موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

موسوعة الإمام الخوئي

المؤلف:

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قدّس سرّه
المطبعة: نينوى
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6084-13-3
الصفحات: ٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا في الأوّل : فيجب عليه الميقاتي ، وذلك فإنه إذا قلنا بأن الواجب في فرض سعة المال ووفائه هو الحجّ الميقاتي أيضاً فالأمر واضح ، وإن قلنا بأنه الحجّ البلدي فلما عرفت آنفاً أن الوصيّة بالحج ونحوه من باب تعدّد المطلوب وتنحل إلى أمرين ، فإذا عجز عن أحدهما يتعيّن الآخر ، لأنّ غرض الميت الموصي وصول الثواب إليه فإذا لا يمكن إيصال الثواب إليه على النحو الذي عيّنه وأوصاه يجب إيصال الثواب إليه على الطريق الآخر فإن ذلك أقرب لغرض الميت ، ولا بدّ من صرف ماله في جهاته لبقاء المال على ملكه ولا ينتقل إلى الورثة ، مضافاً إلى صحيحة علي بن رئاب : «عن رجل أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإسلام ولم يبلغ جميع ما ترك إلّا خمسين درهماً ، قال : يحجّ عنه من بعض المواقيت التي وقّتها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من قرب» (١).

وأمّا في الثاني : وهو ما إذا وفى المال للحج البلدي وأوصى بالحج فهل يحجّ عنه من البلد أو الميقات فالروايات مختلفة.

ففي بعضها أنه يحج عنه من البلد كما في خبر البزنطي الذي عبّر عنه بالصحيح قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الرجل يموت فيوصي بالحجّ من أين يحجّ عنه؟ قال : على قدر ماله ، إن وسعه ماله فمن منزله وإن لم يسعه ماله فمن الكوفة فإن لم يسعه من الكوفة فمن المدينة» (٢). ولكن الخبر مخدوش سنداً ودلالة.

أمّا من حيث السند فبمحمّد بن عبد الله الذي روى عنه البزنطي ، وقد تكرّر ذكره في الرجال تارة محمّد بن عبد الله الأشعري وأُخرى محمّد بن عبد الله القمي وثالثة محمّد ابن عبد الله بن عيسى الأشعري ، وعدّه الشيخ من أصحاب الرضا (عليه السلام) وزيدت كلمة (ثقة) في النسخة المطبوعة (٣) وبقية النسخ خالية عنها ، وكل من نقل

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٦٦ / أبواب النيابة في الحجّ ب ٢ ح ١.

(٢) الوسائل ١١ : ١٦٧ / أبواب النيابة في الحجّ ب ٢ ح ٣.

(٣) رجال الطوسي : ٣٦٥ / ٥٤١٩.

٢٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

عن الشيخ كالقهبائي (١) وغيره لم يذكروا التوثيق ، والنسخة المطبوعة لم تثبت صحتها فوثاقة الرجل غير ثابتة.

وأمّا الدلالة فقد اشتمل الخبر على أمر لم يقل به أحد ، إذ لو كانت العبرة بصرف المال في المقدّمات فلا بدّ من ملاحظة البلاد الأقرب فالأقرب لا الطفرة من بلد الموصي الظاهر أنه خراسان بقرينة روايته عن الرضا (عليه السلام) إلى الكوفة ومنها إلى المدينة ، بل اللازم بناء على ملاحظة الأقرب فالأقرب من البلاد ملاحظة البلاد الواقعة في الطريق كنيشابور وسبزوار وطهران وهكذا ، لا أنه يحج عنه من الكوفة وإن لم يسعه فمن المدينة مع تحقق مسافة بعيدة بين ذلك ، وبالجملة : هذا النحو من ملاحظة البلاد لا قائل به أصلاً ولا يساعده الاعتبار.

وفي بعضها أنه يُحج عنه من غير البلد الذي مات فيه أي قبل الميقات كما في خبر سهل بن زياد عن البزنطي عن زكريا بن آدم : «عن رجل مات وأوصى بحجّة أيجوز أن يُحجّ عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال : أما ما كان دون الميقات فلا بأس» (٢) وهو صريح في جواز الحجّ عنه من غير البلد ويعارض الخبر السابق ولكنه أيضاً ضعيف بسهل ، ففي باب الوصيّة بالحج لم يرد نص معتبر يعتمد عليه فلا بدّ من الرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة ، ففي فرض سعة المال وكفايته للبلدي يحج عنه من البلد لظهور الوصيّة في الحجّ البلدي سواء كان الموصى به حجّ الإسلام أم لا ، وإن لم يكن للوصية ظهور وكانت مجملة يخرج الحجّ من الميقات ويخرج من صلب المال لا من الثلث ، لأن حجّ الإسلام يخرج من الأصل وغيره من الثلث.

__________________

(١) مجمع الرجال ٥ : ٢٤٠.

(٢) الوسائل ١١ : ١٦٧ / أبواب النيابة في الحج ب ٢ ح ٤.

٢٦٢

[٣٠٨٦] مسألة ٨٩ : لو لم يمكن الاستئجار إلّا من البلد وجب وكان جميع المصرف من الأصل (١).

[٣٠٨٧] مسألة ٩٠ : إذا أوصى بالبلدية أو قلنا بوجوبها مطلقاً فخولف واستؤجر من الميقات (*) أو تبرّع عنه متبرِّع منه برأت ذمّته وسقط الوجوب من البلد ، وكذا لو لم يسع المال إلّا من الميقات (٢)

______________________________________________________

(١) إذا قلنا بأنّ الواجب هو الحجّ البلدي فلا إشكال في احتساب جميع المصرف من الأصل ، وإن قلنا بأنّ الواجب هو الميقاتي والزائد غير واجب ، فإن لم يمكن الاستئجار إلّا من البلد كما إذا لم يوجد أجير من الميقات وجب البلدي أيضاً ، ويجب جميع المصرف من البلد من الأصل ، لأنّ ذلك وجب مقدمة لتفريغ ذمّته.

