موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

موسوعة الإمام الخوئي

المؤلف:

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قدّس سرّه
المطبعة: نينوى
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6084-13-3
الصفحات: ٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لتعلقها بعمل الحي الذي يطيق الحجّ ولا يجوز الاستئجار عليه ، فتجب على المستأجر المباشرة والإتيان بالحج بنفسه ويجب على الأجير إتمام الحجّ عن نفسه.

الأمر الخامس : هل يختص وجوب الاستنابة بالعذر الطارئ أو يعم العذر الخلقي الأصلي؟ فيه خلاف ، ربما يقال باختصاصه بالعذر الطارئ وسقوط الفرض عن المعذور خلقة بالمرة ، ولا نعرف وجهاً لهذا التفصيل أصلاً لإطلاق صحيح الحلبي المتقدم ، فإن عنوان الحيلولة صادق على المعذور خلقة وأصالة وكذلك قوله : «أمر يعذره الله فيه» ، وكذا لا فرق بين ما لو عرض العذر قبل الاستطاعة ثمّ استطاع وما إذا حصل بعد الاستطاعة لإطلاق صحيح الحلبي.

الأمر السادس : إذا لم يتمكن المعذور من الاستنابة لعدم وجود النائب أو وجوده مع عدم رضاه إلّا بأخذ مال كثير يبلغ الحرج والإجحاف أو يبلغ حد الضرر الزائد على المتعارف لا تجب الاستنابة ، لعدم القدرة أو لنفي الحرج أو لنفي الضرر ، بناء على ما ذكرنا من جريانه حتى في الأحكام الضررية إذا كان الضرر اللازم أزيد من المتعارف الذي يقتضيه طبع الحجّ.

ولو مات والحال هذه فوجد النائب أو رضي بأخذ الأُجرة المتعارفة فهل يجب القضاء عنه أم لا؟ لا ريب في وجوب القضاء عنه إذا كان الحجّ مستقرّاً عليه ، إذ لا دليل على سقوطه بعد الاستقرار وإهماله وتسويفه في الإتيان ، ومجرّد عدم التمكّن من إتيانه في زمان حياته لا يوجب سقوط القضاء عنه.

إنما الكلام فيما إذا لم يستقر عليه الحجّ فمات في عام الاستطاعة وعدم التمكن من الاستنابة ، والظاهر عدم وجوب القضاء عنه ، لعدم تنجز التكليف عليه مباشرة للعذر من المرض والحصر ، وعدم وجوب الاستنابة عليه في زمان حياته ، لعدم وجود النائب أو لأمر آخر من الضرر أو الحرج ، فالحج لا يجب عليه لا مباشرة ولا نيابة فلا موضوع لوجوب القضاء عنه.

ثمّ إنك قد عرفت أن موضوع وجوب الاستنابة هو الحيلولة بينه وبين الحجّ

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

بالعذر ، ولا عبرة باليأس أو رجاء الزوال إلّا من باب الطريقية ، ويترتّب على هذا أنه لو استناب مع رجاء الزوال وحصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر هو الاجتزاء لأنّ الموضوع وهو الحيلولة الواقعية متحقق ، غاية الأمر أنه لا يعلم به ولا يدري بتحقّقه واقعاً.

فما ذكره السيّد في المدارك من عدم الإجزاء لعدم وجود اليأس حين الاستنابة والمفروض عدم الوجوب مع عدم اليأس (١) ضعيف ، لأن اليأس وإن لم يكن موجوداً حين الاستنابة ولكن لا عبرة به ، لأنه لم يكن قيداً في الوجوب ولم يكن مأخوذاً في الموضوع ، وإنما هو طريق إلى وجود العذر وتحقق الحيلولة ، والمفروض أنها حاصلة واقعاً ، فموضوع وجوب الاستنابة متحقق.

الأمر السابع : لو تبرع عنه متبرع فهل يجزي أم لا؟ ذهب في المتن إلى الأوّل ، والظاهر هو الثاني ، وذلك لأن المستفاد من النصوص لزوم الإحجاج والإرسال إلى الحجّ والتجهيز إليه ، ونشك في سقوط ذلك بفعل الغير تبرعاً ومقتضى الأصل عدمه بل مقتضى الإطلاق المستفاد من الروايات وجوب الاستنابة وأن يكون حجّ الغير مستنداً إليه بالتسبيب ، فإن الواجب عليه إتيان الحجّ مباشرة أو تسبيباً وشي‌ء منهما لا يصدق على الحجّ التبرعي ، فإن الظاهر من قوله (عليه السلام) : «ليجهز رجلاً» كما في روايات الشيخ الكبير ، أن يكون الحجّ الصادر من الغير بأمره وتسبيبه ولا دليل على سقوطه بفعل الغير تبرّعاً. وقد ذكرنا نظير ذلك في باب الخمس من عدم سقوطه بتبرّع الغير.

الأمر الثامن : هل تكفي الاستنابة من الميقات أو تلزم من البلد؟ وجهان أظهرهما الكفاية ، لأن المذكور في صحيح معاوية بن عمار والحلبي وابن سنان : «أن يجهز رجلاً ليحج عنه وأن يُحج عنه من ماله» ولم يؤخذ الابتداء من مكان خاص أو من بلده فلو أعد مالاً وجهز رجلاً ليحج عنه من أي مكان كان ، صدق أنه جهز رجلاً للحج

__________________

(١) المدارك ٧ : ٥٧.

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

عنه. وبالجملة : المستفاد من النصوص الإحجاج وإرسال شخص للحج عنه ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بالنسبة إلى الأماكن.

نعم ، في صحيح ابن مسلم ورد قوله : «ليبعثه مكانه». وربما يقال : ظاهر البعث هو الإرسال من مكانه ، ولكن قد عرفت أن هذه الصحيحة أجنبية عن المقام لاختصاصها بالحج الإرادي التطوعي ، مع أن البعث لا يختص ببلد خاص ويصدق البعث بالإرسال من أي بلد شاء ، فلو كان من أهالي النجف الأشرف مثلاً وأرسل شخصاً من البصرة أو المدينة المنورة للحج عنه يصدق أنه بعث رجلاً للحج عنه مكانه.

