موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٩٥٦] مسألة ٨٠ : إذا اشترى بالربح قبل إخراج الخمس جاريةً لا يجوز له وطؤها (١) ، كما أنّه لو اشترى به ثوباً لا تجوز الصلاة فيه ، ولو اشترى به ماءً للغسل أو الوضوء لم يصحّ ، وهكذا.

______________________________________________________

وبالجملة : عدم الصرف يكشف عن فعليّة الوجوب وقد أدّى الخمس إلى أربابه فليس له استرداده بوجه.

وأُخرى يصرف إمّا من رأس المال أو من مال آخر ولو كان ديناً.

والظاهر أنّ هذا يكشف عن عدم تعلّق الخمس من الأوّل ، إذ هو بعد المئونة ، ومن المعلوم أنّ المئونة المستثناة ليست خصوص المصروف من شخص الربح ، لعدم تحقّقه إلّا نادراً ، والغالب المتعارف في التجار وغيرهم هو الصرف من مال آخر معادل له بدلاً عنه ممّا خمّسه أو ورثه ونحو ذلك.

وعليه ، فلو صرف بمقدار الخمس أو أكثر كشف عن عدم ربح فاضل على المئونة ، فلا موضوع للخمس ، فله استرداد العين مع بقائها ، كما أنّ الآخذ يضمن مع علمه بالحال دون الجهل كما هو ظاهر.

(١) هذا وجيه في الشراء الشخصي بأن اشترى بعين ما فيه الخمس ، وأمّا الشراء بما في الذمّة والأداء ممّا لم يخمّس فلا ينبغي الإشكال في صحّة المعاملة وجواز التصرّف في تمام ما اشترى ، لكونه ملكاً طلقاً له وإن كان مشغول الذمّة وضامناً للخمس.

فمحلّ الكلام وقوع المعاملة عوضاً أو معوّضاً على العين الشخصيّة لا على الكلّي والأداء من هذه العين. ولا ينبغي التأمّل حينئذٍ في عدم جواز التصرّف كما ذكره في المتن ، سواء أقلنا بشمول أدلّة التحليل للمقام وإمضاء المعاملة من قبل وليّ الأمر (عليه السلام) ، أم لا.

٣٠١

نعم ، لو بقي منه بمقدار الخمس في يده وكان قاصداً لإخراجه منه جاز وصحّ (١) كما مرّ نظيره (*).

______________________________________________________

أمّا على الأوّل : فلأنّ المعاملة وإن صحّت إلّا أنّ الخمس ينتقل حينئذٍ إلى العوض ، فتكون الجارية المشتراة بما فيه الخمس بنفسها متعلّقة للخمس فتتحقّق الشركة فيها كالأصل ، ومن المعلوم عدم جواز التصرّف في المال المشترك بدون إجازة الشريك.

وأمّا على الثاني : فلبطلان المعاملة بعد عدم الولاية على تبديل الخمس بغيره ، فيبقى ما يعادل حصّة الخمس على ملك مالكه المانع عن جواز التصرّف فيه ما لم يؤدّ الخمس.

(١) بناءً منه كما تقدّم على أنّ التعلّق على سبيل الكلّي في المعيّن ، إذ عليه تكون الشركة في الكلّي ، أمّا الأشخاص فهي ملك له فيجوز له التصرّف إلى أن يبقى بمقدار الخمس ، لثبوت الولاية للمالك على العين كما في سائر موارد الكلّي في المعيّن ، فلو باع صاعاً من الصبرة جاز له التصرّف في عين ماله إلى أن يبقى مقدار الصاع ، ولا يتوقّف ذلك على البناء والقصد ، بل يجوز التصرّف من غير قصد الإخراج من الباقي كما هو الحال في سائر الموارد. فالتقييد بقصد الإخراج كما في المتن في غير محلّه.

__________________

(*) وقد تقدّم الإشكال فيه [في المسألة ٢٩٥٢ التعليقة ٢].

٣٠٢

[٢٩٥٧] مسألة ٨١ : قد مرّ أنّ مصارف الحجّ الواجب إذا استطاع في عام الربح وتمكّن من المسير من مئونة تلك السنة ، وكذا مصارف الحجّ المندوب والزيارات ، والظاهر أنّ المدار (*) على وقت إنشاء السفر ، فإن كان إنشاؤه في عام الربح فمصارفه من مئونته (١) ذهاباً وإياباً وإن تمّ الحول في أثناء السفر ، فلا يجب إخراج خمس ما صرفه في العام الآخر إلّا في الإياب أو مع المقصد وبعض الذهاب.

______________________________________________________

(١) ما أفاده (قدس سره) لا يستقيم على إطلاقه ، فإنّ مصروفات الحجّ على أقسام :

منها : ما يعدّ من مئونة هذه السنة وإن كان من شأنه البقاء إلى السنة الآتية ، كشراء المركوب من دابّة أو سيّارة ونحوهما للسفر إلى الحجّ ، فحالها حال شراء الدار أو الفراش أو الألبسة أو التزويج ونحو ذلك ممّا يحتاج إليه فعلاً وإن بقي بعد الحول أيضاً حيث يستثني عن أرباح هذه السنة تحت عنوان المئونة بلا كلام ولا إشكال.