(٢) لأنّ المقدّمات الخارجية لا دخل لها في صحّة الأعمال ، فإن الحجّ اسم لإعمال مخصوصة ، ووجوب الإتيان من البلد لو قلنا به فهو واجب آخر لا دخل له في صحّة الأعمال ، هذا بالنسبة إلى براءة ذمة الميت وسقوط الواجب عنه ، وأمّا بالنسبة إلى انتقال التركة إلى الوارث ففيه تفصيل حاصله : أنه في مورد الحجّ الثابت في ذمة الميت إذا خولف واستؤجر من الميقات أو تبرع عنه متبرع ينتقل ما تركه من الأموال بإزاء الحجّ أو المقدمات إلى الورثة ، إذ لم يبق موضوع لوجوب الحجّ أو إتيان المقدمات حتى يصرف المال في ذلك فلا مانع من الانتقال نظير الدّين إذا تبرع عنه متبرع ، وأما في مورد الوصيّة بالحج فالمال الزائد لا يجب صرفه في الحجّ ثانياً لأن موضوع الوصيّة قد انتفى ، ولكنه لا ينتقل إلى الورثة بل هو باق في ملك الميت ويصرف في وجوه البر الأقرب فالأقرب في نظر الميت وجهاته ، لما عرفت بما لا مزيد عليه أنّ الوصيّة بالحجّ ونحوه من باب تعدد المطلوب وتنحل إلى أمرين وإذا تعذر أحدهما يصرف المال في الآخر.

__________________

(*) لكن الإجارة لو كانت من مال الميت يحكم ببطلانها.

٢٦٣

[٣٠٨٨] مسألة ٩١ : الظاهر أن المراد من البلد (*) هو البلد الذي مات فيه كما يشعر به خبر زكريا بن آدم (قدس سرهما) «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل مات وأوصى بحجة أيجزئه أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال (عليه السلام) : ما كان دون الميقات فلا بأس به» مع أنه آخر مكان كان مكلفاً فيه بالحجّ. وربما يقال : إنه بلد الاستيطان لأنّه المنساق من النص والفتوى وهو كما ترى. وقد يحتمل البلد الذي صار مستطيعاً فيه. ويحتمل التخيير بين البلدان التي كان فيها بعد الاستطاعة ، والأقوى ما ذكرنا وفاقاً لسيّد المدارك (قدس سره) ونسبه إلى ابن إدريس (قدس سره) أيضاً وإن كان الاحتمال الأخير وهو التخيير قويّاً جدّاً (١).

______________________________________________________

إنّما الكلام في صحّة الإجارة إذا خالفت الوصيّة واستأجره من الميقات ، والظاهر فساد الإجارة ، لأنّ المرخص من التصرّف في مال الميت إنما هو الاستئجار من البلد وأما من غيره فغير مأذون فيه ولكن المؤجر يضمن للمستأجر أُجرة المثل ، وفساد الإجارة لا ينافي صحّة العمل الصادر من المستأجر وفراغ ذمة الميت به.

فظهر أن المال الزائد في مورد الحجّ الثابت في ذمّة الميت ينتقل إلى الورثة وفي مورد الوصيّة باق على ملك الميت ويصرف في جهاته.

ولا يخفى أن عبارته (قدس سره) موهمة لانتقال المال إلى الورثة في كلا الموردين وقد عرفت خلافه.

(١) لو قلنا بوجوب الحجّ من البلد مطلقاً أو في خصوص مورد الوصيّة فهل هو بلد الموت أو بلد السكنى أو البلد الذي صار فيه مستطيعاً أو أحد البلدان التي انتقل إليها بعد الاستطاعة؟ وجوه.

__________________

(*) تقدم كفاية الميقاتية مع عدم الوصيّة ، وأما إذا أوصى فالمتبع هو ظهور الوصيّة ، ويختلف ذلك باختلاف الموارد.

٢٦٤

[٣٠٨٩] مسألة ٩٢ : لو عيّن بلدة غير بلده كما لو قال : استأجروا من النجف أو من كربلاء تعيّن (١).

[٣٠٩٠] مسألة ٩٣ : على المختار من كفاية الميقاتية لا يلزم أن يكون من الميقات أو الأقرب إليه فالأقرب بل يكفي كل بلد دون الميقات (٢) ، لكن الأُجرة الزائدة على الميقات مع إمكان الاستئجار منه لا يخرج من الأصل ولا من الثلث

______________________________________________________

فإن تمّ ما ذكره ابن إدريس من وجوب صرف المال من البلد الذي لو كان حيّاً لوجب الحجّ منه (١) فالمراد من البلد بلد الموت ، لأنه آخر مكان وجب عليه الحجّ فيه ولكنه غير تام كما تقدّم.

فالظاهر أنّ المراد بالبلد هو بلد الاستيطان لأنه المنصرف والمتفاهم عرفاً ، والذي يسهل الخطب أنه لا أثر للكلام والنقض والإبرام في مورد الحجّ الثابت في ذمة الميت بعد عدم وجود رواية في المقام تدل على اعتبار كون الحجّ من البلد ، وأما في باب الوصيّة فالمتبع الظهور العرفي كما تقدم.

(١) هذا إنما يتم بناء على عدم وجوب الحجّ من البلد فحينئذ يتعيّن عليه العمل بالوصية بالاستئجار من البلد الذي عيّنه ، وأما بناء على القول الآخر من وجوب الحجّ من البلد فهذه الوصيّة لا أثر لها ، لأنها على خلاف السنّة وعلى خلاف ما هو الواجب شرعاً ، بل لا بدّ من الحجّ من البلد الذي مات فيه أو بلد الاستيطان على الخلاف المتقدم.

(٢) لا ريب في جواز الاستئجار من أي بلد شاء ولو من دون الوصيّة بناء على كفاية الميقاتية ، فإن الحجّ الميقاتي إنما يكتفى به لا أنه يجب الحجّ منه بحيث لو حجّ من غيره لم يكن مجزئاً. وبعبارة اخرى : كفاية الميقاتية لا تنافي الاكتفاء بالحج البلدي أيضاً ، وأمّا الأُجرة الزائدة على الميقات فلا تخرج من الأصل لأن الخارج منه إنما هو

__________________

(١) السرائر ١ : ٦٤٨.

٢٦٥

إذا لم يوص بالاستئجار من ذلك البلد إلّا إذا أوصى بإخراج الثلث من دون أن يعين مصرفه ومن دون أن يزاحم واجباً مالياً عليه.

[٣٠٩١] مسألة ٩٤ : إذا لم يمكن الاستئجار من الميقات وأمكن من البلد وجب (١) وإن كان عليه دين الناس أو الخُمس أو الزّكاة ، فيزاحم الدّين إن لم تف التركة بهما بمعنى أنها توزع عليهما بالنسبة (*).

