موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

على خلاف التقيّة ، ولو بيّن خلافه لكان كذباً ، ومن ثمّ أعرض واقتصر على حكم الأوّل.

وكيفما كان ، فهذه الرواية غير صالحة للاستناد إليها بوجه ، فتبقى صحيحة البزنطي سليمة عن المعارضة.

ثالثها : أنّ إرادة الخمس من الصحيح يستلزم ارتكاب التقييد ببلوغ العشرين في صحيحة ابن مسلم المصرّحة بوجوب الخمس في الملح المتّخذ من الأرض السبخة المالحة (١).

وهو كما ترى ، إذ قلّما يتّفق في مثله بلوغ النصاب المزبور ، فيلزم منه حمل المطلق على الفرد النادر ، ولا سيّما إذا اعتبرنا في الإخراج أن يكون دفعة واحدة ، فإنّ فرض كون الخارج بمقدار عشرين ديناراً نادرٌ جدّاً ، فلا مناص من إنكار النصاب في المعادن ، وحمل الصحيح على إرادة الزكاة تقيّةً كما سبق.

وفيه أوّلاً : منع الندرة ، سيّما في الأمكنة التي يعزّ وجود الملح فيها وخصوصاً فيمن اتّخذ الملاحة مكسباً ومتجراً له يستعين للاستخراج بعمّال خاصّة ، بل لعلّ الغالب في ذلك بلوغ ما يتّخذ من معدنه حدّ النصاب ، سواء اتّخذ من صفحة الجبل وهو الملح الحجري أم من سطح الأرض ، ولعلّ البلوغ في الأوّل أسرع. وكيفما كان ، فالندرة غير مسلّمة ، ولا أقلّ أنّها غير مطّردة حسبما عرفت.

وثانياً : سلّمنا ذلك ، ولكن المحذور إنّما يتوجّه لو كان الحكم في الصحيحة متعلّقاً بالملح بما هو ملح ، وليس كذلك ، بل عُلِّق عليه بما أنّه معدن ، حيث قال (عليه السلام) : «هذا المعدن فيه الخمس» ، فموضوع الحكم هو المعدن ، والملح

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٤٩٢ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٤.

٤١

بعد استثناء مئونة الإخراج (*) (١) والتصفية ونحوهما ، فلا يجب إذا كان المخرَج أقلّ منه ، وإن كان الأحوط إخراجه إذا بلغ ديناراً بل مطلقاً.

______________________________________________________

فرد من أفراد الموضوع لا أنّه بنفسه الموضوع ، ولا شكّ أنّ العبرة في الندرة وعدمها ملاحظتها بالإضافة إلى نفس الموضوع والطبيعي الذي تعلّق به الحكم ، فإذا لم يلزم من تقييده الحمل على الفرد النادر يرتكب التقييد وإن تضمّن الندرة بالإضافة إلى بعض أفراده ، ومن المعلوم أنّ تقييد المعدن بما هو معدن ببلوغ النصاب لا ندرة فيه بوجه ، لكثرة أفراد البالغ من هذه الطبيعة وإن قلّ وندر البالغ في خصوص فرد منه وهو الملح ، فغاية ما هناك استلزام التقييد للندرة في بعض أفراد الطبيعة ، ولا ضير فيه بوجه حسبما عرفت.

(١) يقع الكلام في مقامين :

الأوّل : هل يجب التخميس في مجموع ما أخرجه المعدن ، أو في خصوص ما يبقى بعد استثناء المؤن المصروفة في سبيل الإخراج والتصفية ونحوهما ، فلو كان الخارج ثلاثين ديناراً والمؤن المصروفة عشرة فهل يخمّس الثلاثون أو العشرون؟

الظاهر هو الثاني ، بل لا ينبغي الإشكال فيه ، لمطابقته للقاعدة ، حتى وإن لم ترد في البين أيّة رواية خاصّة ، ضرورة أنّ موضوع الخمس في جميع موارده وشتّى أقسامه إنّما هو الغنيمة والفائدة وما يعود للغانم ويستفيده ، دون ما لم يكن مغنماً وربحاً ، سواء أُريد به المعنى الأخصّ أم الأعمّ كما أُشير إليه في صحيحة ابن سنان من قوله (عليه السلام) : إنّه لا خمس إلّا في الغنائم خاصّة ،

__________________

(*) الظاهر كفاية بلوغ قيمة المخرَج عشرين ديناراً قبل استثناء المئونة ، وإن كان ما يجب فيه الخمس إنّما هو بعد استثنائها.

٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

على بعض محاملها كما تقدّم في ص ٣٢.

ولا شكّ في عدم استحقاق إطلاق الفائدة وعدم صدق الغنيمة إلّا بعد استثناء المئونة المصروفة في سبيل تحصيلها ، فمن اشترى صوفاً بعشرين وبذل اجرة العامل خمسة لينسجه سجّاداً ثمّ باعه بمائة لا يقال : إنّه ربح مائة ، بل لم يربح إلّا خمساً وسبعين.

وعليه ، ففي المثال المتقدِّم لم يستفد من المعدن إلّا عشرين ديناراً ، ولا تعدّ تلك العشرة المصروفة فائدة وغنيمة بوجه ، ولأجله لم يجب الخمس إلّا في العشرين لا الأكثر ، والظاهر أنّ الحكم متسالم عليه ولم يستشكل فيه أحد ، ولا ينبغي أن يستشكل فيه كما عرفت. هذا أوّلاً.

