موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

إنّما هو الانتساب إليه من قبل الأب.

ونُسب إلى السيِّد استحقاق المنتسب إليه من قبل الأُمّ أيضاً (١) ، واختاره في الحدائق (٢) ، بل أصرّ عليه ، وذكر أنّ منشأ هذا الخلاف هو أنّ ولد البنت ولد حقيقة أو لا ، فالمرتضى ومن تبعه على الأوّل ، والمشهور على الثاني.

هذا ، ولا يخفى أنّ ما نسب إلى السيِّد (قدس سره) من عموم الاستحقاق للمنتسب إلى هاشم من طرف الامّ غير ثابت.

فإنّ الكلام في مقامين :

أحدهما : في صدق الولديّة على ولد البنت وعدمه ، ولا ينبغي الإشكال في الصدق لغةً وعرفاً ، نظراً إلى أنّ جدّه لأُمّه أولده ، إذ قد وقع في سلسلة أجزاء علّة ولادته ، فولادته مستندة إليه بطبيعة الحال ، وهذا يكفي في صدق كونه ولداً له حقيقةً. ولأجله كان أولاد فاطمة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها) أولاداً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حقيقةً ، وجعل عيسى (عليه السلام) من ذرِّيّة إبراهيم (عليه السلام) من قبل امّه (عليها السلام) ، وجرت أحكام الأولاد في المناكح والمواريث وغيرهما على أولاد البنات أيضاً. وعن الصادق (عليه السلام) أنّه قال : «أولدني أبو بكر مرّتين» (٣) باعتبار أنّ امّه : أُمّ فروة ، وهي منتسبة إلى أبي بكر من وجهين.

ثانيهما : فيمن يستحقّ الخمس من المنتسبين إلى هاشم وأنّه هل هو كلّ من يصدق عليه أنّه من أولاد هاشم أو لا؟

ويظهر من الروايات الواردة في أبواب تحريم الزكاة على بني هاشم وتعويض

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضى ٤ : ٣٢٧ ٣٢٨.

(٢) الحدائق ١٢ : ٣٩٤.

(٣) كشف الغمة ٢ : ١٦١.

٣٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

الخمس لهم عن الزكاة وجواز زكاة بعضهم على بعض وجواز أخذهم الزكاة مع الضرورة وغيرها : أنّ العنوان المأخوذ في موضوع هذه الأحكام إنّما هو الهاشمي وبنو هاشم.

قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس ولا لنظرائهم من بني هاشم» (١).

وقال (عليه السلام) : «لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطّلبي إلى صدقة» (٢) ، ونحوهما غيرهما ممّا هو كثير جدّاً.

ومن الواضح أنّ هذه العناوين تعدّ من العناوين التي يعبّر بها عن الطوائف والقبائل كالتميمي وبني تميم ونحو ذلك ، ولا ينبغي الريب في أنّ العبرة في صدقها عرفاً إنّما هو بالانتساب من طرف الأب خاصّة ، فلا يقال : تميمي ، لمن امّه منهم دون الأب ، ولا : عربي ، لمن أُمّه عربيّة وأبوه غير عربي ، وهكذا.

وعليه ، فلا يقال : هذا هاشمي ، أو : من بني هاشم ، لمن ليس أبوه من أولاده وإن كانت امّه كذلك ، وإلّا لصدق على الهاشميّين من أولاد الصادق (عليه السلام) أنّهم تيميّون باعتبار أنّ جدّتهم أُمّ فروة من تيم.

على أنّه لولا الاختصاص المزبور لقلّ وجود غير الهاشمي بين الناس ، إذ قلّما يوجد شخص لا تكون إحدى جدّاته هاشميّة ، فلو تزوّجت هاشميّة بغير هاشمي كان نسله كلّه من بني هاشم وجاز له أخذ الخمس. وهذا شي‌ء لا يمكن الالتزام به بوجه.

والمتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ عنوان الولد وإن صدق على المنتسب إلى هاشم

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٦٨ / أبواب المستحقّين للزكاة ب ٢٩ ح ٣.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٧٦ / أبواب المستحقّين للزكاة ب ٣٣ ح ١.

٣٢٢

ولا فرق بين أن يكون علويّاً أو عقيليّاً أو عبّاسيّاً (١). وينبغي تقديم الأتمّ علقةً بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) على غيره أو توفيره كالفاطميّين.

______________________________________________________

من قبل الأُمّ إلّا أنّ عنوان الهاشمي لا يكاد يصدق عليه ، والعبرة في المقام بالثاني لا الأوّل ، والظاهر أنّ ما نسب إلى المرتضى (قدس سره) ناظر إلى الأوّل لا الثاني.

ويؤيِّد ما ذكرناه من اختصاص الاستحقاق ما في مرسلة حمّاد : «ومن كانت امّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحلّ له ، وليس له من الخمس شي‌ء». (١)

(١) للنصوص الكثيرة الدالّة على أنّ المستحقّ هو مطلق الهاشمي من غير تقييد بالعلوي ، فيعمّ العبّاسي والعقيلي إن وجدت لهم ذرِّيّة في هذا الزمان ، بل قد صرّح في صحيحة ابن سنان (٢) بعدم حلِّيّة الصدقة لولد العبّاس ولا لنظرائهم من بني هاشم ، بضميمة ما هو المسلّم نصّاً وفتوى من بدليّة الخمس عن الزكاة ، وأنّ من حرمت عليه الزكاة حلّ له الخمس.