الأمر التاسع : هل يختص وجوب الاستنابة بحج الإسلام أو يعم الحجّ النذري والإفسادي؟

أمّا الحجّ الافسادي فإن قلنا بأن الحجّ الأوّل الفاسد ليس بحج الإسلام وإن وجب إتمامه تعبّداً ، وحجّ الإسلام إنما هو ما يحجه في القابل فحينئذ لا ريب في وجوب الاستنابة ، لأنه هو حجّ الإسلام بعينه وقد استقر عليه في ذمته فيجري فيه الحكم بوجوب الاستنابة ، وإن كان حجّ الإسلام هو الأوّل والحجّ الثاني من باب العقوبة والكفّارة فحينئذ لا بأس بهذا البحث ، وقد استشكل المصنف (قدس سره) في المقام ولكن في المسألة الحادية عشر من الفصل الآتي جزم بالتعميم.

وكيف كان ، فالظاهر عدم وجوب الاستنابة فإن الروايات لا يستفاد منها ذلك أمّا روايات الشيخ الكبير فموردها حجّ الإسلام كما هو واضح جدّاً ، فإن موردها الشيخ الذي لم يحج قط فلا يتصور في حقه الحجّ الافسادي والعقوبتي ، وأما صحيح الحلبي فظاهره أيضاً حجّ الإسلام لقوله : «وإن كان موسراً» فإن اليسار يناسب حجّ الإسلام الأصلي المعتبر فيه اليسار ، فتعميم الحكم للحج العقوبتي يحتاج إلى دليل وهو مفقود. نعم ، صحيح ابن مسلم مطلق من حيث أقسام الحجّ من الأصلي والعقوبتي لقوله : «لو أن رجلاً أراد الحجّ» ولكن قد عرفت أنه أجنبي عن المقام ، لأن مورده

٢٠٣

[٣٠٧٠] مسألة ٧٣ : إذا مات من استقرّ عليه الحجّ في الطريق ، فإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام فلا يجب القضاء عنه ، وإن مات قبل ذلك وجب القضاء عنه وإن كان موته بعد الإحرام على المشهور الأقوى (١)

______________________________________________________

الحجّ التطوّعي الإرادي ولا يشمل الحجّ الواجب بأصل الشريعة.

وأمّا الحجّ النذري فإن كان مقيداً بسنة معيّنة أو كان غير معيّن وعجز عن المباشرة فمقتضى القاعدة بطلان النذر ، لعدم القدرة على الامتثال فلا مورد للاستنابة وأمّا نذر الصوم إذا صادف يوم العيد أو السفر فإنما وجب قضاؤه للنص (١) وإلّا فمقتضى القاعدة هو البطلان ، ولم يرد أي نص في المقام.

وإذا استقر عليه الحجّ النذري وتنجز ولكنه تركه اختياراً أو عصياناً ثمّ عجز عن المباشرة فالظاهر عدم وجوب الاستنابة ، لأن الروايات الدالة على وجوب الاستنابة موردها الحجّ الأصلي وهي أجنبية عن الحجّ النذري فحاله حال الحجّ العقوبتي ، وهو معذور عند الله ولا يتمكّن من الإتيان بنفسه ولا دليل على وجوب الاستنابة فيه.

(١) يقع الكلام تارة في مَن استقرّ عليه الحجّ وأُخرى في من لم يستقرّ عليه الحجّ.

أمّا الأوّل ، فإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم فلا ريب في الإجزاء عن حجّة الإسلام ولا يجب القضاء عنه بلا خلاف بيننا ويدلُّ عليه النصوص ، منها : صحيح ضريس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «في رجل خرج حاجّاً حجّة الإسلام فمات في الطريق ، فقال : إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجّة الإسلام وإن مات دون الحرم فليقض عنه وليّه حجّة الإسلام» (٢) وظاهر الأخبار وإن كان عدم الفرق بين الاستقرار وعدمه ولكن كلامنا فعلاً في من استقر عليه الحجّ وسيأتي حكم من لم يستقر عليه قريباً إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) الوسائل ٢٣ : ٣١٣ / كتاب النذر ب ١٣ ح ١.

(٢) الوسائل ١١ : ٦٨ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٦ ح ١.

٢٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، ظاهر صحيح زرارة عدم الإجزاء قبل أن ينتهي إلى مكّة والإجزاء إذا انتهى إليها ، قال «قلت : فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكّة؟ قال : يحجّ عنه إن كان حجّة الإسلام» (١) إلّا أنه لا بدّ من رفع اليد عن ظهوره لصراحة تلك الروايات في الإجزاء بدخول الحرم ، فإنها أقوى دلالة من صحيح زرارة ، لأنّ دلالتها بالمنطوق ودلالته بالمفهوم ، ويحتمل إرادة الحرم من كلمة مكّة المذكورة في صحيحة زرارة وشمولها للحرم باعتبار توابعها ونواحيها ، مع العلم بأن الفصل بين الحرم ومكّة قليل جدّاً ، فلا يبعد دعوى شمول مكة لذلك كما هو الحال في إطلاق سائر أسامي البلاد والأمكنة.

وأمّا إذا مات قبل دخول الحرم وبعد الإحرام فالمشهور عدم الإجزاء ويجب القضاء عنه لاشتغال ذمّته بالحج ، ولا دليل على الإجزاء بمجرّد الإحرام ، والدليل إنما دلّ على الإجزاء بعد الإحرام ودخول الحرم ، خلافاً لما عن الشيخ (٢) وابن إدريس (٣) فقالا بالإجزاء ، وليس لهما دليل إلّا إشعار بعض الأخبار كصحيح بريد العجلي : «قال : وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجّة الإسلام» (٤) ، فإن قوله : «قبل أن يحرم» يراد به قبل الإحرام ومفهوم ذلك الإجزاء إذا مات بعد الإحرام ، فالميزان بالإحرام وعدمه لا بدخول الحرم وغيره.

وما احتمله المصنف (قدس سره) من أن قوله : «قبل أن يحرم» يراد به قبل أن يدخل الحرم كما يقال : أنجد إذا دخل نجد ، وأيمن إذا دخل اليمن ، بعيد جدّاً.

