موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذا الجواب أيضاً يمكن منعه بما عرفت من أنّ الورق الموجود في الخربة بمناسبة الحكم والموضوع لا بدّ وأن يراد بها الكنز ، لعدم إمكان التعريف لو لم يكن كنزاً ، لتوقّفه على علامة ، ولم يفرض وجودها في الرواية ، بل أنّ المنسبق إلى الذهن من مثل قولنا : وجدت في خربة ورقاً ، هو الكنز ، ولا أقلّ من الشمول له بالإطلاق ، فحملها على اللقطة بعيدٌ كما لا يخفى.

فهذه الموثّقة تدلّنا أيضاً على أنّ هذا المال حكمه حكم اللقطة ولا بدّ من الفحص ، ولا يجري عليه حكم الكنز.

هذا ، ومع ذلك كلّه فالظاهر أنّ ما ذكره صاحب المدارك ولعلّه المشهور بين المتأخّرين من وجوب الخمس وإجراء حكم الكنز عليه لا اللقطة ولا مجهول المالك هو الصحيح.

والوجه فيه أمّا مع قطع النظر عن النصّ وهي الموثّقة ، فهو أنّه إن كانت قرينة على أنّه لمحترم المال من مسلم أو ذمّي أو احتملنا ذلك فمقتضى الأصل عدم جواز التصرّف فيه كما ذكروه.

وأمّا إذا علمنا أنّه ادّخره إنسان منذ عهد قديم وفي الأزمنة السابقة البالغة مئات السنين كما هو الغالب في الكنوز حيث لا يحتمل عادةً حياة مدّخرها بل قد مات جزماً مسلماً كان أم كافراً وقد خرج الكنز عن ملكه قطعاً :

فحينئذٍ إن علمنا بأنّ له وارثاً محترم المال من مسلم أو ذمّي قد انتقل الملك إليه نسلاً بعد نسل إلى زماننا هذا وإن لم يعرف المالك الفعلي بشخصه ، كان مقتضى القاعدة حينئذٍ لزوم الفحص عنه ، فإنّه وإن لم يدخل في عنوان اللقطة إلّا أنّه من مجهول المالك فلا يمكن تملّكه وإخراج خمسه.

وأمّا إذا لم يحرز ذلك كما هو الغالب حيث لم يعلم ثبوت الوارث بالفعل ، إمّا لعدم ثبوته من أصله ، أو كان وقد انقرض ، فمقتضى القاعدة حينئذٍ الانتقال إلى الإمام ، لأصالة عدم وجود وارث محترم ، فيدخل في موضوع من مات ولم

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

يكن له وارث ، المحكوم بالدخول في ملك الإمام.

فالكنز في المقام حيث أصبح بلا مالك بمقتضى أصالة عدم الوارث فهو بتبع الأرض المدفون فيها في‌ءٌ للإمام وقد أباحه (عليه السلام) للمسلمين ، كما هو الشأن في كلّ أرض لا ربّ لها فيملكه الواجد وعليه خمسه.

ونظير ذلك ما نجده من أجزاء العمارات السابقة والأبنية العتيقة الخربة البائد أهلها من خشبٍ أو طابوق أو آجر ونحو ذلك ، كما نشاهدها الآن في الكوفة وغيرها ممّا كان ملكاً لبني العبّاس أو بني أُميّة أو لكافرٍ محترم المال ، فإنّ مقتضى الأصل جواز استملاكها والتصرّف فيها ، لكونها من المباحات المنتقلة إلى الإمام (عليه السلام) التي أباحها لشيعته.

فإذا كان الكنز من هذا القبيل جاز تملّكه ووجب خمسه حسبما عرفت.

وأمّا بالنظر إلى النصّ فالموثّقة وإن كانت ظاهرة فيما ذكروه بقرينة الفحص والتعريف ، إلّا أنّه لا بدّ من حملها على خربة لها مالك موجود بالفعل لم يعرض عنها ، فيجب الفحص والتعريف ، لكونه من مجهول المالك ، دون الخربة التي أعرض عنها مالكها ، فإنّ المال حينئذٍ لواجده بلا تعريف وعليه خمسه.

والقرينة على هذا الحمل صحيحة محمّد بن مسلم المشتملة على عين السؤال المذكور في الموثّقة ، قال : سألته عن الدار يوجد فيها الورق «فقال : إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم ، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به» (١).

فهذه الصحيحة تقيّد الموثّقة وتدلّ على اختصاص التعريف بغير فرض الجلاء ، وأمّا مع الجلاء والإعراض فالورق لواجده من غير تعريف ، فلا يدخل في اللقطة ولا في مجهول المالك ، بل يدخل في الكنز فيملك ويخمّس ، كما لعلّه

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٤٤٧ / كتاب اللقطة ب ٥ ح ١.

٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المشهور بين المتأخّرين.

وملخّص الكلام : أنّ مقتضى الأصل وإن كان هو عدم جواز التصرّف في ملك الغير من غير إذن من المالك أو من الشارع ، إلّا أنّ محلّ الكلام هو الكنز الذي لم يعرف له مالك موجود بالفعل لموت المدخر وعدم العلم بوجود الوارث ، فيكون المرجع حينئذٍ أصالة عدم الوارث ، المحقّق لكونه من الأنفال وملكاً للإمام بتبع الأرض وقد أباحه (عليه السلام) لشيعته ، فيكون ملكاً لواجده وعليه خمسه ، فلا يجري عليه حكم اللقطة أو مجهول المالك.