______________________________________________________

الأُجرة الواجبة ، وكذا لا يؤخذ الزائد من الثلث إذا لم يوص به ، لأنّ الثلث إنما يؤخذ منه إذا أوصى به وإلّا فيرجع إلى الورثة.

نعم ، لو أوصى بمطلق الثلث وصرفه في مطلق وجوه البر ولم يعين مصرفاً خاصاً له يجوز للوصي الاستئجار من أي بلد شاء لما فيه من الفضل وكثرة الأجر والثواب ، وأما إذا عين مصرفاً خاصاً له يلزم صرفه فيه رعاية لمصلحة الميت ونظره ، لكن هذا فيما إذا لم يزاحمه واجب مالي آخر ، وأمّا إذا زاحمه واجب مالي آخر فليس للوصي صرف الثلث في مطلق وجوه البر ، وقد ورد في باب الوصيّة أنه لو أوصى بواجب وغيره وفرض أن الثلث لا يفي بهما يقدم الواجب ولا يقع التزاحم ، لأنّ المستحب لا يزاحم الواجب والحجّ من غير الميقات من أفراد غير الواجب ، وما ورد في عبارة المصنف من قوله : «واجباً مالياً» فالمراد به الواجبات التي يبذل بإزائها المال كالصلاة والصيام ونحوهما التي تخرج من الأصل على رأيه إن لم يوص بإخراجها من الثلث وإلّا فمن الثلث.

(١) لأنه من باب وجوب مقدمة الواجب لتوقف تفريغ الذمة على ذلك ، ولو كان عليه دين من ديون الناس أو من الخمس أو الزكاة فإن وفى المال بهما فلا كلام في الإخراج من الأصل ، وإن لم يفِ ووقع التزاحم بينهما ، ذكر (قدس سره) أن التركة توزع عليهما بالنسبة ، فيقع الكلام في جهتين :

__________________

(*) تقدّم أن الحجّ يُقدّم.

٢٦٦

[٣٠٩٢] مسألة ٩٥ : إذا لم تفِ التركة بالاستئجار من الميقات لكن أمكن الاستئجار من الميقات الاضطراري كمكّة أو أدنى الحل وجب (*). نعم ، لو دار الأمر بين الاستئجار من البلد أو الميقات الاضطراري قدم الاستئجار من البلد ، ويخرج من أصل التركة لأنه لا اضطرار للميت مع سعة ماله (١).

______________________________________________________

الاولى : في توزيع التركة بالنسبة. قد عرفت أن التقسيط والتبعيض لا أثر لهما في المقام ، لأنّ الخارج من أصل المال هو اجرة الحجّ ، وإذا فرضنا عدم وفاء المال الباقي بعد إخراج الدّين بالنسبة للحج فلا فائدة في التوزيع فطبعاً يسقط وجوب الحجّ ، مثلاً لو فرضنا أن الميت مديون بألف دينار وخلّف ألف دينار وفرضنا اجرة الحجّ بمقدار خمسمائة دينار فإذا دفعنا الدّين بالنسبة أي ثلثي الدّين لم يبق عنده ما يفي لأُجرة الحجّ.

الثانية : أنّ مقتضى بعض النصوص المعتبرة كصحيحة بريد العجلي المتقدِّمة (١) تقدّم الحجّ على دين الناس فلا وجه للتقسيط أصلاً.

والحاصل : لو قلنا بتقدم الحجّ على الدّين فلا كلام كما هو الصحيح ، وأما بناء على عدم التقدم فمقتضى القاعدة الأولية مع قطع النظر عن خصوصية المقام هو التقسيط كما لو أوصى بأُمور كثيرة أو كان الواجب عليه أُموراً كثيرة والمال لا يفي للجميع ولكن التقسيط في خصوص المقام غير ممكن ، لأنّ المفروض عدم وفاء المال ، والحجّ غير قابل للتبعيض فيسقط الحجّ ولا بدّ من صرف المال حينئذ في جهات الميت ، فما ذكره المصنف من التوزيع لا يتم على كلا القولين من تقدم الحجّ مطلقاً أو عدمه.

(١) ذكر الفقهاء (قدس سرهم) أن من تجاوز الميقات ولم يحرم منه لجهل أو نسيان ففيه صور ، إذ لو أمكنه الرجوع إلى الميقات وجب ، وإن لم يمكنه فإن لم يدخل الحرم

__________________

(*) ما ورد من إجزاء الميقات الاضطراري قاصر عن شمول الفرض.

(١) في ص ٢٤٦.

٢٦٧

[٣٠٩٣] مسألة ٩٦ : بناء على المختار من كفاية الميقاتية لا فرق بين الاستئجار عنه وهو حي أو ميت ، فيجوز لمن هو معذور بعذر لا يرجى زواله أن يجهِّز رجلاً من الميقات كما ذكرنا سابقاً أيضاً ، فلا يلزم أن يستأجر من بلده على الأقوى ، وإن كان الأحوط ذلك (١).

[٣٠٩٤] مسألة ٩٧ : الظاهر وجوب المبادرة إلى الاستئجار في سنة الموت خصوصاً إذا كان الفوت عن تقصير من الميت (٢) ، وحينئذ فلو لم يمكن إلّا من البلد وجب وخرج من الأصل ، ولا يجوز التأخير إلى السنة الأُخرى ولو مع العلم بإمكان الاستئجار من الميقات توفيراً على الورثة ، كما أنه لو لم يمكن من الميقات إلّا بأزيد من الأُجرة المتعارفة في سنة الموت وجب ولا يجوز التأخير إلى السنة الأُخرى توفيراً عليهم.

______________________________________________________

يحرم من مكانه ، وإن دخل الحرم وأمكنه الرجوع إلى أدنى الحل وجب ، وإلّا فيحرم من مكانه ، ويمكن إجراء هذا الحكم في العالم العامد أيضاً ، ولكن مورد ذلك حسب ما يستفاد من النصوص من تجاوز عن الميقات بلا إحرام عذراً أو عمداً ولا إطلاق لها حتى يشمل المقام ، فإن أمكن الحجّ من سائر المواقيت فهو وإلّا فيسقط الحجّ لعدم الدليل على الاجتزاء بالميقات الاضطراري. نعم ، لو دار الأمر بين الاستئجار من البلد أو الميقات الاضطراري يتعين البلد إذ لا اضطرار للميت مع سعة ماله ، وقد عرفت أن الاستئجار من الميقات مجز لا أنه يتعين فيجزئ الاستئجار من أي بلد أمكن.

