موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا ثانياً : فلقرب دعوى أنّ السؤال ناظر إلى جهة الوجوب الفعلي ، إذ لم يسأل أنّه هل في المال خمس أو لا حتى يكون ظاهراً في الحكم الوضعي ليلتزم بالاستثناء ، بل يقول : هل عليه خمس؟ ولا ريب أنّ كلمة «على» إذا دخلت على الضمير الراجع إلى الشخص ظاهرةٌ حينئذٍ في التكليف وغير ناظرة إلى الوضع. وعليه ، فلو سلّمنا أنّ الدفع كان بعنوان الإيجار فالسؤال ناظر إلى وقت الإخراج وأنّه هل يجب الخمس فعلاً أو بعد العودة من الحجّ؟ فجوابه (عليه السلام) : بأنّه ليس عليه الخمس ، أي ليس عليه ذلك فعلاً ، لا أنّ هذا المال لم يتعلّق به الخمس.

وعلى كلّ حال ، فلا ينبغي الإشكال في أنّه لا فرق فيما ينتفع الإنسان بين اجرة الحجّ وغيرها ، واحتمال التخصيص باطل جزماً.

تنبيه :

قد عرفت فيما مرّ وجوب الخمس في أرباح عامّة التجارات والتكسّبات التي منها الإجارات.

وهل يختصّ ذلك بإجارة الأعمال أو المنافع لسنة واحدة ، أو يعمّ الأُجرة المستلمة عن السنين العديدة؟ فلو آجر نفسه للخياطة أو البناية سنتين ، أو آجر داره للسكنى عشر سنين مثلاً وتسلّم فعلاً تمام الأُجرة ، فهل يجب عليه في انتهاء السنة تخميس تمام ما أخذه بعد استثناء المئونة لكونها بأجمعها من أرباح هذه السنة؟ أو لا يجب إلّا تخميس ما يتعلّق بهذه السنة فقط إن كان باقياً ولم يصرف في مئونة السنة كما هو المفروض ، وأمّا الزائد عليه فهو من أرباح السنين الآتية ، فيراعي اجرة كلّ سنة في سنتها؟

وهكذا الحال فيما لو فرضنا أنّه آجر نفسه لعمل في السنة الآتية كفريضة الحجّ أو أنّه آجر داره للسكنى في السنة الآتية وقد تسلّم الأُجرة فعلاً ، فهل

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

يجب تخميسها إذا بقيت ولم تصرف في المئونة؟

أمّا بالإضافة إلى إجارة الأعمال فلا ينبغي الإشكال في عدم احتساب الزائد على السنة الواحدة ، لعدم صدق الفائدة على الأكثر من ذلك ، فإنّه وإن ملك أُجرة السنة الآتية وقد تسلّمها حسب الفرض إلّا أنّه بإزاء ذلك مدينٌ فعلاً بنفس العمل في السنة الآتية ، ولا بدّ من استثناء الدين في تعلّق الخمس ، فإنّه من المؤن فلا يصدق أنّه استفاد بلا عوض ليتعلّق به الخمس.

فالمقام نظير ما لو استدان مبلغاً وبقي عنده إلى نهاية السنة ، فإنّه لا خمس فيه وإن كان ملكاً له ، لكونه مديناً بمقداره للغير ، ولا فرق في استثناء الدين بين المتعلّق بالأموال أو الأعمال ، لاشتغال الذمّة الموجب للاحتساب من المئونة في الموردين بمناط واحد كما هو ظاهر ، فلا يصدق في شي‌ء منهما عنوان الفائدة.

وأمّا بالنسبة إلى إجارة المنافع فصريح بعض الأعاظم (١) (قدس سرهم) هو الاحتساب ، وكأنّه لأجل عدم كون المنفعة ديناً فلا تقاس بالعمل ، فكانت الأُجرة منفعة خالصة ومصداقاً للفائدة فوجب تخميسها بعد دخولها في عنوان الإجارات.

ولكنّه غير ظاهر ، لاستيجاب هذا النوع من الإيجار نقصاً في ماليّة العين بطبيعة الحال ، ضرورة أنّ الدار المسلوبة المنفعة عشر سنين مثلاً أو أقلّ تسوى بأقلّ منها لو لم تكن مسلوبة ، فكانت تقوّم بألف والآن بثمانمائة مثلاً ولا شكّ أنّ هذا النقص لا بدّ من احتسابه ومراعاته عند ملاحظة الفائدة. فلا يستثني من الأُجرة التي تسلّمها خصوص مئونة هذه السنة ، بل يراعي النقص المزبور أيضاً.

__________________

(١) هو السيِّد الحكيم (قدس سره) في منهاجه في مسألة ٤٥ من كتاب الخمس.

٢٢٢

[٢٩٢٦] مسألة ٥٠ : إذا علم أنّ مورثه لم يؤدّ خمس ما تركه وجب إخراجه (*) (١) ، سواء كانت العين التي تعلّق بها الخمس موجودة فيها أم كان الموجود عوضها ، بل لو علم (**) باشتغال ذمّته بالخمس وجب إخراجه من تركته مثل سائر الديون.