وثانياً : ما ورد في جملة من النصوص من أنّ الخمس بعد المئونة ، حيث إنّ الظاهر منها مئونة تحصيل الخمس وما يصرف في سبيل الاسترباح لا مئونة السنة كما لا يخفى.

هذا ، مضافاً إلى صحيحة زرارة التي هي كالصريحة في ذلك ، قال (عليه السلام) فيه : «ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه من حجارته مصفّى الخمس» (١).

فإنّه صريح في اختصاص الخمس بالمصفّى وما يبقى بعد إخراج مصرف العلاج المبذول من ماله ، كما نبّه عليه المحقّق الهمداني وصاحب الحدائق (٢).

المقام الثاني : في أنّ النصاب الذي هو شرط في وجوب الخمس هل يلاحظ ابتداءً أي في جميع ما أخرجه المعدن أو بعد استثناء المؤن ، فلا يجب الخمس إلّا إذا كان الباقي بعد الاستثناء بالغاً حدّ النصاب ولا عبرة بالبلوغ

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٤٩٢ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٣.

(٢) مصباح الفقيه ١٤ : ١٦ و ١١٤ ، الحدائق ١٢ : ٣٢٩.

٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

قبله ، فلو كان الخارج من المعدن خمساً وعشرين والمئونة عشرة لم يجب ، لكون الباقي وهي الخمسة عشرة دون النصاب وإن كان مجموع الخارج فوقه؟

فيه خلاف بين الأعلام ، والمشهور هو الثاني ، بل عن بعض نفي الخلاف فيه.

وعن جماعة منهم صاحب المدارك (١) اختيار الأوّل ، وهو الصحيح ، أخذاً بإطلاق البلوغ في صحيح البزنطي.

واستدلّ في الجواهر (٢) للمشهور بعد اختياره بأصالة البراءة عن وجوب الخمس ، فإنّ المتيقّن منه ما كان بالغاً حدّ النصاب بعد الاستثناء ، وأمّا قبله فمشكوك يدفع بالأصل.

وفيه : أنّ ثبوت الخمس مقطوع به على كلّ تقدير ولو من باب مطلق الفائدة وأرباح المكاسب كما لا يخفى ، فلا معنى للرجوع إلى الأصل.

إلّا أن يريد (قدس سره) وهو كذلك قطعاً أنّ تعلّق الخمس بعنوان المعدن ليترتّب عليه وجوب الإخراج فعلاً ومن غير ملاحظة مئونة السنة مشكوك ، فيكون مجرى الأصل فوريّة الوجوب وفعليّته لا أصله.

وهذا له وجه لولا الإطلاق في صحيح البزنطي المقتضي لوجوب الإخراج فعلاً بعد بلوغ المجموع حدّ النصاب ، سواء أكان كذلك بعد استثناء المؤن أيضاً أم لا ، إذ من المعلوم عدم وصول النوبة إلى التمسّك بالأصل العملي بعد وجود الإطلاق اللفظي.

فتحصّل : أنّ الأقوى عدم استثناء المؤن هنا وإن استثنيناها في المقام الأوّل ،

__________________

(١) المدارك ٥ : ٣٩٢.

(٢) الجواهر ١٦ : ٨٣.

٤٤

ولا يعتبر في الإخراج أن يكون دفعةً (*) (١) ، فلو أخرج دفعات وكان المجموع نصاباً وجب إخراج خمس المجموع ،

______________________________________________________

فمتى بلغ المجموع حدّ النصاب وجب الخمس فيما بقي بعد الاستثناء بلغ ما بلغ وإن كان الباقي ديناراً واحداً أو أقلّ ، عملاً بإطلاق البلوغ في صحيح البزنطي حسبما عرفت.

ثمّ لا يخفى أنّ المدار في النصاب على ما يتبادر من النصّ إنّما هو قيمة عشرين ديناراً وقت الإخراج ، لا القيمة القديمة في صدر الإسلام المعادلة لمائتي درهم كما قيل ، فإنّ ظاهر الدليل أنّ لهذا العنوان أعني : عشرين ديناراً خصوصيّة وموضوعيّة في تشخيص النصاب ، فلا جرم يدور مدار القيمة الفعليّة التي تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ، فالعبرة بملاحظة الدينار الذهبي المساوي للمثقال الشرعي الذي هو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي ، أي المعادل لثمانية عشر حمّصة ، فالماليّة الفعليّة لهذا المقدار هو المدار في تقدير النصاب ، سواء أطابق المائتي درهم أم خالفها.

فمتى بلغت ماليّة المخرج هذا الحدّ وجب الخمس بعنوان المعدن ، وإلّا لم يجب بهذا العنوان وإن وجب بعنوان مطلق الفائدة مشروطاً بعدم الصرف في مئونة السنة ، وإلّا فلا شي‌ء عليه ، كما هو الشأن في عامّة أرباح المكاسب على ما سيأتي في محلّه إن شاء الله.

(١) لا ريب في وجوب الخمس إذا بلغ المخرَج النصاب بإخراجٍ واحد ، سواء أكانت الوحدة حقيقيّة أم حكميّة ، أي المشتمل على دفعات لا تضرّ بصدق الوحدة العرفيّة ، كما في إخراج النفط بالدلاء ، فإنّ المجموع يعدّ عرفاً إخراجاً

__________________

(*) لا يبعد اعتبار الوحدة العرفيّة.

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

واحداً وإن كان متعدّداً بحسب الدقّة ، وهذا ظاهر ، فإنّه القدر المتيقّن من النصّ المتضمّن لاعتبار النصاب.