ولكن يرد على الاستدلال بصحيح بريد وجوه :

الأوّل : أن إطلاق مفهوم ذيله المستشهد به على الإجزاء يعارض إطلاق مفهوم

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٦٩ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٦ ح ٣.

(٢) لاحظ النهاية : ٢٨٤ ، المبسوط ١ : ٣٠٦ ، الخلاف ٢ : ٣٩٠.

(٣) السرائر ١ : ٦٤٩.

(٤) الوسائل ١١ : ٦٨ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٦ ح ٢.

٢٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

صدره الدال على عدم الإجزاء لقوله (عليه السلام) في الصدر : «إن كان صرورة ثمّ مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجّة الإسلام» فيعلم أن الملاك في الإجزاء وعدمه دخول الحرم وعدمه ، ومقتضى القاعدة هو التساقط والرجوع إلى أدلة أُخرى دالة على وجوب القضاء على المستقر ، ولا معارض لتلك الأدلة إلّا هذه الصحيحة الساقطة بالمعارضة بين صدرها وذيلها.

الثاني : أن صحيح زرارة بصراحة منطوقه يدل على عدم الإجزاء إن مات قبل مكّة المراد به قبل الحرم كما عرفت وإن كان محرماً ، فيعلم أن الميزان هو دخول الحرم فنرفع اليد عن مفهوم صحيح بريد.

الثالث : أن صحيح بريد لا يدل بمفهومه على الإجزاء ، وإنما يدل على أنه لو مات قبل الإحرام جُعل جمله وزاده ونفقته في حجّة الإسلام ، وأمّا إذا مات بعد الإحرام فهذا الحكم وهو جعل جمله وزاده ونفقته في حجّة الإسلام مرتفع.

وبعبارة اخرى : يدل الصحيح على أنه لو مات في الطريق قبل الإحرام تصرف أمواله التي معه في حجّة الإسلام ، وأما لو مات بعد الإحرام فلا دلالة له على الإجزاء وإن لم يكن له مال ولا جمل ولا نفقة ، وإنما غايته أن الحكم بصرف الأموال في حجّة الإسلام مرفوع ، وأمّا الإجزاء بعد الإحرام أو عدمه فهو ساكت عنه فلم ينعقد له إطلاق من هذه الناحية ، فلا بدّ من الرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة والأدلّة الأوّلية وهو إخراج حجّه من صلب ماله ومن أمواله الأُخر غير ما أخذ معه في الطريق.

ثمّ إنّ الظاهر من الروايات اختصاص الحكم بالإجزاء بمن كان محرماً ودخل الحرم ، وأمّا من ترك الإحرام نسياناً أو عصياناً ودخل الحرم فلا تشمله النصوص وإنما تدل على الإجزاء إذا اجتمع الأمران وهما دخول الحرم والإحرام.

ويدلُّ على ذلك مضافاً إلى الانصراف وأن المنساق من اعتبار الدخول في الحرم كونه بعد الإحرام ، جملة من الروايات كقوله في صحيح ضريس المتقدم : «خرج حاجّاً حجّة الإسلام» ، فإن المراد بقوله : «حاجّاً» هو الدخول محرماً ، وإلّا لم يكن

٢٠٦

خلافاً لما عن الشيخ وابن إدريس فقالا بالإجزاء حينئذ أيضاً ، ولا دليل لهما على ذلك إلّا إشعار بعض الأخبار كصحيحة بريد العجلي حيث قال فيها بعد الحكم بالإجزاء إذا مات في الحرم «وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته في حجّة الإسلام» فإن مفهومه الإجزاء إذا كان بعد أن يحرم لكنّه معارض بمفهوم صدرها وبصحيح ضريس وصحيح زرارة ومرسل المقنعة مع أنه يمكن أن يكون المراد من قوله : «قبل أن يحرم» قبل أن يدخل في الحرم كما يقال : «أنجد» أي دخل في نجد و«أيمن» أي دخل اليمن ، فلا ينبغي الإشكال في عدم كفاية الدخول في الإحرام ، كما لا يكفي الدخول في الحرم بدون الإحرام ، كما إذا نسيه في الميقات ودخل الحرم ثمّ مات ، لأنّ المنساق من اعتبار الدخول في الحرم كونه بعد الإحرام ، ولا يعتبر دخول مكّة ، وإن كان الظاهر من بعض الأخبار ذلك لإطلاق البقية في كفاية دخول الحرم ، والظاهر عدم الفرق بين كون الموت حال الإحرام أو بعد الإحلال ، كما إذا مات بين الإحرامين.

وقد يقال بعدم الفرق أيضاً بين كون الموت في الحل أو الحرم بعد كونه بعد الإحرام ودخول الحرم ، وهو مشكل لظهور الأخبار في الموت في الحرم (١).

______________________________________________________

بحاج وأوضح منه مفهوم صحيح زرارة المتقدم قال «قلت : فان مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكّة» فيعلم أن العبرة في الإجزاء بالإحرام ودخول الحرم.

(١) ما ذكره وإن كان أحوط ولكن لا يبعد الإجزاء إذا مات في الخارج ، إذ لا خصوصية للموت في الحرم ، والموت في الحرم إنما جعل مقابلاً للموت خارج الحرم في النص باعتبار أنه إن مات بعد الدخول في الحرم يجزئ وإن مات قبل الدخول في الحرم لا يجزئ ، فموضوع القضاء وعدم الإجزاء هو الموت قبل الدخول في الحرم ولا يشمل الموت خارج الحرم بعد الدخول فيه والخروج منه.

وأوضح من ذلك دلالة صحيح زرارة ، حيث لم يؤخذ في الإجزاء الموت في مكّة

٢٠٧

والظاهر عدم الفرق بين حجّ التمتع والقران والإفراد (١) ، كما أن الظاهر أنه لو مات في أثناء عمرة التمتع أجزأه عن حجّه أيضاً ، بل لا يبعد الإجزاء إذا مات في أثناء حجّ القرآن أو الإفراد عن عمرتهما وبالعكس ، لكنّه مشكل (١) لأنّ الحجّ والعمرة فيهما عملان مستقلان بخلاف حجّ التمتع فإن العمرة فيه داخلة في الحجّ فهما عمل واحد. ثمّ الظاهر اختصاص حكم الإجزاء بحجة الإسلام فلا يجري

______________________________________________________

لأنّ المذكور فيه الموت قبل الانتهاء إلى مكّة ، ويدلُّ بمفهومه على الإجزاء لو مات بعد الانتهاء إلى مكّة ، ومقتضى إطلاقه عدم الفرق بين ما لو مات في الحرم أو مات في خارجه بعد الدخول فيه.

