موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

لا توجب عدم صدق الربح في المتأخّر ، فلا تنجبر به حتى في تجارة واحدة ، كما كان كذلك في خسارة السنة السابقة ، ونحوهما ما يصرف في المئونة قبل ظهور الربح.

وبالجملة : يختصّ الجبر بالربح السابق والخسارة اللاحقة ، إذ حينئذٍ لا يصدق أنّه استفاد ، فإنّ الربح المتعقّب بالخسران في حكم العدم ، فما تسالمت عليه كلماتهم من تدارك الخسارة بالربح في التجارة الواحدة فضلاً عن المتعدّدة لا بدّ من تقييده بالخسارة المتأخّرة ، وأمّا المتقدّمة فحالها حال الخسارة في السنة السابقة في عدم انجبارها بالربح اللّاحق.

وملخّص الكلام في المقام : أنّه لا خلاف بين الأعلام في انجبار الخسارة اللّاحقة بالربح السابق في سنة واحدة لأنّ الربح وإن صدق حدوثاً إلّا أنّه لا ربح بقاءً بعد تبدّله بالخسران ، ففي الحقيقة لم يربح وإنّما هو صورة الربح.

وأمّا عكس ذلك ، كما لو خسر في الشهر الأوّل وربح في الشهر الثاني ، فقد حكم الماتن بالجبر فيه أيضاً ، وهو وجيه على مسلكه من جعل مبدأ السنة أوّل الشروع في الكسب.

ولكنّك عرفت فيما سبق عدم الدليل عليه ، إذ لم نجد في الروايات ما يشهد له ، بل الموضوع فيها الغنيمة والإفادة والاستفادة ونحو ذلك ممّا يكشف عن أنّ المبدأ هو ظهور الربح مشروطاً بعدم الصرف في المئونة.

وأمّا ما تقدّم على الربح من صرف شي‌ء في المئونة أو الخسارة فلم يدلّ أيّ دليل على انجباره بالربح المتأخّر.

نعم ، لا ريب في الانجبار بالإضافة إلى مئونة التجارة ، أي ما يصرف في سبيل تحصيل الربح ، فيستثنى ما يبذل لأجل استخراج الكنز أو المعدن أو الاتّجار من ضريبة أو اجرة حمّال أو مكان أو كتابة أو برقيّة ونحو ذلك ممّا

٢٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

يتوقّف عليه الاستنتاج والاسترباح ، لأنّ الخمس بعد المئونة ، بل لا ربح إلّا فيما عداها.

بل لا يتقيّد ذلك بالسنة أيضاً وإن كان التقييد يظهر من بعض الكلمات ، فلو اشتغل باستخراج المعدن أو نسج السجّاد سنين وبذل خلالها أموالاً فإنّ ذلك كلّه يستثني من الربح بلا خلاف ولا إشكال ، إذ التقييد بالسنة إنّما ثبت في مئونة الشخص وعائلته لا في مئونة الربح كما لا يخفى.

هذا كلّه في تجارة واحدة.

وأمّا لو فرّق رأس المال في نوعين أو أنواع من التجارة كتجارة القماش وتجارة الطعام فربح في أحدهما وخسر في الآخر ، فهل يلتزم بالجبر حينئذٍ على الشرط المتقدّم من تقدّم الربح على الخسارة ، وإلّا ففي صورة العكس الكلام هو الكلام ، فإنّا إذا لم نلتزم بالجبر في نوع واحد ففي نوعين بطريق أولى؟

ربّما يستشكل في ذلك بأنّ كلّاً منهما موضوع مستقلّ فلا موجب للجبر ، بل نُسب إلى الجواهر أنّه قوّى ذلك (١) ، ولكن السيِّد الماتن احتاط فيه ، وأخيراً قوّى الجبر وهو الصحيح.

فإنّ همّ التاجر وغايته الوحيدة إنّما هو الاسترباح وتوفير المال ولا نظر له إلى خصوصيّات الأفراد التي فرّق فيها رأس ماله ، بل العبرة بملاحظة المجموع وإن تشعّبت فروعه وتشتّتت.

بل أنّ هذا هو الغالب في الكسبة العاديّين من أرباب الحوانيت ، حيث يشتمل محلّ تجارتهم على أنواع مختلفة وبضائع متفرّقة من ماش وعدس وأرز ولبن وصابون ونحوها ممّا قد يتجاوز عشرات المواد ، فإنّ ذلك كلّه كسب

__________________

(١) الجواهر ١٦ : ٦١.

٢٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

واحد عرفاً وإن تشكّل من أجناس عديدة قد تفرّق فيها رأس المال في سبيل تحصيل الربح ، فلو ربح في البعض وخسر في البعض الآخر فمعناه : أنّه لم يربح ، لبقاء رأس ماله على حاله من أجل الخسارة الواردة عليه ، فهو في آخر السنة يحاسب المجموع فيتحصّل الانجبار بطبيعة الحال.

ولو تنازلنا وفرضنا الشكّ في صدق الاستفادة في هذه السنة من أجل الشكّ في الجبر كان مقتضى الأصل البراءة عن وجوب الخمس ، للشكّ في تحقّق موضوعه وهو الربح الباقي إلى نهاية السنة ، فمجرّد الشكّ كافٍ في جريان نتيجة الجبر ، مع أنّا لا نكاد نشكّ أبداً ، بل الظاهر بحسب الصدق العرفي عدم الفرق بين النوع الواحد والنوعين في تحقّق الجبر بمناط واحد حسبما عرفت.

