موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

موسوعة الإمام الخوئي

المؤلف:

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قدّس سرّه
المطبعة: نينوى
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6084-13-3
الصفحات: ٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الكثيرة على الفرد النادر أو على ما لا يتّفق في الخارج أصلاً ، إذ لا أقل من مخالفة أعمالهم للواقع من جهة الوضوء.

وأمّا إذا كان العمل صحيحاً عنده وفاسداً عندنا فهو القدر المتيقن من النصوص الدالّة على الإجزاء.

وأمّا إذا كان فاسداً عنده وعندنا فربما يقال بشمول الروايات الدالّة على الإجزاء لذلك أيضاً لأن الحكم بالإجزاء منة منه تعالى ، ومقتضى الامتنان إلغاء وجوب القضاء بعد الاستبصار وإن كان العمل فاسداً عنده وعندنا.

وفيه : أن السؤال في الروايات متمحض من ناحية الإيمان والاستبصار وفساد العقيدة ، فإنما يسأل عن إعادة الحجّ أو الصلاة أو غيرهما من العبادات لأجل اختلاف العقيدة وتبديلها ، وإلّا فلا يرى نفسه مأموراً بالإعادة لو بقي على حاله الاولى وعقيدته السابقة بل يرى عمله صحيحاً. وبعبارة اخرى : إنما يسأل عن الإعادة وعدمها لا لأجل خلل في الصلاة والحجّ وإنما يسأل عن ذلك لأجل اختلاف العقيدة وتبدل الرأي ، ولو كان العمل فاسداً على مذهبه لا يقال إنه حجّ أو حججت أو صلّى ونحو ذلك ، فالنصوص لا تشمل ما كان فاسداً عنده.

ولو أتى بالصحيح عندنا وبالفاسد في مذهبه فإن لم يتمش منه قصد القربة فلا ريب في عدم شمول النصوص له ، لعدم صدق العبادة من الصلاة والحجّ على ذلك ، وإن تمشّى منه قصد القربة كما لو قلّد من يجوّز العمل على طبق المذهب الجعفري كالشيخ شلتوت (١) لا يبعد شمول النصوص الدالة على الإجزاء لذلك ، ولا يلزم في الحكم بالصحة أن يكون العمل موافقاً لمذهبه الفاسد لعدم اختصاص النصوص بما إذا كان العمل صحيحاً في مذهبه وفاسداً عندنا ، لما عرفت أن السؤال فيها ناظر إلى جهة الإيمان والاستبصار وإن لم يكن العمل فاسداً واقعاً بل كان صحيحاً في الواقع.

__________________

(١) هو صاحب الفضيلة الشيخ محمود شلتوت شيخ جامع الأزهر.

٢٢١

[٣٠٧٦] مسألة ٧٩ : لا يشترط إذن الزّوج للزّوجة في الحجّ إذا كانت مستطيعة ولا يجوز له منعها منه ، وكذا في الحجّ الواجب بالنذر (*) ونحوه إذا كان مضيقاً (١)

______________________________________________________

(١) لا ينبغي الإشكال في عدم اعتبار إذن الزوج للزوجة في حجّة الإسلام ولا خلاف في ذلك ويدلُّ عليه جملة من النصوص (١) ، هذا في الحجّ المستقر واضح ، وأمّا إذا لم يستقرّ عليها الحجّ فقد يقال : إن حق الزوج مانع عن تحقق الاستطاعة.

وفيه : ما ذكرناه غير مرة أن الاستطاعة المعتبرة في الحجّ ليست إلّا الاستطاعة المفسرة في الروايات ولم يؤخذ فيها عدم مزاحمة الحجّ لحق الغير ، على أنه لو وقع التزاحم يقدم الحجّ لأنه أهم. مضافاً إلى النصوص الخاصة الواردة في المقام الدالة على أنه لا طاعة له عليها في حجّة الإسلام (٢) ، وحملها على الحجّ المستقر بلا موجب.

وأمّا الحجّ الواجب بالنذر ونحوه من العهد واليمين أو غير ذلك فقد ألحقه المصنف (قدس سره) بحج الإسلام إذا كان مضيقاً ، ولكن النصوص الواردة في المقام موردها حجّة الإسلام ، وإلحاق غيرها بها والتعدي عن موردها يحتاج إلى الدليل ولا دليل فلا بدّ من ملاحظة القواعد في كل مورد من الواجبات.

أمّا النذر فهو واجب يشترط الرجحان في متعلقه في ظرف العمل ، بمعنى أن النذر إنما ينعقد ويجب الوفاء به إذا كان المنذور راجحاً في ظرف العمل به ، وأما إذا كان مرجوحاً ومحرماً في نفسه فلا ينعقد من الأوّل وينحل ولا يجب الوفاء به ويقدم الواجب الآخر عليه ، فإن العمل لا بدّ أن يكون في نفسه راجحاً مع قطع النظر عن تعلق النذر به ، وعليه إذا فرضنا أن خروج الزوجة من البيت من دون إذن الزوج

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.

(١) الوسائل ١١ : ١٥٥ / أبواب وجوب الحجّ ب ٥٩.

(٢) الوسائل ١١ : ١٥٥ أبواب وجوب الحجّ ب ٥٩.

٢٢٢

وأمّا في الحجّ المندوب فيشترط إذنه (١) ، وكذا في الواجب الموسع قبل تضيقه على الأقوى ، بل في حجّة الإسلام يجوز له منعها من الخروج مع أوّل الرفقة مع وجود

______________________________________________________

محرم كما في النصوص المعتبرة (١) فلا ينعقد نذرها للحج المستلزم للخروج من البيت.

وأما إذا كان سبب الوجوب غير النذر كالإجارة فلو فرضنا أن المرأة تزوجت بعد إجارة نفسها للحج عن الغير فلا ريب في تقدم الإجارة ، وليس للزوج منعها ، لأنّ هذه المدة التي تعلقت بها الإجارة ملك للغير وليس للزوج حق المعارضة ، فإلحاق سائر أقسام الحجّ الواجب بحج الإسلام على الإطلاق لا نعرف له وجهاً ، بل لا بدّ من التفصيل على النحو الذي ذكرناه.

