موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

موسوعة الإمام الخوئي

المؤلف:

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قدّس سرّه
المطبعة: نينوى
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6084-13-3
الصفحات: ٣٩٥

التكسّب اللّائق به أو التجارة باعتباره ووجاهته وإن لم يكن له رأس مال يتجر به. نعم ، قد مرّ عدم اعتبار ذلك في الاستطاعة البذلية ، ولا يبعد عدم اعتباره أيضاً في من يمضي أمره بالوجوه اللائقة به كطلبة العلم من السادة وغيرهم ، فإذا حصل لهم مقدار مئونة الذهاب والإياب ومئونة عيالهم إلى حال الرجوع وجب عليهم ، بل وكذا الفقير الذي عادته وشغله أخذ الوجوه ولا يقدر على التكسب إذا حصل له مقدار مئونة الذهاب والإياب له ولعياله ، وكذا كل من لا يتفاوت حاله قبل الحجّ وبعده إذا صرف ما حصل له من مقدار مئونة الذهاب والإياب من دون حرج عليه (١).

______________________________________________________

(١) ذهب أكثر القدماء إلى اعتبار الرجوع إلى الكفاية خلافاً لجماعة آخرين والصحيح هو الأوّل لأدلة نفي الحرج ، فإن من يرجع إلى بلاده ولم يجد ما يصرفه على نفسه أو عياله ولم يكن قادراً على التكسب اللائق بحاله من التجارة والصناعة ونحو ذلك مما يعيش به حسب وجاهته واعتباره يقع في الحرج والمشقة ، وذلك منفي في الشريعة ، ولذا لا نعتبر ذلك في الحجّ البذلي لعدم صرف مال المبذول له في الحجّ ويكون حاله بعد الحجّ كحاله قبل الحجّ. نعم ، لو وقع في الحرج من جهات اخرى كما لو فرضنا أن الشخص كسوب في خصوص أشهر الحجّ ، ولو ذهب إلى الحجّ لا يتمكن من الكسب ويتعطل أمر معاشه في طول السنة يسقط الوجوب بالبذل أيضاً. وكيف كان ، العبرة بحصول الحرج بعد الرجوع سواء كان الحجّ مالياً أو بذلياً.

وأما إذا لم يقع في الحرج كالكسوب الذي يرجع ويشتغل بكسبه العادي أو ينفق عليه من كان ينفق عليه قبل الحجّ كبعض الطلبة والسادة الذين يعيشون بالرواتب المعيّنة من قبل المراجع والعلماء (حفظهم الله) فلا يسقط عنهم الوجوب ، فمن حصل منهم على مئونة الذهاب والإياب ومئونة عياله إلى زمان الرجوع يجب عليه الحجّ فإن حاله قبل الحجّ وبعده سواء.

١٦١

[٣٠٥٦] مسألة ٥٩ : لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده ويحج به ، كما لا يجب على الوالد أن يبذل له ، وكذا لا يجب على الولد بذل المال لوالده ليحج به ، وكذا لا يجوز للوالد الأخذ من مال ولده للحج والقول بجواز ذلك أو وجوبه كما عن الشيخ ضعيف (١) ، وإن كان يدل عليه صحيح سعيد بن يسار قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل يحج من مال ابنه وهو صغير؟ قال : نعم يحج منه حجّة الإسلام قلت : وينفق منه؟ قال : نعم ثمّ قال : إنّ مال الولد لوالده ، إنّ رجلاً اختصم هو ووالده إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقضى أن المال والولد للوالد» ، وذلك لإعراض الأصحاب عنه (*)

______________________________________________________

والعمدة هو حصول الحرج وعدمه. أمّا الروايات فكلّها ضعيفة ، منها : خبر أبي الربيع الشامي المتقدمة على ما رواه المفيد في المقنعة بزيادة قوله : «ثمّ يرجع فيسأل الناس بكفِّه ، لقد هلك إذن» (١) ، ومنها : ما رواه في الخصال بإسناده عن الأعمش «وأنّ للإنسان ما يخلفه على عياله وما يرجع إليه بعد حجّه» (٢) وفي سندها عدّة من المجاهيل ، ومنها : مرسلة الطبرسي «والرجوع إلى كفاية إمّا من مال أو ضياع أو حرفة» (٣) وضعفها بالإرسال.

(١) لا ريب في عدم وجوب البذل على الولد للوالد ليحج به وكذلك العكس للأصل وعدم الدليل على ذلك ، فإن الناس مسلطون على أموالهم. وأمّا الأخذ من مال أحدهما فالولد لا يجوز له الأخذ من مال والده شيئاً للإطلاقات الدالة على عدم جواز التصرّف في مال أحد إلّا بإذنه (٤) وللنصوص الخاصة كصحيحة محمّد بن

__________________

(*) لا لذلك ، بل لمعارضته بصحيح الحسين بن أبي العلاء.

(١) المقنعة : ٣٨٥ قد تقدّم أن الخبر معتبر ولكن مدلوله لا يزيد عمّا تقتضيه أدلّة نفي الحرج.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٨ / أبواب وجوب الحجّ ب ٩ ح ٤ ، الخصال : ٦٠٦ / ٩.

(٣) الوسائل ١١ : ٣٩ / أبواب وجوب الحجّ ب ٩ ح ٥ ، مجمع البيان ١ : ٧٩٩ / ذيل الآية ٩٧ من سورة آل عمران.

(٤) الوسائل ٩ : ٥٤٠ / أبواب الأنفال ، ب ٣ ح ٧.

١٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

مسلم : «إن الولد لا يأخذ من مال والده شيئاً إلّا بإذنه» (١) وصحيحة سعيد بن يسار : «وليس للولد أن يأخذ من مال والده إلّا بإذنه» (٢).

إنما الكلام في جواز أخذ الوالد من مال ولده للحج أو وجوب ذلك كما حكي عن الشيخ (قدس سره) بل نسبه إلى أصحابنا ، قال (قدس سره) : روى أصحابنا إذا كان له ولد له مال وجب عليه أن يأخذ من مال ولده قدر ما يحج به ويجب عليه إعطاؤه. واستدل الشيخ في الخلاف على ما ذهب إليه :

أوّلاً : بالأخبار المروية في هذا المعنى ، قال : وذكرناها في الكتاب الكبير أي التهذيب وليس في الأخبار ما يخالفها.

