موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

وإن أخرجه غير المسلم ففي تملّكه إشكال (*) (١) ، وأمّا إذا كان في الأرض الموات حال الفتح فالظاهر أنّ الكافر أيضاً يملكه وعليه الخمس.

______________________________________________________

(١) المشهور عدم الفرق بين المسلم والذمّي في جواز حيازة المعادن واستخراجها من الأراضي العامرة حال الفتح التي هي ملك للمسلمين ، أو الأرض الموات التي هي ملك للإمام (عليه السلام) وأنّه يملكها بعد أن يخمّسها.

ولكن المحكي عن الشيخ منع الذمّي عن العمل في المعدن واستخراجه وإن ملك لو خالف واستخرج وكان عليه الخمس (١).

واعترض عليه في المدارك بعدم الدليل على منع الذمّي عن ذلك (٢) بعد العموم في أدلّة الحيازة وشمولها له وللمسلم بمناط واحد ، بل قد أورد عليه بالتنافي بين الصدر والذيل ، لأنّ موضوع كلامه إن كان المعدن في الأرض المملوكة صحّ المنع ولا وجه للملك ، وإن كان في الأرض المباحة صحّ الملك ولا وجه للمنع.

أقول : ينبغي التكلم في مقامين :

أحدهما : في أنّ الذمّي هل يمنع عن استخراج المعدن في تلك الأراضي أو لا؟

الثاني : في أنّه لو خالف فهل يملك ما استخرجه أو لا؟

أمّا المقام الأوّل : فالظاهر المنع ، لأنّها إمّا ملك للإمام (عليه السلام) أو

__________________

(*) لا يبعد تملّكه.

(١) حكاه في الجواهر ١٦ : ٢٣ ، وهو في الخلاف ٢ : ١٢٠ / ١٤٤.

(٢) المدارك ٥ : ٣٦٨.

٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

للمسلمين ، وعلى التقديرين فلا يحقّ له التصرّف من غير مراجعة الإمام والاستئذان منه بما هو ، أو بما هو ولي المسلمين.

وقد فصّل في المتن بين العامرة والموات ، فجوّز الاستخراج في الثاني وإن كان التفصيل بحسب سياق العبارة ناظراً إلى الملكيّة نظراً إلى عموم : من أحيا أرضاً فهي له ، الشامل للمسلم والكافر ، فإنّ مورده الموات حال الفتح لا العامرة التي هي ملك للمسلمين كما هو ظاهر.

ولكنّه كما ترى ، فإنّ العموم ناظر إلى الإحياء ، وكلامنا في الإخراج الذي هو أعمّ من الإحياء بالضرورة ، فلا يدلّ العموم على أنّ إخراج المعدن من حيث هو إخراجٌ موجب للملكيّة وإن لم يتضمّن الإحياء.

نعم ، لو أحيا الأرض فملكها ثمّ استخرج المعدن كان له بمقتضى التبعيّة ، وهذا مطلب آخر أجنبي عمّا نحن بصدده من جواز استخراج المعدن بما هو كذلك.

فالأقوى ما عرفت من منعه عن التصدِّي للإخراج ، لتوقّفه على الإذن من الإمام غير الثابت في حقّ الكافر.

وأمّا المقام الثاني : فالظاهر هو أنّه يملك ما استخرجه وإن خالف وعصى أو لم يمنع ، للسيرة القطعيّة القائمة على عدم الفرق في ملكيّة المعادن لمخرجها بين المسلم والكافر ، كعموم صحيحة السكوني المتقدّمة المتضمّنة أنّ «للعين ما رأت ولليد ما أخذت» الدالّة على مملّكيّة الاستيلاء على المباح كما مرّ ، فإنّها تشمل الكافر كالمسلم.

وعلى الجملة : فالسيرة على تملّكه قائمة ، والصحيحة عامّة ، والتبعيّة ليست بتامّة إلّا في خصوص الأملاك الشخصيّة دون ما هو ملك لعموم المسلمين أو للإمام (عليه السلام) كما تقدّم.

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فإذن ما ذكره الشيخ من التفصيل بين جواز التصرّف وبين الملكيّة وأنّه يمنع ولو خالف يملك هو الصحيح حسبما اتّضح وجهه.

لكن ما ذكرناه كلّه لحدّ الآن مبني على ما هو المشهور من كون المعادن باقية على ما هي عليه من الإباحة الأصليّة وعدم كونها من الأنفال التي هي ملك للإمام (عليه السلام) ، بل هي لواجدها والناس فيها شرع سواء.

إلّا أنّ المحكي عن الكليني والمفيد والشيخ والديلمي والقاضي والقمّي في تفسيره وبعض متأخّري المتأخّرين أنّها من الأنفال مطلقاً من غير فرق بين ما كان منها في أرضه أو غيرها ، وبين الظاهرة والباطنة (١).

استناداً إلى جملة من الأخبار ، التي منها :

ما رواه العيّاشي في تفسيره عن أبي بصير : قلت : وما الأنفال؟ «قال : منها المعادن والآجام» إلخ (٢).

وعن داود بن فرقد : قلت : وما الأنفال؟ «قال : بطون الأودية ورؤوس الجبال والآجام والمعادن» إلخ (٣).

ولكن هذا التفسير لأجل ضعف سنده غير قابل للتعويل ، وكأنّ المستنسخ (سامحه الله) روماً للاختصار حذف الإسناد فكساها ثوب الإرسال وأسقطها بذلك عن درجة الاعتبار ، وليته لم يستنسخ.

