موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

موسوعة الإمام الخوئي

المؤلف:

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قدّس سرّه
المطبعة: نينوى
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6084-13-3
الصفحات: ٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الصدوق رواها في الفقيه بلا زيادة الحجّ ، ولا الصلاة (١).

والظاهر أن الرواية واحدة سنداً ومتناً ، حتى لا اختلاف في الألفاظ إلّا يسيراً ولم يعلم أن هذه الزيادة مما ذكره الإمام (عليه السلام) أم لا ، مع أن الكافي أضبط ، بل الفقيه أضبط من العلل ، ومع هذا الاختلاف لا يمكن الاعتماد على صحّة هذه الزيادة. ومع الغض عن ذلك لا يمكن الاعتماد على الرواية لوجهين آخرين :

أحدهما : اشتمال الرواية على توقف الصلاة تطوعاً على إذن الأبوين ، وهذا مما لم ينسب إلى أحد أصلاً ، فلا بدّ من حمل ذلك على أمر أخلاقي أدبي ، يعني من الآداب والأخلاق الفاضلة شدة الاهتمام بأمر الوالدين ، وتحصيل رضاهما وطاعتهما حتى في مثل الصلاة والصوم ونحوهما من العبادات الإلهية ، فليست الرواية في مقام بيان الحكم الشرعي.

ثانيهما : اشتمال الرواية على اعتبار أمر الوالدين في صحّة الصوم والصلاة والحجّ مع أن ذلك غير معتبر جزماً ، إذ غاية ما يمكن أن يقال اعتبار رضاهما ، وأما اعتبار أمرهما فغير لازم قطعاً.

والحاصل : اشتمال الرواية على ذكر الصلاة وذكر أمرهما كاشف عن أن الرواية ليست في مقام بيان الحكم الشرعي ، بل إنما هي واردة في مقام بيان أمر أخلاقي فيكون الاستئذان من جملة الآداب والأخلاق.

وممّا يؤكد سقوط الرواية عن الحجية قول الصدوق في العلل ، فإنه بعد ما ذكر الخبر قال : جاء هذا الحديث هكذا «ولكن ليس للوالدين على الولد طاعة في ترك الحجّ تطوعاً كان أو فريضة ، ولا في ترك الصلاة ، ولا في ترك الصوم تطوعاً كان أو فريضة ، ولا في شي‌ء من ترك الطاعات» (٢).

هذا ، ولو استلزم السفر إلى الحجّ أذيتهما ، حرم السفر لدلالة بعض الآيات

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٩٩ / ٤٤٥.

(٢) علل الشرائع ٢ : ٣٨٥ / ب ١١٥ ح ٤.

٢١

[٢٩٨٣] مسألة ٢ : يستحب للولي أن يحرم بالصبي غير المميز بلا خلاف لجملة من الأخبار ، بل وكذا الصبية وإن استشكل فيها صاحب المستند (١) ، وكذا

______________________________________________________

الشريفة وجملة من الروايات على حرمة إيذائهما ، فيختص السفر المحرم حينئذ بصورة علم الأبوين ، فإذا لم يعلما به لا يحرم لعدم أذيتهما حينئذ.

هذا كله فيما إذا استلزم الحجّ السفر وتحمل مشاق الطريق ونحو ذلك من لوازم السفر ، وأما إذا فرضنا أن الحجّ لا يستلزم السفر كالأطفال الموجودين في نفس مكّة المكرمة ، فلا مقتضي للاستئذان فتأمّل ، أو الأطفال المستصحبة في القوافل.

(١) لا خلاف في استحباب إحجاج الصبي ، وقد دلت على ذلك جملة من الروايات المعتبرة ، وقد عقد في الوسائل باباً مستقلا لذلك (١).

ثمّ إن المشهور لم يفرِّقوا بين الصبي والصبية ، ولكن صاحب المستند استشكل في الصبية بدعوى اختصاص النصوص بالصبي ، وإلحاق الصبية به يحتاج إلى دليل وهو مفقود. فإنّ مورد الروايات الدالّة على الإحجاج إنما هو الصبي ، وأما الصبية فلم ترد في الروايات ، وأمّا ما يظهر من بعض الروايات «أنّ الجارية إذا طمثت فعليها حجّ الإسلام وإن كانت قد حجّت قبل البلوغ» (٢) ، فهو ناظر إلى حجّ الصبية بنفسها وغير ناظر إلى استحباب الإحجاج بها.

وبعبارة اخرى : المستفاد من تلك الروايات رجحان حجّ الصبية بنفسها والروايات الواردة في الإحجاج موردها الصبي ولا تشمل الصبية.

هذا ، ولكن يمكن استفادة حكم الصبية من بعض هذه الروايات ، مثل معتبرة يونس بن يعقوب عن أبيه قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّ معي صِبْيَة صغاراً وأنا أخاف عليهم البرد فمن أين يحرمون؟ قال : ائت بهم العرج فليحرموا

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٨٦ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٧.

(٢) الوسائل ١١ : ٤٤ / أبواب وجوب الحجّ ب ١٢.

٢٢

المجنون ، وإن كان لا يخلو عن إشكال لعدم نص فيه بالخصوص ، فيستحق الثواب عليه (١) ، والمراد بالإحرام به جعله محرماً لا أن يحرم عنه ، فيلبسه ثوبي الإحرام ويقول : (اللهمّ إني أحرمت هذا الصبي ...) ويأمره بالتلبية بمعنى أن يلقِّنه إيّاها (٢)

______________________________________________________

منها» (١) ، فإن الصِّبْية وإن كانت جمعاً للصبي وجمع الصبية الصبايا ، إلّا أن المتفاهم العرفي من الصِّبْيَة الصغار من الأولاد أعم من الذّكر والأُنثى. وبذلك يظهر دلالة غيرها من الروايات أيضاً (٢).

(١) ذكر الأصحاب أنه كالصبي في استحباب الإحجاج ، ولا دليل عليه فإنّ الأحكام الشرعية واجبة كانت أو مستحبة غير متوجهة إلى المجنون أصلاً ، فإنّه كالبهائم ، وإلحاق المجنون بالصبي يشبه القياس ، مع أنه قياس مع الفارق ، ولا بأس بالإحجاج به رجاء.

