلق بمالها.

ومما يشهد على أن المذكورات في صحيح ابن سنان المتقدم ليست جملاً متعددة مستقلة وإنما جميعها صغرى لكبرى واحدة والتي هي انه ليس للمرأة مع زوجها أمر استثناء الحجّ والزكاة ، فإن الظاهر أن الاستثناء استثناء حقيقي غير منقطع ، وذلك يكشف عن أن المستثنى منه كبرى كلية واحدة وهي أنه ليس لها أي شي‌ء من الأُمور سوى الحجّ والزكاة ، فحينئذ لا بدّ من حمل تلك الكبرى على الأخلاق والآداب إذ لم يلتزم أحد بمضمونها ، فإن توقف جميع الأُمور على إذن الزوج مقطوع البطلان.

٣٠٧

ثمّ هل الزوجة تشمل المنقطعة أو لا؟ وجهان (*) (١) ، وهل الولد يشمل ولد الولد أو لا؟ كذلك وجهان (٢).

______________________________________________________

(١) جزم بعضهم باختصاص الحكم بالدائمة لدعوى الانصراف إليها ، وبأن إطلاق الزوجة على المنقطعة على سبيل المجاز دون الحقيقة لأنها في الحقيقة مستأجرة كما في بعض الروايات (١). وكلا الدعويين باطل ، فإن الزوجية حقيقة واحدة وهي العلقة المخصوصة بين الرجل والمرأة غاية الأمر فرد منها دائمي والفرد الآخر مؤقت ، والتعبير بالاستئجار من باب المسامحة ، ولذا لو اقتصرنا على مجرد الاستئجار من دون ثبوت علقة الزوجية لكان ذلك من الزنا.

والحاصل : جميع أحكام الزوجة مترتبة على المنقطعة سوى الإرث ومقدار العدة وبعض الفروق الجزئية ، ومجرد افتراقهما في بعض الأحكام لا يوجب اختصاص الزوجية بالدائمة فإن المنقطعة زوجة حقيقة فلا وجه لدعوى الانصراف ، ومما ذكرنا يعرف أن إطلاق الزوجة عليها ليس من باب المجاز.

(٢) قيل بالشمول لكونه ولداً حقيقة ، وقيل بالعدم لعموم الأدلة المقتضية للصحة بدون الاذن ، وإنما خرجنا عنه في خصوص الولد.

والتحقيق هو التفصيل وحاصله : أنه إذا كان اعتبار الاذن في اليمين أو النذر من باب رعاية حقوق الوالد فلا فرق بين الوالد والجد ، فإن الجد له حقوق على حفيده وإذا نهاه عن العمل بالنذر يصبح المتعلق مرجوحاً فلا ينعقد أو ينحل ، وإن قلنا باعتبار الاذن في أصل الانعقاد سواء كان منافياً لحق الوالد أم لا فشمول الحكم لولد الولد مشكل ، لأنّ الولد وإن كان أعم من الولد والحفيد لكون الولد من يتولّد من الإنسان ولا ريب أن الحفيد متولد من الجد أيضاً بالواسطة إلّا أن الوالد لا يصدق

__________________

(*) أوجههما الشمول ، وكذا الحكم في الولد.

(١) الوسائل ٢١ : ١٨ / أبواب المتعة ب ٤ ح ٢ ، ٤.

٣٠٨

والأمة المتزوِّجة عليها الاستئذان من الزوج والمولى بناء على اعتبار الإذن (١) وإذا أذن المولى للمملوك أن يحلف أو ينذر الحجّ لا يجب عليه إعطاء ما زاد عن نفقته الواجبة عليه من مصارف الحجّ (٢) ، وهل عليه تخلية سبيله لتحصيلها أو لا؟ وجهان (*) (٣).

______________________________________________________

على الجد وإنما يصدق على الوالد بلا واسطة خاصة. نعم عنوان الأب يصدق على الوالد والأجداد ويقال آباؤك وقد أُطلق في الآيات الكريمة وغيرها الآباء على الأجداد (١) ، فعنوان الوالد والأب يفترق أحدهما عن الآخر والوالد يختص بالوالد بلا واسطة ، والموجود في النص الوالد وشموله للجد مشكل أو ممنوع.

(١) لأنّ المفروض أنها مجمع بين العنوانين ويحكم عليها بحكمهما ، وإذن أحدهما دون الآخر لا يجدي.

