موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

ولكن لا بدّ من رفع اليد عن هذا الظهور :

أمّا أوّلاً : فلأنّ تلك الروايات لم تكن في مقام بيان الأنفال بتمام أقسامها ، كيف؟! وهي غير منحصرة في الأراضي بالضرورة ، فإنّ منها قطائع الملوك وميراث من لا وارث له والمعادن ونحوها ، ولم يتعرّض فيها إليها ، فيعلم أنّها بصدد بيان مصداق الأنفال ولو من باب المثال ، لا تحديد مفهومه ليدلّ على الانحصار كما لا يخفى.

وثانياً : أنّ الظهور المزبور وإن كان قابلاً لأن يتقيّد به الإطلاق في صحيحة حفص ، إلّا أنّه غير قابل لأن يخصّص به العموم في صحيحة معاوية بن وهب أعني : قوله (عليه السلام) : «كان كلّ ما غنموا» إلخ حيث إنّ دلالتها على الشمول والاستيعاب بالعموم اللفظي والدلالة الوضعيّة التي هي أظهر من الإطلاق وأقوى من الظهور المزبور المستند إلى المفهوم ، فإنّه كالصريح في عدم الفرق بين الأرض وغيرها ، وأنّ المدار على الاغتنام بمفهومه العام الشامل لكلا الموردين بمناط واحد.

على أنّ في صدر هذه الرواية دلالة أُخرى على الشمول لغير الأراضي أعني : قوله : فيصيبون غنائم ، كيف تقسّم؟ فإنّ السؤال عن تقسيم ما يصيبونه من الغنائم ظاهر في المنقول ، بل لعلّه القدر المتيقّن منه بحيث لا يمكن التخصيص بالأراضي قطعاً.

وعليه ، فلا مناص من الأخذ بعموم هذه الصحيحة ورفع اليد عن ظهور تلك الروايات في الحصر بصراحة هذه بمقتضى الدلالة الوضعيّة في العموم وعدم الحصر.

فتحصّل : أنّ ما ذكره جماعة من عدم الاختصاص بالأراضي وشمول الحكم لكلّ ما يؤخذ من الكفّار بغير قتال المطابق لإطلاق الآية المباركة (ما أَفاءَ اللهُ

٣٦١

عَلى رَسُولِهِ) إلخ ، هو الأظهر.

ثمّ لا يخفى أنّ مقتضى المحافظة على العنوان المأخوذ في هذا القسم من الأنفال بحيث يعدّ قسماً برأسه وبحياله واستقلاله في مقابل القسم الآتي : تعميم الحكم لمطلق الأرض التي يستولي عليها المسلمون بغير قتال ، سواء أكانت من الموات أم المحياة ، كما يقتضيه أيضاً إطلاق كلماتهم ، إذ لو كانت مختصّة بالموات لم يكن وجه حينئذٍ للتقييد بعدم القتال المأخوذ في هذا العنوان ، ضرورة أنّ الأراضي الميّتة التي يستولي عليها المسلمون تعدّ من الأنفال حتى إذا كان ذلك مع القتال ، إذ الشرط في الأراضي التي تكون ملكاً للمسلمين المأخوذة من الكفّار بالقتال المعبّر عنها بالأراضي الخراجيّة تارةً وبالمفتوحة عَنوةً اخرى أن تكون عامرة حال الفتح ، وإلّا فهي من الأنفال ، سواء أكان الاستيلاء مع القتال أم بدونه. فالموضوع في هذا القسم أعمّ من كون الأراضي خربة مواتاً أم عامرة محياة حسبما عرفت.

نعم ، في صحيحة حفص المتقدّمة قيّدت الأرض بالخربة ، وظاهرها الاختصاص ، لكن لا بدّ من رفع اليد عنه تحكمياً لعموم : كلّ غنيمة ، الوارد في صحيحة ابن وهب المتقدّمة ، والمؤيّد بما ورد في جملة من الأخبار ، منها صحيحة الكابلي : من أنّ الأرض كلّها للإمام وأنّ الله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين ، «قال (عليه السلام) : ونحن المتّقون» (١).