وأمّا ما يظهر من بعض النصوص من حصر المستحقّ بآل محمّد وأهل بيته (عليهم السلام) فعلى تقدير تماميّتها سنداً فهي محمولة على نوع من التغليب ، باعتبار أنّهم هم السبب في تشريع الخمس ، فإنّه تكريم لهم أو على غير ذلك من المحامل ، لوضوح دلالة ما عرفت على استحقاق غيرهم أيضاً. هذا مضافاً إلى ضعف إسنادها.

فمنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد ، عن بعض

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥١٣ / أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٨.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٦٩ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٣.

٣٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أصحابنا ، رفع الحديث «قال : الخمس على خمسة أشياء إلى أن قال : والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمّد (عليهم السلام) الذين لا تحلّ لهم الصدقة ولا الزكاة ، عوّضهم الله مكان ذلك بالخمس» (١).

فإنّها ضعيفة بالإرسال والرفع معاً.

ومنها : ما رواه الكليني في الروضة عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ابن عيسى ، عن إبراهيم بن عثمان وهو أبو أيّوب الخزّاز الثقة الجليل عن سليم بن قيس الهلالي قال : خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أن قال : «ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيباً ، أكرم الله رسوله وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس» (٢).

وهي بظاهرها وإن أوهمت اختصاص حرمة الصدقة بأهل البيت (عليهم السلام) ولكنّه لم يبلغ حدّ الدلالة ، إذ لا منافاة بين تحريم الصدقة عليهم تكريماً منه تعالى لهم (عليهم السلام) وبين تحريمها على غيرهم من سائر بني هاشم أيضاً ، لاقتضاء تكريمهم (عليهم السلام) عموم التحريم لأقربائهم.

هذا ، مضافاً إلى ما في سندها من الخدش ، فإنّ جميع من ذكر فيه وإن كانوا ثقات حتى سليم بن قيس حيث عدّه البرقي من أولياء أمير المؤمنين (عليه السلام) (٣) إلّا أنّ إبراهيم بن عثمان لم يدرك سليماً ، فإنّه وإن بقي إلى زمان الباقر (عليه السلام) إلّا أنّ إبراهيم كان من أصحاب الصادق ولم يدرك الباقر (عليه السلام). وهو وإن كان كثير الرواية عن الثقات ، وقد روى عن سليم أيضاً ، غير أنّه روى عنه بواسطة إبراهيم بن عمر اليماني ، وهو يروي عن سليم

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥١٤ / أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٩ ، التهذيب ٤ : ١٢٦ / ٣٦٤.

(٢) الوسائل ٩ : ٥١٢ / أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٧ ، الكافي ٨ : ٥٨ / ٢١.

(٣) رجال البرقي : ٤.

٣٢٤

[٢٩٦٤] مسألة ٤ : لا يصدّق من ادّعى النسب إلّا بالبيّنة أو الشياع المفيد للعلم (١) ، ويكفي الشياع والاشتهار في بلده. نعم ، يمكن الاحتيال (*) في

______________________________________________________

تارةً بلا واسطة ، وأُخرى بواسطة أبان بن أبي عيّاش ، ولم نعثر على رواية له أي لأبي أيّوب عن سليم بلا واسطة غير هذه الرواية ، ولأجله يغلب على الظنّ أنّ بينهما واسطة مجهولة. ومعه تسقط الرواية عن درجة الاعتبار.

(١) فإنّ هذه الدعوى كغيرها من الدعاوي تحتاج إلى ثبوت شرعي بالبيّنة أو الشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان بصدق دعواه وإن كان ناشئاً من اشتهار ذلك في بلده.

وعن كاشف الغطاء : تصديق مدّعي النسب بمجرّد دعواه كما في مدّعي الفقر (١).

وفيه ما لا يخفى ، فإنّه قياس مع الفارق ، إذ دعوى الفقر معتضدة باستصحاب عدم الغنى الذي هو أمر حادث مسبوق بالعدم ، وهذا بخلاف النسب ، فإنّ مقتضى الأصل الأزلي عدم الانتساب إلى هاشم ، فدعوى الانتساب مخالفة للأصل ، ولا يعارض بأصالة عدم الانتساب إلى غير هاشم ، لعدم الأثر لها ، فإنّ موضوع الزكاة هو من لم ينتسب إلى هاشم لا المنتسب إلى غير هاشم.

وعليه ، فيحتاج الانتساب إلى ثبوت شرعي كما عرفت. وهذا وإن لم يرد فيه نصّ يعيّن الوظيفة إلّا أنّ السيرة العقلائيّة قائمة على الأخذ بما هو المشهور بين أهل البلد ، وإذ لم يردع عنها الشارع فلا بأس بالتعويل عليها ، سيّما إذا أوجبت الاطمئنان الشخصي ، ويؤيِّده ما رواه الصدوق (قدس سره) من أنّه يؤخذ بظاهر الحال في خمسة أُمور : الولايات ، والمناكح ، والذبائح ، والشهادات ،

__________________

(*) فيه إشكال.

(١) كشف الغطاء : ٣٦٣.

٣٢٥

الدفع إلى مجهول الحال بعد معرفة عدالته بالتوكيل على الإيصال إلى مستحقّه (١) على وجهٍ يندرج فيه الأخذ لنفسه أيضاً ، ولكن الأولى بل الأحوط عدم الاحتيال المذكور.

______________________________________________________

والأنساب (١).

(١) هذا الاحتيال ذكره في الجواهر وقال : إنّه يكفي في براءة الذمّة وإن علم أنّه قبضه الوكيل لنفسه ، وعلّله بأنّ المدار في ثبوت الموضوع على علم الوكيل دون الموكّل ما لم يعلم الخلاف. ثمّ قال : لكنّ الإنصاف أنّه لا يخلو عن تأمّل أيضاً (٢).

