موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

موسوعة الإمام الخوئي

المؤلف:

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قدّس سرّه
المطبعة: نينوى
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6084-13-3
الصفحات: ٣٩٥

وإن حجّ مع عدم الاستطاعة المالية فالظاهر مسلمية عدم الإجزاء ولا دليل عليه إلّا الإجماع (*) ، وإلّا فالظاهر أنّ حجّة الإسلام هو الحجّ الأوّل ، وإذا أتى به كفى (**) ولو كان ندباً ، كما إذا أتى الصبي صلاة الظهر مستحبّاً بناءً على شرعية عباداته فبلغ في أثناء الوقت فإن الأقوى عدم وجوب إعادتها ودعوى أنّ المستحب لا يجزئ عن الواجب ممنوعة بعد اتحاد ماهية الواجب والمستحب. نعم

______________________________________________________

أُعتق العبد عليه حجّة الإسلام ، نعم ورد في خصوص العبد أنه إذا انعتق قبل أحد الموقفين يجزئ حجّه عن حجّ الإسلام ، ولم يرد في الصبي نص إذا بلغ قبل أحد الموقفين ، ومقتضى إطلاق الأدلّة عدم إجزاء حجّه حتى إذا بلغ قبل أحدهما.

الثانية : لو حجّ متسكِّعاً ومع عدم الاستطاعة المالية ثمّ استطاع ، ذكر (قدس سره) أنّ الظاهر مسلّميّة عدم الإجزاء ، ولا دليل عليه إلّا الإجماع وإلّا فمقتضى القاعدة هو الإجزاء ، لأنّ الحجّ طبيعة واحدة ولا اختلاف في حقيقته غاية الأمر قد تجب وقد تستحب ، فالاختلاف في الأمر المتعلق به لا في المأمور به ، فإذا وجدت الطبيعة لا معنى لإتيانها ثانياً ، وحال الحجّ حال الصلاة الصادرة من الصبي إذا بلغ في أثناء الوقت فإنه لا يجب عليه إتيان الصلاة مرّة ثانية لحصول الطبيعة المأمور بها منه ، غاية الأمر في حال عدم التكليف ، وليس الأمر من باب إجزاء المستحب عن الواجب حتى يقال بأنه لا دليل عليه.

والحاصل : أن ماهية الواجب والمستحب متحدة فإذا أتى بها فقد امتثل هذه الطبيعة في الخارج ولا مجال لإتيانها ثانياً. نعم ، لو ثبت تعدد ماهية حجّ المتسكِّع والمستطيع وكان الحجّ ماهيتين وطبيعتين مختلفتين نظير صلاة الظهر والعصر أو الأداء

__________________

(*) بل الدليل عليه إطلاق الآية والروايات فإن الحجّ في كل سنة له أمر يغاير الأمر به في السنة الأُخرى ، وهذا بخلاف الصلاة في وقت واحد فإنها طبيعة واحدة غاية الأمر أن الأمر بها قد يكون وجوبياً وقد يكون ندبياً.

(**) الكفاية إنما هي بالنسبة إلى الأمر الاستحبابي ، ولا دليل على كفايته بالنسبة إلى الأمر الوجوبي.

١٨١

لو ثبت تعدد ماهية حجّ المتسكِّع والمستطيع تمّ ما ذكر ، لا لعدم إجزاء المستحبّ عن الواجب بل لتعدّد الماهية ، وإن حجّ مع عدم أمن الطريق أو مع عدم صحّة البدن مع كونه حرجاً عليه أو مع ضيق الوقت كذلك فالمشهور بينهم عدم إجزائه عن الواجب ، وعن الدروس الإجزاء إلّا إذا كان إلى حد الإضرار بالنفس وقارن بعض المناسك فيحتمل عدم الإجزاء ، ففرق بين حجّ المتسكِّع وحجّ هؤلاء ، وعلّل الأجزاء بأن ذلك من باب تحصيل الشرط فإنه لا يجب لكن إذا حصّله وجب.

______________________________________________________

والقضاء تم ما ذكر من عدم الإجزاء ، لأن إحداهما غير الأُخرى وإن كانتا متشابهتين صورة. هذا ملخص ما أفاده (قدس سره).

أقول : قد يكون المطلوب على نحو صرف الوجود ، وقد يكون على نحو مطلق الوجود بمعنى أن كل فرد من أفراد الطبيعة له أمر مستقل ، أما إذا كان المطلوب صرف الوجود فالطبيعة المأمور بها واحدة وإنما الاختلاف في الطلب وجوباً واستحباباً باعتبار المكلفين ، فمن أتى بالطبيعة لا يؤمر بها ثانياً ، والمطلوب في باب الصلاة هو صرف الوجود ، بمعنى أن المأمور به إتيان الصلاة من الزوال إلى الغروب ، فإذا أتى بالطبيعة في هذه المدة لا معنى لإتيانها ثانياً لأنها حاصلة ، غاية الأمر أتى بالمأمور به في حال عدم التكليف ، فالإجزاء على القاعدة وإعادتها ثانياً بعد البلوغ تحتاج إلى دليل آخر.

وأمّا الحجّ فالمطلوب فيه الطبيعة على نحو مطلق الوجود ، لأن إطلاق ما دل على وجوب الحجّ على تقدير حصول الاستطاعة يقتضي وجوبه متى حصلت الاستطاعة سواء حجّ قبل ذلك أم لا ، والأمر في عام الاستطاعة غير الأمر الندبي المتقدم على عام الاستطاعة ، وكل سنة له أمر وتكليف وما أتى به في السنة الماضية غير ما أُمر به في السنة الحالية ، وإذا حصلت الاستطاعة في السنة الجديدة يوجد أمر جديد ويحدث تكليف جديد لا بدّ من امتثاله ، ولا مسقط للأمر الجديد المتوجه إليه في السنة

١٨٢

وفيه : أنّ مجرّد البناء على ذلك لا يكفي في حصول الشرط مع أنّ غاية الأمر

______________________________________________________

الجديدة ، ولا دليل على سقوطه بما أتى به قبل ذلك ، فالمقام نظير صلاة الصبي في اليوم السابق على البلوغ بالنسبة إلى صلاته بعد البلوغ في اليوم الثاني ، ولا معنى لسقوط الصلاة عنه في اليوم الثاني إذا بلغ بمجرّد صلاته في اليوم السابق على البلوغ ، لأن كل يوم له أمر جديد وتكليف مستقل لا بدّ من امتثاله والخروج عن عهدته.