______________________________________________________

فلو فرضنا أنّ الدار تسوى ألف دينار ، وقد آجرها عشر سنين بأربعمائة دينار ، وتسلّم الأُجرة بتمامها ، وصرف منها في مئونته مائة دينار ، فكان الباقي له عند انتهاء السنة ثلاثمائة دينار ، لم يجب الخمس في تمامه ، بل ينبغي تخريج مقدارٍ يجير به النقص الوارد على الدار الناشئ من كونها مسلوبة المنفعة تسع سنين. فلو فرضنا أنّ قيمتها في هذه الحالة ثمانمائة دينار فنقصت عن قيمتها السابقة مائتان ، يستثني ذلك عن الثلاثمائة ، ولم يجب الخمس إلّا في مائة دينار فقط ، إذ لم يستفد أكثر من ذلك ، ولا خمس إلّا في الغنيمة والفائدة دون غيرها.

(١) قد يكون الخمس ديناً في ذمّة الميّت ، وأُخرى عيناً في تركته إمّا مع بقائها أو مع تبدّلها بعين اخرى كما هو المتعارف خارجاً ، حيث يربح أوّل السنة مقداراً ثمّ يشتري به شيئاً آخر ثمّ يبيعه ويشتري به آخر وهكذا ، فيكون الثاني بدلاً عمّا تعلّق به الخمس أوّلاً.

أمّا في الدين : فلا ينبغي الشكّ في وجوب الإخراج من التركة ، إذ لا إرث إلّا بعد الدين ، بمقتضى قوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) (١).

وأمّا في العين : فإن كان الميّت ملتزماً بالخمس ولكن لم يحن أوانه فمات

__________________

(*) على الأحوط.

(**) وجوب الإخراج فيه أظهر من سابقه.

(١) النساء ٤ : ١١.

٢٢٣

[٢٩٢٧] مسألة ٥١ : لا خمس فيما ملك (*) بالخمس أو الزكاة أو الصدقة المندوبة (١) وإن زاد عن مئونة السنة. نعم ، لو نمت في ملكه ففي نمائها يجب كسائر النماءات.

______________________________________________________

أثناء السنة أو أنّه تساهل وتسامح قليلاً في أدائه فصادف حتفه ، فلا ينبغي الإشكال أيضاً في وجوب الإخراج ، إذ لم يدلّ دليل على السقوط بالموت ، فإنّ المال كان مشتركاً بين المالك وأرباب الخمس ، ولا دليل على رفع الاشتراك وانقلابه إلى الاختصاص بالورثة.

وأمّا إذا لم يكن ملتزماً بالخمس ، أو لم يكن معتقداً ، فهل تشمل أدلّة التحليل مثل ذلك ، أو لا؟

فيه كلام سيأتي البحث حوله إن شاء الله تعالى في المسألة الأخيرة من كتاب الخمس (١) عند تعرّض الماتن لما إذا انتقل المال ممّن لا يعتقد بالخمس ، ونتكلّم في نصوص التحليل من جهة الشمول للإرث وعدمه.

(١) كما عن جماعة من الأصحاب ، وعلّله بعضهم بأنّ المستحقّ من السادة أو الفقراء يدفع إليه ما هو ملك له ويطلبه ، ومعه يشكل صدق الفائدة ، لانصرافها عنه.

ولكن هذا الوجه لعلّه واضح الاندفاع :

إذ فيه أوّلاً : أنّه لا يجري في الصدقة المندوبة.

وثانياً : أنّه لا يجري في الزكاة ، بناءً على ما مرّ من أنّ الفقير مصرف للزكاة

__________________

(*) فيه إشكال ، والتخميس أحوط إن لم يكن أقوى.

(١) في ص ٣٥٤.

٢٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لا أنّه مالك لها. وعلى تقدير التسليم فالمالك هو طبيعي الفقير ، وأمّا الشخص فإنّما يملكه بالقبض ، فيحصل على ملك وفائدة بعد أن كان بشخصه فاقداً لها ، كما هو الحال في الخمس ، حيث إنّه ملك لكلّي السادة.

وثالثاً : منع الكبرى ، إذ لا منافاة بين مطالبة الملك وبين صدق الفائدة ، فإنّ الأجير أيضاً يطلب ملكه وهو الأُجرة ، كما أنّ من باع بأكثر من الثمن يطلب ما يملكه مع صدق الفائدة فيهما بالضرورة.

نعم ، لو كان موضوع الخمس عنوان التكسّب لم يجب في المقام ، لانتفاء الموضوع. أمّا إذا كان الموضوع مطلق الفائدة كما مرّ غير مرّة فهي صادقة على الكلّ ، والملكيّة لو لم تكن معاضدة لم تكن معاندة. فالأظهر وجوب الخمس حتى في الخمس والزكاة فضلاً عن الصدقة المندوبة.

نعم ، إنّ هاهنا إشكالاً معروفاً تعرّضوا له في بحث حجّيّة الخبر الواحد ، وهو أنّ دليل الحجّيّة لا يشمل الأخبار مع الواسطة ، نظراً إلى لزوم تحقّق الخبر وفرض وجوده قبل تعلّق الحكم عليه بالحجّيّة ، ضرورة سبق الموضوع على الحكم ، مع أنّ خبر الواسطة كالمفيد إنّما يتحقّق لدينا بعد الحكم بحجّيّة خبر العادل لكي نتعبّد بصدق من يخبرنا عنه بلا واسطة كالشيخ ، فخبر المفيد يتوقّف ثبوته على حجّيّة الخبر ، مع أنّ الحجّيّة متوقّفة على فرض وجوده كما عرفت.