هذا ، مضافاً إلى صحيحة محمّد بن مسلم الصريحة في ذلك حسبما عرفت ، ولو لا ما ذكرناه من الأصل والصحيحة لأمكن المناقشة في القسم السابق أيضاً ، إذ لم يكن حينئذٍ فرقٌ بين هذا القسم أعني : ما وجد في دار الإسلام وعليه أثر الإسلام وبين القسم السابق أي ما لم يكن عليه أثر الإسلام فلم يجز استملاكه أيضاً ولزم إجراء حكم اللقطة عليه ، ضرورة أنّ مجرّد عدم الاشتمال على أثر الإسلام لا يكشف عن عدم كونه ملكاً للمسلم ، لجواز استملاك المسلم سكّة غير إسلاميّة ، فإنّ بين الأمرين عموماً من وجه ، فكما أنّ السكّة الإسلاميّة يمكن أن تكون لغير المسلم فكذا المسلم يمكن أن يملك سكّة غير إسلاميّة ، فلم تصحّ التفرقة بين القسمين ، مع أنّهم ادّعوا الإجماع على جواز الاستملاك في القسم السابق حسبما عرفت.

هذا ، ويمكن أن يستدلّ للمطلوب بالإطلاق في بعض نصوص الخمس في الكنز ، فإنّ الموضوع في بعضها وإن كان هو الكنز المملوك لواجده من غير نظر إلى حصول الملك وعدمه ، فلم تكن إلّا في مقام بيان وجوب الخمس بعد الفراغ عن كون الكنز مملوكاً على الوجه المقرّر شرعاً ، كصحيح الحلبي : أنّه سأل

٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكنز ، كم فيه؟ «فقال : الخمس» (١).

إلّا أنّ بعضها الآخر كما يدلّ على وجوب الخمس يدلّ على ملكيّته لواجده ، كصحيحة عمّار بن مروان وهو اليشكري الثقة قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : «فيما يخرج من المعادن ، والبحر ، والغنيمة ، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه ، والكنوز ، الخمس» (٢).

فإنّ المستفاد من مثل ذلك بحسب الفهم العرفي أنّ واجد الكنز يملك الأربعة أخماس الباقية بعد إخراج الخمس كواجد المعدن والغوص والغنيمة ونحوها ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق في حصول الملك بين ما كان عليه أثر الإسلام وما لم يكن ، من غير توقّف على التعريف.

ونحوها صحيحة ابن أبي عمير ، عن غير واحد ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : الخمس على خمسة أشياء : على الكنوز ، والمعادن» إلخ (٣) ، بالتقريب المتقدّم.

وهذه الرواية معتبرة ، فإنّ أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني وإن لم يوثّق في كتب الرجال إلّا أنّه شيخ الصدوق وقد وثّقه صريحاً. وما في الوسائل من ضبط : عن جعفر ، بدل : بن جعفر ، غلط ، والصحيح ما أثبتناه (٤).

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ الأقوى أنّ الكنز مطلقاً ملكٌ لواجده ، سواء أكان عليه أثر الإسلام وكان في بلد الإسلام أم لا ، كما لعلّه المشهور بين المتأخّرين حسبما مرّ.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٤٩٥ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ٤٩٤ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٦.

(٣) الوسائل ٩ : ٤٩٤ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٧.

(٤) راجع في ذلك كلّه ص ٧١.

٨٤

ولو كان في أرض مبتاعة مع احتمال كونه لأحد البائعين عرّفه (*) المالك قبله ، فإن لم يعرّفه فالمالك قبله (١) وهكذا فإن لم يعرّفوه فهو للواجد وعليه الخمس.

______________________________________________________

(١) وفي حكم البيع ما لو انتقل بناقل آخر من هبة أو إرث ونحو ذلك ، فقد ذكر المشهور أنّه يرجع إلى من انتقل عنه ، فإن عرفه فهو ، وإلّا رجع إلى المالك قبله وهكذا ، فإن يئس يعامَل معاملة مجهول المالك فيتصدّق على الفقراء ، ولا يدخل في عنوان الكنز فإنّ له مالكاً محترماً وإن كان مجهولاً. ولأجله يجب التصدّق.

واستدلّوا عليه بقاعدة اليد بتقريب أنّ اليد التي كانت على هذا المال أمارة الملك ومن ثمّ وجب الرجوع على ذي اليد ، فإن عرّفه ، وإلّا سقطت يده عن الحجّيّة باعترافه أنّ المال ليس له ، وتحيي عندئذٍ اليد السابقة ، إذ هي إنّما سقطت عن الأماريّة لمكان اليد التي بعدها ، فإذا سقطت اللّاحقة سلمت السابقة.

وهذا الوجه كما ترى ، بل لعلّه واضح الفساد ، ضرورة أنّ اليد أمارة الملكيّة من غير توقّف على التعريف والسؤال ، فلو كانت اليد حجّة في المقام فاللّازم الدفع إلى ذي اليد من غير إناطة على التعريف ، اللهمّ إلّا أن يعترف هو بالخلاف وينفيه عن نفسه ، وإلّا فما دام لم ينفه كان له من غير حاجة إلى الفحص والتحقيق ، ولذا لو كان ميّتاً يدفع إلى وارثه ، أو مجنوناً يدفع إلى وليّه من غير سؤال واستعلام ، فلا يمكن التمسّك بقاعدة اليد لإثبات التعريف.

__________________

(*) محلّ الكلام هو الكنز الذي لا يعرف له مالك بالفعل ، وفي مثله لا موجب لتعريفه بالنسبة إلى أحد البائعين ، فإنّ المفروض انقطاع يدهم عن الأرض المبتاعة فحالهم حال غيرهم في ذلك ، فالظاهر أنّه للواجد بلا حاجة إلى التعريف.

٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن هنا ذكر جماعة أنّه يعطى لمن انتقل عنه من غير سؤال وتعريف ، استناداً إلى قاعدة اليد ، وأنّه تشير إليها صحيحة ابن مسلم المتقدّمة : عن الدار يوجد فيها الورق «فقال : إن كانت معمولة فيها أهلها فهي لهم» إلخ (١) ، ومثلها صحيحته الأُخرى (٢).

لكن مورد الصحيحتين اليد الفعليّة وأجنبي عن اليد الزائلة بالانتقال عنها ببيعٍ ونحوه التي هي محلّ الكلام ، فلا موقع للاستدلال بهما.

وأمّا قاعدة اليد فهي أيضاً لا مجال للاستدلال بها في المقام ، ضرورة أنّ المتّصف بالحجّيّة وما هو أمارة الملكيّة إنّما هو اليد الفعليّة ، فتكون اليد القائمة على الأرض يداً على ما فيها من الكنز بالتبع ، وأمّا اليد السابقة الزائلة فعلاً بالتمليك إلى شخصٍ آخر فلا أماريّة لها بوجه ، بل لعلّ العادة قاضية بالقطع بجهالة ذي اليد عمّا في الأرض من الكنز ، وإلّا فكيف يمكّن المشتري منه ولم يستخرجه لنفسه؟! وملخّص الكلام : أنّه لا يمكن المساعدة على ما ذكروه من الدفع إلى المالك قبله فإن عرّفه وإلّا فالمالك قبله وهكذا استناداً إلى قاعدة اليد :

أمّا أوّلاً : فلأنّ القاعدة لو تمّت فهي حجّة مطلقاً بلا توقّف على الدعوى من ذي اليد ، بل هي حجّة حتى مع الشكّ وجهل ذي اليد بالملكيّة ، ولأجله يدفع إلى وارثه لو كان ميّتاً ، فما هي الحاجة أذن إلى التعريف للمالك السابق وصدور الدعوى منه؟! بل لا بدّ وأن يدفع إليه ابتداءً.

وثانياً : أنّ حجّيّة اليد سواء أكان المستند فيها السيرة العقلائيّة ، وهي

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٤٤٧ / كتاب اللقطة ب ٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٢٥ : ٤٤٧ / كتاب اللقطة ب ٥ ح ٢.

٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

العمدة ، أم بعض النصوص مثل ما دلّ على جواز الشهادة استناداً إلى اليد خاصّة باليد الفعليّة فهي الكاشفة عن الملكيّة ، وأمّا الزائلة فهي ساقطة عن درجة الاعتبار ولا أماريّة لها بوجه ، لخروجها عن مورد السيرة والأخبار بالضرورة ، وقد يكشف عنه ذيل صحيحتي ابن مسلم المتقدّمتين ، قال (عليه السلام) فيهما : «وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به» إلخ ، حيث دلّت على سقوط اليد عن الملكيّة بالجلاء والإعراض ، ولأجله كان الواجد أحقّ به ، فإذا سقطت بالإعراض فسقوطها بالانتقال ببائعٍ ونحوه الذي هو محلّ الكلام بطريقٍ أولى كما لا يخفى.

وعليه ، فمقتضى القاعدة عدم الفرق بين المالك السابق وغيره ، بل حكم الكنز في الأرض المبتاعة حكمه في أرض الموات في أنّه إن احتمل أنّ له مالكاً محترماً موجوداً بالفعل كان من مجهول المالك ووجب التعريف ، فيراجع المالك السابق كما يراجع غيره ، فإن ظهر وإلّا تصدّق عنه ، وأمّا لو لم يحتمل وجود المالك الفعلي ولا سيّما إذا كانت قرينة على ذلك مثل ما إذا كان الكنز عتيقاً ونحو ذلك كما هو الغالب في الكنوز على ما مرّ جاز استملاكه ، فهو لواجده وعليه خمسه ، بمقتضى إطلاق النصوص الدالّة على جواز تملّك الكنز وأداء خمسه. هذا ما تقتضيه القاعدة.

وأمّا بالنظر إلى الروايات الواردة في المقام فقد استدلّ شيخنا الأنصاري (قدس سره) (١) للزوم مراجعة البائع بروايتين :

إحداهما : ما رواه الكليني بسنده عن عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : كتبت إلى الرجل (عليه السلام) أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي ،

__________________

(١) كتاب الخمس : ٥٠ ٥١ ، ٥٧ ٥٩.

٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة ، لمن يكون ذلك؟ فوقّع (عليه السلام) : «عرّفها البائع ، فإن لم يكن يعرفها فالشي‌ء لك ، رزقك الله إيّاه» (١) ، وروى الصدوق أيضاً عنه مثله (٢).

ثانيتهما : موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة فوجد فيه نحواً من سبعين درهماً مدفونة ، فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة ، كيف يصنع؟ «قال : يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها» قلت : فإن لم يعرفوها؟ «قال : يتصدّق بها» (٣).

وهناك رواية ثالثة تقدّمت ، وهي موثّقة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : قضى علي (عليه السلام) في رجل وجد ورقاً في خربة : أن يعرّفها ، فإن وجد من يعرفها ، وإلّا تمتّع بها» (٤).

هذا ، والظاهر عدم صحّة الاستدلال بشي‌ء من الروايات الثلاث للمقام :

أمّا الأخيرة : فقد تقدّم (٥) لزوم حملها على الأرض الخربة التي لم ينجل عنها أهلها بقرينة صحيحة ابن مسلم (٦) ، فيكون الورق حينئذٍ من مجهول المالك ، والحكم بلزوم التعريف عندئذٍ مطابق للقاعدة ، سواء أكان الورق تحت الأرض أم فوقها وإن كان الظاهر هو الأوّل ، إذ التعريف إنّما يكون في هذه الصورة ، وإلّا فيبعد جدّاً أن يكون الورق ذا علامة يمكن التعريف بسببها.