وبالجملة : الحجّ في عام الاستطاعة له أمر جديد ويحدث بسبب حصول الاستطاعة تكليف جديد مستقل لا بدّ من امتثاله ، ولا دليل على سقوطه بإتيانه في العام الماضي قبل الاستطاعة فيكفينا في وجوب الحجّ وإتيانه ثانياً وعدم سقوطه بما حجّ سابقاً قبل الاستطاعة نفس إطلاق الأدلّة ، فإن مقتضاه كما عرفت وجوب الحجّ سواء حجّ سابقاً أم لا ، فعدم الإجزاء على القاعدة والإجزاء يحتاج إلى دليل وهو مفقود في البين.

الثالثة : إذا حجّ مع عدم أمن الطريق أو مع المرض وعدم صحّة البدن أو مع الضرر والحرج ، كما إذا سافر في ضيق الوقت واستلزم الحرج فهل يجزي حجّه أم لا؟. المشهور بينهم عدم الإجزاء ، وعن الشهيد في الدروس الإجزاء إلّا إذا وصل إلى حدّ الإضرار بالنفس فيحتمل عدم الإجزاء ، وعلل الأجزاء بأن ذلك من باب تحصيل الشرط وهو غير واجب لكن إذا حصّله وجب لحصول الشرط (١).

وأورد عليه في المتن بأن المقدمات قبل الميقات إذا كانت مقترنة بهذه الأُمور دون الأعمال ففي هذه الصورة لا إشكال في الإجزاء وإن كان لا يجب الحجّ من الأوّل ، ولا قائل بعدم الإجزاء في هذه الصورة ، وإن كانت الأعمال من الميقات مقترنة بهذه الأُمور من الضرر أو الحرج أو عدم أمن الطريق فاللّازم القول بعدم الإجزاء ، لأن المفروض أن نفس الأعمال فاقدة للشرط ، ولكنّه (قدس سره) مع ذلك اختار ما

__________________

(١) الدروس ١ : ٣١٤.

١٨٣

حصول المقدّمة التي هو المشي إلى مكّة ومنى وعرفات ، ومن المعلوم أنّ مجرّد هذا لا يوجب حصول الشرط الذي هو عدم الضرر أو عدم الحرج. نعم ، لو كان الحرج أو الضّرر في المشي إلى الميقات فقط ولم يكونا حين الشروع في الأعمال تمّ ما ذكره ولا قائل بعدم الإجزاء في هذه الصورة ، هذا ومع ذلك فالأقوى ما ذكره في الدروس ، لا لما ذكره بل لأنّ الضرر والحرج إذا لم يصلا إلى حد الحرمة إنما يرفعان الوجوب والإلزام لا أصل الطلب (*) فإذا تحملهما وأتى بالمأمور به كفى.

______________________________________________________

ذهب إليه الشهيد من الإجزاء لا لما ذكره ، بل لأن الضرر والحرج إذا لم يصلا إلى حد الحرمة إنما يرفعان الوجوب والإلزام لا أصل الطلب ، فإذا تحملهما وأتى بالمأمور به كفى ، لأن دليل نفي الضرر يرفع الأحكام الوجوبية الضررية وأمّا الأحكام الندبية الضررية فلا يرفعها. وبعبارة أوضح : يجب على هذا الشخص حجّ الإسلام ولكن يرتفع وجوبه بالضرر أو الحرج وأما الاستحباب فلا يرتفع ، فما أتى به إنما هو حجّ الإسلام وإن ارتفع وجوبه بالضرر.

أقول : أما في فرض اقتران المقدمات قبل الميقات بهذه الأُمور بدون اقتران الأعمال من الميقات بها فلا ينبغي الريب في الإجزاء فيها حتى إذا اقترنت المقدّمات بالمحرم من هذه الأُمور ، كالإلقاء في التهلكة ونحو ذلك كما إذا كان سفره محرماً ولكن بعد الوصول إلى الميقات أدى الأعمال على وجه مشروع واجداً للشرائط ، ففي مثله لا موجب لعدم الإجزاء أصلاً وإن كان الحجّ لا يجب عليه من أوّل الأمر ، إذ لا يجب عليه تحمل هذه المقدمات المقترنة بالضرر أو الحرج.

وأمّا لو كانت الأعمال مقترنة بها فما ذكره من الأمثلة فمختلفة وليس جميعها من باب واحد. بيان ذلك : أنه لو كان الطريق غير مأمون أو كان المكلف مريضاً فحاله حال من حجّ ولم يكن له مال وحجّ متسكِّعاً ، لأن المأخوذ في موضوع وجوب الحجّ

__________________

(*) فيه منع ظاهر ، والأقوى عدم الاجزاء.

١٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

كما في النصوص تخلية السرب وصحّة البدن فإذا تحمل وحجّ والحال هذه لا يكون حجّه مصداقاً للواجب لانتفاء موضوعه. والحاصل : أنه يجري في فقدان الأمن في الطريق أو صحّة البدن ما يجري في فقدان الاستطاعة المالية لأخذ ذلك كلّه في موضوع وجوب الحجّ كما في الروايات المفسرة للاستطاعة.

وأمّا اقتران الأعمال بالضرر أو الحرج فحيث لم يؤخذ عدم الضرر أو الحرج في موضوع وجوب الحجّ وإنما قلنا بعدم الوجوب في موردهما لحكومة دليلهما على سائر الأحكام الشرعية ، فلو قلنا بما ذكره (قدس سره) من أن المرفوع هو الإلزام مع بقاء أصل الطلب نظير صلاة الصبي فالمأمور به على حاله غاية الأمر لا وجوب له ، فلو تحمل الضرر أو الحرج وأتى بالمأمور به كفى.

وأمّا إذا قلنا بأن الوجوب أمر بسيط ، لأنّ الأحكام أُمور اعتبارية والاعتبار أمر بسيط فليس في البين أمران يبقى أحدهما ويرتفع الآخر ، ودليل نفي الضرر أو الحرج يرفع المجعول برأسه ، فلا مجال لثبوت أصل الطلب وبقائه. نعم ، لا مانع من الالتزام بالاستحباب بأدلة اخرى ، والاستحباب إذا كان ضرريّاً لا يشمله دليل نفي الضرر إذا لم يصل إلى حد الحرمة لعدم الامتنان في رفعه ، فالحج الصادر منه حال الضرر أو الحرج يقع مستحباً بدليل آخر ولم يكن بحجّ الإسلام الواجب المستفاد من قوله تعالى (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) فإنه مرفوع عن هذا الشخص ، فحال هذا الحجّ حال الحجّ الصادر منه متسكِّعاً في احتياج الإجزاء إلى دليل خاص وليس في البين دليل.