ومحصّل التعليل : أنّه لمّا صحّ التوكيل في إيصال الخمس ونحوه من الحقوق الماليّة إلى مستحقّيه ولم تعتبر المباشرة في ذلك ، فإذا وكّل غيره فيه فالعبرة في الوصول إلى المستحقّ إنّما هو بعلم الوكيل وتشخيصه لا الموكّل ، فإذا علم بالاستحقاق كفى إيصاله إليه في براءة ذمّة الموكّل وإن لم يعلم هو بالاستحقاق ما دام لم يعلم عدم الاستحقاق ، لأنّه مقتضى أصالة الصحّة الجارية في عمل الوكيل أو النائب عن غيره في عبادة أو معاملة. أمّا إذا علم الخلاف وبطلان فعل الوكيل فلا وجه للاكتفاء به كما لا يخفى.

هذا ، والإنصاف أنّ تأمّله (قدس سره) في صحّة هذا الاحتيال في محلّه.

والوجه فيه : أنّ الأصل المزبور لمّا كان مستنداً إلى السيرة القائمة على البناء على الصحّة ، والقدر المتيقّن منها ما إذا لم يعلم الموكّل الكيفيّة التي وقع الفعل عليها خارجاً ، كما إذا أوكله على عقد ولم يعلم الموكّل صحّة ما أجراه من العقد

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٩ / ٢٩.

(٢) الجواهر ١٦ : ١٠٦.

٣٢٦

[٢٩٦٥] مسألة ٥ : في جواز دفع الخمس إلى من يجب عليه نفقته إشكال (١) خصوصاً في الزوجة ، فالأحوط عدم دفع خمسه إليهم بمعنى الإنفاق عليهم محتسباً ممّا عليه من الخمس ، أمّا دفعه إليهم لغير النفقة الواجبة ممّا يحتاجون إليه ممّا لا يكون واجباً عليه كنفقة من يعولون ونحو ذلك فلا بأس به ، كما لا بأس بدفع خمس غيره إليهم ولو للإنفاق مع فقره حتى الزوجة إذا لم يقدر على إنفاقها.

______________________________________________________

وأنّه هل أجراه مثلاً بصيغة عربيّة أو لا؟ ففيما إذا علم الكيفيّة وأنّه أجراه بصيغة فارسيّة لكنّه شكّ في صحّته بشبهة حكميّة فلأجل أنّ شمول دليل أصالة الصحّة لذلك حينئذٍ غير معلوم كان إجراء الأصل وقتئذٍ في غاية الإشكال.

ويلحقه في الإشكال موارد الشكّ في صحّة الكيفيّة المعلومة بشبهة موضوعيّة كما في المقام ، حيث يعلم الموكّل أنّ الوكيل أخذه لنفسه باعتقاده الاستحقاق لكنّه يشكّ أي الموكّل في استحقاقه ، فإنّ البناء على الصحّة حينئذٍ مشكل جدّاً ، لعدم إحراز قيام السيرة في مثل ذلك عليه.

ومن الواضح أنّ علم الوكيل طريقي محض وليس بموضوعي ، فلا أثر له في تصحيح العمل بالنسبة إلى الموكّل المكلّف بإيصال الحقّ إلى أهله ، فكما أنّه إذا صدر عنه مباشرةً لم يكن مجزئاً ، للشكّ في الاستحقاق المستتبع للشكّ في الفراغ ، فكذلك إذا صدر عن وكيله وإن كان الوكيل يرى الاستحقاق.

(١) نظراً إلى عموم التعليل الوارد في صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج للمنع عن إعطاء الزكاة لواجبي النفقة من أنّهم عياله لازمون له (١) ، الذي

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٤٠ / أبواب المستحقّين للزكاة ب ١٣ ح ١.

٣٢٧

[٢٩٦٦] مسألة ٦ : لا يجوز دفع الزائد عن مئونة السنة لمستحقٍّ واحد ولو دفعةً على الأحوط (*) (١).

______________________________________________________

مرجعه إلى أنّ الدفع لهم كالدفع إلى نفسه والصرف في شؤون شخصه ، وكأنّ الإعطاء لهم إخراج من كيس ووضع في كيس آخر. وهذا التعليل كما ترى جارٍ في الخمس أيضاً.

أضف إلى ذلك ما دلّت عليه الأخبار من بدليّة الخمس عن الزكاة ، الظاهرة في اشتراكهما في الأحكام ما عدا اختصاص أحدهما بالهاشمي والآخر بغيره. ومقتضاها أنّ من لا يستحقّ الزكاة من غير بني هاشم كواجبي النفقة لا يستحقّ الخمس إذا كان من بني هاشم.

نعم ، الدفع إليهم لغير النفقة الواجبة على الدافع كنفقة من يعولون مثل زوجة الابن لا بأس به مع فرض الحاجة ، كما مرّ في الزكاة (١).

(١) أمّا عدم الجواز في الدفعات فواضح ، إذ بعد أن أعطاه في الدفعة الأُولى ما يكفيه لمئونة سنته فقد زال فقره وأصبح غنيّاً ، فالإعطاء ثانياً إعطاءٌ إلى الغني لا إلى الفقير.