وثانياً : بقوله (صلّى الله عليه وآله) : «أنت ومالك لأبيك» فإذا كان مال الابن مال الأب فقد وجد الاستطاعة فوجب عليه الحجّ (٣).

أقول : ليس في كتاب التهذيب من الأخبار الدالة على ما ذهب إليه (قدس سره) إلّا صحيحة سعيد بن يسار ، والمقدار الموجود منها لا يدل على مذهب الشيخ لأن المذكور فيها الولد الصغير ، ومن المعلوم جواز تصرف الولي في مال الصغير إذا كان بالمعروف. على أن السؤال في الصحيح عن الجواز وعدمه لا الوجوب فهذه الصحيحة لا تفيد الشيخ ، فقد روى في الصحيح عن سعيد بن يسار «أيحج الرجل من مال ابنه وهو صغير؟ قال : نعم ، قلت يحج حجّة الإسلام وينفق منه؟ قال : نعم بالمعروف ، ثمّ قال : نعم يحج منه وينفق منه ، إن مال الولد للوالد» (٤) ومحل الاستشهاد ذيل الحديث ، فإن الظاهر منه أن مال الولد للوالد لا من جهة الولاية بل بحكم الشارع بذلك ، فيجب عليه الحجّ لأنه ذو مال.

ورواه أيضاً بسند آخر وفي ذيله : «إن رجلاً اختصم هو ووالده إلى النبي (صلّى الله

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٢٦٢ / أبواب ما يكتسب به ب ٧٨ ح ١.

(٢) الوسائل ١٧ : ٢٦٤ / أبواب ما يكتسب به ب ٧٨ ح ٤.

(٣) الخلاف ٢ : ٢٥٠ / المسألة ٨.

(٤) الوسائل ١٧ : ٢٦٤ / أبواب ما يكتسب به ب ٧٨ ح ٤.

١٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه وآله وسلم) فقضى أن المال والولد للوالد» (١) ، والمستفاد منه عدم اختصاص جواز الأخذ بمورد الحجّ ، لأنّ مال الولد لوالده يتصرّف فيه ما يشاء من الحجّ والإنفاق.

ومما يدل على جواز التصرّف في مال الولد للوالد مطلقاً من دون اختصاص بالحج صحيح محمّد بن مسلم «عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه ، قال : يأكل منه ما يشاء من غير سرف ، وقال : في كتاب علي (عليه السلام) إن الولد لا يأخذ من مال والده شيئاً إلّا بإذنه ، والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء ، وله أن يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها ، وذكر أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال لرجل : أنت ومالك لأبيك» (٢). وصحيح علي بن جعفر : «سألته عن الرجل يكون لولده الجارية أيطؤها؟ قال : إن أحبّ ، وإن كان لولده مال وأحب أن يأخذ منه فليأخذ» (٣) فهذه جملة من الروايات الدالّة على جواز أخذ الوالد من مال ولده للحج أو مطلقاً.

وبإزائها روايات تدلّ على عدم الجواز إلّا عند الحاجة والاضطرار أو عند عدم إنفاق الولد.

منها : صحيح ابن سنان قال : «سألته يعني أبا عبد الله (عليه السلام) ماذا يحل للوالد من مال ولده؟ قال : أما إذا أنفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله شيئاً ، وإن كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له أن يطأها إلّا أن يقومها قيمة تصير لولده قيمتها عليه ثمّ قال : فإن كان للرجل ولد صغار لهم جارية فأحب أن يقتضيها فليقومها على نفسه قيمة ثمّ ليصنع بها ما شاء إن شاء وطئ وإن شاء باع» (٤).

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٩١ / أبواب وجوب الحجّ ب ٣٦ ح ١.

(٢) الوسائل ١٧ : ٢٦٢ / أبواب ما يكتسب به ب ٧٨ ح ١.

(٣) الوسائل ١٧ : ٢٦٦ / أبواب ما يكتسب به ب ٧٨ ح ١٠.

(٤) الوسائل ١٧ : ٢٦٣ / أبواب ما يكتسب به ب ٧٨ ح ٣. وفي التهذيب ٦ : ٣٤٥ / ٩٦٨ ، والاستبصار ٣ : ٥٠ / ١٦٣ «يفتضها» بدل «يقتضيها».

١٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : صحيح أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) «إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال لرجل : أنت ومالك لأبيك ، ثمّ قال أبو جعفر (عليه السلام) : ما أحب أن يأخذ من مال ابنه إلّا ما احتاج إليه مما لا بدّ منه ، إن (اللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ)» (١). ونوقش في السند بأن الحسن بن محبوب لم يدرك الثمالي فتكون الرواية مرسلة ضعيفة ، فإن ثبت ذلك ففي غيرها غنى وكفاية.

ومنها : صحيحة الحسين بن أبي العلاء قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال : قوته بغير سرف إذا اضطر إليه ، قال فقلت له : فقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) للرجل الذي أتاه فقدّم أباه فقال له : أنت ومالك لأبيك؟ فقال : إنما جاء بأبيه إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) فقال : يا رسول الله هذا أبي وقد ظلمني ميراثي عن أُمي ، فأخبره الأب أنه قد أنفقه عليه وعلى نفسه وقال : أنت ومالك لأبيك ، ولم يكن عند الرجل شي‌ء أو كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يحبس الأب للابن» (٢).

ويظهر من نفس الرواية أنه لا يمكن الأخذ بظاهر قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وإطلاقه ، لأنه ورد في قضية شخصية ومورد خاص وليس في مقام بيان الحكم الشرعي على إطلاقه ، فلا بدّ من حمل كلامه (صلّى الله عليه وآله وسلم) على حكم أدبي أخلاقي ونحو ذلك من المحامل ، فإن صدر الرواية صريح في عدم الجواز إلّا بمقدار الضرورة وعدم السرف ، وأجاب (عليه السلام) عما اعترض عليه السائل الذي استشهد بكلام النبي (صلّى الله عليه وآله) بأن حكم النبي (صلّى الله عليه وآله) وقضاءه إنما كان في واقعة خاصة فلا يمكن الأخذ بظاهر كلامه (صلّى الله عليه وآله وسلم) وإطلاقه.

وبالجملة : ظاهر هذه الروايات عدم جواز التصرّف للوالد في مال ولده فتقع المعارضة بين الطائفتين. وممّا يؤيد أو يؤكد دلالة هذه الروايات على عدم الجواز ، أمره

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٢٦٣ / أبواب ما يكتسب به ب ٧٨ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٧ : ٢٦٥ / أبواب ما يكتسب به ب ٧٨ ح ٨.