(١) بلا كلام ، لأنّ الخروج من بيتها بدون إذن الزوج محرم وعليها الاستئذان منه في الخروج من البيت ، لا لما ورد في بعض الروايات من جواز منع الزوج زوجته عن الحجّ المندوب ، لأنّ ذلك أعم من اعتبار الاذن من الزوج ، بل لعدّة من النصوص منها : صحيحا محمّد بن مسلم وعلي بن جعفر الدالّان على اعتبار الاذن وأنه لا يجوز لها الخروج إلّا بإذنه (٢) ولا سيما إذا كان الخروج منافياً لحق الزوج.

ومن ذلك يظهر أن الواجب إذا كان موسعاً له المنع عن الإتيان به في سنة خاصة وإن لم يكن له المنع عن أصل الحجّ ، فإن ما دل على المنع من الخروج بدون إذنه يشمل ما لو اختارت إتيان الحجّ الموسع في سنة خاصة ، وهكذا الحال بالنسبة إلى سائر الواجبات الموسعة ، فإن الزوج له حق المنع في التطبيق على الأفراد إذا زاحم حقه ولم يكن له المنع عن أصل الواجب ، ولذا للزوج أن يمنع زوجته عن إتيان الصلاة في أوّل الوقت أو وسطه إذا زاحم حقه ، وليس له حق المنع عن أصل الصلاة ، وكذا له

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ١٥٧ / أبواب مقدمات النكاح ب ٧٩.

(٢) الوسائل ٢٠ : ١٥٧ / أبواب مقدمات النكاح ب ٧٩ ح ١ ، ٥.

٢٢٣

الرفقة الأُخرى قبل تضيق الوقت ، والمطلّقة الرجعية كالزوجة في اشتراط إذن الزّوج ما دامت في العدّة (١) بخلاف البائنة لانقطاع عصمتها منه

______________________________________________________

المنع من خروجها مع أوّل الرفقة أو الثانية فيما إذا تعددت القوافل وليس للزوجة اختيار الرفقة الأُولى إذا لم يأذن لها الزوج ، والروايات التي دلّت على أن الزوج ليس له المنع إنما هي بالنسبة إلى أصل الحجّ لا في الخصوصيات ، بل هي داخلة في صحيحتي ابن مسلم وعلي بن جعفر الدالّتين على المنع واعتبار الاذن من الزوج في الخروج من البيت.

هذا كلّه في المتزوجة ، وأمّا المتوفّى عنها الزوج فهي خارجة عن أدلة اعتبار الاذن لعدم الزوج لها. مضافاً إلى النصوص (١) الدالّة على جواز حجّ المرأة مطلقاً ، واجباً كان أو مندوباً في عدّة الوفاة ، وكذلك البائنة لانقطاع عصمتها منه ، ولازمه جواز الخروج من بيتها بدون إذنه ، فلا مانع من شمول إطلاقات الحجّ لها.

(١) فإنها زوجة حقيقة ، والبينونة إنما تحصل بعد العدّة فيجري عليها ما يجري على الزوجة غير المطلقة ، هذا على ما تقتضيه القاعدة ، وأمّا بحسب الروايات فهي على طوائف :

الأُولى : ما دل على أنها لا تحج ، وهي مطلقة تشمل حتى حجّ الإسلام مع الاذن وعدمه ، كصحيحة معاوية بن عمار في حديث : «قال (عليه السلام) : لا تحج المطلقة في عدّتها» (٢) فتكون موافقة لإطلاق الآية المباركة الدالة على أنها لا تخرج من البيت ولا يخرجها الزوج قال عزّ من قائل (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) (٣) ، ولربما كانت الحكمة في الحكم بعدم الخروج من البيت أنها تبقى

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٥٩ / أبواب وجوب الحجّ ب ٦١.

(٢) الوسائل ١١ : ١٥٨ / أبواب وجوب الحجّ ب ٦٠ ح ٣.

(٣) الطلاق ٦٥ : ١.

٢٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

في البيت لعلّه يحصل التلائم بين الزوجين فيرجع إليها.

الثانية : ما دلّ على أنها تحج ، وهي أيضاً مطلقة وتعم جميع أقسام الحجّ وجميع الحالات ، لصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «قال : المطلقة تحج في عدّتها» (١).

الثالثة : ما دلّ على أنه «إن كانت صرورة حجت في عدّتها وإن كانت حجّت فلا تحجّ حتى تقضي عدّتها» كما في خبر منصور بن حازم (٢) ، والمستفاد منه أن حجّ الإسلام لا يتوقف على الاذن.

الرابعة : ما دلّ على أن المطلقة تحج في عدتها بإذن الزوج كما في صحيح معاوية بن عمار : «المطلقة تحج في عدتها إن طابت نفس زوجها» (٣).

ولا يخفى أن خبر منصور وإن كان ضعيفاً سنداً للإرسال (٤) ولكن التفصيل المذكور فيه يستفاد من أدلّة أُخرى دلّت على أن حجّ الإسلام لا يعتبر فيه إذن الزوج ولا طاعة له عليها فيه ، وأما الخروج من البيت لغير حجّ الإسلام فيعتبر فيه الاذن.

والحاصل : ما دلّ على أنها لا تحجّ مطلقاً يخصص بحجة الإسلام وفي غيرها تحج مع الاذن ، وما دلّ على أنها تحجّ مطلقاً خصص في غير حجّة الإسلام بصورة الاذن من الزوج.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٥٨ / أبواب وجوب الحجّ ب ٦٠ ح ١.

(٢) الوسائل ١١ : ١٥٨ / أبواب وجوب الحجّ ب ٦٠ ح ٢.

(٣) الوسائل ٢٢ : ٢١٩ / أبواب العدد ب ٢٢ ح ٢.

(٤) والعجب عن غير واحد حيث عبّروا عن خبر منصور بالصحيح كصاحب الجواهر [١٧ : ٣٣٥] والحدائق [١٤ : ١٤٧] والمستمسك [١٠ : ٢٣٠] مع أن الخبر مرسل ، لأنّ أبا عبد الله البرقي يرويها عمّن ذكره عن منصور ، كما أن من الغريب أن صاحب الحدائق نسب الرواية إلى الفقيه مع أنها غير موجودة فيه وإنما رواها الشيخ في التهذيب [٥ : ٤٠٢ / ١٣٩٩].