(١) قد تقدم مفصلاً أن الحجّ عن الحي لا يختص بالحج عنه من البلد ، لأنّ الإجزاء من الميقات لا يختص بالميت بل يشمل الحجّ عن الميت والحي معاً ، وقد عرفت التفصيل في المسألة الثانية والسبعين فلا داعي للتكرار.

(٢) وذلك لأن المال باق على ملك الميت وهو أمانة شرعية بيد الورثة أو الوصي ولا يجوز فيه التصرف أو إبقاؤه إلّا بدليل ، فالواجب صرفه في الحجّ في أوّل أزمنة

٢٦٨

[٣٠٩٥] مسألة ٩٨ : إذا أهمل الوصي أو الوارث الاستئجار فتلفت التركة أو نقصت قيمتها (*) فلم تفِ بالاستئجار ضمن ، كما أنّه لو كان على الميت دين وكانت التركة وافية وتلفت بالإهمال ضمن (١).

______________________________________________________

الإمكان ، وأمّا وجه الخصوصية بفرض التقصير فهو لأجل رفع العقاب عن الميت لأنه إذا قصّر في إتيان الحجّ يعاقب فإذا بادر إلى الاستئجار يرتفع العقاب عنه. وبالجملة : لو وجبت المبادرة إلى الاستئجار ففي صورة التقصير أولى بالوجوب ، ومما ذكرنا ظهر أنه ليس للوصي أو الورثة تأخير الاستئجار توفيراً للورثة وجلباً لمنفعتهم بل تجب المبادرة ولو استلزم زيادة الأُجرة.

ودعوى أنّ ذلك ضرر على الورثة ممنوعة ، لأنّ المال لم ينتقل إليهم وإنما يجب عليهم صرف المال لتفريغ ذمة الميت وذلك غير ضرري عليهم. نعم ، يستلزم ذلك تفويت منفعة لهم ، ولا دليل على عدم جواز تفويت المنفعة عن الغير.

(١) لأنه تفويت وتفريط في الأمانة الشرعية وتكون يده حينئذ يد خيانة موجبة للضمان ، وأمّا بالنسبة إلى نقصان القيمة فقد يلاحظ بالنسبة إلى إزالة صفة من الصفات كزوال طراوة العين وجودتها وذلك يوجب الضمان ، لأن إتلاف الصفات موجب للضمان كأصل المال حسب تبعية الصفات للعين ، فإنّ اليد على العين يد على الصفات أيضاً تبعاً ، ولكن كلام السيّد المصنف غير ناظر إلى ذلك وإنما نظره إلى النقصان بحسب القيمة السوقية وتنزلها وذلك غير موجب للضمان ، فإنّ الذي تحت يده يجب عليه ردّه وهو عين المال وصفاتها بالتبع ، وأمّا القيمة السوقية فلا تقع تحت اليد فلا موجب للضمان بالنسبة إليها ، ولكن مع ذلك يجب الاستئجار وتتميم الأُجرة من بقية التركة لو كانت.

__________________

(١) لا وجه لضمان الوصي أو الوارث لنقص القيمة ، ولكن مع ذلك يجب الاستئجار وتتميم الأُجرة من بقية التركة إن كانت.

٢٦٩

[٣٠٩٦] مسألة ٩٩ : على القول بوجوب البلدية وكون المراد بالبلد الوطن إذا كان له وطنان الظاهر وجوب اختيار الأقرب إلى مكّة (١) إلّا مع رضا الورثة بالاستئجار من الأبعد. نعم ، مع عدم تفاوت الأُجرة الحكم التخيير.

[٣٠٩٧] مسألة ١٠٠ : بناء على البلدية الظاهر عدم الفرق بين أقسام الحجّ الواجب فلا اختصاص بحجّة الإسلام ، فلو كان عليه حجّ نذري (*) لم يقيد بالبلد ولا بالميقات يجب الاستئجار من البلد بل وكذا لو أوصى بالحجّ ندباً اللازم الاستئجار من البلد إذا خرج من الثلث (٢).

______________________________________________________

(١) أي الأقل قيمة وأُجرة وذلك لأن الواجب هو طبيعي الحجّ ، وإذا كانت الأُجرة مختلفة فطبعاً يكون الأقل هو الواجب ولا وجه لتطبيقه على الأكثر قيمة ، فالمناط والعبرة بالأقل أُجرة لا بالأبعد والأقرب مكاناً ، فلو كان الأبعد مكاناً أقلّ قيمة يتعيّن الحجّ منه والزائد غير واجب ، سواء كان أبعد أو أقرب بحسب المكان أو كانا متساويين مكاناً ، ففي جميع الصور يتعين اختيار الأقل قيمة.

(٢) قد ذكرنا في بعض المسائل المتقدمة أنه لم يرد أي نص في ابتداء الحجّ من البلد أو الميقات ، وإنما الوارد في النصوص وجوب الحجّ عن الميت ولزوم تفريغ ذمّته من غير تعرّض لمبدإ الحجّ. نعم ، ورد ذكر البلد في النص في باب الوصيّة بالحج ، وذكرنا هناك أن النص غير معتبر ، فالمتبع في باب الوصيّة هو الرجوع إلى القاعدة ومقتضاها هو العمل على طبق ظهور الوصيّة إن كان لها ظهور وإلّا فيكتفى بالميقاتي ، ويجوز له الإحجاج من البلد أيضاً لدخوله تحت مطلق الخيرات والمبرات.

وأمّا في مورد حجّة الإسلام فإن تمّ ما ذكره ابن إدريس من وجوب صرف المال من البلد إذا كان حيّاً وكذا بعد الموت ، لأن الساقط هو الحجّ عن بدنه ويبقى الوجوب في ماله فحينئذ يجب الحجّ من البلد ، ولكن قد عرفت أن كلامه غير تام ، لأن وجوب

__________________

(*) تقدّم أن الحجّ النذري لا يخرج من أصل المال وإنما يخرج من الثلث بالوصية ، فالحكم فيه هو الحكم في الوصيّة.