ومنها أي من الأنفال ـ : كلّ أرض ميتة لا ربّ لها ، سواء لم يكن لها ربّ أصلاً كالبراري والمفاوز ، أو أنّه تركها أو باد عنها بحيث عرضها الخراب بانجلاء الأهل أو هلاكهم ، فيعمّ الحكم مطلق الموات ذاتاً كان أم عرضاً ، وتدلّ عليه جملة من الأخبار :

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٤١٤ / أبواب إحياء الموات ب ٣ ح ٢.

٣٦٢

منها : صحيحة حفص بن البختري المتقدّمة ، قال (عليه السلام) فيها : «وكلّ أرض خربة» إلخ (١).

ومنها : موثّقة سماعة ، قال : سألته عن الأنفال «فقال : كلّ أرض خربة» إلخ (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال (عليه السلام) فيها : «وما كان من أرض خربة» (٣).

وإطلاقها وإن شمل ما إذا كان لها مالك معلوم بالفعل إلّا أنّه لا بدّ من رفع اليد عنه وتقييده بما إذا انجلى أهلها وأعرضوا عنها ، بمقتضى موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأنفال «فقال : هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها» إلخ (٤).

فيعلم من ذلك أنّ مجرّد الخراب لا يستوجب الخروج عن ملك المالك والدخول في ملك الإمام (عليه السلام) ليعدّ من الأنفال ، بل هو مشروط بالإعراض والإنجلاء.

وبالجملة : فالأرض الخربة التي لم يسبق إليها ملك أحد أو سبق ولكن انجلى وأعرض أو باد أهلها كلّ ذلك ملك للإمام (عليه السلام).

وإنّما الكلام في أنّ ذلك هل يختصّ بما إذا كان المالك معلوماً بأن كان شخصاً معيّناً كزيد ، أو عنواناً كالوقف على الزوّار مثلاً أو يعمّ ما إذا كان سنخ الملك من قبيل ما يملكه المسلمون في الأراضي الخراجيّة؟ فلو خربت بعد أن

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٢٣ / أبواب الأنفال ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٢٦ / أبواب الأنفال ب ١ ح ٨.

(٣) الوسائل ٩ : ٥٢٦ / أبواب الأنفال ب ١ ح ١٠.

(٤) الوسائل ٩ : ٥٣١ / أبواب الأنفال ب ١ ح ٢٠.

٣٦٣

كانت عامرة وانجلى عنها أهلها فهل تعدّ حينئذٍ من الأنفال وتنتقل إلى الإمام ، أو أنّ حكمها حكم الملك الشخصي الذي له مالك معيّن بالفعل في أنّه بمجرّد الخراب لا يخرج عن ملكه ولا ينقل إلى الإمام كما عرفت ، فلا فرق في عدم انتقال ما له مالك فعلي إلى الإمام بين ما كان المالك شخصاً معيّناً أو جهة كالوقف أو عامّة المسلمين كالمقام ، فإنّ هذا أيضاً له مالك معلوم.

فمثل أرض العراق المعبّر عنها بأرض السواد التي كانت عامرة حال الفتح وكانت ملكاً لعامّة المسلمين ، وكذا البحرين وإن كان يظهر من بعض الأخبار أنّها كالمدينة لو عرضها الخراب فهل تنتقل إلى الإمام ، أو تبقى على ما كانت عليه من كونها ملكاً لعموم المسلمين؟

ظاهر المحقّق وصاحب الجواهر هو الثاني (١) ، ولكنّه لا يخلو عن الإشكال ، بل لا يبعد خروجها عن ملك المسلمين بالخراب ، فيعتبر في ملكيّتهم كونها عامرة حدوثاً وبقاءً ، نظراً إلى أنّه ليس لدينا إطلاق يقتضي كونها ملكاً للمسلمين حتى بعد الخراب ، فلا يبقى إلّا استصحاب عدم الخروج بالخراب عن ملكهم.

ولكنّه على تقدير جريانه في الشبهات الحكميّة لا يعارض الدليل ، أعني : عموم ما دلّ على أنّ كلّ أرض خربة للإمام ، على ما نطقت به صحيحة ابن البختري المتقدّمة.

وعلى تقدير تسليم الإطلاق في أدلّة ملكيّة المسلمين للمفتوحة عَنوةً بحيث يشمل ما بعد الخراب فغايته معارضة العموم المزبور مع هذا الإطلاق بالعموم من وجه ، ولا شكّ أنّ العموم اللفظي مقدّم على الإطلاق.