٢٢٥

وكذا المعتدّة للوفاة فيجوز لها الحجّ واجباً كان أو مندوباً ، والظاهر أن المنقطعة كالدائمة في اشتراط الإذن (١) ، ولا فرق في اشتراط الإذن بين أن يكون ممنوعاً من الاستمتاع بها لمرض أو سفر أو لا (٢).

[٣٠٧٧] مسألة ٨٠ : لا يشترط وجود المحرم في حجّ المرأة إذا كانت مأمونة على نفسها وبُضعها كما دلت عليه جملة من الأخبار (٣)

______________________________________________________

(١) لأنها زوجة حقيقة ، وإطلاق الأدلة يقتضي عدم الفرق بين الدائمة والمنقطعة ويجري عليها جميع ما يجري على الدائمة إلّا ما خرج بالدليل كالتوارث ووجوب النفقة والقسمة.

(٢) لأنّ اعتبار الاذن من آثار الحق الثابت للزوج ومن آثار الزوجية ، ولا يدور ذلك مدار إمكان الاستمتاع وعدمه.

(٣) منها : صحيح سليمان بن خالد : «في المرأة تريد الحجّ ليس معها محرم هل يصلح لها الحجّ؟ فقال : نعم إذا كانت مأمونة» (١).

ومنها : صحيحة معاوية بن عمار : «عن المرأة تحج إلى مكّة بغير ولي؟ فقال : لا بأس تخرج مع قوم ثقات» (٢).

وصحيحة أبي بصير : «عن المرأة تحجّ بغير وليها ، فقال : إن كانت مأمونة تحج مع أخيها المسلم» (٣) ، والمثنى الذي روى عن أبي بصير في هذه الرواية هو مثنى الحناط الثقة بقرينة روايته عن أبي بصير ورواية عبد الرحمن بن الحجاج عنه.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٥٣ / أبواب وجوب الحجّ ب ٥٨ ح ٢.

(٢) الوسائل ١١ : ١٥٣ / أبواب وجوب الحجّ ب ٥٨ ح ٣.

(٣) الوسائل ١١ : ١٥٤ / أبواب الحجّ ب ٥٨ ح ٥.

٢٢٦

ولا فرق بين كونها ذات بعل أو لا (١) ، ومع عدم أمنها يجب عليها استصحاب المحرم ولو بالأُجرة مع تمكنها منها ومع عدمه لا تكون مستطيعة ، وهل يجب عليها التزويج تحصيلاً للمحرم؟ (٢) وجهان (*) ، ولو كانت ذات زوج وادّعى عدم الأمن عليها وأنكرت قدّم قولها مع عدم البيّنة أو القرائن الشاهدة ، والظاهر عدم استحقاقه اليمين عليها إلّا أن ترجع الدعوى إلى ثبوت حق الاستمتاع له

______________________________________________________

(١) لإطلاق النصوص وخصوص صحيح معاوية بن عمار : «عن المرأة تحج بغير ولي؟ قال : لا بأس وإن كان لها زوج أو أخ أو ابن أخ فأبوا أن يحجوا بها وليس لهم سعة فلا ينبغي لها ان تقعد ولا ينبغي لهم أن يمنعوها» (١).

وإذا لم تكن مأمونة يجب عليها استصحاب من تثق به وتطمئن إليه محرماً كان أو غيره ولا خصوصية لاستصحاب المحرم كما في المتن ولو بالأُجرة ، لأن الاستطاعة المفسرة بتخلية السرب والأمن في الطريق حاصلة وإن كانت متوقفة على بعض المقدمات الوجودية كبذل المال ونحوه ، فيجب تحصيله نظير تحصيل جواز السفر وشراء الزاد وتهيئة مقدمات السفر ونحوها من المقدمات الوجودية. والحاصل : لا ريب في لزوم تحصيل هذه المقدمات وتهيئتها ولو بصرف المال في تحصيلها إذا لم تكن حرجية ، وليس ذلك من قبيل تحصيل الاستطاعة حتى يقال بأن تحصيلها غير واجب.

(٢) ولو بتزويج بنتها حتى تسافر مع صهرها ، ذكر في المتن أن فيه وجهين والظاهر هو الوجوب ، لعدم الفرق في وجوب تحصيل المقدمات الوجودية بين المالية وغيرها إذا لم يكن فيها الحرج والمهانة وإلّا فلا يجب ، نظير بذل المال لأجل استصحاب المحرم فإنه يفصّل بين الحرج وعدمه.

__________________

(*) لا يبعد الوجوب إذا لم يكن حرجياً عليها.

(١) الوسائل ١١ : ١٥٤ / أبواب الحجّ ب ٥٨ ح ٤.

٢٢٧

عليها بدعوى أن حجها حينئذ مفوت لحقه (١) مع عدم وجوبه عليها (١)

______________________________________________________

(١) يمكن تصوير الاختلاف بين الزوجين على وجهين :

أحدهما : ما إذا ادعى الزوج عدم الأمن وخوفه عليها وأنكرت وادعت أنها غير خائفة ، وبعبارة اخرى : الزوج يعترف بعدم خوف المرأة ولكنه يدعي خوفه بنفسه عليها.

ثانيهما : دعوى الزوج كذب المرأة في دعواها الأمن ويدعي أنها خائفة واقعاً ولكن لا تظهر خوفها ، فيقع الكلام في موردين :

أمّا الأوّل : فلا ريب في عدم سماع دعوى الزوج وليس له عليها يمين ، وذلك لعدم ترتب الأثر الشرعي على خوفه ، وإنما الأثر يترتب على خوفها ، والمفروض أنها غير خائفة فيجب عليها السفر ، وليس للزوج منعها من الحجّ بعد ما تنجز عليها التكليف وإن كان الزوج خائفاً عليها ، وحاله من هذه الجهة كالأجانب في عدم تأثير خوفه نظير ما إذا كان الزوج خائفاً من اغتسالها ولكن هي غير خائفة فإن المتعين عليها حينئذ الغسل ولا ينتقل الأمر إلى التيمم. وبالجملة : لا عبرة بخوف الزوج في تنجيز الحكم على الزوجة وإنما العبرة بخوف الزوجة نفسها.