ومنها : ما لا بدّ من صرفه من الآن ولا يمكن الحجّ بدونه وإن وقع مقدار منه بإزاء الإياب ، كالأموال التي تأخذها الحكومات أو الشركات بالعناوين المختلفة ، التي منها أُجور الطائرة ذهاباً وإياباً بحيث لا مناص من الإعطاء ولا يمكن الاسترجاع ، فإنّ هذه المصارف تعدّ أيضاً من مئونة سنة الربح بطبيعة الحال وإن تمّ الحول أثناء السفر كما هو ظاهر.

ومنها : المصارف التدريجيّة التي تدفع شيئاً فشيئاً ، كالمأكولات والمشروبات

__________________

(*) المدار على الصرف في عام الربح على الأظهر.

٣٠٣

[٢٩٥٨] مسألة ٨٢ : لو جعل الغوص أو المعدن مكسباً له كفاه إخراج خمسهما أوّلاً ، ولا يجب عليه خمس آخر من باب ربح المكسب بعد إخراج مئونة سنته (١).

______________________________________________________

وأُجور المساكن في المقصد أو الإياب ، كما لو احتاج في رجوعه إلى التوقّف في الكويت أو البصرة يوماً أو أيّاماً فدفع أموالاً لمسكنه ومصرفه وقد تمّ الحول في الأثناء ، فإنّ احتساب هذه المصارف من مئونة السنة الماضية مع أنّها من مصارف هذه السنة يحتاج إلى الدليل ، ولم يقم عليه أيّ دليل.

(١) خلافاً لجماعة ، حيث ذهبوا إلى تعدّد الخمس ، نظراً إلى تعدّد العنوان. غايته أنّ الخمس بعنوان الكسب مشروط بعدم الصرف في المئونة ، وأمّا بعنوان المعدن مثلاً فلا يستثني منه إلّا مئونة الإخراج والتحصيل.

ولكن ما ذكروه لا يمكن المساعدة عليه بوجه :

أمّا أوّلاً : فلأنّ عنوان الكسب لم يذكر في شي‌ء من الأخبار وإن تداول التعبير بأرباح المكاسب في كلمات جماعة من الفقهاء ، بل الوارد في الأدلّة عنوان الفائدة ما أفاد الناس من قليل أو كثير ففيه الخمس أو الغنيمة ، بناءً على شمول الآية للمقام. فالموضوع مطلق الفائدة ، والغوص أو المعدن من أحد مصاديقها ، بحيث لو لم يرد فيهما دليل بالخصوص لقلنا فيهما أيضاً بوجوب الخمس من أجل كونهما من أحد مصاديق الفائدة كما عرفت ، غايته أنّ الأدلّة الخاصّة دلّتنا على أنّ الوجوب فيهما فوري كما هو مقتضى الإطلاق أيضاً في مثل قوله (عليه السلام) : «ما أفاد الناس من قليل أو كثير ففيه الخمس» (١) وإن خرجنا عنه بالأدلّة الخارجيّة وقيّدنا الوجوب بعدم الصرف في مئونة

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٠٣ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٦.

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

السنة بنحو الشرط المتأخّر.

وبالجملة : لا يجب الخمس في هذه الموارد بأجمعها إلّا بعنوان واحد وإن اختلفت في الأحكام من حيث استثناء المئونة وعدمها ، فلا تكرّر في العنوان ليحتاج إلى التعدّد.

وثانياً : لا يمكن الالتزام بوجوب خُمسَين حتى لو سلّمنا تعدّد العنوانين عنوان الكسب وعنوان الغوص مثلاً فإنّ النسبة بينهما وإن كانت عموماً من وجه لجواز عدم الاكتساب بالغوص كجواز كون الكسب من غير الغوص ، إلّا أنّ الالتزام بالخُمسَين إنّما يتّجه لو بنينا على مقالة ابن إدريس من تعلّق خمس الربح آخر السنة (١) ، فيلتزم حينئذٍ بوجوب خمس عند ما غاص وبوجوب خمس آخر في نهاية السنة.

لكن المبنى ساقط ، والصحيح كما مرّ تعلّق الخمس من لدن ظهور الربح ، غايته أنّ وجوبه مشروط بنحو الشرط المتأخّر بعدم الصرف في مئونة السنة. وعليه ، فمرجع الالتزام بالتعدّد أنّه حينما غاص وجب عليه خمسان : أحدهما بعنوان الغوص وهو مطلق ، والآخر بعنوان الكسب وهو مشروط بعدم الصرف في المئونة.

وهذا كما ترى منافٍ لظاهر النصوص الواردة في الغوص والمعدن ونحوهما ، حيث إنّ ظاهرها أنّ ما يستخرج بالغوص يملكه المستخرج بتمامه بعد التخميس بحيث تكون الأربعة أخماس الباقية بتمامها له ، بل قد صرّح بذلك في بعض هذه النصوص ، فلو كان عليه خمس آخر فمعناه أنّ ثلاثة أخماس العين له لا أربعة أخماسها ، وهو خلاف ظواهر الأدلّة كما عرفت.