ويترتّب على هذا البحث أثر مهمّ جدّاً ، فإنّ تلك الخربة لو كانت من الأنفال فبما أنّهم (عليهم السلام) حلّلوها وملّكوها لكلّ من أحياها بمقتضى

__________________

(١) لاحظ الشرائع ١ : ٢١٠ ٢١١ ، لاحظ الجواهر ١٦ : ١١٧ ١١٨.

٣٦٤

قوله (عليه السلام) : «من أحيا أرضاً فهي له» فلو أحيا تلك الخربة أحدٌ كانت ملكاً شخصيّاً له بمقتضى الإذن العامّ الصادر منهم لعامّة الأنام.

وأمّا لو لم تكن من الأنفال فهي باقية على ما كانت عليه من ملكيّة عامّة المسلمين ، ولا تكون بالإحياء ملكاً شخصيّاً لأحد.

وعليه ، فلو فرضنا أنّ الأرض المعيّنة كانت من الخراجيّة وهي تحت يد شخص يدّعي الملكيّة ، واحتملنا أنّها خربت وقد عمرها هو أو من انتقلت عنه إليه ولو في الأزمنة السالفة ، فإنّه على المختار يحكم بأنّها له بمقتضى قاعدة اليد ، لاحتمال مالكيّته واقعاً بإحيائه الأرض بعد خرابها وصيرورتها من الأنفال التي تملّك بالإحياء.

وملخّص الكلام : أنّ عموم قوله (عليه السلام) في موثّق إسحاق بن عمّار «وكلّ أرض لا ربّ لها» أو : «ما كان من الأرض بخربة» (١) غير قاصر الشمول للمقام ، فإنّ الربّ بمعنى المالك ، والمتصدّي لعمارة الأرض المعبّر عنه عرفاً بصاحب الأرض ، وهو صادق على الأرض الخربة وإن كانت خراجيّة ، فهي فعلاً ملك للإمام وإن كانت سابقاً ملكاً للمسلمين.

وهذا القول هو الأصحّ وإن كان على خلاف المشهور بين المتأخّرين كصاحب الجواهر (٢) وغيره ، حيث ذكروا أنّ هذه الأراضي حكمها حكم ما كان له مالك معيّن ، فكما لا تخرج عن ملكه بالخراب كذلك المفتوحة عَنوةً ، إلّا في قسم خاصّ لم نتكلّم فيه وهي الملكيّة التي منشؤها الإحياء ، فإنّ فيها كلاماً طويلاً عريضاً من حيث رجوعها بعد الخراب إلى الإمام (عليه السلام) وعدمه ، مذكور في كتاب إحياء الموات وخارج عن محلّ كلامنا ، وقد تعرّضنا له في أوائل

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٣١ / أبواب الأنفال ب ١ ح ٢٠.

(٢) الجواهر ١٦ : ١١٨.

٣٦٥

شرائط العوضين من كتاب المكاسب.

بقي هنا شي‌ء ، وهو أنّ المذكور في كلماتهم في هذا العنوان الأرض الخربة أصالةً أو عرضاً أو الميتة. والظاهر أنّه لا اختصاص للخراب ، بل المحياة والعامرة أيضاً كذلك ، فلو كانت الأرض محياة من أصلها كبعض الجزر المشتملة على الأشجار والثمار شملها عموم قوله (عليه السلام) «وكلّ أرض لا ربّ لها» إذ الأرض مطلق يشمل الموات والعامرة بمناط واحد ، فإذا لم يكن لها ربّ أي من يربّيها ويصلحها فهي للإمام (عليه السلام) وإن كانت محياة بالأصل بقدرة الله تعالى.

مضافاً إلى ما في صحيح الكابلي المتقدّم (١) : من أنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين ، المنطبق عليهم (عليهم السلام) ، فإنّها تعمّ المحياة كالموات ، ولا خصوصيّة للثاني ، إذ العبرة بكونها لا ربّ لها.

نعم ، في مرسلة حمّاد : «وكل أرض ميتة لا ربّ لها» إلخ (٢) قيّدت الأرض بالميتة.