(٢) ما ذكره (قدس سره) من أنه يقول من يُحجه : (اللهمّ إني أحرمت هذا الصبي ...) لا دليل عليه ، لأن المفروض أنه يحج الصبي المميز الذي يتمكن من النيّة والتلبية وسائر الأعمال ، والمراد بالإحجاج هو أن يلقّنه النيّة ، ويحدث هذه الأفعال فيه ، لا أن يباشرها بنفسه ، واستحباب التلفظ بالنيّة إنما هو في أعمال حجّ نفسه ، ولا يدل ذلك على استحباب قوله : (اللهمّ إني أحرمت هذا الصبي).

والحاصل : المستفاد من النصوص إحداث هذه الأعمال وإيجادها في الصبي إذا كان ممن يتمكن أداءها ، فإنه يأمره أن يلبي ويلقّنه التلبية ، فإن لم يحسن أن يلبي لبّى عنه وكذلك الطواف يطاف به ، وإن لم يكن متمكناً من الطواف لعدم تمييزه يطاف عنه كما في صحيحة زرارة (٣) ، فكل فعل من أفعال الحجّ إذا تمكن من إتيانه يأمره بذلك

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٨٩ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٧ ح ٧.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٨٦ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٧ ح ١.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٨٨ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٧ ح ٥.

٢٣

وإن لم يكن قابلاً يلبي عنه ، ويجنّبه عن كل ما يجب على المحرم الاجتناب عنه ويأمره بكل فعل من أفعال الحجّ يتمكّن منه ، وينوب عنه في كل ما لا يتمكّن ويطوف به ويسعى به بين الصّفا والمروة ، ويقف به في عرفات ومنى (*) (١) ، ويأمره بالرّمي وإن لم يقدر يرمي عنه ، وهكذا يأمره بصلاة الطّواف وإن لم يقدر يصلِّي عنه ، ولا بدّ من أن يكون طاهراً ومتوضِّئاً (**) ولو بصورة الوضوء وإن لم يمكن فيتوضّأ هو عنه ، ويحلق رأسه وهكذا جميع الأعمال (٢).

______________________________________________________

وينوب عنه في كل ما لا يتمكّن.

(١) الصحيح (المشعر) بدل (منى) لأن منى لا وقوف فيه.

(٢) اختلفت كلماتهم في الوضوء ، فعن بعضهم اعتبار الوضوء على من طاف به وعن آخرين اعتبار الوضوء على نفس الطفل ولو صورته ، وعن صاحب الجواهر أن الأحوط طهارتهما معاً (١).

أقول : إن تمكن الطفل من الوضوء ولو بتعليم الولي إياه وإحداثه وإيجاده فيه فهو وإن لم يكن الطفل قابلاً للوضوء ، فلا دليل على وضوئه صورة ، وما ورد من إحجاج الصبي إنما هو بالنسبة إلى أفعال الحجّ كالطواف والسعي والرمي ونحو ذلك ، وأمّا الأُمور الخارجية التي اعتبرت في الطواف ، فلا دليل على إتيانها صوره ، فإنّ الأدلّة منصرفة عن ذلك ، وإنما تختص بأفعال الحجّ ، كما أنه لا دليل على أنّ الولي يتوضأ عنه فيما إذا لم يكن الطفل قابلاً للوضوء ، فإنّ الوضوء من شرائط الطائف لا المطوّف والمفروض أن الولي غير طائف وإنما يطوف بالصبي ، فدعوى أنه ينوب عنه في

__________________

(*) هذا من سهو القلم والصحيح : «المشعر» بدل «منى».

(**) على الأحوط الأُولى فيه وفيما بعده.

(١) الجواهر ١٧ : ٢٣٧ وفيه : الأحوط طهارتهما معاً وإن كان يقوى في النظر الاكتفاء بطهارة الولي.

٢٤

[٢٩٨٤] مسألة ٣ : لا يلزم كون الولي محرماً في الإحرام بالصبي ، بل يجوز له ذلك وإن كان محلّا (١).

[٢٩٨٥] مسألة ٤ : المشهور على أن المراد بالولي في الإحرام بالصبيّ غير المميِّز الولي الشرعي من الأب والجد والوصي لأحدهما والحاكم وأمينه أو وكيل أحد المذكورين (٢)

______________________________________________________

الوضوء لا وجه لها ، لأن النيابة ثابتة في أفعال الحجّ لا في شرائطها. فالصحيح عدم اعتبار الوضوء حينئذ لا على نفس الطفل ولا على الولي.

(١) لإطلاق الروايات الدالّة على إحجاج الصبي.

(٢) المشهور على أن استحباب إحجاج الصبي مختص بالولي الشرعي ، وأما غيره فلا يصح منه إحجاج الصبي ، ولا تترتب أحكام الإحرام إذا كان المتصدي لإحرامه غير الولي ، وإنما ألحقوا به خصوص الام وإن لم تكن ولياً شرعياً للنص الخاص فيها وهو صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سمعته يقول : مرّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) برويثة وهو حاج ، فقامت إليه امرأة ومعها صبي لها فقالت : يا رسول الله أيحج عن مثل هذا؟ قال : نعم ولكِ أجره» (١).

ولكن الظاهر عدم اختصاص إحجاج الصبي بالولي الشرعي ، بل يجوز لكل أحد أن يحرم بالصبي ويحجه ، إذ لا دليل على حرمة التصرّف بالصبي ما لم يستلزم التصرّف تصرّفاً ماليّاً.

وبالجملة : إن رجع التصرّف بالصبي إلى التصرف في أمواله فيحتاج إلى إذن الولي. وأمّا إذا لم يستلزم التصرّف فيه تصرفاً في ماله فلا دليل على توقف جوازه على إذن الولي ، وعليه يجوز إحجاج الصبي لكل من يتولّى أمر الصبي ويتكفّله وإن لم يكن وليّاً

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٥٤ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٠ ح ١.

٢٥

لا مثل العم والخال ونحوهما والأجنبي. نعم ألحقوا بالمذكورين الام وإن لم تكن ولياً شرعياً للنص الخاص فيها ، قالوا : لأن الحكم على خلاف القاعدة فاللازم الاقتصار على المذكورين ، فلا تترتب أحكام الإحرام إذا كان المتصدي غيره ، ولكن لا يبعد كون المراد الأعم منهم وممن يتولى أمر الصبي ويتكفّله وإن لم يكن ولياً شرعياً لقوله (عليه السلام) : «قدِّموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن مر ...» فإنه يشمل غير الولي الشرعي أيضاً ، وأما في المميز فاللازم إذن الولي الشرعي إن اعتبرنا في صحّة إحرامه الإذن.