إنّما الكلام فيما لو كان الشغل مختلفاً ، كما لو كان تاجراً وزارعاً فربح في أحدهما وخسر في الآخر ، فهل يحكم بالجبر حينئذٍ؟

أفتى (قدس سره) بالعدم ، نظراً إلى تعدّد العنوان.

ولكن للمناقشة فيه مجال ، إذ العنوان وإن تعدّد إلّا أنّ شيئاً منها لم يكن ملحوظاً بالذات ، بل الكلّ مقدّمة للاسترباح ولتحصيل المال ، والاختلاف إنّما هو في سبل تحصيله ، فهو في آخر السنة يلاحظ مجموع العائد من كسبه المنشعب إلى قسمين أو أقسام ، فإذا ربح في البعض وخسر في الآخر يجري الكلام المتقدّم حينئذٍ من أنّه لم يربح بمقدار خسارته ، ولا أقلّ من الشكّ في صدق الاستفادة وشمول الأدلّة له ، ومقتضى الأصل البراءة عن الوجوب ، ولكن الاحتياط في محلّه.

والمتحصّل من جميع ما مرّ : أنّ الأظهر هو الجبر ، سواء أتعدّد العنوان أم اتّحد ، وسواء أتعدّدت الأنواع في العنوان الواحد أم اتّحدت ، مع فرض تقدّم الربح على الخسارة ، دون العكس ، حيث إنّ الربح المتعقّب بالخسارة كأنه لا ربح.

٢٨٣

[٢٩٥١] مسألة ٧٥ : الخمس بجميع أقسامه متعلّق بالعين (١) ،

______________________________________________________

ولمزيد التوضيح في وجهه نقول : إنّه يدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع والسيرة القطعيّة أنّك قد عرفت أنّ الخمس وإن كان متعلّقاً بالمال من الأوّل كتاباً وسنّة لكن وجوبه مشروط بعدم الصرف في المئونة بنحو الشرط المتأخّر ، وعلى هذا بنينا جواز الإبقاء احتياطاً للمئونة ، بل لم نستبعد الجواز حتى مع القطع بالعدم كما تقدّم. فيكشف الصرف عن عدم الوجوب من الأوّل ، لفقد شرطه ، فله الإبقاء إلى نهاية السنة ، فإنّ صرفه فلا خمس ، وإلّا خمّسه. ومن ثمّ أوعزنا إلى أنّ الوجوب يثبت آخر السنة وإن كان الحقّ متعلّقاً من الأوّل ، فلا يجب الإخراج أثناء السنة وإن جاز له ذلك. هذا هو المستفاد من مجموع الأخبار.

ولازم ذلك بحسب الفهم العرفي أنّ موضوع الوجوب هو الربح الباقي ، ولا يكفي فيه مجرّد الحدوث. وعليه ، فمع عروض الخسران لا ربح بقاءً ، إذ لا يصدق عرفاً أنّه ربح في تجارته في هذه السنة ، بل كان له ربح وقد زال وكان مرخّصاً في التأخير لأجل المئونة حسبما عرفت ، فلا موضوع للخمس ، وكأنّه لم يربح ولم يتّجر. ومع التنزّل فلا أقلّ من الشكّ ، إذ لا ندري أنّ موضوع الحكم هل هو الربح الحادث أو الباقي؟ فيرجع إلى أصالة البراءة عن الوجوب.

(١) كما في الزكاة من غير خلاف فيه ، وتقتضيه ظواهر الأدلّة من الكتاب والسنّة ، حيث تضمّنت إسناد الخمس إلى نفس العين بتعابير مختلفة من قوله : «خمسة» أو : «فيه الخمس» أو : «الخمس عليه» أو : «فيه» ونحو ذلك ممّا يظهر منه التعلّق بنفس الموضوعات والأعيان الخارجية دون الذمّة.

٢٨٤

ويتخيّر المالك بين دفع خمس العين أو دفع قيمته من مال آخر نقداً أو جنساً (*) (١).

______________________________________________________

(١) فلا يجب الإخراج من نفس المال ، بل يجوز من مالٍ آخر. ولعلّ هذا هو المتسالم عليه بين الأصحاب وإن لم يذكروا ذلك إلّا في باب الزكاة ، وكأنّه لبنائهم على الاشتراك في هذه الأحكام. إنّما الكلام في دليله.

أمّا جواز التصرّف أثناء السنة في ماله والتبديل بمال آخر فلا إشكال فيه ، لعدم كون المالك محجوزاً ومحجوراً عليه قبل تمام السنة بمجرّد ظهور الربح ، بعد وضوح كون الخمس مشروطاً بعدم الصرف في المئونة ، وهذا خارج عن محلّ الكلام.

بل الكلام فيما بعد حلول الحول واستقرار الخمس وأنّه هل يجوز الإخراج عندئذٍ عن مال آخر أو لا؟

لم يرد في المقام أيّ دليل يدلّ على الجواز حتى من النقود فضلاً عن العروض.

نعم ، يمكن الاستدلال بما تمسّك به الفقهاء لذلك في باب الزكاة بدعوى شموله للمقام أيضاً ، وهي صحيحة البرقي ، قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : هل يجوز أن أُخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب دراهم قيمة ما يسوى ، أم لا يجوز إلّا أن يخرج عن كلّ شي‌ء ما فيه؟ فأجاب (عليه السلام) : «أيّما تيسّر يخرج» (١).

__________________

(*) في جواز الدفع من جنس آخر إشكال بل منع ، نعم يجوز بإذن الحاكم الشرعي أو وكيله.

(١) الوسائل ٩ : ١٩٢ / أبواب زكاة الغلّات ب ٩ ح ١.