لكنّها مضافاً إلى الإرسال قاصرة الدلالة ، إذ القيد لا مفهوم له ، ولعلّه منزّل على الغالب ، فلا يعارض العموم في قوله (عليه السلام) في موثّق إسحاق : «وكلّ أرض لا ربّ لها».

ومنها : سيف البحار ، أي ساحلها. ذكره المحقّق في الشرائع (٣) وغيره ، ولم يرد فيه أيّ نصّ ، ولكنّه لا يحتاج إلى الدليل ، لأنّها إمّا من الأراضي المحياة بالأصالة كساحل نيل مصر ، أو موات كسواحل البحار المرّة ، وعلى التقديرين

__________________

(١) في ص ٣٦٢.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٢٤ / أبواب الأنفال ب ١ ح ٤.

(٣) الشرائع ١ : ٢١١.

٣٦٦

فهي مندرجة في عموم قوله (عليه السلام) : «وكل أرض لا ربّ لها».

ومنها : رؤوس الجبال والآجام وبطون الأودية.

أمّا الأولان فلم يردا في رواية معتبرة فيندرجان في الأراضي الموات ، أو فقل في الأراضي التي لا ربّ لها ، ولا خصوصيّة لهما.

نعم ، وردا في روايات ضعاف ، وهي على القول بالانجبار بالعمل تصبح معتبرة.

وأمّا بطون الأودية فقد وردت في روايتين معتبرتين ، وهما صحيحتا حفص ابن البختري (١) ومحمّد بن مسلم (٢).

وقد وقع الكلام في أنّها هل هي بعنوانها من الأنفال كما هو مقتضى المقابلة مع الأرض الخربة في هاتين الصحيحتين ، أو أنّها قسم منها ، والعطف من قبيل عطف الخاصّ على العامّ كما في قوله تعالى (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ) (٣) على ما ذكره بعضهم؟

وتظهر الثمرة فيما إذا كانت بطون الأودية عامرة حال الفتح :

فعلى الأوّل : كانت من الأنفال ، نظراً إلى أنّ إطلاق البطون يشمل الموات والمحياة ، ويكون ذلك بمنزلة الاستثناء ممّا دلّ على ملكيّة المسلمين للأراضي الخراجيّة.

وعلى الثاني : تختصّ البطون بالخربة ولا تعمّ العامرة ، فتبقى على ملكيّة المسلمين على ما هو الشأن في سائر الأراضي الخراجيّة المفتوحة عَنوةً.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٢٣ / أبواب الأنفال ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٢٦ / أبواب الأنفال ب ١ ح ١٠.

(٣) الرّحمن ٥٥ : ٦٨.

٣٦٧

والأوّل غير بعيد ، جموداً على ظاهر المقابلة حسبما عرفت.

وهل يختصّ الحكم بما كان بطناً للوادي بحسب طبعه ، أو يعمّ ما إذا انقلب إليه بعد ما كان ملكاً شخصيّاً لأحد بمثل زلزلة أو سيل ونحوهما؟ وهكذا الحال في رؤوس الجبال والآجام.

واحتمل التعميم جماعة ، وناقش فيه ابن إدريس وتبعه في المدارك (١) ، نظراً إلى انصراف النصّ عن مثل ذلك.

ومحلّ الكلام فعلاً ما لو كانت الملكيّة مستندة إلى شراءٍ ونحوه.

وأمّا المستندة إلى الإحياء ففيه كلام لا يخصّ بطون الأودية ، وهو أنّه لو ملك شخص بالإحياء ثمّ خربت فهل ترجع إلى الإمام (عليه السلام) ، أو تبقى في ملك المحيي؟

فيه بحث مذكور في كتاب الإحياء ، ولعلّ الأظهر هو الرجوع إلى الإمام (عليه السلام). وكيفما كان ، فهو خارج عن محلّ الكلام ، والبحث فعلاً متمحّض فيما لو ملك بغير الإحياء.

والظاهر أنّه لا يرجع إلى الإمام ، وإن احتمل بعضهم أنّ عنوان بطن الوادي عنوان مستقلّ فيشمل بمقتضى إطلاقه ما لو كان منقلباً عن الملك الشخصي بزلزلة ونحوها ، ولكنّه لا يتمّ.