١٦٥

مع إمكان حمله على الاقتراض من ماله مع استطاعته من مال نفسه أو على ما إذا كان فقيراً وكانت نفقته على ولده ولم يكن نفقة السفر إلى الحجّ أزيد من نفقته في الحضر إذ الظاهر الوجوب حينئذ.

______________________________________________________

(عليه السلام) بتقويم جارية الولد إذا أراد الوالد وطئها ، ولو كانت الجارية مال الوالد لما احتاج جواز وطئها إلى التقويم وحساب القيمة للولد.

وهكذا الحال في صحيحة إسحاق بن عمار ، قال : «سألته عن الوالد يحل له من مال ولده إذا احتاج إليه؟ قال : نعم ، وإن كان له جارية فأراد أن ينكحها قوّمها على نفسه ، الحديث» (١) ، فإن التقويم يكشف عن عدم كونها ملكاً ومالاً للوالد ، غاية الأمر للوالد الولاية على أخذ الجارية بعد التقويم إذا لم يمسها الابن.

وكيف كان ، تقع المعارضة بين الطائفتين ، ولا بدّ من إعمال قواعد التعارض ومقتضاها الترجيح بموافقة الكتاب والسنّة الدالّة على عدم جواز التصرف في مال أحد إلّا بإذنه ، فالنتيجة تقديم الطائفة الثانية ، ولو ناقشنا في الترجيح بالكتاب في خصوص المقام فلا تصل النوبة إلى التخيير ، لما ذكرنا في محله أنه لا دليل على التخيير بين الخبرين المتعارضين ، فيتحقق التعارض بين الطائفتين وتتساقطان ، والمرجع بعد ذلك هو العمومات والإطلاقات العامة الدالة على عدم جواز التصرف في مال أحد إلّا بإذنه.

نعم ، يجوز للوالد وطء جارية ولده بعد التقويم ، وله الولاية في خصوص ذلك حتى إذا كان الولد كبيراً لإطلاق النص ، وحمله على كون الولد صغيراً بعيد جدّاً ، لذكر الرجل في صحيح إسحاق بن عمار المتقدم : «وإن كان للرجل جارية فأبوه أملك بها أن يقع عليها» إذ من الواضح أن الرجل لا يطلق على الصبي والولد الصغير.

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٢٦٨ / أبواب ما يكتسب به ب ٧٩ ح ٢.

١٦٦

[٣٠٥٧] مسألة ٦٠ : إذا حصلت الاستطاعة لا يجب أن يحج من ماله (١) ، فلو حجّ في نفقة غيره لنفسه أجزأه ، وكذا لو حجّ متسكعاً ، بل لو حجّ من مال الغير غصباً صح وأجزأه. نعم إذا كان ثوب إحرامه وطوافه وسعيه من المغصوب لم يصحّ (*) ، وكذا إذا كان ثمن هديه غصباً (٢).

______________________________________________________

(١) لعدم وجوب الصرف من ماله ، وإنما يجب إذا توقف عليه إتيان الحجّ ، فإذا حجّ من دون أن يصرف من أمواله لا ريب في صحته والإجزاء عن حجّة الإسلام وكذا لو حجّ متسكعاً ومضيقاً على نفسه بالاقتصاد والتقتير في مركبة ومسكنه ومأكله ، إذ لا دليل على وجوب صرف المال حسب شؤونه واعتباره ، بل لو كان جميع مصارفه من الحرام حتى مركوبه صح الحجّ وأجزأ ، ولا يضر صرف المال من الحرام في صحّة الحجّ وإجزائه ، وذلك لأنّ صرف المال بنفسه ليس واجباً حتى يعتبر أن يكون من الحلال.

(٢) ما ذكره على إطلاقه غير تام ، فيقع الكلام في موارد أربعة :

أحدها : أن ثوب الإحرام إذا كان من الحرام لا يضرّ بصحّة الحجّ ، لأن لبس ثوب الإحرام واجب مستقل آخر ، ويتحقق الإحرام ولو كان الثوب مغصوباً ، ولذا لو أحرم عارياً صح ، فإحرامه بالمغصوب كالإحرام عارياً. وقد ذكر المصنف (قدس سره) في المسألة الخامسة والعشرين من كيفية الإحرام أن لبس الثوبين ليس شرطاً في تحقق الإحرام بل هو واجب تعبدي آخر.

ثانيها : أن ثوب الطواف إذا كان مغصوباً لم يصح حجّه وطوافه ، لأنّ الستر معتبر في الطواف وحاله حال الصلاة ، في اعتباره بالثوب الساتر.

ثالثها : أن السعي لا يعتبر فيه الستر ويصحّ حتى عرياناً ، فلا يضر بالسعي إذا كان

__________________

(*) الأظهر في السعي والإحرام الصحة ، وسيجي‌ء منه (قدس سره) عدم شرطية لبس الثوبين في الإحرام.

١٦٧

[٣٠٥٨] مسألة ٦١ : يشترط في وجوب الحجّ الاستطاعة البدنية ، فلو كان مريضاً لا يقدر على الركوب أو كان حرجاً عليه ولو على المحمل أو الكنيسة لم يجب ، وكذا لو تمكّن من الركوب على المحمل لكن لم يكن عنده مئونته ، وكذا لو احتاج إلى خادم ولم يكن عنده مئونته (١).

______________________________________________________

ثوبه من المغصوب إلّا ما يقال بالنسبة إلى الحركات الملازمة للتصرّف في الثوب المغصوب ، نظير ما قيل في لباس المصلي غير الساتر إذا كان مغصوباً ، ولكن قد ذكرنا هناك أن هذا النوع من التصرّف لا يضر بصحّة الصلاة وكذا بصحة السعي ، لأن الصادر من المكلف فعلان مستقلان أحدهما مقارن للآخر وجوداً وخارجاً ولا اتحاد بينهما ، فلا مانع من أن يكون أحدهما مصداقاً للواجب والآخر محرماً.

رابعها : أن ثمن الهدي إن كان من عين المال المغصوب بأن اشتراه به فلا ريب في بطلان البيع وعدم دخول الهدي في ملكه فيكون تاركاً للهدي عمداً ، وسنذكر في محلّه إن شاء الله تعالى أن الظاهر بطلان حجّه وطوافه ، وأما إذا اشتراه بالذمة ووقعت المعاملة على كلي الثمن كما هو الشائع في المعاملات ولكن في مقام الأداء أدى الثمن من الحرام صح هديه وحجّه وأجزأ وإن بقي مشغول الذمة بالثمن.

