موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٩٣٢] مسألة ٥٦ : إذا كان له أنواع من الاكتساب والاستفادة (١) ، كأن يكون له رأس مال يتّجر به وخان يؤاجره وأرض يزرعها وعمل يد مثل الكتابة أو الخياطة أو النجارة أو نحو ذلك ، يلاحظ في آخر السنة (*) ما استفاده من المجموع من حيث المجموع ، فيجب عليه خمس ما حصل منها بعد خروج مئونته.

______________________________________________________

وأمّا ما أعدّه للاتّجار بالمنافع الذي هو حدّ متوسط بين ما أعدّ للاتّجار بأصله ، وما أعدّ لصرف منافعه في المئونة ، فعمّر البستان ليتّجر بثماره ، أو اشترى السيارة ليكتسب باجرتها. ونحو ذلك ممّا يتّجر بمنفعته لا بأصله ، فقد تقدّم سابقاً أنّ هذا يجب الخمس في زيادته المتّصلة والمنفصلة وإن لم يجب في زيادة القيمة (١). فلعلّ الماتن لا يريد هذه الصورة ، لمنافاتها مع ما سبق ، فليحمل كلامه كما عرفت على الصورة السابقة ، أعني : ما أعدّه للانتفاع الشخصي المحسوب من المئونة ، فلاحظ.

(١) قد عرفت امتياز خمس الأرباح عن بقيّة أقسام الخمس في استثناء مئونة السنة ، لكي يتحقّق الفاضل عن المئونة.

وحينئذٍ فهل الأرباح المتدرّجة خلال السنة المتحصّلة من الأنواع المختلفة ينضمّ بعضها إلى بعض ويلاحظ المجموع ربحاً واحداً وتستثنى عنه المؤن المصروفة في مجموع السنة ، فتلاحظ السنة لمجموع الأرباح كما تلاحظ للمؤن من أوّل الشروع في الكسب ، أو أوّل ظهور الربح على الخلاف في مبدأ السنة؟

__________________

(*) بل يجوز أن يلاحظ كلّ ربح بنفسه.

(١) في ص ٢٢٩ وما بعدها.

٢٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

أو أنّ كلّ ربح يلاحظ بحياله وله سنة تخصّه ، فإن صرف في مئونة السنة المتعلّقة به فلا شي‌ء فيه ، وإلّا وجب خمس الزائد من غير ملاحظة الاتّحاد والانضمام ، كما كان ذلك هو الشأن في الكنوز والمعادن المتعدّدة على ما تقدّم من مراعاة كلّ منها بحياله وانفراده؟

فيه كلام بين الأعلام :

ذهب جماعة ومنهم الماتن إلى الأوّل.

وذهب الشهيد الثاني في الروضة والمسالك وكذا غيره إلى الثاني (١).

وتظهر الثمرة بين القولين تارةً : في المؤن المصروفة بين الربحين ، فلو ربح أوّل محرّم عشرة دنانير وأوّل رجب ثلاثين وصرف ما بينهما في مئونته عشرين :

فعلى القول الأوّل : تستثني هذه المئونة في آخر السنة عن مجموع الربحين أي الأربعين فلا خمس إلّا في العشرين الزائدة.

وأمّا على الثاني : فلا وجه لاستثنائها إلّا عن الربح الأوّل دون الثاني ، ضرورة عدم استثناء المئونة إلّا بعد ظهور الربح لا قبله ، فلو بقي الربح الثاني إلى انتهاء سنته وجب إخراج خمسه ، فيخمّس الثلاثين بتمامها من غير استثناء المئونة السابقة عليها.

وأُخرى : في تخميس الربح المتأخِّر وعدمه ، فلو فرضنا أنّه ربح في شهر محرّم عشرة وصرفها في مئونته ، وكذا في شهر صفر إلى الشهر الأخير ، كلّما يربح في شهر يصرفه في مئونته ، فصادف أن ربح في ذي الحجّة مائة دينار وصرف منها عشرة فبقي لديه في نهاية السنة تسعون ديناراً :

فإنّه على القول الأوّل : يجب خمس هذه التسعين ، لزيادته على مجموع

__________________

(١) المسالك ١ : ٤٦٧ ٤٦٨ ، الروضة البهية ٢ : ٧٨.

٢٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الأرباح الملحوظة في هذه السنة.

بخلافه على القول الثاني ، إذ عليه مبدأ سنة هذا الربح هو ذو الحجّة وتنتهي في ذي الحجّة القابل ، وله صرفه خلال هذه المدّة في مئونته ، ولا يجب إخراج خمسه إلّا في شهر ذي الحجّة من السنة القادمة.

فثمرة القولين تظهر في هذين الموردين ، وربّما تظهر في موارد أُخر كما لا يخفى على من تدبّروا معن النظر.

هذا ، وربّما يستدلّ للقول الأوّل بما في صحيحة ابن مهزيار من قوله (عليه السلام) : «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام» إلخ (١).

حيث يستظهر منها أنّ العبرة بملاحظة ربح السنة بما هي سنة ، فيلاحظ في كلّ عام مجموع الأرباح وتعدّ بمنزلة ربح واحد كما أنّ المئونة أيضاً تلاحظ كذلك.