فتلخص من جميع ما تقدّم : أنه لو مات من استقر عليه الحجّ قبل الإحرام يجب الحجّ عنه وكذا لو مات بعد الإحرام وقبل الدخول في الحرم ، كما لا ريب في الإجزاء إن مات بعدهما.

(١) لأن العبرة في الإجزاء بكون الحجة حجّة الإسلام من دون فرق بين أقسام الحجّ ، كما أنه لا مانع من الحكم بالإجزاء عن حجّة الإسلام إذا مات في أثناء عمرة التمتع ، لأنّ حجّة الإسلام عمل واحد مركب من العمرة والحجّ.

وأمّا العمرة المفردة لو مات في أثنائها فالظاهر عدم الإجزاء لأنه على خلاف القاعدة ، والمفروض أنه لم يأت بالمأمور به وإنما أحرم ودخل الحرم ولم يأت ببقية الأعمال ، وإجزاء ذلك عن بقية الأعمال يحتاج إلى دليل والنص خاص بالحج ولا يشمل العمرة المفردة.

وأمّا من كانت وظيفته حجّ القرآن والإفراد ومات في أثناء الحجّ فيجزئ عن حجّه لإطلاق النصوص ، وأما الإجزاء عن عمرتهما فمشكل ، لأنّ الحجّ والعمرة فيهما عملان مستقلّان وإجزاء أحدهما عن الآخر يحتاج إلى الدليل ، والدليل إنما قام

__________________

(١) لا ينبغي الإشكال في عدم الإجزاء.

٢٠٨

الحكم في حجّ النذر والإفساد إذا مات في الأثناء (١) ، بل لا يجري في العمرة المفردة أيضاً وإن احتمله بعضهم ، وهل يجري الحكم المذكور في من مات مع عدم استقرار الحجّ عليه ، فيجزئه عن حجّة الإسلام إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم ويجب القضاء عنه (*) إذا مات قبل ذلك؟ وجهان ، بل قولان (٢)

______________________________________________________

بالنسبة إلى العمل الواحد وهو حجّ التمتع فإن العمرة فيه داخلة في الحجّ وهما عمل واحد.

(١) لما عرفت من أن الإجزاء على خلاف القاعدة ويحتاج إلى دليل خاص ولا دليل على ذلك في المقام ، والدليل إنما هو في مورد حجّ الإسلام ، والحجّ النذري والإفسادي ليسا بحج الإسلام بناء على أن حجّ الإسلام في مورد الحجّ الافسادي هو الأوّل والثاني من باب العقوبة ، فيجب القضاء عنه ، فإن قلنا بأنه يخرج من صلب المال كالحج الأصلي فهو وإلّا فإن أوصى يخرج من الثلث.

(٢) الظاهر عدم الفرق في الحكم المذكور بين من استقر عليه الحجّ وبين من لم يستقرّ عليه ، لإطلاق النصوص وعدم اختصاصها بمن استقر الحجّ عليه ، فمن لم يستقر الحجّ عليه إذا مات في عام الاستطاعة بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام ولا يجب القضاء عنه ، وأمّا إذا مات قبل ذلك فيقضى عنه لإطلاق قوله (عليه السلام) في صحيح ضريس : «في رجل خرج حاجّاً حجّة الإسلام فمات في الطريق ..... وإن مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجّة الإسلام» ، ولا مانع من الالتزام بوجوب القضاء عنه إلّا ما قيل من أن الموت في عام الاستطاعة يكشف عن عدم الاستطاعة ، كما إذا عرض عارض آخر غير الموت في عام الاستطاعة أو مات في بلده فإن ذلك يكشف عن عدم الاستطاعة فلا موضوع لوجوب القضاء عنه ، وقوله (عليه السلام) : «فليقض عنه وليه» يحمل على الجامع بين الوجوب والاستحباب

__________________

(*) لا يبعد ذلك إذا كان الموت بعد الإحرام وقبل دخول الحرم.

٢٠٩

من إطلاق الأخبار في التفصيل المذكور ، ومن أنه لا وجه لوجوب القضاء عمن لم يستقر عليه بعد كشف موته عن عدم الاستطاعة الزمانية ، ولذا لا يجب إذا مات في البلد قبل الذهاب أو إذا فقد بعض الشرائط الأُخر مع كونه موسراً ، ومن هنا ربما يجعل الأمر بالقضاء فيها قرينة على اختصاصها بمن استقر عليه ، وربما يحتمل اختصاصها بمن لم يستقر عليه وحمل الأمر بالقضاء على الندب ، وكلاهما مناف لإطلاقها ، مع أنه على الثاني يلزم بقاء الحكم فيمن استقر عليه بلا دليل مع أنه مسلم بينهم ، والأظهر الحكم بالإطلاق إما بالتزام وجوب القضاء في خصوص هذا المورد من الموت في الطريق كما عليه جماعة وإن لم يجب إذا مات مع فقد سائر الشرائط أو الموت وهو في البلد ، وإما بحمل الأمر بالقضاء على القدر المشترك واستفادة الوجوب فيمن استقر عليه من الخارج وهذا هو الأظهر ، فالأقوى جريان الحكم المذكور فيمن لم يستقر عليه أيضاً فيحكم بالإجزاء إذا مات بعد الأمرين واستحباب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك.

______________________________________________________

وإنما التزمنا بوجوب القضاء عمن استقر الحجّ عليه لدليل خارجي آخر كالإجماع ونحوه.

وفيه : أن انكشاف عدم الاستطاعة بالموت في أثناء الطريق عام الاستطاعة وإن كان أمراً صحيحاً في نفسه ، ولكن مع ذلك لا ينافي وجوب القضاء في خصوص من أحرم ومات ، واختصاص الحكم بوجوب القضاء بمن استقرّ الحجّ عليه بلا موجب بعد إطلاق النصوص ، خصوصاً إن أكثر من يخرج إلى الحجّ لا سيما في الأزمنة السابقة ممن استطاع في نفس السنة التي حجّ فيها ، فقوله (عليه السلام) : «إن مات دون الحرم فليقض عنه وليه» يشمل من لم يستقرّ الحجّ عليه ولا سيما بملاحظة كثرة ذلك في الزمان السابق.