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٤٥٢ / كتاب اللقطة ب ٩ ح ١ ، الكافي ٥ : ١٣٩ / ٩.

(٢) الوسائل ٢٥ : ٤٥٢ / كتاب اللقطة ب ٩ ح ٢ ، الفقيه ٣ : ١٨٩ / ٨٥٣.

(٣) الوسائل ٢٥ : ٤٤٨ / كتاب اللقطة ب ٥ ح ٣.

(٤) الوسائل ٢٥ : ٤٤٨ / كتاب اللقطة ب ٥ ح ٥.

(٥) في ص ٨٢.

(٦) الوسائل ٢٥ : ٤٤٧ / كتاب اللقطة ب ٥ ح ١.

٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وكيفما كان ، فهذا مالٌ مجهول مالكه محكومٌ بلزوم التعريف لصاحب الخربة أو لغيره ممّن يحتمل كونه له ، إذ لم يقيّد التعريف في هذه الموثّقة بالأوّل ، ومن الجائز أنّ أجنبيّا دخل الخربة ودفنه فيها.

نعم ، ما تضمّنته الموثقة من الاستملاك بعد التعريف مخالفٌ للمطلقات الواردة في مجهول المالك ، فإنّ الذي يملك بعد التعريف سنة إنّما هو اللقطة مع الضمان ، وأمّا مجهول المالك فلم يرد فيه التملّك ، فالحكم الوارد في المقام على خلاف القاعدة طبعاً ولا بأس بالالتزام به في مورده بمقتضى هذه الموثّقة ، كما ورد نظيره فيما يلقيه البحر إلى الخارج لدى غرق السفينة من أنّه لواجده مع أنّه من مجهول المالك بالضرورة المحكوم بلزوم التعريف ، ولكنّه الغي هنا وحكم بالاستملاك ، ولعلّه باعتبار كونه بعد الغرق في حكم التالف ، فمن الجائز أن يكون المقام من ذاك القبيل.

وعلى أيّ حال ، فلا دلالة في هذه الموثّقة على لزوم التعريف بالنسبة إلى البائع ثمّ البائع قبله ، وهكذا ، بل يعرّف لكلّ أحد من باب كونه مجهول المالك. ومن المعلوم أنّ الموثّقة بصدد بيان الحكم الشرعي لا نقل قضيّة تأريخيّة فحسب.

وأمّا الروايتان فكلتاهما أجنبيّتان أيضاً عن محلّ الكلام كالموثّقة :

أمّا الرواية الأُولى : فواضحة ، ضرورة أنّ ما يوجد في جوف الحيوان من الصرّة المشتملة على الدرهم والدينار شي‌ءٌ حادث في بطنه قد ابتلعه قريباً قبل يوم أو يومين ، فهو طبعاً فرد من أفراد مجهول المالك لا بدّ فيه من التعريف ، وبما أنّ البائع أقرب المحتملات فيراجع ، وبالتعبّد الشرعي يسقط التعريف من غير البائع ، كما أنّه بإذن الإمام (عليه السلام) الذي هو الوليّ العام يتملّكه الواجد ، وبذلك يخصَّص ما دلّ على وجوب التصدّق بمجهول المالك ، فإنّه حكمٌ وارد في موضوع خاصّ ، نظير ما ورد فيما يلقيه البحر إلى الخارج من استملاكه

٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن كان من مصاديق مجهول المالك.

وبالجملة : مورد الرواية من المصاديق البارزة للمال المجهول مالكه ، المحكوم بمقتضى القاعدة بالتعريف ثمّ التصدّق ، غير أنّ الإمام (عليه السلام) اقتصر في التعريف على البائع تعبّداً وبعده أذن في التصرّف ولايةً ، وأين هذا من الكنز الذي هو محلّ الكلام؟! فلا يمكن التعدِّي إليه بوجه.

وأمّا الرواية الثانية : فلظهورها في أنّ لتلك الدراهم مالكاً محترماً بالفعل مجهولاً ، نظراً إلى اقتضاء طبيعة الحال كون ذاك البيت من المنازل المعدّة للإيجار ولنزول الحجّاج والزوّار ، نظير بيوت الخدمة في الأعتاب المقدّسة ، فلأجله يظنّ أنّ تلك الدراهم تتعلّق بحاجّ نزل قبل ذلك ، وبما أنّ صاحب المسكن أدرى به وأعرف فطبعاً يرجع إليه مقدّمةً للاستعلام عن ذاك المالك المجهول ، فإن عرفه وإلّا فيتصدّق به عن مالكه شأن كلّ مال مجهول مالكه. وأين هذا من الكنز الذي هو محلّ الكلام؟! سيّما وأنّ الدراهم إنّما حدثت في زمن المعصومين (عليهم السلام) ولم تكن موجودة في العهود البائدة ليصدق على دفينتها اسم الكنز بالمعنى الذي هو محلّ الكلام كما لا يخفى.

فتحصّل : أنّه لم يدلّ أيّ دليل على لزوم الرجوع إلى البائع الأخير فضلاً عن البائع قبله في الكنز المستخرج من الأرض المشتراة بالمعنى الذي هو محلّ البحث ، أي الذي لم يُعلم له مالك بالفعل ، بل يُعلم بمقتضى القرائن أنّه للسابقين المعدومين فعلاً.

نعم ، هو أحوط ، رعايةً لما هو المشهور بين الفقهاء ، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه من لزوم الرجوع إليه ، فإن لم يعرفه فالمالك قبله حسبما عرفت.

