موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

موسوعة الإمام الخوئي

المؤلف:

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قدّس سرّه
المطبعة: نينوى
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6084-13-3
الصفحات: ٣٩٥

وتقدّم على الوصايا المستحبّة وإن كانت متأخرة عنها في الذكر ، وإن لم يف الثلث بها أُخذت البقية من الأصل

______________________________________________________

من أصل المال ، ويدلّ عليه صحيح معاوية بن عمار وغيره : «عن رجل مات فأوصى أن يحجّ عنه قال : إن كان صرورة فمن جميع المال» (١).

وفي صحيح الحلبي : «فإن أوصى أن يحج عنه رجل فليحجّ ذلك الرجل» (٢) وفي حديث عنه : «قال : يقضى عن الرجل حجّة الإسلام من جميع ماله» (٣).

وإن قيده بالثلث وأوصى بأُمور أُخر أيضاً ووفى المال للصرف في الجميع فلا كلام ، وإن لم يف يقدّم الحجّ على سائر الوصايا ، وتدل على ذلك روايات كثيرة ذُكر أكثرها في باب الوصايا (٤) ، وذكر صاحب الوسائل روايتين منها في كتاب الحجّ (٥).

وبالجملة : لا ريب بحسب النصوص في تقديم الحجّ على سائر الوصايا فيما إذا لم يفِ المال الموصى به للجميع ، إلّا أن الكلام فيما تقتضيه القاعدة ، فإن مقتضاها هو التوزيع بالسوية حسب موارد الوصيّة كما أفتى به أبو حنيفة وسفيان الثوري. كما في صحيح معاوية بن عمار قال : «إن امرأة هلكت وأوصت بثلثها يتصدق به عنها ويحج عنها ويعتق عنها فلم يسع المال ذلك ، فسألت أبا حنيفة وسفيان الثوري فقال كل واحد منهما : انظر إلى رجل قد حجّ فقطع به فيقوى به ، ورجل قد سعى في فكاك رقبته فبقي عليه شي‌ء فيعتق ويتصدّق بالبقية ، فأعجبني هذا القول ، وقلت للقوم يعني أهل المرأة : إني قد سألت لكم فتريدون أن أسأل لكم من هو أوثق من هؤلاء؟ قالوا : نعم ، فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك فقال : ابدأ بالحج فإن الحجّ

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٦٦ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٥ ح ١.

(٢) الوسائل ١١ : ٦٦ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٥ ح ٢.

(٣) الوسائل ١١ : ٦٧ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٥ ح ٣.

(٤) الوسائل ١٩ : ٣٩٧ / أبواب الوصايا ب ٦٥.

(٥) الوسائل ١١ : ٧٦ / أبواب وجوب الحجّ ب ٣٠ ح ١ ، ٢.

٢٤١

والأقوى أن حجّ النذر أيضاً كذلك (*) بمعنى أنه يخرج من الأصل كما سيأتي الإشارة إليه (١)

______________________________________________________

فريضة فما بقي فضعه في النوافل ، ثمّ قال معاوية بن عمار : فأتيت أبا حنيفة فقلت : إني قد سألت فلاناً يعني الصادق (عليه السلام) فقال لي كذا وكذا ، قال فقال : هذا والله الحق وأخذ به» (١) والرواية معتبرة لأن زكريا المؤمن ثقة لكونه من رجال كامل الزيارات ولم يرد فيه تضعيف ، وما ذكره النجاشي أنه كان مختلط الأمر في حديثه (٢) لا يدل على الضعف وإنما يدل على أنه كان يروي عن الضعفاء.

وبالجملة : مقتضى القاعدة أنه لو أوصى بمال للحج ولأُمور متعددة يقسم المال بينها بالسوية ، وما دل على خروج الحجّ من أصل المال إنما هو فيما إذا لم يوص ، وأما إذا أوصى به وبغيره كالصدقة والعتق يخرج الحجّ من الثلث ويصرف ثلث الثلث وهو التسع في الحجّ ، فإن الصرف تابع لجعل الموصي ، فإن كان ثلث الثلث غير واف للحج يكمل من أصل المال فكأنه بالنسبة إلى الحجّ لم يوص ، وليس المقام من باب المزاحمة حتى نقول بتقديم الحجّ لأهميّته بل وجوبه من باب الإيصاء.

والحاصل : لو لم تكن روايات خاصة من العترة الطاهرة (عليهم السلام) كان التوزيع والتثليث بين الحجّ والعتق والصّدقة وجيهاً ، ولكن بحسب الروايات يقدّم الحجّ.

(١) واستدلّ لذلك بوجوه منها : أنه دين الله ودين الله أحق أن يقضى كما في رواية الخثعمية (٣) ، وقد صرح المصنف بذلك في المسألة الثالثة من صلاة الاستئجار.

__________________

(*) وجوب قضاء الحجّ المنذور مبني على الاحتياط ، بل هو يخرج من الثلث إذا أوصى به.

(١) ورد قطعة منه في الوسائل ١١ : ٧٦ / أبواب وجوب الحجّ ب ٣٠ ح ٢.

(٢) رجال النجاشي : ١٧٢ / ٤٥٣.

(٣) المستدرك ٨ / ٢٦ / أبواب وجوب الحجّ ب ١٨ ح ٣.

٢٤٢

ولو كان عليه دين أو خمس أو زكاة وقصرت التركة فإن كان المال المتعلق به الخمس أو الزكاة موجوداً قدم لتعلقهما بالعين فلا يجوز صرفه في غيرهما ، وإن كانا في الذمة فالأقوى أن التركة توزّع على الجميع بالنسبة كما في غرماء المفلس (١).

______________________________________________________

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند أن إطلاق الدّين على بعض الواجبات الشرعية أعم من الحقيقي والمجازي لأن الاستعمال أعم منهما ، ولكن الأحكام المترتبة على الدّين الحقيقي لا تشمل التكاليف الشرعية لانصرافه إلى دين الناس وحقهم.

ومنها : الإجماع على أن الواجب المالي يخرج من الأصل. وفيه : لو سلمنا ثبوت الإجماع فهو على الواجب المالي بنفسه أي ما كان واجباً مالياً نفسياً بحتاً كالزكاة والخمس ونحوهما لا ما كان صرف المال مقدمة له ، بل ثبوت الإجماع في جميع الواجبات المالية النفسية كالكفارات غير معلوم.