(٢) لعدم الدليل على وجوب تحمّل المولى هذه المصارف الزائدة على النفقة الواجبة ، وإنما غاية ما يجب عليه رفع الموانع من قبله.

(٣) أمّا منع العبد من التكسب لتحصيل مصارف الحجّ فتقتضيه القاعدة ، لأنّ العبد لا يقدر على شي‌ء وأمره بيد مولاه فله منعه من التكسّب حسب ولايته وسلطانه عليه ، وأمّا وجوب التخلية عليه فيستدلّ له بأنّ الاذن في الشي‌ء إذن في لوازمه ، ويقع الكلام في مقامين ، بعد الفراغ عن تسليم هذه الكبرى الكلية وهي أن الاذن في الشي‌ء إذن في لوازمه ، فإنها غير قابلة للإنكار لأن الإذن في الملزوم يستلزم الإذن في لازمه قهراً وهذه من القضايا التي قياساتها معها.

__________________

(*) أوجههما العدم.

(١) كما في قوله تعالى (قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ) البقرة ٢ : ١٣٣ وغيرها من الآيات الكثيرة.

٣٠٩

ثمّ على القول بأن لهم الحل هل يجوز مع حلف الجماعة التماس المذكورين في حل حلفهم أم لا؟ وجهان (*) (١).

______________________________________________________

أحدهما : أن هذه الكبرى هل تنطبق على المقام أم لا؟

ثانيهما : أنه هل يجب على المولى إذا أذن في نذر الحجّ أن يلتزم بذلك بحيث لا يجوز له العدول عن إذنه أو له العدول عن إذنه.

أمّا الأوّل : فالظاهر أنّ هذه الكبرى غير منطبقة على المقام ، لأنّ التكسّب ليس من لوازم الإذن في الحجّ بحيث يستلزم الاذن في نذر الحجّ الإذن في التكسب ، لإمكان عتقه فيما بعد فيتمكّن من إتيان الحجّ أو ينتظر وجود من يبذل له مصارف الحجّ ونحو ذلك مما يتمكن من إتيانه. وبالجملة : إتيان الحجّ لم يكن متوقفاً على التكسّب حتى يكون الإذن فيه إذناً في التكسّب ، بل الإذن في الحجّ لا يقتضي إلّا رفع المانع من قبله.

والحاصل : ليس النذر ملزوماً للتكسّب حتى يكون الإذن فيه إذناً في التكسب. وبتعبير آخر النذر بنفسه لا يستلزم صرف المال والتكسب ، بل لا بدّ في النذر من ملاحظة حصول شرائط الوفاء به وما يتوقف عليه من القدرة ونحوها من الشرائط الأُخر المعتبرة العامّة ، فإن كان متمكناً من الإتيان فهو وإلّا فلا يجب عليه الإتيان.

وأما الثاني : فالظاهر جواز العدول له عن الاذن وإن صرح به ، نظير رجوع الباذل عن بذله للحجّ ، لعدم الدليل على عدم جواز العدول له. وبالجملة : المستفاد من الأدلة أن نذر العبد لا ينعقد إلّا بإذن المولى ولو أذن ينعقد النذر ، وأما وجوب الإتيان على العبد فيتوقف على حصول الشرائط المعتبرة كالتمكن ونحوه ، ولو رجع المولى عن إذنه لا يتمكّن العبد من الإتيان فينتظر تجدد الاذن والتمكن من الامتثال.

(١) أقواهما الجواز لإطلاق ما يقتضي جواز الحل لهم فلا مانع من التماسه.

__________________

(*) أقواهما الجواز.

٣١٠

[٣١٠٩] مسألة ٢ : إذا كان الوالد كافراً ففي شمول الحكم له وجهان أوجههما العدم للانصراف ونفي السبيل (١).

[٣١١٠] مسألة ٣ : هل المملوك المبعّض حكمه حكم القِنّ أو لا؟ وجهان (*) لا يبعد الشمول ، ويحتمل عدم توقف حلفه على الإذن في نوبته في صورة المُهاياة خصوصاً إذا كان وقوع المتعلق في نوبته (٢).