٩٠

وإن ادّعاه المالك السابق فالسابق أعطاه بلا بيّنة (*) (١) ، وإن تنازع المُلّاك فيه يجري عليه حكم التداعي ، ولو ادّعاه المالك السابق إرثاً وكان له شركاء نفوه دفعت إليه حصّته (**) وملك الواجد الباقي وأعطى خمسه.

______________________________________________________

(١) تحصل ممّا تقدّم أنّ ما يوجد تحت الأرض ويكون من المال المذخور على ثلاثة أقسام :

إذ تارةً : يكون من الكنوز القديمة التي تعدّ عرفاً من المال الذي لا مالك له ، وهو المندرج في عنوان الكنز المصطلح المحكوم بأنّه ملكٌ لواجده بعد التخميس بلا حاجة إلى التعريف ، وهذا ظاهر.

وأُخرى : يعلم عادةً أنّ له مالكاً موجوداً بالفعل وهو معلوم ، كما لو وجد في دار معمورة فيها أهلها فإنّه يعطى له بلا حاجة إلى التعريف أو الإثبات ببيّنة ونحوها ، بمقتضى صحيحة ابن مسلم المتقدّمة (١).

وثالثةً : يعلم أنّ له مالكاً بالفعل ولكنّه مجهول ، فإنّه يجري عليه حكم مجهول المالك من لزوم الفحص ثمّ التصدّق بعد اليأس.

__________________

(*) لا أثر للدعوى من دون بيّنة بعد انقطاع يد المدّعى عن الأرض ، ولو كان لليد أثر لما كان للتعريف وجه ، بل يلزم إعطاؤه لذي اليد وإن لم يكن مدّعياً ما لم يكن معترفاً بعدمه ، وبذلك يظهر حال التنازع.

(**) تقدّم أنّه لا أثر للدعوى المجرّدة ، نعم يتمّ ذلك فيما إذا ثبتت بالبيّنة ، لكنّه لا يتمّ حينئذٍ ما ذكره من تملّك الواجد للباقي وإعطاء خمسه ، بل اللّازم حينئذٍ التصدّق بما بقي ، فإنّ مقتضى حجّيّة البيّنة أنّه للمورث ، فإذا لم يجز إعطاؤه للوارث من جهة إقراره فلا مناص من التصدّق به.

(١) في ص ٨٦.

٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

وحينئذٍ فقد يظفر بعد الفحص بمدّعٍ واحد ، وأُخرى بأكثر بحيث يتشكّل منه التنازع والتداعي.

ففي الأوّل : يطالب بالبيّنة لدى عدم نهوض قرينة قطعيّة أو ما في حكمها أنّه له ، ولا يعطى له بمجرّد الدعوى ، إذ المال أمانة شرعيّة في يد الواجد لا بدّ له من التريّث والتثبّت لكي يوصله إلى صاحبه ، فإن أقام البيّنة ، وإلّا تصدّق به عن صاحبه.

هذا ، ولو فرضنا أنّه أقام بيّنة كانت نتيجتها اشتراك المال بينه وبين غيره كما لو شهدت البيّنة أنّ المال المدفون كان ملكاً لوالده الميّت وهو الآن إرث مشترك بينه وبين إخوته ، فحينئذٍ إن لم ينفه الشركاء سواء أكانوا شاكّين أم مذعنين قُسِّم المال بينهم ، عملاً بقيام البيّنة الشرعيّة الناطقة بذلك حسب الفرض التي لا يقدح فيها جهل الآخرين بعد نهوض الحجّة الشرعيّة كما هو ظاهر.

وأمّا لو نفوه وأنكروه سقطت البيّنة عن الحجّيّة في هذا المقدار ، لتقدّم الإقرار عليها ، فتُعطى لذلك المدّعى حصّته ويُتصدّق بالباقي ، لكونه من مجهول المالك.

ولا نعرف وجهاً لما ذكره في المتن من أنّه يتملّكه الواجد بعد تخميسه ، لوضوح عدم اندراجه تحت عنوان الكنز ليجري عليه حكمه بعد فرض أنّ له مالكاً محترماً بالفعل ، فالتخميس فضلاً عن التملّك لا دليل عليه في المقام ، بل لا مناص من التصدّق وإجراء حكم المال المجهول مالكه عليه حسبما عرفت.

وأمّا احتمال جريان حكم اللقطة عليه كما عن الجواهر (١) فهو أيضاً غير

__________________

(١) الجواهر ١٦ : ٣٤.

٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ظاهر ، إذ اللقطة إنّما هي المال الضائع ، وليس هذا من الضائع في شي‌ء ، بل من مجهول المالك.

وأمّا في الثاني أعني : صورة التداعي ـ : فإن أقام أحدهما البيّنة دون الآخر اعطي لذي البيّنة ، ولو أقاما معاً كُلِّفا بالحلف ، فإن حلفا أو نكلا قُسِّم بينهما نصفين ، وإن حلف أحدهما دون الآخر كان المال له ، وذلك للنصّ الخاصّ الدالّ عليه وإن كان مقتضى القاعدة هو التساقط بعد تعارض البيّنتين.

وهو موثّق غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) اختصم إليه رجلان في دابّة ، وكلاهما أقاما البيّنة أنّه أنتجها ، فقضى بها للذي في يده ، وقال : لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين» (١).

ومقتضى الإطلاق وإن كان هو عدم الفرق بين صورتي الحلف والنكول ، إلّا أنّه يقيَّد بموثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «أنّ رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في دابّة في أيديهما ، وأقام كلّ واحد منهما البيّنة أنّها نتجت عنده ، فأحلفهما علي (عليه السلام) فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف ، فقضى بها للحالف ، فقيل له : فلو لم تكن في يد واحد منهما وأقاما البيّنة؟ فقال : أحلفهما ، فأيّهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف ، فإن حلفا جميعاً جعلتها بينهما نصفين» إلخ (٢).