والوجه فيه : أنّ مورد هاتين الروايتين هي الأموال التي تنتقل من الكفّار إلى المسلمين ، كما يشهد به صدرهما من فرض المصالحة وعدم القتال وأنّه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، فذكر البطون في هذا السياق يكشف عن كون النظر مقصوراً على ما يتسلّمه المسلمون من الكفّار ، فلا تشمل الأرض التي

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٩٧ ، المدارك ٥ : ٤١٦.

٣٦٨

هي ملك شخصي لمسلم ثمّ صارت بطن الوادي بزلزلة ونحوها ، فليست هي في مقام بيان أنّ كل شي‌ء صدق عليه بطن الوادي فهو من الأنفال ليعمّ المقام ، فالمقتضي قاصر ، لعدم انعقاد الإطلاق من أصله. وإن أبيت فلا ينبغي الشكّ في أنّه منصرف عن مثل المقام قطعاً ، فتدبّر جيّداً.

ومنها : صفايا الملوك. ولا إشكال كما لا خلاف في كونها من الأنفال كما تقدّم الكلام عنه في أوّل بحث الغنائم (١) ، وقد دلّت عليه جملة من الأخبار ، كصحيحة داود بن فرقد ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «قطائع الملوك كلّها للإمام ، وليس للناس فيها شي‌ء» (٢) ، ونحوها موثّقة سماعة وغيرها.

ومنها : المعادن. والأقوال فيها ثلاثة :

أحدها : أنّها من الأنفال مطلقاً ، سواءً أكانت في الملك الشخصي أم في الملك العامّ كالمفتوحة عَنوةً ، غايته أنّهم (عليهم السلام) أباحوها لكلّ من أخرجها فيملكها بعد أداء خمسها وإن لم يكن شيعيّاً.

ثانيها : أنّها ليست من الأنفال مطلقاً ، استناداً إلى أدلّة الخمس ، فيملك المستخرج بعد أداء الخمس أربعة أخماس منها بحكم الشارع وتحليل من الله تعالى لا بصدور الإذن من الإمام (عليه السلام).

ثالثها : التفصيل بين المعدن المستخرج من أرضٍ هي من الأنفال ، وبين المستخرج من غيرها ، فالأوّل من الأنفال بتبع الأرض ، دون الثاني.

وهذا التفصيل غير بعيد وإن لم يكن لهذا البحث أثر عملي ، لوجوب التخميس بعد الاستخراج على كلّ حال ، والبحث علمي محض وأنّ تملّك

__________________

(١) في ص ١٢.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٢٥ / أبواب الأنفال ب ١ ح ٦.

٣٦٩

الأربعة أخماس هل هو بتحليل من الله تعالى ابتداءً ، أو بإذن من الإمام (عليه السلام)؟

وتدل على التفصيل صحيحة إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأنفال «فقال : هي القرى التي قد خربت إلى قوله : وكلّ أرض لا ربّ لها ، والمعادن منها» أو : «فيها» على اختلاف النسخ (١) ، فإنّ الضمير في «منها» أو «فيها» يرجع إلى الأرض ، فعدّ من الأنفال : المعادن من هذه الأراضي التي تكون هي بنفسها أيضاً من الأنفال لا مطلق المعادن ، فلاحظ.

ومنها : ميراث من لا وارث له. وهذا أيضاً ممّا لا إشكال فيه ، وقد دلّت عليه الروايات المعتبرة المذكورة في كتاب الإرث ، ولم يذكر صاحب الوسائل منها ههنا إلّا رواية واحدة ، وهي موثّقة أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في الرجل يموت ولا وارث له ولا مولى «قال : هو من أهل هذه الآية (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ)» (٢).

هذا كلّه في موضوع الأنفال.

وأمّا حكمها :

أمّا الأراضي : فلا شكّ أنّهم (عليهم السلام) حلّلوها لكلّ من أحياها ، قال (صلّى الله عليه وآله) : «ثمّ هي منِّي لكم أيُّها المسلمون» (٣) ، وقد ورد أنّ «من أحيا أرضاً فهي له» (٤) ، فالناس كلّهم مرخّصون في التصرّف فيها أو فيما يتكوّن فيها أو عليها من المعادن والأشجار والأحجار ونحوها. وقد دلّت عليه السيرة

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٣١ / أبواب الأنفال ب ١ ح ٢٠.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٢٨ / أبواب الأنفال ب ١ ح ١٤ ، والآية من الأنفال ٨ : ١.