وأمّا في الدفعة الواحدة فلأنه إذا أعطى ما يزيد على مئونته السنويّة فهو بتملّكه مقدار المئونة صار غنيّاً ، فليس له وقتئذٍ تملّك ما يزيد عليه ، لزوال فقره بتملّك ذلك المقدار ، فإعطاء الزائد إعطاءٌ إلى الغني ولو كان غناه قد حصل مقارناً للإعطاء المزبور ، إذ العبرة في الغنى والفقر بملاحظة حال الإعطاء لا قبله ولا بعده ، فلو كان يكتفي بمائة فأعطاه تمام المائتين كان دفع المائة الثانية منضمّة

__________________

(*) بل لا يبعد أن يكون هو الأظهر.

(١) شرح العروة ٢٤ : ١٦١.

٣٢٨

[٢٩٦٧] مسألة ٧ : النصف من الخمس الذي للإمام (عليه السلام) أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه وهو المجتهد الجامع للشرائط (١) ، فلا بدّ من الإيصال إليه أو الدفع إلى المستحقّين بإذنه ،

______________________________________________________

منضمّة إلى الأُولى دفعاً إلى الغني ولو كان الاتِّصاف بالغنى مقارناً لهذا الدفع ، إذ الاعتبار بهذه الحالة لا قبلها حسبما عرفت. والظاهر أنّ المسألة متسالم عليها.

وممّا ذكرنا تعرف أنّه لو فرضنا أنّ إطلاقات الأدلّة تقتضي الجواز كما قيل لم يكن بدّ من رفع اليد عنها وتقييدها بما عرفت.

(١) الأقوال في تعيين الوظيفة بالإضافة إلى سهم الإمام (عليه السلام) كثيرة وأكثرها واضحة الضعف ، بل غير قابلة للتعرّض ، كالقول بوجوب دفنه إلى أن يظهر الحجّة (عجّل الله تعالى فرجه) ويستخرجه ، أو القول بوجوب عزله وإيداعه والإيصاء به عند ظهور أمارات الموت ، أو القول بإلقائه في البحر ، ونحو ذلك ممّا يستلزم ضياع المال وإتلافه والتفريط فيه ، ولا سيّما بالنسبة إلى الأوراق النقديّة ممّا ليست بذهب ولا فضّة ، إذ كيف يمكن إيداعها والاحتفاظ عليها ولربّما تبلغ من الكثرة الملايين؟! إلّا أن تودع في المصارف الحكوميّة التي هي تحت سيطرة الأيادي الجائرة ، فتكون وقتئذٍ إلى الضياع أقرب وبالوبال أنسب.

وليس من بين تلك الوجوه والأقوال بعد البناء على عدم السقوط والإباحة ، فإنّ ذلك أمر آخر سيأتي التعرّض له في خاتمة بحوث الخمس إن شاء الله تعالى ما يستأهل البحث إلّا وجهين :

أحدهما : ما قوّاه في الجواهر من إجراء حكم مجهول المالك عليه (١) ، نظراً

__________________

(١) الجواهر ١٦ : ١٧٧.

٣٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى أنّ المناط في جواز التصدّق بالمال عن مالكه ليس هو الجهل بالمالك ، بل عدم إمكان إيصاله إليه ، سواء أعلم به أم جهل ، كما هو مورد بعض نصوصه ، مثل : ما ورد في الرفيق في طريق مكّة من التصدّق عنه لمجرّد الجهل بمكانه وإن كان عارفاً شخصه بطبيعة الحال ، فيكون التصدّق عنه حينئذٍ نوعاً من الإيصال إليه ، فإنّه وإن لم يصل إليه عين المال إلّا أنّه وصل إليه ثواب التصدّق به. وسهم الإمام (عليه السلام) من هذا القبيل ، حيث إنّه (عليه السلام) وإن كان معلوماً عنواناً ويعرف باسمه ونسبه لكنّه مجهول بشخصه ، فلا يعرفه المكلّف وإن رآه فضلاً عمّا إذا لم يره ، فلا يمكنه إيصال المال إليه.

ثانيهما : أن يصرف في موارد يحرز فيها رضا الإمام (عليه السلام) قطعاً أو اطمئناناً بحيث كان الصرف في تلك الجهة مرضيّاً عنده ، كالمصالح العامّة ، وما فيه تشييد قوائم الدين ودعائم الشرع المبين وبثّ الأحكام ونشر راية الإسلام التي من أبرز مصاديقها في العصر الحاضر إدارة شؤون الحوزات العلميّة ومئونة طلبة العلوم الدينيّة.

وهذا هو الصحيح ، فإنّ الوجه الأوّل وإن كان وجيهاً في الجملة وأنّ ما لا يمكن فيه الإيصال يتصدّق به فإنّه نوع من الإيصال ، إلّا أنّه لا إطلاق لدليله يشمل صورة وجود مصرف يحرز رضا المالك بالصرف فيه ، فإنّ حديث الرفيق في طريق مكّة قضيّة في واقعة ومنصرف عن هذه الصورة بالضرورة.

فلو فرضنا أنّا أحرزنا أنّ المالك المجهول كان عازماً على صرف هذا المال في مصرف معيّن من عمارة المسجد أو بنائه المدرسة أو إقامة التعزية فإنّه لا يسعنا وقتئذٍ الصرف في التصدّق ، إذ بعد أن كان له مصرف معيّن والمالك يرضى به فالتصدّق بدون إذن منه ولا من وليّه فإنّ وليّه الإمام (عليه السلام)

٣٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ولم يأذن بعد ما عرفت من عدم إطلاق في دليل الصدقة يشمل المقام تصرّفٌ في ملك الغير بغير إذنه ، فالمتعيّن إذن ما عرفت.