[٢٩٨٦] مسألة ٥ : النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الولي لا من مال الصبي ، إلّا إذا كان حفظه موقوفاً على السفر به أو يكون السفر مصلحة له (١).

______________________________________________________

شرعياً ، بل كان من الأجانب ، ويشهد لذلك أيضاً إطلاق بعض الروايات كصحيحة معاوية بن عمار «انظروا من كان منكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة» (١). وإطلاق ذلك يشمل الصبيان سواء كانوا مع أوليائهم أم لا.

(١) لا إشكال في أن نفقة الصبي من المأكل والمشرب والمسكن ونحو ذلك ممّا يتوقف عليه حياته تكون من ماله سواء كان في السفر أو الحضر ، وأمّا النفقة الزائدة على الحضر التي يستلزمها السفر ، فقد يكون السفر مصلحة للصبي ، كما إذا توقف حفظه على السفر به ، كما لو فرضنا أنه لم يجد شخصاً أميناً يطمئن به في بلده حتى يودع الطفل عنده ، فلا بدّ أن يأخذه معه تحفظاً على الطفل ، فصرف المال الزائد على الحضر حينئذ مصلحة للصبي ويحسب من ماله ، وقد لا يكون السفر مصلحة له ، كما إذا تمكن من التحفظ على الطفل في بلده من دون أن يسافر معه ، بأن يودعه عند شخص أمين حتى يرجع إليه ، فحينئذ إذا أخذه معه تكون النفقة الزائدة غير صالحة للصبي وتحسب على الولي لا على الصبي.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٨٧ أبواب أقسام الحجّ ب ١٧ ح ٣.

٢٦

[٢٩٨٧] مسألة ٦ : الهدي على الولي ، وكذا كفّارة الصيد إذا صاد الصبي ، وأما الكفّارات الأُخر المختصة بالعمد فهل هي أيضاً على الولي أو في مال الصبي أو لا يجب الكفّارة في غير الصيد ، لأن عمد الصبي خطأ والمفروض أن تلك الكفّارات لا تثبت في صورة الخطأ؟ وجوه ، لا يبعد قوّة الأخير (١)

______________________________________________________

(١) يقع الكلام في مقامين :

أحدهما : في الهدي.

ثانيهما : في الكفّارات.

أما الأوّل : فالظاهر أنه لا خلاف في أن ثمن الهدي على الولي ، لأن صرف مال الصبي في الهدي ليس من مصالحه ، وبإمكان الولي أن لا يحج به إذا أخذه معه في السفر ، فلا مجوز لصرف ماله في الهدي بل يتحمله من حجّ به ، وبعبارة اخرى : المستفاد من الروايات إنما هو استحباب الإحجاج بالصبي ، وأما صرف ماله فيحتاج إلى دليل آخر ، والمفروض أن صرف ماله في الهدي ليس من مصالح الصبي ، لأنه يمكن أن يأخذه معه ولا يحج به ، ويدلُّ على ذلك أيضاً صحيح زرارة «قال (عليه السلام) : إذا حجّ الرجل بابنه وهو صغير فإنه يأمره أن يلبي ويفرض الحجّ ، فإن لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه ويطاف به ويصلّى عنه ، قلت : ليس لهم ما يذبحون ، قال : يذبح عن الصغار ، ويصوم الكبار» (١).

ويظهر من الرواية أن الطفل كان في جماعة حجّوا به ، بقرينة قوله : (لبّوا عنه) فلا اختصاص بإحجاج الأب ابنه كما في صدر الرواية. وعلى كل تدل الرواية على أن الذبح على من حجّ بالصبي ولياً كان أم غيره ، فإن المستفاد منها أن الجماعة الذين حجوا بالصبي لم يكن لهم ما يذبحون عن المجموع ، فلا ينافي تمكنهم من الذبح عن الصغار فأُمروا بالصوم وبالذبح عن الصغار.

وتدل على ذلك أيضاً معتبرة إسحاق بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليه

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٨٨ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٧ ح ٥.

٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

السلام) عن غلمان لنا دخلوا معنا مكّة بعمرة وخرجوا معنا إلى عرفات بغير إحرام قال : قل لهم يغتسلون ثمّ يحرمون واذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم» (١) فإنّها ظاهرة في أن الكبار الذين تكفلوا أمر الصبيان مأمورون بالذبح عن الصغار.

وبالجملة : المستفاد من الروايتين أن الهدي على من يحج بالصبي لا على نفس الصبي.

وأمّا ما في صحيح معاوية بن عمار من قوله (عليه السلام) : «ومن لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليّه» (٢) ، فيدل على أن الولي إذا لم يكن له مال فليصم عن الطفل ولا يدل على أن الهدي من مال الصبي ، وإن كان لا يخلو عن إشعار بذلك ، ولكن لأجل الصحيحة المتقدمة يحمل على ما إذا لم يجد وليه مالاً ، وأما إذا وجد فعليه ، بل يمكن أن يقال : إن ثبوت الصوم الذي هو بدل الذبح على الولي يؤكد كون الذبح عليه أيضاً.

المقام الثاني : في الكفّارات ، يقع الكلام تارة في كفّارة الصيد وأُخرى في بقية الكفّارات.

أمّا الأوّل : فالمشهور على أن كفّارة الصيد على الولي ، وعن ابن إدريس عدم وجوب الكفّارة أصلاً لا على الولي ولا في مال الصبي (٣) ، وعن التذكرة أنها تجب في مال الصبي (٤).

والصحيح ما ذهب إليه المشهور ، لصحيح زرارة «وإن قتل صيداً فعلى أبيه» (٥) ، فإن المستفاد منه كون الكفّارة على الولي أباً كان أُم غيره ، إذ لا خصوصية للأب ، بل الأب إنما وجب عليه لكونه من مصاديق الولي ، فخصوصية الأب تلغى ، وقد عرفت

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٨٧ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٨٧ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٧ ح ٣.

(٣) السرائر ١ : ٦٣٧.

(٤) التذكرة ٧ : ٣٢ المسألة ٢٠.