ولكنّك خبير بعدم كون الصحيحة ناظرة إلى الضمّ ولا إلى عدمه ، وإنّما هي بصدد التفرقة بين الغنائم وغيرها ، حيث إنّه (عليه السلام) أسقط الخمس في سنته تلك عن جملة من الموارد واكتفى في بعضها بنصف السدس. وأمّا في الغنائم والفوائد فلم يسقط خمسها بل أوجبه بكامله في كلّ عام. وأمّا كيفيّة الوجوب من ملاحظة الأرباح منضمّةً أو مستقلّةً فهي ليست في مقام البيان من هذه الناحية بتاتاً ، فلا دلالة لها على ذلك أبداً.

وعليه ، فالأظهر هو القول الأخير الذي اختاره الشهيد الثاني ، نظراً إلى أنّ المستفاد من الآية المباركة بناءً على شمول الغنيمة لكلّ فائدة وكذا الروايات الدالّة على أنّ الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير : أنّ الحكم انحلالي ،

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٠١ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٥.

٢٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فكلّ فرد من أفراد الربح والفائدة موضوع مستقلّ لوجوب التخميس كما كان هو الحال في المعادن والكنوز.

فلو كنّا نحن وهذه الأدلّة ولم يكن دليل آخر على استثناء المئونة لالتزمنا بوجوب الخمس فوراً وبمجرّد ظهور الربح ، ولكن دليل الاستثناء أوجب ارتكاب التقييد في الوجوب التكليفي إرفاقاً وإن كان الحقّ ثابتاً من الأوّل ، فلا يجب البدار إلى الإخراج ، بل له التربّص والتأخير ريثما يصرف في مئونة السنة ، فيتقيّد الوجوب بعدم الصرف فيها.

وأمّا ارتكاب تقييد آخر أعني : ضمّ الأرباح بعضها إلى بعض بحيث يستثني حتى المؤن الحاصلة قبل الربح المتجدِّد أي المؤنة المتخلّلة بين الربحين فهذا لم يقم عليه دليل.

وبعبارة أُخرى : الذي ثبت إنّما هو استثناء المئونة من الربح المتقدّم لا من الربح المتأخّر ولو كان الربحان في سنة واحدة ، لوضوح عدم عدّ السابق من مئونة الربح اللّاحق لكي يستثني منه ، لفرض عدم صرفه فيها ، فما هو الموجب للاستثناء؟! وكذلك الحال فيما لو حصل الربح قبل انتهاء السنة كاليوم الأخير من ذي الحجّة مثلاً فإنّ الالتزام بوجوب تخميسه عند هلال محرّم مع أنّه لم يمض عليه إلّا يوم واحد بلا موجب بعد تقييد الوجوب بما دلّ على أنّه بعد المئونة ، فإنّ هذا الربح مشمول لدليل الاستثناء ، ومقتضاه جواز صرفه في شهر محرّم وما بعده من الشهور إلى انتهاء سنة هذا الربح في حوائجه ومئونته من زواج ونحوه ، فلو صرف يصحّ أن يقال : إنّه صرفه في مئونته أثناء السنة ، ومعه كيف يجب عليه الآن إخراج خمسه؟!

والحاصل : أنّ الضمّ يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل.

٢٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فالظاهر أنّ ما ذكره الشهيد الثاني من أنّ كلّ ربح موضوعٌ مستقلّ وله سنة تخصّه وتستثنى مئونة السنة عن كلّ ربح بالإضافة إلى سنته هو الصحيح.

نعم ، قد يكون هناك تداخل في المؤن الواقعة فيما بين الأرباح ، حيث يبقى مقدار من ربح محرّم ويصرف في مئونة صفر ، ويبقى منه ويصرف في ربيع ، وهكذا ، فيتداخلان في المدّة المشتركة ، ولا ضير فيه كما لا يخفى.

وما يقال من أنّ لحاظ المئونة بالإضافة إلى كلّ ربح يوجب الاختلال والهرج والمرج.

فلا نعقل له معنىً محصّلاً حتى في التدريجيّات مثل العامل أو الصانع الذي يربح في كلّ يوم ديناراً مثلاً فإنّه إن لم يبق كما هو الغالب حيث يصرف ربح كلّ يوم في مئونة اليوم الثاني فلا كلام ، وإن بقي يخمّس الفاضل على المئونة.

نعم ، لا بأس بجعل السنة ، لسهولة الأمر وانضباط الحساب ، كما هو المتعارف عند التجار ، حيث يتّخذون لأنفسهم سنة جعليّة يخرجون الخمس بعد انتهائها واستثناء المؤن المصروفة فيها وإن كانت الأرباح المتخلّلة فيها تدريجيّة الحصول بطبيعة الحال. فإنّ هذا لا ضير فيه ، إذ الخمس قد تعلّق منذ أوّل حصول الربح ، غايته أنّه لا يجب الإخراج فعلاً ، بل يجوز إرفاقاً التأخير إلى نهاية السنة والصرف في المئونة ، فبالإضافة إلى الربح المتأخّر يجوز إخراج خمسه وإن لم تنته سنته ، فإنّ ذلك كما عرفت إرفاق محض ولا يلزم منه الهرج والمرج بوجه. كما يجوز أن يخرج الخمس من كلّ ربح فعلاً من غير اتّخاذ السنة ، فلاحظ.

٢٤٥

[٢٩٣٣] مسألة ٥٧ : يشترط (*) في وجوب خمس الربح أو الفائدة استقراره (١) ، فلو اشترى شيئاً فيه ربح وكان للبائع الخيار لا يجب خمسة إلّا بعد لزوم البيع ومضيّ زمن خيار البائع.