ومنها : أنّ النذر بنفسه يقتضي كونه ديناً ، لأنّ الجعل على الذمة يوجب كونه ديناً عليه لله تعالى لقوله : لله عليّ كذا فالمنذور يكون ديناً لله على الناذر بمقتضى جعله.

وفيه : أنه لم يثبت كونه كالدين المتعارف الثابت في الذمّة ، وقوله : لله عليّ كذا لا يدلّ على كونه ديناً كسائر الديون ، فإن ذلك نظير قوله : لله عليّ صلاة أو صوم فإنه دال على اشتغال ذمّته بالواجب الإلهي ، ومجرّد كون الشي‌ء واجباً لا يقتضي كونه ديناً حقيقياً ثابتاً في الذمّة بحيث تكون ذمّته مملوكة كالدين المتعارف بالملكية الاعتبارية ، بل إطلاق جملة من الروايات المفصلة بين حجّ الإسلام وغيره الدالّة على أن حجّ الإسلام يخرج من الأصل وغيره من الثلث يشمل الحجّ النذري ، فإن المستفاد من تلك النصوص أن الخارج من الأصل هو حجّ الإسلام لا غير ، ولو أوصى بالحجّ النذري يخرج من الثلث ، ولا حاجة إلى الرواية مع أنها موجودة.

(١) الحكم بالتوزيع على الجميع هنا وعدم جواز التخصيص ببعض الديون كما هو

٢٤٣

وقد يقال (*) بتقديم الحجّ على غيره وإن كان دين الناس لخبر معاوية بن عمار الدالّ على تقديمه على الزكاة (١).

______________________________________________________

الحال في غرماء المفلس هو المتسالم عليه بينهم بلا خلاف ، وتدل عليه موثقة علي بن رئاب عن زرارة قال : «سألت أبا عبد الله (أبا جعفر) (عليه السلام) عن رجل مات وترك عليه ديناً وترك عبداً له مال في التجارة وولداً وفي يد العبد مال ومتاع وعليه دين استدانه العبد في حياة سيده في تجارة (ته) وأن الورثة وغرماء الميت اختصموا فيما في يد العبد من المال والمتاع وفي رقبة العبد ، فقال : أرى أن ليس للورثة سبيل على رقبة العبد ولا على ما في يده من المتاع والمال إلّا أن يضمنوا دين الغرماء جميعاً فيكون العبد وما في يده من المال للورثة ، فإن أبوا كان العبد وما في يده للغرماء يقوّم العبد وما في يديه من المال ثمّ يقسم ذلك بينهم بالحصص ، فإن عجز قيمة العبد وما في يديه عن أموال الغرماء رجعوا على الورثة فيما بقي لهم إن كان الميت ترك شيئاً ، قال : وإن فضل من قيمة العبد وما كان في يديه عن دين الغرماء ردّه على الورثة» (١).

(١) لو كان عليه دين أو خمس أو زكاة وكانت التركة كافية للصرف فيها وفي الحجّ فلا كلام ، ولو قصرت التركة فهل يقدم الحجّ أم لا؟ قد يفرض أن العين موجودة وقد يفرض أنها في الذمة.

أمّا في الصورة الاولى فلا ريب في تقدم الخمس أو الزكاة لتعلقهما بالعين فلا يجوز صرف المال في غيرهما سواء قلنا بالإشاعة أو بالتشريك في المالية كما هو المختار عندنا ، لأن التركة بتمامها ليست للميت بل هو شريك مع أرباب الخمس أو الزكاة والحجّ إنما يخرج من ماله لا من مال شريكه.

وأمّا في الصورة الثانية فقد اختار السيّد المصنف (قدس سره) توزيع التركة على

__________________

(*) لا يبعد صحّة هذا القول ، فإن لم تفِ التركة بالحج سقط الوجوب ولزم صرفها في الدّين.

(١) الوسائل ١٨ : ٣٧٥ / أبواب الدّين والقرض ب ٣١ ح ٥.

٢٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الجميع بالنسبة لبطلان الترجيح ، فإن كان المال وافياً للجميع فلا كلام ، وإن لم يفِ المال إلّا ببعض الأفعال كالطواف أو السعي فقط سقط وجوب الحجّ لعدم جريان التبعيض فيه.

هذا ولكن الظاهر تقدم الحجّ على الزكاة والخمس بل على كل دين من ديون الناس لصحيح معاوية بن عمار قال «قلت له : رجل يموت وعليه خمسمائة درهم من الزكاة وعليه حجّة الإسلام وترك ثلاثمائة درهم فأوصى بحجة الإسلام وأن يقضى عنه دين الزكاة ، قال : يحج عنه من أقرب ما يكون ويخرج البقية من الزكاة» (١) ونحوه صحيحه الآخر (٢) إلّا أن فيه : «وعليه من الزكاة سبعمائة درهم».

وصاحب الجواهر ناقش في الخبر الثاني سنداً (٣) ولكن يكفينا الأوّل ، ولا فرق بينهما دلالة ومتناً إلّا في مقدار الزكاة ، مع أن الخبر الثاني صحيح السند أيضاً ، لأنّ منشأ الضعف إما من جهة محمّد بن عبد الله بن زرارة الذي روى عنه ابن فضال ويروي هو عن ابن أبي عمير وهو ممن لم يوثق ، وإما من جهة طريق الشيخ إلى ابن فضال لضعفه بابن الزبير القرشي (٤) ولكن لا يضر ضعف طريق الشيخ إلى ابن فضال بعد ما كان طريق النجاشي إليه صحيحاً (٥) والكتاب واحد مع ما فصّلنا الكلام فيه في محله (٦) وأما محمّد بن عبد الله بن زرارة فقد نقل النجاشي في ترجمة الحسن بن علي بن فضال عن علي بن الريان في قصة عدول الحسن بن فضال إلى الحق : أن محمّد بن عبد الله بن زرارة أصدق عندي لهجة من أحمد بن الحسن بن علي بن فضال ، فإنه رجل فاضل ديِّن ، مضافاً إلى أنه من رجال كامل الزيارات.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٥٥ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢١ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٩ : ٣٥٩ / أبواب الوصايا ب ٤٢ ح ١.

(٣) الجواهر ١٧ : ٣١٥.

(٤) التهذيب ١٠ (المشيخة) : ٥٥ ، الفهرست : ٩٢.

(٥) رجال النجاشي : ٣٦ / ٧٢.

(٦) معجم رجال الحديث ١ : ٧٨.