٢٧٠

[٣٠٩٨] مسألة ١٠١ : إذا اختلف تقليد الميت والوارث في اعتبار البلدية أو الميقاتية فالمدار على تقليد الميت (*) ، وإذا علم أن الميت لم يكن مقلداً في هذه المسألة فهل المدار على تقليد الوارث أو الوصي (**) أو العمل على طبق فتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده إن كان متعيناً والتخيير مع تعدد المجتهدين ومساواتهم؟ وجوه ، وعلى الأوّل فمع اختلاف الورثة في التقليد يعمل كل على تقليده ، فمن يعتقد البلدية يؤخذ من حصته بمقدارها بالنسبة فيستأجر مع الوفاء بالبلدية بالأقرب فالأقرب إلى البلد ، ويحتمل الرجوع إلى الحاكم (***) لرفع النزاع (١)

______________________________________________________

صرف المال من البلد وجوب مقدمي غيري لا نفسي فلا دليل على وجوب البلدية عن الميت.

وأمّا الحجّ النذري فإن قلنا بعدم خروجه من الأصل وإنما يخرج من الثلث فلا كلام ، لأنّ صرف ثلثه في الحجّ البلدي لا محذور فيه أصلاً لبقاء الثلث على ملك الميت ويصرف في جهاته مما يترتب الثواب عليه أكثر ، وإن قلنا بأنه يخرج من الأصل فيجري فيه كلام ابن إدريس مع الإشكال عليه.

(١) في المقام فروع ، فإن الاختلاف قد يتحقق بين تقليد الميت والوارث في أصل وجوب الحجّ وعدمه ، كما إذا كان الميت مقلداً لمن يقول بعدم اشتراط الرجوع إلى الكفاية والوارث مقلداً لمن يقول باشتراطه وقد يكون بالعكس ، وقد يقع الاختلاف بينهما في الفروع المترتبة على أصل الوجوب بعد الفراع عنه كما إذا كان الميت مقلداً لمن يعتبر الحجّ من البلد والوارث مقلداً لمن يكتفي بالميقاتية أو بالعكس ، وهكذا الاختلاف بين الميت والوصي.

__________________

(*) بل المدار على تقليد الوارث.

(**) الوصي إنما هو نائب الميت فيما أوصى به ، فالعبرة بنظره وظهور كلامه ، ولا أثر لنظر الوصي عن تقليد أو اجتهاد.

(***) هذا الاحتمال هو المتعين بناء على وجوب الإحجاج عن الميت على الوارث كما هو الظاهر.

٢٧١

فيحكم بمقتضى مذهبه نظير ما إذا اختلف الولد الأكبر مع الورثة في الحبوة ، وإذا اختلف تقليد الميت والوارث في أصل وجوب الحجّ عليه وعدمه بأن يكون الميت مقلداً لمن يقول بعدم اشتراط الرجوع إلى كفاية فكان يجب عليه الحجّ والوارث مقلداً لمن يشترط ذلك فلم يكن واجباً عليه أو بالعكس ، فالمدار على تقليد الميت (*)

______________________________________________________

أمّا في باب الوصيّة فلا أثر للاختلاف بينهما ، لأنّ الوصيّة نافذة بالنسبة إلى الثلث ويجب على الوصي تنفيذها حسب وصية الميت ونظره ولا أثر لنظر الوصي ، سواء كان الاختلاف بينهما موجوداً بالنسبة إلى أصل الوجوب أو المكان ، فلو كان الميت ممّن لا يرى الوجوب لأنه يعتبر الرجوع إلى الكفاية وهو غير حاصل له ومع ذلك أوصى بالحج يجب على الوصي تنفيذ الوصيّة ، لما عرفت بما لا مزيد عليه أن المال مال الميت ويجب صرفه فيما عيّنه ولا أثر لنظر الوصي ، وكذا لو انعكس الأمر وكان الوصي يعتقد عدم الوجوب. والحاصل : يجب على الوصي تنفيذ الوصيّة سواء وافق رأيه رأي الميت أم خالف ، وإن لم يوص بالحج وعين مصرفاً خاصاً للثلث يجب صرفه فيما عيّنه ولا يجوز له التبديل والتغيير ولا عبرة بنظر الوصي أصلاً كالوكيل ولو لم يعيِّن مصرفاً خاصّاً بل جعل صرفه على نظر الوصي كما إذا أوصى بصرف ثلثه في مطلق الخيرات حسب نظر الوصي فلا بأس بصرف المال في الحجّ لأنه من جملة الخيرات وأعظمها.

ثمّ إنه لو علم أن الميت كان مقلّداً فالمتبع رأي مقلَّده بالفتح وإن لم يكن مقلّداً فالمتبع رأي المتعيِّن للتقليد إن كان ، وإلّا فإن تعدّد المجتهدون وكانوا متساوين واختلفت آراؤهم ينتجز عليه احتمال وجوب البلدية ، لما ذكرنا في باب الاجتهاد والتقليد من تنجيز الواقع عليه وحيث يتردد بين الأمرين يجب الأخذ بأحوط القولين.

__________________

(*) تقدم أن المدار على تقليد الوارث.

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الاختلاف بين الميت والوارث فإن كان الاختلاف في الوجوب بأن يرى الوارث الوجوب دون الميت ذكر في المتن أن العبرة بتقليد الميت ونظره.

وفيه : أن المال المتروك حسب نظر الوارث لم ينتقل إليه بل هو باق على ملك الميت فلا يجوز له التصرّف فيه ، ومجرد عدم اعتقاد الميت الوجوب لا يؤثر في جواز التصرّف لعدم العبرة بنظره ، وحال المقام حال الدّين الثابت في تركة الميت حسب اعتقاد الوارث ، فإنه لو علم بثبوت الدّين على الميت ولكنّه غفل عنه أو اعتقد عدمه لا ريب أن المال لا ينتقل إلى الوارث ولا يجوز للوارث التصرّف فيه لأن المال مال الغير ، ومجرّد عدم اعتقاد الميت للدين أو غفلته عنه لا يجوّز التصرف للوارث بل عليه الأداء.

وبالجملة : نظر الميت ورائه في أمثال المقام ساقط بالمرة ، ولو علم الوارث بعدم وجوب الحجّ عليه فالمال حسب نظره قد انتقل إليه ويجوز له التصرّف في ماله ولا أثر لرأي الميت وتقليده ، فالعبرة في كلا الموردين بتقليد الوارث ونظره لا الميت ، وله أن يعامل مع المال حسب تكليفه ووظيفته.