وكيفما كان ، فروايات هذا التفسير بالإضافة إلينا في حكم المرسل فلا يعتمد عليها.

__________________

(١) حكاه في الجواهر ١٦ : ١٢٩ ، الحدائق ١٢ : ٤٧٩ ، مصباح الفقيه ١٤ : ٢٥٥.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٣٣ / أبواب الأنفال ب ١ ح ٢٨.

(٣) الوسائل ٩ : ٥٣٤ / أبواب الأنفال ب ١ ح ٣٢.

٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والعمدة موثّقة إسحاق بن عمّار المرويّة عن تفسير علي بن إبراهيم ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأنفال «فقال : هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها فهي لله وللرسول ، وما كان للملوك فهو للإمام ، وما كان من الأرض بخربة لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، وكلّ أرض لا ربّ لها ، والمعادن منها ، ومن مات وليس له مولى فماله من الأنفال» (١).

فلو تمّت دلالة هذه الموثّقة وثبت أنّ المعادن من الأنفال التي هي ملك للإمام (عليه السلام) لم يصحّ تملّكها من الكافر ، بل ولا من المسلم المخالف ، لاختصاص الترخيص في التصرّف والاستملاك بالشيعة ومن هو من أهل الولاية ، قال (عليه السلام) : «الناس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا ، إلّا أنّا أحللنا شيعتنا من ذلك» (٢) ، ونحوها غيرها.

نعم ، ادّعى المحقّق الهمداني قيام السيرة القطعيّة على ذلك بالإضافة إلى المخالف ، فإن تمّ وعهدته عليه وإلّا فهو ملحق بالكافر في عدم الإذن ، والإشكال يعمّهما (٣).

ولكن الظاهر أنّ الموثّقة قاصرة الدلالة ، لابتنائها على عود الضمير في قوله : «والمعادن منها» إلى الأنفال ، وهو غير ظاهر ، ولعلّ الأقرب عوده إلى الأرض التي هي الأقرب ، بل يقوى هذا الاحتمال بناءً على أن تكون النسخة : «فيها» بدل : «منها» كما ذكره الهمداني (قدس سره) (٤).

بل قد يتعيّن ذلك على كلتا النسختين ، نظراً إلى ذكر الأنفال في آخر الخبر ،

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٣١ / أبواب الأنفال ب ١ ح ٢٠ ، تفسير القمّي ١ : ٢٥٤ بتفاوت.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٤٦ / أبواب الأنفال ب ٤ ح ٧.

(٣) مصباح الفقيه ١٤ : ٢٥٧ ٢٥٨.

(٤) مصباح الفقيه ١٤ : ٢٥٧.

٦٤

[٢٨٨٦] مسألة ١٠ : يجوز استئجار الغير لإخراج المعدن فيملكه المستأجر (١) ، وإن قصد الأجير تملّكه لم يملكه.

______________________________________________________

فلو كان المراد من مرجع الضمير هو الأنفال لكان الأحرى ذكره صريحاً هنا والإتيان بالضمير في آخر الخبر عكس ما هو الموجود فيها ، بأن يقول هكذا : والمعادن من الأنفال ومن مات وليس له مولى فما له منها.

وعليه ، فتدلّ الموثّقة على أنّ صنفاً خاصّاً من المعادن يكون من الأنفال وهي التي تكون من الأرض أو في أرض لا ربّ لها.

والمراد من الربّ هو المربّي والمحيي ومن يقوم بشؤون الأرض وصلاحها ، ومنه الربيب الذي يقوم زوج امّه بتربيته وتكفّل شؤونه ، وبقرينة المقابلة مع الأرض الخربة التي لها مالك وهو الإمام (عليه السلام) يراد من الأرض التي لا ربّ لها : الأرض التي ليس لها من يصلحها ويحييها وإن كان لها مالك قد أعرض أو أهمل ، فكأنّ الشارع لم يرض بمجرّد تملّك الأرض وحيازتها بل يحث على أعمارها وإحيائها ، بل في بعض النصوص أنّها وقف لمن يحييها ، وإن كانت ضعيفة السند.

والمتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ غاية ما تدلّ عليه الموثّقة أنّ قسماً خاصّاً من المعادن وهي التي تكون في أرض لم يقم شخص بتربيتها وإصلاحها ، كان لها مالك أم لا تعد من الأنفال ، فلا تتمّ مقالة الكليني ومن تبعه من أنّ المعادن بأجمعها من الأنفال ، كما لم تتمّ مقالة المشهور أيضاً من النفي المطلق ، بل الأقرب اختيار الوسط بين الأمرين حسبما عرفت.

(١) إذ هو نتيجة العمل الذي هو ملك له بعقد الإيجار ، فكأنه هو المتصدِّي للاستخراج والأجير بمثابة الآلة له ، ولذا صحّ إسناد الإخراج إليه حقيقةً ، فهو

٦٥

[٢٨٨٧] مسألة ١١ : إذا كان المخرج عبداً كان ما أخرجه لمولاه وعليه الخمس.

[٢٨٨٨] مسألة ١٢ : إذا عمل فيما أخرجه قبل إخراج خمسه عملاً يوجب زيادة قيمته (١) كما إذا ضربه دراهم أو دنانير أو جعله حُليّا أو كان مثل الياقوت والعقيق فحكّه فصّاً مثلاً اعتُبِر في إخراج خمس مادّته (١) ، فيقوّم حينئذٍ سبيكة أو غير

______________________________________________________

المالك وعليه الخمس.