٢٤٥

ونحوه خبر آخر ، لكنّهما موهونان بإعراض الأصحاب ، مع أنهما في خصوص الزكاة (*) ، وربما يحتمل تقديم دين الناس لأهميّته ، والأقوى ما ذكر من التحصيص ، وحينئذ فإن وفت حصّة الحجّ به (**) فهو ، وإلّا فإن لم تف إلّا ببعض الأفعال كالطواف فقط أو هو مع السعي فالظاهر سقوطه وصرف حصته في الدّين أو الخمس أو الزكاة ، ومع وجود الجميع توزع عليها ، وإن وفت بالحج فقط أو العمرة فقط ففي مثل حجّ القرآن والإفراد تصرف فيهما مخيراً بينهما (١)

______________________________________________________

ثمّ إن مورد الصحيحين وإن كان هو الزكاة ولكن الظاهر عدم الفرق بينها وبين الخمس ، لأن الخمس بدل الزكاة وهو من هذه الجهة محكوم بحكم الزكاة ، مضافاً إلى أن الزكاة أهم من الخمس ، فلو كان الحجّ مقدماً على الزكاة يقدم على الخمس بطريق أولى.

وأما تقديم الحجّ على الدّين الشخصي فيدل عليه صحيح بريد العجلي المتقدم : «عن رجل خرج حاجّاً ومعه جمل له ونفقة وزاد فمات في الطريق ، قال : إن كان صرورة ثمّ مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجّة الإسلام ، وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجّة الإسلام ، فإن فضل من ذلك شي‌ء فهو للورثة إن لم يكن عليه دين» (١) ودلالته صريحة في تقديم الحجّ على الدّين.

(١) بعد ما عرفت أنّ الحج كالدّين ، فإن كانت التركة وافية للحج والعمرة فلا كلام وإن لم تفِ إلّا لأحدهما فقط فهل يقدم الحجّ أم لا؟ يقع الكلام تارة في حجّ الإفراد والقران وأُخرى في التمتع.

أمّا الأوّل فهل يتخيّر بين الحجّ والعمرة لوجوب كل واحد عليه مستقلا أو يقدّم الحجّ لأهميّته؟ وجهان والظاهر هو التخيير ، لعدم ثبوت أهميّة الحجّ على العمرة

__________________

(*) لكن صحيحة بريد العجلي عامة لمطلق الدّين.

(**) لا يمكن ذلك في مفروض المسألة.

(١) الوسائل ١١ : ٦٨ / أبواب وجوب الحجّ ٢٦ ح ٢.

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لأنّ كل واحد منهما فريضة من فرائض الله تعالى ، ولا منشأ لأهميّة الحجّ على العمرة وعلى فرض تسليم الأهميّة فإنما هي فيما إذا كان المكلف بنفسه مباشراً ولا يتمكّن من الجمع بينهما فيقدم مقطوع الأهميّة أو محتملها ، والمفروض في المقام أن المكلف مات ولم يباشر العمل بنفسه وإنما استقرّ عليه الحجّ والعمرة معاً واشتغلت ذمّته بفريضتين من فرائض الله ، وكون أحدهما في نفسه أهم من الآخر لا يؤثر في اشتغال الذمّة بالأهم ، وقد نظّر (دام ظله) المقام بمن كان مديناً لمؤمن ولكافر ذمِّي وفرضنا أنه لا يتمكن من أدائهما ، وكون أحدهما مؤمناً والآخر كافراً لا يؤثر في تقديم أحدهما من جهة الاشتغال وتفريغ الذمّة.

وأمّا الثاني وهو حجّ التمتع ، فإن كان المال لا يفي إلّا لأحدهما من العمرة أو الحجّ فهل يجري ما تقدّم في حجّ الإفراد من التخيير أو يتعيّن صرف المال في الحجّ الأفرادي لأهميّة الحجّ أو لا يصرف في شي‌ء منهما؟ وجوه :

أمّا احتمال التخيير فضعيف جدّاً ، لعدم جريانه في خصوص حجّ التمتع لارتباطه بالعمرة ولا يصحّ بدونها ، وأما عدم الصرف في شي‌ء منهما فلتعذر قضاء ما وجب عليه فيعطى المال لورثته ، وذكر بعضهم أن الحجّ يتقدم فيأتي بحجّ الإفراد بدلاً عن حجّ التمتع بدعوى إمكان استفادته من الرواية الآتية.

أقول : نتكلّم تارة فيما تقتضيه القاعدة وأُخرى فيما يقتضيه النص.

أمّا الأوّل : فمقتضى القاعدة عدم وجوب صرف المال في شي‌ء منهما ، لأنّ حجّ التمتع عمل واحد ارتباطي وإن كان الإحلال متوسطاً في البين. وبعبارة اخرى : الواجب إنما هو صرف المال في حجّ الإسلام وهو مركب من أمرين : أحدهما يرتبط بالآخر ، ولا وجه لصرف المال في أحدهما ، ولا مجال لجريان قاعدة الميسور في الأُمور الارتباطية فلا بدّ من إيصال المال إلى الورثة.

وأمّا الآخر فقد يقال : إن المستفاد من النص وجوب صرف المال في الحجّ لما روي عن علي بن مزيد (فرقد) صاحب السابري قال : «أوصى إليّ رجل بتركته فأمرني أن

٢٤٧

والأحوط تقديم الحجّ ، وفي حجّ التمتع الأقوى السقوط وصرفها في الدّين وغيره وربما يحتمل فيه أيضاً التخيير أو ترجيح الحجّ لأهميّته أو العمرة لتقدمها ، لكن لا وجه لها بعد كونهما في التمتع عملاً واحداً ، وقاعدة الميسور لا جابر لها في المقام.

______________________________________________________

أحجّ بها عنه فنظرت في ذلك فإذا هي شي‌ء يسير لا يكفي للحج فسألت أبا حنيفة وفقهاء أهل الكوفة فقالوا : تصدق بها عنه إلى أن قال : فلقيت جعفر بن محمّد (عليه السلام) في الحِجر وحكيت له القصة وحكم (عليه السلام) بالضمان إذا تصدق بها إن كان المال بمقدار يمكن أن يحج به من مكّة» (١) ، وقوله : «يحج به من مكّة» يراد به حجّ الإفراد. وبالجملة : المستفاد من الرواية أن المال إذا كان لا يفي لحج التمتع المركّب من الحجّ والعمرة المرتبط أحدهما بالآخر يصرف المال في حجّ الإفراد الذي لم يرتبط أحدهما بالآخر ويحرم له من مكّة فإنها ميقات الحجّ.

وفيه : أوّلاً ضعف السند بعلي بن مزيد أو فرقد فإنه مجهول.