______________________________________________________

(١) فإنّ الربح في الشراء المتزلزل الذي هو في معرض الزوال والانحلال بفسخ البائع لا يعدّ ربحاً في نظر العرف ، ولا يطلق عليه الفائدة بالحمل الشائع إلّا بعد الاتّصاف باللزوم ، فقبله لا موضوع للربح ليخمس. فلو اشترى في البيع الخياري ما يسوى ألفاً بخمسمائة مع جعل الخيار للبائع ستّة أشهر مثلاً كما هو المتعارف في البيع الخياري ، لم يصدق عرفاً أنّه ربح كذا إلّا بعد انقضاء تلك المدّة.

هذا ، وقد يقال بكفاية الاستقرار الواقعي بنحو الشرط المتأخّر ، فلو وقع البيع المزبور في أواخر السنة وكان الاتّصاف باللزوم في السنة اللّاحقة ، كشف ذلك عن تحقّق الربح في السنة السابقة وكان من أرباحها لا من أرباح السنة اللّاحقة.

أقول : الذي ينبغي أن يقال هو التفصيل في المقام ، ولا يستقيم الإطلاق لا في كلام الماتن ولا في كلام هذا القائل.

وتوضيحه : أنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ العين المشتراة بالبيع الخياري تقلّ قيمتها عن المشتراة بالبيع اللّازم الباتّ ، ضرورة أنّ التزلزل يعدّ لدى العرف نوع نقص في العين نظير العيب ، أو كون العين مسلوبة المنفعة سنةً مثلاً أو أكثر ، فكما لا يبذل بإزائهما ما يبذل بإزاء العين الصحيحة أو غير المسلوبة فكذا

__________________

(*) لا يشترط ذلك ، بل العبرة بصدق الربح ، وهو يختلف باختلاف الموارد.

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يبذل في البيع الخياري ما يبذل في البيع اللازم المستقرّ. وهذا واضح لا سترة عليه ، للزوم رعاية جميع الخصوصيّات المكتنفة بالبيع ، فإنّ الدار التي تسوى في البيع اللّازم عشرة آلاف لا تشتري في البيع الخياري أكثر من ثمانية آلاف مثلاً وهكذا.

وحينئذٍ فالثمن المقرّر في البيع الخياري المفروض في المقام إن كان معادلاً لقيمة العين بوصف كون بيعه خياريّاً كثمانية آلاف في المثال المزبور فلم يتحقّق ثَمّة أيّ ربح في السنة السابقة ، أي في سنة البيع ليجب خمسه ، ولا يكاد يكشف اللزوم المتأخّر عن الربح في هذه السنة بوجه ، لعدم استفادة أيّ شي‌ء بعد أن اشترى ما يسوى بقيمته المتعارفة.

نعم ، سنة اللزوم التي هي سنة زوال النقص المستلزم بطبيعة الحال لارتقاء القيمة هي سنة الربح ، فيجب الخمس وقتئذٍ ، لتحقّق موضوعه وهو الربح ، ويكون من أرباح هذه السنة دون السنة السابقة إن كانت العين قد أعدّها للتجارة ، وإلّا فلا يجب الخمس إلّا إذا باعها خارجاً ، كما هو الشأن في عامّة موارد ارتفاع القيمة السوقيّة حسبما عرفت سابقاً ، حيث إنّ المقام من مصاديق هذه الكبرى.

وإن كان أقلّ من ذلك ، كما لو اشتراها في المثال المزبور بخمسة آلاف ، فقد تحقّق الربح عند الشراء ، سواء ألزم البيع بعد ذلك أم لا ، لجواز بيعه من شخص آخر بثمانية آلاف ، فقد ربح فعلاً ثلاثة آلاف فيجب خمسه ويكون من أرباح هذه السنة لا السنة الآتية.

فينبغي التفصيل في المسألة بين هاتين الصورتين وإن كان الظاهر من عبارة المتن أنّ محلّ كلامه إنّما هي الصورة الأُولى على ما هو المتعارف في البيع الخياري من الشراء بالقيمة العاديّة.

٢٤٧

[٢٩٣٤] مسألة ٥٨ : لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازماً فاستقاله البائع فأقاله لم يسقط الخمس (١) ، إلّا إذا كان من شأنه أن يقيله كما في غالب موارد بيع شرط الخيار إذا ردّ مثل الثمن.

[٢٩٣٥] مسألة ٥٩ : الأحوط إخراج خمس رأس المال (٢) إذا كان من أرباح مكاسبه ، فإذا لم يكن له مال من أوّل الأمر فاكتسب أو استفاد مقداراً وأراد أن يجعله رأس المال للتجارة ويتّجر به يجب إخراج خمسه على الأحوط (*) ثمّ الاتّجار به.

______________________________________________________

(١) لاستقرار الخمس بعد لزوم البيع وتحقّق الربح ، سواء أكان لازماً من الأوّل أم صار لازماً بانقضاء زمن الخيار ، ومعه لا يسوغ له إتلاف الخمس بالإقالة ، لعدم ولايته عليه ، ولأجله لم يسقط بها إلّا إذا عُدّت الإقالة من شأنه عرفاً ، كما هو الغالب في البيع الخياري ، سيّما إذا جاء البائع بالثمن بعد ساعة من مضيّ زمن الخيار لمانعٍ عرضه في الطريق أوجب التأخير ، فإنّ عدم الإجابة في مثل ذلك يعدّ مهانة ومخالفاً للإنصاف في أنظار العرف ، فيكون حالها حال الهبة وغيرها ممّا يبذله المالك أثناء السنة من المصارف اللّائقة بشأنه ، حيث لا يعدّ ذلك إسرافاً ولا تبذيراً ، فإنّها تعدّ من المؤن المستثناة من الأرباح.

