ديوان الشيخ محسن أبو الحبّ ( الكبير )

الشيخ محسن أبو الحبّ

ديوان الشيخ محسن أبو الحبّ ( الكبير )

المؤلف:

الشيخ محسن أبو الحبّ


المحقق: جليل كريم أبو الحبّ
الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: بيت العلم للنابهين
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٦

١

٢

٣

٤

مقدمة الناشر

مأ اعظم وأروع أن يقف المرء في حضرة أُمراء الشعر الذين خلدوا شعرهم فخلدهم شعرهم إلى يومنا هذا .. بل إلى يوم يرث ألله ألأرض ومن عليها .. والحقيقة أنه مهما طال الزمن .. ومهما تناسى الناس سفراً أو أثراً عظيما ونفيسا إلا وقيّض ألله له من يعيده إلى دائرة الضوء كي يشع من جديد.

نعم ـ عزيزي القارئ ـ بين صفحات هذا الديوان شعر من أروع الشعر .. شعر من أجمل الشعر .. كلمات من أروع الكلمات ، لأنها في معظمها في رثاء سيد الشهداء وأهل البيت ألأطهار عليهم‌السلام ، ولأنها من نظم الشاعر الكبير محسن أبو الحب (الجد) أو (الكبير). حيث إن حفيده وسميه ولد في عام وفاته وعرف بالصغير.

وحري بنا القول هنا أن شاعرنا الكبير محسن أبو الحب من الشعراء الذين تركوا بصماتهم واضحة في الشعر الحسيني ، فشعره ردده قراء المجالس الحسينية على مدى عقود من الزمن على المنابر الحسينية المباركة ، لا سيما ذلكم البيت المشهور الذي ينسبه قراء العزاء للإمام الحسين عليه‌السلام والذي يردده الكثير من الناس ، بلأ وتحتضنه مئات أو آلاف اللافتات التي تعلق في أيام عاشوراء الحزينة وهو :

إن كان دين محمد لم يستقم

إلا بقتلي يا سوف خذيني

وتخليدا لشاعرنا الكبير وتجديدا لذكراه .. وإحياءً لشعره وإظهارا له ليأخذ مكانه بين دواوين الشعر في يومنا هذا ، وبمسعى مشكور وجهد مقدر

٥

من قبل القيمين على المركز الحسيني للدراسات في لندن نقدم هذا الديوان من جديد إلى المكتبة ألإسلامية ، بعد أن قام بتحقيقه أحد أبرز أحفاده الدكتور الفاضل جليل إبن كريم أبو الحب ، ولقد قام ألأخوة في المركز الحسيني للدراسات بمطابقته مع نسخة مخطوطة وأشاروا إلى ذلك في التعليقات بعبارة «في نسخة ... (الناشر)» كل ذلك ليخرج هذا الديوان إلى النور بشكل ومضمون يليق بشاعرنا الراحل الكبير وبشعره الرائع.

ومن أجل ذلك كله وبناءً على ما تقدم الكلام فيه أعلاه أخذنا بدورنا في بيت العلم للنابهين على عاتقنا مسؤولية صفه وإخراجه بحلة قشيبة وإخراجه إلى النور ليأخذ مكانه المتقدم بين دواوين الشعر الكبيرة في يومنا هذا ، وهذا هو أقل الوفاء للشاعر الكبير محسن أبو الحب (الكبير) واقل الوفاء لإمامنا الشهيد الحسين ولأهل البيت ألأطهار عليهم أفضل صلوات ألله وسلامه ... والحمد لله رب العالمين.

١٤ / ٣ / ١٤٢٤ هـ

١٥ / ٥ / ٢٠٠٣ م

٦

تقديم

بسم ألله ، والحمد لله ، والصلاة على محمد رسول ألله وعلي أبي عبدالله الحسين طيب ألله ثراه وعلى تابعه بإحسان ومن والاه ، وعلى آل بيته وأنصاره ومن إقتفى نهجه وهداه.