(٣) لاحظ المستدرك ١٧ : ١١٢ / أبواب إحياء الموات ب ١ ح ٥.

(٤) الوسائل ٢٥ : ٤١٢ / كتاب إحياء الموات ب ١ ح ٥.

٣٧٠

القطعيّة المستمرّة من المسلمين ، فإنّهم لا يزالون يتصرّفون ويتمتّعون منها من غير نكير بالضرورة ، وإن كان في بعض الأخبار أنّها كذلك إلى زمان ظهور الحجّة (عجّل الله تعالى فرجه) لا مطلقاً ، وهذا أمر آخر خارج عن محلّ الكلام ، وهو من وظائف الإمام (عليه السلام).

وأمّا إرث من لا وارث له أو صفايا الملوك أو ما أُخذ من الكفّار بغير قتال غير الأراضي من المنقولات كالمواشي ونحوها : فلم يدلّ أيّ دليل على إباحتها وجواز التصرّف فيها ، فإنّ أدلّة التحليل كلّها ضعاف ما عدا روايتين مختصّتين بما انتقل من الغير كما تقدّم (١). فالتصرّف في هذه الأُمور بدعوى أنّها من الأنفال وقد أباحوها للشيعة وكذا غيرها من سائر أموال الإمام (عليه السلام) غير جائز ، إذ لم يثبت ذلك بحيث يتناول المقام قطعاً حسبما عرفت.

هذا تمام الكلام في كتاب الخمس وما يتعلّق به من الأنفال.

ويقع البحث بعد ذلك في كتاب الحجّ إن شاء الله تعالى.

والحمد لله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلّى الله على سيِّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطاهرين.

حرّره بيمناه الداثرة مُعتكِفاً بجوار العتبة المقدّسة العلويّة على مشرّفها آلاف الثّناء والتحيّة مستجيراً بذمّته حيّاً وميّتاً عبده الأثيم مرتضى خلف العلّامة الفقيه سماحة آية الله العظيم الحاج الشيخ علي محمّد البروجردي (طاب ثراه).

وكان الفراغ في يوم الأحد ١٦ ربيع الثاني سنة ١٣٩٨.

__________________

(١) في ص ٣٥١ ٣٥٥.

٣٧١
٣٧٢

فهرس الموضوعات

٣٧٣
٣٧٤

فهرس الموضوعات

الخمس

الموضوع

الصفحة

وجوب الخُمس............................................................. ٣

فصل فيما يجب فيه الخُمس........................................... ٥ ـ ٣٠٩

الأوّل : الغنائم............................................................. ٥

مناقشة في تعميم الخمس للمنقول وغيره من الغنائم............................. ٦

صحّة اختصاص الخمس بالمنقول وعدم ثبوته في غير المنقول.................... ١٠

الخمس في الغنيمة بعد إخراج المؤن التي أنفقت عليها.......................... ١٠

الولاية المطلقة للإمام (عليه السلام) فيما يجعله من الغنيمة على فعل مصلحة من المصالح       ١١

استثناء صفايا الغنيمة فإنّها للإمام (عليه السلام).............................. ١٢