______________________________________________________

(١) فإن هذا الحكم ونظائره من باب احترام الوالد ولا حرمة للكافر. نعم ، إذا كان النذر ونحوه مخالفاً للمعروف بالنسبة إلى الوالد لا ينعقد ، لأنّ معاملة المعروف مع الوالد واجبة حتى إذا كان كافراً كما هو المستفاد من الآيات (١) والروايات ، وأما الاستدلال بنفي السبيل كما في المتن ففيه : أن المراد بهذه الآية إما نفي السبيل في أمر الآخرة أو عدم السبيل للكافر من جهة الحجة والسلطان في المعارف الإلهية.

(٢) والذي ينبغي أن يقال : إن موضوع الحكم إن كان عنوان الحر فلا ريب في عدم صدقه على المبعّض لعدم كونه حراً وإنما بعضه حر ، وكذا لو كان الحكم ثابتاً لعنوان العبد فإنه غير صادق على المبعّض لأنه مركّب من العبد والحر ، والمفروض أن الحكم بالتوقف ثابت لعنوان العبد أو المملوك وهو غير صادق على المبعّض فيشمله إطلاق وجوب الوفاء بالنذر. وبعبارة اخرى : يجب الوفاء بالنذر على كل أحد وإنما خرج عنه العبد وهو غير صادق على المبعّض فلا مانع من الرجوع إلى إطلاق أدلة وجوب الوفاء بالنذر.

هذا كلّه من جهة النذر بنفسه يعني أن النذر بما هو نذر يجب الوفاء به تعبداً ولا يتوقف نذر المبعّض على إذن سيّده ، وأما إذا كان منافياً لحق المولى فلا ينعقد من دون إذنه لمنافاته لحقه. نعم ، إذا كان متعلقه يصادف نوبته وأيامه لا مانع من الانعقاد لعدم حق للمولى في نوبته وأيامه ولا يكون منافياً لحقه.

__________________

(*) أظهرهما العدم إلّا فيما إذا كان منافياً لحق المولى.

(١) لقمان ٣١ : ١٥.

٣١١

[٣١١١] مسألة ٤ : الظاهر عدم الفرق في الولد بين الذكر والأُنثى ، (١) وكذا في المملوك والمالك ، لكن لا تلحق الأُم بالأب.

______________________________________________________

وقد تحصل من جميع ما ذكرنا : أن اعتبار الاذن في النذر واليمين قد يكون بلحاظ حق الغير ومراعاته ، فإن كان متعلقه منافياً لحق الوالد أو السيّد لا ينعقد لاعتبار الرجحان في متعلق النذر وفي متعلق اليمين لا بدّ أن لا يكون مرجوحاً ، وذلك لا يفرق بين الولد والعبد والزوجة ، وقد يكون اعتبار الإذن في النذر على الإطلاق وبلحاظه في نفسه مع قطع النظر عن منافاته لحق هؤلاء ، فقد عرفت بما لا مزيد عليه أنه لا دليل على ذلك إلّا في نذر العبد ، وأما الولد فقد ذكرنا أن غاية ما يستفاد من الأدلة جواز حلّ الوالد نذر ولده لا توقف نذره على إذن الوالد ، وأما الزوجة فقد تقدم المناقشة في دليله.

ومما ذكرنا يظهر الحال في المبعّض من أن نذره لو كان منافياً لحق المولى لا ينعقد لا لدليل خاص بل لإطلاق ما دلّ على لزوم الرجحان في متعلق النذر ، وأمّا لو قلنا بأن اعتبار الاذن في النذر من باب الدليل التعبدي الدال على اعتبار الاذن في النذر في نفسه فقد عرفت أن مقتضى إطلاق الأدلّة وجوب الوفاء ، وقد خرج منه عنوان المملوك وهو غير صادق على المبعّض المركّب من العبد والحر ، كما أنه لا يشمله سائر الأحكام الثابتة للعبد من الديات والقصاص والحدود فإنها مختصّة بالعبد التام ولا تشمل المبعّض ، وعنوان الحر وإن كان لا يصدق عليه أيضاً إلّا أن مقتضى إطلاق أدلة وجوب الوفاء بالنذر وجوبه على المبعّض أيضاً ، إذ لا مخصّص له بالنسبة إليه وإنما خرج عن المطلقات عنوان المملوك والعبد وهو غير صادق على المبعّض المركّب من الحر والعبد.

(١) لاشتراك الولد بينهما لغة ، فإن الولد ما يتولد من الإنسان سواء كان ذكراً أو أُنثى ، قال الله تعالى (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (١) ولا

__________________

(١) النساء ٤ : ١١.