أما بعد : فإنه لمن عظيم الشرف أن يحظى إمرؤ بوقفة طاهرة على أثر أدبي يتناول صفوة الخلق ، ويشيد بسراج يظل متقدا بخضرة ألأرض وإشراق السماوات ، وعلم جدلي خرت دونه الرواسي الشوامخ ، وقد زادني غبطة ما كلفني به المركز الحسيني للدراسات (لندن) من تقديم لديوان الشاعر ألألمعي الشيخ محسن أبو الحب (الجد) المتوفى سنة ١٣٠٥ هـ (١٨٨٧ م) ، فجعلت هذا التكليف ، تشريفا لي ، بغية نيل رضا الحق ، وإلتماسا لشفاعة نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآل بيته البررة الطاهرين ، ولم تمض سوى سويعات قليلة من حديثنا حتى سارعت إلى الديوان ، وفي القلب شغف يتقد ، وملء الروح خواطر ظمأى تريد الرواء ، كأن ألأثر الشعري دوحة وارفة الظلال ، دانية القطوف ، وردية ألآفاق ، مفعمة بالإيحاء ، عميقة ألأسرار ، شجية ألأنغام ، كسيرة الوجدان ، تبعث في الدارس نشوة الدرس ، وفي القارئ لذة الكشف عبر مسافات القراءة المفتوحة على ذاكرة الزمن ، كان البيت الواحد منه يفتح لي نوافذ مسيجة بالظلمة ، أرحب ما تطل عليه عيناك جراحنا المنسية في الرفوف ، وأغرب ما يشد إنتباهك غبار قاتم يكاد يحجب الشمس في غسق بهيم ، تلك هي الحقيقة التي لبست سبات غروبها فلم يوقظها طالع من الشرق ، ولعل هذا المخطوط الذي بعث من مرقده قبس قد يشع في عتمات الطريق المدلهم بالخطوب ، ويجلي بصفحاته المشرقة أفقا غائما ،

٧

أجمل من تسكنه عنادل الدعة والسلام ، وأطيب ما تفوح منه أزهار نيسان مفتحة بعمر جديد.

ما اصدق أن يتجدد الحزن القديم على سيد الشهداء عليه‌السلام وأنت تسافر جريحا عبر قصائد الديوان ، وغريبا في فلاة كلها أشواك تحاصر ألألم الدفين ، وطوفان أموي مجنون يغمر حدائق الحلم ، وخيام ألأمان ، ويلوكها بنيران من لجج ، حتى إذا إتسع الجرم ، وعظم الذنب ، وإشتدت حمرة الدم لتغرق الشمس تركها كالهشيم.

لقد إستطاع الشاعر بما أوتي من قريحة خصبة ، وعاطفة متأججة في حب الحسين عليه‌السلام أن يردنا إلى فاجعة الحدث ، وينفخ فينا الوجع ألأبدي المخضب بالحسرات الحارقة ، ويشغشغ في أكبادنا الجرح مرة أخرى ، مسفوحا على عتبات الذكرى ، ومذبوحا على جذوع ألإنكسار ، ومصلوبا على رملته من خلاف ، أحسست وأنا اقرأ أشعار المخطوط برغبة شديدة في البكاء حينا ، وأحيانا أخرى بغضب هادر يوقد فيّ الثورة على الركود ، والعزم على التحديد ، ومحو رسوم الظلم ألأفين ، فهل من دواء للقلب المكلوم غير السيوف القواطع ، وخميس ألأسنة المشرعة ، ذاك هو الحسين عليه‌السلام الرمز ألأسطوري الخالد خلود القدر في لوحه المحفوظ ، مشرقا يكتب للبشرية كتاب نبراسها ، ومنهاج سيرتها ، وتعاليم الفتوح ألإشراقية المثمرة لها بالخلاص ، فما أروعه إذ يقول :

هل غير ماضية السيوف شفاء

أم غير تعناق الكماة دواء

ذاك الحسين ولا أظنك عارفا

ما نونه ما سينه ما الحاء

ذاك الذي أعطى المهند حقه

في يوم نحسٍ لم تزره ذكاء

تقرأ سرور الشاعر عطرا بين ثنايا ألأبيات ، فتلمح تهليلاته بالخالدات من أيام الحسين عليه‌السلام المحملة بألأريج ، والمرصعة بيواقيت البشرى التي تحف ألإنسان وهو ينتظر صبحه القريب.

ولن يخفى إشعاع الصحوة الحسينية عن ناظر مهما طوحت به غياهب الفجاج ، ومهما ضلت به قدم الليل وزلت في سحيق الكهوف الموحشة ، حري بالمثقفين من الشعراء والكتاب والمفكرين أن يجعلوا من قضية

٨

الحسين عليه‌السلام رمز إنبعاث روحي ، وإنفتاح فكري ، تمتد به النظرات وهاجة ، آخذة من الشهاب القبس جذوة صحمها ، ومصباح هداها ، تسير به طالعة من وحل المأساة ، وساطعة بوجه ألإمام بأروع ما تشرق به شمس ، ورافعة علمه المحمدي الفاطمي العلوي بأشرف ما حملته السماء آل بيته البررة المهديين عليهم‌السلام.