(٥) الوسائل ١١ : ٢٨٨ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٧ ح ٥.

٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أنه يظهر من الرواية أن الطفل كان في جماعة وفيهم أبوه ، ومن الواضح أن الأب حينئذ يتكفل شؤون الطفل ، ويقوم بأمره وإحجاجه ونحو ذلك ، فطبعاً تكون كفّارة الصيد عليه لأنه قائم بأمره ، فلا وجه لما حكي عن العلامة من أنها تجب في مال الصبي ، لأنه اجتهاد في مقابل النص.

ودعوى أن الكفّارة ثابتة في مال الطفل ، لأن ذلك من قبيل الإتلاف والضمانات كما إذا أتلف الصبي مالاً ، فإنه يضمن ويثبت على ذمته ، إذ لا مانع من ثبوت الحكم الوضعي بالنسبة إلى الصبي كما عن العلّامة ، لا تخلو من الغرابة ، لأنّ ثبوت الكفّارات ليس من باب الضمان ، بل هو حكم تكليفي ثابت في مورده ولا موجب لثبوت ذلك على الطفل سواء كانت هناك رواية أم لا ، مضافاً إلى النص الصريح الدال على أنها على أبيه ، ولعله (قدس سره) لم يطّلع على الرواية.

كما لا وجه لما عن ابن إدريس (قدس سره) من عدم ثبوت الكفّارة أصلاً لا على الطفل ولا على وليّه ، بعد ما دلّت الصحيحة على أنها على أبيه ، فلا ينبغي الريب بالنسبة إلى كفّارة الصيد وأنها على الولي.

وأمّا الثاني : وهو بقيّة الكفّارات ، كما إذا لبس المخيط اختياراً أو استظلّ ونحو ذلك ، فالظاهر عدم وجوبها على الولي ، لأنه بلا موجب ، والنص المتقدِّم الدال على أنها على أبيه خاص بكفّارة الصيد ، فلا يقاس غيره به ، بل هو قياس مع الفارق ، لأن الصيد له أهمية بخلاف بقية الكفّارات ، كما لا تجب على الصبي نفسه ، لا لأن عمد الصبي وخطأه واحد ، لأنّ هذه الجملة أجنبية عن أمثال المقام ، وإنما تختص بباب الديات والجنايات ، وتوضيح ذلك : أن هذه الجملة وردت في روايتين :

الأُولى : صحيحة محمّد بن مسلم «عمد الصبي وخطؤه واحد» (١).

الثانية : معتبرة إسحاق بن عمار «عمد الصبيان خطأ تحمله (يحمل على) العاقلة» (٢) والرواية الثانية قرينة على أن الرواية الأُولى ناظرة إلى باب الديات والجنايات

__________________

(١) الوسائل ٢٩ : ٤٠٠ / من أبواب العاقلة ب ١١ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢٩ : ٤٠٠ / أبواب العاقلة ب ١١ ح ٣.

٢٩

إمّا لذلك وإمّا لانصراف أدلّتها عن الصبي (*) ، لكن الأحوط تكفل الولي ، بل لا يترك هذا الاحتياط ، بل هو الأقوى لأن قوله (عليه السلام) : «عمد الصبي خطأ» مختص بالديات ، والانصراف ممنوع وإلّا فيلزم الالتزام به في الصيد أيضاً.

______________________________________________________

والمستفاد من الروايتين أن كل مورد وعمل واحد إذا كان له حكمان ، حكم على العمد ، وحكم على الخطأ ، يعني هذا الفعل على تقدير صدوره عمداً له حكم ، وعلى تقدير صدوه خطأ له حكم آخر ، فبالنسبة إلى فعل الصبي يترتب عليه حكم الخطأ لا حكم العمد ، وأما إذا كان الخطأ لا حكم له أصلاً وكان الأثر مترتباً على صورة العمد فغير مشمول للروايتين ، لأن ظاهر صحيح محمّد بن مسلم أن الخطأ بعنوانه له حكم خاص ، وأمّا إذا كان الحكم مختصاً بصورة العمد ، ولم يكن للخطإ فيه حكم فلا يشمله الخبران ، ولذا لا ريب في بطلان صلاة الطفل بالتكلم العمدي ، ولا مجال لتوهّم عدم البطلان بدعوى أن عمد الصبي وخطأه واحد ، وكذا لا ريب في بطلان صومه إذا أفطر عمداً.

وبالجملة : قوله (عليه السلام) «عمد الصبي خطأ» يشمل المورد الذي له سنخان من الحكم ، حكم ثابت لصورة العمد ، وحكم ثابت لصورة الخطأ ، وهذا النحو من الأحكام إنما هو في باب الجنايات والديات فإذا جنى الصبي عمداً يترتب على فعله أحكام الخطأ ، وإذا ارتكب القتل عمداً ، يعامل معه معاملة القاتل خطأ ، وأما المورد الذي ليس له إلّا حكم واحد مترتب على صورة العمد خاصة كأكثر الأحكام فغير مشمول لهذه الجملة.

بل الوجه في عدم وجوب الكفّارات على الصبي أن كل حكم إلزامي مترتب على فعل الصبي مرفوع بحديث رفع القلم وعدم جريه عليه ، ومقتضاه أنه لا يلزم بشي‌ء وهذه الأُمور المترتبة على أعمال الحجّ من قبيل التكليف ، والحكم التكليفي مرفوع عن الصبي لحديث رفع القلم.

__________________

(١) لا لذلك ، بل لتخصيص أدلّة الكفّارات بغير الصبي لحديث الرفع ، ووجوب الكفّارة على الولي يحتاج إلى الدليل ، وهو مفقود في غير الصيد.

٣٠

[٢٩٨٨] مسألة ٧ : قد عرفت أنه لو حجّ الصبي عشر مرات لم يجزئه عن حجّة الإسلام ، بل يجب عليه بعد البلوغ والاستطاعة ، لكن استثنى المشهور من ذلك ما لو بلغ وأدرك المشعر فإنه حينئذ يجزئ عن حجّة الإسلام ، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه (١).

______________________________________________________

وقد يستدل على ذلك بأنّ أدلّة الكفّارات منصرفة عن الصبي ، لأنّ الكفّارات في الحقيقة تأديب وعقوبة والصبي لا عقوبة على مخالفته.