٣١٢

[٣١١٢] مسألة ٥ : إذا نذر أو حلف المملوك بإذن المالك ثمّ انتقل إلى غيره بالإرث أو البيع أو نحوه بقي على لزومه (*) (١).

______________________________________________________

عبرة بالاستعمال الدارج للولد في خصوص الذكر. نعم ، الابن يختص بالذكر كما أن البنت تختص بالأُنثى ، وكذا المولى والمملوك يطلقان على الذكر والأُنثى فلا فرق بين العبد والأمة كما لا فرق بين المولى والمولاة. على أن المستفاد من النص أن الحكم بتوقف النذر على الاذن من جهة المملوكية وعدم التصرف في سلطان المالك ورعاية حقوقه وذلك لا خصوصية له بالرجل أو المرأة ، وقد ورد كثير من أحكام الحجّ وغيره في مورد الرجل ولا تختص به بل تشمل المرأة حسب الفهم العرفي. وأما الام فلا تلحق بالأب بناء على أن الاذن معتبر في النذر في نفسه لقصر الدليل بالوالد ولا يشمل الوالدة ، نظير توقف تزويج البكر على إذن الوالد ولا يتوقف على إذن الام وأمّا على ما ذكره المصنف (قدس سره) من أن اعتبار الاذن من جهة رعاية حق الوالد وعدم منافاته لحقوقه فلا فرق بين الوالدين.

(١) قد يكون متعلق نذره غير مناف لحق المولى الثاني في ظرف العمل وقد يكون منافياً لحقه.

أمّا الأوّل ، فلا مانع من انعقاد نذره ويبقى على لزومه ولا يعتبر الإذن من المولى الثاني ، لأنه حين النذر لم يكن مولاه حتى يعتبر إذنه والمفروض عدم منافاته لحقه حين الإتيان بالمتعلق ، كما إذا نذر أن يقرأ القرآن عند النوم أو بعض الأدعية عند الخروج من البيت ونحو ذلك مما لا ينافي حق المولى أصلاً.

وأمّا الثاني ، فالظاهر عدم انعقاده لعدم الفرق بين المولى الأوّل والثاني في لزوم رعاية حقهما ، فلو كان النذر منافياً لحق المولى الثاني ولو بقاءً ينحل ، لأنه مرجوح بقاء وفي ظرف العمل ، والمعتبر رجحانه في ظرف العمل. فالصحيح هو التفصيل إلّا

__________________

(*) إلّا إذا كان متعلق نذره منافياً لحق المولى الثاني.

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أنّ المصنف اختار انعقاد نذره وعدم اعتبار إذن المولى الثاني مطلقاً بدعوى أنه لا يبقى حق للمولى الثاني بعد انعقاد النذر ، وليس له المنع عن العمل بالنذر بعد ما صار واجباً عليه ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وبعبارة اخرى : طاعة السيّد وإن كانت واجبة لكنها مشروطة بالقدرة الشرعية يعني تجب طاعته فيما إذا لم يكن هناك مانع شرعي ، وأما إذا كان هناك مانع شرعي كالنذر السابق فلا تجب طاعته ، والمفروض انعقاد النذر بإذن المالك حين النذر فيجب الوفاء به على العبد ، وليس للسيّد الثاني المنع عنه لعدم وجوب طاعته فيما وجب أو حرم على العبد.

ويرد عليه : أن هذه الجملة «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» لم ترد في نص معتبر وإنما رواها المحقق مرسلاً في المعتبر (١) وحكى ذلك عنه صاحب الوسائل (٢) ورواها الصدوق أيضاً بسندين ضعيفين :

أحدهما : ما رواه في الفقيه بإسناده عن إسماعيل بن الفضل عن ثابت بن دينار أبي حمزة الثمالي (٣) وطريقه إلى إسماعيل بن الفضل ضعيف.

ثانيهما : ما رواه في الخصال بسند آخر ضعيف في ضمن ذكره (عليه السلام) للحقوق الواجبة والمندوبة (٤) فلا يمكن الاعتماد على هذه الجملة وإن كان مضمونها من الكبرى المسلمة التي لا ريب في صحتها ، إذ من الواضح جدّاً عدم وجوب طاعة المخلوق في الموارد التي تستلزم معصية الخالق كعدم وجوب طاعته في موارد الواجبات والمحرمات الإلهية ، إلّا أنه ليس معنى هذه الجملة أخذ القدرة شرعاً في موضوع الحكم ليقيد وجوب طاعة المولى بما إذا لم يكن هناك مانع شرعي ، وإنما القدر المسلم سقوط وجوب طاعة المولى في موارد التكاليف الإلهية ، وأن الواجب أو

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٦١.