وإنّما الكلام فيما لو تعدّد الإخراج حتى عرفاً ، لما بينهما من فاصل زماني بمقدار معتدّ به ، كما لو أخرج في هذا اليوم كمِّيّة دون النصاب ، ثمّ أخرج في اليوم الآتي أو في الأُسبوع أو الشهر الآتي كمِّيّة اخرى يبلغ المجموع منهما حدّ النصاب ، فهل ينضمّ اللّاحق إلى السابق ليشكل النصاب ويجب الخمس ، أو يلاحظ كلّ إخراج بحياله فلا يجب في شي‌ء منهما؟

فيه خلاف بين الأعلام :

وقد ذهب جمع وفيهم بعض المحقّقين إلى الانضمام ، أخذاً بإطلاق البلوغ الوارد في الصحيح.

ولكن الأقوى تبعاً لجمعٍ آخرين عدم الانضمام ، نظراً إلى أنّ المنسبق من النصّ بحسب الفهم العرفي في أمثال المقام كون الحكم انحلاليّاً ومجعولاً على سبيل القضيّة الحقيقيّة ، فيلاحظ كلّ إخراج بانفراده واستقلاله بعد انعزاله عن الإخراج الآخر كما هو المفروض ، فهو بنفسه موضوع مستقلّ بالإضافة إلى ملاحظة النصاب في مقابل الفرد الآخر من الإخراج ، نظير ما لو علّق حكم على الشراء مثلاً فقيل : إنّه متى اشتريت منّاً من الحنطة فتصدّق بكذا ، فاشترى نصف من ثمّ اشترى ثانياً نصف من آخر ، فإنّ شيئاً من الشراءين غير مشمول للدليل ، لعدم صدق المنّ وإن صدق على المجموع ، وليس ذلك إلّا لأجل لزوم ملاحظة كلّ فرد بحياله واستقلاله ، نظراً إلى الانحلال والتعدّد وعدم الانضمام كما عرفت.

والذي يكشف عن ذلك بوضوح أنّه لو أخرج ما دون النصاب بانياً على الاكتفاء به فصرفه وأتلفه من غير تخميسه لعدم وجوبه حينئذٍ على الفرض ، ثمّ

٤٦

وإن أخرج أقلّ من النصاب فأعرض (١) ثمّ عاد وبلغ المجموع نصاباً فكذلك على الأحوط. وإذا اشترك جماعة في الإخراج (٢) ولم يبلغ حصّة كلّ واحدة منهم النصاب ولكن بلغ المجموع نصاباً فالظاهر وجوب خمسه.

______________________________________________________

بدا له فأخرج الباقي ، فإنّ هذا الإخراج الثانوي لا يحدث وجوباً بالإضافة إلى السابق التالف بلا إشكال ، لظهور النصّ في عروض الوجوب مقارناً للإخراج ، لا في آونة اخرى بعد ذلك كما لا يخفى ، فإذا تمّ ذلك في صورة التلف تمّ في صورة وجوده أيضاً ، لوحدة المناط ، وهو ظهور النصّ في المقارنة.

(١) يظهر حكم ذلك ممّا قدّمناه آنفاً.

ولا خصوصيّة للإعراض ، فإنّ العود بعد ما أعرض إن كان متّصلاً بسابقه بحيث عدّ عرفاً متمّماً ومكمّلاً له والمجموع عمل واحد ، نظير المسافر الذي يعرض أثناء السير عن السفر ثمّ يعود ويستمرّ بلا فصل معتدّ به بناءً على عدم قدحه أو المصلّي أو الخطيب الذي يعرضه الإعراض عن الإتمام ثمّ يعود إلى ما كان عليه مسترسلاً ، حكم حينئذٍ بالانضمام ولوحظ النصاب في المجموع.

وإن كان منفصلاً عنه بمثابةٍ يعدّ في نظر العرف عملاً مستقلا وإخراجاً ثانياً مغايراً للأوّل لم يحكم حينئذٍ بالانضمام.

وعلى الجملة : لا أثر للإعراض ، والمدار على الصدق العرفي في تشخيص الوحدة والتعدّد ، ونتيجته التفصيل حسبما عرفت.

(٢) فهل يلاحظ النصاب في المجموع ، أو في حصّة كلّ واحد منهم؟

نسب الثاني إلى المشهور. ولكنّه غير واضح ، فإنّ مقتضى إطلاق صحيح البزنطي أنّ العبرة بالإخراج لا بالمخرج وأنّ المدار ببلوغ ما أخرجه المعدن حدّ النصاب سواء أكان المخرج واحداً أم متعدّداً.

٤٧

وكذا لا يعتبر اتّحاد جنس المخرج (١) ، فلو اشتمل المعدن على جنسين أو أزيد وبلغ قيمة المجموع نصاباً وجب إخراجه.

نعم ، لو كان هناك معادن متعدّدة اعتبر في الخارج من كلّ منها بلوغ النصاب (٢) دون المجموع ، وإن كان الأحوط كفاية بلوغ المجموع ، خصوصاً مع اتّحاد جنس المخرج منها ، لا سيّما مع تقاربها ، بل لا يخلو عن قوّة (*) مع الاتّحاد والتقارب. وكذا لا يعتبر استمرار التكوّن ودوامه ، فلو كان معدن فيه مقدار ما يبلغ النصاب فأخرجه ثمّ انقطع جرى عليه الحكم بعد صدق كونه معدناً.