ويشكل بأنّ الكفّارات ليست كلها كذلك ، بل تثبت في غير صورة التأديب أيضاً كالتستر الاضطراري والتظليل الاضطراري ونحو ذلك.

والحاصل : لا تثبت الكفارات لا على الولي ولا على الصبي ، فإن ثبوتها على الولي بلا موجب ، وثبوتها على الصبي مرفوع بحديث رفع القلم.

(١) المعروف والمشهور بين الأصحاب أن الصبي إذا حجّ وأدرك أحد الموقفين بالغاً أجزأه عن حجّة الإسلام ، بل ادُعي عليه الإجماع ، قال الشيخ في الخلاف في هذه المسألة وفي مسألة حجّ العبد إذا أُعتق : دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم (١).

أما ما نسبه إلى الأخبار فلم يُذكر هذا الحكم في خبر حتى الضعيف فضلاً عن المعتبر ، ولعله أشار إلى ما ورد من الأخبار في عتق العبد قبل أحد الموقفين بإلغاء خصوصية المورد ، فإن الميزان إدراك أحد الموقفين واجداً للشرائط من الحرية والبلوغ والعقل.

وأمّا الإجماع فلا يتم ، وقد نسب إلى جماعة التردّد كالمحقق في المعتبر (٢) والشرائع (٣) ، والعلّامة في المنتهي (٤) ، على أنه لو سلمنا تحقق الإجماع فإنه ليس من

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٣٧٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٤٩.

(٣) الشرائع ١ : ٢٠٠.

(٤) المنتهي ٢ : ٦٤٩ السطر ٢٦.

٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

الإجماع المصطلح الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) ، لإمكان استنادهم في الحكم المذكور إلى الروايات الواردة في العبد ، وتعدوا من مواردها إلى الصبي ، فيكون إجماعاً اجتهادياً لا تعبّدياً ، وكيف كان فقد استدلّوا على ذلك بوجوه :

الأوّل : الروايات الآتية في العبد الدالة على إجزاء حجّه إذا أدرك المشعر معتقاً (١) بإلغاء خصوصية العبد ، وأن المناط في الإجزاء الشروع في أعمال الحجّ حال عدم الوجوب لعدم الكمال ، ثمّ حصوله قبل المشعر ، سواء كان الكمال بالبلوغ أو بالإعتاق والحرية.

وفيه : أن إلغاء الخصوصية يحتاج إلى قرينة داخلية أو خارجية وهي غير موجودة ، بل ذلك قياس لا نقول به ، مع أن لازمه الالتزام به في من حجّ متسكعاً ثم استطاع قبل المشعر ، ولا يقولون به كما ذكره في المتن.

الوجه الثاني : ما ورد من الأخبار من أن من لم يحرم من مكّة أحرم من حيث أمكنه ولو قبل المشعر (٢) ، فإذا كان الوقت صالحاً وقابلاً للحج ابتداء ، فهو قابل للانقلاب ، بل ذلك أولى.

وفيه : أنّ هذا الوجه يعدّ من الغرائب ، لأنّ كلامنا في المقام في غير المكلّف ، وهو الفاقد للشرط كالبلوغ ، ثمّ صار واجداً له قبل الموقف ، ومورد الروايات من كان مكلّفاً بالحج ولكن تركه لجهل أو نسيان أو عذر أو عصيان ، وبعبارة اخرى : مورد هذه الروايات من لم يعمل بالوظيفة ، ومقامنا غير المكلف إذا بلغ في الأثناء ، فلا ربط لأحدهما بالآخر.

الوجه الثالث : الأخبار الدالّة على أن من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ (٣) والمستفاد منها أن العبرة بإدراك المشعر ، ولا ضير في عدم إتيان الأعمال السابقة حال البلوغ والتكليف.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٥٢ / أبواب وجوب الحج ب ١٧.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٢٨ / أبواب المواقيت ب ١٤.

(٣) الوسائل ١٤ : ٣٧ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣.

٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأجاب عنها في المتن بأن موردها من لم يحرم ، ومحل كلامنا من أحرم سابقاً لغير حجّة الإسلام ، فلا تشمل الأخبار مورد الكلام.

وفيه : أن مورد الروايات ليس من لم يحرم ، بل موردها من ترك الوقوف بعرفة عن غير عمد ، وإنما تركه لمانع كما إذا حبس أو منعه مانع ونحو ذلك مما يوجب ترك الوقوف بعرفة وأدرك المشعر ، ففي هذا المورد دلت الروايات على أن من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ ، سواء كان قبل ذلك محرماً أم لم يكن محرماً.

والصحيح في الجواب أن يقال : إن تلك الروايات في مقام بيان تصحيح الحجّ ، وأنه من أدرك المشعر فقد صحّ حجّه ، والمفروض أن الحجّ في المقام صحيح ومشروع ، وإنما الكلام في إجزائه عن حجّة الإسلام وعدمه ، فالروايات أجنبية عن المقام.

وقد استدل بوجه رابع ، وهو أحسن الوجوه المتقدمة ، وحاصله : أن الحجّ طبيعة واحدة مشتركة بين الصبي والبالغ ، وإنما الاختلاف في الحكم ، بمعنى أنه مستحب لطائفة وواجب على طائفة أُخرى كالبالغين ، ولا اختلاف في الموضوع ، نظير الصلاة فإنه إذا بلغ الطفل أثناء الصلاة أو بعدها في أثناء الوقت ، لا يجب عليه إعادة الصلاة لأنها طبيعة واحدة وقد أتى بها ، ولا موجب للإعادة ، فالسقوط على طبق القاعدة. نعم ، وردت النصوص أن حجّ الصبي إذا وقع بتمامه حال الصغر لا يجزئ ، وبهذا المقدار نخرج عن مقتضى القاعدة ، ولو لا النص لقلنا بالإجزاء حتى إذا بلغ بعد إتمام الحجّ.

والجواب : أنه قد ظهر من بيان الاستدلال توقفه على إثبات مقدمتين :

الاولى : أن الحجّ حقيقة واحدة كالصلاة ، غاية الأمر واجب بالنسبة إلى بعض ومندوب بالنسبة إلى آخرين ، فالحج الصادر من الصبي عين الحجّ الصادر من البالغ.

الثانية : أن الروايات الدالة على عدم إجزاء حجّ الصبي عن حجّة الإسلام لا تشمل ما إذا بلغ في أثناء الحجّ. وإثبات كليهما ممنوع.