وثانياً : ضعف الدلالة لأن مورد النص الوصيّة بالحج ، ولا ريب أن العمل بالوصية مرغوب فيه مهما أمكن ، فإن لم يمكن العمل بنفس الوصيّة فالأقرب فالأقرب ، ولا شك أن الحجّ وحده أقرب إلى نيّة الموصي ، ومحل كلامنا غير الوصيّة وهو ما إذا دار الأمر بين صرف المال في الحجّ وبين إيصاله إلى الورثة ، والتعدي من مورد النص إلى المقام يحتاج إلى الدليل ، وقد عرفت أن مقتضى القاعدة بعد تعذر الإتيان بالعمل هو سقوط الوجوب وانتقال المال إلى الورثة أو إلى وصية اخرى لو كانت.

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ٣٤٩ / أبواب الوصايا ب ٣٧ ح ٢.

٢٤٨

[٣٠٨١] مسألة ٨٤ : لا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل استئجار الحجّ إذا كان مصرفه مستغرقاً لها بل مطلقاً على الأحوط (*) إلّا إذا كانت واسعة جدّاً فلهم التصرّف في بعضها حينئذ مع البناء على إخراج الحجّ من بعضها الآخر كما في الدّين ، فحاله حال الدّين (١).

______________________________________________________

(١) يقع الكلام في صورتين :

الاولى : ما إذا كان مصرف الحجّ مستغرقاً للتركة كالدين المستغرق.

الثانية : ما إذا كانت التركة أزيد من الدّين أو من مصرف الحجّ.

أمّا الصورة الاولى : فلا يجوز للورثة التصرف في المال المتروك لعدم انتقال المال إلى الورثة ، لأن المستفاد من الآية المباركة والنصوص تأخر مرتبة الإرث عن الدّين وقد حقق في محله أن المال ينتقل إلى الغرماء من نفس الميت لا من الورثة ويكون المال باقياً على ملك الميت ، والغرماء يتلقون المال من الميت لا من الورثة ، ولا مانع أصلاً من ملك الميت فتكون الورثة أجنبية عن المال بالمرّة وحالهم حال الأجانب في التصرف في التركة على حد سواء. نعم ، للوارث ولغيره التبرع بأداء الدّين أو بإتيان الحجّ كما أن للدائن الإبراء فحينئذ لا يبقى موضوع للدين ، ويجوز للورثة التصرف في التركة لارتفاع موضوع الدّين بالتبرع أو بالإبراء.

هذا كلّه على ما يقتضيه التحقيق من عدم انتقال التركة إلى الورثة إذا كان الدّين مستغرقاً. وأما على القول الآخر الذي ذهب إليه جملة من الأعلام من انتقال المال إلى الورثة فكذلك لا يجوز لهم التصرف في التركة لأنها متعلقة لحق الغير ، فعلى كل من القولين لا يجوز للورثة التصرف في التركة.

وأمّا الثانية : فالصحيح فيها جواز التصرف في غير مقدار الدّين ومصارف الحج فإن المال على القول الصحيح لا ينتقل إلى الورثة بمقدار الدين وإنما ينتقل المال إليهم في المقدار الزائد على الدّين ، وقد عرفت أنه لا مانع من ملكية الميت ، فالميت يملك

__________________

(*) لا بأس بتركه ، ولا فرق بين الواسعة وغيرها.

٢٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

كليّاً معيّناً من التركة والوارث يملك الباقي من المال المتروك ويجوز له التصرّف بالمقدار الذي يملكه وله تطبيق الكلي على الأفراد الخارجية نظير بيع صاع من صبرة فمقتضى القاعدة جواز التصرف. مضافاً إلى السيرة القطعية القائمة على جواز التصرّف للورثة وإن كان الميت مديوناً ، وحمل السيرة على ما إذا كان الميت غير مديون أصلاً حمل على فرد نادر جدّاً ، فإن الأموات حتى الأغنياء قد يخلفون الدّين ولا أقل من مهر زوجته.

وذهب جماعة إلى عدم جواز التصرف حتى في فرض زيادة التركة على الدّين ولم يفرقوا بين المستغرق وغيره في المنع عن التصرّف ، كما أن المصنف احتاط في ذلك ولعله لأجل أن المال متعلق حق الغرماء ولا يكون متشخّصاً ، ولكن قد عرفت أن الميت بنفسه يملك وينتقل المال المساوي أو بمقدار الدّين إلى الغرماء رأساً والبقية تنتقل إلى الورثة ويجوز لهم التصرف في المقدار الزائد على نحو جواز التصرّف فيما إذا باع صاعاً من صبرة.

وأمّا ما فصّله المصنف (قدس سره) من عدم جواز التصرف حتى إذا كانت التركة أزيد من الدّين وجوازه إذا كانت التركة واسعة كثيرة جدّاً فلم يظهر لنا وجهه ، ولعلّه اعتمد على السيرة وعلى أن القدر المتيقن منها ما إذا كانت التركة واسعة جدّاً ، هذا كله ما تقتضيه القاعدة ، وكذلك النص فإن المستفاد منه التفصيل بين الاستغراق وعدمه من دون فرق بين كون التركة واسعة جدّاً أم لا ، كما في موثق عبد الرحمن بن الحجاج بالحسن بن محمّد بن سماعة عن أبي الحسن (عليه السلام) «عن رجل يموت ويترك عيالاً وعليه دين أينفق عليهم من ماله؟ قال : إن كان يستيقن أن الذي ترك يحيط بجميع دينه فلا ينفق وإن لم يكن يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال» (١) ونحوه خبر البزنطي (٢) ، وعُبر عنه بالصحيح في كلمات بعضهم بزعم أن البزنطي أسند إلى الإمام (عليه السلام) وسأل عنه ولكن الموجود في التهذيب بإسناد له أي : بطريق له ، والطريق

مجهول عندنا فيصبح الخبر ضعيفاً.

__________________

(١) ٢) الوسائل ١٩ : ٣٣٢ / أبواب الوصايا ب ٢٩ ح ٢ ، ١.

٢٥٠

[٣٠٨٢] مسألة ٨٥ : إذا أقر بعض الورثة بوجوب الحجّ على المورّث وأنكره الآخرون لم يجب عليه إلّا دفع ما يخصّ حصّته بعد التوزيع (*) وإن لم يفِ ذلك (**) بالحج لا يجب عليه تتميمه من حصّته ، كما إذا أقر بدين وأنكره غيره من الورثة فإنه لا يجب عليه دفع الأزيد ، فمسألة الإقرار بالحجّ أو الدّين مع إنكار الآخرين نظير مسألة الإقرار بالنسب ، حيث إنه إذا أقر أحد الأخوين بأخ آخر وأنكره الآخر لا يجب عليه إلّا دفع الزائد عن حصّته فيكفي دفع ثلث ما في يده ولا ينزل إقراره على الإشاعة على خلاف القاعدة للنص (١) (***).