على أنّ لازم هذا البيان أنّ من يقول بتعلّق الخمس بمطلق الفائدة كما هو

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٨٩ ٤٩٠.

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الحقّ يلزمه الإذعان بالخُمسَين حتى إذا لم يكن الغوص مثلاً مكسباً له ، كما لو غاص ومن باب الاتّفاق أخرج اللؤلؤة ، وهذا مقطوع البطلان كما لا يخفى. فإذا لم يكن متعدّداً في غير موارد الكسب لا يكون كذلك في موارد الكسب أيضاً ، لما عرفت من أنّ الكسب لا خصوصيّة له ، بل هو لأجل صدق الفائدة.

والحاصل : أنّا لو قلنا بالتعدّد في الكسب لا بدّ من القول به في غير الكسب أيضاً ، وهو مقطوع البطلان. إذن فليس في البين إلّا خمس واحد.

وملخّص الكلام في المقام : أنّا لو قلنا بأنّ الخمس في أرباح المكاسب لم يكن لخصوصيّة فيها ، وإنّما هو من باب مطلق الفائدة ، فلا فرق إذن فيمن يستخرج المعدن مثلاً بين أن يتّخذه مكسباً ومتجراً له وبين عدمه ، فكما لا خمس في فرض عدم الكسب إلّا مرّة واحدة بلا خلاف ولا إشكال ، فكذا في فرض الكسب بمناط واحد.

وأمّا لو قلنا بخصوصيّة في الكسب ، فبين العنوانين وإن كان عموم من وجه ولكن من الظاهر أنّ الغالب الشائع فيمن يستخرج المعدن أو الغوص اتّخاذه مكسباً له.

وعليه ، فالقدر المتيقّن من نصوص تخمس المعدن مثلاً وأنّ الباقي له هو المتعارف من استخراج المعدن ، أعني : ما يكون مكسباً له كما عرفت ، فلو كان ثمّة خمس آخر لَما كان تمام الباقي له ، وإنّما له ثلاثة أخماس ، لتعلّق خُمسَين من الأوّل : أحدهما مطلق ، والآخر مشروط ، مع أنّ ظاهر تلك الأخبار أنّه ليس عليه إلّا خمس واحد ، وتمام الأربعة أخماس الباقية كلّها للمالك.

فما ذكره في المتن من وحدة الخمس هو الصحيح المطابق لظواهر النصوص حسبما عرفت.

٣٠٦

[٢٩٥٩] مسألة ٨٣ : المرأة التي تكتسب في بيت زوجها ويتحمّل زوجها مئونتها يجب عليها خمس ما حصل لها من غير اعتبار إخراج المئونة ، إذ هي على زوجها (١) ، إلّا أن لا يتحمّل.

[٢٩٦٠] مسألة ٨٤ : الظاهر عدم اشتراط التكليف (*) والحرِّيّة في الكنز والغوص والمعدن والحلال المختلط بالحرام والأرض التي يشتريها الذمِّي من المسلم ، فيتعلّق بها الخمس ، ويجب على الولي والسيِّد إخراجه (٢) ، وفي تعلّقه بأرباح مكاسب الطفل إشكال ، والأحوط إخراجه بعد بلوغه.

______________________________________________________

(١) فمع قيامه بها لا موضوع للمئونة لكي تستثني ، وقد تقدّم غير مرّة أنّ العبرة بالمئونة الفعليّة وما يصرف خارجاً لا مقدارها ، ولذا يجب الخمس في موارد التقتير.

نعم ، لو امتنع زوجها عن البذل وصرفت ربحها في المئونة لم يجب الخمس بمقتضى استثناء المئونة.

وبالجملة : لا خصوصيّة للزوجة ، بل كلّ مكلّف متى حصل له الربح فإن صرفه في المئونة فلا خمس ، وإلّا ففيه الخمس.

(٢) ذكر جماعة من الفقهاء في خصوص الثلاثة أعني : الكنز والغوص والمعدن عدم الفرق بين المكلّف وغيره والحرّ والعبد ، وممّن صرّح بذلك المحقّق في الشرائع ، فإنّ صدر كلامه (قدس سره) وإن كان في الكنز ولكنّه ذكر بعد ذلك قوله : وكذلك المعدن والغوص (١). فهو كغيره من المصرّحين بالخمس في

__________________

(*) بل الظاهر هو الاشتراط ، ولا فرق فيه بين خمس أرباح المكاسب وسائر الأقسام غير الحلال المختلط بالحرام.

(١) الشرائع ١ : ٢٠٨.

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

هذه الثلاثة ولم يكن مقتصراً على الكنز.

وربّما يستشعر أو يستظهر من اقتصارهم على هذه الثلاثة اعتبار التكليف والحرّيّة فيما عداها ، كالأرض المشتراة من الذمّي أو المال المختلط بالحرام أو أرباح المكاسب ، ولكن الشيخ (قدس سره) استظهر أنّ الحكم عام لجميع الأقسام (١) ، ولعلّه كذلك ، ولا سيّما بملاحظة بعض الروايات الدالّة على ثبوت الخمس في جميع هذه الموارد بعنوان الغنيمة.

وكيفما كان ، فالظاهر أنّ المشهور هو ثبوت الخمس مطلقاً ، إمّا في هذه الثلاثة فقط أو في الجميع.