(٢) الوسائل ١١ : ١٥٧ / أبواب وجوب الحج ب ٥٩ ح ٧.

(٣) الفقيه ٢ : ٣٧٦ / ١٦٢٦.

(٤) الوسائل ١٥ : ١٧٢ / أبواب جهاد النفس ب ٣ ح ١ ، الخصال : ٥٦٤ / ١.

٣١٤

[٣١١٣] مسألة ٦ : لو نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجية ثمّ تزوجت وجب عليها العمل به وإن كان منافياً للاستمتاع بها (*) ، وليس للزوج منعها من ذلك الفعل كالحج ونحوه ، بل وكذا لو نذرت أنها لو تزوجت بزيد مثلاً صامت كل خميس وكان المفروض أن زيداً أيضاً حلف أن يواقعها كل خميس إذا تزوجها فإن حلفها أو نذرها مقدّم على حلفه (**) وإن كان متأخراً في الإيقاع ، لأنّ حلفه لا يؤثِّر شيئاً في تكليفها بخلاف نذرها فإنه يوجب الصوم عليها ، لأنّه متعلق بعمل نفسها فوجوبه عليها يمنع من العمل بحلف الرّجل (١).

______________________________________________________

الحرام لا يسقط بأمر أي أحد ، وأين هذا من أخذ القدرة الشرعية في موضوع الحكم ، فمعنى الجملة أنه في موارد معصية الخالق لا طاعة لمخلوق ، إلّا أن الكلام في تحقق المعصية وتحقيق الصغرى فلا بدّ من الرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة الأوّلية ، فإن قلنا بأن العبد لا يقدر على شي‌ء وقلنا بأن العبرة في لزوم النذر بظرف العمل لا بظرف النذر فلا أثر لهذا النذر المنافي لحق المولى الثاني فينحل النذر في ظرف العمل ، ولا أثر للإذن الصادر من المالك الأوّل حال النذر ، لأن المفروض أن النذر بقاء ينافي حق المولى الثاني فيكون مرجوحاً بقاء فينحل لعدم الرجحان لمتعلقه في ظرف العمل.

(١) قد عرفت مما تقدم حال نذر المرأة إذا لم تكن متزوجة ثمّ تزوجت أو كانت متزوجة ونذرت بإذن زوجها ثمّ طلقت وتزوجت بزوج آخر وكان نذرها منافياً لحق الزوج الجديد ، فإن نذرها ينحل لكونه مرجوحاً في ظرف العمل ، وقد عرفت أن العبرة بالرجحان في ظرف العمل ، فلو نذرت المرأة الصوم يوم الخميس وكان منافياً لحق الزوج الجديد ينحل وإن كانت حين النذر لم تكن متزوجة أو كانت مأذونة من الزوج الأوّل.

__________________

(*) الظاهر عدم الوجوب حينئذ إلّا مع إذن الزوج.

(**) لا أثر لحلف الزوجة تقدم أو تأخر فيما يزاحم حق الزوج كما هو المفروض.

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولو حلف الزوج على خلاف حلفها كما إذا حلف أن يواقعها كل خميس إذا تزوجها فإن قلنا بأنه لا أثر لحلف الزوجة إذا كان منافياً لحق الزوج ولو بقاء فالأمر ظاهر ، لانحلال نذرها أو حلفها لكونه مرجوحاً في ظرف العمل ، بل لا حاجة إلى حلف الزوج لانحلال نذرها أو حلفها بمجرد المنافاة لحق الزوج ، وأمّا على ما اختاروا من لزوم حلف الزوجة وعدم انحلاله بعد انعقاده صحيحاً في حال النذر فهل يتقدّم حلف الزوج أو الزوجة أو يسقطان معاً؟

ذكر المصنف (قدس سره) وغيره أنّ حلف الزوجة مقدّم على حلفه وإن كان حلف الزوجة زمانه متأخراً ، لأن المفروض أن حلفها صدر وهي غير متزوجة أو بإذن من الزوج الأوّل فيصحّ ويجب عليها العمل به ، ولا أثر لحلف الزوج لأنّ حلفه لا يحدث تكليفاً بالنسبة إلى الزوجة وإن كان حلفه متقدماً على حلفها بخلاف حلفها أو نذرها فإنه يوجب الصوم عليها لأنه متعلق بعمل نفسها ، ووجوبه عليها يمنع من العمل بحلف الرجل ، وليس له مطالبة الزوجة بالعمل بحلفه لأنه من المطالبة لترك الواجب أو الإتيان بالحرام.