______________________________________________________

وقياسه بباب الزكاة مع الفارق ، لاختلاف لسان الدليل ، فإنّ موضوع الحكم هناك النتاج الحاصل في ملك المالك فيلاحظ النصاب في ملكه الشخصي ، وأمّا في المقام فالاعتبار بنفس الإخراج كما عرفت ، من غير نظر إلى المخرج ، سواء أكان ما أخرج ملكاً لشخص واحد أم لأشخاص عديدين ، على ما هو مقتضى إطلاق النصّ.

(١) أخذاً بإطلاق صحيح البزنطي الشامل لما إذا كان الخارج من جنس واحد أو جنسين كالذهب والفضّة والحديد والنحاس ونحو ذلك ، فإنّ عنوان ما أخرج المعدن المذكور فيه صادقٌ على التقديرين فيشملهما معاً كما هو ظاهر من غير خلاف وإشكال.

(٢) سواء أكان الخارج من جنسين أم من جنس واحد ، لأنّ ذلك هو مقتضى الانحلال وظهور القضية في كونها حقيقيّة كما سبق بعد فرض تعدّد

__________________

(*) في القوّة إشكال ، نعم هو الأحوط.

٤٨

[٢٨٨٢] مسألة ٦ : لو أخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية (١) فإن علم بتساوي الأجزاء في الاشتمال على الجوهر أو بالزيادة فيما أخرجه خمساً أجزأ ، وإلّا فلا ، لاحتمال زيادة الجوهر فيما يبقى عنده.

______________________________________________________

المعدن ، فلا بدّ وأن يلاحظ كلّ معدن بحياله من غير فرق بين صورتي التقارب والتباعد.

نعم ، استثنى الماتن صورة واحدة ، وهي صورة الاتّحاد والتقارب ، فذكر أنّ كفاية بلوغ المجموع هنا لا يخلو عن قوّة.

ولكنّه لا يتمّ على إطلاقه ، وإنّما يتمّ فيما إذا أوجب ذلك صدق وحدة المعدن عرفاً ولو باعتبار وحدة المادّة والانبعاث عن منبعٍ مشترك قد تعدّدت طرق استخراجه كما في آبار النفط المتقاربة جدّاً.

وأمّا بدون البلوغ هذا الحدّ بحيث كانت المعادن متعدّدة بحسب الصدق العرفي فكلّا ، لما عرفت من ظهور الحكم في الانحلال وكون القضيّة حقيقيّة المقتضية للحاظ كلّ معدن بحياله وانفراده ، ولا أثر للاتّحاد والتقارب في نفي ذلك أبداً كما لعلّه ظاهر لا يخفى.

(١) فصّل (قدس سره) بين العلم بتساوي أجزاء التراب بحيث يقطع باشتمال خمس التراب على خمس الجوهر الموجود في المجموع أو الزيادة فيجزئ حينئذٍ ، وبين صورة الشكّ واحتمال النقص فلا ، عملاً بقاعدة الاشتغال ، للزوم إحراز الخروج عن عهدة التكليف المعلوم.

وقد ذكر مثل ذلك صاحب المدارك (١) ، إلّا أنّه أشكل عليه في الجواهر

__________________

(١) المدارك ٥ : ٣٦٨.

٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بظهور ذيل صحيحة زرارة المتقدّمة أعني قوله (عليه السلام) : «ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس» (١) في تعلّق الخمس بعد التصفية وبعد ظهور الجوهر ، فقبل التصفية لا وجوب ، فكيف يجزي الإخراج قبل مجي‌ء وقت الخطاب والإيجاب ، قال (قدس سره) : بل قد يدّعى ظهور غيره في ذلك أيضاً (٢).

ولكن ما ذكره (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، فإنّ لازم ذلك أنّه لو أخرج المعدن عن ملكه قبل التصفية بناقلٍ مع بيعٍ أو هبة ونحوهما لم يجب الخمس حينئذٍ لا على البائع لأجل إخراجه عن ملكه قبل تعلّق الخمس به ، لفرض عدم الوجوب قبل التصفية ولا على المشتري ، بناءً على اختصاص الوجوب بالمستفيد من المعدن ومن يملكه عن طريق الإخراج لا بسائر الأسباب ، فيكون هذا نحو تخلّص وفرار عن أداء الخمس ، ولا يظنّ أن يلتزم به الفقيه.

وأمّا صحيحة زرارة فلا دلالة لها على ما استظهره (قدس سره) بوجه ، فإنّها مسوقة لتعيين مورد الخمس ومركزه وأنّه خالص الجوهر ومصفّاه ، أي بعد استثناء المؤن المصروفة في سبيل العلاج والاستخراج ، كما استظهرناه فيما سبق ، ولا نظر فيها بتاتاً لتعيين وقت الوجوب وظرف الخطاب وأنّه زمان التصفية أو حال الإخراج.

وبعبارة اخرى : التصفية المذكورة فيها قيد للواجب لا شرط للوجوب.

وأمّا سائر الروايات فلم تتحقّق دلالتها على ما ذكره ، بل الظاهر من غير واحد منها أنّ ظرف التعلّق هو حال الإخراج كما لا يخفى على من لاحظها.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٤٩٢ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٣.

(٢) الجواهر ١٦ : ٢١.

٥٠

[٢٨٨٣] مسألة ٧ : إذا وجد مقداراً من المعدن مخرَجاً مطروحاً في الصحراء (١) فإن علم أنّه خرج من مثل السّيل أو الريح أو نحوهما أو علم أنّ المخرِج له حيوان أو إنسان لم يخرج خمسه وجب عليه إخراج خمسه على الأحوط إذا بلغ النصاب ، بل الأحوط ذلك وإن شكّ في أنّ الإنسان المخرِج له أخرج خمسه أم لا.