والحاصل : أن الحكم بالكفاية والإجزاء إنما هو بالنسبة إلى الأمر الاستحبابي ولا دليل على كفايته بالنسبة إلى الأمر الوجوبي.

١٨٥

[٣٠٦٣] مسألة ٦٦ : إذا حجّ مع استلزامه لترك واجب أو ارتكاب محرم لم يجزئه عن حجّة الإسلام وإن اجتمع سائر الشرائط ، لا لأنّ الأمر بالشي‌ء نهي عن ضدّه لمنعه أوّلاً ، ومنع بطلان العمل بهذا النهي ثانياً ، لأنّ النهي متعلق بأمر خارج ، بل لأن الأمر مشروط بعدم المانع ووجوب ذلك الواجب مانع ، وكذلك النهي المتعلق بذلك المحرّم مانع ومعه لا أمر بالحج (*) (١).

______________________________________________________

(١) حاصل ما ذكره في هذه المسألة أنه إذا استلزم حجّه ترك واجب أو ارتكاب محرم لم يجزئه عن حجّه الإسلام وإن اجتمع سائر الشرائط ، لا لأنّ الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده والنهي يقتضي الفساد فإن الاقتضاء ممنوع ، وعلى تقدير تسليمه هذا النهي لا يقتضي الفساد لتعلقه بأمر خارج لا بنفس العبادة ، بل لأن الأمر بالحج مشروط بعدم المانع ووجوب ذلك الواجب مانع ، فالحج غير واجب في حقه ولم يكن بمأمور به ، ومع عدم الأمر بالحج لا يمكن القول بالصحة.

نعم ، لو استقر عليه الحجّ وتوقف الإتيان به على ترك واجب أو فعل حرام تكون المسألة من صغريات مسألة اقتضاء الأمر للنهي عن ضدّه ويمكن القول بالإجزاء هنا لمنع الاقتضاء أوّلاً ، ومنع كون النهي المتعلق بأمر خارج موجباً للبطلان ثانياً ، ولا يجري في الحجّ المستقر ما ذكر في الحجّ الابتدائي.

أقول : ما ذكره من عدم اقتضاء الأمر بشي‌ء للنهي عن ضده صحيح ، وأما منعه دلالة هذا النهي على الفساد لتعلقه بأمر خارج فهو إنما يتم إذا أُريد بالضد الضد العام وهو الترك ، وأما لو فرض تعلقه بالضد الخاص فالنهي متعلق بنفس الحجّ لا بأمر خارج.

والحاصل : أنه إذا أُريد بالضد الضد الخاص كما هو مقتضى أدلّتهم حيث قالوا إن ترك أحد الضدّين مقدّمة للضد الآخر ، ومقدّمة الواجب واجبة فترك هذا الضد

__________________

(*) بل الأمر به موجود إن كان الحجّ أهم منه ، وإن كان غيره أهم فالحج أيضاً مأمور به على نحو الترتب على ما ذكرناه في محله.

١٨٦

نعم ، لو كان الحجّ مستقراً عليه وتوقف الإتيان به على ترك واجب أو فعل حرام دخل في تلك المسألة وأمكن أن يقال بالإجزاء ، لما ذكر من منع اقتضاء الأمر بشي‌ء للنهي عن ضده ومنع كون النهي المتعلق بأمر خارج (١) موجباً للبطلان.

______________________________________________________

واجب ، وإذا كان تركه واجباً كان فعله حراماً فإنه لو تمّ ذلك وسلمنا أن مقدمة الواجب واجبة وسلمنا أيضاً أن ترك أحد الضدين مقدمة للواجب الآخر ، كان الضد بنفسه منهياً عنه لا أن النهي تعلق بأمر خارج بل تعلق بنفس العبادة وبنفس الحجّ ، لأن ترك هذا الضد مقدمة لذلك الواجب والمفروض أن مقدمة الواجب واجبة فيكون ترك هذا واجباً وفعله حراماً ومبغوضاً هذا ، ولكن قد ذكرنا في محله أن النهي التبعي المقدمي لا يدل على الفساد حتى لو التزمنا باقتضاء الأمر بشي‌ء للنهي عن ضدّه.

وكيف كان ، فما ذكر من الفساد وعدم الإجزاء غير تام ، لأنّ القول بالبطلان مبني على عدم الالتزام بالترتب أو عدم جريانه في باب الحجّ ، وأما إذا التزمنا بالترتب وجريانه في الحجّ فلا موجب للبطلان ، إذ الأمر بالحج موجود ولو بالترتب وإن كان الواجب الآخر أهم من الحجّ ، وأما إذا لم يكن الواجب الآخر أهم فلا ريب في تقدم الحجّ. وبعبارة اخرى : الأمر بالحج موجود على كل تقدير سواء كان الحجّ أهم من الواجب الآخر فهو مأمور به بطبعه وإن كان غيره أهم فهو مأمور به أيضاً على نحو الترتب.

وما ذكره شيخنا الأُستاد (قدس سره) من أن الترتب لا يجري في باب الحجّ ، لأنّ المأخوذ في موضوعه القدرة الشرعية المصطلحة فيكون الواجب الآخر سالباً للقدرة ورافعاً لموضوع الحجّ (١) ففيه ما ذكرناه مراراً من أن الحجّ كسائر الواجبات والأحكام الإلهية من عدم أخذ القدرة الشرعية المصطلحة في موضوعه ، وإنما المعتبر

__________________

(*) هذا إذا كان المراد تعلق النهي بالضد العام وهو الترك ، وأما لو فرض تعلقه بالضد الخاص فهو متعلق بنفس الحجّ لا بأمر خارج.

(١) فوائد الأُصول ١ : ٣٦٧.

١٨٧

[٣٠٦٤] مسألة ٦٧ : إذا كان في الطريق عدو لا يندفع إلّا بالمال فهل يجب بذله ويجب الحجّ أو لا؟ أقوال (١) ثالثها الفرق بين المضر بحاله (*) وعدمه فيجب في الثاني دون الأوّل.