حيث دلّت على أنّه مع حلف أحدهما ونكول الآخر يعطى للحالف كما أنّه يقسّم بينهما مع حلفهما.

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ٢٥٠ / أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٢ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢٧ : ٢٥٠ / أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٢ ح ٢.

٩٣

ويشترط في وجوب الخمس فيه النصاب ، وهو عشرون ديناراً (١).

______________________________________________________

نعم ، لا تعرّض فيها لصورة نكولهما معاً ، لكنها تستفاد من إطلاق الموثّقة الاولى ، لدلالتها على أنّ المال إذا لم يكن في يد واحد منهما وقد أقاما البيّنة فإنّه يقسّم نصفين من غير فرق بين ما إذا حلفا أم نكلا أم اختلفا ، خرج الأخير بمقتضى موثّقة إسحاق وبقي الباقي.

وعلى الجملة : فبمقتضى هاتين الموثّقتين يلتزم بالتفصيل المزبور وإن كان مقتضى القاعدة هو التساقط حسبما عرفت.

(١) تقدّم في صدر هذا المبحث أنّ المستفاد ممّا ورد في صحيح البزنطي من قوله (عليه السلام) : «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» اختصاص الخمس المجعول في الكنز بالذهب والفضّة المسكوكين ، لأنّ ذلك هو مقتضى المماثلة بعد كون الزكاة مختصّة بهما (١). ولا يراد المماثلة في المالية خاصّة ، وإن أُريد ذلك ممّا ورد في المعدن لقيام القرينة عليه ثمّة ، سيّما وأنّ المعدن لا يكون من الذهب والفضّة المسكوكين ، ومن ثمّ عيّن فيها المقدار وأنّه عشرون ديناراً كما في صحيحته الأُخرى ، بخلاف الكنوز التي يكون الغالب فيها ذلك ، فالمماثلة تستدعي اختصاص الخمس في الكنوز بالنقدين ، كما أنّها تستدعي اعتبار النصاب أيضاً قضاءً ، لإطلاق المماثلة الظاهرة في أنّها من جميع الجهات ، أي في الجنس والمقدار ، فيعتبر في تخميسه كتزكيته بلوغه عشرين ديناراً إن كان من الذهب المسكوك ، ومائتي درهم إن كان من الفضّة المسكوكة.

نعم ، مقتضى الاحتياط تعميم الخمس لمطلق الكنوز مع مراعاة النصاب المزبور المستفاد من المماثلة المذكورة ، فيعتبر في تخميس سائر أقسام الكنوز

__________________

(١) في ص ٧٦.

٩٤

[٢٨٩٠] مسألة ١٤ : لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة (*) (١) وجب تعريفهما وتعريف المالك أيضاً ، فإن نفياه كلاهما كان له وعليه الخمس ، وإن ادّعاه أحدهما اعطي بلا بيّنة ، وإن ادّعاه كلّ منهما ففي تقديم قول المالك وجه ، لقوّة يده. والأوجه الاختلاف بحسب المقامات في قوّة إحدى اليدين.

______________________________________________________

أيضاً بلوغ ماليّتها مقدار عشرين ديناراً أو مائتي درهم ، فلاحظ.

(١) قد تحصّل ممّا أسلفناك أنّ كلّ ما كان كنزاً بالمعنى المصطلح عليه أي الذي يظهر من القرائن أنّه مدفون منذ عهد قديم ولم يعلم له مالك ولا وارث بالفعل ولم تقم عليه يد فعليّة بحيث يعدّ خارجاً من المال الذي لا صاحب له جرى عليه حكمه من التخميس ثمّ التملّك ، من غير فرق في موارده بين أنواع الأراضي من كونها من المفتوحة عنوةً ، أو الأنفال ، أو الأراضي العامّة ، أو الملك الخربة التي أعرض عنها صاحبها ، أو المشتراة منه بحيث انقطعت علاقته منها ، فلا يرجع إلى المالك السابق ، وما يظهر من بعض النصوص من المراجعة موردها المال المجهول مالكه وأجنبي عن محلّ الكلام حسبما عرفت مستقصًى.

ويترتّب عليه ما ذكره (قدس سره) في هذه المسألة المنعقدة لحكم من وجد الكنز في أرض مستعارة أو مستأجرة ، فقد أفاد أنّه يعرّفه لكلٍّ من المالك ومن له المنفعة ملكاً أو إباحةً ، باعتبار أنّ كلّاً منهما له اليد على الكنز ولو بتوسيط يده على الأرض ، فلو ادّعاه أحدهما فهو له ، وإلّا فلواجده وعليه الخمس ، ولو ادّعاه كلّ منهما لم يستبعد تقديم قول المالك ، لقوّة يده.

ثمّ ذكر أنّ الأوجه مراعاة أقوى اليدين التي تختلف حسب اختلاف المقامات ،

__________________

(*) الظاهر أنّه لا يكفي الاستيلاء على الأرض في صدق تحقّق اليد على ما في جوفها من الكنز الذي هو محلّ الكلام ، وعليه فيجري فيه جميع ما ذكرناه آنفاً.

٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فقد تكون يد المالك كما لو كانت مدّة الإجارة أو الإعارة قليلة جدّاً ، وقد تكون يد المستأجر أو المستعير كما لو اشترى الأرض ولم يسكنها وجرت عادته على الإجارة أو الإعارة سنين متمادية ، فإنّ هذه اليد تكون حينئذٍ أقوى من يد المالك.