______________________________________________________

والذي يكشف عمّا استظهرناه من صحيح زرارة من أنّ المراد بالمصفّى : وضع مئونة العلاج تبعاً للمحقّق الهمداني وصاحب الحدائق (١) لا التصفية من الخلط من حجارة ونحوها ، كما قد يتوهّم من أجل ذكر لفظ الحجارة أنّ المعدن إنّما يختلط بها في مثل الذهب ونحوه لا في مثل العقيق ونحوه من الأحجار الكريمة ، فإنّه بنفس حجر فلا يحتاج إلى التصفية وإن احتاج إلى التجلية.

(١) لا يخفى أنّ هاهنا جهتين من البحث لا ترتبط إحداهما بالأُخرى :

فتارةً : يبحث عن أنّ المعدن هل يختصّ بما أُخرج من باطن الأرض ، أو يعمّ الإخراج من الظاهر كالملح؟ فيبحث عن متعلِّق الإخراج بعد التحفّظ على أصل الإخراج ، وقد تقدّم البحث حول هذه الجهة سابقاً (٢).

وأُخرى : يبحث عن المال الخارج إمّا من الباطن أو الظاهر ، والمطروح على وجه الأرض إمّا لزلزلة أو سيل أو هبوب ريح أو إخراج حيوان ونحو ذلك من أسباب الإخراج ، وأنّ الاستيلاء على مثل هذا المعدن المخرَج الملقى على سطح الأرض هل يستوجب التخميس أو لا؟

__________________

(١) راجع ص ٤٣.

(٢) في ص ٣٣ ٣٤.

٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

فإحدى الجهتين أجنبيّة عن الأُخرى ولا وجه للخلط بينهما.

وكيفما كان ، فالكلام هنا يقع في مقامين :

أحدهما : ما إذا كان المتصدِّي لإخراج المطروح عن معدنه شي‌ء غير الإنسان من سيل أو ريح أو زلزلة أو حيوان ونحو ذلك. والمشهور وجوب إخراج الخمس على واجده ، ولكن المحقّق الأردبيلي ناقش في ذلك فتردّد أو جزم بالعدم (١).

ومنشأ الخلاف التردّد في أنّ الخمس الثابت بعنوان المعدن هل يختصّ بمن تملّكه عن طريق الاستخراج عن مقرّه الأصلي ، أو يعمّ مطلق التملّك كيفما اتّفق ولو بحيازته بعد ما خرج عن مركزه ومستقرّه؟

وقد يقرب الثاني بأنّ المعدن وإن كان في اللغة اسماً لمنبت الجوهر كما مرّ ، إلّا أنّ المراد به في الروايات الشي‌ء المأخوذ من المعدن ولو بسبب غير اختياري ، أعني : ذات المخرج من غير مدخليّة لخصوصيّة الإخراج.

ولكنّه غير ظاهر ، فإنّه في الروايات أيضاً كالعُرف واللّغة بمعنى منبت الجوهر ، إلّا أنّ في إسناد الخمس إليه تجوّزاً ، فيراد به ما يخرج منه تسميةً للحال باسم المحلّ بعد وضوح عدم تخميس نفس المنبت ، فخصوصيّة الإخراج وإفصال الحال عن محلّه ملحوظة في هذا الإطلاق لا محالة.

ومن هنا ترى عدم صدق اسم المعدن على مثل الذهب بعد ما أُخرج وصرف في مصرفه ، فلا يقال : إنّ هذا معدن ، وإنّما هو شي‌ء مأخوذ من المعدن.

ويكشف عن ذلك التعبير بالركاز في صحيحة زرارة ، قال (عليه السلام) فيها : «كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس» (٢).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٣٠٨.

(٢) الوسائل ٩ : ٤٩٢ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٣.

٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّ المراد به ما كان مركوزاً ، أي ثابتاً ونابتاً في الأرض ، فلا يشمل المطروح المنفصل عنه.

والوصف وإن لم يكن له مفهوم بالمعنى المصطلح ، إلّا أنّه يدلّ لا محالة على عدم تعلّق الحكم بالطبيعي الجامع ، وإلّا لأصبح التقييد لغواً محضاً.

ومن ثمّ كان الظاهر من القيد أن يكون احترازيّاً ، فهو مشعر بالعلّيّة وإن لم تكن منحصرة ، كما أوضحناه في الأُصول (١).

إذن فما ذكره المحقّق الأردبيلي من المناقشة في ذلك نظراً إلى أنّ المتبادر من الأدلّة اختصاص الخمس بما استخرج من معدنه لا ما استولي عليه ولو بغير الإخراج هو الصحيح الحقيق بالقبول حسبما عرفت.

المقام الثاني : ما إذا كان المباشر للإخراج هو الإنسان ، ويتصوّر هذا على وجوه :

أحدها : أن لا يكون ناوياً لاستخراج المعدن وحيازته ، بل حفر الأرض لغاية أُخرى من شقّ النهر أو الظفر على عين ماء أو تحصيل بئر ونحو ذلك ، فاتّفق مصادفة المعدن فأخذه وطرحه في الصحراء دون أن يستملكه ، ولأجله لم يجب عليه الخمس ، إذ هو فرع الإخراج والتملّك ، المنفيّ حسب الفرض ، ومن ثمّ كان حكم هذه الصورة حكم ما تقدّم في المقام الأوّل من ابتناء تعلّق الخمس بالواجد على اعتبار الإخراج وعدمه ، وقد عرفت أنّ الأظهر الأوّل ، فلا خمس عليه من حيث المعدن وإن وجب من باب مطلق الفائدة بشروطه ، لكن هذه الصورة غير مرادة للماتن قطعاً ، لقوله : أو إنسان لم يخرج خمسة. إذ هو فرع تعلّق الخمس به ، والمفروض هنا عدمه كما عرفت ، فهو سالبة بانتفاء الموضوع.