أمّا الأُولى : فلم يدل عليها أي دليل غير اتحاد الصورة ، وهو لا يكشف عن وحدة الحقيقة ، نظير صلاة النافلة والواجبة والقضاء والأداء وصلاة الظهر وصلاة العصر

٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّ صورة ذلك كلّه متحدة ، ولكنّها حقائق مختلفة.

وبالجملة : وحدة الصورة لا تكشف عن وحدة الحقيقة ، بل الأدلة والروايات تدل على العكس ، فإن الروايات الواردة في المقام الدالة على عدم إجزاء حجّ الصبي عن حجّة الإسلام تكشف عن اختلاف الحقيقة ، وكذا الروايات الواردة في عدم إجزاء حجّ العبد ، وكذا حجّ المتسكع ، فإن الحكم بالإجزاء أو عدم الإجزاء يكشف عن اختلاف الحقيقة ، وأن حجّة الإسلام لها عنوان خاص تختلف حقيقته عن حجّ الصبي وإن كان مشابهاً مع حجّ الصبي صوره ، فإن حجّ الإسلام مما بُني عليه الإسلام بخلاف حجّ الصبي ، ولذا لا يكون مجزئاً عن حجّ الإسلام.

وبعبارة اخرى : هذه الروايات الدالة على الإجزاء وعدمه تكشف عن الاختلاف في الحقيقة بين المجزي والمجزى عنه ، فإن المجزي غير المجزى عنه ، إذ لا معنى لكون الشي‌ء مجزئاً عن نفسه ، فإن أجزاء شي‌ء عن شي‌ء يقتضي الاثنينية والاختلاف بينهما.

ولو سلمنا أن الحجّ حقيقة واحدة فلا نسلم المقدمة الثانية ، فإن إطلاق الروايات الدالّة على عدم إجزاء حجّ الصبي يشمل ما إذا بلغ أثناء العمل وقبل إتمامه كصحيحة إسحاق بن عمار (١) ، فإن صدرها وإن كان وارداً بالنسبة إلى الصبي وهو ابن عشر سنين ، وتصوير البلوغ بالاحتلام في أثناء الحجّ في حقه بعيد جدّاً ، ولكن ذيلها وارد في الجارية وأنّ عليها الحجّ إذا طمثت ، وتصوير حدوث الطمث من الجارية أثناء الحجّ أمر ممكن. وبالجملة : مقتضى إطلاق الصحيحة عدم الفرق في عدم الإجزاء بين حدوث الطمث بعد تمام الأعمال وبين حدوثه في أثناء الحجّ ، ويؤيد الإطلاق المذكور ما التزموا به من عدم الإجزاء إذا بلغ بعد الموقفين وقبل إتمام بقية الأعمال ، والظاهر أنهم استندوا في هذا الحكم إلى هذه الروايات ، ويكشف ذلك عن إطلاق الروايات ويبعد استنادهم إلى الإجماع التعبّدي.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٤٤ / أبواب وجوب الحجّ ب ١٢ ح ١.

٣٤

وكذا إذا حجّ المجنون ندباً ثمّ كمل قبل المشعر (١) ، واستدلّوا على ذلك بوجوه :

أحدها : النصوص الواردة في العبد على ما سيأتي بدعوى عدم خصوصية العبد في ذلك ، بل المناط الشروع حال عدم الوجوب لعدم الكمال ثمّ حصوله قبل المشعر. وفيه : أنه قياس ، مع أن لازمه الالتزام به في من حجّ متسكعاً ثمّ حصل له الاستطاعة قبل المشعر ، ولا يقولون به.

الثاني : ما ورد من الأخبار من أن من لم يحرم من مكّة أحرم من حيث أمكنه فإنّه يستفاد منها أن الوقت صالح لإنشاء الإحرام فيلزم أن يكون صالحاً للانقلاب أو القلب بالأولى ، وفيه ما لا يخفى.

الثالث : الأخبار الدالّة على أن من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ ، وفيه : أن موردها (*) من لم يحرم فلا يشمل من أحرم سابقاً لغير حجّة الإسلام ، فالقول بالإجزاء مشكل ، والأحوط الإعادة بعد ذلك إن كان مستطيعاً بل لا يخلو عن قوّة ، وعلى القول بالإجزاء يجري فيه الفروع الآتية في مسألة العبد من أنه هل يجب تجديد النيّة لحجّة الإسلام أو لا ، وأنه هل يشترط في الإجزاء استطاعته بعد البلوغ من البلد أو من الميقات أو لا ، وأنه هل يجري في حجّ التمتع مع كون العمرة بتمامها قبل البلوغ أو لا ، إلى غير ذلك.

[٢٩٨٩] مسألة ٨ : إذا مشى الصبي إلى الحجّ فبلغ قبل أن يحرم من الميقات وكان مستطيعاً ، لا إشكال في أن حجّة حجّة الإسلام (٢) (**).

______________________________________________________

(١) لعدم الفرق بينه وبين الصبي دليلاً وإشكالاً.

(٢) هذا من جملة الواضحات ، ويشمله عمومات وجوب الحجّ ، ومجرّد إتيان

__________________

(*) لا يختص موردها بذلك ، ولكنها مع ذلك لا تشمل محل الكلام ، لظهور اختصاصها بمن كان مكلّفاً ولم يدرك إلّا المشعر.

(**) وكذلك إذا بلغ بعد إحرامه ، ولكن لا بدّ من رجوعه إلى أحد المواقيت والإحرام منه لحجة الإسلام ، فإن لم يمكن الرجوع ففيه تفصيل يأتي.

٣٥

[٢٩٩٠] مسألة ٩ : إذا حجّ باعتقاد أنه غير بالغ ندباً فبان بعد الحجّ أنه كان بالغاً فهل يجزئ عن حجّة الإسلام أو لا؟ وجهان ، أوجههما الأوّل ، وكذا إذا حجّ الرجل باعتقاد عدم الاستطاعة بنيّة الندب ثمّ ظهر كونه مستطيعاً حين الحجّ (١).

______________________________________________________

المقدّمات حال الصغر غير ضائر في احتساب الحجّ عن حجّة الإسلام.