ولكنّه غير ظاهر ، لما أسلفناه في بعض المباحث السابقة من أنّ المستفاد ممّا دلّ على رفع القلم عن الصبي والمجنون استثناؤهما عن دفتر التشريع وعدم وضع القلم عليهما بتاتاً كالبهائم ، فلا ذكر لهما في القانون ، ولم يجر عليهما شي‌ء (٢).

ومقتضى ذلك عدم الفرق بين قلم التكليف والوضع ، فترتفع عنهما الأحكام برمّتها بمناط واحد ، وهو الحكومة على الأدلّة الأوّلية.

اللهمّ إلّا إذا كان هذا الرفع منافياً للامتنان بالإضافة إلى الآخرين كما في موارد الضمانات ، أو ورد فيه نصّ خاصّ كموارد التعزيرات الموكول تحديدها إلى نظر الحاكم.

أمّا فيما عدا ذلك فلم نعرف أيّ وجه لاختصاص رفع القلم بالتكليف بعد إطلاق الدليل ، بل يعمّ الوضع أيضاً.

وعليه ، فلا خمس في مال الصبي أو المجنون كما لا زكاة ، فإنّ النصّ الخاصّ وإن لم يرد في المقام كما ورد في باب الزكاة إلّا أنّه يكفينا حديث رفع القلم بعد

__________________

(١) كتاب الخمس : ٢٧٣ ٢٧٧.

(٢) شرح العروة ٢٣ : ٥ و ١٤.

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ما عرفت من شموله للوضع كالتكليف ، فلو كان هناك عموم أو إطلاق يشمل مال الصبي لم يكن بدّ من الخروج عنه بمقتضى هذا الحديث.

وهذا هو الصحيح كما قوّاه في المدارك (١) وإن كان المشهور هو الوجوب.

ولا فرق فيما ذكر بين الثلاثة المتقدّمة وبين غيرها كأرباح المكاسب ، لوحدة المناط.

نعم ، يجب الخمس بالنسبة إلى المال المختلط بالحرام ، لأنّ مقداراً من المال حينئذٍ لم يكن للصبي ، والتخميس طريق إلى التطهير ، فليس هذا حكماً ثابتاً عليه ليرتفع بالحديث ، بل ثابت له وبصالحه ، فلا يجوز للولي التصرّف في ماله قبل التخميس الذي هو في مثل المقام منّة على العباد وتخليص للحلال عن الحرام ، وليس من الإيقاع في المشقّة ليرتفع عن الصبي.

وأمّا المملوك فلا ينبغي الشكّ في شمول إطلاقات الخمس لما يستفيده ويقع في يده بعد صدق الغنيمة ، سواءً أقلنا بأنّه ملك له أم لسيِّده.

وما ورد في الروايات من أنّ المملوك ليس في ماله شي‌ء ، فكلّها ناظرة إلى الزكاة ، كما تقدّم في محلّه (٢).

__________________

(١) المدارك ٥ : ٣٨٩ ٣٩٠.

(٢) شرح العروة ٢٣ : ٢٠.

٣٠٩

فصل

في قسمة الخُمس ومستحقّه

[٢٩٦١] مسألة ١ : يقسّم الخمس ستّة أسهم على الأصحّ (١) : سهم لله سبحانه ، وسهم للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) ،

______________________________________________________

(١) كما هو المعروف والمشهور ، وتدلّ عليه طائفة من الروايات قد ادّعي أنّها متواترة إجمالاً بحيث يقطع أو يطمأنّ بصدور بعضها عن المعصوم (عليه السلام) وإن كانت بأجمعها غير نقيّة السند.

فإن تمّت هذه الدعوى فهي ، وإلّا فتكفينا الآية المباركة المصرّحة بالأسهم الستّة ، وهذا بناءً على تفسير الغنيمة بمطلق الفائدة واضح ، وكذا بناءً على الاختصاص بغنائم دار الحرب ، فإنّ الدليل المتكفّل لثبوت الخمس في سائر الموارد من الغوص والكنز والمعدن ونحوها مع عدم التعرّض لبيان المصرف يظهر منه بوضوح أنّ المراد به هو الخمس المعهود المقرّر في الشريعة المقدّسة المشار إليه وإلى مصرفه في الآية المباركة كما هو ظاهر جدّاً.

ومع ذلك قد نسب الخلاف إلى ابن الجنيد ، فذهب إلى أنّ السهام خمسة بحذف سهم الله تعالى (١) ، وربّما يظهر الميل إليه من صاحب المدارك (٢) ، استناداً

__________________

(١) حكاه في مصباح الفقاهة ١٤ : ٢٠٣.

(٢) المدارك ٥ : ٣٩٦ ٣٩٧.

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد ما يرتئيه من ضعف النصوص المتقدّمة إلى صحيح ربعي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له ، ثمّ يقسّم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه ، ثمّ يقسّم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ، ثمّ قسّم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس ، يأخذ خمس الله عزّ وجلّ لنفسه ، ثمّ يقسّم الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل ، يعطي كلّ واحد منهم حقّا ، وكذلك الإمام أخذ كما أخذ الرسول (صلّى الله عليه وآله)» (١).