نعم ، لا يسقط بالإقالة في غير هذه الصورة ، لما عرفت من عدم جواز إتلاف الخمس بعد استقراره.

(٢) المحتملات في المسألة ثلاثة :

وجوب الإخراج مطلقاً ، وهذا هو الذي احتاط فيه الماتن (قدس سره).

__________________

(*) لا يبعد عدم الوجوب في مقدار مئونة سنته إذا اتّخذه رأس المال وكان بحاجة إليه في إعاشته.

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وعدم الوجوب مطلقاً وأنّ ما يحتاج إليه الإنسان في رأس ماله أيّ مقدار كان يدخل في عنوان المؤن ، ولا خمس إلّا بعد المئونة كاستثناء سائر المؤن من الدار والفراش ونحوها.

والتفصيل وهو الصحيح بين رأس مالٍ يعادل مئونة سنته ، وبين الزائد عليه ، فلا خمس في خصوص الأوّل.

والوجه فيه : استثناء المئونة ممّا فيه الخمس. ولا ينبغي التأمّل في أنّ المستثنى إنّما هو مئونة السنة لا مئونة عمره وما دام حيّاً. وعليه ، فإذا اكتسب أو استفاد مقداراً يفي بمئونة سنته ، كما لو كان مصرفه في كلّ يوم ديناراً فحصل على ثلاثمائة وستّين ديناراً وكان بحاجة إلى رأس المال في إعاشته وإعاشة عائلته ، جاز أن يتّخذه رأس مال من غير تخميس ، نظراً إلى أنّ صرف المبلغ المذكور في المئونة يمكن على أحد وجهين : إمّا بأن يضعه في صندوق ويسحب منه كلّ يوم ديناراً ، أو بأن يشتري به سيّارة مثلاً ويعيش باجرتها كلّ يوم ديناراً ، إذ الصرف في المئونة لم ينحصر في صرف نفس العين وإتلاف المال بذاته ، بل المحتاج إليه هو الجامع بين صرف العين وصرف المنافع ، لتحقّق الإعاشة بكلّ من الأمرين ، فهو مخيّر بينهما ، ولا موجب لتعيّن الأوّل بوجه.

إذن لا بدّ من التفصيل بين ما إذا كان محتاجاً إلى رأس المال ولم يكن له رأس مال آخر بحيث توقّفت إعاشته اليوميّة على صرف هذا المال عيناً أو منفعةً فلا خمس فيه ، وبين غيره ففيه الخمس ، ضرورة عدم كون مطلق رأس المال بلغ ما بلغ كعشرة آلاف مثلاً من مئونة هذه السنة ، وقد عرفت أنّ المستثنى هو مئونة السنة لا غيرها.

٢٤٩

[٢٩٣٦] مسألة ٦٠ : مبدأ السنة التي يكون الخمس بعد خروج مئونتها حال الشروع في الاكتساب (*) (١) فيمن شغله التكسّب ، وأمّا من لم يكن مكتسباً وحصل له فائدة اتّفاقاً فمن حين حصول الفائدة.

______________________________________________________

(١) فصّل (قدس سره) في تعيين مبدأ السنة تبعاً لجمع من الأصحاب بين الربح الحاصل بالاكتساب من تجارة أو زراعة أو صناعة ونحوها ، وبين الفائدة الحاصلة اتّفاقاً كالجائزة والميراث الذي لا يحتسب ونحوهما ممّا يحصل من غير تكسب.

فذكروا أنّ مبدأ السنة التي يكون الخمس بعد استثناء مئونتها في الأوّل هو حال الشروع في الكسب وإن تأخّر عنه الربح بكثير ، وفي الثاني هو زمان ظهور الربح.

وذلك لا من أجل الاختلاف في مفهوم عام الربح ، بل المفهوم فيهما واحد ، والاختلاف إنّما نشأ من ناحية المصداق والتطبيق الخارجي ، حيث إنّ انطباقه على الكاسب من أوّل الشروع في الكسب ، وعلى غيره من أوّل ظهور الربح.

وذهب جماعة ومنهم الشهيد (١) إلى أنّ الاعتبار بظهور الربح مطلقاً وفي جميع الموارد ، فلا تستثني المؤن المصروفة قبل ذلك من غير فرق بين الكاسب وغيره. وهذا هو الصحيح.

والوجه فيه : أنّ المشتقّ وما في حكمه من الجوامد ظاهرٌ في الفعليّة ولا يستعمل فيما انقضى إلّا بالعناية ، والوارد في النصوص لو كان عنوان عام الربح أو سنة الربح لأمكن أن يقال بأنّ إطلاقه على الكاسب يفترق عن غيره كما

__________________

(*) الظاهر أنّ المبدأ مطلقاً وقت ظهور الربح.

(١) الدروس ١ : ٢٥٨ ٢٥٩.