وبالجملة : مقتضى إطلاق النص وجوب القضاء عمن لم يستقر الحجّ عليه إذا مات

٢١٠

[٣٠٧١] مسألة ٧٤ : الكافر يجب عليه الحجّ إذا استطاع لأنه مكلف بالفروع (*) لشمول الخطابات له أيضاً ، ولكن لا يصح منه ما دام كافراً كسائر العبادات وإن كان معتقداً لوجوبه وآتياً به على وجهه مع قصد القربة ، لأنّ الإسلام شرط في الصحّة (١)

______________________________________________________

بعد الإحرام وقبل الدخول في الحرم ، ولا إجماع على عدم الوجوب ، ولا مانع من الالتزام بذلك فإنه حكم تعبدي يؤخذ به حسب ما يقتضيه إطلاق الدليل ولا موجب للتقييد بمن استقر الحجّ عليه ، بل لا يبعد القول بوجوب القضاء لو مات قبل الإحرام ويخرج مصارفه من جمله وزاده ونفقته كما في صحيح بريد العجلي المتقدم ولا يخرج من صلب ماله ، قال (عليه السلام) : «وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجّة الإسلام» (١). والحاصل : مقتضى التعبد بظاهر النص أن من مات قبل الإحرام يصرف ما معه من الجمل والزاد والنفقة في الحجّ عنه وإن كان ممن لم يستقر الحجّ عليه ، وإن لم يكن معه مال من الجمل والزاد والنفقة فلا يخرج من صلب المال.

فتحصل من مجموع ما ذكرنا : أن من لم يستقر الحجّ عليه إن خرج حاجّاً ومات بعد الإحرام والحرم فلا ريب في الإجزاء ولا يجب القضاء عنه ، وإن مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم يجب القضاء عنه ، وإن خرج حاجّاً ومات قبل الإحرام يصرف جمله وزاده ونفقته التي أخذها معه في حجّ الإسلام كما في صحيح بريد ولا يخرج من صلب ماله. نعم ، إذا مات في بلده لا يجب القضاء عنه ويكشف الموت عن عدم الاستطاعة.

(١) إن قلنا بأن الكافر غير مكلف بالفروع كما استظهرناه من بعض الروايات

__________________

(*) فيه إشكال.

(١) الوسائل ١١ : ٦٨ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٦ ح ٢.

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

المعتبرة (١) واخترناه فلا إشكال في المقام ، فإن أسلم وكانت استطاعته باقية أو استطاع من جديد يجب عليه الحجّ ، ولو قلنا بأنه مكلف بالفروع كما هو المشهور وأسلم واستطاع أو كانت استطاعته باقية أيضاً لا إشكال في وجوب الحجّ عليه لفعلية موضوعه ، وإن زالت استطاعته وأسلم لا يجب عليه الحجّ متسكِّعاً لأن الإسلام يجبّ ما قبله كما هو الحال في سائر عباداته من الصلاة والصيام ، إذ لا يجب على الكافر قضاء ما فاته من عباداته إذا أسلم ، وهذا أمر متسالم عليه وقد قامت السيرة القطعية على ذلك من زمن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) وزمن الأئمة (عليهم السلام). وروايات الجب (٢) وإن كانت ضعيفة السند ولم ترو من طرقنا ، ولكن لا حاجة إليها ، فإنّ الحكم بعدم وجوب القضاء على الكافر إذا أسلم متسالم عليه ولا ينبغي الريب فيه أصلاً.

وقد يشكل في الحكم بعدم الوجوب في خصوص الحجّ ، لأنّ الحجّ غير مؤقت بوقت ليتصور فيه القضاء ، والحكم بعدم وجوب القضاء إنما يصح في العبادات المؤقتة والحجّ غير مؤقت بوقت خاص فيجب عليه الحجّ حيث تمكن ، نظير ما لو أسلم الكافر في أثناء الوقت فإنه يجب عليه الصلاة حسب ما يتمكن ولا يجري فيه حديث الجب.

وفيه : أن الحجّ وإن لم يكن مقيداً بسنة خاصة ولم يكن مؤقتاً على نحو الواجبات المؤقتة ولا يجري فيه القضاء على نحو الواجبات الموقتة إلّا أن موضوعه الاستطاعة وإذا زالت الاستطاعة زال الوجوب لعدم فعلية الحكم بعدم فعلية موضوعه ، وإنما التزمنا بوجوب الحجّ متسكِّعاً وبعد زوال الاستطاعة على من استقر عليه الحجّ وأهمل حتى زالت الاستطاعة للنصوص الخاصة وهي أخبار التسويف (٣) ، وإلّا لو

__________________

(١) الكافي ١ : ١٨٠ / ٣.

(٢) مسند احمد ٤ : ١٩٩.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٥ / أبواب وجوب الحجّ ب ٦.

٢١٢

ولو مات لا يقضى عنه لعدم كونه أهلاً للإكرام والإبراء (١) ، ولو أسلم مع بقاء استطاعته وجب عليه ، وكذا لو استطاع بعد إسلامه ، ولو زالت استطاعته ثمّ أسلم لم يجب عليه على الأقوى ، لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله كقضاء الصلاة والصيام ، حيث إنه واجب عليه حال كفره كالأداء وإذا أسلم سقط عنه. ودعوى أنه لا يعقل الوجوب عليه إذ لا يصحّ منه إذا أتى به وهو كافر ويسقط عنه إذا أسلم ، مدفوعة بأنّه يمكن أن يكون الأمر به حال كفره أمراً تهكمياً ليعاقب لا حقيقياً ، لكنّه مشكل (٢)

______________________________________________________

كنّا نحن ومقتضى القاعدة الأوّلية لقلنا بعدم وجوب الحجّ متسكِّعاً على من أهمل وزال استطاعته لزوال الحكم بزوال موضوعه ، فالوجوب الثابت بعد زوال الاستطاعة لم يكن بالوجوب الأوّل وإنما هو وجوب آخر ثبت بدليل آخر ، وحاله حال الصلاة والصيام في كون الوجوب الثاني بدليل آخر وبأمر جديد ، وهذه النصوص لا تشمل المقام لعدم شمول التسويف والإهمال له.