ولكن لا يمكن الاستدلال بها لما نُسب إلى ابن الجنيد ، ولا التوقّف من أجلها كما نُسب إلى المدارك :

أمّا أوّلاً : فلأنها لو دلّت على الحذف فإنّما تدلّ على حذف سهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وإسقاطه لا إسقاط سهم الله تعالى كما هو المدّعى ، ولم يقل بذلك أحد حتى ابن الجنيد.

وثانياً : لا دلالة لها على ذلك أيضاً ، بل أقصاها أنّ ذلك عمل قد صدر من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وله أن يفعل في حصّته ما يشاء ، وقد أعرض عنها وبذلها لسائر الأصناف ، لا أنّه لم تكن له حصّة.

وأمّا قوله في ذيل الرواية : «وكذلك الإمام» إلخ ، فيراد به التشبيه في الأخذ كما صرّح به لا التشبيه في كيفيّة التقسيم ، وعلى تقدير الدلالة على ذلك أيضاً فالكلام هو الكلام ، ومع الإغماض فمدلول الرواية لم يعمل به أحد حتى ابن الجنيد ، فهي معارضة للقرآن تضرب عرض الجدار.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥١٠ / أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٣.

٣١١

وسهم للإمام (عليه السلام) (١) ،

______________________________________________________

(١) على المعروف والمشهور بل ادّعي الإجماع عليه من تفسير ذي القربى بالإمام (عليه السلام) ومن بحكمه كالصدّيقة الطاهرة روحي فداها وصلوات الله عليها ، وأنّ هؤلاء المعصومين هم المعنيّون من ذوي القربى الذين أُمِرنا بمودّتهم لا كلّ قريب.

ونُسب الخلاف إلى ابن الجنيد أيضاً بدعوى أنّ المراد مطلق القرابة (١) ، وإليه ذهب فقهاء العامّة.

وفيه : أنّ الروايات الدالّة على أنّ المراد به الإمام (عليه السلام) كثيرة جدّاً وإن كانت ضعيفة السند بأجمعها ، فهي نصوص مستفيضة متظافرة ، مضافاً إلى التسالم والإجماع وفيه الكفاية ، فخلاف ابن الجنيد لا يُعبأ به.

بل يمكن الاستفادة من نفس الآية المباركة ، نظراً إلى أنّ المراد من اليتيم والمسكين وابن السبيل : خصوص السادة وأقرباؤه (صلّى الله عليه وآله) من بني هاشم ، دون غيرهم بالضرورة ، فإنّ لهم الزكاة. وعليه ، فلو أُريد من ذوي القربى مطلق القرابة كانت الأسهم حينئذٍ خمسة لا ستّة ، فلا مناص من إرادة الإمام خاصّة ليمتاز أحد السهمين عن الآخر.

فإن قيل : لعلّ المراد من ذي القربى الأغنياء من بني هاشم.

قلنا : إنّ الضرورة على خلافه وإن التزم به العامّة ، فإنّ الروايات الكثيرة قد نطقت بأنّ الزكاة أوساخ ما في أيدي الناس وقد جعل الخمس بدلاً عنها لبني هاشم ، فيعتبر فيه الفقر قطعاً كما في الزكاة ، ولا يعطى للغنيّ شي‌ء.

__________________

(١) حكاه في الجواهر ١٦ : ٨٧.

٣١٢

وهذه الثلاثة الآن لصاحب الزمان أرواحنا له الفداء وعجّل الله تعالى فرجه (١) ، وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل.

ويشترط في الثلاثة الأخيرة : الإيمان (٢) ،

______________________________________________________

وبالجملة : المراد من ذي القربى غير اليتيم والمسكين وابن السبيل من السادة بمقتضى المقابلة ، وليس هو الغني منهم قطعاً ، فينحصر في الإمام بطبيعة الحال ، إذ لو كان أحد غير الفقير مورداً للخمس فليس هو إلّا الإمام.

وأيّده المحقّق بأنّ المذكور في الآية المباركة : ذي القربى بصيغة المفرد لا «ذوي القربى» ، فهو شخص واحد معيّن وليس هو إلّا الإمام ، وإلّا فقرابته كثيرون (١).

ولا بأس به تأييداً ، أمّا الاستدلال فكلّا ، لجواز أن يراد به الجنس كما في ابن السبيل.

(١) فإنّ ما كان لله فلرسوله ، وما كان للرسول فللإمام ، فبحسب النتيجة يكون الكلّ للإمام ، ثلث منها لنفسه أصالةً ، وثلثان يرجعان إليه ، كما صرّح بذلك في صحيح البزنطي عن الرِّضا (عليه السلام) في تفسير الآية الشريفة ، فقيل له : فما كان لله ، فلمن هو؟ «فقال : لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وما كان لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) فهو للإمام» إلخ (٢).

(٢) فلا يعطى الخمس لغير المؤمن وإن كان هاشميّاً فضلاً عن الكافر ، ويمكن استفادة ذلك من أمرين وإن لم يرد في المقام نصّ بالخصوص :

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٢٩ ، الشرائع ١ : ٢٠٩.

(٢) الوسائل ٩ : ٥١٢ / أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٦.