فالديوان لامحالة دفقة إلهاميّة صدرت عن فطرة أصيلة متمكنة ، ولا غرو من ذلك فالشاعر وليد أرض مقدسة ، ونزيل الدوحة الهاشمية من آل بيت النبوة ، قدإغترف سلسال الحب ألأقدس ، ونهل من اللوح المرقوم بعلوم الصفوة الخاتمة ، سليلة آل محمد الطاهرين ، وألأجدر بالنخبة من طالبي المعرفة الخالصة أن ينهلوا من نهر الكوثر الحسيني الذي لا ينضب ولن يجف ، وهو ممدود ببحار النبوة ، هذا محتوى الديوان الروحي والعاطفي.

وأما عن لغة المخطوط فأصيلة في نبعها ، متينة في بنائها ، وارفة ألإيحاءات ، تعبر عن المكنون ببلاغة ساحرة ، وحجة دامغة ، وروح ذائبة في حب الإمام المهدي الحسين عليه‌السلام.

حرره في

لندن ٤ / نيسان / ٢٠٠٣

جامعة البليدة ـ الجزائر

الدكتور عبدالعزيز شبين

٩
١٠

الشيخ محسن الحائري

عربي ألأصل والمحتد ، حائري المولد والمسكن والمدفن ، ولد في كربلاء سنة ١٢٢٥ هـ ، ومات أبوه الحاج محمد وهو طفل صغير فنشأ يتيما في حجر الفقر والفاقة ولكنه على صغر سنه كان ذا فطنة ونباهة ورغبة شديدة للحضور في محافل الفضل وألأدب وناهيك بكربلاء يوم ذاك فقد كانت تضم بين احشائها جماعة من أبنائها الشعراء المجيدين وألأدباء المفلقين الذين لم يحصل لهم من بعدهم ويا للأسف من أبناء وطنهم الذين إشتهروا في خدمة اللغة العربية من يسعى لجمع أشعارهم وتدوين آثارهم ونشر ذكرهم فيجعلهم أكبر يد وأعظم صنيعة على ألأدب العربي. ومن أولئك الذين أشرنا إليهم المرحوم الحاج محمد علي كمونة المتوفى سنة ١٢٨٢ هـ والمرحوم الحاج جواد بدقت المتوفى سنة ١٢٨١ هـ والشيخ عمران عويّد والشيخ موسى الشهير بألأصفر المتوفى فيما يقرب من ذلك العصر والشيح علي الناصر الشهير بالأعور وأمثال هؤلاء في عصرهم في كربلاء ، نعم طفق شيخنا المترجم له يختلف إلى أنديتهم ويصغي إلى مذاكراتهم ويرفده في ذلك توقد قريحة ذكائه إلى ما كان فيه من ألإستعداد الطبيعي والميل الفطري فما كاد أن يبلغ الثلاثين سنة من عمره حتى عاد من السابقين في تلك الحلبات والبارزين في تلك المضامير والغايات ، ويلقب بأبي الحب بفتح الحاء والباء وتشديدهما لأنه إبتلي بمرض السعال وضيق الصدر فعمل له بعض ألأطباء حبا يهون عليه ما كان يجده من ألم المرض فكان يحمله معه ويعطي منه من أبتلي بذلك الداء فعرف بأبي الحب وأصبح مع كونه شاعرا أديبا وفاضلا لبيبا قارئا خطيبا تهتز شوقا إليه المنابر يوم تنعقد على ذكره الخناصر ولم يزل في كربلاء شاعرها المجيد وخطيبها

١١

الوحيد إلى أن أجاب داعي ربه يوم ألإثنين ٢٠ ذي القعدة سنة ١٣٠٥ هـ فيكون عمره ثمانين سنة ودفن في الرواق الحسيني عليه‌السلام خلف السيد إبراهيم المجاب (ره) واعقب عدة أولاد أفضلهم الشيخ محمد حسن.