٢٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّ ما يجب في الحرث بعد التقييد بالحنطة والشعير وإن كان ظاهراً في الزكاة ، لكن ما يجب في الذهب مطلق يشمل الخمس أيضاً ، كما لو كان هبة أو اجرة أو ثمناً ، سيّما في تلك الأزمنة التي كان الذهب شائعاً والمعاملة عليه رائجة.

فهذه الصحيحة وإن تمسّك بها الأصحاب في باب الزكاة وذكرها صاحب الوسائل في ذاك الباب ، إلّا أنّه يمكن التمسّك بإطلاقها وأنّ العبرة بمطلق ما وجب في الذهب ، سواء أكان زكاة أم خمساً ، وقد حكم (عليه السلام) بكفاية الإخراج بكلّ ما تيسّر وإن كان من خارج العين.

ومع التنازل والغضّ عمّا ذكر فلا ينبغي التأمّل في أنّ نظر السائل لم يكن مقصوراً على خصوص الزكاة ، فإنّ هذا لو كان مذكوراً في كلام الإمام (عليه السلام) لأمكن دعوى الاختصاص وأنّ للزكاة خصوصيّة لا نعرفها ، ولكنّه مذكور في كلام السائل ، ولعلّ من المقطوع به عدم الفرق في نظره بين الخمس والزكاة كما لا يخفى.

فالاستدلال بهذه الصحيحة للمقام وجيه وفي محلّه.

إلّا أنّ الاشكال في التعدّي إلى أموال أُخر غير النقدين ، فإنّ مثل الدرهم ممّا ينتفع به الفقير في حوائجه بل هو أنفع ، حيث يصرفه فيما يشاء كما عبّر به في النصّ. وأمّا غيره وإن كان بقيمته كدفع كتاب الجواهر لفقير يسكن البادية مثلاً فلا يستفيد منه بوجه.

وبالجملة : فدفع القيمة بما كان من قبيل العروض مشكل جدّاً ، فإن تمّ إجماع ولا يتمّ وإلّا فالتعدّي في غاية الإشكال.

نعم ، لا ريب في التعدّي إلى سائر النقود وعدم الاختصاص بالدرهم وإن تضمّنه النصّ ، للقطع بعدم الخصوصيّة كما تقدّم في زكاة الفطرة.

٢٨٦

ولا يجوز له التصرّف في العين قبل أداء الخمس (١) وإن ضمنه في ذمّته ، ولو أتلفه بعد استقراره ضمنه (٢) ، ولو اتّجر به قبل إخراج الخمس (٣) كانت المعاملة

______________________________________________________

(١) أي التصرّف في تمام العين بعد استقرار الخمس ومضيّ الحول ، إمّا تصرّفاً خارجيّاً كلبس العباءة مثلاً أو اعتباريّاً كبيعها. وأمّا التصرّف في البعض فسيتعرّض له في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى. فمحلّ كلامه التصرّف في مجموع العين قبل أداء الخمس.

والوجه في عدم الجواز كون العين مشتركاً فيها بينه وبين أرباب الخمس ولو كان بنحو الشركة في الماليّة ، فلا يجوز التصرّف من دون إذن من الشريك أو من وليّه كالحاكم الشرعي ، ولا دليل على جواز النقل إلى الذمّة بأن يضمن ويبني على الأداء من مال آخر ، إذ لم ينهض دليل على ولايته على ذلك بوجه.

نعم ، لو أدّى خارجاً ملك العين أجمع ، وأمّا مجرّد البناء على الأداء فلا أثر له.

(٢) مراده (قدس سره) من الإتلاف مطلق الصرف ولو في المئونة ، لا خصوص الإتلاف إسرافاً ، كيف؟! والضمان متحقّق حينئذٍ حتى قبل الاستقرار ، أي في أثناء السنة ، لما عرفت من أنّ الخمس متعلّق من الأوّل ، غايته بشرط عدم الصرف في المئونة ، فلو أتلفه سرفاً وفي غير المئونة ضمن من غير فرق بين أثناء الحول وما بعده. فمراده من الصرف أعمّ ، ولذا عبّر بالاستقرار ، فلو أُتلف يضمن ، لأنّه أتلف ما ليس له كما هو ظاهر.

(٣) تعرّض (قدس سره) لحكم الاتّجار بالمال بعد استقرار الخمس وقبل إخراجه. وأمّا قبل الاستقرار فقد مرّ أنّه لا إشكال في جوازه (١) ، لأنّ الوجوب إنّما يستقرّ في آخر السنة ، فقبله مخوّل له التصرّف في المئونة وغيرها والاتّجار

__________________

(١) في ص ٢٤٦ ٢٤٨.

٢٨٧

فضوليّة (*) بالنسبة إلى مقدار الخمس ، فإن أمضاه الحاكم الشرعي أخذ العوض ، وإلّا رجع بالعين بمقدار الخمس إن كانت موجودة وبقيمته إن كانت تالفة ، ويتخيّر في أخذ القيمة بين الرجوع على المالك أو على الطرف المقابل الذي أخذها وأتلفها.

هذا إذا كانت المعاملة بعين الربح.

وأمّا إذا كانت في الذمّة ودفعها عوضاً فهي صحيحة ولكن لم تبرأ ذمّته بمقدار الخمس ويرجع الحاكم به (**) إن كانت العين موجودة وبقيمته إن كانت تالفة ، مخيّراً حينئذٍ بين الرجوع على المالك أو الآخذ أيضاً.

______________________________________________________

به على النحو المتقدّم ، أي التخميس آخر السنة لو لم يصرف في المئونة.

فالكلام فعلاً في الاتّجار بعد الاستقرار ووجوب الأداء.