ومنه تعرف الحال في المسألة الآتية أعني : ما لو كان المخرج عبداً لوحدة المناط ، فإنّه مملوك بشخصه كما أنّ الأجير مملوك بعمله ، وعلى التقديرين فالنتيجة العائدة من الشخص أو العمل المملوكين مملوك لمالكهما بالتبعيّة كما هو ظاهر.

(١) كما لو كانت قيمة الذهب المستخرج ديناراً وبعد صياغته وتغيير هيئته يقوم بدينارين ، فهل اللّازم دفع خمس الدينار الذي هو قيمة المادّة ، أو الدينارين اللّذين هما قيمة المعدن الفعلي بمادّته وهيئته؟

اختار (قدس سره) الأوّل تبعاً للجواهر (١) وغيره ، فيقوّم المعدن سبيكة أو غير محكوك ثمّ يخمّس ، وربّما يعلّل بأنّ مستحقّ الخمس إنّما يملك خمس المادّة فقط ، وأمّا الصفة والهيئة فهي بتمامها ملك لعاملها فلا وجه لملاحظتها في التقويم ليلزم دفع خمسها.

__________________

(*) فيه إشكال ، بل منع ، فإنّ الظاهر لزوم إخراج خمسه بماله من الهيئة.

(١) الجواهر ١٦ : ٢١.

٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ويندفع بما أوضحناه مستقصًى في بحث المكاسب من أنّ الهيئة من حيث هي لا ماليّة لها ، ولا يقسّط الثمن عليها أبداً ، ولا شأن لها عدا أنّها توجب ازدياد ماليّة المادّة المتلبّسة بها ، لأوفريّة رغبة العقلاء إليها بالإضافة إلى المجرّدة عنها ، ولأجلها يبذل المال بإزائها أكثر ممّا يبذل بإزاء العاري عن تلك الصفة ، من غير أن يكون لنفس تلك الهيئة حظّ من الماليّة.

ومن ثمّ لم يلتزم ولا ينبغي أن يلتزم أحد بجواز بيع المادّة دون الهيئة ، أو العكس ، أو يقال بشركة شخصين في العين على أن تكون المادّة لأحدهما والهيئة للشريك الآخر ، فيفرض الفرش المنسوج بالشكل الخاصّ مادّته لزيد وهيئته لعمرو ، أو تكون نقوش الكتاب وخطوطه لزيد ، وأوراقه لعمرو ، وهكذا غير الهيئة من سائر العوارض ، كالألوان أو الكيفيّات من البرودة والحرارة ونحوهما ، فإنّ المائع البارد وإن كان في الصيف أغلى من الماء إلّا أنّ نفس المادّة أثمن ، لا أنّ مقداراً من الثمن يدفع بإزاء صفة البرودة.

وعلى الجملة : فلا ينبغي التأمّل في عدم مقابلة الهيئة بشي‌ء من المال ، وإلّا لاستحقّ الغاصب قيمة ما أحدثه في العين من الهيئة وهو مقطوع الفساد ، بل يجب عليه ردّ المادّة بهيئتها الفعليّة وإن أوجبت زيادة الماليّة.

وعليه ، فالتعليل بأنّ الصفة بتمامها لعاملها في غير محلّه ، فإنّها ليست لأحدٍ لا للعامل ولا لغيره ، لعدم ماليّتها بوجه حسبما عرفت ، فضلاً عن أن تكون ملكاً لأحد.

بل الوجه فيما ذكره (قدس سره) من دفع خمس المادّة فقط من دون ملاحظة الهيئة عدمُ المقتضي لملاحظتها ، إلّا إذا بنينا على تعلّق الخمس بنفس العين من حيث هي بحيث تكون العين الخارجيّة بخصوصيّاتها الشخصيّة مشتركة بين المالك ومستحقّ الخمس على سبيل الإشاعة ، فيلزم حينئذٍ ملاحظة الصفات

٦٧

محكوك مثلاً ويخرج خمسه ، وكذا لو اتّجر به فربح قبل أن يخرج خمسه ناوياً الإخراج من مال آخر (*) ثمّ أدّاه من مال آخر (١) ، وأمّا إذا اتّجر به من غير نيّة الإخراج من غيره فالظاهر أنّ الربح مشترك بينه وبين أرباب الخمس.

______________________________________________________

والهيئات كالمواد لدى التقويم وتخريج الخمس.

وأمّا بناءً على أنّ الخمس كالزكاة حقٌّ متعلّق بماليّة العين ، وأمّا الشخصيّة فهي للمالك من غير أن يشاركه فيها أحد ، فلا جرم تقوّم مالية العين في زمان تعلّق الخمس وحدوثه ويملك المستحقّ الخمس من هذه الماليّة ، ومن البيّن أنّ هذه الماليّة أي ماليّة العين في زمان التعلّق التي هي متعلّق الخمس لم تزدد ولم تتغيّر بإحداث الهيئة من جعل السبيكة مسكوكاً أو غير المحكوك محكوكاً.

نعم ، لو فرضنا الزيادة في تلك الماليّة من أجل ترقّي القيمة السوقيّة وجب ملاحظتها ، إذ اللّازم الخروج عن عهدة الخمس من تلك الماليّة المتوقّف فعلاً على ملاحظة القيمة الفعليّة بعد أن لم يؤدّ الخمس في وقته كما هو المفروض. وأمّا الزيادة الناشئة من قبل عمل المالك وإحداثه الصفة فلا مقتضي لملاحظتها في مقام التقويم بوجهٍ حسبما عرفت.