وأمّا الثاني : وهو ما لو ادّعى الزوج كذب المرأة في دعواها الأمن وأنها خائفة واقعاً ، فالزوج يدعي عدم وجوب الحجّ عليها لحصول خوفها ، وهي تدّعي وجوب الحجّ عليها وعدم خوفها فيكون الزوج مدعياً والزوجة منكرة ، لأن الزوج يدعي تحقق الخوف لها وهي تنكر حصوله لها فالمقام من باب المدعي والمنكر أو التداعي.

ولا يخفى أنّ تفسير المدعي والمنكر لم يرد في شي‌ء من الروايات وإنما هو مما اصطلح عليه الفقهاء ، والعبرة في تشخيص المدعي والمنكر إلى الصدق العرفي ، فإن

__________________

(١) بمعنى أنه يدعي كذب زوجته في دعواها الأمن.

٢٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي يطالب شخصاً ويلزمه بشي‌ء هو المدعي غالباً والمطالَب بالفتح هو المنكر وقد يكون المطالِب بالكسر منكراً كما إذا طالب شخصاً بدينه والمطالَب بالفتح المديون يعترف بالدّين ، ولكن يدّعي أنه دفعه إلى الدائن المطالِب بالكسر وهو ينكر ذلك وأنه لم يصل إليه المال فيكون المطالِب بالكسر منكرا. وبالجملة : تعيين المدّعى والمنكر وتشخيصهما بالصدق العرفي.

وأما في المقام فإن الزوج يدعي كذب المرأة في حصول الأمن لها فيكون مدعياً وعليه الإثبات ويرجع الأمر إلى الترافع إلى الحاكم ، فإن أثبت الدعوى لا تخرج الزوجة إلى الحجّ ، وإلّا فللزوج إحلافها ، فإن حلفت فالقول قولها ، ولها ردّ الحلف إلى الزوج ، ولو امتنع من الحلف فلا تثبت دعواه وليس له أن يمنعها عن حجّها.

وربما يقال : إن الدعوى المذكورة فيها جهتان :

الاولى : لحاظ الخوف وعدمه ، ويكون الزوج مدعياً والزوجة منكرة.

الثانية : لحاظ استحقاق النفقة وعدمه ، فإن المرأة تنكر الخوف وتطالب الزوج بالنفقة في السفر كالحضر ، ولكن الزوج يدعي الخوف ويطالب بالاستمتاع والامتناع من السفر ، فكل واحد يطالب ويدعي شيئاً فالمقام من باب التداعي.

وفيه : أن الدعوى الثانية ليست في عرض الدعوى الاولى بل هي في طولها ومترتبة عليها ، وإنما تطالب بالنفقة لأن سفرها سفر من لا خوف فيه حسب ما تدعيه فالعبرة بالدعوى الاولى ، ووجوب الإنفاق عليها وعدمه يدوران مدار ثبوت الدعوى الاولى وعدمه ، فالدعوى الثانية ليست دعوى مستقلّة في عرض الدعوى الاولى ليكون المقام من التداعي.

٢٢٩

فحينئذ عليها اليمين على نفي الخوف ، وهل للزوج مع هذه الحالة منعها عن الحجّ باطناً إذا أمكنه ذلك؟ وجهان (*) في صورة عدم تحليفها ، وأما معه فالظاهر سقوط حقه (١) ولو حجّت بلا محرم مع عدم الأمن صح حجها إن حصل الأمن قبل الشروع في الإحرام وإلّا ففي الصحة إشكال وإن كان الأقوى الصحّة (**) (٢).

______________________________________________________

(١) هل يجوز للزوج في حال النزاع والاختلاف بينهما منعها عن الحجّ باطناً بأن يعمل عملاً حتى لا تتمكن من السفر؟ ذكر (قدس سره) أن فيه وجهين في صورة عدم تحليفها ، وأمّا لو أحلفها فليس للزوج منعها عن السفر باطنا.

أقول : تارة يفرض أن الزوجة آمنة غير خائفة ولكن الزوج يدعي خوفه عليها فحينئذ يصدّق قولها وليس للزوج منعها عن السفر وليس له إحلافها ، إذ لا عبرة بخوف الزوج ، لأنّ خوفه لم يؤخذ في موضوع حكمها. وبالجملة : بعد فعلية وجوب الحجّ وتنجيزه عليها ووجدانها لشرائط الحجّ لا حقّ للزوج عليها وليس له منعها عن أداء ما تنجز عليها فلا مجال لقوله : فيه وجهان.

وأُخرى نفرض أن الزوج يدعي كذب المرأة في دعواها الأمن ويدعي أنها خائفة واقعاً ، فحينئذ لا شك في جواز منعها ، لأنّ الزوج يعتقد أنها غير مستطيعة وأن الحجّ غير واجب عليها بل هو مندوب ، وإذنه يعتبر في الحجّ الندبي فله المنع بل ربما يجب كما إذا كان الخطر مهماً جدّاً. هذا كله إذا لم يصل الأمر إلى الترافع إلى الحاكم وإلّا فيترتب أثر الحكم في مقام الترافع كسائر موارد الحكم الصادر في ذلك المقام ، فظهر أنه لا بدّ من التفصيل على الوجهين السابقين في اختلاف الزوجين.

(٢) والصحيح أن يقال : إن الخوف الحاصل قد يكون في خصوص الطريق قبل الوصول إلى الميقات وقد يكون من الميقات وما بعده ، فإن كان على النحو الأوّل فلا

__________________

(*) أوجههما جواز المنع إذا كان جازماً بذلك ، بل لا يبعد وجوبه في بعض صوره.

(**) في القوّة إشكال بل منع ، إلّا إذا تمشّى منها قصد القربة وانكشف عدم المانع.