يبقى الكلام في أنّ المالك هل هو مستقلّ في هذا التصرّف ، أو أنّه يتوقّف على مراجعة الحاكم الشرعي والاستئذان منه؟

يتبع هذا ما عليه المالك من الوجدان ولا يصل الأمر إلى البرهان ، فإنّه إن كان قد وجد من نفسه فيما بينه وبين ربّه أنّه قد أحرز رضا الإمام (عليه السلام) بالمصرف الكذائي بحيث كان قاطعاً أو مطمئنّاً به فلا إشكال ولا حاجة معه إلى المراجعة ، إذ لا مقتضي لها بعد نيل الهدف والوصول إلى المقصد.

وأمّا إذا لم يجد من نفسه هذا الإحراز ، بل انقدح في ذهنه احتمال أن يكون هذا الصرف منوطاً بإذن نائب الإمام في عصر الغيبة كما كان منوطاً بإذن نفسه في عصر الحضور ، ولم يتمكّن من دفع هذا الاحتمال الذي يستطرق لدى كلّ أحد بطبيعة الحال ، بل هو جزمي غير قابل للإنكار ، ولا أقلّ من أجل رعاية المصالح العامّة والتحفّظ على منصب الزعامة الدينيّة. كان اللّازم عندئذٍ مراجعة الحاكم الشرعي ، لعدم جواز التصرّف في مال الغير وهو الإمام (عليه السلام) ما لم يحرز رضاه المنوط بالاستئذان من الحاكم حسب الفرض.

ومنه تعرف أنّه لا حاجة إلى إثبات الولاية العامّة للحاكم الشرعي في كافّة الشؤون ، وأنّ جميع ما كان راجعاً إلى الإمام حال حضوره راجع إلى نائبه العام حال غيبته ، بل مجرّد الشكّ في جواز التصرّف بدون إذنه كافٍ في استقلال العقل بلزوم الاستئذان منه ، للزوم الاقتصار في الخروج عن حرمة التصرّف في ملك الغير على المقدار المتيقّن من إذنه ورضاه وهو مورد الاستئذان ، إذ بدونه يشكّ في الجواز ومقتضى الأصل عدمه. ومن ثمّ كانت الاستجازة مطابقة لمقتضى القاعدة حسبما عرفت.

٣٣١

والأحوط له الاقتصار على السادة (*) ما دام لم يكفهم النصف الآخر (١).

______________________________________________________

(١) قد عرفت أنّ مصرف سهم الإمام (عليه السلام) هي الجهات الدينيّة والأُمور الخيريّة من المصالح العامّة ، كإعانة الفقراء المتديّنين ، وما فيه إقامة دعائم الدين ، ورفع كلمة الحقّ وتدعيم الشرع الحنيف بكلّ وسيلة يضمن له البقاء والرقي. مؤيِّداً بما ورد في بعض النصوص من تتميم حقّ السادة بل مورد الزكاة من سهم الإمام (عليه السلام) لدى الإعواز ، الكاشف عن القطع برضاه (عليه السلام) في الصرف في سدّ حاجيات المؤمنين.

وهل يتقدّم السادة على غيرهم من المحتاجين لدى الدوران؟

يتبع ذلك ما تقدّم من إحراز الرضا الذي يختلف حسب اختلاف الموارد ، فربّما يقطع برضاه (عليه السلام) في الصرف في غير السيِّد وتقديمه عليه لأهمّيّته ، كما لو كان في خدمة الدين وترويج الشرع المبين وله آثار كثيرة وخدمات عديدة ، ولم تكن للسيِّد الفقير أيّة خدمة.

نعم ، فيما إذا كانا في مرتبة واحدة فلأجل أنّه من المحتمل عندئذٍ تقديم السيِّد رعايةً للقرابة وعنايةً بما فيه من الشرافة لزم ترجيحه عملاً بما يقتضيه الأصل من الاقتصار على المتيقّن من مورد الرِّضا.

وعلى الجملة : الميزان الكلّي في الصرف إحراز الرِّضا ، فمع الدوران بينهما إن كانت هناك جهة مرجّحة بحيث يقطع أو يطمئنّ بجواز الصرف فهو ، وإلّا فلا بدّ من الاقتصار على المقدار المتيقّن ، لعدم جواز التصرّف في مال الغير من دون إحراز رضاه.

__________________

(*) في إطلاقه إشكال بل منع ، فينبغي مراعاة الأهمّ فالأهمّ.

٣٣٢

وأمّا النصف الآخر الذي للأصناف الثلاثة فيجوز للمالك دفعه إليهم بنفسه (١) ، لكن الأحوط فيه أيضاً الدفع إلى المجتهد أو بإذنه ، لأنّه أعرف بمواقعة والمرجّحات التي ينبغي ملاحظتها.

______________________________________________________

(١) وقع الخلاف في مصرف هذا السهم أيضاً على نحو ما تقدّم في حقّ الإمام (عليه السلام) من السقوط لأخبار التحليل التي سيأتي البحث حولها في خاتمة الخمس أو الدفن ، أو الإيداع ، أو الإيصاء ، ونحو ذلك من الوجوه الساقطة العارية عن كلّ دليل كما تقدّم ، سيّما وأنّ هذا السهم ملك للسادة ، إمّا لكل واحد من الأصناف الثلاثة ، أو للجامع الكلّي ، فهم المصرف لهذا السهم ، ومعه لا مقتضي هنا للإبقاء بوجه.