وحيث ستعرف في محلّه إن شاء الله تعالى أنّ المبنى الأوّل هو الأصحّ فالأقوى لزوم إخراج خمس المجموع.

(١) فصّل (قدس سره) بين نيّة الإخراج من مال آخر المتعقّبة بالأداء ، وبين عدم النيّة فيكون الربح كلّه له على الأوّل ، ومشتركاً بينه وبين أرباب الخمس على الثاني.

__________________

(*) لا أثر للنيّة في المقام ، والحكم فيه هو الحكم فيما اتّجر به بغير نيّة الإخراج.

٦٨

[٢٨٨٩] مسألة ١٣ : إذا شكّ في بلوغ النصاب وعدمه فالأحوط الاختبار (١) (١).

______________________________________________________

ولكنّه غير ظاهر ، إذ لا أثر للنيّة بمجرّدها في ذلك ولا للأداء الخارجي ، لعدم الدليل على شي‌ء من ذلك بوجه ، بل لا دليل على نقل الخمس من العين إلى الذمّة بمجرّد النيّة بعد أن لم تكن ولاية للمالك على ذلك.

والصحيح في المقام أن يقال إذا بنينا على صحّة الشراء ممّن لم يخمّس العين استناداً إلى نصوص التحليل وشمولها للمقام كما هو الأظهر على ما سيجي‌ء في محلّه إن شاء الله فلا إشكال في صحّة البيع حينئذٍ ، غايته أنّ الخمس ينتقل من المثمن إلى الثمن ، ولأجله يشترك الربح بتمامه بين المالك وأرباب الخمس.

وإن بنينا على عدم الصحّة ، لقصور تلك النصوص عن الشمول للمقام ، فلا محالة يكون البيع بالإضافة إلى خمس المبيع فضوليّاً ، لعدم صدوره لا بإذنٍ من المالك ولا وليّه ، وحينئذٍ فلو أدّى المالك الخمس من مالٍ آخر فبطبيعة الحال يملك وقتئذٍ ذاك الخمس المبيع فضوليّاً ، وبذلك يندرج المقام في كبرى : من باع ثمّ ملك ، كما تقدّم نظير ذلك في بيع العين الزكويّة ثمّ أداء الزكاة من مالٍ آخر.

فإن قلنا بصحّته كما هو الأصحّ كان الربح بتمامه للمالك ، وإلّا توقّفت الصحّة على إجازة الحاكم الشرعي الذي هو وليّ الخمس ، فإن أجاز صحّ وكان الربح مشتركاً ، وإلّا بطل البيع في مقدار الخمس فيستردّ حينئذٍ ماليّة هذا المقدار التي هي متعلّق الخمس ، ويراعي في هذا الاسترداد الغبطة والمصلحة ، وربّما تقتضي المصلحة استرداد نفس العين ، لكونها في معرض ارتقاء القيمة السوقيّة.

(١) لوجوهٍ مذكورة في محلّها بالإضافة إلى المقام وأمثاله ممّا يكون عدم

__________________

(*) لا بأس بتركه.

٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الاختبار والرجوع إلى الأصل مظنّة الوقوع في مخالفة الواقع ، كالشكّ في الاستطاعة ، وفي البلوغ حدّ النصاب في زكاة المال وفي الخمس وأمثالها.

منها : اهتمام الشارع بإدراك الواقع في هذه الموارد بمثابةٍ لا يرضى بالوقوع في خلاف الواقع حتى في صورة الشكّ والجهل.

ومنها : العلم الإجمالي بالوقوع في مخالفة الواقع كثيراً أو ولو في الجملة ، المانع عن الرجوع إلى الأصل.

ومنها : غير ذلك ممّا هو مذكور في محلّه.

ولكن العلم الإجمالي بأنّ جملة من الشاكّين يقعون في مخالفة الواقع لا أثر له بالإضافة إلى نفس الشاكّ ، ولا يمنع عن رجوعه إلى الأصل كما هو الحال في غير هذا المقام من سائر الموارد التي يرجع فيها إلى الأصل من أصالة الطهارة والحلّ ونحوها ، فإنّا نعلم إجمالاً بالضرورة بأنّ جملة من المتمسّكين بالأصل يقعون في خلاف الواقع جزماً.

نعم ، لو علم الشاكّ بنفسه إجمالاً بمخالفة الأصل الذي يجريه فعلاً أو بعداً لدى الشكّ في بلوغ المعدن النصاب منع ذلك عن الرجوع إلى الأصل ، إذ لا فرق في تنجيزه بين الدفعي والتدريجي ، وأمّا لو علم غيره أو علم هو بمخالفة أصله أو أصل غيره للواقع فلا أثر له في المنع عن الرجوع إلى الأصل كما هو ظاهر جدّاً.

وأمّا الاهتمام المزبور فلو ثبت وتحقّق فما أحسنه وجهاً للمنع ، ولكن كيف وأنّى لنا إحراز ذلك؟! وعهدته على مدّعيه. إذن فلا مانع من الرجوع إلى أصالة عدم بلوغ النصاب إمّا بالعدم النعتي كما في استخراج الملح تدريجاً حيث يقطع بأنّ الإخراج في الوجبة السابقة لم يبلغ النصاب والآن كما كان أو الأزلي كما في استخراج الذهب مثلاً لو شكّ في الوجبة الاولى بلوغ النصاب ، فإنّ

٧٠

الثالث : الكنز (١) ،

______________________________________________________

المرجع حينئذٍ أصالة عدم البلوغ أزلاً ، وبنحو السالبة بانتفاء الموضوع ، فلاحظ.