وحينئذٍ فقد يفرض الاتّجار بثمن أو مثمّن في الذمّة وفي مقام الوفاء يؤدّي من العين الذي استقرّ فيها الخمس عصياناً أو نسياناً ، ففي مثله لا ينبغي الشكّ في صحّة المعاملة ، غايته أنّ في موارد عدم شمول أدلّة التحليل يبقى الخمس في العين ولم يتحقّق الأداء بمقداره فيسترجعه الحاكم الشرعي مع بقائه ، وأمّا مع تلفه فيضمنه كلٌّ ممّن انتقل عنه ومن انتقل إليه على ما هو الشأن في تعاقب الأيدي ، فللحاكم مراجعة كلّ منهما ، غايته أنّه لو رجع إلى الثاني رجع هو إلى الأوّل ، ولا عكس.

وأُخرى : يفرض الاتّجار بعين الربح ، وحينئذٍ فإن قلنا بصحّة المعاملة الصادرة

__________________

(*) تقدّم الكلام فيه [في المسألة ٢٩٢٨ التعليقة ٦].

(**) بل يرجع على الدافع مطلقاً على ما تقدّم.

٢٨٨

[٢٩٥٢] مسألة ٧٦ : يجوز له (*) أن يتصرّف في بعض الربح ما دام مقدار الخمس منه باقياً في يده مع قصد إخراجه من البقيّة ، إذ شركة أرباب الخمس مع المالك إنّما هي على وجه الكلّي في المعيّن (١) ،

______________________________________________________

ممّن لم يؤدّ الخمس إذا باع لشيعي ملتزم بالخمس عملاً بنصوص التحليل كما هو الصحيح فلا إشكال بالنسبة إلى من انتقل إليه ولم يكن عليه أيّ شي‌ء ، لأنّ وليّ الأمر قد أمضى هذه المعاملة ، وأمّا من انتقل عنه فبما أنّه أتلف الخمس فيكون ضامناً له ويرجع الحاكم الشرعي إليه خاصّة.

وأمّا لو أنكرنا شمول نصوص التحليل للمقام وألحقناه بالزكاة كما هو المعروف ، أو كان البيع لغير الشيعي ، فيجري فيه ما ذكرناه هناك من فساد المعاملة في حصّة الخمس ، لأنّه باع مالاً يملك خمسه ، فلا جرم يتوقّف على إجازة الحاكم الشرعي ، فإن أجاز رجع إلى خمس الثمن ، وإلّا فمع بقاء العين يسترجعها بنفسها ، ومع التلف يرجع إلى كلّ منهما كما في تعاقب الأيدي ، ومع رجوعه إلى الثاني يرجع هو إلى الأوّل ، ولا عكس كما عرفت.

(١) لا يخفى أنّ القول بجواز التصرّف في بعض الربح مبني على أحد أمرين :

الأوّل : ما اختاره في كيفيّة التعلّق من كونه من قبيل الكلّي في المعيّن ، إذ عليه لا شركة في نفس الأشخاص ، بل هي باقية على ملك المالك ، فله التصرّف في بعض الأطراف ما دام يبقى للكلّي مقدار يقبل الانطباق عليه.

ولكن المبنى غير تام ، لعدم الدليل عليه ، بل الدليل على خلافه في المقام ، كما ستعرف.

__________________

(*) فيه إشكال بل منع ، وكونه من قبيل الكلّي في المعيّن ممنوع ولا يبعد أن يكون من باب الإشاعة ولا موجب لقياسه بالزكاة بعد ظهور أدلّته في الإشاعة.

٢٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : أنّه من قبيل الشركة في الماليّة ، كما في الزكاة على ما تقدّم تقريره في محلّه (١) ، وأنّ الشركة في المالية تفارق الإشاعة في أنّها لا تستوجب المنع عن التصرّف في البعض ، إذ الماليّة كلّي قابل للانطباق على أبعاض العين ، فله التصرّف فيما شاء منها.

ويندفع أوّلاً : بأنّه لا موقع لقياس الخمس على الزكاة ، بعد ظهور الأدلّة الواردة فيه في الإشاعة ، حسبما تعرفه في التعليق الآتي.

وثانياً : بأنّ الشركة في الماليّة أيضاً مانعة عن التصرّف ، لعدم كون الماليّة المزبورة كلّيّة ، وإنّما هي سارية في جميع أجزاء العين ، فكلّ جزء من الأجزاء مشترك بين المالك والمستحقّ ، لكن لا بشخصيّته بل بماليّته ، نظير شركة الزوجة مع الورثة في ماليّة البناء وإن لم ترث من نفس الأعيان.

ومن ثمّ لم يكن للوارث التصرّف قبل أداء حقّ الزوجة ، لسريان الماليّة المشتركة في تمام الأجزاء بالأسر كما عرفت.

وبالجملة : فالشركة في الماليّة لا تستوجب جواز التصرّف ، بل هي أيضاً مانعة ، كما في إرث الزوجة.

نعم ، نلتزم بجواز ذلك في باب الزكاة ، استناداً إلى ما ورد فيها من نصوص العزل وجواز الإفراز وأنّ للمالك الولاية على تعيين الزكاة في بعض العين ، وإذا صحّ تعيين تمام الزكاة صحّ تعيين بعضها أيضاً جزماً ، كما لو أراد عزل نصف الزكاة أو ربعها مثلاً لعدم انحصار العزل في عزل مجموع ما عليه من الزكاة بالضرورة.

وبما أنّ لازم العزل تعيين حصّة المالك في الباقي فنصوص العزل تدلّنا

__________________

(١) شرح العروة ٢٣ : ١٧٢ ١٧٣.

٢٩٠

كما أنّ الأمر في الزكاة أيضاً كذلك وقد مرّ في بابها (١).