ومن الواضح أنّ مقتضى إطلاق الكتاب والسنّة عدم الفرق في وجوب دفع هذا الحقّ إليهم بين عصري الحضور والغيبة ، ولا سيّما بملاحظة ما ورد في غير واحد من النصوص من تعويض هذا الحقّ بدلاً عن الزكاة المحرّمة عليهم الذي يعمّ مناطه كلتا الحالتين ، وإلّا فمن أين تسدّ حاجات السادة في زمن الغيبة والزكاة محرّمة عليهم؟! وهل للمالك مباشرة التقسيم بنفسه من دون مراجعة الحاكم الشرعي؟

الظاهر ذلك ، لما ورد في الزكاة من ثبوت ولاية التعيين للمالك ، معلّلاً بأنّه أعظم الشريكين ، فإنّ هذا جارٍ في الخمس أيضاً بعد ملاحظة أنّ أربعة أخماس المال للمالك.

ومع التنازل فهذا مال مشترك مع السادة لا حاجة في مثله إلى مراجعة الشريك ومطالبته بالقسمة ، بناءً على أنّ الشركة من قبيل الشركة في الماليّة أو الكلّي في المعيّن.

٣٣٣

[٢٩٦٨] مسألة ٨ : لا إشكال في جواز نقل الخمس من بلده إلى غيره (١) إذا لم يوجد المستحقّ فيه ، بل قد يجب كما إذا لم يمكن حفظه مع ذلك أو لم

______________________________________________________

نعم ، بناءً على الإشاعة والشركة الحقيقيّة يطالب الشريك بالقسمة إن كان شخصاً خاصّاً ، وأمّا إذا كان عنواناً كلّيّاً كما في المقام فإنّه يراجع وليّه وهو الحاكم الشرعي إن أمكن ، وإلّا فعدول المؤمنين ، وأخيراً لا يبقى المالك معطّلاً عن التصرّف في ماله ، بل له المطالبة بالقسمة من نفس الشريك أو من وليّه حسبما عرفت.

وأمّا الإعطاء والدفع إلى الفقير فلا يحتاج إلى الاستجازة من الحاكم الشرعي ، إذ ليس حال هذا السهم حال سهم الإمام (عليه السلام) ، فإنّ هذا ملك لجامع السادة ، والحاجة إلى الاستجازة تتوقّف على الدليل ، ولا دليل عليها بوجه.

بل لا يبعد أن يكون الأمر كذلك حتى في حال الحضور ، فإنّه يجوز الإعطاء إلى الإمام (عليه السلام) بما أنّه وليّ الأمر ، وأمّا وجوبه فكلّا.

وبالجملة : فإن تمّ ما ذكرناه من أنّ القسمة بيد المالك فهو ، وإلّا فيراجع الحاكم الشرعي في القسمة لا في الإعطاء ، فلاحظ.

(١) ينبغي التكلّم أوّلاً في بيان موضوع المسألة ، فإنّ نقل الخمس موقوف على جواز العزل وولاية المالك على الإفراز ، مع أنّه لم يرد أيّ دليل عليه في باب الخمس وإن نطقت به الروايات في باب الزكاة كما تقدّم (١) ، إلّا أن يراد نقل ما فيه الخمس ، أي تمام المال قبل تخميسه أو بعضه ، فيكون نقلاً لما فيه الخمس بناءً على الشركة والإشاعة الحقيقيّة ، فلو تلف يضمن التالف ، أمّا على الكلّي في المعيّن فتمام التلف على المالك ما دام يبقى من العين مقدار ينطبق عليه الكلّي.

__________________

(١) شرح العروة ٢٣ : ٤٠١.

٣٣٤

يكن وجود المستحقّ فيه متوقّعاً بعد ذلك ، ولا ضمان حينئذٍ عليه (*) لو تلف ، والأقوى جواز النقل مع وجود المستحقّ أيضاً لكن مع الضمان لو تلف ، ولا فرق بين البلد القريب والبعيد وإن كان الأولى القريب إلّا مع المرجّح للبعيد.

______________________________________________________

هذا ، ويمكن فرض نقل الخمس بخصوصه وإن لم تكن له ولاية على العزل بأن يراجع الحاكم الشرعي في التقسيم المعبّر عنه في العرف الحاضر بإزالة الشيوع ، فيخلّص ماله عن الشركة ويعيّن حصّة الخمس بإجازة الحاكم الذي هو وليّ على أربابه ، على ما عرفت قريباً من أنّ للشريك المطالبة بإفراز حصّته من الشريك الآخر إن أمكن وإلّا فمن وليّه ، فيراجع الحاكم في التقسيم لا في الإعطاء ، وبعد ما قسّم وأفرز وانعزل الخمس عن غيره فيتكلّم حينئذٍ في جواز نقله إلى بلد آخر وعدمه.

والكلام يقع تارةً : مع عدم وجود المستحقّ ، وأُخرى : مع وجوده ، وعلى التقديرين فيتكلّم مرّة في الحكم التكليفي وأنّه هل يجوز النقل أو لا؟ وأُخرى في الحكم الوضعي وأنّه هل يضمن لو تلف أو لا؟

أمّا مع عدم المستحقّ : فلا ينبغي التأمّل في جواز النقل تكليفاً ، لعدم المانع منه بعد وجود المقتضي من إطلاقات الإيصال إلى أرباب الخمس ، بل قد يجب كما إذا لم يمكن المحافظة عليه في بلده فيكون معرّضاً للتلف ، أو كان في بلد لم يتوقّع وجود المستحقّ فيه بعد ذلك ، كالبلدان المترقّية في العصر الحاضر مثل الولايات المتّحدة ونحوها ممّا لم يتوقّع وجود السادة المستحقّين فيه بوجه.