______________________________________________________

فيه الاستطاعة المفسرة بأُمور خاصة مذكورة في النصوص ، وما ذكروه من اعتبار الاستطاعة الشرعية بمعنى عدم مزاحمته لواجب آخر لم يؤخذ في موضوع الحجّ ولم يدل عليه أي دليل ، فلا مانع من الحكم بصحة الحجّ وإجزائه في فرض العصيان وترك الواجب الأهم ، لتعلّق الأمر بالحج على نحو الترتب.

ومما ذكرنا ظهر أنه لا فرق بين الحجّ الفعلي والحجّ المستقر وحالهما على حد سواء وعلى الترتب لا مانع من الإجزاء في القسمين.

(١) الأوّل : سقوط الحجّ وعدم وجوب بذل المال كما عن الشيخ (٢) وجماعة.

الثاني : وجوب بذل المال كما عن المحقق (٣) واختاره في المدارك (٤).

الثالث : التفصيل بين المضر بحاله والمجحف به فلا يجب فيه بذل المال ويسقط الحجّ وبين ما كان يسيراً غير مضر بحاله فيجب البذل وهو المحكي عن المحقق في المعتبر (٥).

وقد يستدل للأوّل بأن الاستطاعة وهي تخلية السرب غير حاصلة ، وتحصيلها غير واجب ، ويستدل للثاني بأن المفروض حصول الاستطاعة المالية وإذا تمكن من دفع العدو وإزالته بالمال وجب ، وكلاهما مخدوش فيه.

والصحيح أن يقال : إذا كان بذل المال حرجياً يرتفع وجوبه لنفي الحرج ويسقط وجوب الحجّ ، وإن لم يكن دفعه حرجياً ومشقّة عليه وإنما يتضرر به وينقص ماله

__________________

(١) أو كان معتداً به وإن لم يكن مضراً بحاله.

(٢) المبسوط ١ : ٣٠١.

(٣) الشرائع ١ : ٢٠٢.

(٤) المدارك ٧ : ٦٢.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٥٥.

١٨٨

[٣٠٦٥] مسألة ٦٨ : لو توقّف الحجّ على قتال العدو لم يجب حتى مع ظن الغلبة عليه والسّلامة ، وقد يقال (*) بالوجوب في هذه الصورة (١).

______________________________________________________

فحينئذ لا بدّ من التفصيل بين ما إذا كان الضرر كثيراً ومعتداً به فلا يجب بذله لحكومة دليل نفي الضرر على جميع الأدلة ، وقد قلنا سابقاً إن دليل لا ضرر يجري في الحجّ ونحوه من الأحكام الضررية إذا كان الضرر اللازم أزيد مما يقتضيه طبع الحجّ وبين ما إذا كان الضرر يسيراً أو قد لا يعد عرفاً من الضرر في بعض صوره كبذل خمسة دنانير بالنسبة إلى خمسمائة دينار التي يصرفها في الحجّ ، فلا يبعد القول بوجوب الحجّ ولزوم تحمل ذلك الضرر اليسير لصدق تخلية السرب على ذلك ، ونظير ذلك بذل المال لأخذ جواز السفر ونحو ذلك بل ربما تعد هذه الأُمور من مصارف الحجّ وشؤونه.

(١) الذي ينبغي أن يقال : إنه قد يفرض كونه متمكناً من قتال العدو ودفعه من دون استلزام ضرر أو حرج ويطمئن بالغلبة والسلامة فلا ينبغي الريب في عدم سقوط وجوب الحجّ عنه لصدق تخلية السرب ، ومجرّد وجود شخص في الطريق مانع عن الحجّ يمكن دفعه بسهولة لا يوجب صدق عدم تخلية السرب.

وقد يفرض كون السفر خطراً بحيث يخاف على نفسه أو على ما يتعلق به فلا إشكال في سقوط الحجّ لصدق عدم تخلية السرب وعدم الأمان في الطريق وإن ظن بالغلبة والسلامة ، لعدم حصول الأمان بالفعل فيصدق عدم تخلية السرب ، ومجرد الظن بالغلبة والسلامة لا يوجب كون الطريق مأموناً ، فما احتمله بعضهم من الوجوب في صورة ظن الغلبة والسلامة ضعيف جدّاً. وبالجملة : لا يجب عليه القتال أو الوقوع في الحرج لدفع العدو ، لأنّ الشرط وهو تخلية السرب غير حاصل وتحصيله غير واجب.

__________________

(*) لكنّه ضعيف.

١٨٩

[٣٠٦٦] مسألة ٦٩ : لو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه إلّا مع خوف الغرق أو المرض خوفاً عقلائياً (*) (١) أو استلزامه الإخلال بصلاته (**) ، أو إيجابه لأكل النجس أو شربه ، ولو حجّ مع هذا صحّ حجّة ، لأنّ ذلك في المقدّمة وهي المشي إلى الميقات كما إذا ركب دابّة غصبية إلى الميقات (٢).

______________________________________________________

(١) لا ريب في عدم اختصاص وجوب الحجّ بطريق دون طريق ، لأنّ المطلوب هو الإتيان بالحج من دون اختصاص بطريق ، فلو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه. نعم ، إذا خاف على نفسه من الغرق أو المرض لا يجب الحجّ وإن كان خوفاً غير عقلائي ، لأن الملاك في سقوط الحجّ هو حصول الحرج ، وإذا بلغ خوفه إلى حد يكون السفر وركوب البحر حرجاً عليه يسقط وجوب الحجّ لنفي الحرج ، وإن كان منشأ الخوف والحرج أمراً غير عقلائي كما قد يتفق ذلك في الشخص الذي يتخوف كثيراً.

وبالجملة : دليل نفي الحرج لا يختص بموارد الخوف العقلائي وإنما العبرة بتحقق الحرج وعدمه ، فإذا كان تحمل الخوف حرجياً عليه يسقط الوجوب وإن كان منشأ الخوف أمراً غير عقلائي ، وإلّا يجب عليه السفر بالركوب في البحر ولا فرق بينه وبين السفر غير البحري.

(٢) قد عرفت بما لا مزيد عليه أن الاستطاعة المعتبرة في الحجّ ليست هي الاستطاعة الشرعية بالمعنى المصطلح لتكون هذه الأُمور دخيلة في الاستطاعة ، بل الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحجّ ليست إلّا العقلية ، غاية الأمر أنها استطاعة خاصة فسرت في النصوص بالزاد والراحلة وبقية المذكورات في النصوص.