٢٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ريب في الحكم بالصحّة ، لاقتران جميع الأعمال بالشرائط المعتبرة كالأمن وعدم الخوف والمفروض زوال الخوف بالوصول إلى الميقات. نعم ، لا يجب عليها الحجّ من أوّل الأمر ولا يلزم عليها تحمل السفر المستلزم للخطر ، بل ربما يكون السفر أو الخروج من الدار محرماً فالاستطاعة حينئذ غير حاصلة ، وأمّا لو تحمّلت السفر المستلزم للخوف وزال الخوف عند الميقات فقد حصلت الاستطاعة هناك ويجب عليها الحجّ وصح حجها لعدم خلل في أفعاله وأجزائه ، وإن كان على النحو الثاني وكان الخوف حاصلاً من الميقات وما بعده ، فربما تخيل بعضهم أن المقام من باب التزاحم ولا بدّ من إعمال قواعده بين السفر والحجّ ، والأوّل وإن فرض تقدّمه لأهميّته ولكن في فرض العصيان وإتيان الحجّ يحكم بصحّته بناء على الترتب.

وفيه : أن التزاحم إنما يقع بين فعلين كواجبين أو واجب وحرام فيلاحظ الأهم بينهما ويجري الترتب في فرض عصيان الأهم وترك امتثاله ، وأمّا الفعل الواحد كما في المقام فلا يقع فيه التزاحم ، فإن الخروج من الدار إذا كان محرماً عليها لخوفها لا يمكن أن يكون مصداقاً للواجب حتى يجري فيه الترتب.

وبعبارة أُخرى : إذا كان الخروج من بيتها محرماً كما هو المفروض فبقاؤها في كل مكان محرم لأنه من مصاديق الخروج ، فيكون وقوفها في عرفة أو المشعر وطوافها وسعيها وغير ذلك من الأعمال كل ذلك يكون محرماً ، لأنه من مصاديق الخروج المحرم ولا يمكن أن يكون مصداقاً للواجب ، والتزاحم إنما يقع بين فعلين واجبين أو واجب وحرام ، ويجري الترتب بترك الأهم نسياناً أو عصياناً وإتيان الواجب الآخر المهم كالمثال المعروف من وجوب إزالة النجاسة عن المسجد والصلاة ، وفي المقام يكون المأتي به من مصاديق الحرام فلا يمكن أن يكون مصداقاً للواجب حتى يجري الأمر الترتبي ، فالأظهر هو البطلان.

نعم ، لو تمشّى منها قصد القربة ولم يكن الخطر موجوداً في الواقع لا بأس في الحكم بالصحة وإن كانت خائفة بالفعل ، لأن المفروض وجدان الشروط واقعاً وإن لم تعلم به

٢٣١

[٣٠٧٨] مسألة ٨١ : إذا استقر عليه الحجّ بأن استكملت الشرائط وأهمل حتى زالت أو زال بعضها صار ديناً عليه ووجب الإتيان به بأي وجه تمكن (*). وإن مات فيجب أن يقضى عنه إن كانت له تركة ، ويصح التبرع عنه ، واختلفوا فيما به يتحقق الاستقرار (١) على أقوال : فالمشهور مضي زمان يمكن فيه الإتيان

______________________________________________________

المرأة ، لأنّ العبرة بوجدان الشروط واقعاً ، ولا يضر عدم حصول الأمن لها بالفعل لأن الأمن طريق إلى إحراز الواقع وقد فرضنا حصول الشرط واقعاً وإن لم يقم عندها طريق ، بخلاف ما لو تمشّى منها قصد القربة ووقعت في الخطر وكانت خائفة فلا يمكن الحكم بالصحّة ، لأن الخطر الموجود واقعاً يكشف عن عدم الاستطاعة. فتلخص : أن العبرة في الحكم بالصحة بالأمن الواقعي والأمن الحاصل لها طريق إلى الواقع.

وممّا يدلّ على ذلك أيضاً صحيح معاوية بن عمار المتقدم (١) : «عن المرأة تحج إلى مكّة بغير ولي؟ فقال : لا بأس تخرج مع قوم ثقات». حيث علق وجوب الحجّ عليها بكون القوم ثقات ، ومن المعلوم أن الوثوق طريق إلى الواقع لا أنه مأخوذ في الحكم.

(١) قبل أن يذكر ما به يتحقق الاستقرار ذكر أُموراً ثلاثة :

الأوّل : أن الحجّ يستقرّ عليه إذا استكملت الشرائط وتشتغل ذمّته به ولو أهمل حتى زالت أو زال بعضها ، لأنّ الواجب تنجز عليه وصار فعلياً في حقه بعد استكمال الشرائط ، وإذا فوّت الواجب على نفسه فالاشتغال على حاله.

الثاني : أنه إذا اشتغلت ذمته به ولم يأت به حتى زالت الاستطاعة يجب عليه الإتيان به بأي وجه تمكن ، ولكن لا تساعد عليه الأدلة الأوّلية لزوال الموضوع وهو الاستطاعة ، ومقتضى القاعدة زوال الوجوب بارتفاع موضوعه نظير المسافر

__________________

(*) إذا لم يكن حرجياً.

(١) في ص ٢٢٧.

٢٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والحاضر بالنسبة إلى القصر والتمام ، وإنما نلتزم بوجوب الإتيان بالحجّ بعد زوال الاستطاعة لأدلّة خاصّة ، كالنصوص الدالّة على أن من استطاع ولم يحجّ ومات ، مات يهودياً أو نصرانياً (١) فالوجوب الثابت وجوب ناشئ من النص وهو وجوب جديد فالحكم بإتيانه بأي وجه تمكن ولو مع الحرج لا يمكن الالتزام به ، لأنه تكليف جديد وحاله حال سائر التكاليف الإلهية التي ترتفع بالحرج ، ففي فرض الإهمال وإن وجب عليه الحجّ بعد زوال الاستطاعة تفريغاً لذمّته ولكن الالتزام بلزوم الإتيان به حتى مع الحرج لا دليل عليه ، بل مقتضى أدلّة نفي الحرج عدم لزوم الإتيان به إذا كان حرجيّا ويكون عاصياً في ترك الحجّ والإهمال به ، والتوبة رافعة له كما في سائر المعاصي.