(١) لا خلاف في اعتبار صحّة البدن وخلو المكلف من المرض الذي يضر الحجّ معه ، وتدل عليه الروايات المفسرة للاستطاعة كصحيحة هشام الواردة في تفسير الآية الشريفة : «من كان صحيحاً في بدنه مخلّى سِربه» (١) ونحوها صحيحة محمّد الخثعمي (٢) وغيرها ، فلو كان مريضاً لا يقدر على الركوب ولو على المحمل أو الكنيسة لم يجب الحجّ ، وأُلحق بذلك ما لو كان مريضاً لا يقدر على ركوب الدابّة ولا يقدر على السفر منفرداً ولكن يتمكن من الركوب على المحمل أو الكنيسة ، أو أن يستصحب معه خادماً ومساعداً ولكن لم تكن عنده مئونته.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٥ / أبواب وجوب الحجّ ب ٨ ح ٧.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٤ / أبواب وجوب الحجّ ب ٨ ح ٤.

١٦٨

[٣٠٥٩] مسألة ٦٢ : ويشترط أيضاً الاستطاعة الزمانيّة ، فلو كان الوقت ضيقاً لا يمكنه الوصول إلى الحجّ أو أمكن لكن بمشقة شديدة لم يجب ، وحينئذ فإن بقيت الاستطاعة (*) إلى العام القابل وجب وإلّا فلا (١).

______________________________________________________

وهل سقوط وجوب الحجّ فيما الحق إنما هو لأجل المرض أو لأجل قلة المال وعدم وفائه؟ وتظهر الثمرة في وجوب الاستنابة ، فإن السقوط لو كان مستنداً إلى عدم التمكن المالي وعدم وفائه يسقط الحجّ بالمرة لعدم كونه مستطيعاً فلا تجب الاستنابة وأما إذا كان مستنداً إلى المرض تجب الاستنابة كما في النصوص ، والظاهر أن المقام من القسم الثاني ، وذلك لأنّ الواجب هو طبيعي الحجّ بأي نحو كان ولا يختص بنحو دون آخر ، والمفروض أنه مستطيع من حيث الاستطاعة المالية بالركوب على الدابة والسفر إلى الحجّ وإنما يمنعه المرض من ذلك ، فمباشرة الحجّ بنفسه غير مقدورة له لأجل المرض ، ولكنه متمكن من التسبيب فيشمله ما دلّ على وجوب استنابة المريض إذا كان موسراً ولم يتمكن من المباشرة كقوله : «لو أن رجلاً أراد الحجّ فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج فليجهز رجلاً من ماله ثمّ ليبعثه مكانه» (١) وفي صحيح الحلبي : «إن كان موسراً وحال بينه وبين الحجّ مرض فإن عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له» (٢).

(١) إذا كان الزمان قصيراً جدّاً بحيث لا يمكنه الوصول إلى الحجّ فهو عاجز عن إتيان الحجّ وغير مستطيع له ، فلا يجب عليه الحجّ لأنه مشروط بالقدرة العقلية مضافاً إلى القدرة الشرعية الخاصة المفسرة في الروايات ، فإن الحجّ كسائر التكاليف الإلهية مشروط بالقدرة وعدم العجز عن إتيانه ، فإذا كان المكلف عاجزاً عن إتيانه لضيق الوقت ونحوه لا يتوجه إليه التكليف ، وأما إذا كان الزمان قصيراً بحيث يتمكّن

__________________

(*) الأظهر أنه يجب عليه إبقاء الاستطاعة.

(١) الوسائل ١١ : ٦٤ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ٥.

(٢) الوسائل ١١ : ٦٣ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ٢ وغيره.

١٦٩

[٣٠٦٠] مسألة ٦٣ : ويشترط أيضاً الاستطاعة السِّربيّة بأن لا يكون في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول إلى الميقات أو إلى تمام الأعمال وإلّا لم يجب (١) ،

______________________________________________________

من إتيان الحجّ بمشقة شديدة فالوجوب مرفوع أيضاً لنفي الحرج ، وعليه لا يجب الحجّ إذا استطاع في وقت لا يسع للذهاب أو أنه يسع ولكن بمشقة شديدة ، وهذا مما لا كلام فيه.

إنما الكلام فيما ذكره المصنف أخيراً بقوله : «وحينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب وإلّا فلا» ، فإن الظاهر من هذا الكلام عدم وجوب إبقاء الاستطاعة إلى العام القابل وجواز تفويتها اختياراً فلا يجب الحجّ حينئذ وإنما يجب إذا بقيت اتفاقاً.

ولكن الصحيح كما تقدّم وجوب إبقاء الاستطاعة وعدم جواز تفويتها اختياراً ، لما عرفت من أن وجوب الحجّ غير مقيد بزمان وإنما الواجب مقيد بزمان خاص ، فالوجوب حالي والواجب استقبالي كما هو شأن الواجب المعلق ، ولذا لو كان إتيان الحجّ مما يتوقف على قطع المسافة أزيد من سنة واحدة كما كان يتفق ذلك أحياناً في الأزمنة السابقة وجب الذهاب ، وذكرنا أيضاً أن الاستطاعة الموجبة للحجّ غير مقيّدة بحصولها في أشهر الحجّ أو بخروج الرفقة ، بل متى حصلت وجب الحجّ ويجب عليه التحفظ على الاستطاعة ، مثلاً لو استطاع في الخامس من شهر ذي الحجّة حتى في زماننا هذا ولم يتمكن من السفر إلى الحجّ في هذه السنة يجب عليه إبقاء المال إلى السنة الآتية ليحجّ به ، وليس له تفويت المال حتى يقال إن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب الحجّ وإلّا فلا.

(١) الظاهر أنه لا خلاف في اشتراطها ، ويدلُّ عليه نفس الآية الشريفة (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (١) فإن المستفاد من الاستطاعة السبيلية تخلية السِّرب والأمان من الخطر في الطريق ، مضافاً إلى الروايات المعتبرة المفسرة للآية الشريفة المتضمنة

__________________

(١) آل عمران ٣ : ٩٧.