أمّا لو اختلف الورثة في التقليد بحسب أصل الوجوب أو المكان فأحتمل في المتن أمرين :

أحدهما : أن يعمل كل على تقليده فمن يعتقد البلدية يؤخذ من حصته بمقدارها بالنسبة فيخرج مصرف الميقاتي من مجموع المالين ويخرج نصف مصرف البلدي من حصته ، وهكذا لو اختلفا في أصل الوجوب يخرج من حصة المعترف بالحج نصف مقدار مصرفه.

ثانيهما : الرجوع والترافع إلى الحاكم نظير ما إذا اختلف الولد الأكبر مع الورثة في الحبوة أو في مقدارها.

أقول : أما الاحتمال الأوّل فمبني على ثبوت الحجّ في التركة على سبيل الإشاعة كما صرّح به في بعض الفروع السابقة واختار هناك دفع المعترف بالحج ما يخصّ حصّته بعد التوزيع ، وبالجملة : لو التزمنا بالإشاعة يتعين الاحتمال الأوّل ، إذ لا نزاع في البين

٢٧٣

[٣٠٩٩] مسألة ١٠٢ : الأحوط في صورة تعدد من يمكن استئجاره استئجار من أقلهم اجرة مع إحراز صحّة عمله مع عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم (١) سواء قلنا بالبلدية أو الميقاتية ، وإن كان لا يبعد جواز استئجار المناسب لحال الميت من حيث الفضل والأوثقية مع عدم قبوله إلّا بالأزيد وخروجه من الأصل ، كما لا يبعد عدم وجوب المبالغة في الفحص عن أقلهم اجرة وإن كان أحوط.

______________________________________________________

وكل واحد من الورثة يعمل على طبق وظيفته ، فإن الوارث المعترف يرى أن مقداراً من المال للمورّث فيخرجه ويصرفه في شؤونه سواء عمل الآخر بذلك أم لا ، كما لو اختلفا في أصل ثبوت الوصيّة واعترف أحدهما بالوصية وأنكرها الآخر فإن كلا من الورثة يأخذ نصيبه ويعمل على طبق وظيفته ، ولا مورد للترافع لعدم حق لأحدهما على الآخر ليطالب منه الترافع إلى الحاكم.

وأمّا الاحتمال الثاني فمبني على أن الحجّ عن الميت واجب في صلب المال ، والإرث إنما هو بعد الحجّ ولا ينتقل المال إليه قبل الحجّ وإنما ينتقل إليه بعده كالدّين ، فالوارث الآخر الذي يرى عدم وجوب الحجّ لم ينتقل إليه المال حسب اعتقاد الوارث المعترف وله مطالبة الوارث الآخر بالمال فله الرجوع إلى الحاكم. والحاصل : بناء على الاحتمال الأوّل لا وجه للترافع إلى الحاكم لعدم النزاع بل كل يعمل على طبق وظيفته.

وأما إذا قلنا بأن ثبوت الحجّ كالكلي في المعيّن نظير الدّين فلا ينتقل المال إلى الورثة إلّا بعد الحجّ وأداء الدّين فله مطالبة الآخر بالحج لينتقل إليه المال وإلّا فلا ينتقل إليه المال ما لم يؤد الحجّ ، ولذا ذكرنا في التعليقة أن هذا الاحتمال هو المتعين بناء على وجوب الإحجاج عن الميت على الوارث.

(١) لأن استيجار أكثرهم اجرة يستلزم التصرف في مال الغير من دون رضاه. نعم ، لا يبعد جواز استئجار المناسب لحال الميت شرفاً ورفعة وإن استلزم الأزيد أُجرة ، لأن الروايات الدالة على الحجّ عن الميت منصرفة إلى المتعارف مما يناسب

٢٧٤

[٣١٠٠] مسألة ١٠٣ : قد عرفت أن الأقوى كفاية الميقاتية ، لكن الأحوط الاستئجار من البلد بالنسبة إلى الكبار من الورثة بمعنى عدم احتساب الزائد عن اجرة الميقاتية على القُصَّر إن كان فيهم قاصر.

[٣١٠١] مسألة ١٠٤ : إذا علم أنه كان مقلداً ولكن لم يعلم فتوى مجتهده في هذه المسألة فهل يجب الاحتياط أو المدار على تقليد الوصي أو الوارث؟ وجهان (*) أيضاً (١).

[٣١٠٢] مسألة ١٠٥ : إذا علم استطاعة الميت مالاً ولم يعلم (**) تحقق سائر الشرائط في حقه فلا يجب القضاء عنه (٢) ، لعدم العلم بوجوب الحجّ عليه لاحتمال فقد بعض الشرائط.

______________________________________________________

مقامه وشرفه ، والحاصل : الوارث بمنزلة نفس الميت من حيث الضعة والشرف في الاستئجار وعدمه ، ولا تجب المبالغة في الفحص عن أقلّهم أُجرة ، لأنّ الإذن محمول على المتعارف.

(١) قد عرفت أنه لا عبرة بنظر الميت في مورد العلم برأيه فضلاً عن الجهل به والمتبع إنما هو نظر الوارث ، وأما في مورد الوصيّة فالمتبع نظر الميت فإن ثبت ظهور للوصية فهو وإلّا فالظاهر كفاية الميقاتي ، لأنّ الزائد غير ثابت والأصل عدم الوصيّة به. نعم ، لا بأس بالإتيان بالبلدي بعنوان مطلق الخيرات والمبرات.

(٢) لعدم العلم باستقرار الحجّ عليه ، ومجرّد إحراز المال لا يكفي في وجوب الحجّ بل لا بدّ من توفر سائر الشرائط ، ولو شكّ في وجودها فالأصل عدمه. نعم ، بعض الشرائط يمكن إثباته بالأصل كما لو شك في الرجوع إلى الكفاية ، لأنّ مستند هذا

__________________

(*) تقدم أنه لا عبرة بتقليد الميت كما تقدم أنه لا أثر لتقليد الوصي ونظره بل العبرة بنظر الوارث نعم ، إذا كان الميت قد أوصى بالحج وكان نظره معلوماً فهو ، وإلّا فيقتصر على الأقل.

(**) ولو كان بالأصل.