٢٥٠

[٢٩٣٧] مسألة ٦١ : المراد بالمئونة مضافاً إلى ما يصرف في تحصيل الربح (١) ـ : ما يحتاج إليه لنفسه وعياله في معاشه بحسب شأنه اللائق بحاله

______________________________________________________

ذكر ، ولكن لم يرد حتى لفظ السنة فضلاً عن عام الربح ، وإنّما الوارد فيها استثناء المئونة ، فقد ذكر في صحيحة ابن مهزيار : «بعد مئونته ومئونة عياله» (١) ، وفي بعض النصوص غير المعتبرة : ما يفضل عن مؤونتهم ، والمئونة بحسب ما يفهم عرفاً المطابق للمعنى اللغوي : كل ما يحتاج إليه الإنسان في جلب المنفعة أو دفع الضرر. وقد عرفت أنّ هذا ظاهر في المئونة الفعليّة دون ما كان مئونة سابقاً.

إذن فالمستثنى عن الربح إنّما هو المؤن الفعليّة لا ما صرفه سابقاً وقبل أن يربح ، إذ لا يطلق عليها فعلاً أنّها مئونة له وإنّما هي كانت مئونة سابقاً ، فلا مقتضي لإخراجها عن الأرباح ، كما لا وجه لإخراج المماثل من ذلك عن الربح واحتسابه عوضاً عمّا صرفه سابقاً ، لعدم الدليل عليه.

وعلى الجملة : فما صرفه سابقاً لم يكن مئونة فعليّة ، ولا دليل على إخراج المماثل ، فإن ثبت هذا ولا ينبغي الشكّ في ثبوته فهو ، وإلّا فيكفينا مجرد الشك في ذلك للزوم الاقتصار في المخصص المنفصل الدائر بين الأقلّ والأكثر على المقدار المتيقّن وهو المؤن المصروفة بعد ظهور الربح. وأمّا إخراج المؤن السابقة عن الربح المتأخّر فهو مشكوك فيرجع إلى إطلاق ما دلّ على وجوب الخمس في كلّ ما أفاد من قليل أو كثير.

(١) أمّا بالنسبة إلى مئونة التجارة وما يصرف في سبيل تحصيل الربح فقد دلّت على استثنائه عدّة من الأخبار المتضمّنة : أنّ الخمس بعد المئونة ، بل لو لم

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٠٠ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٤.

٢٥١

في العادة من المأكل والملبس والمسكن ، وما يحتاج إليه لصدقاته وزياراته وهداياه وجوائزه وأضيافه ، والحقوق اللازمة له بنذر أو كفّارة أو أداء دين أو أرش جناية أو غرامة ما أتلفه عمداً أو خطأً ، وكذا ما يحتاج إليه من دابّة أو جارية أو عبد أو أسباب أو ظرف أو فرش أو كتب ، بل وما يحتاج إليه لتزويج أولاده أو ختانهم ، ونحو ذلك مثل ما يحتاج إليه في المرض وفي موت أولاده أو عياله ، إلى غير ذلك ممّا يحتاج إليه في معاشه ، ولو زاد على ما يليق بحاله ممّا يعدّ سفهاً وسرفاً بالنسبة إليه لا يحسب منها.

______________________________________________________

تكن لدينا أيّة رواية كان ذلك هو مقتضى القاعدة ، ضرورة عدم صدق موضوع الخمس أعني : الغنيمة والفائدة إلّا بعد إخراجها بأجمعها من اجرة الدلّال والدكّان والحمّال وما شاكل ذلك ، فإنّ من اشترى بضاعة باثني عشر ديناراً وباعها بخمسة عشر وأعطى للدلّال ديناراً واحداً لا يقال : إنّه ربح ثلاثة دنانير ، بل دينارين فقط ، وهكذا ، وهذا ظاهر.

ولا فرق في ذلك بين طول المدّة بحيث بلغت السنة والسنتين وقصرها ، فمن خرج من بلده لتجارة كاستيراد بضاعة ونحوها فطالت المدّة المصروفة في سبيل تحصيلها من مراجعة الدوائر الحكوميّة ونحو ذلك سنة أو أكثر ، فجميع المؤن المصروفة في هذا الطريق تستثني عن الربح.

وبالجملة : فالعبرة بالصرف في سبيل تحصيل المال بلا فرق بين السنة وغيرها. وهذا لا كلام فيه ولا شبهة تعتريه.

وأمّا بالنسبة إلى ما يصرفه في معاش نفسه وعائلته فما ذكره (قدس سره) من التفصيل بين ما كان بحسب شأنه وما يليق بحاله في العادة وبين غيره هو الصحيح ، فإنّ كلمة المئونة الواردة في الأدلّة التي هي كما عرفت بمعنى : ما

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

يحتاج إليه الإنسان إمّا لجلب المنفعة أو لدفع الضرر منصرفة كسائر الألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة إلى المتعارف ، بحيث يصدق عرفاً أنّه محتاج إليه بحسب شؤونه اللّائقة به لنفسه ولمن ينتمي إليه ، ولأجله يختلف تشخيصه باختلاف الشؤون والاعتبارات ، فربّ مصرف يكون مناسباً لشأن أحد دون غيره بحيث يعدّ إسرافاً في حقّه ، فيستثنى بالإضافة إلى الأوّل دون الآخر.

هذا كلّه في الأُمور الدنيويّة.