وأمّا الإخلال ببعض ما يعتبر في الصلاة فلا بأس به إذا أتى بها حسب وظيفته

__________________

(*) بل غير العقلائي أيضاً إذا كان تحمله حرجياً عليه.

(**) لا يسقط وجوب الحجّ بمثل ذلك فإن الصلاة يأتي بها حسب وظيفته ، وأما الاضطرار إلى أكل النجس أو شربه فلا بأس به لأهميّة الحجّ.

١٩٠

[٣٠٦٧] مسألة ٧٠ : إذا استقر عليه الحجّ وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة وجب عليه أداؤها ، ولا يجوز له المشي إلى الحجّ قبلها ولو تركها عصى ، وأمّا حجّه فصحيح إذا كانت الحقوق في ذمّته لا في عين ماله وكذا إذا كانت في عين ماله ولكن كان ما يصرفه في مئونته من المال الذي لا يكون فيه خمس أو زكاة أو غيرهما ، أو كان مما تعلق به الحقوق ولكن كان ثوب إحرامه وطوافه وسعيه (*) وثمن هديه من المال الذي ليس فيه حق ، بل وكذا إذا كانا ممّا تعلق به الحق من الخمس والزكاة إلّا أنه بقي عنده مقدار ما فيه منهما بناء على ما هو الأقوى (**) من كونهما في العين على نحو الكلي في المعين لا على وجه الإشاعة (١).

______________________________________________________

الفعلية ، لا سيما إذا أخل بذلك قبل الوقت ، فإنه بعد الوقت مكلف بما هو وظيفته من القيام أو الجلوس أو الإيماء أو التيمم ، والمفروض عدم ترك الصلاة برأسها ، وأما الاضطرار إلى أكل النجس أو شربه فلا بأس به ، لأهميّة الحجّ وإن كان لا يجوز أكل النجس أو شربه اختياراً ، ولكن لو دار صرف قدرته في الأهم أو المهم فلا ريب في لزوم صرف قدرته في الأهم كما حقق ذلك في باب التزاحم.

(١) ما ذكره صحيح ولكن تقدم الكلام في أن ثوب الإحرام لو كان حراماً لا يضر بصحة الحجّ والإحرام ، لأن لبس ثوبي الإحرام واجب مستقل لا يضر الإخلال به بصحة الإحرام والحجّ وإنما ترك واجباً آخر وهو لبسهما ، ولذا يتحقق الإحرام عارياً. وأمّا ثوب السعي فلا تضر حرمته بالسعي لعدم اعتبار اللبس فيه أصلاً. وأمّا الطواف فالمعتبر فيه الستر كالصلاة ، فإن كان الساتر مغصوباً أو محرماً يفسد طوافه وحجّه إذا اقتصر عليه.

__________________

(*) تقدّم الكلام فيه.

(**) تقدّم ما هو الأقوى في الخمس وفي الزكاة [في المسألتين ٢٦٨٨ و ٢٩٥٢].

١٩١

[٣٠٦٨] مسألة ٧١ : يجب على المستطيع الحجّ مباشرة ، فلا يكفيه حجّ غيره عنه تبرعاً أو بالإجارة إذا كان متمكناً من المباشرة بنفسه (١).

[٣٠٦٩] مسألة ٧٢ : إذا استقر الحجّ عليه ولم يتمكن من المباشرة لمرض لم يرج زواله أو حصر كذلك أو هرم بحيث لا يقدر أو كان حرجاً عليه فالمشهور وجوب الاستنابة عليه ، بل ربما يقال بعدم الخلاف فيه وهو الأقوى وإن كان ربما يقال بعدم الوجوب وذلك لظهور جملة من الأخبار في الوجوب ، وأما إن كان موسراً من حيث المال ولم يتمكن من المباشرة مع عدم استقراره عليه ففي وجوب الاستنابة وعدمه قولان لا يخلو أوّلهما عن قوّة ، لإطلاق الأخبار المشار إليها ،

______________________________________________________

وأمّا الهدي فإن اشتراه بثمن في الذمة ودفع إلى البائع من المال المغصوب أو المحرم فلا ريب في صحّة الهدي ، وإن اشتراه بنفس الثمن المغصوب أو المحرم يكون الهدي باطلاً ، لأنّ الهدي لم يكن لنفسه فيفسد حجّه إذا اقتصر عليه ، لأن المستفاد من الأدلة ترتب بقيّة أعمال الحجّ على الهدي ، وإذا أتى بها ولم يسبقها الهدي وقعت فاسدة.

وأمّا ما ذكره من جواز التصرف في المال الذي تعلق به الخمس بعينه إذا بقي عنده مقدار ما فيه الخمس فإنما يتم على مختاره من تعلق الخمس أو الزكاة بالمال على نحو الكلي في المعيّن ، وأما على المختار عندنا من أنه من قبيل الإشاعة فلا يجوز التصرّف فيما تعلق به ما لم يؤد الحق وإن بقي مقدار ما فيه الخمس والزيادة ، لأن المفروض أن المال مشترك فيه والشركة تمنع عن التصرّف في المال. نعم ، يجوز التصرّف في المال الزكوي وما تعلق به الزكاة إذا أبقى منه مقدار الزكاة ، لأنّ المالك له حق الافراز والتقسيم وذلك للنص ، ولم يرد نص في باب الخمس من هذه الجهة.

(١) هذه المسألة من الواضحات التي لا حاجة إلى ذكرها ولعله (قدس سره) ذكرها تمهيداً للمسألة الآتية.