٢٧٥

[٣١٠٣] مسألة ١٠٦ : إذا علم استقرار الحجّ عليه ولم يعلم أنه أتى به أم لا فالظاهر وجوب القضاء عنه لأصالة بقائه في ذمته ، ويحتمل عدم وجوبه عملاً بظاهر حال المسلم (*) وأنه لا يترك ما وجب عليه فوراً ، وكذا الكلام إذا علم (**) انّه تعلّق به خُمس أو زكاة أو قضاء صلوات أو صيام ولم يعلم أنّه أدّاها أو لا (١).

______________________________________________________

الاشتراط هو خوف الوقوع في الحرج والأصل عدمه ، وبالجملة : لا بدّ من إحراز الوجوب بالوجدان أو بالأمارة أو بالأصل وإلّا فلا يجوز الحجّ عنه من ماله إذا كان له ورثة قُصّر.

(١) قد ذكرنا في باب قضاء الصلاة أن الوجهين اللّذين أشار إليهما إنما يجريان فيما إذا علمنا بثبوت القضاء عليه ولكن شك في إتيانه وعدمه ، وأما إذا شك في أصل إتيان العمل وعدمه وأنه هل أتى بالواجب أو لم يأت به ليجب عليه القضاء فأصالة عدم الإتيان لا تثبت وجوب القضاء لأن موضوعه الفوت ، ولا يثبت عنوان الفوت بأصالة عدم الإتيان إلّا على الأصل المثبت.

وأمّا في باب الواجبات المالية كالزّكاة والخُمس فان كانت العين موجودة وشكّ في أداء زكاتها أمكن أن يُقال : الأصل بقاء الزكاة فيها ، وأمّا إذا كانت العين تالفة وشكّ في أنّ المالك أدّى زكاتها وأتلفها أو أتلفها من دون أن يؤدّ زكاتها لا يترتّب الضمان على استصحاب عدم الأداء ، لأنّ موضوعه الإتلاف واستصحاب عدم الإتيان لا يثبته إلّا على الأصل المثبت.

وقد تعرّضنا للبحث عن ذلك مفصلاً في المسألة الخامسة من ختام كتاب الزكاة ولكن الظاهر أنه لا مانع من جريان الاستصحاب في المقام ومقتضاه اشتغال ذمّة الميت بالحج فيجب القضاء عنه ويخرج من أصل المال ، لأنّ موضوعه وجوب الحجّ عليه وعدم الإتيان به وهو ثابت بالأصل ، ولا عبرة بظاهر حال المسلم خصوصاً إذا

__________________

(*) لا اعتبار بظاهر الحال.

(**) فيه تفصيل تقدم في كتاب الزكاة [في المسألة ٢٧٩٣].

٢٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كان غير صالح ، لأنه لا يوجب سوى الظن وهو غير حجّة.

وقد يقال بأنّ الحجّ دين كما صرح بذلك في بعض النصوص المعتبرة (١) ، وقد ثبت في باب الدّين على الميت أنه لا يثبت باستصحاب عدم الإتيان إلّا أن يضم باليمين فيكون ما دل على اعتبار اليمين في باب الدّين مخصصاً لأدلة الاستصحاب ، والمستفاد من ذلك عدم حجية الاستصحاب في باب الدّين على الميت.

وفيه : أن ما دل على اعتبار ضم اليمين في إثبات الدّين على الميت إنما هو روايتان :

الأُولى : مكاتبة الصفّار إلى أبي محمّد أي العسكري (عليه السلام) : «هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل؟» ثمّ ذكر في ذيله «أو تقبل شهادة الوصي على الميت مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع : نعم ، من بعد يمين» (٢).

وقد روى هذه الرواية المشايخ الثلاثة ولكن يظهر من الصدوق أن الراوي هو الصفار والمكاتب شخص آخر. وكيف كان ، الرواية معتبرة سنداً ، والمستفاد منها ثبوت الدّين على الميت مع الحلف وعدم ثبوته بشهادة العدلين فقط ، فتكون الرواية مخصّصة لحجِّيّة البيِّنة كما ورد التخصيص عليها في مورد ثبوت الزنا فإنه لا يثبت إلّا بضم عدلين آخرين ، فالحلف في المقام جزء المثبت للدّين فلا تخصيص على الاستصحاب.

وبعبارة أُخرى : اليمين جزء متمم لدليل حجية البيّنة ، فحجية البيّنة ورد عليها التخصيص لا الاستصحاب ، فلا يستفاد من الرواية عدم حجية الاستصحاب في المقام.

الرواية الثانية : عن ياسين الضرير عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال «قلت للشيخ (عليه السلام) إلى أن قال (عليه السلام) ـ : وإن كان المطلوب بالحق قد مات فأُقيمت عليه البيّنة فعلى المدعي اليمين بالله الذي لا إله إلّا هو لقد مات فلان وأن حقه لعليه ، فإن حلف وإلّا فلا حق له ، لأنّا لا ندري لعلّه قد أوفاه ببيّنة لا نعلم

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٦٧ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٥ ح ٤.

(٢) الوسائل ٢٧ : ٣٧١ / أبواب الشهادات ب ٢٨ ح ١ ، الكافي ٧ : ٣٩٤ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٤٧ / ٦٢٦ ، الفقيه ٣ : ٤٣ / ١٤٧.

٢٧٧

[٣١٠٤] مسألة ١٠٧ : لا يكفي الاستئجار في براءة ذمة الميت والوارث بل يتوقّف على الأداء ، ولو علم أن الأجير لم يؤد وجب الاستئجار ثانياً (١) ، ويخرج من الأصل إن لم يمكن استرداد الأُجرة من الأجير.

[٣١٠٥] مسألة ١٠٨ : إذا استأجر الوصي أو الوارث من البلد غفلة عن كفاية الميقاتية ضمن ما زاد عن اجرة الميقاتية للورثة أو لبقيتهم (٢).

______________________________________________________

موضعها» الحديث (١) ، وهي واضحة الدلالة على أن الحلف ناظر إلى بقاء الدّين لا إلى أصل الحدوث ، لأنّ الشك تارة يتعلّق بأصل ثبوت الدّين وأُخرى يتعلق بالأداء وهو محل الكلام ، ويظهر من الرواية عدم الاكتفاء بالاستصحاب بل لا بدّ من الحلف على عدم الأداء.