حكم الغنيمة إذا كان الغزو بغير إذن الإمام (عليه السلام)..................... ١٣

حكم الغنيمة إن كان الغزو في زمن الغيبة.................................... ١٦

الفداء والجزية وما صالحوا عليه من الغنائم التي يجب فيها الخمس............... ١٨

٣٧٥

إخراج خمس الأموال المأخوذة من الكفّار بغزو المسلمين عليهم................. ١٩

هل يجب الخمس في المأخوذ من الكفّار بالسرقة أو الغيلة والخدعة؟............. ١٩

حكم المأخوذ من الكفّار بالربا والدعوى الباطلة.............................. ٢١

جواز أخذ مال الناصب أينما وُجِد وتخميسه ابتداءً............................ ٢٢

حكم مال البغاة والخوارج قبل نشوب القتال وبعده........................... ٢٤

اشتراط عدم غصبية المُغتَنَم................................................. ٢٦

عدم اعتبار النصاب في الغنائم عند تخميسها.................................. ٣٠

حكم السَّلَب من الغنيمة................................................... ٣١

الثاني : المعادن............................................................ ٣٣

تحديد المعادن............................................................. ٣٣

كلام في موارد الشكّ في صدق المعدن....................................... ٣٥

عدم الفرق في وجوب إخراج خمس المعدن في أرض مباحة كان أو مملوكة ، تحتها أو على ظهرها ، مسلم كان المخرج كافراً ذمّيّاً ، بالغاً أو صبيّاً وعاقلاً أو مجنوناً.............................................. ٣٦

اعتبار النصاب وتحديده في المعدن عند تخميسه................................ ٣٧

هل يجب التخميس في مجموع ما أخرجه من المعدن أو في خصوص ما يبقى بعد استثناء مؤونة الإخراج والتصفية ونحوها؟        ٤٢

لو كان الإخراج على دفعات وبلغ المجموع نصاباً............................. ٤٥

لو أخرج أقلّ من النصاب فأعرض ثمّ عاد وبلغ المجموع نصاباً.................. ٤٧

عدم اعتبار اتّحاد جنس المخرج في بلوغ النصاب............................. ٤٨

لو كان هناك معادن متعدّدة................................................ ٤٨

٣٧٦

لو أخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية.................................... ٤٩

إذا وجد مقداراً من المعدن مخرَجاً مطروحاً في الصحراء........................ ٥١

لو كان المعدن في أرض مملوكة............................................. ٥٥

حكم المعادن في الأراضي المفتوحة عَنوة التي هي للمسلمين..................... ٥٨

لو أخرج غير المسلم المعدن من الأراضي المفتوحة عنوة........................ ٦١

هل المعادن من الأنفال..................................................... ٦٣

جواز استئجار الغير لإخراج المعدن.......................................... ٦٥

لو كان المخرج المعدن عبداً................................................ ٦٦

لو عمل فيما أخرجه قبل إخراج خمسه عملاً يوجب زيادة قيمته............... ٦٦

حكم ما لو اتّجر بالمعدن فربح قبل أن يخرج خمسه........................... ٦٨

إذا شكّ في بلوغ النصاب وعدمه........................................... ٦٩

الثالث : الكنز............................................................ ٧١

هل يعتبر القصد في صدق الكنز بأن يكون المال الذي عثر عليه ممّا كنزه إنسان بقصد الادّخار؟       ٧٣

هل يختص الكنز بالمال المذخور تحت الأرض أو يشمل المستور فوقها؟........... ٧٤

اختصاص الكنز بالنقدين وغيرهما........................................... ٧٥

المكان الذي يوجد فيه الكنز................................................ ٧٧

لو وجد الكنز في دار الإسلام وعليه أثر الإسلام.............................. ٧٨

حكم الكنز في أرض مبتاعة................................................ ٨٥

استدلال الشيخ الأنصاري للزوم مراجعة البائع بروايتين....................... ٨٧

لو وجد الكنز في أرض وادّعاه المالك السابق................................. ٩١

٣٧٧

اشتراط النصاب في وجوب الخمس في الكنز................................. ٩٤

لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة................................. ٩٥

حكم ما لو علم الواجد للكنز أنّه لمسلم موجود هو أو وارثه في عصره مجهول.... ٩٧

الكنوز المتعدّدة لكلّ واحد حكم نفسه في بلوغ النصاب وعدمه................ ٩٨

هل يعتبر بلوغ الكنز حدّ النصاب في دفعة واحدة؟............................ ٩٩

لو اشترى دابّة ووجد في جوفها شيئاً........................................ ٩٩

حكم ما لو وجد شيئاً في جوف السمكة المشتراة ، وكذا في الحيوانات........ ١٠٢

اعتبار النصاب في الكنز بعد إخراج مؤونة الإخراج......................... ١٠٦

لو اشترك جماعة في كنز.................................................. ١٠٦

الرابع : الغوص......................................................... ١٠٧

وجوب الخمس في الجواهر المخرجة من البحر بالغوص معدنيّاً كان أو نباتيّاً.... ١٠٧

عدم وجوب الخمس في السمك ونحوه من الحيوانات وإن صدق عليه الإخراج صدقاً لغويّاً    ١١٢