فعلى ضوء هذا الإشكال يستشكل في المقام أيضاً بأنّ ملكيّة السادة للخمس إنّما كانت بأدلّة الخمس ، فهذه الفائدة مترتّبة على تشريع الخمس فلا تكون موضوعاً للخمس.

والجواب عنه في الموردين بكلمة واحدة ، وهي أنّ القضيّة انحلاليّة ، وكلّ فرد من الحكم يولّد موضوعاً يتعلّق به حكم آخر ، نظير قيام البيّنة على قيام البيّنة ، حيث تثبت بالبيّنة الاولى بيّنة اخرى تثبت لها الحجّيّة ، فالحكم الثابت

٢٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

للفرد الأوّل يشكّل الحكم الثابت للفرد الآخر وإن أُنشئ الكلّ بإنشاء واحد وعلى سبيل القضيّة الحقيقيّة. فلا مانع إذن من تعلّق الخمس بكلّ ما هو مصداق للفائدة وإن كان تكوّنها معلولاً لتشريع الخمس وإيجابه بعد أن كان الوجوب انحلاليّاً لا حكماً وحدانيّاً. وهكذا الحال في الزكاة.

وأمّا الصدقة فالأمر فيها أوضح ، إذ هي عين الهبة ، ولا فرق إلّا من ناحية اعتبار قصد القربة غير المؤثّر في صدق ما هو موضوع الخمس ، أعني : الفائدة بالضرورة.

نعم ، هناك رواية وردت في خصوص الخمس استدلّ بها صاحب الوسائل على عدم وجوبه فيما يصل من صاحب الخمس ، وهي رواية ابن عبد ربّه ، قال : سرّح الرضا (عليه السلام) بصلة إلى أبي ، فكتب إليه أبي : هل عليّ فيما سرّحت إليّ خمس؟ فكتب إليه : «لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس» (١).

فربّما يتوهّم دلالتها على أنّ ما أُخذ خمساً فلا خمس فيه.

ولكنّه كما ترى ، فإنّ الرواية لو تمّت خاصّة بموردها أعني : ما إذا كان المعطي هو الإمام (عليه السلام) الذي هو صاحب الخمس دون غيره ، إذ الصاحب هو من له الولاية على الخمس ، وهو خصوص الإمام كما يفصح عنه (عليه السلام) : «والله ما له صاحب غيري» ، فغايته أنّ هديّة الإمام المسرّح بها منه أو من قبل نائبه على القول بملكيّة سهم الإمام (عليه السلام) لا خمس فيها ولا ربط لها بما نحن فيه من عدم الخمس فيما ملك بالخمس.

وإن شئت قلت : إنّ الرواية تنفي الخمس عن المال المملوك هديّةً لا المملوك خمساً الذي هو محلّ الكلام ، فلا تدلّ بوجه على أنّ السيِّد إذا أخذ المال ممّن

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٠٨ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١١ ح ٢.

٢٢٦

[٢٩٢٨] مسألة ٥٢ : إذا اشترى شيئاً ثمّ علم أنّ البائع لم يؤدّ خمسة كان البيع بالنسبة إلى مقدار الخمس فضوليّاً (*) (١) ، فإن أمضاه الحاكم رجع عليه بالثمن ويرجع هو على البائع إذا أدّاه ، وإن لم يمض فله أن يأخذ مقدار الخمس من المبيع ، وكذا إذا انتقل إليه بغير البيع من المعاوضات ، وإن انتقل إليه بلا عوض يبقى مقدار خمسه على ملك أهله.

[٢٩٢٩] مسألة ٥٣ : إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلّق بها الخمس

______________________________________________________

وجب عليه الخمس لم يجب عليه الخمس.

وتوهم أنّ المراد بالصاحب هو السيِّد واضح الضعف ، فإنّه مصرفه وليس بصاحبه.

على أنّ الرواية ضعيفة السند بسهل بن زياد ، فلا يعوّل عليها.

(١) لأنّه باع ما لا يملك ، فللحاكم الشرعي الذي هو وليّ الأمر الإمضاء إن رأى فيه مصلحة ، وإلّا فيبطل ، وله الرجوع حينئذٍ إلى أيٍّ منهما شاء من جهة تعاقب الأيدي كما في سائر المعاملات الفضوليّة ، وقد تقدّم كلّ ذلك مستقصًى في باب الزكاة وقلنا : إنّ البائع إذا أدّى بعد ذلك يحكم بالصحّة من غير حاجة إلى الإجازة ، لدخوله في كبرى من باع ثمّ ملك ، وذكرنا رواية دلّت عليه وردت في الركاز (١).

ولكن هذا كلّه مبني على عدم شمول نصوص التحليل للمقام أعني :

__________________

(*) لا تبعد صحّة البيع وتعلّق الخمس بالثمن ، وصحّة النقل بلا عوض مع تعلّق الخمس بذمّة الناقل ، كلّ ذلك فيما إذا كان المنتقل إليه شيعيّاً.

(١) شرح العروة ٢٣ : ٣٧٩ ٣٨٠.

٢٢٧

أو تعلّق بها لكنّه أداه فنمت وزادت زيادةً متّصلةً أو منفصلةً وجب الخمس في ذلك النماء (١) ، وأمّا لو ارتفعت قيمتها السوقيّة من غير زيادة عينيّة لم يجب خمس تلك الزيادة ، لعدم صدق التكسّب ولا صدق حصول الفائدة. نعم ، لو باعها لم يبعد وجوب خمس (*) تلك الزيادة من الثمن. هذا إذا لم تكن تلك العين من مال التجارة ورأس مالها ، كما إذا كان المقصود من شرائها أو إبقائها في ملكه الانتفاع بنمائها أو نتاجها أو أُجرتها أو نحو ذلك من منافعها. وأمّا إذا كان المقصود الاتّجار بها فالظاهر وجوب خمس ارتفاع قيمتها بعد تمام السنة إذا أمكن بيعها وأخذ قيمتها.