أقول : ممّا ذكرناه آنفاً يتّضح لك حكم هذا الفرع ، فإنّ الكنز الموجود في مثل هذه الأرض التي تكون رقبتها لأحد ومنفعتها لآخر قد يكون محفوفاً بقرائن وآثار تشهد بكونه من الكنوز القديمة التي هي محلّ الكلام بين الأعلام ومحطّ نظر الفقهاء ، ففي مثله لا موجب للرجوع لا إلى المالك ولا إلى المستأجر أو المستعير ، لعدم جريان يد أيّ منهما عليه ، بعد أن كان من المحتمل بل المظنون بل المطمأنّ به أنّه لا اطّلاع لواحد منهما على ما في جوف الأرض ولم يدريا به بوجه ، فلا يكون مثله مشمولاً لليد.

وبعبارة اخرى : مجرّد وجود شي‌ء في ملك الإنسان لا يحقّق عنوان اليد التي هي بمعنى السيطرة والاستيلاء ، فلا يصدق عرفاً على أيّ من المالك أو المستأجر أنّه مستولٍ على ما هو تحت الأرض من غير أيّ اطّلاع ومعرفة له بذلك ، فقاعدة اليد لا مجال لجريانها في أمثال هذه الموارد بتاتاً ، ولو كانت جارية لوجب الإعطاء بلا توقّف على التعريف ، إذ لا حاجة إلى الادّعاء من ذي اليد بعد أن كانت اليد أمارة الملكيّة.

وقد لا يكون كذلك ، وإنّما الموجود فيها من قبيل الورق المذكور في صحيحة ابن مسلم المتقدّمة ، الذي هو بمعنى الدرهم المضروب والنقد الرائج في مقام المعاملة ، المعلوم عدم دخوله في عنوان الكنز بالمعنى المصطلح المبحوث عنه ، وقد تضمّنت الصحيحة أنّه يراجع حينئذٍ صاحب الأرض إن كانت عامرة بمناط أنّ العبرة باليد الفعليّة الكاشفة عن الملكيّة ، ولا ريب أنّ الاعتبار حينئذٍ بمن يسكنها فعلاً ، المنطبق على المستأجر أو المستعير ، فإنّه المستولي على هذه

٩٦

[٢٨٩١] مسألة ١٥ : لو علم الواجد أنّه لمسلم موجود هو أو وارثه في عصره مجهول (١) ففي إجراء حكم الكنز أو حكم مجهول المالك عليه وجهان (*) ، ولو علم أنّه كان ملكاً لمسلم قديم فالظاهر جريان حكم الكنز عليه.

______________________________________________________

الأرض وما فيها ، ويده هي اليد الفعليّة عليها دون المالك الأجنبي عن ذلك ، سواء أكان الورق على وجه الأرض أم في غرفة أم مدّخراً تحتها لغايةٍ ما كالصيانة من السارق ونحوها.

وعلى الجملة : بعد فرض خروج ذلك عن عنوان الكنز الذي يجب فيه الخمس فمقتضى قاعدة اليد كونه ملكاً لمن هو مستولٍ عليه وتحت يده وتصرّفه عرفاً ، فلو فرضنا أنّه نفاه وأنكره لم يكد يجدي في تملّك الواجد ، بل يلزمه التعريف والفحص عن مالكه المجهول شأن كلّ مال مجهول مالكه ، فإن عثر عليه ، وإلّا تصدق عنه ، وليس له أن يستملكه بعد أن يخمّسه وإن أجازه في المتن ، إذ التملّك يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل عليه.

ودعوى أنّه مطابق لمقتضى القاعدة ، نظراً إلى أصالة عدم جريان يد أيّ مسلم عليه.

مدفوعة بما تقدّم من عدم أساس لهذا الأصل ، بل أنّ مقتضى الأصل عدم جواز التصرّف في أيّ مال كان إلّا بإذنٍ من مالكه أو الوليّ العام ، ومع عدم ثبوته لم يكن بدّ من أن يعامل معه معاملة مجهول المالك.

(١) أمّا إذا كان معلوماً بنفسه أو وارثه فلا إشكال في لزوم الدفع إليه ، لعدم جواز التصرّف في مال امرئ مسلم إلّا بإذنه.

__________________

(*) والأوجه إجراء حكم مجهول المالك عليه.

٩٧

[٢٨٩٢] مسألة ١٦ : الكنوز المتعدّدة لكلّ واحد حكم نفسه في بلوغ النصاب وعدمه (١) ، فلو لم يكن آحادها بحدّ النصاب وبلغت بالضمّ لم يجب فيها الخمس. نعم ، المال الواحد المدفون في مكان واحد في ظروف متعدّدة يضمّ بعضه إلى بعض ، فإنّه يعدّ كنزاً واحداً وإن تعدّد جنسها.

______________________________________________________

وأمّا إذا كان مجهولاً فالظاهر لزوم إجراء حكم مجهول المالك عليه وإن تردّد فيه الماتن وذكر أنّ فيه وجهين ، إذ لا ينبغي الشكّ في انصراف أدلّة الكنز عن مثل ذلك ممّا علم أنّ له مالكاً محترم المال مجهولاً ، فلا يسوغ تملّكه ، كما لا يجب تخميسه ، بل لا محيص من التعريف ثمّ التصدّق.

نعم ، ما ذكره (قدس سره) أخيراً من إجراء حكم الكنز فيما لو علم أنّه كان ملكاً لمسلم قديم ولم يعلم له وارث بالفعل غير بعيد ، ففيما إذا كان الخازن مسلماً محترم المال وهو الآن مجهول الحال حكم عليه بالانتقال إلى الإمام ، بمقتضى أصالة عدم الوارث ، فيدخل عندئذٍ في الفي‌ء كما في بعض النصوص المعتبرة ، ويجري عليه حكم الكنز.