١٩٢

وهي وإن كانت مطلقة (*) من حيث رجاء الزوال وعدمه لكن المنساق من بعضها ذلك ، مضافاً إلى ظهور الإجماع على عدم الوجوب مع رجاء الزوال ، والظاهر فورية الوجوب كما في صورة المباشرة ، ومع بقاء العذر إلى أن مات يجزئه حجّ النائب فلا يجب القضاء عنه وإن كان مستقراً عليه ، وإن اتفق ارتفاع العذر بعد ذلك فالمشهور أنه يجب عليه مباشرة وإن كان بعد إتيان النائب ، بل ربما يدعى عدم الخلاف فيه ، لكن الأقوى (**) عدم الوجوب ، لأنّ ظاهر الأخبار أن حجّ النائب هو الذي كان واجباً على المنوب عنه فإذا أتى به فقد حصل ما كان واجباً عليه ولا دليل على وجوبه مرّة أُخرى ، بل لو قلنا باستحباب الاستنابة فالظاهر كفاية فعل النائب بعد كون الظاهر الاستنابة فيما كان عليه ، ومعه لا وجه لدعوى أن المستحب لا يجزئ عن الواجب ، إذ ذلك فيما إذا لم يكن المستحب نفس ما كان واجباً والمفروض في المقام أنه هو ، بل يمكن أن يقال (***) إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب بأن كان الارتفاع بعد إحرام النائب إنه يجب عليه الإتمام ويكفي عن المنوب عنه ، بل يحتمل ذلك وإن كان في أثناء الطريق قبل الدخول في الإحرام. ودعوى أن جواز النيابة مادامي كما ترى بعد كون الاستنابة بأمر الشارع ، وكون الإجارة لازمة لا دليل على انفساخها خصوصاً إذا لم يمكن إبلاغ النائب المؤجر ذلك ، ولا فرق فيما ذكرنا من وجوب الاستنابة بين من عرضه العذر من المرض وغيره وبين من كان معذوراً خلقة ، والقول بعدم الوجوب في الثاني وإن قلنا بوجوبه في الأوّل ضعيف. وهل يختص الحكم بحجة الإسلام أو

__________________

(*) لا إطلاق فيما دل على الوجوب منها.

(**) فيه إشكال ، والأحوط الوجوب.

(***) الظاهر أن الإجارة في هذه الصورة وفي الصورة الثانية محكومة بالفساد ، ويتبعه فساد العمل من النائب فتجب على المستأجر المباشرة والإتيان بالحج بنفسه.

١٩٣

يجري في الحجّ النذري والإفسادي أيضاً؟ قولان ، والقدر المتيقن هو الأوّل (*) بعد كون الحكم على خلاف القاعدة ، وإن لم يتمكن المعذور من الاستنابة ولو لعدم وجود النائب أو وجوده مع عدم رضاه إلّا بأزيد من اجرة المثل ولم يتمكن من الزيادة أو كانت مجحفة (**) سقط الوجوب ، وحينئذ فيجب القضاء عنه بعد موته إن كان مستقراً عليه ولا يجب مع عدم الاستقرار ، ولو ترك الاستنابة مع الإمكان عصى بناء على الوجوب ووجب القضاء عنه مع الاستقرار وهل يجب مع عدم الاستقرار أيضاً أو لا؟ وجهان أقواهما نعم ، لأنه استقر عليه بعد التمكن من الاستنابة ، ولو استناب مع كون العذر مرجو الزوال لم يجزئ عن حجّة الإسلام فيجب عليه بعد زوال العذر ، ولو استناب مع رجاء الزوال وحصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية ، وعن صاحب المدارك عدمها ووجوب الإعادة لعدم الوجوب مع عدم اليأس فلا يجزئ عن الواجب ، وهو كما ترى ، والظاهر كفاية حجّ المتبرع (***) عنه في صورة وجوب الاستنابة. وهل يكفي الاستنابة من الميقات كما هو الأقوى في القضاء عنه بعد موته؟ وجهان ، لا يبعد الجواز حتى إذا أمكن ذلك في مكّة مع كون الواجب عليه هو التمتع ، ولكن الأحوط خلافه ، لأنّ القدر المتيقن من الأخبار الاستنابة من مكانه ، كما أن الأحوط عدم كفاية التبرع عنه لذلك أيضاً (١).

______________________________________________________

(١) ذكر في هذه المسألة أُموراً.

الأمر الأوّل : من استقر عليه الحجّ وأهمل حتى مرض أو هرم أو حبس بحيث لا يتمكّن من الحجّ ، فهل يسقط عنه التكليف بالحج للعذر العارض أم لا؟ المعروف

__________________

(*) يأتي منه (قدس سره) الجزم بعموم الحكم في المسألة الحادية عشرة في الفصل الآتي.

(**) أو غير مجحفة ولكن كانت الزيادة زيادة معتداً بها.

(***) في الكفاية إشكال بل منع.

١٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والمشهور وجوب الاستنابة وانقلاب تكليفه ووظيفته من المباشرة إلى النيابة وهو الصحيح ، وقد دلت عليه النصوص فيها الصحيح وغيره.

منها : صحيح معاوية بن عمار : «إن علياً (عليه السلام) رأى شيخاً لم يحج قط ولم يطق الحجّ من كبره فأمره أن يجهّز رجلاً فيحج عنه» (١) ، ولا ريب في دلالته على الوجوب لظهور الأمر فيه.

ومنها : صحيح عبد الله بن سنان «إن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أمر شيخاً كبيراً لم يحج قط ولم يطق الحجّ لكبره أن يجهّز رجلاً يحج عنه» (٢).

ومنها : صحيح الحلبي «وإن كان موسراً وحال بينه وبين الحجّ مرض أو حصر أو أمر يعذره الله فيه فإن عليه أن يُحج عنه من ماله صرورة لا مال له» (٣) والرواية الأخيرة مطلقة من حيث الاستقرار وعدمه ، والمستفاد منها وجوب الاستنابة إذا حال بينه وبين الحجّ عذر وإن كان طارئاً في سنة الاستطاعة ، ولكن ظاهر الأُوليين وجوب الاستنابة في مورد الاستقرار.

وقد يقال بحملها على الاستحباب لوجهين :

أحدهما : اشتمالها على أُمور لم تعتبر في النائب ككونه رجلاً وصرورة ، لجواز نيابة المرأة عن الرجل ونيابة غير الصرورة وذلك يوجب حملها على الاستحباب والتفكيك بين القيد والمقيد في الوجوب بإلغاء القيد والالتزام بوجوب أصل الاستنابة بعيد.

ثانيهما : أن المستفاد من بعض الروايات الحاكية لحكم أمير المؤمنين (عليه السلام) استحباب النيابة وأنها اختيارية لتعليقها على مشيئة الرجل ، مع أنّ الواقعة واحدة ولا يمكن الاختلاف في الحكم فيها ، فتكون هذه الرواية قرينة على عدم إرادة

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٦٣ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ١.

(٢) الوسائل ١١ : ٦٥ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ٦.

(٣) الوسائل ١١ : ٦٣ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ٢.