__________________

(*) هذا إذا نقل المالك تمام المال المتعلّق به الخمس أو نقل مقدار الخمس ولكن كان بإذن الحاكم الشرعي أو كان بعنوان الوكالة عن المستحقّ وإلّا فالأظهر أنّ التالف يحسب على المالك والخمس بالنسبة.

٣٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كما لا ينبغي التأمّل في عدم الضمان حينئذٍ لو تلف ، لأنّ النقل في هذه الحالة إحسان إلى السادة ، و (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ).

مضافاً إلى التعليل الوارد في بعض نصوص نفي ضمان الزكاة لو تلفت بالنقل ، وهو قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن مسلم : «وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان ، لأنّها قد خرجت من يده ، وكذلك الوصي» إلخ (١).

فإنّ التعليل بالخروج عن اليد يعمّ المقام ولا سيّما مع عطف «الوصي» الكاشف عن عدم خصوصيّة للزكاة.

على أنّه لم يكن أي مقتضٍ للضمان بعد أن لم تكن اليد يد عدوان ولم يحصل منه تفريط كما هو المفروض.

هذا كلّه مع عدم المستحقّ في البلد.

وأمّا مع وجوده فيقع الكلام أيضاً في الحكم التكليفي أوّلاً ، والوضعي ثانياً.

أمّا التكليفي : فالظاهر جوازه ، إذ لا موجب للمنع عدا ما قد يتوهّم من منافاة النقل لفوريّة الإيصال الواجبة عليه.

ولكنّه ممنوع كبرى وصغرىً.

أمّا الكبرى : فلعدم الدليل على وجوب الفوريّة ، غايته عدم جواز التهاون والمسامحة كما في سائر الواجبات الإلهيّة ، وذاك أمر آخر.

وعدم رضا مستحقّي البلد بالنقل لا يقدح بعد أن كان المالك طبيعيّ السيِّد المستحقّ لا خصوص هؤلاء ، على أنّه معارض بعدم رضا مستحقّي غير هذا البلد بعدم النقل.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٨٥ / أبواب المستحقّين للزكاة ب ٣٩ ح ١.

٣٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

والحلّ ما عرفت من أنّ المالك هو الطبيعي ، وللمكلّف اختيار التطبيق على أيّ فرد شاء ما لم يبلغ حدّ التهاون ، أمّا الفوريّة فغير واجبة بعد عدم نهوض أيّ دليل عليها.

وعلى الجملة : حكم المقام حكم سائر الواجبات غير الموقّتة في أنّه لا يجوز فيها التواني والتهاون بالنظر العرفي ، فإذا كان له في التأخير بالنقل غرضٌ عقلائي ومرجّح شرعي أو عرفي كما إذا قصد إيصاله إلى ذي رحم قريب إليه في بلد آخر من دون تساهل في البين فلا دليل على المنع عنه ، وإلّا لَما جاز النقل من محلّة إلى أُخرى في بلد واحد ، لا سيّما في البلدان الكبار التي قد يكون الفصل بين محلّتين منها أكثر من الفصل بين بلدين ، كما في مثل بغداد والكاظمية ، فإنّ الفصل بينهما وهما بلدان لعلّه أقلّ من الفصل بين محلّتين من محلّات بغداد نفسها ، ولم يلتزم أحد بعدم جواز النقل في مثل ذلك ظاهراً.

هذا ، وأمّا الصغرى : فلأجل أنّ الإيصال إلى المستحقّ الموجود في البلد ربّما يحتاج إلى زمان أكثر ممّا يحتاج إليه نقله وإيصاله إلى المستحقّ خارج البلد ، كما ربّما يتّفق في هذه الأعصار ، نظراً إلى زحام الطرق داخل المدينة ، فيتوقّف الإيصال إليه إلى انتظار زمان أكثر من زمان النقل إلى بلد آخر.

وبالجملة : فدعوى عدم جواز النقل استناداً إلى ما ذكر ممنوعة صغرىً وكبرى حسبما عرفت.

وأمّا الحكم الوضعي أعني الضمان في هذه الصورة على تقدير التلف ـ : فالظاهر ثبوته ، لظهور صحيحة محمّد بن مسلم المشار إليها آنفاً بقرينة عطف «الوصي» وأنّه إذا وجد ربّ المال المأمور بدفعه إليه فأخّر ضمن وإلّا فلا في أنّ الحكم جارٍ في كلّ حقّ مالي يجب إيصاله إلى أهله ، وأنّه إذا وجد أهله

٣٣٧

[٢٩٦٩] مسألة ٩ : لو أذن الفقيه في النقل لم يكن عليه ضمان (*) ولو مع وجود المستحقّ (١) ، وكذا لو وكّله في قبضه عنه بالولاية العامّة ثمّ أذن في نقله.

______________________________________________________

فأخّر في إيصاله إليه كانت يده يد ضمان وإلّا فلا ، فيشمل الخمس أيضاً ، وتدلّ على ضمانه إذا وجد المستحقّ في البلد فأخّر في دفعه إليه حتى تلف.

نعم ، مقتضى بعض النصوص الواردة في الزكاة وهي صحيحتا أبي بصير وعبيد بن زرارة المتقدّمتان هناك (١) عدم ضمان الزكاة بعد عزلها إذا وجد مستحقها ولم يدفعها إليه لانتظار مستحق أفضل فتلفت في الأثناء لكنّها مختصّة بالزكاة المعزولة فلا تجري في غيرها.