١٧٠

وكذا لو كان غير مأمون بأن يخاف على نفسه أو بدنه أو عرضه أو ماله وكان الطريق منحصراً فيه ، أو كان جميع الطرق كذلك ، ولو كان هناك طريقان أحدهما أقرب لكنّه غير مأمون وجب الذهاب من الأبعد المأمون (١) ، ولو كان جميع الطرق مخوفاً إلّا أنه يمكنه الوصول إلى الحجّ بالدوران في البلاد مثل ما إذا كان من أهل العراق ، ولا يمكنه إلّا أن يمشي إلى كرمان ومنه إلى خراسان ، ومنه إلى بخارا ، ومنه إلى الهند ، ومنه إلى بوشهر ، ومنه إلى جدة مثلاً ، ومنه إلى المدينة ومنها إلى مكّة فهل يجب أو لا؟ وجهان أقواهما عدم الوجوب (*) لأنّه يصدق عليه أنه لا يكون مخلى السِّرب (٢).

______________________________________________________

لتخلية السِّرب (١) ، وكذا لا يجب الحجّ إذا كان الطريق غير مأمون ومخوفاً ، بأن يخاف على نفسه أو بدنه أو عرضه أو ماله ، فإن خوف الضرر بنفسه كما قد يستفاد من بعض الروايات طريق عقلائي إلى الضرر ، ولا يلزم أن يكون الضرر معلوماً جزماً بل جرت سيرة العقلاء على الاجتناب عن محتمل الضرر ، فالحكم في مورد خوف الضرر مرفوع واقعاً حتى لو انكشف الخلاف وتبين عدم وجود المانع في الطريق ، كما هو الحال في غير مورد الحجّ كمورد التيمم ، فإنه لو خاف من استعمال الماء وتيمم وصلّى ثمّ انكشف الخلاف بعد الوقت صحّ تيممه وصلاته واقعاً.

(١) لعدم اختصاص الوجوب بأقرب الطرق.

(٢) بل الأقوى هو الوجوب ، لأنّ الواجب هو الطبيعي ولا يختص بطريق دون آخر ، وطبيعي السبيل إذا كان مأموناً يجب اتخاذه وإن كان خصوص بعض الطرق ولو كان عاديا مخوفاً ، فيجب الحجّ بأي طريق كان ولو بالدوران في البلاد ما لم يستلزم الضرر الزائد والحرج الشديد في سلوك الطريق غير المتعارف وإلّا فيرتفع

__________________

(*) هذا في فرض الحرج أو الضرر المترتب على سلوك الطريق غير المتعارف.

(١) الوسائل ١١ : ٣٤ / أبواب وجوب الحجّ ب ٨ ح ٤ ، ٧.

١٧١

[٣٠٦١] مسألة ٦٤ : إذا استلزم الذهاب إلى الحجّ تلف مال له في بلده معتد به لم يجب (١) ، وكذا إذا كان هناك مانع شرعي من استلزامه ترك واجب فوري سابق على حصول الاستطاعة أو لاحق مع كونه أهم من الحجّ كإنقاذ غريق أو حريق ، وكذا إذا توقف على ارتكاب محرم (*) كما إذا توقف على ركوب دابة غصبية أو المشي في الأرض المغصوبة (٢).

______________________________________________________

الوجوب لنفي العسر والحرج.

والحاصل : يجب الذهاب إلى الحجّ ولو من الطريق غير المتعارف ، إذ لم يقيد الوجوب والذهاب إلى الحجّ بالسير العادي ، ودعوى الانصراف إليه أو دعوى عدم صدق تخلية السِّرب عرفاً ممّا لا شاهد عليه.

(١) لقاعدة نفي الضرر ، فإن الاستطاعة الموجبة للحج وإن فسرت في الروايات بالزاد والراحلة وصحّة البدن وتخلية السِّرب فحسب ، ولكن دليل نفي الضرر حاكم على جميع الأدلّة إلّا في موارد خاصّة ، ومقتضاه سقوط الواجب في موارد الضرر فيكون ممن يعذره الله تعالى في الترك.

ودعوى أن الحجّ كالتكاليف المبنية على الضرر كالزكاة والخمس والجهاد ونحوها من الأحكام الضررية التي لا يجري فيها دليل نفي الضرر ، بل أدلة هذه الأحكام مخصصة لأدلّة نفي الضرر فيجب تحمله ، فاسدة بأن الحجّ وإن كان حكماً ضرريّاً في نفسه لكن بالنسبة إلى المقدار اللّازم ممّا يقتضيه طبع الحجّ ، وأمّا الضرر الزائد عن ذلك الذي ليس من شؤون الحجّ ولا من مقتضيات طبعه فلا مخصص له ولا مانع من شمول دليل نفي الضرر له.

(٢) هذا أيضاً من موارد التزاحم فتلاحظ الأهميّة ، لما عرفت غير مرّة أن

__________________

(*) هذا أيضاً من موارد التزاحم فتلاحظ الأهميّة.

١٧٢

[٣٠٦٢] مسألة ٦٥ : قد علم مما مرّ أنه يشترط في وجوب الحجّ مضافاً إلى البلوغ والعقل والحرية الاستطاعة الماليّة والبدنيّة والزمانيّة والسِّربيّة وعدم استلزامه الضّرر أو ترك واجب أو فعل حرام (*) ، ومع فقد أحد هذه لا يجب فبقي الكلام في أمرين :

أحدهما : إذا اعتقد تحقق جميع هذه مع فقد بعضها واقعاً أو اعتقد فقد بعضها وكان متحقِّقاً فنقول : إذا اعتقد كونه بالغاً أو حرّا مع تحقّق سائر الشرائط فحجّ ثمّ بان أنه كان صغيراً أو عبداً فالظاهر بل المقطوع عدم إجزائه عن حجّة الإسلام (١).

______________________________________________________

الاستطاعة المعتبرة في الحجّ ليست إلّا الاستطاعة الخاصة المفسرة في الروايات وحيث إن دليل الحجّ ودليل الواجب أو الحرام مطلقان ولا يمكن الجمع بينهما في مقام الامتثال يقع التزاحم ، فيرجع إلى مرجحات باب التزاحم من تقديم الأهم أو التخيير في المتساويين. نعم ، لو قيل باعتبار الاستطاعة الشرعية بالمعنى المصطلح عند المشهور في وجوب الحجّ ، لأمكن القول بعدم وجوبه إذا استلزم مانعاً شرعياً كترك واجب أو ارتكاب محرم ، ولكن قد عرفت بما لا مزيد عليه أنه لا أساس لهذا الكلام أصلاً.