______________________________________________________

الخمس بدعوى اختصاصها بالمال الواصل ممّن لا يعتقد الخمس. وعليه ، فيجري في الخمس ما أسلفناه في الزكاة بمناط واحد.

وأمّا لو عمّمنا تلك النصوص للمال الواصل من كلّ من لم يؤدّ خمسه ولو عصياناً بحيث تشمل فسّاق الشيعة كما لا يبعد على ما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى (١) فالمعاملة حينئذٍ إذا كان المشتري مؤمناً ممضاة وصحيحة ولم تكن فضوليّة ، غايته أنّ الخمس ينتقل إلى البدل إن كان لها بدل كالبيع ، وإلّا فإلى الذمّة كما في مثل الهبة.

(١) تعرّض (قدس سره) في هذه المسألة لحكم الزيادة العينيّة من النماء المنفصل أو المتّصل ، أو الحكميّة كارتقاء القيمة السوقيّة بالإضافة إلى المال

__________________

(*) هذا إذا كان الانتقال إليه بشراء أو نحوه من المعاوضات ، وأمّا في غير ذلك كموارد الإرث والهبة بل المهر فالظاهر عدم الوجوب حتى فيما إذا كان المقصود من الإبقاء الاتّجار به.

(١) في ص ٣٥٤.

٢٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي لم يتعلّق به الخمس من أصله كالإرث أو الذي قد أدّى خمسه ، فهل يجب الخمس في تلك الزيادة أو لا؟

أمّا في النماء المنفصل كنتاج الحيوان ويلحق به ثمر البستان فلا ينبغي الشكّ فيه ، والظاهر أنّه لم يستشكل فيه أحد ، فإنّه موجود مستقلّ منعزل عمّا لا خمس فيه ، ومصداق بارز للفائدة ، فلا مناص من تخميسه.

نعم ، بناءً على اختصاص الخمس بالكسب لم يجب ، إذ لا كسب في مورد النماء المزبور ، فإنّه قد ورث مقداراً من الحيوان فأولدت ، أو البساتين فأثمرت ، لكن تقدّم بطلان المبنى وأنّ عنوان التكسّب لا مدخل له ، بل العبرة بصدق الفائدة التي لا ينبغي الشكّ في تحقّقها في المقام.

وعلى الجملة : ففي النماء المنفصل وما يلحق به ممّا هو في معرض الانفصال كالثمار لا ينبغي الإشكال في وجوب الخمس.

وهكذا الحال في النماء المتّصل ممّا كانت للزيادة ماليّة عرفاً كالسمن ونمو الشجر ونحو ذلك ، فإنّ الزائد والمزيد عليه وإن كانا في الخارج موجوداً وحدانيّاً لا تعدّد فيه إلّا أنّه لا ينبغي التأمّل في صدق الحصول على فائدة كان فاقداً لها ، حيث كانت عنده قبل هذا سخال وزن الواحدة منها عشر كيلوات مثلاً فنمت وأصبحت أغناماً وزن الواحدة منها خمسون كيلو غراماً مثلاً أو أزيد ، أو كان عنده فسيل وهو الآن شجر كبير.

نعم ، هذه الزيادة لم تتحصّل بالاكتساب وإنّما هي فائدة منحها الله تعالى ، فبناءً على تعلّق الخمس بعامّة الفوائد وإن لم تستند إلى الكسب كما مرّ وجب الخمس في المقام أيضاً.

وعلى الجملة : فمنشأ الخلاف في وجوب الخمس في النماء المتّصل صدق عنوان الفائدة وعدمه ، وإلّا فلم يرد فيه نصّ خاصّ نفياً أو إثباتاً ، وقد عرفت

٢٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

تحقّقه ، فلا ينبغي التأمّل في وجوب تخميس الزيادة العينيّة متّصلة كانت أم منفصلة.

إنّما الكلام في الزيادة الحكميّة الناشئة عن ارتفاع القيمة السوقيّة التي تتّفق في جميع الأجناس ولا سيّما الأراضي مع بقاء العين على حالها كمّاً وكيفاً ، فهل يجب الخمس في هذه الزيادة ، أو لا يجب ، أو أنّ فيه تفصيلاً؟

فنقول : لا كلام في وجوب خمس هذه الزيادة فيما لو حصلت في عين كانت متعلّقة للخمس ولم يؤدّ خمسها ، ضرورة أنّ خمس تمام العين ملك للسادة ، وكما ترقّت قيمة أربعة أخماسها ترقّت قيمة خمسها ، فيجب الخروج عن عهدة خمس العين بقيمتها الفعليّة. وهذا واضح ، بل هو خارج عن محلّ الكلام.

وإنّما الكلام فيما إذا لم تكن العين متعلّقة للخمس من الأوّل كما في الإرث ، أو كانت ولكن أدّى خمسها فأصبح المال بتمامه ملكاً طلقاً له ، وقد زادت القيمة عندئذٍ.