______________________________________________________

بالملازمة العرفيّة على ولاية المالك على تعيين حصّته الشخصيّة من العين بتمامها وإفرازها عن العين المشتركة ، وبالطريق الأولى له تعيين بعض الحصّة.

فبهذا البيان يمكن الالتزام بجواز تصرّف المالك في بعض العين ، لأنّ تصرّفه في البعض مرجعه إلى تعيين حصّته كلّاً أو بعضاً وأنّ هذا له والزكاة في الباقي ، فنستفيد من دليل جواز العزل جواز تعيين المالك مقداراً من المال لنفسه بحيث لا يشترك الفقير معه فيه. فإذن جواز التصرّف في المال الزكوي في بعض النصاب مستفاد من هذا الدليل ، وأمّا في باب الخمس فلم يرد مثل هذا الدليل ، إذ لم يدلّ أيّ دليل على جواز العزل فيه بحيث لو تلف المعزول لم يضمن ، ومعلوم أنّ أحكام الزكاة لا تجري بأجمعها في الخمس.

وعليه ، فمقتضى القاعدة عدم جواز التصرّف في باب الخمس ، لأنّ التصرّف في المال المشترك بدون إذن الشريك يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل حسبما عرفت.

(١) تقدّم في كتاب الزكاة أنّ النصوص الواردة في العين الزكويّة على طوائف (١) :

فمنها : ما هو ظاهر في أنّ التعلّق بنحو الفرد المردّد مثل قوله (عليه السلام) : «في كلّ أربعين شاة شاة» ، حيث إنّ ظاهرها أنّ فرداً مردّداً بين الأربعين متعلّق للزكاة وهو المعبّر عنه بالكلّي في المعيّن.

ومنها : ما هو ظاهر في الإشاعة مثل قوله (عليه السلام) : «فيما سقته السماء العشر» ، فإنّ التعبير بالكسر المشاع ظاهر في الشركة الحقيقيّة.

ومنها : ما هو صريح في الشركة في الماليّة مثل قوله (عليه السلام) : «في كلّ

__________________

(١) شرح العروة ٢٣ : ٣٨٤ ٣٩٠.

٢٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

خمس من الإبل شاة» ، ضرورة عدم كون الشاة من أفراد الإبل ، فلا معنى للكلّي في المعيّن ولا الإشاعة ، فطبعاً يكون كالصريح في إرادة الشركة في الماليّة. ونحوه ما ورد في نصاب البقر من أنّه «في كلّ ثلاثين تبيعة ، وفي كلّ أربعين مسنّة» ، إذ قد لا يكون شي‌ء من الثلاثين مشتملاً على التبيعة ولا الأربعين على المسنّة.

نعم ، لو كان المراد ثبوت الشاة في الذمّة ودفعها من خارج العين الزكويّة أمكن حينئذٍ أن يكون التعلّق بوجهٍ آخر ، لكنّه خلاف ما تنادي به الأخبار من التعلّق بنفس الأعيان ، وحيث إنّ الشاة لا تكون في الإبل فلا جرم كان المعنى : أنّها ثابتة في ماليّتها.

ويعضده ما ورد في بعض الأخبار من أنّ الله أشرك الفقراء في أموال الأغنياء (١) ، فإنّه حيث لا شركة حقيقيّة في نفس العين حسبما عرفت فلا مناص من إرادة الشركة في الماليّة.

هذا ، وبما أنّ من المقطوع به أنّ كيفيّة التعلّق في جميع الأجناس الزكويّة على نمط واحد وسنخ فأرد ، لعدم احتمال الاختلاف باختلاف الأجناس كما يفصح عنه التعبير عن الكلّ بعنوان واحد وهو الصدقة في قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) إلخ (٢) ، وكذا ما ورد عنه (صلّى الله عليه وآله) من فرض الزكاة في تسعة أشياء (٣) ، الظاهر في أنّ الجميع على نسق واحد.

فلا مناص حينئذٍ من رفع اليد عن ظاهر بعض النصوص بصراحة الآخر ، فيحمل على إرادة الشركة في الماليّة في الجميع ، لما عرفت من صراحة البعض فيه بحيث لا يقبل التأويل ، أمّا غيره فلا يعدو عن الظهور القابل لرفع اليد عنه

__________________

(١) انظر الوسائل ٩ : ٢١٩ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤ ح ٤.

(٢) التوبة ٩ : ٦٠.

(٣) الوسائل ٩ : ٥٤ / أبواب ما تجب فيه وما ... ب ٨ ح ٢ ، ٣ ، ٤.

٢٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والحمل على ما عرفت ، جمعاً بين الأخبار.

ومن ثمّ التزمنا هناك بأنّ التعلّق إنّما هو على سبيل الشركة في الماليّة كما تقدّم.

وأمّا في باب الخمس فالأدلّة بين ما هو ظاهر في الإشاعة والشركة الحقيقيّة وبين ما لا ينافي ذلك ، فمثل قوله تعالى (فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ) (١) ظاهرٌ في أنّ المتعلّق هو خمس المغنم نفسه على نحوٍ يكون الخمس المشاع للمستحقّ ، والأربعة أخماس الباقية للمالك ، نظير قولك : بعت أو وهبت خمس الدار ، الذي هو ظاهر في الكسر المشاع بلا إشكال.

وهكذا قوله (عليه السلام) في موثّقة سماعة : «ما أفاد الناس من قليل أو كثير ففيه الخمس» ، فإنّ الكسر المشاع جزء من المركّب المشتمل عليه. وبهذه العناية صحّت الظرفيّة ، إذ الكلّ مشتمل على الجزء ، نظير قولك : الرأس في الجسد أو اليد في البدن.