______________________________________________________

(١) ذكر في هذه المسألة فروعاً ثلاثة :

الأوّل : اعتراف بعض الورثة بالدين.

الثاني : اعترافه بالحج على المورث.

الثالث : اعترافه بالنسب.

أمّا الأوّل : فالمستفاد من الآية المباركة (١) والنصوص (٢) تأخر الميراث عن الدّين والوصيّة ، وثبوت الدّين في التركة على نحو الكلي في المعيّن ، ولا ينتقل مقدار الدّين إلى الورثة بل ينتقل إلى الغرماء رأساً ، ولذا لو تلف بعض المال بعد موته فضلاً عما قبل الموت يخرج الدّين من بقية المال ولا ينقص من الدّين شي‌ء ، وهذا دليل قطعي على أن ثبوت الدّين في التركة ليس على نحو الإشاعة ، بل هو على نحو الكلّي في المعيّن كما يقتضيه إطلاق الآية والنصوص ، فإذا اعترف بعض الورثة بالدين وأنكره الآخر أو لم يعترف به يؤخذ من المال المتروك بمقدار اعترافه ، وعليه أن يعطي تمام

__________________

(*) بل الظاهر وجوب دفع تمام مصرف الحجّ من حصته ، وله مطالبة الآخرين ببقية حصته من التركة وإقامة الدعوى عليهم ، وكذلك الحال في الدّين.

(**) لا يمكن فرض الوفاء في مفروض المسألة.

(***) النص الوارد في النسب ضعيف ولكن الحكم على القاعدة.

(١) النساء ٤ : ١٢.

(٢) الوسائل ١٩ : ٣٢٩ / أبواب الوصايا ب ٢٨.

٢٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

الدّين الذي اعترف به ويكون الباقي له ، وما أخذه المنكر يكون مشتركاً بينه وبين الأخ المعترف ، وإذا كان ذلك الأخ جاحداً وغاصباً يجوز للأخ المعترف أن يأخذ من أخيه الجاحد حصّة الدّين بالنسبة مقاصة ، وإن كان جاهلاً يرجع أمرهما إلى الحاكم.

وبالجملة : مقتضى القاعدة لزوم أداء تمام الدّين على المعترف من حصّته ولو بتمام حصّته ، وله مطالبة الآخرين ببقية حصّته من التركة وإقامة الدعوى عليهم. نعم لا يجب عليه تتميمه من مال آخر إلّا إذا كان إجماع على الخلاف من لزوم التحصيص في الدّين على حسب نسبة الحصص ، ولو لم يثبت الإجماع كما هو غير ثابت فلا بدّ من الرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة ، مضافاً إلى موثق إسحاق بن عمار : «في رجل مات فأقر بعض ورثته لرجل بدين ، قال : يلزم ذلك في حصّته» (١) ، وظاهره لزوم تمام الدّين في حصّته.

وذكر صاحب الوسائل عن الشيخ أنه حمله على أنه يلزم بقدر ما يصيب حصته بشهادة خبر أبي البختري : قال : «قضى علي (عليه السلام) في رجل مات وترك ورثة فأقر أحد الورثة بدين على أبيه ، أنه يلزم ذلك في حصّته بقدر ما ورث ولا يكون ذلك في ماله كلّه ، إلى أن قال : وكذلك إن أقر بعض الورثة بأخ أو أُخت إنما يلزمه في حصّته» (٢). ولكن الخبر ضعيف سنداً ، بل ودلالة. أما الأوّل فبأبي البختري الذي قيل فيه : إنه من أكذب البرية. وأما الثاني فلاحتمال أن يراد من العبارة عدم وجوب التتميم من ماله الشخصي بمعنى أن يلزم على المقر دفع الدّين من حصته ولا يلزم عليه دفعه من سائر أمواله الشخصية.

وأمّا الثاني : وهو الاعتراف بالحج فقد ذكر المصنف (قدس سره) أنه لا يجب على المعترف إلّا دفع ما يخص حصته بعد التوزيع ، وإن لم يف ذلك بالحج لا يجب عليه تتميمه من حصته.

أقول : إن كان ثبوت الحجّ في التركة على نحو الكلي في المعيّن نظير الدّين ، فيجب

__________________

(١) ٢) الوسائل ١٩ : ٣٢٤ / أبواب الوصايا ب ٢٦ ح ٣ ، ٥.

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

على المعترف أن يخرج الحجّ مما أخذه من التركة ، وعليه أن يتعهد بجميع مصارف الحجّ ، وله مطالبة الآخر من بقية حصته من التركة كما تقدم في الدّين ، وأما بناء على ما ذكره من إخراجه من حصته بالنسبة بعد التوزيع فالخارج من إرثه نصف مصارف الحجّ ، وحينئذ لا يتصور فيه الوفاء للحج حتى يقال بأنه إن لم يفِ ذلك بالحج لا يجب عليه التتميم ، لأنّ المعترَف به في الحقيقة إنما هو نصف مصارف الحجّ وهو غير واف للحج دائماً فلا مجال لقوله : «وإن لم يفِ لا يجب عليه تتميمه» ، وليس الحجّ كالدين في إمكان التبعيض وإخراجه بالمقدار الممكن ، لأنه واجب ارتباطي بخلاف الدّين فإنه غير ارتباطي يجري فيه التبعيض.

وبالجملة : لو اعترف أحد الورثة بالحج وأنكره الآخرون فلا موضوع للحج لعدم إمكان إتيانه بالنصف المعترَف به وعدم جريان التبعيض فيه ، فإن لم يعط الآخرون من حصّتهم النصف الآخر يسقط وجوبه بالمرّة.