اعتبار النصاب في الغوص وتحديده........................................ ١١٣

اعتبار بلوغ النصاب بعد إخراج المؤن..................................... ١١٥

يجري عليه حكم الغوص على المتناول من الغوّاص؟.......................... ١١٦

لو غاص من غير قصد للحيازة فصادف شيئاً............................... ١١٦

حكم ما لو أخرج بالغوص حيواناً وكان في بطنه شيء...................... ١١٧

٣٧٨

حكم الأنهار العظيمة بالنسبة إلى ما يخرج منها بالغوص...................... ١١٧

إذا غرق شيء في البحر وأعرض مالكه عنه فأخرجه الغوّاص................. ١١٨

هل المعدن المتكوّن تحت الماء المتوقّف إخراجه على الغوص يندرج في عنوان الغوص وحده ، أو المعدن وحده ، أو في كلا العنوانين؟....................................................................... ١١٩

حكم العنبر إذا أُخرج بالغوص............................................ ١٢٠

الخامس : المال الحلال المخلوط بالحرام..................................... ١٢٣

الاستدلال بروايات على وجوب الخمس في المال المختلط بالحرام.............. ١٢٥

مصرف خمس المال المختلط هل هو للفقراء؟................................ ١٢٧

ما ذكره المحقّق الهمداني (قدس سره) بخصوص مصرف خمس المال المختلط..... ١٢٩

لو علم المقدار ولم يعلم المالك............................................. ١٣٣

اعتبار إذن المجتهد الجامع للشرائط في التصدّق بخمس المال المختلط لو علم المالك وجهل المقدار        ١٤٠

عدم الفرق في وجوب إخراج الخمس وحلَّيّة المال بعده بين كون الاختلاط بالإشاعة أو بغيرها         ١٤٨

عدم الفرق في كفاية إخراج الخمس في حلَّيّة البقيّة في صورة الجهل بالمقدار أو المالك ١٤٩

لو علم قدر المال ولم يعلم صاحبه بعينه لكن علم في عدد محصور............. ١٥٠

إذا كان حقّ الغير في الذمّة لا في عين المال................................. ١٥٣

صور ثلاث في ثبوت حقّ الغير في الذمّة.................................... ١٥٦

٣٧٩

هل يجوز للمالك إخراج خمس المال المختلط وتعيينه من غير إذن الحاكم ، أو دفعه من مال آخر؟      ١٥٩

لو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس......................................... ١٦٠

لو علم بعد إخراج الخمس أنّ الحرام أزيد من الخمس أو أقلّ................. ١٦٤

هل يجزئه إخراج الخمس لو خلط الحرام المجهول مالكه بالحلال ليحلّله بالتخميس؟ ١٦٦

لو كان الحلال المخلوط بالحرام ممّا تعلَّق به الخمس.......................... ١٦٨

لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاصّ أو العامّ ١٧١

حكم التصرّف في المال المختلط قبل إخراج الخمس بالإتلاف................. ١٧١

إذا تصرّف في المختلط قبل إخراج خمسه بالبيع ونحوه....................... ١٧٣

السادس : الأرض التي اشتراها الذمِّي من المسلم............................ ١٧٤

هل يختص وجوب الخمس بأرض الزراعة أم يعمّ المشتملة على البناء والأشجار؟ ١٧٧

مصرفه هذا القسم كمصرف غيره من الأقسام............................. ١٧٩

هل يختصّ الحكم بالشراء ، أو يعمّ مطلق المعاوضة ، أو مطلق الانتقال؟........ ١٧٩

تعلَّق الخمس برقبة الأرض دون البناء والأشجار والنخيل..................... ١٨٠

اختيار الذمّي بين دفع الخمس من عينها أو قيمتها........................... ١٨١

لو أراد الذمّي دفع القيمة وكانت مشغولة بالزرع أو الغرس أو البناء.......... ١٨٢

عدم النصاب في هذا الخمس.............................................. ١٨٣

عدم اعتبار نيّة القربة فيه حين الأخذ من الحاكم وحين الدفع إلى السادة....... ١٨٣

٣٨٠