وأمّا ما ورد من أنّ الخمس على خمسة أشياء أو من خمسة أشياء (٢) فمفاده أنّ الخمس ثابت على هذه الأُمور ، أو يخرج من هذه الأُمور ، وأمّا أنّ كيفيّة التعلّق بتلك الأُمور بأيّ نحو فلا دلالة لهذه الأخبار عليها بوجه ، بل هي ساكتة عن هذه الناحية. فغايته أنّها لا تدلّ على الإشاعة لا أنّها تدلّ على خلافها.

إذن فلا مانع من الأخذ بما عرفت ممّا كان ظاهراً في الإشاعة ، لسلامته عن المعارض. وبذلك يمتاز المقام عن باب الزكاة.

ودعوى أنّ الخمس قد شُرِّع لبني هاشم بدلاً عن الزكاة أو عوضاً عنها كما

__________________

(١) الأنفال ٨ : ٤١.

(٢) الوسائل ٩ : ٤٨٥ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٢.

٢٩٣

[٢٩٥٣] مسألة ٧٧ : إذا حصل الربح في ابتداء السنة أو في أثنائها فلا مانع من التصرّف فيه بالاتّجار (١) وإن حصل منه ربح لا يكون ما يقابل خمس الربح الأوّل منه لأرباب الخمس ، بخلاف ما إذا اتّجر به بعد تمام الحول فإنّه إن حصل ربح كان ما يقابل الخمس من الربح لأربابه مضافاً إلى أصل الخمس فيخرجهما أوّلاً ثمّ يخرج خمس بقيّته إن زادت على مئونة السنة.

______________________________________________________

نطقت به النصوص ، ومقتضى عموم البدليّة المساواة في جميع الأحكام التي منها كيفيّة التعلّق ، فتكون هنا أيضاً على سبيل الشركة في الماليّة كما في الزكاة.

مدفوعة بأنّ البدليّة ناظرة إلى نفس الحقّ ، إجلالاً لهم عن أوساخ ما في أيدي الناس كما في النصّ ولا نظر فيها إلى الأحكام المترتّبة عليه بوجه. هذا أوّلاً.

وثانياً : لو سلّمنا تعلّق النظر إلى الأحكام فإنّما يسلم في المقدار الذي لم يثبت خلافه ، فإنّ موارد الاختلاف بينهما في الآثار والأحكام غير عزيزة كما لا يخفى. فليكن المقام من هذا القبيل بعد مساعدة الدليل حسبما عرفت.

وعليه ، فالقول بأنّ كيفيّة التعلّق في باب الخمس إنّما هي على سبيل الإشاعة والشركة الحقيقيّة غير بعيد بالنظر إلى الأخبار ، على خلاف باب الزكاة.

(١) تقدّم أنّ الخمس وإن كان متعلّقاً من الأوّل إلّا أنّ وجوبه مشروط بعدم الصرف في المئونة ، فيجوز التأخير في الإخراج إلى نهاية السنة ، كما يجوز التصرّف خلالها في الربح كيفما شاء بالتبديل إلى عين اخرى والاتّجار به ، لعدم كونه محجوراً عن التصرّف بالضرورة.

إنّما الكلام فيما لو تاجر وربح ثانياً وثالثاً وهكذا قبل انتهاء السنة بحيث حصل من الربح ربح آخر ، فهل المقدار المقابل لخمس الربح الأوّل من الربح

٢٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني يختصّ بأرباب الخمس ، أو أنّ الربح كلّه للمالك ولا يجب عليه إلّا تخميس المجموع؟

مال في الجواهر إلى الأوّل (١) ، وجعله في نجاة العباد أحوط إن لم يكن أقوى ، نظراً لتبعيّة النماء للأصل.

ولتوضيح موضوع المسألة نذكر المثال الذي ذكره في الجواهر ، وهو أنّه لو ربح أوّلاً ستمائة وكانت مئونته إلى نهاية السنة مائة فأخرجها واتّجر بالباقي وهو خمسمائة فربح بها خمسمائة اخرى بحيث كان كلّ جزء من الربح الثاني ربحاً لما يعادله من الربح الأوّل ، فتمام الخمس حينئذ مائتان وثمانون : مائة من الربح الأوّل ، ومائة اخرى من الربح الثاني ، من أجل كونها نماءً وربحاً لخمس الربح الأوّل كما عرفت ، حيث إنّ رأس المال في التجارة الثانية مشترك بينه وبين أرباب الخمس ، فلا جرم كان ما بإزاء سهمهم من الربح لهم كنفس الأصل ، فهو كما لو اتّجر بمال مشترك بينه وبين زيد في كون الربح مشتركاً بينهما. وعليه ، فيكون الباقي من الربح الثاني أربعمائة ، وخمسه ثمانون ، فيكون المجموع مائتين وثمانين.

وأمّا على القول الآخر فالخمس تمام المائتين خمس الألف الذي هو مجموع الربحين.

ولكن الذي ذكره (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه بوجه كما نصّ عليه شيخنا الأنصاري (قدس سره) (٢) ومن تبعه ، لكونه على خلاف السيرة القطعيّة أوّلاً ، فإنّ عمل المتشرّعة قد استقرّ على ملاحظة مجموع الأرباح آخر السّنة بالضرورة.

__________________

(١) الجواهر ١٦ : ٥٥.

(٢) كتاب الخمس : ٢١٧ ٢١٩.