بقلم

الشيخ محسن أبو الحب الحفيد

المتوفى عام ١٣٦٧ هـ

١٢

كلمة لا بد منها

بقلم د. جليل أبو الحب

ولد الشيخ محسن أبوالحب الجد حوالي عام ١٢٢٥ هـ وليس كما ذكر المرحوم العم الشيخ محسن أو الحب الحفيد من أنه ولد عام ١٢٤٥ هـ وذلك للأسباب التالية :

١ ـ هناك بيتان من الشعر للشيخ قاسم الهر (المتوفى ١٢٧٦ هـ) يهنئ بهما الشيخ الجد بولادة ولده الثاني محمد حسن وهما :

بشرى لمحسن بالعلى

بمحمد الحسن الصفات

سرّ الورى ميلاده

أرخته «بالخيّرات»

فليس من المعقول أن يكون عمر الجد ١٠ سنوات ١٢٥٥ ويرزق بولده الثاني وقد أيد لي المرحوم الشيخ محمد حسن تاريخ ميلاده هذا قبل وفاته بعامين أي عام ١٣٥٥ هـ (وكانت وفاته في ١٢٥٧ هـ).

٢ ـ هناك قصيدة للشيخ محسن الجد في الديوان يرثي لها العلامة السيد حسين الطباطبائي ، إبن السيد محمد المجاهد ، المتوفى عام ١٢٥٠ ، فليس من المعقول أن يكون عمر الشيخ محسن الجد خمس سنوات ويكون شاعرا راثيا.

٣ ـ الشيخ محمد الحفيد نفسه يقول في ترجمة جده ، ولما بلغ الثلاثين من عمره (أي الشيخ محسن الجد) كان رجلا معروفا بالمجتمع فإذن كان عمره عند التهنئة (بولده الثاني) والرثاء (للطباطبائي) قد بلغ

١٣

الثلاثين أي أن الولادة كانت عام ١٢٢٥ هـ أو حواليها.

خلف الشيخ الجد سبعة أولاد وبنتا واحدة ، وهم(*) :

أ ـ الشيخ محمد علي ، توفى بعد أبيه بسنتين.

ب ـ الشيخ محسن حسن ـ عالم مجتهد وخطيب منبر ، توفى عام ١٢٥٧ هـ.

جـ ـ الشيخ محمد سعيد ـ خطاط زمانه توفى أثناء الحرب العالمية ألأولى.

د ـ الشيخ محمد حسين ـ خطيب منبر مبتدئ عندما توفى أثناء الحرب العالمية ألأولى.

هـ ـ الشيخ عوني ـ توفى أثناء الحرب العالمية ألأولى وهو جد كاتب هذه الملاحظات لأمه.

و ـ الشيخ محمد جواد ـ توفى عام ١٩٣١ م وهو جد كاتب الملاحظات لأبيه.

ز ـ الشيخ محمد جعفر ـ توفى أثناء الحرب العالمية ألأولى.

والبنت الوحيدة هي أسماء وزوجها إبن عمها حمزة حمادي أبو الحب وأولادها رضا وعلي ومحمد.

الشيخ محسن الحفيد هو إبن الشيخ محمد حسن المذكور أعلاه ، ولد عام وفاة جده (١٣٠٥ هـ) وتوفى عام ١٣٦٩ هـ وكان شيخا خطيبا وقورا ، لسنا ، إجتماعيا ووجيها في كربلاء وقد كان لسان حالها عندما يقدم لها الملوك وألأمراء والوزراء.

__________________

(*) لم يكن كل هؤلاء شيوخا ولكن كربلاء بقيت تطلق عليهم هذا التكريم تكريما لوالدهم الشيخ محسن أبو الحب الحائري.

١٤

وأخيرا أود أن أشير إلى أنني سعيت في تحقيق الديوان ونشره خدمة للمنبر الحسيني وللعلم وأني أبقيت كل الديوان على حاله بدون أن أحذف منه شيئا وذلك للأمانة كما أن جزءا كبيرا من الديوان يعرفه خطباء المنبر الحسيني على ظهر الغيب وأرجو أن أكون بجهدي هذا قد أديت بعض الخدمة للحسين الشهيد عليه‌السلام أبي ألأحرار والمبادئ وكذلك لعائلة (أبو الحب) ـ في كربلاء وبغداد ـ بإحياء ذكرى جدها والسلام.