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما : التعليل الوارد في بعض نصوص منع الزكاة لغير المؤمن ، كرواية يونس بن يعقوب ، قال : قلت لأبي الحسن الرِّضا (عليه السلام) : اعطي هؤلاء الذين يزعمون أنّ أباك حيّ من الزكاة شيئاً؟ «قال : لا تعطهم ، فإنّهم كفّار مشركون زنادقة» (١) ، فإنّ التعليل يشمل الزكاة والخمس معاً بمناط واحد كما لا يخفى.

ولكن الرواية ضعيفة السند جدّاً ، فلا يصلح هذا الوجه إلّا للتأييد.

ثانيهما وهو العمدة ـ : ما تضمّنته جملة من النصوص من بدليّة الخمس عن الزكاة المعتبر فيها الإيمان إجماعاً وأنّه يعطى للمخالف الحجر كما في النصّ (٢) ، فكذا فيما هو بدل عنها ، فإنّ معنى البدليّة أنّ من كان مستحقّاً للزكاة لو لم يكن هاشميّاً فهو مستحقّ للخمس لو كان هاشميّاً عوضاً عنها ، إجلالاً عن الأوساخ ، فيعتبر فيه تحقّق شرائط الزكاة تحقيقاً للبدليّة.

والمسألة لا إشكال فيها (٣).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٢٨ / أبواب المستحقّين للزكاة ب ٧ ح ٤.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٢٣ / أبواب المستحقّين للزكاة ب ٥ ح ٧.

(٣) لا يخفى أنّ النصوص المتضمّنة صريحاً للبدليّة غير نقيّة السند ، وقد راجعناه (دام ظلّه) في ذلك فأجاب بأنّه : يمكن استفادة المطلوب ممّا دلّ على أنّ الله تعالى فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون ولو علم أنّ الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم [الوسائل ٩ : ٩ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١].

بتقريب عدم احتمال خروج السادة عن حكمة هذا التشريع ليكونوا أسوأ حالاً وأقلّ نصيباً من غيرهم ، وحيث إنّهم ممنوعون عن الزكاة بضرورة الفقه فلا جرم يستكشف بطريق الإنّ أنّ الخمس المجعول لهم قد شُرّع عوضاً وبدلاً عن الزكاة إجلالاً عن أوساخ ما في أيدي الناس.

٣١٤

وفي الأيتام : الفقر (١) ، وفي أبناء السبيل : الحاجة في بلد التسليم (٢) وإن كان غنيّاً في بلده ، ولا فرق بين أن يكون سفره في طاعة أو معصية (*) (٣).

______________________________________________________

(١) كما هو المعروف المشهور بين الفقهاء ، وينبغي أن يكون كذلك ، إذ العلّة في تشريع الخمس سدّ حاجة بني هاشم كالزكاة لغير بني هاشم ، فلا خمس للغني وإن كان هاشميّاً كما لا زكاة له ، ويؤيِّده بعض النصوص الضعيفة.

(٢) فلا يضرّ غناه في بلده كما تقدّم في الزكاة (١) ، لإطلاق الدليل ، فإنّ العبرة بالحاجة الفعليّة ، غايته أنّه يعتبر أن لا يكون متمكّناً من القرض ، لعدم صدق الحاجة حينئذٍ.

وأمّا أنّه تعتبر الحاجة الفعليّة فلا يعطى لكلّ ابن سبيل وإن نُسب الجواز إلى بعضهم ، فقد تقدّم وجهه في كتاب الزكاة (٢) وقلنا : إنّ كلمة «ابن السبيل» بنفسها ظاهرة في ذلك ، فإنّه بمعنى المحتاج في سفره الذي ليس له مأوى يعالج به الوصول إلى وطنه. فهذا مأخوذ في مفهوم ابن السبيل ومحقّق لموضوعه من غير حاجة إلى التقييد من الخارج.

(٣) هذا مشكل جدّاً كما تقدّم في الزكاة (٣) ، وقد عرفت أنّ الخمس بدل عن الزكاة فيجري عليه حكمها ، بل قد تقدّم الإشكال في جواز الإعطاء لأيّ غاية محرّمة ولو في غير السفر إذا كان ذلك إعانة على الحرام (٤).

__________________

(*) الاحتياط بعدم الإعطاء للعاصي في سفره لا يترك.

(١) شرح العروة ٢٤ : ١١٨.

(٢) شرح العروة ٢٤ : ١١٦.

(٣) شرح العروة ٢٤ : ١٩٩

(٤) شرح العروة ٢٤ : ١٩٩ ١٢١.

٣١٥

ولا يعتبر في المستحقّين العدالة (١) وإن كان الأولى ملاحظة المرجّحات ، والأولى أن لا يعطى لمرتكبي الكبائر خصوصاً مع التجاهر ، بل يقوى عدم الجواز إذا كان في الدفع إعانة على الإثم ، ولا سيّما إذا كان في المنع الردع عنه ، ومستضعف كلّ فرقة ملحق بها (٢).