وهذا قد يفرض في المال الذي ملكه من غير معاوضة كالمنتقل إليه بالإرث أو الإحياء مع حاجته إلى ما أحيا لأجل الصرف في السكنى مثلاً أو الاستيلاء على مال مباح لا ربّ له من البرّ أو البحر أو هبة مصروفة في المئونة ، كما لو بذل له أحد داراً للسكنى ، أو قلنا : إنّ الهبة لا خمس فيها ، ونحو ذلك ممّا تملّكه بلا عوض ومن غير أن يقع بإزائه مال ، بل انتقل بما له من الخصوصيّة.

وأُخرى : يفرض فيما تملّكه بسبب المعاوضة من شراء ونحوه ، بحيث يكون المقصود التحفّظ على الماليّة والتبدّل في الخصوصيّة كما هو الشأن في عامّة المعاوضات.

أمّا في الأوّل : فلا ينبغي التأمّل في أنّ زيادة القيمة لا تعدّ فائدة حتى ولو

٢٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

باع العين بأغلى الثمن ، إذ لا يصدق عرفاً أنّه استفاد شيئاً ، بل غايته أنّه بدّل عيناً مكان عين اخرى لا أنّه ربح وغنم ، إذ لم يشتر شيئاً حتى يربح أو يخسر ، والأمر مع عدم البيع أوضح ، لبقاء العين عنده كما كانت بلا زيادة شي‌ء ، والارتفاع أمر اعتباري ينتزع من كثرة الباذل ، فكان مالكاً للبستان مثلاً والآن كما كان يملكه على ما هو عليه ، زادت قيمته أم نقصت.

وعلى الجملة : فسواء باع أم لم يبع لم يربح ، فلم تتحقّق فائدة حتى يجب خمسها.

ويلحق به ما هو شبه المعاوضة كالمهر الذي هو بإزاء الزوجيّة ، فلو أمهرها داراً أو عقاراً أو بستاناً فترقّت قيمتها لم يجب خمسها ، سواء باعها أم لا ، لعين ما عرفت.

ولا يبعد أنّ عبارة الماتن أعني قوله : نعم ، لو باعها لم يبعد ، إلخ منصرفة عن هذا الفرض وناظرة إلى الفرض الآتي ، أعني : ما كان الانتقال بسبب المعاوضة من شراءٍ ونحوه ، بقرينة قوله (قدس سره) بعد ذلك : كما إذا كان المقصود من شرائها ، إلخ.

وكيفما كان ، فلا ينبغي التأمّل في عدم وجوب الخمس في الزيادة في هذه الصورة ، لعدم صدق الفائدة ، من غير فرق بين صورتي البيع وعدمه حسبما عرفت.

وأمّا في الفرض الثاني أعني : ما لو استند التملّك إلى المعاوضة من شراء ونحوه فقد يكون المقصود منها الاتّجار بالتحفّظ على الماليّة وازديادها من غير نظر إلى خصوصيّة المال كما هو الحال في أغلب التجار.

وأُخرى : يكون الغرض منها الانتفاع من نفس العين كسكنى الدار أو ركوب السيّارة ، أو من أُجرتها كما لو أعدهما للإيجار ، أو من نمائها أو نتاجها كما لو

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

اشترى غنماً أو بقراً لينتفع من أصوافها أو ألبانها أو ما يتولّد منها ولو ببيعٍ ونحوه مع التحفّظ على أصل العين كما هو المفروض.

أمّا في القسم الثاني : فلا ينبغي التأمّل في أنّه ما لم يبع العين لا يصدق الربح ، فلا يستوجب ترقّي القيمة صدق عنوان الفائدة لتخمس. نعم ، يتحقّق الصدق بعد البيع ، إذ كان قد اشترى البقرة بخمسين مثلاً وباعها بمائة ، فتكون الخمسون الزائدة ربحاً وفائدةً عرفاً ، فيصحّ أن يقال : إنّه ربح في هذه المعاملة كذا مقداراً.

فيفصّل في هذا القسم بين البيع وعدمه ، فلا يجب الخمس في الثاني ، لانتفاء الفائدة ، ويجب في الأوّل ، لحصول الزيادة على ما اشترى ، وهو معنى الربح عرفاً ، فإنّه إنّما يقاس بالإضافة إلى رأس المال ، فكان مائة فصار ألفاً مثلاً فقد ربح تسعمائة.

ثمّ إنّ هذا واضح فيما إذا كان الثمن من جنس ما اشترى كالمثال ، وأمّا إذا باعه بجنس آخر كالعروض كما لو اشترى شياه بالدنانير ثمّ باعها بالبعير فهل يجب الخمس حينئذٍ؟

استشكل فيه بعضهم ، للتشكيك في صدق الفائدة. ولكنّه في غير محلّه.

ولا فرق في صدق الزيادة المحقّقة لعنوان الفائدة بين كون الثمن من النقود أو العروض ، إذ الاعتبار في نظر العقلاء لدى ملاحظة المعاملة ومقايسة الربح وعدمه بماليّة ما يدخل في الكيس عوضاً عمّا خرج ، ولا نظر بوجه إلى الخصوصيّة الشخصيّة. ومن ثمّ تراهم لا يرتابون في صدق الفائدة مع الزيادة المزبورة.