٢٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى خلاف ظواهر النصوص ثانياً ، مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن مهزيار : «الخمس بعد مئونته ومئونة عائلته» (١) ، فإنّ المئونة كما مرّ هي نفس ما يصرف خارجاً لا مقدارها ، فدلّت على أنّ الخمس إنّما يجب في الربح بعد استثناء ما صرفه في مئونة سنته من مجموع الأرباح لا من بعضها ليجب دفع تمام البعض الآخر خمساً باعتبار كونه ربح الربح.

وأوضح من ذلك صحيحته الأُخرى ، قال (عليه السلام) فيها : «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» (٢) ، فإنّ قوله : «أمكنهم» أي تبقّى لهم بعد مؤونتهم ، فيلاحظ في مقام التخريج الباقي ممّا صرفه خارجاً في مئونة السنة ، فيتّحد مفادها مع رواية ابن شجاع النيسابوري (٣) وإن ضعف سندها المصرّحة بأنّ الخمس ممّا يفضل من مئونته ، فالعبرة بفاضل المئونة ، أي ما يبقى بعد تمام الأرباح في نهاية السنة.

وبالجملة : فلا ينبغي التأمّل في أنّ الأرباح المتتالية خلال السنة تلاحظ بأجمعها عند انتهاء السنة ربحاً واحداً ، ولا وجه لملاحظة كلّ ربح بانفراده.

نعم ، يتّجه ذلك في الاتّجار بالربح غير المخمّس بعد انتهاء الحول ، لاستقرار الخمس حينئذٍ في العين ، فتكون كما لو اتّجر بالمال المشترك ، حيث لا مناص من توزيع الربح وقتئذٍ بنسبة الاشتراك في العين كما هو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٠٠ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٤.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٠٠ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٣.

(٣) الوسائل ٩ : ٥٠٠ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٢.

٢٩٦

[٢٩٥٤] مسألة ٧٨ : ليس للمالك ان ينقل الخمس إلى ذمّته (*) ثمّ التصرّف فيه كما أشرنا إليه (١). نعم ، يجوز له ذلك بالمصالحة مع الحاكم ، وحينئذٍ فيجوز له التصرّف فيه ولا حصّة له من الربح إذا اتّجر به ، ولو فرض تجدّد مؤن له في أثناء الحول على وجهٍ لا يقوم بها الربح انكشف فساد الصلح.

______________________________________________________

(١) لما تقدّم من عدم الولاية له على ذلك إلّا بالمصالحة مع الحاكم إذا رأى فيه مصلحة.

ولكنّه (قدس سره) استدرك ذلك بأنّه لو تجدّدت مؤن أثناء الحول كشف عن فساد الصلح ، لعدم اشتماله حينئذٍ على المعوّض ، لأنّه هو الخمس الواقعي الثابت في هذا المال ، والمفروض انتفاؤه وعدم اشتغال الذمّة به.

أقول : لم يتّضح المراد من هذا الكلام ، ونظنّ أنّه سهو من قلمه الشريف ، لأنّ محلّ البحث إن كان هو التصرّف أثناء الحول فقد مرّ أنّه لا مانع منه من غير حاجة إلى النقل إلى الذمّة ، إذ لا خمس إلّا بعد المئونة وله التأخير إلى نهاية السنة والتصرّف كيفما شاء من غير توقّف على المصالحة مع الحاكم الشرعي ، وقد صرّح (قدس سره) في المسألة السابقة بالجواز في هذا الفرض.

وإن كان بعد تمام الحول واستقرار الخمس فالمنع عن التصرّف وإن كان في محلّه حينئذٍ لتحقّق الشركة فلا يجوز إلّا مع المصالحة المزبورة في فرض وجود

__________________

(*) موضوع الكلام إن كان قبل الحول فلا مانع من التصرّف بلا حاجة إلى النقل إلى الذمّة ، ولا وجه حينئذ لصحّة المصالحة مع الحاكم ، وقد مرّ منه (قدس سره) جواز التصرّف في هذا الفرض لا عدمه ، وإن كان بعد الحول فلا بأس بالمصالحة في بعض الفروض ، لكنّه لا يلائم قوله : ولو فرض تجدّد مؤن ، إلخ.

٢٩٧

[٢٩٥٥] مسألة ٧٩ : يجوز له تعجيل إخراج خمس الربح إذا حصل في أثناء السنة ، ولا يجب التأخير إلى آخرها ، فإنّ التأخير من باب الإرفاق كما مرّ ، وحينئذٍ فلو أخرجه بعد تقدير المئونة بما يظنّه فبان بعد ذلك عدم كفاية الربح لتجدّد مؤن لم يكن يظنّها (١) كشف ذلك عن عدم صحّته خمساً (*) ، فله

______________________________________________________

المصلحة كما عرفت ، إلّا أنّه لا معنى حينئذٍ لما ذكره (قدس سره) من فرض تجدّد مؤن أثناء الحول ، إذ المفروض انقضاء الحول وانتهاؤه ، فأيّ معنى بعد ذلك للتجدّد في الأثناء؟! وأمّا حمل العبارة على الكشف ومقام الإثبات بأن يتّضح له بعد الحول وجود مؤن أثناء الحول لم يكن يعلم بها فهو خلاف ظاهرها جدّاً ، فإنّها صريحة في تجدّد المئونة لا الكشف عن مئونة سابقة على المصالحة كما لا يخفى.