ويرده : أنّ حلف الزوج كما لا يحدث تكليفاً للزوجة كذلك حلف الزوجة لا يؤثر شيئاً في تكليفه ، فإن وجوب الصوم عليها مثلاً في يوم كذا لا يوجب تكليفاً للزوج بل يجب على كل منهما العمل بالنذر مهما أمكن ، فنذر الزوجة ونذر الزوج يقتضيان حكمين متوجهين إلى شخصين ، فهما متزاحمان بالنسبة إلى شخصين لا إلى شخص واحد حتى يقع التزاحم بين الخطابين ويقدم الأهم أو يتخيّر عند التساوي كما تقتضيه قاعدة التزاحم بين الخطابين بالنسبة إلى شخص واحد ، بل المقام من باب التزاحم بين الحكمين بالنسبة إلى شخصين ، نظير واجدَي الماء حيث يلزم كل منهما أن يعمل بوظيفته ، لأنّ الحكم في الطرفين مشروط بالقدرة والتمكّن ، فيجب الصوم على الزوجة إذا كانت متمكنة منه ويجب على الزوج وطؤها في اليوم الذي حلف إذا كان متمكناً من ذلك ، ولا موجب لسقوط التكليف عن كل من الطرفين ، وعلى كل منهما أن يعمل بوظيفته ، وذلك يستلزم المغالبة والمسابقة قهراً إلى إتيان ما وجب عليه ، فهذه تمتنع

٣١٦

[٣١١٤] مسألة ٧ : إذا نذر الحجّ من مكان معيّن كبلدة أو بلد آخر معيّن فحجّ من غير ذلك المكان لم تبرأ ذمّته ووجب عليه ثانياً. نعم ، لو عيّنه في سنة فحجّ في تلك السنة من غير ذلك المكان وجب عليه الكفّارة ، لعدم إمكان التدارك. ولو نذر أن يحج من غير تقييد بمكان ثمّ نذر نذراً آخر أن يكون ذلك الحجّ من مكان كذا وخالف فحج من غير ذلك المكان برئ من النذر الأوّل ووجب عليه الكفّارة (*) لخلف النذر الثاني ، كما أنّه لو نذر أن يحجّ حجّة الإسلام من بلد كذا فخالف فإنه يجزئه عن حجّة الإسلام ، ووجب عليه الكفّارة لخلف النذر (١).

______________________________________________________

عن التمكين للزوج وذاك يحملها على التمكين ليواقعها ، لأنّ كلّاً من الواجبين مشروط بالقدرة شرعاً وأي منهما كان أقوى يعمل بوظيفته ، ولا موجب لتقديم حلف الزوجة على حلف الزوج ولا العكس ، بل عليهما أن يتسابقا إلى إتيان ما وجب عليهما نظير المتيممين الواجدَين للماء.

(١) في هذه المسألة أُمور :

الأوّل : لو نذر الحجّ من مكان معيّن كبلدة أو بلد آخر عينه فحجّ من غير ذلك المكان لم تبرأ ذمّته ولا يجزئ عن المنذور ووجب عليه الحجّ ثانياً من ذلك المكان المعيّن وفاء لنذره ، كما إذا نذر أن يصلي ركعتين في مسجد خاص أو في الحرم الشريف فصلى في مكان آخر فإنّها لا تجزئ عن الأمر الناشئ من النذر بل لا بدّ من الصلاة في الحرم الشريف أو في المسجد المعيّن ، نظير ما لو نذر أن يعطي درهماً لزيد فأعطاه لعمرو ونحو ذلك ، فإن الأمر الناشئ من النذر أوجب عليه الإتيان بحصة خاصة وفرد خاص من الطبيعة فلا يجزئ عنه إتيان الطبيعة في ضمن فرد آخر لم يتعلّق به النذر ولا يتحقق الامتثال بالنسبة إلى الأمر النذري إلّا بإتيان متعلقه.