الثاني : ما لو أخرجه بقصد الحيازة فتملّكه ثمّ طرحه وأعرض عنه من غير

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٢٩ ١٣٥.

٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أن يخمّسه إمّا قطعاً أو احتمالاً ، وحكمه جواز حيازته واستملاكه وإن لم نقل بخروجه عن ملك المالك الأوّل بالإعراض ، من غير أن يجب الخمس على الواجد بعنوان المعدن ، سواء قلنا باعتبار الإخراج في تعلّق هذا الوجوب كما هو الأظهر على ما مرّ (١) أم لم نقل كما عليه المشهور ، ضرورة اختصاص الخمس بهذا العنوان بأوّل ملك طارئ على المعدن ، فهو وظيفة المالك الأوّل الذي يقع المعدن في يده ويتلقّاه من منبته. وأمّا المالك الثاني ومن بعده الذي يتلقّاه من المالك الأوّل لا من نفس المعدن فلا يجب الخمس عليه بعنوان المعدن بالضرورة ، لقصور الأدلّة عن الشمول له جزماً.

نعم ، إنّما يحقّ له استملاك أربعة أخماس المطروح ، وأمّا خمسه فبما أنّ المالك الأوّل لم يؤدّه بعد فرض تعلّقه به إمّا قطعاً أو احتمالاً ملحقاً به بمقتضى الاستصحاب فيبتني استملاكه على شمول أخبار التحليل للمقام وأمثاله ممّن يتلقّى الملك ممّن لم يخمّسه ، وسيجي‌ء البحث عنه في محلّه إن شاء الله (٢).

وبعبارة اخرى : حكم المقام حكم من يشتري ملكاً يعلم بأنّ البائع لم يؤدّ خمسه ، فإن قلنا بشمول أخبار الإباحة والتحليل لمثله لم يجب الخمس على المشتري ، وإلّا وجب ، ولا يزيد المقام على ذلك بشي‌ء أبداً.

الثالث : ما لو قصد تملّكه بالإخراج فطرحه في الصحراء من غير إعراض ، بل ذهب ليرجع فلم يرجع لمانع حال دونه ، وهذا يلحقه حكم اللقطة إن اتّصف بالضياع ، وإلّا فهو من قبيل مجهول المالك. وعلى التقديرين فلا يجوز استملاكه كما لا يجب تخميسه ، بل يجري عليه حكم أحد البابين على النهج المقرّر في محلّه.

__________________

(١) في ص ٥٢.

(٢) في ص ٣٥٤.

٥٤

[٢٨٨٤] مسألة ٨ : لو كان المعدن في أرض مملوكة (١) فهو لمالكها (*) ، وإذا أخرجه غيره لم يملكه ، بل يكون المخرَج لصاحب الأرض ، وعليه الخمس من دون استثناء المئونة ، لأنّه لم يصرف عليه مئونة.

______________________________________________________

الرابع : ما لو لم يحرز شي‌ء من ذلك فلم يعلم أنّه أخرجه بقصد التملّك أم لا؟ وعلى الأوّل فهل خمّسه أو لا؟ وهل طرحه معرضاً أو غير معرض؟ والظاهر أنّ هذا هو مراد الماتن ، حيث إنّه الفرد الشائع الذائع ، وإلّا فالوجوه السابقة فروض نادرة ، إذ كيف وأنّى لنا استعلام ضميره وإحراز نيّته من قصد الإخراج وعدمه ، أو نيّة الإعراض وعدمها؟! والأظهر جريان حكم ما تقدّم في المقام الأوّل عليه ، فإنّه مباح أصلي لم يعلم سبق يد حيازة عليه ، والأصل عدمه ، فيجوز استملاكه ما لم يثبت خلافه.

وأمّا التخميس من حيث المعدن فيبتني على ما أسلفناك من اعتبار الإخراج وعدمه ، وقد عرفت أنّه الأظهر ، وعليه فلا خمس بعنوان المعدن وإن وجب بعنوان مطلق الفائدة فيما يفضل عن مئونة السنة.

نعم ، الأحوط استحباباً تخميسه بعنوان المعدن مع الشكّ في تخميس الإنسان المخرج فضلاً عن العلم بالعدم حسبما ذكره في المتن كما لا يخفى وجهه ، ولا ريب أنّ الاحتياط حسن على كلّ حال.

(١) المخرج للمعدن قد يستخرجه من ملكه الشخصي.

وأُخرى : من ملك الغير المختصّ به.

وثالثةً : ممّا هو ملك لعامّة المسلمين ، كالأراضي المفتوحة عنوةً العامرة حال الفتح.

__________________

(*) هذا إذا عدّ المعدن من التوابع عرفاً ، وإلّا فلا يكون لمالك الأرض.

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ورابعةً : ممّا هو ملك للإمام (عليه السلام) ، كما في الأراضي الموات حال الفتح ، حيث إنّ موتان الأرض لله ولرسوله.

أمّا القسم الأوّل : فلا شكّ أنّه ملك للمخرج ، وهو القدر المتيقّن ممّا دلّ على تخميس المعدن الذي تكلّمنا حوله لحدّ الآن.