(١) قد يعتقد المكلف عدم وجود الشرائط ويكون اعتقاده مطابقاً للواقع ولا يحجّ فلا كلام ، وكذا لو اعتقد وجودها وطابق الواقع وحجّ ، إنما الكلام فيما إذا لم يطابقا فيقع الكلام في موارد :

الأوّل : ما لو اعتقد كونه بالغاً أو حرّا فحجّ مع تحقق سائر الشرائط ثمّ تبيّن أنه كان صغيراً أو عبداً ، فالظاهر عدم الإجزاء عن حجّة الإسلام لعدم الأمر بحجّ

__________________

(*) على ما تقدم فيهما من ملاحظة الأهميّة.

١٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الإسلام ، والاعتقاد خطأ لا يحدث ولا يوجد تكليفاً ، فما أتى به من الحجّ حجّ ندبي غير حجّة الإسلام ، وإجزاء حجّ الصبي أو العبد عن حجّ الإسلام للبالغ والحر يحتاج إلى دليل خاص وهو مفقود في البين.

وأمّا إذا اعتقد كونه غير بالغ أو عبداً مع تحقق سائر الشرائط وأتى به ثمّ بان الخلاف وأنه كان بالغاً أو حراً أجزأه عن حجّة الإسلام ، لأنه قصد الأمر الفعلي وامتثل الأمر الفعلي المتوجه إليه وإن تخيل أنه الأمر الندبي ، إنما الكلام فيما إذا اعتقد كونه غير بالغ أو عبداً مع تحقق سائر الشرائط وترك الحجّ ثمّ تبين كونه بالغاً أو حراً فهل يستقر عليه الحجّ مع بقاء سائر الشرائط أم لا؟ ذكر في المتن أنه يستقر عليه الحجّ مع بقاء الشرائط إلى ذي الحجّة.

أقول : يقع الكلام في مقامين :

أحدهما : أنه لو فرضنا استقرار الحجّ عليه فلا وجه للتحديد في بقاء سائر الشرائط بذي الحجّة بل لا بدّ من التحديد إلى تمام الأعمال وسيأتي في المسألة ٨١ ما يتحقق به استقرار الحجّ.

ومما يشهد لاعتبار بقاء الشرائط إلى تمام الأعمال في استقرار الحجّ أنه لو انتفت الاستطاعة في أثناء الأعمال كما إذا سرق أو تلف ماله يكشف ذلك عن عدم الاستطاعة الموجبة للحج ، فالتحديد بذي الحجة مما لا وجه له أصلاً ولذا نحتمل الغلط في عبارة المصنف ، والعبارة الصحيحة : مع بقاء الشرائط إلى الحجّ أي : إلى أعمال الحجّ وأفعاله.

ثانيهما : في ثبوت الاستقرار وعدمه ، ذكر السيّد المصنف أنه لو ترك الحجّ مع بقاء الشرائط فالظاهر استقرار وجوب الحجّ عليه ، ولكن الظاهر عدمه ، وذلك لأن موضوع وجوب الحجّ هو المستطيع ومتى تحقق عنوان الاستطاعة صار الحكم بوجوب الحجّ فعلياً لفعلية الحكم بفعلية موضوعه ، وإذا زالت الاستطاعة وارتفع الموضوع يرتفع وجوب الحجّ لارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه حتى بالإتلاف

١٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والعصيان نظير القصر والتمام بالنسبة إلى السفر والحضر ، فلو كنّا نحن والأدلّة الأوّلية لوجوب الحجّ على المستطيع لقلنا بعدم وجوبه وعدم الاستقرار عليه لزوال الاستطاعة على الفرض ، فإن هذه الأدلّة إنما تتكفل الوجوب ما دامت الاستطاعة باقية ، فإذا انتفت وزالت لا مورد لوجوب الحجّ لزوال موضوعه ، وإنما نقول بالاستقرار في مورد التسويف والإهمال للروايات الخاصّة الذامّة للتسويف ، وأنّ من سوّف الحجّ وتركه عمداً فقد ضيع شريعة من شرائع الإسلام ومات يهوديّاً أو نصرانيّاً (١) ، وإذن فيجب عليه الحجّ ولو متسكِّعاً حتى لا يموت يهوديّاً أو نصرانيّاً.

وهذه الروايات لا تشمل المقام لعدم صدق التسويف على المعتقد بالخلاف وأنه صغير لا يجب عليه الحجّ ، لأن الظاهر من التسويف هو ترك الحجّ مع اعتقاد وجوبه عليه وتحقق العصيان منه بترك الحجّ ، ومن يترك الحجّ لاعتقاد كونه صبياً وغير مكلف به لا يصدق عليه عنوان التسويف والإهمال والعصيان ، هذا أوّلاً.

وثانياً : فإنّا قد ذكرنا في المباحث الأُصولية (٢) أن الأحكام وإن كانت تشمل الجاهل ولكن لا تشمل المعتقد بالخلاف ، لأنه غير قابل لتوجه الخطاب إليه فهو غير مأمور بالحكم واقعاً ، فلا يكون وجوب في البين حتى يستقر عليه ، ففي زمان الاعتقاد بالخلاف وأنه صغير أو عبد لا يحكم عليه بالوجوب لعدم قابليته للتكليف بالحج ، وفي زمان انكشاف الخلاف والعلم بالبلوغ أو الحرية لا يكون مستطيعاً على الفرض حتى يجب عليه الحجّ.

وثالثاً : إنما يستقر الحجّ إذا لم يكن الترك عن عذر ، وأما إذا كان الترك مستنداً إلى العذر فلا موجب للاستقرار ، والاعتقاد بالخلاف من أحسن الأعذار ، فإن بقيت الاستطاعة إلى السنة القادمة يجب الحجّ وإلّا فلا.

المورد الثاني : إذا اعتقد كونه مستطيعاً مالاً وأن ما عنده يكفيه فحج ثمّ بان

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٥ / أبواب وجوب الحجّ ب ٦ ، ٧.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٢٧٠.

١٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الخلاف ، فقد ذكر السيّد (قدس سره) أن في إجزائه عن حجّة الإسلام وعدمه وجهين : من عدم الإجزاء لفقد الشرط واقعاً وأنه غير واجد للمال ، ومن أن القدر المتيقن من عدم الإجزاء غير هذه الصورة ، لأن دليل عدم الإجزاء إنما هو الإجماع والقدر المسلم منه ما لو علم بعدم الاستطاعة وحجّ ، وأما لو جهل بذلك واعتقد الاستطاعة وحجّ ثمّ انكشف الخلاف فلا يشمله الإجماع.