وإن باعه بنقد آخر غير النقد الذي اشترى به أوّلاً ، كما لو اشترى الشاة بدينار فباعها بليرة ذهبيّة أو ريال سعودي أو إيراني ، فيصحّ أن يقال : إنّه ربح كذا ديناراً ، نظراً إلى أنّه تلاحظ قيمة الدينار لا شخصه. فلا فرق إذن في

٢٣٢

[٢٩٣٠] مسألة ٥٤ : إذا اشترى عيناً للتكسّب بها فزادت قيمتها السوقيّة ولم يبعها غفلةً أو طلباً للزيادة ثمّ رجعت قيمتها إلى رأس مالها أو أقلّ قبل تمام السنة (١) لم يضمن خمس تلك الزيادة ، لعدم تحقّقها في الخارج. نعم ، لو لم يبعها عمداً

______________________________________________________

صدق الفائدة بين كون الثمن الثاني من جنس الثمن الأوّل أو من غيره. وعلى الثاني لا فرق بين النقود والعروض ، لكون الملحوظ هي الماليّة التي هي الميزان عند العقلاء حسبما عرفت.

وأمّا في القسم الأوّل ، أعني ما إذا كان المقصود من المعاوضة التجارة والازدياد في الماليّة من غير نظر إلى الخصوصيّات الفرديّة ، كما هو شأن عامّة التجار ، حيث إنّ كلّ من أعدّ نفسه للاتّجار كالبقّال الذي يبيع الأرز والحبوبات ونحوها لا همّ له بعد المحافظة على أصل المال سوى الزيادة على الماليّة والعثور على الغنيمة والفائدة من غير نظر إلى الخصوصيّات والأشخاص ، فحينئذٍ لو اشترى السلعة أوّل السنة رخيصاً فازدادت القيمة آخر السنة فالظاهر وجوب الخمس في الزيادة ، لصدق الربح والفائدة من غير أن يتوقّف الصدق المزبور عرفاً على تحقّق البيع خارجاً ، فإنّ الاستفادة في نظر العقلاء منوطة بزيادة القيمة المقتضية لإمكان التبديل بمال أكثر ، ولا تعتبر فعليّة التبديل.

وبهذا الاعتبار يقال : إنّ فلاناً أكثر ثروة من فلان ، أي أنّ الأموال التي يملكها يمكن بيعها بأكثر ممّا يباع به مال الآخر. فالعبرة بأوفريّة القيمة لا بفعليّة التبديل خارجاً. وعليه ، فيجب الخمس في زيادة القيمة ، سواء أباع بالزيادة أم لم يبع ، كما أفاده في المتن.

(١) فصّل (قدس سره) بين ما إذا كان التنزّل قبل تمام السنة ، وبين ما إذا

٢٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

كان بعدها ، وحكم بالضمان في خصوص الثاني ، وعلّل عدمه في الأوّل بعدم تحقّق الزيادة في الخارج.

أقول : الظاهر أنّه (قدس سره) لا يريد الزيادة الماليّة ، كيف؟! وهي لا تتوقّف على البيع الخارجي كما صرّح (قدس سره) به في المسألة السابقة ، ولأجله التزم هناك بوجوب خمس الارتفاع بمجرّد التمكّن من البيع وإن لم يتحقّق خارجاً.

ولا يبعد أنّه (قدس سره) يريد به الزيادة على مئونة السنة ، حيث إنّ الخمس وإن تعلّق أوّل ظهور الربح إلّا أنّ استقرار الوجوب إنّما هو بعد انتهاء السنة وفيما يزيد على المؤن المصروفة فيها أو التالفة قهراً خلالها كما في المقام ، فلا خمس إلّا فيما يبقى له خالصاً زائداً عمّا تلف وما صرف ، ولا شكّ أنّ الزيادة بهذا المعنى غير متحقّقة في المقام ، لفرض تنزّل القيمة أثناء السنة بعد ارتفاعها ، فقد تلفت تلك الزيادة خلال السنة وقبل أن يستقرّ الوجوب ، ومن الواضح عدم كونه موجباً للضمان بعد أن رخّص له الشارع في التأخير فضلاً عن استناده إلى الغفلة أو كونه بنيّة صالحة ولغاية عقلائيّة وهي طلب الزيادة فاتّفق العكس ، فلم يكن مثل هذا الإبقاء والتأخير تعدّياً ولا تفريطاً في حقّ السادة ليستتبع الضمان.

وبذلك افترق هذا الفرض عن الفرض الثاني أعني : ما كان التنزّل في القيمة بعد انقضاء السنة واستقرار وجوب الخمس إذ هنا قد تحقّقت الزيادة على المئونة خارجاً بحيث يصحّ أن يقال : إنّ هذه زيادة لم تتلف ولم تصرف في مئونة السنة فيجب خمسها ، فلو أخّر عمداً ضمن لو تنزّلت وإن كان من قصده زيادة الربح ، إذ ليس للمالك الولاية على ذلك حتى إذا كان بصالح أرباب الخمس في اعتقاده.

وعلى الجملة : يفترق الفرض الأوّل عن الثاني في عدم صدق الزيادة على

٢٣٤

بعد تمام السنة واستقرار وجوب الخمس ضمنه (*) (١).

______________________________________________________

المئونة في الأوّل ، فلا خمس كما لا ضمان لو تنزّلت ، لأنّ التأخير كان بترخيص شرعي وإجازة من وليّ الأمر ، وهذا بخلاف الثاني ، إذ بعد فعليّة الوجوب من أجل صدق الزيادة على المئونة خارجاً كان التأخير غير المستند إلى الترخيص الشرعي ولو كان لغرض عقلائي تعدّياً وتفريطاً ، فيضمن لا محالة بعد كونه عامداً وغير معذور شرعاً في عدم البيع كما افترضه في المتن.