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الوجوب من الروايات الأُخر ، ففي خبر سلمة أبي حفص عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إن رجلاً أتى علياً ولم يحج قط فقال : إني كنت كثير المال وفرّطت في الحجّ حتى كبرت سنِّي ، فقال : فتستطيع الحجّ؟ فقال : لا ، فقال له علي (عليه السلام) : إن شئت فجهز رجلاً ثمّ ابعثه يحج عنك» (١) ونحوه خبر ميمون القداح «إن شئت أن تجهز رجلاً ثمّ ابعثه يحج عنك» (٢).

والجواب عن الثاني : أن المعلق على المشيئة تفريغ الذمة ، يعني إذا شئت تفريغ ذمتك والخلاص من ذلك فعليك كذا ، لا الاستنابة حتى يقال بأن تعليقها على مشيئته يدل على الاستحباب ، لأنّ الوجوب لا معنى لتعليقه على المشيئة.

هذا مضافاً إلى ضعف الروايتين سنداً ، أما الأُولى فبسلمة أبي حفص والثانية بسهل بن زياد وبجعفر بن محمّد الأشعري الذي لم يوثق ولم يثبت كونه جعفر بن محمّد ابن عبيد الله الذي هو من رجال كامل الزيارة.

وعن الأوّل بأنه لا بأس بإلغاء القيد خاصة إذا كان خلاف المتسالم عليه ، على أنه إنما يتم في خصوص صحيح الحلبي الذي أُخذ فيه الصرورة.

مضافاً إلى أنه لا مانع من الالتزام بالقيد وكون النائب عن الحي رجلاً صرورة ويمكن أن يقال : إن ذِكر الرجل من باب المثال ومحمول على الغالب والمراد به الشخص ، وقد وقع نظير ذلك في كثير من موارد الأحكام ، ولا يراد بالرجل المذكور في النصوص خصوص الرجل المقابل للمرأة. وبالجملة : لا موجب لرفع اليد عن ظهور الروايات في الوجوب.

ثمّ إن الحكم لا يختص بمن استقر عليه الحجّ بل لو كان موسراً من حيث المال ولم يتمكن من المباشرة مع عدم استقراره عليه تجب عليه الاستنابة كما في المتن لإطلاق صحيح الحلبي كما عرفت ، وإن كان مورد بعض الروايات ذلك ، كالروايات الواردة في

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٦٤ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ٣.

(٢) الوسائل ١١ : ٦٥ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ٨.

١٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الشيخ الكبير الذي لم يحجّ.

ثمّ إنه بعد الفراغ عن لزوم الاستنابة مطلقاً أو في خصوص من استقر عليه الحجّ يلزم كون النائب صرورة كما في صحيح الحلبي إن لم يكن إجماع على الخلاف ، بل يلزم أن يكون رجلاً كما في رواية الشيخ الكبير ، ولذا ذكرنا في المناسك (١) أن الأحوط لزوماً استنابة الرجل الصرورة إذا كان المنوب عنه رجلاً حياً كما في الروايات.

الأمر الثاني : هل يختص وجوب الاستنابة باليأس عن زوال العذر أو يعم الراجي للزوال أيضاً؟ فيه خلاف ، المشهور الاختصاص باليأس ، بل ربما ادعي الإجماع على عدم الوجوب مع رجاء الزوال ، وذكر السيّد في المتن أن المنساق من بعض الروايات اعتبار اليأس من زوال العذر.

أقول : لم يرد في شي‌ء من الروايات اليأس أو رجاء الزوال ، بل المذكور فيها عدم التمكّن وعدم الطاقة والحيلولة بينه وبين الحجّ بمرض ونحوه ، والظاهر أن المأخوذ في وجوب الاستنابة عدم الطاقة وعدم الاستطاعة واقعاً كما في الروايات الواردة في الشيخ الكبير ، وأما صحيح الحلبي فإن أُريد بالحج المذكور فيه حجّ هذه السنة الذي حال بينه وبين الحجّ مرض أو حصر ، فمقتضاه وجوب الاستنابة في هذه السنة حتى مع العلم بزوال العذر في السنة الآتية وهذا مقطوع الخلاف ، إذ لا نحتمل وجوب الاستنابة عليه في هذه السنة وعدم إتيان الحجّ بنفسه في السنة الآتية عند زوال العذر ، فالمراد بالحج المذكور في صحيح الحلبي الذي حال المرض بينه وبين الحجّ هو مطلق الحجّ من دون أن يختص بسنة دون أُخرى ، فإن الواجب هو الطبيعي والفورية واجب آخر ، ومفاد صحيح الحلبي مفاد الرواية الواردة في الشيخ الكبير الذي لم يطق الحجّ ومضمونهما واحد ، فموضوع وجوب الاستنابة عدم التمكن من المباشرة واقعاً وأما اليأس من زوال العذر فهو طريق عقلائي إلى عدم التمكن من إتيانه واقعاً ، كما أنه تجوز له الاستنابة في فرض رجاء الزوال لاستصحاب بقاء العذر ، ولكن ذلك حكم

__________________

(١) في ص ٥٠ / ١٠٨.

١٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ظاهري كالحكم الثابت في الأعذار المسوغة للتيمم والصلاة عن جلوس ونحو ذلك لجريان استصحاب العجز وبقاء العذر.

وبالجملة : موضوع وجوب الاستنابة هو عدم الطاقة وعدم القدرة واقعاً ، ولكن اليأس عن زوال العذر أو استصحاب بقاء العذر أو الاطمئنان ببقاء ذلك كل ذلك طرق إلى الواقع.

وأما صحيح ابن مسلم : «لو أن رجلاً أراد الحجّ فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج فليجهز رجلاً من ماله ثمّ ليبعثه مكانه» (١) فهو وإن كان مطلقاً من حيث اليأس وعدمه لإطلاق قوله : «فلم يستطع الخروج» ولكنه أجنبي عن المقام ، لأنّ مورده الحجّ التطوعي الإرادي ولا يشمل ما لو وجب عليه الحجّ ولكن لا يتمكن من إتيانه مباشرة كما هو محل الكلام.

وبالجملة : العبرة في وجوب الاستنابة إنما هي بعدم التمكن من إتيان الحجّ وعدم الطاقة على إتيانه في واقع الأمر ، ولذا لو استطاع في هذه السنة ومنعه مانع عن الإتيان بالحجّ واستناب ثمّ تمكن من الإتيان به في السنة الآتية لا نحتمل سقوط الحجّ عنه بمجرّد النيابة في السنة الماضية ، ويترتب على ذلك الأمر الآتي وهو :

الأمر الثالث : إذا استناب مع قيام الطريق على عدم التمكّن من إتيانه ، كما إذا حصل له اليأس من زوال العذر واطمأن ببقائه أو استصحب بقاءه ، وبعد ذلك اتفق ارتفاع العذر وتمكن من مباشرة الحجّ ، فهل يجزئ الحجّ النيابي عن حجّه أم لا؟ فيه خلاف.