الثاني : لو عيّنه في سنة خاصّة من مكان خاص فحج في تلك السنة من غير ذلك

__________________

(*) فيما إذا كان للمكان المنذور رجحان وكذا فيما بعده.

٣١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المكان لا يجب عليه الحجّ ثانياً لعدم إمكان التدارك ، لأن المفروض أنه قيد الحجّ بسنة خاصّة ولم يكن مطلقاً حتى يمكن التدارك بإتيانه في سنة أُخرى. نعم ، يجب عليه الكفّارة فقط لأنه خالف نذره.

والحاصل : لو كان نذره مطلقاً وغير مقيّد بزمان خاص فخالف وأتى به من غير ذلك المكان المعيّن المنذور يجب عليه الحجّ ثانياً ، لأنه لم يمتثل الأمر النذري المتعلق بحصة خاصة من الطبيعة وليس عليه الكفارة ، وإن كان الحجّ مقيّداً بزمان خاص من مكان خاص فخالف وأتى بالحج من غير ذلك المكان يسقط وجوب الحجّ ثانياً لعدم إمكان تداركه ، لأنه كان مقيّداً بسنة خاصّة وقد فوّت على نفسه ، وإنما يجب عليه الكفارة فقط لأنه حنث بإتيان الحجّ من غير ذاك المكان المعيّن ، هذا كله إذا كان النذر واحداً.

الثالث : ما إذا كان النذر متعدداً أحدهما تعلق بالحج مطلقاً من غير تقييد بمكان والآخر تعلق بالإتيان به من مكان خاص وخالف فحج من غير ذلك المكان. ذكر في المتن أنه تبرأ ذمته من النذر الأوّل لأنه تعلق بطبيعي الحجّ وقد تحقق غاية الأمر قيده بنذر ثانٍ ووجوب آخر بإيجاده في ضمن حصة خاصة ، فمتعلق نذر كل منهما يغاير الآخر وقد حصل الامتثال بالنسبة إلى النذر الأوّل ، وأمّا بالنسبة إلى النذر الثاني فقد خالفه وتجب عليه الكفارة ، وهكذا لو نذر أن يأتي بحجّ الإسلام من بلد كذا فخالف وحج من غير ذلك البلد فإنه يجزئه عن حجّة الإسلام ولكن تجب عليه الكفّارة لخلف النذر.

أقول : يقع الكلام في جهتين :

الاولى : في صحّة النذر الثاني وعدمها. لا ريب في صحّة النذر إذا كان متعلقه أمراً راجحاً ، كما إذا نذر أن يصلي في المسجد أو في الحرم الشريف أو يأتي بها جماعة ونحو ذلك من العناوين الراجحة ، فإن الأمر الأوّل تعلق بأصل الطبيعة المطلقة والثاني تعلق بإيقاعها في ضمن فرد راجح ، فلو أتى بالطبيعة في ضمن غير ذلك الفرد امتثل بالنسبة

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى الأمر الأوّل ، لأنه لم يكن مقيداً وإنما تعلق بالطبيعي الجامع بين الصلاة جماعة وفرادى ، وأمّا بالنسبة إلى الأمر الثاني فقد خالف ووجب عليه الكفّارة ، وأمّا إذا لم يكن متعلقه راجحاً كما إذا لم يكن للمكان المنذور رجحان فلا ينعقد كما هو كذلك في المقام ، لأن إتيان الحجّ من بلده أو من بلد خاص لا رجحان فيه شرعاً فلا ينعقد النذر بالنسبة إليه. نعم ، لا يبعد صحته فيما إذا تعلق بالخروج مع القافلة الأُولى للرجحان فيه لاحتمال عدم الوصول إلى الحجّ لو آخر السفر إلى القوافل اللّاحقة.

والحاصل : لو تعلق النذر بحصة خاصة لا بدّ من ثبوت الرجحان في تلك الحصة وإلّا فلا ينعقد كما إذا نذر أن يصلي صلاته اليومية في غرفة خاصة من داره لعدم رجحان في ذلك. نعم ، لو تعلق النذر بنفس الخاص ينعقد لثبوت الرجحان في أصل الفرد الخاص ، كما إذا نذر أن يصلي ركعتين في هذه الغرفة المعيّنة. وبالجملة : ما ذكره المصنِّف من انعقاد النذر الثاني على إطلاقه غير تام ، بل لا بدّ من التفصيل بين ما كان متعلقه راجحاً وعدمه.