(١) بلا خلاف ولا إشكال ، بل إجماعاً كما عن غير واحد ، وتشهد له جملة من الأخبار ، التي منها :

صحيحة الحلبي : أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكنز ، كم فيه؟ «فقال : الخمس» (١).

وصحيح ابن أبي عمير ، عن غير واحد ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : الخمس على خمسة أشياء : على الكنوز ، والمعادن» إلخ (٢).

فإنّ أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني هو شيخ الصدوق وقد وثّقه صريحاً فقال : ثقة فاضل ديّن وإن لم يتعرّض له في كتب الرجال (٣).

وما في الوسائل من ضبط : عن جعفر (٤) ، غلط ، إمّا في هذه النسخة أو من صاحب الوسائل لو كان جميع نسخ الوسائل كذلك ، والصواب : ابن جعفر ، كما أثبتناه (٥) ، فإنّ جعفر جدّ أحمد ، لا أنّه راوٍ آخر.

وبالجملة : لا ينبغي التأمّل في صحّة الرواية.

وما رواه الصدوق بإسناده عن عمّار بن مروان ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : «فيما يخرج من المعادن ، والبحر ، والغنيمة ، والحلال المختلط

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٤٩٥ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ٤٩٤ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٧.

(٣) كمال الدين : ٣٦٩ / ٦.

(٤) في الوسائل المحقق جديداً : ابن جعفر.

(٥) وأثبته في الخصال أيضاً : ٢٩١ / ٥٣.

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

بالحرام إذا لم يعرف صاحبه ، والكنوز ، الخمس» (١).

وهذه واضحة الدلالة.

وأمّا السند فعمّار بن مروان مشترك بين اليشكري الثقة الذي هو معروف وله كتاب والراوي عنه محمّد بن سنان غالباً والحسن بن محبوب أحياناً ، وبين الكلبي الذي هو مجهول ، كما أنّه غير معروف ويروي عنه الحسن بن محبوب بواسطة أبي أيّوب ، وما في جامع الرواة من ضبط : كليني (٢) ، بدل : كلبي ، خطأ ، والصواب ما ذكرناه.

وقد حاول الأردبيلي إرجاع الثاني إلى الأوّل ، ولا وجه له بعد الامتياز من حيث الراوي والكتاب والشهرة ، فهما شخصان والرجل مردّد بين الثقة وغيره.

إلّا أنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ المراد هو الأوّل ، لانصراف اللفظ عند الإطلاق إلى ما هو الأشهر الأعرف الذي له أصل أو كتاب ، دون الشاذّ غير المعروف ، ولا سيّما وأنّ الراوي عنه هو الحسن بن محبوب بلا واسطة ، مع أنّه لا يوري عن الكلبي إلّا بواسطة أبي أيّوب كما سمعت.

وعليه ، فالأظهر أنّ الرواية صحيحة السند وإن ناقشنا فيها في المعجم (٣) ، فلاحظ.

وصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن المعادن ، ما فيها؟ «فقال : كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس» (٤).

فإنّ السؤال وإن كان عن المعادن ، إلّا أنّ الحكم في الجواب معلّق على عنوان

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٤٩٤ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٦ ، الخصال : ٢٩٠ / ٥١.

(٢) جامع الرواة ١ : ٦١٢.

(٣) معجم رجال الحديث ١٣ : ٢٧٥ ٢٧٦.

(٤) الوسائل ٩ : ٤٩٢ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٣.

٧٢

وهو المال المذخور (١)

______________________________________________________

عامّ وهو الركاز ، الشامل للمعادن وغيرها من الكنز ونحوه ، فإنّه بمعنى الشي‌ء الثابت المرتكز فيعمّ الكلّ ، بل قد يقال باختصاص الركاز على بعض تفاسيره بالكنز.

وكيفما كان ، فوجوب الخمس في الكنوز مسلّم نصّاً وفتوى ولا سترة عليه.

وإنّما الكلام يقع في جهات : نتعرّض إليها حسب تعرّض الماتن (قدس سره) :

(١) الجهة الأُولى : هل يعتبر القصد في صدق الكنز بأن يكون المال الذي عثر عليه ممّا كنزه إنسان بقصد الادّخار ليوم فاقته ، أو يتناول المفهوم كلّ مال مستتر في الأرض ولو لا عن قصد أو بقصدٍ غير الادّخار من حفظه مؤقّتاً ونحو ذلك؟

المشهور هو الثاني ، ولكن الشهيد الثاني في المسالك والروضة اختار الأوّل (١) ، فخصّ الكنز بما إذا كان الادّخار مقصوداً للمالك ، وإلّا فهو في حكم اللّقطة ، بل ربّما ينسب هذا القول إلى كلّ من فسّر الكنز بالمال المذخور تحت الأرض ، بدعوى أنّ القصد والإرادة مشروب في مفهوم الادّخار بحكم التبادر والانسباق.