(١) لو مات كافراً لا يقضى عنه ولا يخرج من تركته لعدم وجوب الحجّ عليه مباشرة ، لعدم صحته منه لأن الإسلام شرط في الصحّة ، ولا نيابة لعدم الدليل على ذلك ، وسيأتي في بحث النيابة اشتراط كون المنوب عنه مسلماً ولا تصح النيابة عن الكافر إلّا في الناصب إذا كان أباً للنائب كما في النص (١).

(٢) وقع الكلام في استحقاق الكافر العقاب بتركه قضاء ما فاته من الواجبات ولا أثر عملي لهذا البحث لأنه بحث كلامي لا فقهي ، ومع ذلك وقع الخلاف فيه بين الفقهاء ، ذهب المشهور إلى أنه يعاقب ، ولكن السيّد في المدارك أشكل في ذلك وذكر أنه لا يعقل الوجوب عليه ، لأنه ما دام كافراً لا يتمكن من أدائه لأن الإسلام شرط في الصحّة ، وإذا أسلم يسقط عنه التكليف بالقضاء ، فهذا التكليف غير قابل للامتثال

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٩٢ / أبواب النيابة في الحجّ ب ٢٠ ح ١.

٢١٣

بعد عدم إمكان إتيانه به لا كافراً ولا مسلماً ، والأظهر أن يقال : إنه حال استطاعته مأمور بالإتيان به مستطيعاً وإن تركه فمتسكِّعاً ، وهو ممكن في حقه لإمكان إسلامه وإتيانه مع الاستطاعة ولا معها إن ترك فحال الاستطاعة مأمور به في ذلك الحال ومأمور على فرض تركه حالها بفعله بعدها ، وكذا يدفع الإشكال في قضاء الفوائت فيقال : إنه في الوقت مكلف بالأداء ومع تركه بالقضاء وهو مقدور له بأن يسلم فيأتي بها أداء ومع تركها قضاء ، فتوجّه الأمر بالقضاء إليه إنما هو في حال الأداء على نحو الأمر المعلق ، فحاصل الإشكال : أنه إذا لم يصح الإتيان به حال الكفر ولا يجب عليه إذا أسلم فكيف يكون مكلفاً بالقضاء ويعاقب على تركه؟ وحاصل الجواب : أنه يكون مكلفاً بالقضاء في وقت الأداء

______________________________________________________

ولا يمكن أن يكون داعياً وما لم يكن كذلك لا يصح العقاب على مخالفته. وبعبارة أُخرى : في حال الكفر لا يعقل الوجوب عليه لعدم التمكن من جهة فقدان الشرط وهو الإسلام وإذا حصل الشرط زال الوجوب (١).

وقد تصدّى جماعة لجوابه ، ولا يرجع جميعه إلى محصل ، وقد تعرضنا لذلك مفصّلاً في بحث قضاء الصلاة (٢).

وأجاب المصنف في المقام عن الاشكال بجوابين :

أحدهما : أن الأمر به حال كفره تهكمي استهزائي صوري ليعاقب لا حقيقي ، وهذا منه عجيب فإن الأمر إذا كان صورياً لا حقيقياً كيف توجب مخالفته العقاب.

ثانيهما : أنه يمكن توجه التكليف إليه على نحو الواجب المعلق فيصح عقابه ، بيان ذلك : أنه مكلف بالأداء في الوقت وبالقضاء في خارج الوقت وكلاهما متوقّف على الإسلام وهو مقدور له فيتمكن من إتيانه أداء وقضاء ، بمعنى أنه لو كان مسلماً يجب

__________________

(١) المدارك ٧ : ٦٩.

(٢) بعد المسألة [١٧٧٧].

٢١٤

على نحو الوجوب المعلّق (*) ، ومع تركه الإسلام في الوقت فوّت على نفسه الأداء والقضاء فيستحق العقاب عليه ، وبعبارة اخرى : كان يمكنه الإتيان بالقضاء بالإسلام في الوقت إذا ترك الأداء ، وحينئذ فإذا ترك الإسلام ومات كافراً يعاقب على مخالفة الأمر بالقضاء وإذا أسلم يغفر له وإن خالف أيضاً واستحقّ العقاب.

______________________________________________________

عليه الأداء في الوقت والقضاء في خارجه ، وإذا ترك الإسلام في الوقت فوّت على نفسه شرط صحّة الأداء والقضاء ، وحيث إنه ترك المقدمة اختياراً يصحّ عقابه. وبعبارة اخرى : هذا الشخص لو كان مسلماً وترك الإتيان بالواجب في الوقت وجب عليه القضاء ولو تركه أيضاً استحق العقاب ، فهو مكلف بالقضاء في وقت الأداء على نحو الوجوب المعلق ، ومع تركه الإسلام في الوقت فوّت على نفسه الأداء والقضاء اختياراً فيستحق العقاب عليه.

وفيه : أن الوجوب المعلق وإن كان ممكناً في نفسه لكن ثبوته يحتاج إلى دليل ولا دليل في المقام ، بل الدليل على عدمه ، لأنّ القضاء موضوعه الفوت وما لم يتحقّق الفوت لا يؤمر بالقضاء.

والصحيح في الجواب عن أصل الاشكال أن يقال : إنه بناء على تكليف الكفّار بالفروع أن الكافر وإن كان لا يمكن تكليفه بالقضاء إلّا أنه يعاقب بتفويته الملاك الملزم على نفسه اختياراً ، وتفصيل الكلام في محلّه (١).

__________________

(*) الوجوب المعلق وإن كان ممكناً في نفسه لكن ثبوته يحتاج إلى دليل ولا دليل في المقام ، بل الدليل قائم على عدمه ، فإن الأمر بالقضاء إنما هو بعد الفوت ، والصحيح في الجواب بناء على تكليف الكفار بالفروع أن الكافر وإن كان لا يمكن تكليفه بالقضاء إلّا أنه يعاقب بتفويته الملاك الملزم باختياره.