وفيه : أن ما ذكر إنما يتم لو كان الإجزاء على طبق القاعدة وكان عدم الإجزاء لأجل الإجماع ، فيؤخذ بالقدر المتيقن منه وهو غير هذه الصورة فيتعين القول بالإجزاء ، ولكن الأمر ليس كذلك ، فإن الإجزاء على خلاف القاعدة ويحتاج إلى الدليل الخاص ، وذلك لأن إطلاق الآية والنصوص يقتضي وجوب الحجّ عند فعلية موضوعه سواء حجّ سابقاً أم لا ، وسقوط الحجّ حينئذ مناف لإطلاق الأدلة ، فمقتضى القاعدة عدم الإجزاء.

وبالجملة ما جاء به حجّ غير واجب وإجزاؤه عن الواجب يحتاج إلى الدليل والاعتقاد بالخلاف لا يوجب انقلاب الأمر من الندبي إلى الوجوب وإنما تخيل أنه واجب ومأمور به ، فما أتى به لم يكن واجباً واقعاً وإجزاؤه عن الواجب لا بدّ أن يستند إلى الدليل ، فالأقوى عدم الإجزاء. نعم ، لو ترك الحجّ والحال هذه أي كان معتقداً بالاستطاعة فقد تجرأ وأما الاستقرار فلا دليل عليه.

ولو انعكس الأمر بأن اعتقد أنه لا مال له ولم يحج ثمّ بان الخلاف وكان المال وافياً بالحج ذكر في المتن أنه يستقر عليه الحجّ.

أقول : إذا بقيت الاستطاعة إلى العام القابل فلا كلام ، إنما الكلام فيما إذا زالت الاستطاعة ، ويجري فيه ما تقدم في اعتقاد الصغر ، وقد عرفت أن ترك الحجّ حينئذ مستند إلى العذر لأنه قاطع بعدم الوجوب فلا يتوجه إليه التكليف ، فالظاهر عدم الاستقرار.

المورد الثالث : وهو اعتقاد الضرر وعدمه ، فإنه قد يعتقد عدم الضرر وعدم الحرج ويحج ثمّ ينكشف الخلاف ، وقد ينعكس الأمر أي يعتقد الضرر والحرج

١٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ويترك الحجّ ثمّ ينكشف عدم ثبوت الضرر في الواقع. أما إذا اعتقد الضرر أو الحرج وترك الحجّ فبان الخلاف فالحكم ما تقدم من عدم الاستقرار ، لما عرفت من عدم شمول أخبار التسويف للمعتقد بعدم التكليف لعدم إمكان توجه التكليف إليه ، ويشمله أدلّة العذر.

وأمّا إذا اعتقد عدم الضرر أو عدم الحرج فحج فبان الخلاف ، ذكر في المتن أن الظاهر كفايته وإجزاؤه عن حجّ الإسلام ، ولا يقاس المقام باعتقاد الاستطاعة وانكشاف الخلاف ، والظاهر أنه (قدس سره) يعتمد في ذلك على ما اشتهر بينهم من أن دليل نفي الضرر ينفي الوجوب والإلزام وأما أصل المحبوبية فغير منفي وبذلك يصح الحجّ.

وفيه : ما ذكرناه في الأُصول (١) بما لا مزيد عليه من أن الوجوب والاستحباب ليسا بسنخين من الحكم وليسا مجعولين مستقلين وإنما المجعول أمر واحد ، غاية الأمر أنه إن لم يقترن بالترخيص خارجاً ينتزع منه الوجوب ويحكم العقل بتفريغ الذمّة منه ، وإن اقترن بالترخيص ينتزع منه الاستحباب ، فالحكم المجعول شي‌ء واحد وليس في البين أمران حتى يقال بأن أحدهما يرتفع والآخر يبقى ، بل إذا ارتفع ترتفع المحبوبية برأسها ، فإذا ارتفع المجعول برأسه فلا مجال لبقاء المحبوبية. وبعبارة أوضح : دليل نفي الضرر يرفع المجعول الشرعي الذي هو بسيط غير مركب فلا مجال لدعوى أن المحبوبية باقية وغير مرتفعة.

ولكن الأمر كما ذكر من الإجزاء والكفاية ، وذلك لعدم شمول دليل نفي الضرر للمقام لأنه امتناني ولا امتنان في الحكم بالبطلان بعد العمل. وبالجملة : لا مانع من الحكم بصحة الحجّ وإجزائه إلّا من جهة تحمل الضرر الواقعي ، فإذا فرضنا عدم شمول دليل نفي الضرر للمقام فلا مانع أصلاً من الحكم بالصحة والإجزاء.

نعم ، إذا كان الضرر من الضرر المحرم كالهلاك ونحوه ، فلا نلتزم بالصحّة ، لا لدليل

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٣٢.

١٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

نفي الضرر ، بل لأنّ تحمّل الضرر مبغوض واقعاً ولا يمكن التقرب به ، ولكن هذا لا يتصوّر في الحجّ لعدم الضرر في نفس أعمال الحجّ وأفعاله ، فما ذكره (قدس سره) من الإجزاء صحيح ، لا لأجل أن دليل نفي الضرر لا ينفي المحبوبية ، بل لأجل عدم جريان دليل نفي الضرر لكونه امتنانياً لا يشمل مثل الحكم بالبطلان ولا يعم ما إذا انكشف الخلاف بعد العمل.

المورد الرابع : ما إذا اعتقد وجود المانع كالعدو واللص أو الضرر أو الحرج فترك الحجّ فبان الخلاف ، فهل يستقر عليه الحجّ أو لا؟ وجهان ، اختار في المتن عدم الاستقرار وعلله بأنه يكفي في باب الضرر الخوف ، وهو حاصل بمجرّد الاعتقاد بوجود المانع ، واستثنى من ذلك ما إذا كان اعتقاده على خلاف رويّة العقلاء وبدون الفحص والتفتيش ، فحينئذ يستقر عليه الحجّ لأنه يعتبر مقصراً.