وكيفما كان ، فما عليه المشهور هو الصحيح ، إذ التقييد بالقصد لم نتحقّقه في مفهوم الكنز لا عرفاً ولا لغةً ، بل لا يكاد يتأمّل العرف في إطلاق الكنز على المال الذي عثر عليه في جوف الأرض وإن لم يحرز قصد المالك ، لعدم القرينة على ذلك من كونه في وعاء ونحوه ، بل حتى مع إحراز عدم القصد ، وأنّ استتار المال كان بسبب الضياع ونحوه كما يكشف عنه بوضوح الكنز المستخرج من

__________________

(١) المسالك ١ : ٤٦٠ ، الروضة ٢ : ٦٨.

٧٣

في الأرض أو الجبل أو الجدار أو الشجر ، والمدار الصدق العرفي (١) ،

______________________________________________________

المدن التي أنزل الله تعالى عليها العذاب وجعل عاليها سافلها وسافلها عاليها ، فإنّ الادّخار غير مقصود حينئذٍ بالضرورة مع إطلاق اسم الكنز عليه قطعاً.

ولو تنازلنا وشككنا في تناول المفهوم لغير المقصود ، أو أحرزنا العدم ، فإنّما نسلّمه في لفظ الكنز ، وأمّا الركاز المجعول بعنوانه موضوعاً للحكم في صحيحة زرارة المتقدِّمة فلا ينبغي التأمّل في شموله لغير المقصود ، ضرورة أنّ من أبرز مصاديقه المعدن ولا قصد في مورده كما هو واضح.

(١) الجهة الثانية : هل يختصّ الكنز بالمال المذخور تحت الأرض ، أو يشمل المستور فوقها من جبل أو شجر أو جدار ونحوها؟

ظاهر التقييد بالأرض في كلمات جملة من الفقهاء واللغويّين هو الأوّل ، بل قد صرّح كاشف الغطاء كما في الجواهر بعدم الخمس في المدفون في غير الأرض (١).

ولكنّه غير واضح ، لشمول المفهوم عرفاً ولغةً لكلّ ما كان مستوراً عن الأنظار ، على نحوٍ لا يمكن الوصول إليه عادةً ، سواء أكان مدفوناً في الأرض أم الجبل أم بطن الشجر دون ورقه أم في بناء من جدران أو حيطان ونحوها ممّا يكون مخفيّاً ويتعذّر العثور عليه غالباً ويكون محفوظاً دائماً لا تناله الأيدي بحسب الجري العادي.

نعم ، المخفي في مكان معيّن للحفظ المؤقّت ، كالصندوق ، أو وراء الكتب ، أو السرداب ، أو تحت خشب ، أو حطب ، أو خلال أوراق الشجر ، ونحو ذلك ممّا يكون معرّضاً للعثور عليه ولو بعد حين ، لا يصدق عليه الكنز ولا الركاز

__________________

(١) حكاه في الجواهر ١٦ : ٢٥ ، وهو في كشف الغطاء : ٣٦٠.

٧٤

سواء كان من الذهب أو الفضّة المسكوكين أو غير المسكوكين (١) أو غيرهما من الجواهر (١) ،

______________________________________________________

بحسب الصدق العرفي ، فلا تشمله الأدلّة ، بل هي في حكم اللقطة.

وأمّا ما عدا ذلك فيتناوله اللفظ وتشمله الإطلاقات ، ولا خصوصيّة للمكان كما مال إليه في الجواهر (٢) ، بل لا ينبغي التأمّل في ذلك ، والعبرة بالصدق العرفي حسبما عرفت.

(١) الجهة الثالثة : في الجنس المخرج.

لا ينبغي التأمّل في صدق الكنز على كلّ مال مذخور في الأرض ، سواء أكان من الذهب والفضّة أم غيرهما من الجواهر والأحجار الكريمة ونحوها من النفائس الثمينة ، بل هو الظاهر من كلّ من فسّره بالمال المذخور ، لصدق المال على جميع تلك الأجناس بمناطٍ واحد.

فما يظهر من بعض من التخصيص بالأولَين ، بل ربّما ينسب إلى ظاهر الأكثر ، لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، بل المستفاد من كلمات غير واحد من الفقهاء واللغويّين المطابق للمرتكز العرفي هو الأوّل حسبما عرفت.

نعم ، الظاهر اختصاص الخمس بعنوان الكنز بصنفٍ خاصّ منه ، أعني : الذهب والفضّة المسكوكين المعبّر عنهما بالنقدين ، فلا خمس في غيرهما بهذا العنوان وإن ثبت بعنوان مطلق الفائدة ، وذلك من أجل النصّ الخاصّ ، وهي صحيحة البزنطي الظاهرة في الاختصاص ، وبها ترفع اليد عن الإطلاق الوارد

__________________

(١) وجوب الخمس في غير المسكوك من الذهب أو الفضّة سواء كان من الذهب أو الفضّة أو من غيرهما مبني على الاحتياط.

(٢) الجواهر ١٦ : ٢٥ ٢٦.

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

في سائر الأدلّة ، التي منها صحيحة زرارة المتضمّنة للركاز ، عملاً بصناعة الإطلاق والتقييد.

روى الصدوق في الصحيح عن البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، قال : سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز؟ «فقال : ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» (١).