______________________________________________________

أمّا إذا قلنا بحرمة الإعانة فظاهر ، ضرورة أنّ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب ، وكذا لو قلنا بعدم الحرمة ، نظراً إلى اختصاص الحرام بالتعاون دون الإعانة كما هو الصحيح ، وذلك لكونه مبغوضاً للمولى جزماً ، فلا يرضى الشارع بأن يقع مثله مصداقاً للخمس الواجب العبادي كما لا يخفى. وقد تقدّم مثله في الزكاة (١) وكلاهما من وادٍ واحد ، فلا يجوز دفع الخمس لمن يصرفه في الحرام بحيث يعدّ إعانة على الإثم حسبما عرفت.

(١) هذا ممّا ينبغي الجزم به ، إذ لا دليل على الاعتبار بوجه كما تقدّم في الزكاة (٢).

نعم ، ورد هناك عدم جواز الدفع لشارب الخمر وقلنا ثمّة : إنّه يمكن التعدّي إلى ما هو أهمّ كتارك الصلاة ، فيمكن التعدّي حينئذٍ إلى الخمس بمقتضى البدليّة ، وأنّ موردهما واحد لا يفترق عن الآخر إلّا من حيث الهاشميّة وعدمها ، ولا أقلّ من الاحتياط في ذلك.

(٢) كما في سائر الأحكام من الزواج والإرث والزكاة ونحوها ، فإنّه يلحق بتلك الفرقة ، للصدق العرفي كما لا يخفى.

__________________

(١) شرح العروة ٢٤ : ١٥١.

(٢) شرح العروة ٢٤ : ١٥٢ ١٥٦.

٣١٦

[٢٩٦٢] مسألة ٢ : لا يجب البسط على الأصناف (١) ، بل يجوز دفع تمامه إلى أحدهم ، وكذا لا يجب استيعاب أفراد كلّ صنف ، بل يجوز الاقتصار على واحد ، ولو أراد البسط لا يجب التساوي بين الأصناف أو الأفراد.

______________________________________________________

(١) هذه المسألة ممّا وقع الخلاف فيها بين الأصحاب ، فذهب جماعة ولعلّه المشهور إلى عدم وجوب البسط على الأصناف ، وذهب جماعة آخرون إلى الوجوب فيجب التوزيع على كلّ من الأصناف الثلاثة : اليتيم ، والمسكين ، وابن السبيل.

وأمّا اعتبار البسط على الأفراد من كلّ صنف فلم يذهب إليه أحد ، ولعلّه أمر متعذّر خارجاً ، أو أنّ المال لا يفي بذلك غالباً كما لو كان الخمس قليلاً جدّاً ، أو من الميقات كشاة واحدة.

وكيفما كان ، فما نسب إلى المشهور من عدم الوجوب على الأصناف فضلاً عن الأفراد هو الصحيح.

والوجه فيه : أنّ الآية المباركة وإن تضمّنت تقسيم الخمس على ستّة أقسام إلّا أنّ وجوب البسط على الأصناف الثلاثة من النصف الآخر اليتيم والمسكين وابن السبيل يتوقّف على ظهورها في ملكيّة كلّ صنف من هذه الأصناف ، بحيث يكون الطبيعي من كلّ صنف مالكاً لسدس المجموع حتى يجب التوزيع من باب وجوب إيصال المال إلى مالكه.

أمّا لو كان المالك هو الطبيعي الجامع بين هذه الأصناف وكانت هي مصارف لذلك الطبيعي بحيث يكون الصرف في كلّ منها إيصالاً لذاك الجامع ، فلا وجه لوجوب البسط عندئذٍ.

والظاهر من الآية المباركة هو الثاني ، لقرينتين تمنعان عن الأخذ بالأوّل :

٣١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

إحداهما : أنّ من تلك الأصناف ابن السبيل ، ولا ينبغي الشكّ في قلّة وجوده بالنسبة إلى الصنفين الآخرين ، بل قد لا يوجد أحياناً ، فهو نادر التحقّق.

ولازم القول بالملكيّة تخصيص سدس المغنم من كلّ مكلّف لوضوح كون الحكم انحلاليّاً لهذا الفرد الشاذّ النادر الذي ربّما لا يوجد له مصداق بتاتاً ، فيدّخر له إلى أن يوجد ، وهو كما ترى. بخلاف ما لو كان مصرفاً وكان المالك هو الطبيعي الجامع كما لا يخفى.

ثانيتهما وهي أوضح وأقوى أنّ الآية المباركة دالّة على الاستغراق لجميع أفراد اليتامى والمساكين ، بمقتضى الجمع المحلّى باللام المفيد للعموم.

وعليه ، فكيف يمكن الالتزام باستغراق البسط لآحاد الأفراد من تلك الأصناف بحيث لو قسّم على بعض دون بعض يضمن للآخرين؟! فإنّ هذا مقطوع العدم ، ومخالف للسيرة القطعيّة القائمة على الاقتصار على يتامى البلد ومساكينهم ، بل قد وقع الكلام في جواز النقل وعدمه مع الضمان أو بدونه كما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى (١).

وأمّا جواز الصرف في خصوص البلد فممّا لا إشكال فيه ، وقد جرت عليه السيرة. ومن البديهي أنّ كلمة اليتامى مثلاً لا يراد بها يتامى البلد فقط.