وأمّا بالإضافة إلى العبادات والأُمور القربيّة من صدقة أو زيارة أو بناء مسجد أو حجّ مندوب أو عمرة ونحو ذلك من سائر الخيرات والمبرات ، فظاهر عبارة المتن وصريح غيره جريان التفصيل المزبور فيه أيضاً ، فيلاحظ مناسبة الشأن ، فمن كان من شأنه هذه الأُمور تستثني وتعدّ من المؤن ، وإلّا فلا.

ولكن الظاهر عدم صحّة التفصيل هنا ، فإنّ شأن كلّ مسلم التصدِّي للمستحبّات الشرعيّة والقيام بالأفعال القربيّة ، امتثالاً لأمره تعالى وابتغاءً لمرضاته وطلباً لجنّته ، وكلّ أحد يحتاج إلى ثوابه ويفتقر إلى رضوانه ، فهو يناسب الجميع ، ولا معنى للتفكيك بجعله مناسباً لشأن مسلم دون آخر ، فلو صرف أحد جميع وارداته بعد إعاشة نفسه وعائلته في سبيل الله ذخراً لآخرته ولينتفع به بعد موته كان ذلك من الصرف في المئونة ، لاحتياج الكلّ إلى الجنّة ، ولا يعدّ ذلك من الإسراف أو التبذير بوجه بعد أمر الشارع المقدّس بذلك ، وكيف يعدّ الصرف في الصدقة أو العمرة ولو في كلّ شهر أو زيارة الحسين (عليه السلام) كلّ ليلة جمعة أو في زياراته المخصوصة من التفريط والخروج عن الشأن بعد حثّ الشريعة المقدّسة المسلمين عليها حثّا بليغاً؟! فالإنصاف أنّ كلّ ما يصرف في هذا السبيل فهو من المؤن قلّ أم كثر. والتفصيل المزبور خاصّ بالأُمور الدنيويّة حسبما عرفت.

٢٥٣

[٢٩٣٨] مسألة ٦٢ : في كون رأس المال للتجارة مع الحاجة إليه من المئونة إشكال (١) ، فالأحوط كما مرّ إخراج خمسه أوّلاً ، وكذا في الآلات المحتاج إليها (*) في كسبه مثل آلات النجارة للنّجّار وآلات النساجة للنسّاج وآلات الزراعة للزارع وهكذا ، فالأحوط إخراج خمسها أيضاً أوّلاً.

[٢٩٣٩] مسألة ٦٣ : لا فرق في المئونة بين ما يصرف عينه فتتلف مثل المأكول والمشروب ونحوهما ، وبين ما ينتفع به مع بقاء عينه (٢) مثل الظروف والفرش ونحوها ، فإذا احتاج إليها في سنة الربح يجوز شراؤها من ربحها وإن بقيت للسنين الآتية أيضاً.

______________________________________________________

(١) مرّ أنّه لا إشكال فيه. ومنه يظهر الحال في الآلات المحتاج إليها في كسبه ، لوحدة المناط ، فلا يجب الإخراج في شي‌ء من ذلك إلّا إذا كانت أكثر من مئونة السنة.

(٢) قد تكون المئونة ممّا لا بقاء له كالمأكول ، وهذا لا كلام في استثنائه.

وقد تكون ممّا له بقاء كالظروف والفرش ونحوها ، فهل يجب الخمس بعد مضيّ السنة ، أو بعد الاستغناء كما سيتعرّض له الماتن بعد ذلك ، مثل : الحلي التي تستغني عنها المرأة بعد أيّام شبابها؟

الظاهر أنّه لا ينبغي التأمّل في عدم الوجوب ، إذ بعد أن صدق عليه عنوان المئونة في هذه السنة المقتضي للاستثناء فبقاؤها وكونها مئونة في السنين الآتية أيضاً لا يمنع عن ذلك.

__________________

(*) الظاهر أنّ حكمها حكم رأس المال وقد تقدّم.

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : قد يفرض الاحتياج ولكنّه لا يختصّ بهذه السنة بل في السنة اللاحقة أيضاً يصرف في الحاجة ، وأُخرى يستغنى عنه بعد ذلك كما في حليّ النِّساء.

ومقتضى البَعديّة في قوله (عليه السلام) : «الخمس بعد المئونة» أنّ تشريع الخمس إنّما هو بعد استثناء المئونة ، نظير بَعديّة الإرث بالإضافة إلى الوصيّة والدين في قوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) (١) ، فكما لا إرث إلّا بعد إخراج الأمرين فكذلك لا خمس إلّا بعد إخراج المئونة.

ومن الظاهر أنّ بقاءها بعد انقضاء السنة أو عدم البقاء لا مدخل له في هذا الاستثناء بعد فرض صدق المئونة ، فإنّ المتعارف خارجاً تملّك جملة من الأُمور المحتاج إليها في الإعاشة حتى دار السكنى ، إذ الاقتصار على الإيجار يعدّ عرفاً نوعاً من الاضطرار ، فضلاً عن مثل الألبسة والظروف والفروش ونحوها ممّا لا شكّ في تعارف ملكيّتها لا مجرّد الانتفاع بها بإجارة أو عارية ونحوها ، ومن المعلوم جريان العادة على بقاء هذه الأُمور غالباً وعدم استهلاكها في سنة واحدة. وهذا كما عرفت لا يمنع عن الاستثناء.