الجهة الثانية : قد عرفت أنه لو نذر أوّلاً أن يحجّ من غير تقييد بمكان ثمّ نذر ثانياً أن يكون ذلك من مكان خاص فحجّ من غير ذلك المكان صحّ حجّه وبرأ من النذر الأوّل لامتثاله ووفائه له ، لأنّ المفروض كان متعلقه مطلقاً ولم يكن مقيداً بمكان خاص ، وأمّا بالنسبة إلى النذر الثاني فقد خالفه ويجب عليه الكفّارة.

وقد يقال ببطلان العمل الصادر منه بدعوى أن النذر في المقام في الحقيقة يرجع إلى أن لا يحج إلّا من بلد كذا وقوله : للهِ عليّ أن أحجّ حجّ الإسلام من بلد كذا يرجع إلى قوله : للهِ عليّ أن لا أحجّ إلّا من بلد كذا أو لا يصلِّي في أي مكان إلّا في المسجد أو لا يصلِّي إلّا جماعة ، فإذا حجّ من غير ذلك البلد أو صلّى في غير ذلك المسجد أو صلّى فرادى يقع الفعل الصادر منه مبغوضاً ، لأنه موجب لتفويت المنذور ولا يمكن تداركه وإذا وقع مبغوضاً يقع فاسداً ، إذ لا يمكن أن يكون الحرام مصداقاً للواجب فيبقى النذر بحاله.

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والحاصل : لو حج من غير البلد المعيّن فقد فوّت الموضوع وعجّز نفسه عن أداء المنذور ، وهذا التعجيز حرام والحرام لا يكون مصداقاً للواجب فلا يمكن القول بصحة الحجّ من غير ذلك البلد ، فيجب عليه الإتيان بالمنذور بعد ذلك ولا تجب عليه الكفارة لأنها إنما تجب بترك المنذور لا بتفويته.

وفيه : أن النذر في المقام يتعلق بإيقاع الطبيعة في ضمن هذا الفرد الخاص ، وأما عدم إيقاعها في ضمن فرد آخر فهو من باب الملازمة بين وجود أحد الضدين وعدم الضد الآخر لا من جهة تعلق النذر بذلك وإلّا لا ينعقد النذر من أصله ، لأن ترك الصلاة في غير المسجد أو ترك الحجّ من بلد كذا لا رجحان فيه ، كما لا رجحان بخصوصه لابتداء الحجّ من بلد خاص.

وأمّا ما ذكر من التعجيز وتفويت الموضوع عن أداء المنذور بإتيان هذا الفرد والحجّ من غير البلد المعيّن المنذور فليس إلّا من جهة المضادة بين المنذور وغيره وعدم إمكان الجمع بين الضدين ، وليس ذلك من التعجيز بشي‌ء ، بل ذلك لأجل ملازمة خارجية بين الضدين ، فإن وجود كل ضد ملازم لعدم الضد الآخر.

هذا ، مضافاً إلى أنّ التعجيز لا يعقل أن يكون محكوماً بالحرمة لأنه يستلزم من وجوده عدمه ، وذلك لأنّ التعجيز إنما يتحقق إذا كان المأتي به صحيحاً ، إذ لو كان باطلاً وفاسداً لا تعجيز ، ولو كان صحيحاً سقط الأمر ، فالتعجيز متوقف على صحّة المأتي به وإذا كان صحيحاً لا يمكن أن يكون المعجز محرماً بعنوان التعجيز.

والحاصل : في المقام أمران أحدهما تعلق النذر بمطلق الطبيعة والثاني تعلقه بإتيان الطبيعة في ضمن فرد خاص ، فلو فرضنا أنه أتى بمتعلق النذر الأوّل فإن كان فاسداً لا يكون معجّزاً ، وإن كان صحيحاً ومسقطاً للأمر لا يكون مبغوضاً ومحرماً ، فالتعجيز يتوقف على الصحّة ، والصحّة تستلزم سقوط الأمر وعدم كونه مبغوضاً وما يستلزم من وجوده عدمه محال. والحل ما ذكرناه من أن الحجّ من البلد المعيّن المنذور والحجّ من غير هذا البلد من قبيل الضدين ولا يستلزم وجوب أحدهما حرمة الآخر وإنما هو من باب الملازمة الخارجية.

٣٢٠