(١) فصل في قضاء الصلاة بعد المسألة [١٧٧٧].

٢١٥

[٣٠٧٢] مسألة ٧٥ : لو أحرم الكافر ثمّ أسلم في الأثناء لم يكفه ووجب عليه الإعادة من الميقات ، ولو لم يتمكن من العود إلى الميقات أحرم من موضعه (*) ولا يكفيه إدراك أحد الوقوفين مسلماً ، لأنّ إحرامه باطل (١).

[٣٠٧٣] مسألة ٧٦ : المرتد يجب عليه الحجّ سواء كانت استطاعته حال إسلامه السابق أو حال ارتداده ولا يصحّ منه ، فإن مات قبل أن يتوب يعاقب على تركه ولا يقضى عنه على الأقوى ، لعدم أهليته للإكرام وتفريغ ذمّته كالكافر الأصلي (٢) ، وإن تاب وجب عليه وصح منه وإن كان فطرياً على الأقوى من قبول توبته ، سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته ، فلا تجري فيه قاعدة جبّ الإسلام لأنها مختصة بالكافر الأصلي بحكم التبادر. ولو أحرم في حال ردته ثمّ تاب وجب عليه الإعادة كالكافر الأصلي ، ولو حجّ في حال إسلامه ثمّ ارتدّ لم يجب

______________________________________________________

(١) لأنّ الإسلام شرط لصحّة جميع أجزاء الحجّ ، فلو أحرم كافراً لم ينعقد إحرامه صحيحاً لفقد شرطه فيجب عليه الرجوع إلى الميقات والإحرام من جديد ، وإن لم يتمكّن من العود إلى الميقات أحرم من مكانه وموضعه على تفصيل سيأتي في محلِّه إن شاء الله ، ولو أدرك أحد الموقفين مسلماً لا يجزئ لبطلان إحرامه وأعماله السابقة ولا دليل على الاجتزاء بذلك ، والنص إنما ورد في خصوص العبد إذا أدرك أحد الموقفين حراً.

(٢) ما ذكرناه في الكافر من تكليفه بالفروع وعدمه وصحّة عقابه وعدمها إنما يختص بالكافر الأصلي ، وأما المرتد بكلا قسميه الفطري والملي ، فهو محكوم بالحج جزماً ويعاقب على تركه ، سواء كانت استطاعته حال إسلامه السابق أو حال ارتداده أمّا إذا استطاع حال إسلامه فلا كلام ، وأما إذا استطاع حال ارتداده يجب الحجّ عليه

__________________

(*) على تفصيل يأتي.

٢١٦

عليه الإعادة على الأقوى ، ففي خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) : «من كان مؤمناً فحج ثمّ أصابته فتنة ثمّ تاب يحسب له كل عمل صالح عمله ولا يبطل منه

______________________________________________________

أيضاً بناء على المشهور من تكليف الكفّار بالفروع ، وأمّا بناء على ما استظهرناه من عدم تكليف الكفّار بالفروع فيختص ذلك بالكافر الأصلي ، وأمّا المرتد الذي له سابقة الإسلام فمقتضى الأدلّة الأولية تكليفه بالفروع ولا دليل على عدم تكليفه بها كما ورد في الكافر الأصلي.

نعم ، لا يصح منه الحجّ ونحوه من العبادات لتوقف صحّتها على الإسلام ، فإن مات قبل أن يتوب يعاقب على تركه ولكن لا يقضى عنه لعدم الدليل على وجوب القضاء عنه واختصاصه بغيره ، وسيأتي أن المنوب عنه يعتبر أن يكون مسلماً ، وإن تاب وجب عليه الحجّ وصح منه وإن كان الارتداد فطرياً ، سواء بقيت الاستطاعة أو زالت قبل توبته ، وحديث الجبّ لا يجري فيه ، لأنه مختص بالكافر الأصلي بحكم التبادر كما في المتن ، أوان الجبّ لأجل السيرة القطعية من زمن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وزمن الأئمة (عليهم السلام) وهي غير جارية في المرتد ، فالقضاء واجب عليه ولا يسقط عنه شي‌ء مما تقدم وإن كان مرتداً فطرياً بناء على إجراء حكم الإسلام عليه وقبول توبته في غير الأحكام الثلاثة من تقسيم أمواله ومفارقة زوجته وقتله ، وأما سائر الأحكام فتجري في حقه وتصح منه.

وبالجملة : المرتد الفطري إذا تاب حاله حال سائر المسلمين ، لإطلاق الأدلّة وللقطع الخارجي بأنه ليس كالبهائم ، ومجرّد التلبس بالكفر لا يوجب خروجه عن دائرة التكليف بالمرّة. نعم ، تترتب عليه الأحكام الثلاثة للنص (١) ، ولو أحرم حال ردته وكفره ثمّ تاب وجب عليه الإعادة كالكافر الأصلي لفقدان شرط الصحة وهو الإسلام ، ولو حجّ وأحرم في حال إسلامه ثمّ ارتد ثمّ أسلم لم يجب عليه الإعادة

__________________

(١) الوسائل ٢٨ : ٣٢٤ / أبواب حد المرتد ب ١ ح ٣.

٢١٧

شي‌ء» (١) ، وآية الحبط مختصة بمن مات على كفره بقرينة الآية الأُخرى وهي قوله تعالى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) وهذه الآية دليل على قبول توبة المرتد الفطري ، فما ذكره بعضهم من عدم قبولها منه لا وجه له.

______________________________________________________

والكفر المتوسط لا يوجب بطلان الأعمال السابقة على الكفر ، ويكفينا إطلاق الأدلّة مضافاً إلى بعض النصوص الخاصة (١) ، وآية الحبط مختصة بمن مات على كفره لقوله تعالى (فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ) (٢).