وكان على المصنف (قدس سره) وغيره ممّن تعرّض لهذه المسألة أن يذكروا ما لو بلغ بعد الإحرام وقبل الشروع في الأعمال ، وأنه هل يتم ذلك ندباً ، أو حين البلوغ ينقلب إلى حجّة الإسلام فيعدل إليها ، أو يستأنف ويحرم ثانياً من الميقات؟ وإنما تعرضوا لحدوث الاستطاعة بعد الإحرام مع أن المسألتين من باب واحد.

وكيف كان فالاكتفاء بالإحرام الأوّل بدعوى انقلاب حجّه إلى حجّة الإسلام لا دليل عليه. وأمّا إتمامه ندباً فلا وجه له إلّا ما قيل : من أن المحرم ليس له أن يحرم ثانياً ، وهذا واضح الدفع ، فإن الإحرام الأوّل ينكشف فساده بالبلوغ المتأخّر والاستطاعة الطارئة ، ولذا لو علم حال الإحرام بأنه يبلغ بعد يومين مثلاً ، أو يستطيع بعدهما ، ليس له أن يحرم وهو صبي ، فلا بدّ من إعادة الإحرام ، ويرجع إلى الميقات ويحرم إحرام حجّة الإسلام ، وهكذا لو دخل في أفعال العمرة وأتمها ثمّ بلغ ، فإنه يجب عليه الرجوع إلى الميقات وإتيان العمرة ثانياً إذا وسع الوقت ، فإن البلوغ أو الاستطاعة يكشف عن بطلان ما أتى به من الإحرام أو العمرة ، فتشمله عمومات وجوب الحجّ من الآية والرواية.

(١) هذا إنما يتم فيما إذا قصد الآتي بالحج امتثال الأمر الفعلي ، وكان قصده الندب خطأ منه في التطبيق كما هو الغالب ، وأما إذا كان قصد امتثال الأمر الندبي على وجه التقييد ، فالظاهر عدم إجزائه عن حجّة الإسلام ، لما تقدم من أن حجّة الإسلام مغايرة في الحقيقة مع غيرها ، فلا بدّ في سقوط أمرها من قصد عنوانها في مقام الامتثال ، فما لم يقصد عنوانها لا يصدق على ما أتى به في الخارج أنه حجّة الإسلام ومع عدم الصدق لا موجب لسقوط أمرها.

وعلى الجملة : يعتبر في العناوين القصدية التي لا تمتاز إلّا بالقصد قصد عنوان

٣٦

الثاني من الشروط : الحرية ، فلا يجب على المملوك وإن أذن له مولاه وكان مستطيعاً من حيث المال (١) بناء على ما هو الأقوى من القول بملكه أو بذل له مولاه الزاد والراحلة ، نعم لو حجّ بإذن مولاه صحّ بلا إشكال ولكن لا يجزئه عن

______________________________________________________

المأمور به ، كالقصد إلى خصوص صلاة الظهر أو العصر أو القضاء أو الأداء أو النافلة أو الفريضة ، فإن كان المقصود أحدهما وكان الواقع شيئاً آخر ، لا يقع المأتي به عن شي‌ء منهما ، لأن الواقع لم يقصد ، وما هو مقصود لا واقع له ، فإن المأتي به غير مميز ليقع مصداقاً لأحدهما ، فالبطلان لأجل عدم القصد وعدم التمييز ، لا لأجل اعتبار قصد الوجه من الوجوب والندب ، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في مبحث الأغسال (١) ، في مسألة من كان عليه غسل الجنابة فاغتسل غسل المس أو بالعكس.

وملخّص الكلام : أن الواجب على المكلف قد يكون أمرين ، فلو أتى من دون قصد أحدهما لا يقع شي‌ء منهما ، لعدم التمييز والتعيين ، فمن كان عليه الأداء والقضاء وأتى بأربع ركعات مع قصد القربة ، ولم يقصد الأداء ولا القضاء لا يقع ما أتى به أداءً ولا قضاء. وقد يكون الواجب الفعلي الواقعي عليه أمراً واحداً ، ولكنه في مقام الامتثال تخيل أنه من هذا القسم ، ثمّ تبين أنّه من القسم الآخر ، فإن كان من باب الاشتباه في التطبيق ، فهو في الحقيقة قصد الأمر الفعلي المتوجه إليه وقصد ماله واقع ولكن تخيل أن الواقع هو هذا ، ففي الحقيقة قصد عنوان المأمور به بوجه ما ، وقصد امتثال الأمر الفعلي ، ولكنه زعم أنه من القسم الآخر ، وهذا غير ضائر في الحكم بالصحة وحصول الامتثال.

(١) لا ريب في اعتبار الحرية في وجوب الحجّ ، ولا يجب على المملوك وإن أذن له مولاه وكان مستطيعاً ، وهذا مما لا خلاف فيه ، وتدلّ عليه طوائف من الروايات :

الطائفة الأُولى : ما دل على أنه ليس على المملوك حجّ ولا عمرة حتى يعتق كصحيحة الفضل بن يونس (٢).

__________________

(١) في المسألة [٧٠٠].

(٢) الوسائل ١١ : ٤٧ / أبواب وجوب الحجّ ب ١٥ ح ١.

٣٧

حجّة الإسلام فلو أُعتق بعد ذلك أعاد للنصوص ، منها : خبر مسمع : «لو أن عبداً حجّ عشر حجج ثمّ أُعتق كانت عليه حجّة الإسلام إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً»

______________________________________________________

الثانية : ما دل على أن المملوك إذا حجّ ثمّ أُعتق عليه إعادة الحجّ ، كصحيحة علي ابن جعفر (١).

الثالثة : ما دل على أنه إن أُعتق قبل أحد الموقفين أجزأ عن حجّة الإسلام ، فإن مفهومه يدل على أنه لو لم يعتق لم يجز ، كصحيحة شهاب ، وصحيحة معاوية بن عمار (٢).

نعم ، في رواية واحدة أُطلق حجّة الإسلام على حجّ العبد ، وأن حجّه يجزئ عن حجّة الإسلام ، وهي صحيحة أبان عن حكم بن حكيم الصيرفي قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : أيما عبد حجّ به مواليه فقد قضى حجّة الإسلام» (٣) ، إلّا أنه لا بدّ من طرحها لشذوذها ومخالفتها للروايات المشهورة الكثيرة ، أو حملها على حجّة الإسلام بالنسبة إلى العبد ، فإن كل طائفة لها حجّة الإسلام ، كما تقدم نظير ذلك في حجّ الصبي ، وذلك لا يدل على سقوط حجّة الإسلام عنه إذا أُعتق وصار حرّا ويدلّ على ما ذكرنا روايته الثانية «والعبد إذا حجّ به فقد قضى حجّة الإسلام حتى يعتق» (٤) ، فإنها تدل على وجوب حجّة الإسلام عليه إذا أُعتق ، مع إن حجّة الإسلام أُطلقت على حجّه حال عبوديته.