الثالث : أنه إذا مات من استقر عليه الحجّ يجب أن يقضى عنه من صلب ماله كما في النصوص المعتبرة ، بل يظهر من بعضها تقدّمه على سائر الديون (٢) ثمّ ذكر (قدس سره) ويصحّ التبرّع عنه ويسقط الحجّ عنه بذلك لعدم الدليل على لزوم الاستئجار وإنما يلزم الاستئجار لتفريغ ذمته فإذا أتى به متبرع عنه فقد حصل الفراغ ، ثمّ ذكر الخلاف فيما يتحقق به الاستقرار وأنه متى يستقر عليه الحجّ ، فذهب بعضهم إلى أن الحجّ يستقر عليه إذا كانت الاستطاعة باقية إلى حين خروج الرفقة فلو أهمل ولم يخرج معهم استقر عليه الحجّ وإن زالت الاستطاعة بعد ذلك ، لأنه كان مأموراً بالخروج معهم.

وفيه : أن هذا حكم ظاهري لا واقعي وإنما تخيل ثبوت الوجوب عليه ، وأما في الواقع فالوجوب غير ثابت فلا موجب للاستقرار ، ولذا لو علم بالمرض أو سرقة أمواله ونفقته بعد خروج الرفقة لا يجب الخروج معهم بل ينكشف عدم الاستطاعة من الأوّل. نعم ، مع الجهل بزوال الاستطاعة وحدوث المرض ونحوه يكون الإهمال منه تجرياً وإلّا ففي واقع الأمر لا وجوب عليه.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٩ / أبواب وجوب الحجّ ب ٧ ح ١ ، ٥ وغيرهما.

(٢) الوسائل ١١ : ٧٦ / أبواب وجوب الحجّ ب ٣٠ ح ١ ، ٢.

٢٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وذهب جماعة إلى أن الاستقرار يتحقق ببقاء الاستطاعة إلى زمان يمكن فيه الإحرام ودخول الحرم ، فلو زالت الاستطاعة بعد مضي هذا الزمان يستقر عليه الحجّ.

وفيه : أنه لا نعرف لذلك وجهاً ، فإن العبرة بأعمال الحجّ وأفعاله لا بالإحرام ودخول الحرم ، ولذا لو علم بالموت بعد ذلك لا يجب عليه الخروج بل لا يصح منه الإحرام ، فإنه لو علم بالموت قبل الطواف والسعي وقبل الاشتغال بالأعمال أو قبل أن ينتهي من عمله لا يصحّ منه الإحرام ، فإن الإحرام حينئذ لا ينعقد للعمل الناقص نعم لو مات اتفاقاً بعد الإحرام ودخول الحرم يجزئ عن الحجّ للنص (١) وهذا حكم تعبّدي ثبت في مورده بدليل خاص.

وذهب آخرون إلى أنه يستقر عليه الحجّ بعد مضي زمان يمكن فيه الإتيان بالأركان جامعاً للشرائط ، وإذا زالت الاستطاعة بعد مضي هذا الزمان يستقرّ عليه الوجوب ويقضى عنه من تركته إذا مات أو يجب عليه متسكِّعاً ، فيكفي بقاؤها إلى مضي جزء من يوم النحر يمكن فيه الطواف وسعيه.

وفيه : أن الشرائط معتبرة في جميع أعمال الحجّ وأفعاله ولا تختص بالأركان ، بل هي معتبرة حتى بعد الانتهاء من الأعمال كتخلية السرب فإنها معتبرة ذهاباً وإياباً ولو علم بعدم تخلية السرب إياباً لا يجب عليه الحجّ من الأوّل ، ولو أغمضنا عن ذلك كان اللّازم بقاء الاستطاعة إلى ما قبل طواف النساء ، يعني يعتبر في الاستقرار بقاء الاستطاعة إلى مضي زمان من يوم النحر يمكن فيه طواف الحجّ وسعيه ولا عبرة بطواف النساء ، لأنه ليس من أعمال الحجّ وإنما هو عمل مستقل في نفسه يجب الإتيان به ولو تركه عمداً لا يفسد حجّه.

فلا وجه لما ذكره المشهور من أن الاستقرار يتحقق بمضي زمان يمكن فيه الإتيان بجميع أفعال الحجّ حتى مثل طواف النساء والمبيت في منى مستجمعاً للشرائط وهو إلى اليوم الثاني عشر من ذي الحجّة لما عرفت من عدم العبرة باعتبار بقاء

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٦٨ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٦.

٢٣٤

بجميع أفعاله مستجمعاً للشرائط وهو إلى اليوم الثاني عشر من ذي الحجة ، وقيل باعتبار مضي زمان يمكن فيه الإتيان بالأركان جامعاً للشرائط فيكفي بقاؤها إلى مضي جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان والسعي ، وربّما يقال باعتبار بقائها إلى عود الرفقة ، وقد يحتمل كفاية بقائها إلى زمان يمكن فيه الإحرام ودخول الحرم ، وقد يقال بكفاية وجودها حين خروج الرفقة فلو أهمل استقرّ عليه

______________________________________________________

الاستطاعة بالنسبة إلى غير أعمال الحجّ كطواف النساء والمبيت في منى ، فإنهما ليسا من أعمال الحجّ وأجزائه ، وإنما هما واجبان مستقلان في أنفسهما ومن تركهما حتى عمداً لا يفسد حجّه.

والصحيح من الأقوال ما ذكره المصنف (قدس سره) من أن العبرة ببقاء الاستطاعة إلى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه بالنسبة إلى الاستطاعة المالية والبدنية والسربية ، ولذا لو كان عالماً بحدوث المرض عند العود وقبل الوصول إلى وطنه ولو بعد انتهاء جميع الأعمال لا يجب عليه الحجّ من الأوّل ، ولا يستقر عليه إذا زالت الاستطاعة قبل إمكان الرجوع إلى مقره ، فإن فقد بعض هذه الشروط يكشف عن عدم الوجوب واقعاً من أوّل الأمر وأن وجوب الخروج مع الرفقة كان حكماً ظاهرياً.

نعم ، بعض الشرائط لا يعتبر بقاؤه إلى العود إلى وطنه ، بل يكفي بقاؤه إلى آخر الأعمال وإن زال عند العود ، كالعقل فإنه معتبر حال العمل ولا يضر بصحة العمل فقده بعده ، فمن جُن بعد العمل تصح أعماله السابقة على الجنون ، فلو علم بالجنون بعد العمل لا يسقط عنه الحجّ ، وهكذا بالنسبة إلى الموت فإنه لو فرض تحقق الموت بعد تمام الأعمال كفى بقاء الشرائط إلى آخر الأعمال ، لعدم الحاجة حينئذ إلى نفقة العود إذ الميت لا يحتاج إلى نفقة العود ، فلو علم بتحقق الموت بعد تمام الأعمال يجب عليه الذهاب وإن لم يكن له نفقة العود.