على أنّ موضوع الخمس وهو الفائدة والغنيمة بالمعنى الأعمّ ظاهر في الحدوث ، بل لا بقاء لها وإنّما الباقي المال. وأمّا الإفادة فهي أمر حادث تقع في كلّ ربح مرّة واحدة من غير تكرّر. فإذا بقيت العين بعد السنة وخرجت عن الحاجة والمؤنيّة كالحليّ للنسوان أو بعض الكتب لأهل العلم فليست هناك إفادة جديدة ولم تحدث فائدة ثانية ليتعلّق بها الخمس ، فحينما حدثت الإفادة لم يجب الخمس على الفرض ، لأنّها كانت آن ذاك من المئونة ولا خمس إلّا بعد

__________________

(١) النِّساء ٤ : ١١.

٢٥٥

[٢٩٤٠] مسألة ٦٤ : يجوز إخراج المئونة من الربح وإن كان عنده مال لا خمس فيه (١) بأن لم يتعلّق به أو تعلّق وأخرجه فلا يجب إخراجها من ذلك

______________________________________________________

المئونة ، وبعد زوال الحاجة والخروج عن المؤنيّة لم تتحقّق فائدة ثانية ليتعلّق بها الخمس.

ومن هنا ذكرنا في محلّه عدم وجوب الخمس على الصبي الذي ربح باتّجار وليّه ، لا حال صباه ولا بعد البلوغ. أمّا الأوّل فلحديث رفع القلم عنه تكليفاً ووضعاً. وأمّا الثاني فلعدم حصول فائدة جديدة. فحين حدوث الفائدة لا وجوب لعدم البلوغ ، وبعده لم تتحقّق فائدة أُخرى ليتعلّق بها الخمس. ومن المعلوم أنّ تلك الفائدة لا بقاء لها وإنّما الباقي المال لا الاستفادة التي هي الموضوع للحكم.

وهذا هو الميزان الكلّي ، وضابطه : أنّه في كلّ مورد لم يتعلّق الخمس من الأوّل لجهة من الجهات إمّا لكون الربح من المئونة ، أو لعدم استجماع شرائط التكليف ، أو لمانع آخر لم يتعلّق ثانياً ، لأنّ موضوع الحكم هي الفائدة ولم تتحقّق فائدة جديدة.

(١) لا شكّ في جواز إخراج المئونة من الربح إذا لم يكن له مال آخر من رأس مال أو ملك شخصي ، كما قد يتّفق في عامل المضاربة وغيره.

كما لا شكّ أيضاً في جواز الإخراج فيما لو كان له مال آخر ولكن لم تجر العادة على صرفه في المئونة كدار السكنى أو أثاث البيت أو رأس المال ونحو ذلك.

٢٥٦

بتمامها ولا التوزيع ، وإن كان الأحوط التوزيع ، وأحوط منه إخراجها بتمامها من المال الذي لا خمس فيه.

______________________________________________________

وإنّما الكلام فيما لو كان له مال زائد ادّخره لغرض آخر ، فهل يجوز حينئذٍ صرف الربح في المئونة ، أو لا؟

الذي يظهر من كلماتهم أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة :

جواز الصرف مطلقاً.

وعدمه مطلقاً ، كما نسب إلى الأردبيلي (١).

والتوزيع بالنسبة ، فتخرج المئونة عن جميع ما يملك من الربح والمال الآخر بنسبتهما من النصف أو الثلث ونحوهما. فلو كانت المئونة خمسين والربح مائة والمال الآخر أيضاً مائة يخرج نصف المئونة من الربح والنصف الآخر من المال الآخر ، وهكذا حسب اختلاف النسب.

وعلّلوا الأخير بأنّه مقتضى قاعدة العدل والإنصاف كما علّل ما عن الأردبيلي على ما نسب إليه بأنّ ما دلّ على جواز صرف الربح في المئونة ضعيف السند ، والعمدة الإجماع ودليل نفي الضرر ، والقدر المتيقّن صورة الاحتياج ، أمّا مع عدم الحاجة لوجود مال آخر فلا إجماع ، ومقتضى إطلاق أدلّة الخمس إخراجه من غير استثناء ، ومع قطع النظر عن المناقشة في السند فالدليل منصرف إلى صورة الاحتياج.

أقول : لم يظهر وجه صحيح لما أُفيد :

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٣١٨.

٢٥٧

ولو كان عنده عبد أو جارية أو دار أو نحو ذلك ممّا لو لم يكن عنده كان من المئونة لا يجوز احتساب قيمتها من المئونة (١) وأخذ مقدارها ، بل يكون حاله حال من لم يحتج إليها أصلاً.

______________________________________________________

أمّا المناقشة في السند : فغير واضحة ، لأنّ ما دلّ على أنّ الخمس بعد مئونته ومئونة عياله كصحيحة ابن مهزيار وغيرها معتبرة لم نر أيّ خلل في سندها لنحتاج إلى دعوى الانجبار بعمل الأصحاب.

وأمّا دعوى الانصراف إلى صورة الحاجة : فهي أيضاً غير ظاهرة ، لأنّ العبرة بالحاجة إلى الصرف ، وهي متحقّقة على الفرض ، لأنّها هي معنى المئونة.

وأمّا الحاجة إلى الصرف من خصوص الربح : فلم يدلّ عليه أيّ دليل ، بل مقتضى الإطلاقات عدمه ، إذ مقتضاها أنّه لدى الحاجة إلى الصرف يجوز الصرف من الربح واستثناء المئونة منه ، سواء أكان عنده مال آخر أم لا.