فإنّ السؤال بقوله : عمّا ، إلخ ، ظاهرٌ في السؤال عن الجنس والماهيّة ، لا عن المقدار والكمِّيّة. وعليه ، فالمماثلة ظاهرة في التماثل من حيث الجنس الذي هو المسئول عنه لا في شي‌ء آخر ، فإنّه خلاف المنسبق أو المنصرف من إطلاق المماثلة كما لا يخفى ، وبما أنّ الجنس المستخرج من الكنز الذي يكون في الجنس المتسانخ والمماثل له الزكاة منحصرٌ في النقدين فطبعاً يختصّ الخمس أيضاً بهما.

هذا ، ولكن صاحب الرياض أسند إلى الأصحاب أنّهم فهموا منها المماثلة في المقدار والماليّة ، نظير صحيحته الأُخرى الواردة في المعدن ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير ، هل فيه شي‌ء؟ «قال : ليس فيه شي‌ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً» (٢) ، فإنّ الجواب فيهما واحد ، وهو اعتبار النصاب المقدّر بعشرين ديناراً في تلك الصحيحة ، وأمّا في هذه فحيث لم يقدّر فتحمل على أنّه إن كان ذهباً فعشرون ديناراً ، وإن كان فضّة فمائتا درهم ، وإن كان غيرهما فأقلّ النصب الزكويّة (٣).

ولكنّه كما ترى ، فإنّ الصحيحة الأُولى ظاهرة في السؤال عن الجنس كما عرفت ، فلا وجه للحمل على الكمّ. وأمّا الثانية فهي بالعكس من ذلك ، لمكان

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٤٩٥ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٥ ح ٣ ، الفقيه ٢ : ٢١ / ٧٥.

(٢) الوسائل ٩ : ٤٩٤ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٤ ح ١.

(٣) رياض المسائل ٥ : ٢٤٩ ٢٥٠.

٧٦

وسواء كان في بلاد الكفّار الحربيّين أو غيرهم أو في بلاد الإسلام (١) ، في الأرض الموات أو الأرض الخَرِبة التي لم يكن لها مالك أو في أرض مملوكة له بالإحياء أو بالابتياع مع العلم بعدم كونه ملكاً للبائعين ، وسواء كان عليه أثر الإسلام أم لا ، ففي جميع هذه يكون ملكاً لواجده وعليه الخمس.

______________________________________________________

التعبير بقوله : من قليل أو كثير ، وقوله : «حتّى يبلغ» فإنّ ذلك يجعلها كالصريح في تعلّق السؤال بالكمّ والمقدار ، فبين السؤالين بونٌ بعيد ، ولا وجه لقياس أحدهما بالآخر كما هو ظاهر جدّاً.

أضف إلى ذلك أنّ هذه الصحيحة الواردة في المعدن لو حملت على الجنس ليراد به الذهب والفضّة اللذين يكون في مثلهما الزكاة يلزم منه الحمل على الفرد النادر جدّاً ، ضرورة أنّ التصدِّي لاستخراج غيرهما من سائر المعادن كالملح والأحجار الكريمة ونحوها يمكن من شخص واحد. وأمّا استخراج الذهب والفضّة من معدنهما فهو صعب مستعصب لا يمكن عادةً أن يقوم به إلّا جماعة كثيرون مجهّزون بآلات الاستخراج ، وفي الأغلب يكون المتصدِّي لها أعضاء الدول والحكومات دون آحاد الناس العاديّين.

فهي إذن محمولة على الكمّ والمقدار وناظرة إلى النصاب حسبما عرفت ، بخلاف الأُولى ، فإنّها ظاهرة في السؤال عن جنس المستخرج وماهيّته لا مقداره وكمّيّته ، فإنّ حمل المماثلة على التقدير في الماليّة بعيدٌ عن سياقها غايته كما عرفت.

فتحصّل : أنّ الأظهر اختصاص الخمس من الكنوز بما كان الخارج من النقدين اللذين فيهما الزكاة دون غيرهما من الذهب والفضّة غير المسكوكين فضلاً عن غير الذهب والفضّة.

(١) الجهة الرابعة : في المكان الذي يوجد فيه الكنز.

٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

لا إشكال كما لا خلاف في أنّ الكنز إذا وجد في دار الحرب أو في دار الإسلام ولم يكن عليه أثر الإسلام بأن لم تكن السكّة إسلاميّة مثلاً فهو ملك لواجده وعليه خمسه ، وقد ادّعى عليه الإجماع في كلمات غير واحد.

وإنّما الكلام فيما إذا وجد في دار الإسلام وكان عليه أثر الإسلام ، كما لو كانت سكّة عبّاسيّة أو أمويّة ونحوهما ، فهل يجري عليه حكم الكنز من التملّك والتخميس ، أو حكم اللقطة ليحتاج إلى التعريف؟

ومحلّ الكلام ما إذا وجد في الأماكن العامّة كالمباحات الأصليّة أو ما هو ملك للإمام كالأنفال ، أو للمسلمين كالأراضي المفتوحة عَنوةً وقد تقدّم سابقاً أنّ ملكيّة المسلمين لها لا تستلزم ملكيّة ما في أجوافها من الكنوز والمعادن (١) ونحو ذلك من الآجام وبطون الأودية وغيرها ممّا لم يكن ملكاً شخصيّاً لأحد.

فقد ذهب جماعة منهم المحقّق في الشرائع وغيره والعلّامة (٢) إلى أنّه داخل في عنوان اللقطة.

وذهب جماعة آخرون ومنهم صاحب المدارك (٣) إلى أنّه داخل في عنوان الكنز ويجري عليه حكمه.