(١) كما لو انهدمت داره فاحتاجت إلى التعمير ، أو مرض فاحتاج إلى العلاج ،

__________________

(*) لا مقتضي للكشف المزبور بعد ما فرض أنّ الخمس يتعلّق بالربح من الأوّل ، غاية الأمر أنّه لا يجب أداؤه أثناء السنة ويجوز له التأخير ، ولكنّه إذا لم يؤخِّره وأدّاه إلى مستحقّه باختياره فقد ملكه المستحق ، ولا يجوز حينئذ استرداده حتى مع بقاء العين فضلاً عن تلفها ، وعلى تقدير التنزّل والقول بأن تعلق الخمس يتوقف على عدم الصرف في المئونة فلا بدّ من التفصيل بين ما إذا صرف شيئاً من ماله أثناء سنته في المئونة المتجدِّدة وما إذا لم يصرفه ، فيصح ما ذكره (قدس سره) في الأوّل دون الثاني فإنّ العبرة في عدم وجوب الخمس إنّما هو بصرف الربح في المئونة لا بوجود المئونة من دون صرف ، والمفروض في المقام أنّه لم يصرف في المئونة فكيف يكشف عن عدم تعلّق الخمس به؟! نعم ، يتمّ ما ذكره (قدس سره) فيما إذا تخيّل أنّ عليه ربحاً فأخرج خمسه وأدّاه ثمّ انكشف أنّه لم يكن ربح ففي مثل ذلك له الاسترداد مع بقاء العين لا مع تلفها إلّا إذا كان المعطى له عالماً بالحال.

٢٩٨

الرجوع به على المستحقّ مع بقاء عينه لا مع تلفها في يده ، إلّا إذا كان عالماً بالحال فإنّ الظاهر ضمانه حينئذٍ.

______________________________________________________

أو اضطرّ إلى الزواج ، ونحو ذلك من المؤن التي لم تكن بالحسبان ، فهل له الرجوع حينئذٍ إلى المستحقّ؟

فصّل (قدس سره) بين بقاء العين فيرجع ، نظراً إلى كشف التجدّد المزبور عن عدم التعلّق من الأوّل ، إذ لا خمس إلّا بعد المئونة. وبين تلفها مع جهل الآخذ فلا يرجع إليه ، لكونه مغروراً بعد التسليط المطلق الصادر من المالك. نعم ، يضمن مع علمه بالحال ، إذ قد أخذه بغير استحقاق كما هو ظاهر.

هذا ، ولكن صاحب الجواهر والشيخ الأنصاري قوّيا عدم الرجوع مطلقاً ، فلا تسوغ المطالبة حتى مع بقاء العين فضلاً عن التلف (١).

وكأنهما بنيا ذلك على أنّ المستحقّ يملك الخمس بمجرّد ظهور الربح ، والتأخير إرفاق في حقّ المالك ، رعايةً للصرف في المئونة المحتملة ، فإذا أسقط حقّه وعجّل في الدفع فقد دفع المال إلى مالكه المستحقّ فكيف يسترجعه بعد ذلك؟! أو على أنّ ظنّ المئونة وتخمينها قد أُخذ موضوعاً لوجوب الخمس لا طريقاً كما عبّر به شيخنا الأنصاري (قدس سره) ، ولعلّه يرجع إلى المعنى الأوّل ، ومحصّله : أنّ الخمس ملك للمستحقّ من الأوّل ، وقد أجاز وليّ الأمر صرف ملك الغير في المئونة إرفاقاً ، فلو لم يصرفه وأعطاه للمالك وقبضه فبأيّ موجب يؤخذ منه بعدئذٍ حتى مع البقاء فضلاً عن التلف؟!

__________________

(١) الجواهر ١٦ : ٨٠ ، والشيخ الأنصاري في كتاب الزكاة : ٣٨٤ ، وفي كتاب الخمس : ٢٢٤.

٢٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : ما ذكراه (قدس سرهما) هو الأصحّ ، بناءً على ما عرفت (١) من تعلّق الخمس من الأوّل على سبيل الإطلاق وإن جاز التأخير من باب الإرفاق ، إذ معه لا مقتضي لما ذكره (قدس سره) من الكشف عن عدم الصحّة خمساً ، فإنّ الإخراج المزبور صاد من أهله في محلّه ، غاية الأمر أنّ البدار إليه لم يكن واجباً عليه ، بل كان مرخّصاً في التصرّف فيه من باب التصرّف في ملك الغير بإجازة الولي ولكنّه إذا بادر وأدّاه إلى أرباب الخمس باختياره فقد أوصل الحقّ إلى مستحقّه.

وعليه ، فلا يسوغ له الاسترداد حتى مع بقاء العين ، فضلاً عن تلفها.

نعم ، لو تنازلنا عن ذلك وبنينا على أنّ التعلّق وإن كان من الأوّل ولكنّه مشروط بعدم الصرف في المئونة بنحو الشرط المتأخّر بحيث يكشف الصرف اللّاحق عن عدم التعلّق من الأوّل ويكون من صرف ملكه في مئونته لا من صرف الخمس بإجازة الولي ، فلا محيص حينئذٍ من التفصيل.

وملخّصه : أنّ المئونة المتجدّدة بعد إخراج الخمس خلال السنة قد لا يصرف في سبيلها أيّ شي‌ء ، إمّا لعدم المال أو لأمرٍ آخر ، كما لو احتاج إلى الزواج أو العلاج ولكنّه لم يتصدّ لذلك إلى نهاية السنة ، والصحيح حينئذٍ ما ذكره الشيخ وصاحب الجواهر من عدم جواز الاسترجاع حتى مع بقاء العين.

ووجهه ظاهر ، ضرورة أنّ وجوب الخمس كان مشروطاً بعدم الصرف في المئونة لا بعدم الحاجة ، والمفروض تحقّق الشرط ، لفرض عدم الصرف الخارجي الذي هو المعدم للموضوع ليس إلّا ، ولأجله ذكرنا أنّه لو قتّر على نفسه فلم يصرف وجب عليه الخمس.

__________________

(١) كما تقدّم في مسألة ٧٢.

٣٠٠