فيقع الكلام حينئذ في المقدار الثابت في حصته فهل يجوز له التصرّف فيه لأنه يرجع إلى كونه إرثاً ، لأنّ المانع هو الحجّ والمفروض سقوطه ، أو أنه يجب عليه صرفه في جهات الميت الأقرب فالأقرب؟ الظاهر هو الثاني ، لأنّ المقدار المعترَف به لم ينتقل إلى الوارث من أوّل الأمر وإنما هو باق على ملك الميت ، وكذلك المقدار الذي أخذه المنكر باق على ملك الميت ، فمجموع المالين ملك للميت يملك مقداراً من هذا ومقداراً من ذاك ، غاية الأمر الوارث الآخر جاحد أو جاهل معذور لعدم اعترافه باشتغال ذمّة الميت ، وكيف كان لا يجوز للوارث المعترف التصرف في هذا المقدار من المال لبقائه على ملك الميت وحيث إنه لا يفي للحج فلا بدّ من صرفه في جهات الميت الأقرب فالأقرب.

هذا تمام الكلام في الإقرار بالدين والحجّ وقد عرفت أنهما يخرجان من تمام حصة المعترف إذا كانت وافية ويكون الباقي من التركة بعد أداء الدّين والحجّ مشتركاً بين الورثة ، ويجوز للمعترف الأخذ من المنكر على موازين القضاء من إقامة الدعوى عليه ، وأما بالنسبة إلى الغاصب فيقتص منه.

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الثالث : وهو الاعتراف بالنسب كما لو اعترف أحد الشريكين في الإرث بالنسب لشخص ثالث مشترك معهما ، كما إذا كان هناك أخوان وارثان فأقر أحدهما بأن زيداً أيضاً أخوهما وأنكره الآخر.

ذكر المصنف أن المقرّ يدفع إلى المقر له المقدار الزائد عمّا يستحقه والزائد عن حصّته باعتقاده واعترافه فيكفي دفع ثلث ما في يده ولا يجب عليه التنصيف ، كما لو فرضنا أن المال المتروك ستة دنانير وبعد التنصيف بينه وبين أخيه أقرّ أحدهما بأن زيداً أخ لهما أيضاً ، يجب على المقرّ إعطاء دينار واحد إلى المقرّ له ويبقى الديناران للمقرّ ، ولا يكون المقرّ له شريكاً مع المقرّ حتى يلزم عليه التنصيف بينه وبين المقرّ له.

أقول : التقسيم قد يكون مع الغاصب وهذا بحث طويل وقد ذكر في محله أن الغاصب لا يصح معه التقسيم ، فلو كان المال مشتركاً بين أخوين وأخذ الغاصب نصف المال بعنوان أنه مال زيد فتلف لا يختص بزيد ويحسب التالف عليهما والباقي لهما ، ولا أثر لنيّة الغاصب وتقسيمه ، والقاعدة تقتضي هناك الإشاعة والتلف من مال الأخوين معاً ، وأما في باب الاعتراف بالنسب فالقاعدة تقتضي إعطاء المقرّ الزائد عن حصّته للمقرّ له بالنسبة حسب اعترافه ولا يكون المقر له شريكاً للمقر ، فيجب على المقر دفع ثلث ما في يده لا نصفه ، وأمّا النص المشار إليه في المتن فهو خبر أبي البختري الذي قد عرفت ضعفه سنداً ودلالة ، ولو كانت القاعدة مقتضية للاشتراك لزم الالتزام بالإشاعة في المقام ولا أثر لوجود هذا الخبر الضعيف.

والحاصل : إذا اعترف أحد الشريكين في الإرث بثالث فمرجع ذلك إلى الاعتراف بأن لكل واحد منهم ثلث المال ، فإذا فرضنا أن المال قسم إلى قسمين بين الأخوين ثمّ اعترف أحدهما بأخ ثالث ، معناه أن المال الذي بيد الأخ المنكر ثلثه للمقرّ له وثلثه للمقرّ وثلثه للأخ نفسه ، وكذا الحال في المال الذي أخذه المقرّ ثلثه لنفسه وثلثه لأخيه وثلثه للمقر له لا أزيد ، فالثلث الذي عنده للأخ والثلث الذي عند الأخ للأخ الآخر ويقع التبادل بين هذين الثلثين بالتراضي بينهما ، وعلى سبيل المثال لنفرض أن المال المتروك ستون ديناراً وقسم إلى قسمين وكل واحد من الأخوين أخذ ثلاثين ديناراً

٢٥٤

[٣٠٨٣] مسألة ٨٦ : إذا كان على الميت الحجّ ولم تكن تركته وافية به ولم يكن دين فالظاهر كونها للورثة ولا يجب صرفها في وجوه البر عن الميت لكن الأحوط التصدّق عنه للخبر عن الصادق (عليه السلام) «عن رجل مات وأوصى بتركته أن أحجّ بها فنظرت في ذلك فلم يكفه للحج فسألت مَن عندنا من الفقهاء فقالوا : تصدّق بها ، فقال (عليه السلام) : ما صنعت بها؟ قلت : تصدّقت بها فقال (عليه السلام) : ضمنت إلّا أن لا يكون يبلغ ما يحجّ به من مكّة ، فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكّة فليس عليك ضمان» (١).

______________________________________________________

فإذا اعترف أحدهما بأخ ثالث معناه أن عشرة دنانير له وعشرة لأخيه وعشرة للمقر له ، وكذا ما عند أخيه ، فالعشرة الثانية التي عنده تكون له بالتبادل وعوضاً من العشرة التي عند أخيه ، فطبعاً يكون له عشرون ديناراً ، ويجب عليه دفع العشرة الزائدة إلى المقر له ولا يكون شريكاً مع المقر في المال الذي عند المقر له حتى يأخذ النصف ولا يجب عليه تنصيف الثلاثين ، فالفرق بين التقسيم في باب الغصب والتقسيم في المقام ظاهر وبينهما بون بعيد ولا يقاس أحدهما بالآخر ، وما ذكرناه في المقام مما تقتضيه القاعدة ولا حاجة إلى النص.

(١) لأنّ المانع عن الانتقال إلى الوارث هو الحجّ والمفروض عدم إمكان الحجّ به فلا مانع ، وينتقل ما ترك إلى الوارث حسب الإطلاقات ، ولا يقاس الحجّ بالدّين لأنه انحلالي غير ارتباطي ، بخلاف الحجّ فإنه واجب ارتباطي لا يمكن فيه التبعيض ولا دليل على وجوب التصدق بالمال المتروك إذا لم يفِ المال للحجّ.

نعم ، ورد النص بالتصدق في باب الوصيّة (١) ولكنه ضعيف السند ، مضافاً إلى أنه مختص بمورد الوصيّة ولا يشمل المقام ، والحكم في باب الوصيّة لزوم الصرف في وجوه البرّ إذا تعذّر العمل بها ، لأنّ الوصيّة بنفسها تقتضي صرف المال بعد تعذّر

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ٣٤٩ / أبواب الوصايا ب ٣٧ ح ٢.