واستدلّ القائلون بأنّه من اللقطة :

تارةً : بأصالة عدم جواز تملّكه من غير تعريف ، حيث إنّ الملكيّة أمر حادث يحتاج ثبوته إلى الدليل ومقتضى الأصل عدمه.

وأُخرى : بأنّ كونه في دار الإسلام أمارة كونه لمحترم المال من مسلم أو

__________________

(١) في ص ٥٨.

(٢) الشرائع ١ : ٢٠٧ ، المختلف ٣ : ١٩٢.

(٣) المدارك ٥ : ٣٧١ ٣٧٢.

٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ذمّي ، حيث إنّ مَن في هذه الدار محكومٌ بحقن الدم والمال ، فما لم يثبت أنّه في‌ء للمسلمين لا يجوز تملّكه ، بل يجب الفحص عن مالكه.

وثالثةً : بموثّقة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : قضى علي (عليه السلام) في رجل وجد ورقاً في خربة : أن يعرّفها ، فإن وجد من يعرفها ، وإلّا تمتّع بها» (١).

حيث دلّت على عدم جواز استملاك الورق قبل تعريفها. وقد حملوها على الكنز باعتبار أنّ الورق الموجود في الخربة إذا لم يكن كنزاً مذخوراً تحت الأرض لا معرّف له ليعرف ، إذ لا علامة له حينئذٍ ، فإنّه سكّة من درهم أو دينار كغيره من المسكوكات فكيف يمكن تعريفه؟! ومع التنزّل فلا أقلّ من الإطلاق ، أي سواء كان الورق على وجه الخربة أم كنزاً مذخوراً تحت الأرض. وعلى أيّ حال فلا يجوز استملاك ما وجد في دار الإسلام وعليه أثر الإسلام من غير تعريف.

هذا ، وقد أورد غير واحد على الأصل المزبور بأنّ مقتضاه جواز التملّك لا عدمه ، إذ المحترم إنّما هو مال المسلم ، ومن في حكمه كالذمّي وغيره لا احترام له ، فمع الشكّ في أنّه لمسلم أو لغيره كان مقتضى الأصل عدم وضع المسلم يده على هذا المال ، فيجوز استملاكه بعد إحراز عدم احترامه بمقتضى هذا الأصل. ومجرّد كونه في بلاد الإسلام لا يكون أمارة على أنّه لمسلم. نعم ، غايته الظنّ ، وهو لا يغني عن الحقّ ، فلا يمنع عن إجراء الأصل المذكور.

وأُورد على هذا الإيراد أيضاً بأنّ مقتضى الأصل عدم جواز التصرّف في مال أيّ أحد ما لم يثبت جوازه ، فإنّ أخذ المال ظلم وتعدٍّ وهو قبيح ، إلّا ما ثبت بدليلٍ مثل مال الكافر الحربي وليس ذلك منوطاً بالإسلام ، بل الكفر مانع

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٤٤٨ / كتاب اللقطة ب ٥ ح ٥.

٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

لا أنّ الإسلام شرط ، فإذا شككنا في مالٍ أنّه لمسلم أو لحربي كان مقتضى الأصل عدم جواز التصرّف فيه ، لا أنّ مقتضى الأصل جوازه إلّا إذا ثبت أنّه لمسلم ، بل الأمر بالعكس ، فلا يجوز التصرّف إلّا إذا ثبت أنّه لحربي أو بوجه آخر كحقّ المارّة ونحو ذلك.

والحاصل : أنّ أصالة الاحترام من غير إناطةٍ بالإسلام هي المعوّل عليها في كافّة الأموال بالسيرة العقلائيّة وحكومة العقل القاضي بقبح الظلم كما عرفت ، إلّا إذا ثبت إلغاؤه والإذن في التصرّف فيه بدليل خاصّ ، كما ثبت في الكافر الحربي بإذنٍ من مالك المملوك الموجب لخروج ذلك عن عنوان الظلم. وقد ورد هذا المضمون في التوقيع الشريف وأنّه لا يجوز التصرّف في مال أحدٍ إلّا بإذنه ، وإن كان سنده ضعيفاً ، إلّا أنّه مؤيِّد للمطلوب. وهذا الإيراد وجيهٌ جدّاً.

ومن هنا لا ينبغي الشكّ من أحد حتى من صاحب المدارك في أنّا إذا وجدنا شخصاً مجهول الحال في بادية وشككنا في أنّه مسلم أو كافر حربي لا يجوز لنا أخذ ماله بأصالة عدم إسلامه ، أو لو رأيناه قد وضع ماله في مكانٍ معيّن أو ادّخره فيه فإنّه لا يسوغ لنا استملاكه بإجراء الأصل المزبور بالضرورة.

وعلى الجملة : فجواز التصرّف في الأموال يتوقّف على إحراز الجواز إمّا بإذنٍ من المالك أو من مالك المملوك ، فأصالة عدم وضع المسلم يده على هذا المال لا أساس لها بتاتاً ولا يترتّب عليها أيّ أثر حسبما عرفت ، بل لا بدّ من الفحص والتعريف ، ولا يجري حكم الكنز.

وأمّا الموثّقة فقد أُجيب عنها بعدم وضوح ورودها في الكنز ، بل الظاهر أنّها واردة في اللقطة غير الصادقة على الكنز بالضرورة ، إذ اللقطة هي المال الضائع ، فلا ينطبق على الكنز الذي هو المال المدّخر في مكانٍ معيّن وإن ذُكِر في كلام العلّامة وغيره أنّه لقطة.

٨٠