(١) لا يخفى أنّ ظاهر العبارة تعلّق الضمان بالخمس من تلك الزيادة التالفة بالتنزّل ، فيكون الضمان بمقدار الخمس ممّا تلف ، فلو فرضنا أنّ قيمة العين كانت خمسين ديناراً فزادت وصارت في آخر السنة مائة دينار ثمّ رجعت بعد تمام السنة إلى الخمسين ، ضَمِنَ عشرة دنانير التي هي خمس الخمسين التالفة بعد زيادتها.

بل قد يفرض استيعاب الخمس لجميع المال ، كما لو كانت قيمة العين عشرين ديناراً فزادت ترقّياً فاحشاً حتى بلغت مائة وعشرين ديناراً ثمّ تنزّلت إلى ما كانت عليه من العشرين ، فيجب حينئذٍ دفع تمام العشرين الذي هو خمس المائة الزائدة. بل قد يحتاج إلى الإتمام من مالٍ آخر ، كما لو بلغت القيمة في المثال المزبور إلى تمام المائتين فكانت القيمة الزائدة على أصل المال مائة وثمانين ديناراً ثمّ تنزّلت إلى ما كانت عليه من العشرين ، فإنّ اللازم حينئذٍ دفع ستّة وثلاثين ديناراً خمس القيمة الزائدة ، فيزيد الخمس على أصل المال بستّة عشر ديناراً.

__________________

(*) في التعبير بالضمان مسامحة ، والصحيح أن يقال : إنّه لم يسقط الخمس عن الباقي بالنسبة.

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الجملة : فظاهر ما في المتن من التعبير بالضمان هو ما ذكرناه ، مع أنّه لا دليل عليه بوجه ، ضرورة أنّ نقصان الماليّة لا يستوجب الضمان بتاتاً ، لانحصار موجب الضمان بتلف المال ، إمّا ذاتاً أو وصفاً ، كما لو جعله معيباً ، حيث يضمن حينئذٍ صفة الصحّة ، وأمّا تلف الماليّة التي هي أمر اعتباري لا تكاد تقع تحت اليد فليس هو من موجبات الضمان ، إلّا إذا أتلف تمام الماليّة بحيث كانت العين معه في حكم التالف وإن كانت موجودة ، كما لو غصب نقداً رائج المعاملة كالدينار فسقط عن الاعتبار وأصبح قرطاساً لا يسوى فلساً واحداً ، فإنّه نظير المال الملقى في البحر في السقوط عن الماليّة وإن كانت العين موجودة. وأمّا دون البلوغ هذا الحدّ بحيث كانت الماليّة باقية وإن نقصت عمّا كانت عليه فطرأ التلف على مقدار من الماليّة لا على نفس المال ، فلم يدلّ أيّ دليل على ضمانها.

ومن ثمّ لو غصب مالاً فأبقاه عنده حتى نزلت قيمته السوقيّة ثم ردّه إلى المالك خرج عن عهدة الضمان وإن كان آثماً ، إذ أنّ ضمان اليد مغيّا بالأداء بمقتضى ما ورد من قوله أنّ : «على اليد ما أخذت حتى تؤدِّي» (١) ، وقد أدّى العين بنفسها حسب الفرض ، ولا دليل على ضمان الماليّة التالفة التي هي أمر اعتباري لا تقع تحت اليد كما عرفت.

وعليه ، فالتعبير بالضمان كما جاء في المتن كأنه في غير محلّه ، بل كان الأولى أن يعبّر بعدم سقوط الخمس بدلاً عن التعبير بالضمان ، إذ لا موجب لسقوط الخمس بعد استقراره بالتنزّل ، بل هو بعدُ باقٍ في العين ، فتخمّس نفس هذه العين بنفس تلك النسبة التي كانت عليها.

ففي المثال السابق حينما ترقّت العين من العشرين إلى المائة والعشرين وتعلّق الخمس بالمائة الزائدة ، فبما أنّ المالك يملك رأس المال بضميمة أربعة أخماس

__________________

(١) المستدرك ١٤ : ٧ / كتاب الوديعة ب ١ ح ١٢.

٢٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الزيادة فمرجع ذلك إلى تعلّق حقّ السادة بسدس ماليّة العين الفعليّة ، لأنّ نسبة العشرين الذي هو خمس الزيادة إلى المائة والعشرين التي هي القيمة الفعليّة هي السدس ، فإذا تنزّلت القيمة ورجعت إلى ما كانت عليه من العشرين تستحقّ السادة حينئذٍ من العين نفس النسبة التي كانوا يستحقّونها أوّلاً أعني : السدس فتقسّم العشرون ستّة أجزاء : جزء للسادة ، والباقي للمالك ، لا أنّه يضمن ذلك الخمس لكي يؤدِّي تمام العشرين.

وهكذا الحال في بقيّة الموارد ، فلو كان رأس المال ثمانين ديناراً فربح آخر السنة عشرين فكان الخمس أربعة التي نسبتها إلى المائة نسبة الواحد إلى الخمسة والعشرين ، فلو رجعت القيمة إلى الأوّل أعني : الثمانين قسّمت على خمسة وعشرين ، وكان جزء منها خمساً والباقي للمالك ، وهكذا.