ولكن الرواية ضعيفة السند بياسين الضرير فإنه لم يوثق ، فليس في البين إلّا المكاتبة المتقدِّمة وقد عرفت عدم دلالتها على عدم حجِّيّة الاستصحاب ، وأن اعتبار اليمين ليس لعدم حجِّيّة الاستصحاب بل كونه متمِّماً للإثبات وجزءاً للدليل المثبت للدين في مقام الشك ، ولذا لو علمنا وجداناً بثبوت الدّين على الميت وشك في الأداء وعدمه لا مانع من استصحاب عدم الإتيان ولا حاجة إلى الحلف.

(١) لأنّ الواجب على الوارث أو الوصي هو الحجّ عنه وما لم يؤد لم يسقط الوجوب ، ومجرّد الاستئجار لا يوجب السقوط فلا بدّ من الاستئجار ثانياً لتفريغ ذمة الميت ، ويخرج من الأصل.

(٢) ويكون التصرّف في الزائد فضولياً فإن رضي الورثة فهو وإلّا ضمن الزائد. إنما الكلام في صحّة الإجارة وفسادها ، فإن كانت الإجارة على ذمّته أي ذمّة الوصي لكن بداعي أخذ الأُجرة من التركة فالإجارة صحيحة ويضمن للمستأجر تمام الأُجرة وليس له الرجوع إلى الورثة سوى مقدار اجرة الميقاتية ، وإن كانت الإجارة على ذمّة الميت بحيث يجعل ذمّة الميت مشغولة بالأُجرة أو كانت الأُجرة بعين التركة

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ٢٣٦ / أبواب كيفية الحكم ب ٤ ح ١.

٢٧٨

[٣١٠٦] مسألة ١٠٩ : إذا لم يكن للميت تركة وكان عليه الحجّ لم يجب على الورثة شي‌ء وإن كان يستحب على وليه ، بل قد يقال بوجوبه للأمر به في بعض الأخبار (١).

[٣١٠٧] مسألة ١١٠ : من استقر عليه الحجّ وتمكن من أدائه ليس له أن يحج عن غيره تبرّعاً أو بإجارة ، وكذا ليس له أن يحج تطوعاً ، ولو خالف فالمشهور البطلان بل ادّعى بعضهم عدم الخلاف فيه وبعضهم الإجماع عليه ، ولكن عن سيّد المدارك التردد في البطلان.

ومقتضى القاعدة الصحة وإن كان عاصياً في ترك ما وجب عليه كما في مسألة الصلاة مع فورية وجوب إزالة النجاسة عن المسجد ، إذ لا وجه للبطلان إلّا دعوى أن الأمر بالشي‌ء نهي عن ضده وهي محل منع ، وعلى تقديره لا يقتضي البطلان لأنه نهي تبعي. ودعوى أنه يكفي في عدم الصحة عدم الأمر مدفوعة

______________________________________________________

فالإجارة بالنسبة إلى الزائد فضولية وتكون باطلة والمستأجر يرجع إليه بأُجرة المثل.

(١) لا ريب أن المستفاد من النصوص الآمرة بالحج وإخراجه من صلب المال واصلة ونحو ذلك إنما هو وجوب الإحجاج عنه إذا كان له مال ، وأما إذا لم يكن له مال يفي للحج فلا يدل شي‌ء من هذه النصوص على وجوب الحجّ عنه ، وما ورد في صحيح ضريس من قضاء الولي له محمول على ما إذا كان له مال بقرينة سائر الروايات. مضافاً إلى أن موردها من خرج حاجّاً حجّة الإسلام وكان مستطيعاً ومات في الطريق ، وفصّل (عليه السلام) بين من مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجّة الإسلام وبين من مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجّة الإسلام (١) ، فالأمر بقضاء الولي عنه إنما هو فيما إذا كان المنوب عنه ممن وجب عليه حجّة الإسلام ولا إطلاق له يشمل من مات مفلساً لا مال له.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٦٨ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٦ ح ١.

٢٧٩

بكفاية المحبوبيّة (*) في حدِّ نفسه في الصحة كما في مسألة ترك الأهم والإتيان بغير الأهم من الواجبين المتزاحمين ، أو دعوى أن الزمان مختص بحجته عن نفسه فلا يقبل لغيره ، وهي أيضاً مدفوعة بالمنع إذ مجرد الفورية لا يوجب الاختصاص فليس المقام من قبيل شهر رمضان حيث إنه غير قابل لصوم آخر. وربما يتمسّك للبطلان في المقام بخبر سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) : «عن الرجل الصرورة يحج عن الميت؟ قال (عليه السلام) : نعم ، إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه فإن كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحجّ من ماله ، وهي تجزئ عن الميت إن كان للصرورة مال وإن لم يكن له مال» وقريب منه صحيح سعيد الأعرج عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، وهما كما ترى بالدلالة على الصحّة أولى ، فإنّ غاية ما يدلان عليه أنه لا يجوز له ترك حجّ نفسه وإتيانه عن غيره وأما عدم الصحة فلا. نعم ، يستفاد منهما عدم إجزائه عن نفسه ، فتردّد صاحب المدارك في محله ، بل لا يبعد الفتوى بالصحّة لكن لا يترك الاحتياط ، هذا كلّه لو تمكّن من حجّ نفسه ، وأمّا إذا لم يتمكّن فلا إشكال في الجواز والصحّة عن غيره ، بل لا ينبغي الإشكال في الصحة إذا كان لا يعلم بوجوب الحجّ عليه لعدم علمه باستطاعته مالاً أو لا يعلم بفورية (**) وجوب الحجّ عن نفسه فحج عن غيره أو تطوعاً. ثمّ على فرض صحّة الحجّ عن الغير ولو مع التمكّن والعلم بوجوب الفورية لو آجر نفسه لذلك فهل الإجارة أيضاً صحيحة أو باطلة مع كون حجّه صحيحاً عن الغير؟ الظاهر بطلانها ، وذلك لعدم قدرته شرعاً (***) على العمل المستأجر عليه لأنّ المفروض وجوبه عن نفسه

__________________

(*) بل الصحة من جهة وجود الأمر على نحو الترتب.

(**) الجهل بالفورية مع التقصير بحكم العلم.

(***) الصحيح أن يقال : إنك غير قادر على التسليم على الإطلاق لفرض وجوب الحجّ على نفسه

٢٨٠