٢٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

صرفه في الجهة المعيّنة من قِبَل الميت في جهات أُخر الأقرب فالأقرب إلى غرضه فإن الوصيّة تمنع من انتقال المال إلى الورثة وتوجب بقاء المال على ملك الميت فلا بدّ من صرفه في شؤونه وجهاته.

وبعبارة اخرى : تعذّر ما عيّنه الميت لا يوجب انتقال المال إلى الورثة ، لأنّ غرض الميت إيصال الثواب إلى نفسه ، غاية الأمر عيّن مصرفاً خاصاً لذلك ، ولو تعذّر ذلك ينتقل الأمر إلى نحو آخر من إيصال الثواب ، فمرجع الوصيّة في أمثال هذه الموارد تنحل إلى أمرين وتكون على نحو تعدد المطلوب حسب المتفاهم العرفي والقرينة العامة ، فلو تعذر أحدهما يتعين الآخر كما هو الحال في غير المقام من موارد الوصيّة كما إذا أوصى بصرف المال في بناء حسينية أو مدرسة دينية أو إقامة التعزية في بلد معيّن وتعذر ذلك لا ينتقل المال إلى الورثة بل يصرف في الأقرب فالأقرب ، وهكذا الحال في الوصيّة بالحج إذا لم يفِ المال للتمتع يصرف في الإفراد لأنه أقل مصرفاً من التمتع ، وإن لم يفِ له أيضاً يصرف في سائر وجوه البر من التصدق ونحوه ممّا هو أقرب إلى غرض الميت ، وهذا بخلاف الحجّ الثابت في ذمّة الميت الذي فرض عدم الوصيّة به فإنه لو لم يفِ المال له فلا مانع من انتقال المال إلى الورثة حسب العمومات ولا دليل على الاستثناء ، وأما إذا لم يمكن العمل بالوصية كلياً فيدخل المقام في كبرى أن المال لا يمكن إيصاله إلى مالكه فيعامل معه معاملة مجهول المالك من التصدّق ونحوه.

فتحصل : أن الحجّ الواجب على الميت لو تعذر الإتيان به لعدم وفاء المال له ينتقل المال إلى الورثة ، لأن المانع عنه كان هو الحجّ والمفروض عدم إمكان الإتيان به فيدخل في عمومات الإرث ، وهذا بخلاف باب الوصيّة سواء كانت على نحو تعدد المطلوب أو وحدته ، فإنه لو تعذر العمل بها يصرف المال في وجوه أُخر ولا ينتقل إلى الورثة ، لأنّ المستثنى من الإرث نفس الوصيّة لا الموصى به ، والمال باق على ملك الميت ، فإن أمكن الإيصال إليه بصرفه في الجهات المعيّنة أو القريبة إلى غرضه فهو وإلّا يعامل معه معاملة مجهول المالك.

وأمّا ما ذكره المصنف وغيره من صرف المال في التصدّق ابتداء بمجرّد تعذّر الحجّ

٢٥٦

نعم ، لو احتمل كفايتها للحج بعد ذلك أو وجود متبرع بدفع التتمّة لمصرف الحجّ وجب إبقاؤها (*) (١).

[٣٠٨٤] مسألة ٨٧ : إذا تبرع متبرع بالحج عن الميت رجعت اجرة الاستئجار إلى الورثة (**) (٢) سواء عينها الميت أو لا. والأحوط صرفها في وجوه البر أو التصدّق عنه خصوصاً فيما إذا عيّنها الميت ، للخبر المتقدِّم.

______________________________________________________

للخبر المتقدِّم فهو لا ينطبق عليه الخبر المذكور ، لأن المستفاد منه الحجّ من مكّة الذي هو أقل مصرفاً من حجّ التمتع وإن لم يتمكن من ذلك فيتصدق به.

(١) لعلّ وجهه رجوع ذلك إلى الشك في القدرة ولا تجري البراءة في مثل ذلك بل يجري الاشتغال ، ولكن الظاهر أن مرجع الشك في المقام إلى الشك في الحكم الوضعي لا التكليفي حتى يكون مبنياً على الشك في القدرة ، فإن الشك يرجع إلى الشك في انتقال المال إلى الورثة وعدمه للشك في وفاء المال وعدمه ، فإن المال في صورة الوفاء باق على ملك الميت وعلى تقدير عدم الوفاء ينتقل إلى الورثة ، فلو شك في الوفاء وعدمه في السنة الآتية أو وجود متبرع لا مانع من استصحاب العدم ، بناء على جريان الاستصحاب في الأمر الاستقبالي وبذلك يتحقق موضوع الانتقال إلى الورثة. نعم ، لو تصرّفوا ثمّ انكشف الخلاف وظهر وفاء المال للحج فيما بعد أو وجد المتبرع يكشف أن الاستصحاب لم يكن مطابقاً للواقع ويكون ضامناً لما أتلفه ، وهذا أمر آخر وكلامنا فعلاً في جواز التصرف وعدمه ، ولذا ذكرنا في التعليقة أن الظاهر عدم وجوب الإبقاء ولكن لو ظهر الخلاف وتحقق كفايتها أو وجد المتبرع كان ضامناً لما أتلفه.

(٢) لأنّ التبرّع يوجب سقوط الحجّ عنه وإبراء ذمته منه كما هو الحال في الدّين

__________________

(*) الظاهر عدم الوجوب ، لكن لو تحقق بعد ذلك كفايتها أو وجود متبرع بدفع التتمة كان ضامناً لما أتلفه.

(**) إذا أوصى بالثلث في صرفه للحج لم تخرج الأُجرة من ملكه إلى الورثة بتبرع المتبرع للحج بل تصرف في وجوه البر عنه.

٢٥٧

[٣٠٨٥] مسألة ٨٨ : هل الواجب الاستئجار عن الميت من الميقات أو البلد؟ المشهور وجوبه من أقرب المواقيت إلى مكّة إن أمكن ، وإلّا فمن الأقرب إليه فالأقرب ، وذهب جماعة إلى وجوبه من البلد مع سعة المال وإلّا فمن الأقرب إليه فالأقرب ، وربما يحتمل قول ثالث وهو الوجوب من البلد مع سعة المال وإلّا فمن الميقات وإن أمكن من الأقرب إلى البلد فالأقرب ، والأقوى هو القول الأوّل وإن كان الأحوط القول الثاني لكن لا يحسب الزائد عن اجرة الميقاتية على الصغار من الورثة. ولو أوصى بالاستئجار من البلد وجب ويحسب الزائد عن اجرة الميقاتية من الثلث ، ولو أوصى ولم يعين شيئاً كفت الميقاتية إلّا إذا كان هناك انصراف إلى البلدية أو كانت قرينة على إرادتها كما إذا عين مقداراً يناسب البلدية (١).