(١) التعبير عنه بالخبر مشعر بالضعف في السند ، ولعلّه لأجل طريق الشيخ وإسناده إلى الحسين بن علي وهو الحسين بن علي بن سفيان البزوفري ، فإن طريق الشيخ إليه غير مذكور في الفهرست ولا في المشيخة ، فيكون الطريق إليه مجهولاً فضعف الرواية من هذه الجهة وإلّا فجميع رجال السند ثقات ، والحسين بن علي البزوفري ثقة جليل القدر من أصحابنا كما وصفه النجاشي (٣) هذا ولكن الرواية صحيحة وطريق الشيخ إلى البزوفري وإن لم يذكر في الفهرست بل لم يتعرض لاسمه أصلاً ولا في المشيخة ، وإن ذكر الشيخ في رجاله أنه ذكره في الفهرست ولكن غير موجود في الفهرست إما غفلة من الشيخ أو الناسخ لكتاب الفهرست غفل عن ذكره. وكيف كان ، ذكر الشيخ طريقه إليه في رجاله وذكره في من لم يرو عنهم (عليهم السلام) وقال : الحسين بن علي بن سفيان البزوفري خاصي يكنى أبا عبد الله له كتب روى عنه التلعكبري وأخبرنا عنه جماعة منهم محمّد بن محمّد النعمان المفيد (٤) والطريق إلى كتبه صحيح فالرواية صحيحة.

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٢٥ / أبواب مقدمة العبادات ب ٣٠ ح ١.

(٢) البقرة ٢ : ٢١٧.

(٣) رجال النجاشي : ٦٨ / ١٦٢.

(٤) رجال الطوسي : ٤٢٣ / ٦٠٩٢.

٢١٨

[٣٠٧٤] مسألة ٧٧ : لو أحرم مسلماً ثمّ ارتد ثمّ تاب لم يبطل إحرامه على الأصح ، كما هو كذلك لو ارتد في أثناء الغسل ثمّ تاب ، وكذا لو ارتد في أثناء الأذان أو الإقامة أو الوضوء ثمّ تاب قبل فوات الموالاة ، بل وكذا لو ارتد في أثناء الصلاة ثمّ تاب قبل أن يأتي بشي‌ء أو يفوت الموالاة على الأقوى من عدم كون الهيئة الاتصالية جزءاً فيها. نعم ، لو ارتد في أثناء الصوم بطل وإن تاب بلا فصل (١).

[٣٠٧٥] مسألة ٧٨ : إذا حجّ المخالف ثمّ استبصر لا يجب عليه الإعادة بشرط أن يكون صحيحاً في مذهبه وإن لم يكن صحيحاً في مذهبنا (٢) من غير فرق بين الفِرَق لإطلاق الأخبار ، وما دل على الإعادة من الأخبار محمول على الاستحباب بقرينة بعضها الآخر من حيث التعبير بقوله (عليه السلام) : «يقضي أحب إليّ» وقوله (عليه السلام) : «والحجّ أحب إليّ».

______________________________________________________

(١) ظهر حكم هذه المسألة ممّا ذكرنا في المسألة السابقة غير بطلان الصوم بالارتداد وقد تعرّضنا له في كتاب الصوم (١).

(٢) كما هو المشهور والمعروف ، وقد دلت على ذلك نصوص كثيرة ذكرها صاحب الوسائل في باب الزكاة (٢) ومدلولها عدم إعادة ما صدر منه من العبادات كالصلاة والصيام والحجّ إلّا الزكاة لأنه وضعها في غير مواضعها ، وبإزائها نصوص أُخر تدل على عدم الفرق بين الزكاة وغيرها من العبادات في لزوم الإعادة إذا استبصر وعرف الولاية ، وقد ذكر صاحب الوسائل هذه الروايات في كتاب الحجّ وعمدتها روايتان :

الأُولى : رواية أبي بصير : قال : «وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحجّ وإن كان قد حجّ» (٣).

__________________

(١) بعد المسألة [٢٥٠١] فصل في شرائط صحّة الصوم.

(٢) الوسائل ٩ : ٢١٦ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣.

(٣) الوسائل ١١ : ٦٢ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٣ ح ٥.

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الثانية : رواية علي بن مهزيار قال : «كتب إبراهيم بن محمّد بن عمران الهمداني إلى أبي جعفر (عليه السلام) : أني حججت وأنا مخالف وكنت صرورة فدخلت متمتعاً بالعمرة إلى الحجّ ، قال : فكتب إليه : أعد حجك» (١).

ولكنهما لا تقاومان النصوص المتقدمة لضعفهما سنداً بسهل بن زياد. مضافاً إلى إمكان حملهما على الاستحباب ، لأن التصريح بالإجزاء وعدم وجوب الإعادة في عباداته في تلك النصوص يوجب رفع اليد عن ظهور الروايتين في الوجوب. ويشهد لذلك بعض الأخبار المصرحة بالاستحباب كصحيح بريد العجلي الوارد في المخالف والناصب ، قال في حق المخالف : «قد قضى فريضته ، ولو حجّ لكان أحبّ إليّ» ، وقال في حق الناصب : «يقضي أحبّ إليّ» (٢) ، وفي صحيح عمر بن أُذينة : «قال : قد قضى فريضة الله ، والحجّ أحبّ إليّ» (٣). ونحوه ما في صحيحة أُخرى لعمر بن أُذينة : «قال : يحج أحبّ إليّ» (٤).

وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في الحكم بالإجزاء وعدم وجوب الإتيان عليه مرة ثانية ، إنما الكلام في موضوع هذا الحكم فهل هو العمل الصادر منه الصحيح عنده أو الصحيح عندنا ، أو مطلقاً وإن كان فاسداً عنده أو عندنا؟

أمّا احتمال اختصاص الحكم بالإجزاء بما إذا كان العمل صحيحاً عندنا بدعوى أن الروايات ناظرة إلى تصحيح عمله من ناحية فقدان الولاية ، وأما إذا كان فاسداً من جهات أُخر ومخالفاً للواقع من غير جهة الولاية فلا تشمله النصوص ، ولعل كلام المحقق ناظر إلى هذا الاحتمال لقوله في الشرائع : «إلّا أن يخل بركن منه» (٥) فإن المراد بذلك هو الإخلال بالركن عندنا ، ففيه : أن هذا الاحتمال يستلزم حمل النصوص

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٦٢ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٣ ح ٦.

(٢) الوسائل ١١ : ٦١ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٣ ح ١.

(٣) الوسائل ١١ : ٦١ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٣ ح ٢.

(٤) الوسائل ١١ : ٦١ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٣ ح ٣.

(٥) الشرائع ١ : ٢٠٣.

٢٢٠