وأمّا حديث التوزيع : فهو أيضاً لا وجه له ، إذ لا أساس لقاعدة العدل والإنصاف في شي‌ء من هذه الموارد. وحينئذٍ فإن تمّ الإطلاق وهو تامّ حسبما عرفت جاز الإخراج من الربح ، وإلّا لأجل المناقشة في السند أو الدلالة لزم الإخراج من مال آخر ووجب الخمس في تمام الربح ، فالعمدة ثبوت الإطلاق اللفظي وعدمه.

فتحصّل : أنّ الأظهر صحّة القول الأوّل ، فلا يجب التوزيع ولا الإخراج من مال آخر وإن كان أحوط.

(١) لانتفاء موضوع المئونة والاستغناء عنها بعد تملّك تلك الأعيان ، فلا مقتضي للإخراج عن الربح.

وأمّا إخراج المقدار واحتساب القيمة فلا دليل عليه بتاتاً ، فإنّ المستثنى في

٢٥٨

[٢٩٤١] مسألة ٦٥ : المناط في المئونة ما يصرف فعلاً لا مقدارها ، فلو قتّر على نفسه لم يحسب له (١) ، كما أنّه لو تبرّع بها متبرّع لا يستثني له مقدارها على الأحوط ، بل لا يخلو عن قوّة.

[٢٩٤٢] مسألة ٦٦ : إذا استقرض من ابتداء سنته لمئونته أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح يجوز له وضع مقداره (*) من الربح (٢).

______________________________________________________

الأدلّة إنّما هي المئونة الفعليّة لا التقديريّة وبنحو القضيّة الشرطيّة لكي تحتسب القيمة ، والمفروض انتفاء الفعليّة ، فلا موضوع للاستثناء.

ولو فرضنا الإجمال في تلك الأدلّة كان المرجع إطلاقات الخمس ، للزوم الاقتصار في المخصّص المنفصل المجمل الدائر بين الأقل والأكثر على المقدار المتيقّن وهي المئونة الفعليّة ، شأن كلّ عنوان أُخذ في موضوع الحكم ، فيرجع في التقديريّة إلى إطلاقات الخمس في كلّ فائدة كما عرفت.

(١) فيجب الخمس فيما قتّر ، لزيادته على المئونة وإن كان لم يجب لو صرفه فيها ، لكون العبرة كما عرفت آنفاً بالصرف الفعلي لا التقديري ، فلا يستثني المقدار إن لم يصرف إمّا للتقتير أو لتبرّع شخص آخر ، بل المستثنى خصوص ما صرفه خارجاً في المئونة. فهذه المسألة من متفرّعات المسألة السابقة ونتائجها. فلو كانت مئونته مائة دينار فصرف خمسين وجب الخمس في الخمسين الباقية.

(٢) هذا وجيه ، بناءً على ما اختاره من أنّ مبدأ السنة من حين الشروع في الاكتساب ، فتُستثنى المئونة حينئذٍ من الربح المتأخّر ، ولكن عرفت عدم

__________________

(*) فيه إشكال ، بل منع ، نعم يستثني مقداره إذا كان بعد حصول الربح.

٢٥٩

[٢٩٤٣] مسألة ٦٧ : لو زاد ما اشتراه وادّخره للمئونة من مثل الحنطة والشعير والفحم ونحوها ممّا يصرف عينه فيها يجب إخراج خمسه عند تمام الحول (١) ، وأمّا ما كان مبناه على بقاء عينه والانتفاع به مثل الفرش والأواني والألبسة والعبد والفرس والكتب ونحوها فالأقوى عدم الخمس فيها. نعم ، لو فرض الاستغناء عنها فالأحوط (*) إخراج الخمس منها ، وكذا في حليّ النسوان إذا جاز وقت لبسهنّ لها.

______________________________________________________

الدليل عليه ، بل ظاهر الأدلّة أنّ مبدأها ظهور الربح مطلقاً فيجوز صرفه في المئونة. وأمّا إخراج مقدار المئونة المصروفة سابقاً ووضعه من الربح المتأخّر فلا دليل عليه بوجه.

نعم ، قد يتحمّل في بعض الموارد مصارف في سبيل تحصيل الربح ، كالسفر إلى بلاد بعيدة ، كما لو اشترى بضاعة من بغداد بمائة دينار مثلاً وذهب إلى لندن فباعها بخمسمائة ، فإنّ ذلك يتكلّف بطبيعة الحال مصارف مأكله ومسكنه وأُجور الطائرة ونحو ذلك. فإنّ هذا كلّه يخرج عن الربح المتأخّر قطعاً ، بل لا ربح حقيقةً إلّا فيما عداه.

ولكن هذا خارج عن محلّ الكلام كما مرّ ، فإنّ الكلام في مئونة الشخص وعائلته ، لا في مئونة الربح والتجارة ، فإنّه لا كلام في استثنائها ، بل لا يصدق الربح إلّا بعد إخراجها كما عرفت.

(١) فإنّ الزائد على ما استهلكه خلال السنة غير معدود من المئونة ، فلا وجه لاستثنائه ، فتشمله إطلاقات الخمس في كلّ فائدة.

__________________

(*) لا بأس بتركه ، نعم لو باعها وربح فيه تعلّق الخمس بالربح ، وكذا الحال في حليّ النسوان.

٢٦٠