(١) لظهور قوله (عليه السلام) في صحيحة البزنطي المتقدّمة : «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» في الانحلال ولحاظ كلّ كنز بحياله في مراعاة النصاب ، فلا دليل على الضمّ بعد فرض تعدّد الكنوز وتغايرها خارجاً.

ودعوى تعلّق الحكم بالجنس وطبيعي الكنز بعيدة عن الأذهان العرفيّة كما تقدّم مثل ذلك في المعادن ، فلا خمس ما لم يبلغ كلّ كنز حدّ النصاب وإن بلغ المجموع ذلك.

نعم ، مع فرض وحدة الكنز عرفاً يتّجه الضمّ وإن تعدّدت الظروف ، فلو عثر في مكان واحد على ظروف أربعة في كلّ منها خمسة دنانير أو خمسون درهماً

٩٨

[٢٨٩٣] مسألة ١٧ : في الكنز الواحد لا يعتبر الإخراج دفعةً بمقدار النصاب (١) ، فلو كان مجموع الدفعات بقدر النصاب وجب الخمس وإن لم يكن كلّ واحدة منها بقدره.

[٢٨٩٤] مسألة ١٨ : إذا اشترى دابّة ووجد في جوفها شيئاً (٢) فحاله

______________________________________________________

وجب الخمس ، وعلى القول بعدم الاختصاص بالنقدين لو كانت الأموال المتفرّقة في الظروف المتعدّدة بالغة مجموعها حدّ النصاب وجب الخمس أيضاً ، إذ الكلّ كنز واحد عرفاً وإن اختلف الجنس ، والاعتبار في ملاحظة النصاب بوحدة الكنز لا بوحدة الظرف ، فمع صدق الوحدة تضمّ وبدونها لا تضمّ حسبما عرفت.

(١) لا يخفى عدم خلوّ العبارة عن المسامحة الظاهرة ، بداهة أنّ تعلّق الخمس بالكنز لا يناط بالإخراج ليبحث عن أنّ المخرَج هل يعتبر بلوغه حدّ النصاب في دفعة واحدة ، أو أنّه يكفي الدفعات كما كان هو الحال في المعدن على ما سبق ، بل المناط هنا بالاستيلاء والتملّك ووجدان الكنز ، سواء استخرجه أم أبقاه في مكانه بعد حيازته لكونه آمن وأحفظ ، أو لغاية أُخرى ، ما لم يكن معرضاً عنه قبل الاستملاك.

وبالجملة : لا يقاس الكنز بالمعدن ، فإنّ الموضوع في الثاني الإخراج ، أمّا الأوّل فلا يعتبر الإخراج فيه أصلاً لا دفعةً واحدة ولا دفعات ، وإنّما الموضوع فيه الاستيلاء والحيازة بحيث يصدق معه وجدان الكنز ، فمتى صدق وقد بلغ ما تملّكه حدّ النصاب وجب فيه الخمس ، سواء أخرجه أم لا ، بدفعة أم دفعات.

(٢) يقع الكلام تارةً في وجوب الخمس ، وأُخرى في وجوب التعريف.

أمّا الخمس : فهو المعروف بين الأصحاب كما ذكره المحقّق في الشرائع (١)

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٠٦.

٩٩

حال الكنز الذي يجده في الأرض المشتراة في تعريف البائع وفي إخراج الخمس إن لم يعرفه (*) ، ولا يعتبر فيه بلوغ النصاب ،

______________________________________________________

وغيره ، إلحاقاً له بالكنز.

ولكنّه غير ظاهر ، لعدم وروده في شي‌ء من النصوص المعتبرة أو غيرها ، وعدم نهوض أيّ دليل عليه ، فإن تمّ إجماع ولا يتمّ قطعاً فهو ، وإلّا فلا يجب فيه الخمس لا بعنوان الكنز ولا بعنوان الملحق به (١) ، أي في وجوب التخميس فعلاً ، وإنّما يدخل ذلك تحت عنوان مطلق الفائدة وما يستفيده الرجل يوماً فيوماً. فإن قلنا بوجوب الخمس فيه شريطة الزيادة على مئونة السنة وعدم الصرف أثنائها كما هو الظاهر وجب ، وإن أنكرنا ذلك وخصّصناه بأرباح المكاسب والتجارات كما قيل فلا ، وسيجي‌ء البحث حوله قريباً إن شاء الله تعالى (٢).

وأمّا التعريف : فهو واجب بالنسبة إلى البائع ، بمقتضى صحيحة عبد الله بن جعفر الحميري المتقدّمة ، قال (عليه السلام) فيها : «عرِّفها البائع ، فإن لم يكن

__________________

(*) الظاهر عدم وجوب الخمس فيه بعنوانه ، نعم هو داخل في الأرباح فيجري عليه حكمها.

(١) في رسالة شيخنا الوالد (قدس سره) ما لفظه : هذا خارج عن عنوان الكنز ولم يقم دليل على التنزيل ، ودعوى الإجماع كما ترى كالتمسّك بعموم ما كان ركازاً ففيه الخمس ، لمنعه ، خصوصاً بعد ما قدّمناه من اختصاص الركاز بالخلقة الأصليّة ، فالإلحاق به عجيب ، وأعجب منه الجمع بينه وبين نفي اعتبار النصاب ، لأنّه لو لم يكن كنزاً فلا خمس ، ولو كان كنزاً فيعتبر البلوغ حدّ النصاب.

(٢) في ص ١٩٤ ٢١٤.

١٠٠