١٥
١٦

الشيخ محسن أبو الحب

بقلم مهدي عباس العبيدي (١)

إن كثيرا من الشعراء المجيدين بل الفحول المبرزين قد ضلوا في زاوية النسيان بينما لا يزال من رآهم وشافههم حيا يرزق. فهناك أدب جم له ألأثر المباشر على الحياة ألأدبية في العراق. ولا نبالغ إذا قلنا إن أكثر الشعراء الحاضرين هم آثار تلك النهضة أدبية قبل خمسين سنة أو تزيد على ذلك بشيء قليل. وأقول ذلك وهذا ألأدب الغزير في حاجة إلى بحث ودراسة وتسجيل خوفا عليه من الضياع. ومن جملة هؤلاء ألأفذاذ الشيخ محسن ابو الحب نجل الحاج محمد ، توفى أبوه وتركه صغير السن يقاسي آلام اليتم وضر الفقر.

وقد ولد في كربلاء حوالي سنة ١٢٢٥ هـ سنة خمس وعشرين ومائتين بعد ألألف. وقد أخذ ألأدب وأخذ الشعر وروى ألأخبار عن السلف الصالح من ألأئمة الطاهرين عليهم‌السلام ..

عن الحاج محمد علي كمونة المتوفى سنة ١٢٨٢ ، والحاج جواد بدقت المتوفى سنة ١٢٨١ ، وآخرين غيرهم من الخطباء والوعاظ. فما زال

__________________

(١) تخرج المرحوم مهدي عباس العبيدي سنة ١٩٤٢ م من كلية التربية في بغداد (دار المعلمين العالية سابقا) ، من قسم اللغة العربية. وقد درس اللغة العربية في عدة مدارس ثانوية منها دار المعلمين الريفية وكلية الملك فيصل ألأول ، وقد توفى في أوائل عام ١٩٦٨ م وكان مديرا لإحدى المدارس الثانوية في ألأعظمية. وهو خال ألأستاذ أديب الفكيكي حسب ما أخبرني أديب نفسه.

١٧

يختلف إلى أنديتهم ويقطف من أزهار أحاديثهم ، ويجني من ثمر علمهم ، ويتلقف منهم ما ينثرون ، حتى ناهز الثلاثين ، وإذا به قد نبغ في الشعر وبرز في الخطابة فكان السابق في الحلبة ولقب آنذاك بأبي الحب ، وهو لقب باق لعائلته في كربلاء حتى اليوم وسبب هذه التسمية إن طبيبا وصف له حبا لما إشتد به السعال وضيق الصدر فكان يحمله معه ويعطي منه لمن يراه مبتليا بهذا الداء فسمي (أبو الحب) ..

وكان نابه الشأن رفيع القدر في زمانه ومما يدل على سمو مكانته إهتمام المؤلفين في تعليقه على كتبهم وإبداء رأيه في مأثورهم ، فهذا معاصره محمد حسين النوري في مقدمة كتابه (نفس الرحمن) يقول مفتخرا : (وممن قرض عليه الفاضل ألأديب المشتهر بنهاية الكمال في ألآفاق ، سيد قراء العراق الشيخ محسن القارئ أدام ألله توفيقه).

يبتدئ هذا التقريض بالبحث على ألإبداع فيقول :

من كان ذا قلم فليقل مبتدئا

كذا وإلا فلا حظ ولا قلم

ثم يقول واصفا الكتاب :

من يطلع فيه يعلم أن ظاهره

فيه النعيم وفي بطنانه النعم

نور تولد من نور فما نظرت

عين إمرئٍ غير ما تجلى به الظلم

أثنى عليه لساني غير مبتدئ

وسوف يثني عليه اللوح والقلم

ثم يذكر إسم الكتاب وفيمن ألف :

جاء إسمه نفس الرحمن حين بدا

معناه من نفس الرحمن يغتنم

أبان من قدر سلمان ورفعته

ما كان قصر عنه العرب والعجم

وللمترجم له ديوان يقع في (١٩٨ صفحة) ثمان وتسعين ومائة صفحة من القطع المتوسط خطي موجود عند عائلته وهم من العائلات المعروفة في كربلاء ووقفت على نسخة عند حفيده السيد ضياء أبو الحب المدرس للتربية في دار المعلمين الريفية.

والديوان تغلب عليه الناحية الدينية. يكاد يكون كله في رثاء الحسين

١٨

وآل الحسين عليهم‌السلام. فهو يعد من أدب الحسين. وللحسين أدب خاص قد يعجز ألأدباء عن جمعه بل يتعبهم. وهو ينبوع للشعر فياض يمد ألأدب بماء متواصل وغذاء غزير مستديم.