٢٣٥

وإن فقدت بعد ذلك ، لأنّه كان مأموراً بالخروج معهم ، والأقوى اعتبار بقائها إلى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه بالنسبة إلى الاستطاعة المالية والبدنية والسربية ، وأمّا بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقاؤه إلى آخر الأعمال (*) ، وذلك لأن فقد بعض هذه الشرائط يكشف عن عدم الوجوب عليه واقعاً وأن وجوب الخروج مع الرفقة كان ظاهرياً ، ولذا لو علم من الأوّل أن الشرائط لا تبقى إلى الآخر لم يجب عليه. نعم ، لو فرض تحقق الموت بعد تمام الأعمال كفى بقاء تلك الشرائط إلى آخر الأعمال لعدم الحاجة حينئذ إلى نفقة العود والرجوع إلى كفاية وتخلية السرب ونحوها. ولو علم من الأوّل بأنه يموت بعد ذلك فإن كان قبل تمام الأعمال لم يجب عليه المشي وإن كان بعده وجب عليه ، هذا إذا لم يكن فقد الشرائط مستنداً إلى ترك المشي وإلّا استقر عليه ، كما إذا علم أنه لو مشى إلى الحجّ لم يمت أو لم يقتل أو لم يسرق ماله مثلاً فإنه حينئذ يستقرّ عليه الوجوب

______________________________________________________

وملخّص الكلام : أن الاستقرار يتحقق ببقاء الاستطاعة إلى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه وإلّا فيكشف عن عدم الوجوب واقعاً ، ولذا لو علم بالموت في الأثناء لا يجب الخروج إلى الحجّ ، لأنّ حدوث الموت في الأثناء يكشف عن عدم الوجوب وأمّا إذا علم بالموت بعد تمام الأعمال يجب الخروج ، لأنّ الموت بعد الأعمال غير ضائر بصحة الأعمال السابقة ، فالحكم بوجوب الخروج في فرض الجهل حكم ظاهري ولو لم يخرج يكون متجرياً ، فالذي يحقق الاستقرار هو الوجوب الواقعي لا الظاهري المنكشف خلافه ، ويستثنى من بقاء الشرائط إلى زمان العود الحياة والعقل ويكفي بقاؤهما إلى آخر الأعمال ، ولا دليل على اعتبار بقائهما إلى زمان العود إلى وطنه.

__________________

(*) أي أعمال الحجّ ، وأما طواف النساء فلا يشترط إمكان الإتيان به.

٢٣٦

لأنّه بمنزلة تفويت الشرط على نفسه (١) ، وأمّا لو شكّ في أنّ الفقد مستند إلى ترك المشي أو لا فالظاهر عدم الاستقرار (*) (٢) للشكّ في تحقّق الوجوب وعدمه واقعاً هذا بالنسبة إلى استقرار الحجّ لو تركه.

______________________________________________________

(١) جميع ما تقدّم إنما هو فيما إذا كان فقدان الشرائط بنفسه وبطبعه ، وأمّا إذا كان الفقدان مستنداً إلى نفسه وتفويته وإهماله استقرّ عليه الحجّ ، لأنه بمنزلة تفويت الشرط على نفسه الذي لا يوجب رفع الحكم.

(٢) بل الظاهر الاستقرار ، لإحراز موضوعه باستصحاب بقاء الصحّة أو بأصالة السلامة التي بنى عليها العقلاء ، فلا يكون ترك الحجّ حينئذ مستنداً إلى العذر لإحراز موضوع الاستقرار بالأصل.

نعم ، إذا كان الترك مستنداً إلى عذر من الأعذار فلا يوجب الاستقرار ، والمقام نظير الشك في القدرة في عدم جواز تفويت الواجب بمجرّد الشك في القدرة ، فإذا علم المكلف بوجوب الخروج ولو بالتكليف الظاهري المحرز بالأصل ليس له الترك ومجرّد احتمال عدم التطابق للواقع لا يسوّغ له الترك ما لم يكن مستنداً إلى العذر ، فما لم يحرز العذر لا يجوز له مخالفة التكليف الظاهري ، فلا فرق في الاستقرار بين مخالفة التكليف الظاهري والواقعي ، وتشمله روايات التسويف والإهمال المتقدِّمة ولا تختص بمخالفة الحكم الواقعي ، وإنما تشمل كل مورد لم يكن الترك مستنداً إلى العذر سواء كان مخالفة للحكم الظاهري أو الواقعي ، ولا مجال في المقام للرجوع إلى البراءة ، بل المرجع هو استصحاب بقاء الشرائط أو أصالة السلامة العقلائية ، وإلّا لكان لكل أحد ترك الحجّ باحتمال فقدان الشرط ، فلا عبرة بمجرّد احتمال الفقدان ما لم يصل إلى حدّ العذر.

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.

٢٣٧

وأمّا لو كان واجداً للشرائط حين المسير فسار ثمّ زال بعض الشرائط في الأثناء فأتم الحجّ على ذلك الحال كفى حجّه عن حجّة الإسلام (*) إذا لم يكن المفقود مثل العقل بل كان هو الاستطاعة البدنية أو المالية أو السربية ونحوها على الأقوى (١).