أقول : الظاهر أن ما ذكره لا يتم على مسلكه من شرطية هذه الأُمور واقعاً ، فإن الخوف من وجود العدو أو الضرر وإن كان طريقاً عقلائياً إلى وجوده ولكن الحكم بعدم الوجوب في ظرف الجهل بتحقق الشرط حكم ظاهري لا واقعي ، فيكون المقام نظير ما إذا اعتقد عدم المال وترك الحجّ ثمّ بان الخلاف وقد اختار هناك الاستقرار ولازمه القول بالاستقرار هنا لعدم الفرق بين البابين. نعم ، بناء على ما قلنا من أن الاعتقاد بالعدم عذر مسوغ للترك لعدم إمكان توجه التكليف إلى المعتقد بالخلاف لا مقتضي للاستقرار ، لعدم شمول أخبار التسويف مورد العذر في الترك ، لأن الظاهر منها صورة التقصير في الترك ، ومن اعتقد عدم الشرط وترك الواجب لا يصدق عليه المقصر ، ولذا ذكرنا في التعليقة أن الأقوى عدم الاستقرار حتى إذا كان اعتقاده على خلاف رويّة العقلاء.

المورد الخامس : في المانع الشرعي كاستلزام الحجّ ترك واجب أهم أو ارتكاب محرم كذلك ، فإن اعتقد عدم مانع شرعي فحج فبان الخلاف فالظاهر الإجزاء كما في المتن ، لأن عدم وجود المانع الشرعي من الواجب أو الحرام لم يؤخذ في موضوع الحجّ وإنما اعتبرناه لأجل التزاحم ، ومن الواضح أن التزاحم بين الواجبين يتوقف على

١٧٨

وإن اعتقد كونه غير بالغ أو عبداً مع تحقق سائر الشرائط وأتى به أجزأه عن حجّة الإسلام كما مرّ سابقاً ، وإن تركه مع بقاء الشرائط إلى ذي الحجة فالظاهر استقرار وجوب الحجّ عليه (*) فإن فقد بعض الشرائط بعد ذلك كما إذا تلف ماله وجب عليه الحجّ ولو متسكِّعاً ، وإن اعتقد كونه مستطيعاً مالاً وأن ما عنده يكفيه فبان الخلاف بعد الحجّ ففي إجزائه عن حجّة الإسلام وعدمه وجهان (**) من فقد الشرط واقعاً ومن أن القدر المسلم من عدم إجزاء حجّ غير المستطيع عن حجّة الإسلام غير هذه الصورة ، وإن اعتقد عدم كفاية ما عنده من المال وكان في الواقع كافياً وترك الحجّ فالظاهر الاستقرار عليه (***) ، وإن اعتقد عدم الضرر أو عدم الحرج فحج فبان الخلاف فالظاهر كفايته ، وإن اعتقد المانع من العدو أو الضرر أو الحرج فترك الحج فبان الخلاف فهل يستقر عليه الحجّ أو لا؟ وجهان

______________________________________________________

التنجّز ووصول التكليفين ، ولا عبرة بمجرد الوجود الواقعي ، لأن التزاحم إنما هو لأجل عدم القدرة على امتثال الواجبين وعدم إمكان الجمع بينهما في مقام الامتثال ومن المعلوم أن ذلك إنما يتحقق بعد الوصول ، وأما إذا كان جاهلاً بأحد الواجبين فلا معنى لعدم القدرة على امتثالهما.

وبعبارة اخرى : التزاحم إنما يتوقف على وصول الواجبين ، وأما إذا لم يصل أحدهما فلا تزاحم أصلاً ، فإذن لا مانع من فعلية التكليف بالمهم كما لو لم يعلم بنجاسة المسجد وصلّى ، فإنه لا ريب في صحّة صلاته لعدم تصور التزاحم بين الصلاة وإزالة النجاسة فلا حاجة في الحكم بالصحة إلى الترتب ، لأنه إنما يتصور في مورد التزاحم وعصيان الأهم وتركه ، ومع الجهل بوجوب الإزالة لا مزاحم حتى يحتاج إلى الترتب.

__________________

(*) بل الظاهر عدمه.

(**) أقواهما عدم الإجزاء.

(***) بل الظاهر عدم الاستقرار كما تقدم.

١٧٩

والأقوى عدمه لأن المناط في الضرر الخوف وهو حاصل إلّا إذا كان اعتقاده على خلاف رويّة العقلاء (*) وبدون الفحص والتفتيش ، وإن اعتقد عدم مانع شرعي فحج فالظاهر الإجزاء إذا بان الخلاف ، وإن اعتقد وجوده فترك فبان الخلاف فالظاهر الاستقرار (**).

ثانيهما : إذا ترك الحجّ مع تحقق الشرائط متعمداً أو حجّ مع فقد بعضها كذلك ، أمّا الأوّل فلا إشكال في استقرار الحجّ عليه مع بقائها إلى ذي الحجة (***) ، وأما الثاني فإن حجّ مع عدم البلوغ أو مع عدم الحرية فلا إشكال في عدم إجزائه إلّا إذا بلغ أو انعتق قبل أحد الموقفين على إشكال في البلوغ قد مرّ (١) (****).

______________________________________________________

وإن اعتقد وجود المانع الذي هو أهم من الحجّ فترك الحجّ رعاية لطلب الأهم فبان الخلاف ، ذكر (قدس سره) أن الظاهر هو الاستقرار ، وقد عرفت أن الظاهر عدمه كما تقدم نظيره ، لعدم توجه التكليف إليه واقعاً ، فهو معذور في ترك الحجّ فلا تشمله أدلّة التسويف والتقصير.

(١) لا خلاف ولا إشكال في استقرار الحجّ عليه إذا تركه عمداً وبلا عذر مع تحقق جميع الشرائط وبقائها إلى آخر الأعمال وقد تقدم الإشكال في التحديد بذي الحجة. وكيف كان ، قد عرفت أن مقتضى النصوص أن تارك الحجّ عن غير عذر يموت يهودياً أو نصرانياً فلأجل الفرار عن ذلك لا بدّ من إتيانه ولو متسكِّعاً ، إنما البحث فيما لو حجّ مع عدم كونه واجداً للشرائط ، فيقع البحث في مسائل :

الاولى : لو حجّ مع عدم البلوغ أو مع عدم الحرية فلا ريب في عدم الإجزاء للقاعدة والنصوص الخاصة التي تقدمت في أوائل الكتاب من أنه إذا بلغ الصبي أو

__________________

(*) بل حتى في هذه الصورة.

(**) بل الظاهر عدمه.

(***) بل إلى آخر الأعمال.

(****) وقد مرّ عدم الإجزاء فيه.

١٨٠