وهو يشرح لنا سبب رثائه لهم ومدحه إياهم فيقول مخاطبا عليا :

أمير المؤمنين ولاك حصني

بيوم الحشر إن كشف النقاب

وها أنا ذا أستقرئ ديوانه قاطفا من ورده جانبا من ثماره وإن تساوت ألأزهار وتشابهت ألأثمار لتكون نموذجا لأثره رابطا هذه الباقة بوحدة موضوع لا بما تنظم به الباقات والموضوع هو كما ألمحنا إليه يوم عاشوراء أو أدب الحسين.

يبدأ الموضوع : برثاء من إتخذ إسمه للتفاؤل أثناء الحروب ، وعند النزال أبي الحسن علي بن أبي طالب كرم ألله وجهه فيقول :

أللإسلام بعد من محام

إذا ما حل ساحته إضطراب

أللأيتام بعد من كفيل

إذا ما عضها للدهر ناب

لقد فقدوا أبا برا رؤوفا

بفقدك يوم سار بك الركاب

وأقسم لو جميع الناس ماتوا

بموتك لم يكن في ذاك عاب

نعيتك للكتاب فكان قبلي

عليك له عويل وإنتحاب

ألا شقوا ضريح ابي حسين

بقلبي أو بعيني يا صحاب

فلست أرى التراب له محلا

وإن بهر السما ذاك التراب

ضريحا ضمه يدعى ترابا

تعالى بل هو التبر المذاب

قتل الحسين فجددوا حزنا

وتجلببوا لمصابه ثوبا

من لم يذب من أجله كمدا

فلقد اصاب من الصفا قلبا

يوما يجدده الزمان لنا

فيعود يابس حزننا رطبا

ثم يبدأ ذاكرا عاشوراء وسبب تجدد أساه عند الشيعة فيقول ردا على من يتسرب إلى وهمه أنها حكاية قد مضت وواقعة قد سلفت ولم يدر أن الذكرى تنفع المؤمنين :

١٩

تمضي به ألأيام مشفقت

أن لا تذوب بهوله ذوبا

حتى تعود به فتحسبه

ما غاب أو ما زارنا غبّا

ثم نراه بعد ذاك يرينا عقيدته في أهل الطف رفاق الحسين عليه وعليهم الرحمة وآله :

أنتم لعمري حواري إبن فاطمة

إذ لم يجبه سواكم ساعة إنتدبا

أنفقتم في سبيل ألله أنفسكم

فنلتم فوق ما أملتم رتبا

ما فتية الكهف أعلى منكم شرفا

أنتم أشد وأقوى منهم سببا

ناموا وما نمتم لهفي كنومهم

أنى؟ وقد قطعت أعضاؤكم إربا

فروا وما قابلوا وألله من أحد

وما فررتم وقد قابلتم اللجبا

كان الرقيم لهم كهفا يظلهم

ولم يكن كهفكم إلا قنا وظبا

أصاب طالوت أصحابا وما صبروا

معشار صبركم يا معشر النجبا

ولو بصفين جردتم سيوفكم

ألقى إبن هند سلاح الحرب وإنقلبا

ما كان أعظمكم يوم الوفاء وما

قد كان أكرمكم يوم ألإباء أبا

يا حبذا كربلا أرضا مطهرة

ثوت بها عصبا أكرم بها عصبا

كانت لعمر أبي أرضا فمذ حظيت

بكم أعيدت سما مملوءة شهبا

وهي قصيدة جميلة في جملتها. ثم هذه ألأبيات ترينا رأيه في الناس ونقمته على المجتمع الذي لا يقدر المنقذين والمصلحين ويأخذ عبرة مما حدث لمحمد وآله من صريعي المطامع والناكبين عن الحق. فهو يقول بعد أن يتغزل :

فلا تعتبر ما قاله الناس فيهم

فلست أرى في الناس للرشد طالبا

يقولون ما لا يعلمون ولا أرى

أدلهم إلا عن النهج ناكبا

وإن شئت فكر في الزمان وأهله

فلست أرى إلا سليبا وسالبا

وإن شئت جربهم فإنك واجد

أشدهم حرصا على الصدق كاذبا

وأوفاهم عقلا إذا قال جاهلا

وأصوبهن رأيا إذا جد لاعبا

ألم يكفه أن جاءهم خير مرسل

فلم يلق منهم سامعا أو محاربا

زمانا أطاعوه ومذ مات ألحقوا

به ولده من بعده وألأقاربا

٢٠