وأمّا القسم الثاني : فالمعروف بينهم أنّه ملك لصاحب الأرض وعليه خمسه ، من غير استثناء المئونة التي صرفها المخرج ، لعدم الموجب لضمانها بعد أن لم يكن الإخراج بإذنه كما هو المفروض.

هكذا ذكره المشهور ومنهم الماتن بحيث أرسلوه إرسال المسلّمات ، ولكنّه على إطلاقه مشكل بل ممنوع ، فإنّ الأراضي وإن كانت قابلة للتملّك إمّا بسبب اختياري كالبيع والهبة أم غير اختياري كالإرث ، إلّا أنّ الملكيّة المتعلّقة بها على اختلاف مواردها تنتهي بالآخرة إلى سبب واحد هو الأصيل في عروض الملكيّة عليها وخروجها عن الإباحة الأصليّة وهو قصد الحيازة الصادر من أوّل يدٍ وقعت عليها والإحياء الحاصل من محييها بمقتضى ما ثبت من أنّ من أحيا أرضاً فهي له. وهذا السبب هو الأصيل وعلى ضوئه يتفرّع سائر التملّكات العارضة عليها يداً بعد يد.

إلّا أنّ من الواضح أنّ هذا السبب لا يستتبع الملكيّة ولا يؤثّر في الخروج عن الإباحة الأصليّة إلّا في إطار مدلوله ومفاده ، أي بمقدار ما يتعلّق به الإحياء والحيازة ، أعني : ظواهر تلك الأراضي ، فإنّها المتّصفة بالإحياء والمتعلِّقة للاستيلاء دون بواطنها وما في أجوافها من المعادن والركائز ، سيّما إذا لم تعدّ من أجزاء الأرض كالذهب والفضّة والنفط والقير ونحوها ، فهي إذن باقية على ما هي عليه ولم تدخل في ملك المحيي من أجل هذا السبب.

نعم ، لا ينبغي التأمّل في قيام السيرة العقلائيّة بل وكذا الشرعيّة وإن انتهت

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

إليها على دخولها في ملك صاحب الأرض بتبع ملكه للأرض ، فتلحق الطبقة السافلة بالعالية والباطنة بمحتوياتها بالظاهرة في الملكيّة بقانون التبعيّة وإن لم يتمّ هذا الإلحاق من ناحية الإحياء حسبما عرفت ، ومن ثمّ لو باع ملكه فاستخرج المشتري منه معدناً ملكه وليس للبائع مطالبته بذلك ، لأنّه باعه الأرض بتوابعها.

ولكن السيرة لا إطلاق لها ، والمتيقّن من موردها ما يعدّ عرفاً من توابع الأرض وملحقاتها كالسرداب والبئر وما يكون عمقه بهذه المقادير التي لا تتجاوز عن حدود الصدق العرفي ، فما يوجد أن يتكوّن ويستخرج من خلال ذاك فهو ملك لصاحب الأرض بالتبعيّة كما ذكر.

وأمّا الخارج عن نطاق هذا الصدق غير المعدود من التوابع كآبار النفط العميقة جدّاً وربّما تبلغ الفرسخ أو الفرسخين ، أو الآبار العميقة المستحدثة أخيراً لاستخراج المياه من عروق الأرض البالغة في العمق والبعد نحو ما ذكر أو أكثر فلا سيره في مثله ولا تبعيّة ، ومعه لا دليل على إلحاق نفس الأرض السافلة بالعالية في الملكيّة فضلاً عن محتوياتها من المعادن ونحوها.

نعم ، في خصوص المسجد الحرام ورد أنّ الكعبة من تخوم الأرض إلى عنان السماء (١). ولكن الرواية ضعيفة السند ، ومن ثمّ ذكرنا في محلّه لزوم استقبال عين الكعبة لجميع الأقطار لا ما يسامتها من شي‌ء من الجانبين.

وعلى الجملة : لم يقم بناء من العقلاء على إلحاق الفضاء المتصاعد أو المتنازل جدّاً غير المعدودين من توابع الأرض عرفاً بنفس الأرض في الملكيّة بحيث يحتاج العبور عن أجوائها بواسطة الطائرات إلى الاستئذان من أربابها وملّاكها ، وقد عرفت قصور دليل الإحياء عن الشمول لها ، فهي إذن تبقى على

__________________

(١) لاحظ الوسائل ٤ : ٣٣٩ / أبواب القبلة ب ١٨ ح ٣.

٥٧

[٢٨٨٥] مسألة ٩ : إذا كان المعدن في معمور الأرض المفتوحة عَنوة (١) التي هي للمسلمين فأخرجه أحدٌ من المسلمين مَلَكه وعليه الخمس ،

______________________________________________________

ما كانت عليه من الإباحة الأصليّة. ونتيجة ذلك : جواز حيازتها واستملاكها لكلّ من وضع اليد عليها وأنّها ملكه وعليه خمسها وإن كان المستخرج شخصاً آخر غير صاحب الأرض ، غايته أنّه يكون آثماً وعاصياً في الاستطراق والاستخراج من هذا المكان لو لم يكن بإذن من صاحبه ومالكه ، لعدم جواز التصرّف في ملك الغير بغير إذنه ، بل يكون ضامناً لو استلزم نقصاً في الأرض أو ضرراً على المالك ، إلّا أنّ العصيان والضمان شي‌ء ، واستملاك الكامن في بطن الأرض الخارج عن حدود ملكيّة صاحبها الذي هو محلّ الكلام شي‌ء آخر ، ولا تنافي بين الأمرين كما هو ظاهر.