(١) أمّا عدم الضمان في صورة توكيل الحاكم الشرعي المالك في قبض الخمس من قبله ثمّ إذنه في نقله فلا ينبغي الاستشكال فيه بعد كون قبض الولي بمنزلة قبض المستحقّ نفسه ، فتوكيله المالك في قبضه من قبله كتوكيل المستحقّ نفسه ، فإذا قبض الوكيل فقد حصل الإيصال الواجب ، وتلف المال بعد ذلك بالنقل لا يوجب ضمان الناقل إذا كان مأذوناً من قبل المالك أو وليّه في النقل ، لأنّ يده يد أمانة ، ولا ضمان الولي الآذن بعد ثبوت ولايته على المال ومشروعيّة تصرّفه.

وأمّا في صورة إذن الحاكم في النقل من دون توكيل في القبض فالظاهر فيه أيضاً عدم الضمان ، لأنّه بإذن الولي في التصرّف في المال بالنقل مثلاً تخرج يد المأذون عن كونها يد ضمان وإن لم يحصل بعدُ الإيصال الواجب ، كما هو الحال في المال الشخصي في يد غير مالكه إذا نقله بإذن المالك فتلف من غير تعدٍّ ولا تفريط.

__________________

(*) لأنّ الإذن بمنزلة التوكيل الضمني.

(١) في شرح العروة ٢٣ : ٤٠١.

٣٣٨

[٢٩٧٠] مسألة ١٠ : مئونة النقل على الناقل في صورة الجواز ، ومن الخمس في صورة الوجوب (١).

[٢٩٧١] مسألة ١١ : ليس من النقل لو كان له مال في بلد آخر فدفعه فيه للمستحقّ عوضاً عن الذي عليه في بلده (٢) ، وكذا لو كان له دين في ذمّة

______________________________________________________

(١) أمّا كونها على الناقل في صورة الجواز فلأجل أنّه لا مقتضي لإيراد النقص على الخمس باحتساب مئونة النقل عليه بعد فرض عدم توقّف الإيصال الواجب على النقل ، لفرض وجود المستحقّ في البلد أو توقّع وجوده في المستقبل ، مع إمكان التحفّظ على المال ، فجواز التنقيص من الخمس والحالة هذه يحتاج إلى الدليل ولا دليل ، فتكون المئونة على تقدير النقل على عهدة المالك نفسه بطبيعة الحال.

وأمّا عدم كونها على نفسه في صورة الوجوب فلعدم الدليل على تضرّر المالك بذلك ، ومن المعلوم أنّ وجوب الإيصال لا يقتضي إلّا وجوب النقل لا وجوب تحمّل الضرر ، كما في المال الشخصي إذا كان في يده لغيره وديعة فمات المالك ووجب عليه إيصاله إلى وارثه وهو في بلد آخر.

وإذ لم يكن موجب لجعل المئونة عليه ، والمفروض وجوب إيصال المال إلى أهله وهو لا يتمّ بدون النقل ، فطبعاً تكون الخسارة على المال نفسه لا على الناقل.

(٢) لو تمّ الدليل على حرمة نقل الخمس مع وجود المستحقّ في البلد إمّا لدعوى الإجماع عليها ، أو لمنافاته للفوريّة ، أو لأولويّة مستحقّي البلد كما ورد في الزكاة من أنّه (صلّى الله عليه وآله) كان يقسّم صدقة أهل البوادي فيهم وصدقة أهل الحضر فيهم (١) ، أو لغير ذلك ، فموضوع الحكم المذكور في كلماتهم

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٨٤ / أبواب المستحقّين للزكاة ب ٣٨ ح ٢.

٣٣٩

شخص في بلد آخر فاحتسبه خمساً (*) ، وكذا لو نقل قدر الخمس من ماله إلى بلد آخر فدفعه عوضاً عنه.

[٢٩٧٢] مسألة ١٢ : لو كان الذي فيه الخمس في غير بلده فالأولى دفعه هناك (١) ، ويجوز نقله إلى بلده مع الضمان.

______________________________________________________

سواء أقيل بالحرمة أم بالاحتياط الوجوبي أو الاستحبابي هو عنوان نقل الخمس ، فالمتّبع صدق هذا العنوان ، فأينما صدق لحقه حكمه وإلّا فلا وإن كانت النتيجة هي نتيجة النقل بعينها.

ومن الواضح أنّه لا يصدق هذا العنوان إذا دفع بدل الخمس من مال آخر له في بلد آخر ، أو في بلده بعد نقله إلى آخر ، أو كان على نحو التحويل على شخص في بلد آخر بأن يدفع خمسه ولو قرضاً.

كما لا يصدق باحتساب ماله من الدين في ذمّة مستحقّ هو في بلد آخر خمساً ، بناءً على صحّة الاحتساب وإجزائه خمساً وقد تقدّم (١) عدم الدليل عليه هنا بعد مخالفته للقواعد ، إلّا إذا أجازه الحاكم وإنّما ثبت في الزكاة بدليل خاصّ أو فرض الاستئذان فيه من الحاكم.

وبالجملة : فليس شي‌ء من ذلك نقلاً للخمس وإن أدّى نتيجته.

(١) يعني : أنّ المقصود من النقل المبحوث عنه هو النقل من بلد المال المتعلّق به الخمس لا من بلد المالك ، فإذا كان المالك في بلد وماله الذي تعلّق به

__________________

(*) في احتساب الدين خمساً إشكال ، فالأحوط وجوباً الاستئذان في ذلك من الحاكم الشرعي أو وكيله.

(١) بل سيأتي في ص ٣٤٣ ٣٤٤.

٣٤٠