[٣٠٧٩] مسألة ٨٢ : إذا استقر عليه العمرة فقط أو الحجّ فقط كما في من وظيفته حجّ الإفراد والقرآن ثمّ زالت استطاعته فكما مرّ يجب عليه أيضاً بأي وجه تمكّن (**) وإن مات يقضى عنه (٢)

______________________________________________________

(١) الظاهر أنه لا وجه للحكم بالكفاية على الإطلاق بل لا بدّ من التفصيل ، بيان ذلك : أن الشرط إذا كان اعتباره من باب المزاحمة وأهميّة الواجب الآخر على الحجّ كحفظ النفس ونحوه فزواله غير ضائر بالحج من الأوّل فضلاً عن المزاحمة في الأثناء لإمكان تصحيح الحجّ بالأمر الترتبي ، وكذا لو كان الشرط مأخوذاً في الحجّ للحرج مثل الرجوع إلى الكفاية ولم يكن إتمام الحجّ بعد زوال الشرط حرجياً كما هو الحال في زماننا ، فإن الحاج يتفق من أوّل الأمر مع من يتكفل بقاءه في مكّة وعوده إلى وطنه فيحكم بالاجتزاء أيضاً ، لأن رفع الحرج امتناني لا يشمل رفع الحكم بعد العمل ، إذ لا امتنان في الحكم بالفساد بل هو خلاف الامتنان وإنما يرفع الحكم من الأوّل للامتنان ، وأما ارتفاعه والحكم بعدم الاجتزاء بالعمل بعد صدوره فلا امتنان فيه أصلاً ، وأما إذا كان زوال الشرط مستلزماً لحرج جديد وكان فقده كاشفاً عن عدم الوجوب من الأوّل فالظاهر عدم الكفاية ، فالصحيح هو التفصيل.

(٢) ما ذكرناه مما يتحقق به الاستقرار لا يختص بحج التمتع بل يجري في حجّ الإفراد والقران والعمرة ، أما بالنسبة إلى أقسام الحجّ فلا ينبغي الإشكال فيه لشمول الأدلّة

__________________

(*) الظاهر عدم الكفاية فيما إذا كان فقده كاشفاً من عدم الوجوب من الأوّل نعم ، لا يبعد الإجزاء فيما إذا ارتفع مثل الرجوع إلى الكفاية ولم يكن إتمام الحج بعد الارتفاع حرجياً.

(**) فيما إذا لم يكن حرجياً كما تقدم.

٢٣٨

[٣٠٨٠] مسألة ٨٣ : تقضى حجّة الإسلام من أصل التركة إذا لم يوص بها (١) سواء كانت حجّ التمتّع أو القرآن أو الإفراد ، وكذا إذا كان عليه عمرتها

______________________________________________________

لذلك وعدم اختصاصها بحج التمتّع لأنّ حجّة الإسلام لا تختص بالتمتّع ، وجميع الروايات الدالّة على وجوب قضاء حجّة الإسلام تشمل أقسام الحجّ كل حسب وظيفته ، وأمّا العمرة أي عمرة الإفراد والقران فهل تستقرّ عليه إذا تركها بعد الحجّ وزالت الاستطاعة ويجب عليه الإتيان متسكعاً وإن مات يقضى عنه أم لا؟

ربما يقال بعدم الدليل على ذلك سوى الإجماع ، وأما الأدلة فغير ظاهرة الدلالة. وفيه : أن نفس الروايات الدالة على استقرار حجّة الإسلام تشمل العمرة المفردة لحج الإفراد والقران من دون قصور في دلالتها ، وذلك لأن المذكور في النصوص حجّة الإسلام وهي لا تختص بالتمتع بل تشمل الإفراد والقران ، فإن المكلفين مختلفون في أداء حجّة الإسلام ووظيفة بعضهم القرآن والإفراد وهما من حجّة الإسلام والعمرة واجبة عليه أيضاً ، هذا مضافاً إلى صحيح زرارة في حديث : «قلت : فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكّة ، قال : يحج عنه إن كان حجّة الإسلام ويعتمر ، إنما هو شي‌ء عليه» (١) فقد صرح فيه بقضاء العمرة. نعم ، يجب الإتيان بها فيما إذا لم يكن حرجياً كما تقدّم في استقرار الحجّ.

(١) ويدلّ عليه جملة من النصوص المعتبرة.

منها : موثقة سماعة بن مهران قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يموت ولم يحج حجّة الإسلام ولم يوص بها وهو موسر ، فقال : يحج عنه من صلب ماله» (٢).

ومنها : صحيحة ابن مسلم : «عن رجل مات ولم يحج حجّة الإسلام ولم يوص بها

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٦٩ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٦ ح ٣.

(٢) الوسائل ١١ : ٧٢ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٨ ح ٤.

٢٣٩

وإن أوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو الثلث فكذلك أيضاً (١) ، وأما إن أوصى بإخراجها من الثلث وجب إخراجها منه

______________________________________________________

أيقضى عنه؟ قال : نعم» (١) ونحوها صحيحة أُخرى عنه (٢).

ومنها : معتبرة رفاعة : «عن رجل يموت ولم يحجّ حجّة الإسلام ولم يوص بها أيقضى عنه؟ قال : نعم» (٣).

وفي صحيحة الحلبي قال : «يقضى عن الرجل حجّة الإسلام من جميع ماله» (٤). ومجموع الروايات تدل على لزوم القضاء وخروجها من أصل التركة.

وربما يقال : بأنها معارضة بصحيح معاوية بن عمار لقوله (عليه السلام) في ذيله : «ومن مات ولم يحج حجّة الإسلام ولم يترك إلّا قدر نفقة الحمولة وله ورثة فهم أحق بما ترك ، فإن شاؤوا أكلوا وإن شاؤوا حجّوا عنه» (٥) ، فإنه صريح في عدم وجوب الحجّ عنه ورجوع المال إلى الورثة ، فلا بدّ من طرحه أو تأويله.

وفيه : أن صدره صريح في إخراجه من الأصل إذا كان قد أوصى به لقوله : «في رجل توفي وأوصى أن يُحج عنه ، قال : إن كان صرورة فمن جميع المال إنه بمنزلة الدّين الواجب» ، فيكون المراد من الذيل بقرينة الصدر أن ما تركه من المال لا يفي لمصارف الحجّ وإنما يفي بمقدار الحمولة وأُجرة الحمل والركوب ، فحينئذ لا يجب القضاء عنه لعدم وفاء المال ، فيرجع المال إلى الورثة فإن شاؤوا حجّوا عنه من مالهم.

(١) إن أوصى بالحج ولم يقيده بإخراجه من الثلث فحاله حال الدّين الذي يخرج

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٧٢ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٨ ح ٥.

(٢) الوسائل ١١ : ٧٢ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٨ ح ٢.

(٣) الوسائل ١١ : ٧٣ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٨ ح ٦.

(٤) الوسائل ١١ : ٧٢ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٨ ح ٣.

(٥) الوسائل ١١ : ٦٧ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٥ ح ٤.

٢٤٠