ثمّ إنّ رواية أبان الأُولى رواها في التهذيب عن السندي بن محمّد عن أبان عن حكم بن حكيم الصيرفي (٥) ، وتبعه في الوسائل والوافي (٦) ، ولكن في الإستبصار (٧)

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٤٩ / أبواب وجوب الحجّ ب ١٦ ح ٣.

(٢) الوسائل ١١ : ٥٢ / أبواب وجوب الحجّ ب ١٧ ح ١ ، ٢.

(٣) الوسائل ١١ : ٥٠ / أبواب وجوب الحجّ ب ١٦ ح ٧.

(٤) الوسائل ١١ : ٤٩ / أبواب وجوب الحجّ به ١٦ ح ٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٥ / ١١.

(٦) الوافي ١٢ : ٢٨٩ / باب حج المملوك والصبي ومن لا يعقل ح ١٦.

(٧) الاستبصار ٢ : ١٤٧ / ٥.

٣٨

ومنها : «المملوك إذا حجّ وهو مملوك أجزأه إذا مات قبل أن يعتق ، فإن أُعتق أعاد الحجّ». وما في خبر حكم بن حكيم «أيما عبد حجّ به مواليه فقد أدرك حجّة الإسلام» محمول على إدراك ثواب الحجّ أو على أنه يجزئه عنها ما دام مملوكاً لخبر أبان : «العبد إذا حجّ فقد قضى حجّة الإسلام حتى يعتق» فلا إشكال في المسألة نعم ، لو حجّ بإذن مولاه ثمّ انعتق قبل إدراك المشعر أجزأه عن حجّة الإسلام. بالإجماع ، والنصوص (١).

ويبقى الكلام في أُمور : أحدها : هل يشترط في الإجزاء تجديد النيّة للإحرام بحجّة الإسلام بعد الانعتاق فهو من باب القلب ، أو لا بل هو انقلاب شرعي؟ قولان ، مقتضى إطلاق النصوص الثاني وهو الأقوى ، فلو فرض أنه لم يعلم بانعتاقه حتى فرغ أو علم ولم يعلم الإجزاء حتى يجدد النيّة كفاه وأجزأه.

______________________________________________________

رواها عن السندي عن أبان بن محمّد عن الحكم ، والظاهر أن أبان بن محمّد لا وجود له أصلاً بل الصحيح ما في التهذيب والوسائل والوافي ، فما في الاستبصار غلط جزماً.

وأمّا الرواية الثانية فقد رواها في الوسائل عن أبان بن الحكم ، والصحيح عن أبان عن الحكم ، فإنّ أبان بن الحكم لا وجود له في الأخبار وكتب الرّجال ، وأبان هو ابن عثمان ، والحكم هو الصيرفي الثقة.

(١) هذا ممّا لا ريب ولا خلاف فيه للنصوص (١) ، وإنما يقع البحث في جهات تعرّض إليها في المتن :

الجهة الأُولى : بعد الفراغ عن إجزاء حجّه عن حجّة الإسلام إذا أدرك المشعر معتقاً هل يشترط في الإجزاء تجديد النيّة ، وقلبها إلى حجّة الإسلام أو لا ، بل هو انقلاب شرعي قهري؟ الظاهر هو الثاني ، لإطلاق النصوص الدالة على الإجزاء ، فإنّ هذه النصوص في الحقيقة تخصيص لما دل على اعتبار الحرية ، ومقتضاه اعتبار الحرية

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٥٢ / أبواب وجوب الحجّ ب ١٧.

٣٩

الثاني : هل يشترط في الإجزاء كونه مستطيعاً حين الدخول في الإحرام أو يكفي استطاعته من حين الانعتاق أو لا يشترط ذلك أصلاً؟ أقوال أقواها الأخير (*) لإطلاق النصوص وانصراف ما دل على اعتبار الاستطاعة عن المقام.

الثالث : هل الشرط في الإجزاء إدراك خصوص المشعر سواء أدرك الوقوف بعرفات أيضاً أو لا أو يكفي إدراك أحد الموقفين فلو لم يدرك المشعر لكن أدرك الوقوف بعرفات معتقاً كفى؟ قولان ، الأحوط الأوّل (**) ، كما أن الأحوط اعتبار إدراك الاختياري من المشعر ، فلا يكفي إدراك الاضطراري منه ، بل الأحوط اعتبار إدراك كلا الموقفين وإن كان يكفي الانعتاق قبل المشعر لكن إذا كان مسبوقاً بإدراك عرفات أيضاً ولو مملوكاً.

الرابع : هل الحكم مختص بحج الإفراد والقرآن أو يجري في حجّ التمتّع أيضاً وإن كانت عمرته بتمامها حال المملوكية؟ الظاهر الثاني لإطلاق النصوص ، خلافاً لبعضهم فقال بالأوّل لأن إدراك المشعر معتقاً إنما ينفع للحج لا للعمرة الواقعة حال المملوكية ، وفيه ما مر من الإطلاق ، ولا يقدح ما ذكره ذلك البعض لأنهما عمل واحد ، هذا إذا لم ينعتق إلّا في الحجّ ، وأمّا إذا انعتق في عمرة التمتع وأدرك بعضها معتقاً فلا يرد الاشكال (***).

______________________________________________________

بهذا المقدار ، وعدم اعتبارها في جميع أفعال الحجّ وأعماله ، قلب النيّة أم لم يقلبها ، بل التعبير بالانقلاب مسامحي.

والحاصل : مقتضى هذه النصوص أن الحرية من المشعر وما بعده كاف في حجّة الإسلام ، ولا تضر الرقيّة في إتيان الأعمال السابقة على المشعر ، بل مقتضى الإطلاق

__________________

(*) بل الأقوى أوسطها.

(**) والأظهر الثاني.

(***) لم يظهر وجهه.

٤٠