(١) وأمّا القسم الثالث : فالكلام فيه بالإضافة إلى ما هو خارج عن حدود التبعيّة بحسب الصدق العرفي قد ظهر ممّا مرّ ، فلا نعيد.

وأمّا بالنسبة إلى ما يعدّ من التوابع عرفاً كما لو كان المعدن في عمق أربعة أمتار أو خمسة ، أو كانت الأرض سبخة فكان المعدن أعني الملح فوق الأرض وعلى وجهها فأدلّة الملكيّة للمسلمين قاصرة عن الشمول للباطن ، وإلّا لبيّن ولو في رواية واحدة أنّ ما يستخرج من العامرة ملك للمسلمين. والعمدة السيرة العقلائيّة على الإلحاق بالتبعيّة القائمة في القسم السابق ، وهي غير جارية هنا ، لاختصاصها بالأملاك الشخصيّة دون ما يكون ملكاً لعامّة المسلمين ، أو ما يكون ملكاً للإمام كما في القسم الرابع ، فإنّ السيرة العقلائيّة أو الشرعيّة غير ثابتة في شي‌ء من هذين الموردين.

بل قد يدّعى وليس ببعيد قيام السيرة على الخلاف وأنّ بناء الشرع

٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والعرف قد استقرّ على جواز استملاكها وحيازتها.

وكيفما كان ، فلم يثبت ما يخرجها عمّا كانت عليه من الإباحة الأصليّة بعد عدم شمول دليل الإحياء ولا بناء العقلاء لمثل ذلك حسبما عرفت.

فالمعادن الكامنة في أجوافها ملكٌ لمخرجها لا لعامّة المسلمين ولا للإمام (عليه السلام) ، وإلّا لأُشير إليه ولو في رواية واحدة.

بل يمكن أن يقال : إنّ مدّعي القطع بذلك غير مجازف ، إذ لو كانت تلك المعادن الواقعة في ملك الغير لصاحب الأرض والواقعة في الأراضي المفتوحة العامرة ملكاً للمسلمين وفي الأراضي الميتة ملكاً للإمام (عليه السلام) فلازم ذلك حمل نصوص الخمس في المعدن على كثرتها على خصوص من يخرج المعدن من ملكه الشخصي الذي هو أقلّ القليل ، فيلزم حمل تلك المطلقات على الفرد النادر جدّاً ، فإنّ من الضروري أنّ أكثر المتصدّين لاستخراج المعادن إنّما يستخرجونها من الصحاري والبراري والفلوات والمناطق الجبليّة ونحوها التي هي إمّا ملك للمسلمين أو للإمام (عليه السلام) لا من بيوتهم الشخصيّة أو أملاكهم الاختصاصيّة كما هو ظاهر جدّاً.

ويؤكِّده عموم ما ورد من أنّ «من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو أحقّ به» (١) ، فإنّها وإن كانت نبويّة إلّا أنّ مضمونها مطابق لما عرفت من السيرة العقلائيّة.

وكذا ما ورد من أنّ «من استولى على شي‌ء فهو له» (٢) ، فإنّ الرواية المشتملة على نفس هذا التعبير وإن كانت واردة في غير ما نحن فيه ، إلّا أنّ

__________________

(١) تفسير القرطبي ١٧ : ٢٩٧.

(٢) الوسائل ٢٦ : ٢١٦ / أبواب ميراث الأزواج ب ٨ ح ٣.

٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

مضمونها يستفاد من معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في رجل أبصر طيراً فتبعه حتى وقع على شجرة فجاء رجل فأخذه ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : للعين ما رأت ولليد ما أخذت» وقد رواها في الوسائل في كتاب الصيد عن الكليني والشيخ (١) ، وفي كتاب اللقطة عن الصدوق (٢) ، ففرّق بين الموضعين في النسبة مع أنّها رواية واحدة رواها المشايخ الثلاثة ، ولعلّ هذا غفلة منه (قدس سره).

وكيفما كان ، فالرواية معتبرة عندنا ، لأنّ النوفلي الواقع في السند من رجال كامل الزيارات ، كما أنّها واضحة الدلالة ، على أنّ اليد أي الاستيلاء على ما لم يكن ملكاً لأحد موجب للملكيّة.

وعلى الجملة : فحكم المعادن في هذه الأراضي حكم الأشجار والأنهار والماء والكلاء الباقية على الإباحة الأصليّة التي يشترك فيها الكلّ وخلقها الله تعالى للجميع ، قال تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (٣) ، وأنّ من أحياها واستولى عليها فهي له وعليه خمسها بعد ما عرفت من عدم ثبوت السيرة على التبعيّة في مثل هذه الأراضي التي لم تكن ملكاً شخصيّاً لأحدٍ وإنّما هي ملك للعنوان ، أيّ عامّة المسلمين إلى يوم القيامة من غير أن تباع أو توهب أو تورث ، فهي سنخ خاصّ من الملكيّة ، ومثله غير مشمول لقانون التبعيّة الثابتة ببناء العقلاء حسبما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ٢٣ : ٣٩١ / أبواب الصيد ب ٣٨ ح ١ ، الكافي ٦ : ٢٢٣ / ٦ ، التهذيب ٩ : ٦١ / ٢٥٧.

(٢) الوسائل ٢٥ : ٤٦١ / كتاب اللقطة ب ١٥ ح ٢ ، الفقيه ٣ : ٦٥ / ٢١٧.

(٣) البقرة ٢ : ٢٩.

٦٠