فهذه قرينة قطعيّة على عدم إرادة الملك وأنّ الموارد الثلاثة مصارف محضة ، ومن الواضح أنّ جعل الخمس لهم إنّما هو بمناط القرابة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عوضاً عن الزكاة المحرّمة عليهم ، ومرجع ذلك إلى أنّ النصف من الخمس ملك لجامع بني هاشم والقرابة المحتاجين من اليتامى والمساكين وأبناء السبيل ، فالمالك إنّما هو هذا الجامع الكلّي القابل للانطباق على كلّ فرد فرد.

وعليه ، فأفراد هذه الأصناف كنفسها مصارف للخمس ، لأنّ الكلّي قابل

__________________

(١) في ص ٣٣٨.

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

للانطباق على كلّ فرد فيجوز الدفع إليه ، كما كان هو الحال في مصارف الزكاة الثمانية وإنّ كان الأمر فيها أوضح ، فيتم التحفّظ على الاستغراق بعد عدم ظهور شي‌ء من الأدلّة في كون الجعل بعنوان الملكيّة بالرغم من ظهور اللّام فيها ، فترفع اليد عنه ويحمل على المصرفيّة ، ومقتضاه عدم وجوب البسط على الأصناف فضلاً عن الأفراد ، لقصور الجعل من الأوّل وعدم الدليل على الاستيعاب.

إذن فلا يجب التوزيع بتثليث نصف الخمس وإعطاء كلّ ثلث لكلّ صنف منهم ، بل يجوز دفع جميع النصف إلى صنف واحد.

وعلى الجملة : بعد ما عرفت من السيرة القائمة على عدم البسط ، ومن وضوح ندرة ابن السبيل في كلّ بلد ، بل انتفاء وجوده أحياناً كما أنّ اليتيم أقلّ وجوداً من المسكين بالضرورة. إذن فالتسوية بين العناوين الثلاثة بالتقسيم على سبيل التثليث لعلّها مقطوعة العدم ، لعدم احتمال التعادل بين حصصهم بعد الاختلاف المزبور.

على أنّ اللازم من وجوب البسط بعد ملاحظة الندرة المذكورة تعطيل سهم ابن السبيل أو الادّخار له ، وكلاهما كما ترى.

وهذا يصلح أن يكون قرينة على أنّ التسهيم إلى الثلاثة في الآية المباركة والروايات إنّما هو لبيان المصرف وليس تمليكاً لثلث النصف لكلّ صنف منهم.

وبعبارة اخرى : بعد الفراغ عن عدم إرادة التمليك بالنسبة إلى أفراد كلّ صنف على نحو الاشتراك ، وإنّما المراد مصرفيّة كلّ

منهم حسبما عرفت ، فيدور الأمر حينئذٍ بين إرادة تمليك جنس اليتيم وجنس المسكين وكذا ابن السبيل ليقتضي البسط على الأصناف ولزوم التقسيم بينهم أثلاثاً ، وبين إرادة تمليك جنس الثلاثة الجامع بينهم وهو المحتاج من بني هاشم ليقتضي عدم البسط.

٣١٩

[٢٩٦٣] مسألة ٣ : مستحقّ الخمس من انتسب إلى هاشم بالأُبوّة ، فإن انتسب إليه بالأُمّ لم يحلّ له الخمس (١) وتحلّ له الزكاة.

______________________________________________________

وإذ لا قرينة على الأوّل فالمقتضي أعني : دلالة النصّ على التوزيع والبسط قاصرة ، بل القرينة على خلافه قائمة ، وهي ما عرفت من ندرة وجود ابن السبيل المستلزمة لتعطيل هذا السهم.

وعليه ، فيكفي دفع نصف الخمس إلى صنف واحد من السادة ، لانتفاء الدليل على لزوم البسط والتثليث.

أضف إلى ذلك كلّه أنّ الخطاب في الآية الشريفة لمّا كان متوجّهاً إلى آحاد المكلّفين كلّ بالنسبة إلى ما غنمه فالحكم طبعاً ممّا يبتلى به كثيراً.

وعليه ، فلو وجب البسط لظهر وبان وشاع وذاع ، بل أصبح من الواضحات ، فكيف ذهب المشهور إلى عدم الوجوب حسبما عرفت؟! هذا كلّه بالنسبة إلى المالك المكلّف بإخراج الخمس.

وأمّا بالنسبة إلى وليّ الأمر الذي تجتمع عنده الأخماس كالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) أو نائبه الخاصّ أو العامّ ، فلعلّ الأمر أوضح ، إذ لم يقم أيّ دليل على وجوب البسط بالإضافة إليه ، بل الدليل على خلافه ، وهو صحيحة البزنطي (١) الناطقة بأنّ أمر ذلك إلى النبيّ والإمام وأنّه إنّما يعطي حسبما يرى ، فله الاختيار في البسط وعدمه طبق ما تقتضيه المصلحة.

(١) المعروف والمشهور بين الأصحاب عدا ما نُسب إلى السيِّد المرتضى (قدس سره) أنّ العبرة في الانتساب إلى هاشم المعتبر في استحقاق الخمس

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥١٩ / أبواب قسمة الخمس ب ٢ ح ١.

٣٢٠