______________________________________________________

ويدلّ على صحّة التبرع بالحج صحيح معاوية بن عمار الوارد في من مات ولم يحج حجّة الإسلام فتبرع عنه شخص آخر هل يجزئ ذلك عنه؟ «قال : بل هي حجّة تامّة» (١).

وبالجملة : لا مانع من رجوع المال وأُجرة الاستئجار إلى الورثة ، لأنّ المانع كان هو الحجّ والمفروض ارتفاعه ، هذا فيما إذا لم يوص بالحج ، وأما إذا أوصى بالحجّ وتبرّع شخص به لا ينتقل المال الموصى به إلى الورثة بل يصرف في وجوه البرّ عنه وقد تقدّم وجه ذلك قريباً.

(١) قد عرفت أنه لا خلاف في أنه إذا استقر عليه الحجّ ثمّ مات يقضى ويستأجر عنه من أصل المال ، إنما وقع الخلاف في المكان الذي يجب الاستئجار منه فهل يجب الاستئجار عنه من البلد أو الميقات أو فيه تفصيل؟ نسب إلى الشيخ أنه من البلد (٢) ونسب إلى المشهور أنه من أقرب الأماكن والمواقيت إلى مكّة إن أمكن وإلّا فمن غيره

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٧٧ / أبواب وجوب الحجّ ب ٣١ ح ١.

(٢) لاحظ النهاية : ٢٨٣ ، المبسوط ١ : ٣٠١ ، الخلاف ٢ : ٢٥٥ المسألة ١٨.

٢٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

مراعياً الأقرب فالأقرب.

وذهب جماعة إلى وجوب الاستئجار عنه من البلد مع سعة المال وإن لم يسع فمن الأقرب إلى البلد فالأقرب ، اختاره في الدروس (١).

وهنا قول رابع نسب إلى جماعة وفي صحّة النسبة كلام وهو الوجوب من البلد مع سعة المال ، ولو ضاق المال فمن الميقات وإن كان الاستئجار من الأقرب إلى البلد فالأقرب ممكناً ، والفرق بين هذا القول وسابقه هو أن القول السابق لو ضاق المال عن البلد يُراعى الأقرب فالأقرب إلى بلده وهذا القول إذا لم يسع المال من البلد ينتقل الأمر إلى الميقات رأساً وإن وسع المال من البلاد القريبة لبلده.

والذي ينبغي أن يقال إنه يقع الكلام في موارد ثلاثة :

الأوّل : في القضاء عن الميت.

الثاني : في الاستئجار عن الحي.

الثالث : في الوصيّة بالحج.

أمّا الأوّل : فالثابت بالأدلة وجوب إخراج الحجّ من صلب المال ، وأما ابتداؤه من البلد أو الميقات فلم يرد فيه أي نص. نعم ، ورد في الوصيّة بالحج والحجّ عن الحي وهما أجنبيان عن المقام ، فلا بدّ في مقامنا هذا من الرجوع إلى ما تقتضيه الأدلّة والروايات ومقتضاها وجوب الحجّ عنه ، والحجّ اسم للأعمال الخاصة والمناسك المعروفة من الإحرام إلى التقصير أو إلى طواف النساء في حجّ التمتع ، وأمّا المقدّمات وطي المسافات فهي خارجة عن الحجّ ، والخارج من عمومات الإرث وإطلاقاتها إنما هو اجرة الحجّ نفسه فالواجب حينئذ الاستئجار من الميقات ، وبما أنّ المواقيت مختلفة في القرب والبعد وكثرة الأُجرة وقلتها يكون الواجب هو الجامع بين الأفراد ، ومقتضى ذلك جواز التطبيق على الأقرب والأبعد ، فطبعاً يكون الواجب في المقام هو مورد

__________________

(١) الدروس ١ : ٣٢٦.

٢٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الأقل أُجرة سواء كان أقرب أو أبعد من حيث المكان ، ولا موجب لتطبيق الجامع على الأكثر قيمة بعد إمكان تطبيقه على الأقل وسقوط الواجب به.

فالصحيح ما اختاره المصنف تبعاً للمشهور ، وإن كان الأحوط الاستئجار من البلد مع سعة المال ، لكن يحسب الزائد عن اجرة الحجّ الميقاتي من حصة الكبار لا الصغار.

وأمّا ما اختاره ابن إدريس (١) والدروس (٢) من وجوب الاستئجار من البلد مع سعة المال وإلّا فمن الأقرب إلى البلد فالأقرب فاستدل عليه بأنه كان يجب عليه صرف المال من البلد لو كان حياً ، فلما مات سقط الحجّ عن بدنه وبقي في ماله ما كان يجب عليه لو كان حياً من مئونة الطريق من بلده ، وادعى تواتر الأخبار بذلك.

ففيه : أن صرف المال من البلد وإن كان واجباً ولكنه واجب مقدمي لا نفسي ولذا لو فرضنا أنه ذهب شخص مستطيع إلى المدينة أو الميقات لغاية أُخرى غير الحجّ وحجّ من هناك أجزأه عن حجّة الإسلام. وأما ما ادعاه من تواتر الأخبار بذلك فغير ثابت ، ولعل نظره إلى الروايات الواردة في الوصيّة بالحج.

الثاني : وهو الاستئجار والنيابة عن الحي فالظاهر هو الاجتزاء من الميقات وعدم وجوب الإتيان به من البلد كما هو مقتضى الإطلاقات وقد تقدم ذلك مفصلاً ، ويؤكد ذلك صحيح حريز فإنه صريح في كفاية الاستنابة من غير البلد : «عن رجل أعطى رجلاً حجّة يحج بها عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة ، فقال : لا بأس ، إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه» (٣).

الثالث : مورد الوصيّة بالحج ، وفيه قد يفرض الكلام فيما لا يفي المال للحج البلدي وقد يفرض فيما إذا وفى المال به.

__________________

(١) السرائر ١ : ٦٤٨.

(٢) الدروس ١ : ٣٢٦.

(٣) الوسائل ١١ : ١٨١ / أبوا النيابة في الحجّ ب ١١ ح ١.

٢٦٠