ذهب المشهور إلى عدم الإجزاء ، وقوى بعضهم الإجزاء كالمصنف (قدس سره) بدعوى أن تكليف هذا الشخص تبدل إلى النيابي ، والحجّ الصادر من النائب هو الحجّ الذي كان على المنوب عنه ، فإذا أتى به النائب فقد حصل ما كان على المنوب عنه ، ولا دليل على وجوب إتيانه ثانياً ، بل لو قيل باستحباب النيابة حينئذ فالظاهر إجزاء

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٦٤ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ٥.

١٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فعل النائب عن المنوب عنه ، لأن ما يأتي به النائب هو بعينه ما وجب على المنوب عنه ، وقد أتى النائب بما وجب على المنوب عنه ، فلا مجال حينئذ لدعوى أن المستحب لا يجزئ عن الواجب ، إذ ذلك فيما إذا لم يكن المستحب نفس ما كان واجباً على المنوب عنه والمفروض في المقام أنه هو ، بل يمكن أن يقال : إنه إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب بعد الإحرام يجب عليه الإتمام ويكفي عن المنوب عنه ، بل يحتمل ذلك وإن كان في أثناء الطريق قبل الدخول في الإحرام.

أقول : قد عرفت أن موضوع الحكم بوجوب الاستنابة هو عدم القدرة واقعاً ، وأما اليأس أو عدم رجاء الزوال فليس مأخوذاً فيه ، وإنما تجب الاستنابة اعتماداً على الأصل وهو استصحاب بقاء العذر أو اعتماداً على حجّة أُخرى كالاطمئنان ببقاء العذر واليأس من زواله ، والتكليف الواقعي لم ينقلب وهو باق على حاله ولم يقيد بسنة خاصة ، وموضوع إجزاء فعل النائب هو عدم قدرة المنوب عنه على المباشرة والمفروض تمكنه من المباشرة ، ومعه لا مجال للإجزاء لعدم إجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي ، وقوله تعالى (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) ظاهر في لزوم المباشرة على المستطيع ، وهذا الشخص داخل في عنوان المستطيع واقعاً ولو في السنة الآتية ودليل وجوب الاستنابة لا يشمل مثل هذا الشخص واقعاً.

فتلخص من جميع ما تقدّم : أن موضوع وجوب الاستنابة هو واقع العذر ، ولا بدّ من إحرازه بالطرق العقلائية كالاطمئنان أو اليأس من زوال العذر فإنه أيضاً طريق عقلائي ، ولو انكشف الخلاف بقي الواقع على حاله فهو ممن يطيق الحجّ ويتمكن من إتيانه ، غاية الأمر أنه لا يعلم بذلك ، وكذا الحال في مورد رجاء الزوال لاستصحاب بقاء العذر بناء على جريان الاستصحاب في الأمر الاستقبالي ، فيستصحب بقاء العجز وعدم تجدد القدرة ، إلّا أن الحكم حينئذ حكم ظاهري ومقتضى القاعدة عدم الإجزاء عن الواقع ، وتجب المباشرة على المنوب عنه بعد انكشاف الخلاف.

وإن شئت قلت : إن عدم الطاقة لم يؤخذ في موضوع وجوب الاستنابة ، فإنّ عدم الطاقة المذكور في روايات الشيخ الكبير إنما هو من باب بيان المورد ، وإنما المأخوذ في

١٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

موضوع وجوب الاستنابة هو الحيلولة بينه وبين الحجّ بالعذر كما هو المستفاد من صحيح الحلبي ، والمراد بالحج الذي حال دونه المرض هو طبيعي الحجّ ، ولذا لو علم بارتفاع العذر إلى السنة الآتية لا تجب الاستنابة بلا خلاف ، ولا يمكن إثبات عنوان الحيلولة باستصحاب بقاء العذر إلّا على الأصل المثبت ، لأن عنوان الحيلولة أمر وجودي لا يمكن إثباته باستصحاب بقاء العذر ولا أصل في المقام يحرز به الحيلولة فمع رجاء الزوال لا تجب الاستنابة لعدم إحراز عنوان الحيلولة.

نعم ، لا بأس بالاستنابة رجاء وإذا انكشف بقاء العذر وعدم زواله يجزئ وإلّا فلا ، فوجوب الاستنابة يختص بصورة اليأس من زوال العذر أو الاطمئنان الشخصي ببقائه أو غير ذلك من الطرق القائمة على بقائه كإخبار الطبيب ونحوه.

الأمر الرابع : لا ريب في إجزاء حجّ النائب إذا استمر العذر إلى أن مات المنوب عنه ، ولا يجب القضاء عنه بعد موته ، وأما إذا اتفق ارتفاع العذر بعد الأعمال فقد ذكر أنه لا تجب المباشرة على المنوب عنه ، بل وكذا لو ارتفع العذر في أثناء العمل بعد إحرام النائب فإنه يجب عليه الإتمام ويكفي عن المنوب عنه ، بل احتمل الاكتفاء إذا ارتفع العذر أثناء الطريق قبل الدخول في الإحرام.

وفيه : ما لا يخفى ، فإنه لو قلنا بعدم الإجزاء بعد ارتفاع العذر وبعد تمام الأعمال فالأمر واضح في المقام جدّاً ، وإن قلنا بالإجزاء فلا نقول به في هاتين الصورتين وهما ارتفاع العذر في الأثناء وارتفاعه قبل الدخول في الإحرام ، وذلك لانفساخ الإجارة لأنّ ارتفاع العذر كاشف عن عدم مشروعية النيابة والإجارة ، لما عرفت أن موضوع وجوب النيابة والإجارة هو عدم الطاقة وعدم التمكن أو الحيلولة بينه وبين الحجّ والمفروض حصول التمكن وعدم ثبوت الحيلولة وإنما احتمل بقاء العذر وتخيل الحيلولة ، وما لم يحرز موضوع النيابة لا تصح الإجارة وتنفسخ قهراً سواء أمكن إخبار النائب أم لا.

وبعبارة اخرى : الإجارة محكومة بالفساد ، لأنها وقعت على عمل غير مشروع

٢٠٠