ولكن هذا المعنى لا يساعده ظاهر العبارة ، بل ظاهرها ضمان نفس الخمس من الزيادة التالفة ، وقد عرفت أنّه لا وجه له ، لعدم استيجاب نقص الماليّة للضمان في أيّ مورد كان ، حتى في موارد الغصب الذي هو من أشدّ أنواع الضمان ، بحيث ورد كما قيل أنّ الغاصب يؤخذ بأشقّ الأحوال ، فمع بقاء العين يجب الأداء من ماليّة العين على النسبة التي كانت عليها سابقاً حسبما عرفت.

والتحقيق : ابتناء المسألة على كيفيّة تعلّق الخمس بالأعيان :

فبناءً على أنّ الخمس متعلّق بالعين كما هو ظاهر أدلّة وجوبه ، وقد صرّح به الماتن (قدس سره) في المسألة ٧٥ فلا أثر لتنزّل القيمة بعد تعلّق الوجوب وتأخير الأداء في الضمان ، فإنّ متعلّق الحقّ هو نفس العين الخارجيّة وهي موجودة من دون نقصان ، وإنّما النقيصة في أمر اعتباري وهو القيمة ، ولا موجب للضمان بالإضافة إليه.

ولا فرق في ذلك بين القول بأنّ التعلّق من باب الإشاعة كما هو الصحيح ، أو

٢٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

من باب الكلّي في المعيّن على ما اختاره ، فإنّ متعلّق الحقّ على كلا التقديرين هو الخمس من العين الموجودة ، وإنّما يفترقان في جواز التصرّف في غير مقدار الخمس قبل أدائه وعدم جوازه ، وهذا أمر آخر خارج عن محلّ الكلام.

نعم ، إذا قلنا أنّ الخمس متعلّق بالماليّة وأنّها من قبيل الكلّي في المعيّن ، وجب الخروج عن عهدة ذاك المقدار المعيّن من الكلّي ، ولا أثر لتنزّل القيمة أو ارتفاعها في ذلك أبداً ، نظير ما لو كان الميّت مديناً بمبلغ معيّن كمائة دينار فإنّه يجب إخراج هذا المقدار من عين التركة ثمّ التقسيم بين الورثة ، سواء أترقّت القيمة السوقيّة للتركة لدى إرادة التقسيم أم تنزّلت ، لكونه مديناً بعين هذا المقدار ، ولا إرث إلّا بعد الدين.

ونظيره أيضاً ما لو أوصى الميّت بمقدار معيّن من ثلثه كعشرة دنانير ولو بوصيّة عهديّة ، فإنّه يجب إخراج هذا المقدار المعيّن من تركته التي كانت تسوى عند موته مائة دينار مثلاً سواء أترقّت بعد ذلك فصارت مائتين أم تنزّلت فصارت خمسين ، فلا فرق في ذلك بين صعود القيمة ونزولها ، لتعلّق الحقّ بمقدار معيّن من المال تعلّقه بالعين نحو تعلّق الكلّي في المعيّن ، فلا يستوجب تغييرها تبديلاً في هذا التقدير الخاصّ.

ففي المقام أيضاً بناءً على هذا المبنى حينما ارتفعت القيمة من العشرين إلى المائة والعشرين في المثال المتقدّم واستقرّ عليه خمس الزيادة وهو العشرون لزمه الخروج عن عهدة هذا المقدار المعيّن واشتغلت ذمّته للسادة بهذه الكمّيّة الخاصّة ، ولا تأثير لتنزّل القيمة في تغيير الذمّة عمّا اشتغلت به وإن عادت إلى ما كانت عليه من العشرين على ما هو الشأن في عامّة موارد الكلّي في المعيّن.

فما ذكره في المتن من ضمان خمس الزيادة مبني على هذا القول ، لكنّه (قدس سره) لا يلتزم به.

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا بناءً على ما هو الحقّ من أنّه من قبيل الشركة والإشاعة في العين كما هو ظاهر قوله تعالى (فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ) ، إلخ ، أو القول بأنّه من قبيل الكلّي في المعيّن في نفس العين ، فلا ضمان حينئذٍ ، بل اللّازم إخراج الخمس من ماليّة هذه العين على النسبة التي كانت عليها حسبما بيّناه.

ونظير المقام : إرث الزوجة ممّا ثبت في الأراضي من بناء وأشجار ونحوها ، حيث إنّها ترث من ماليّتها وقيمتها لا من عينها ، فهي ما لم تدفع إليها القيمة تشارك الورثة في مالية تلك الأعيان بمقدار الثمن. ولأجله كان ما تسلّمته من القيمة تتلقّاه في الحقيقة عن نفس الميّت وبعنوان الإرث منه ، لا أنّه عطيّة يبذلها إليها الوارث. وعليه ، فيختلف مقدار تلك الماليّة باختلاف القيمة السوقيّة صعوداً ونزولاً ، فلو تنزّلت القيمة عمّا كانت عليه عند الموت يردّ النقص عليها أيضاً ، لأنّها إنّما تستحقّ بمقدار الثمن ولا يضمنها الوارث بوجه.

ونظير ذلك أيضاً : الوصيّة بالثلث ، فإنّ تنزّل القيمة يستلزم ورود النقص على الثلث كالأصل من غير أن يضمنها الوارث كما هو ظاهر.

وملخّص الكلام : أنّ نقصان الماليّة لا ضمان فيه كما أسلفناك ، وأمّا خمس الزيادة التالفة بالتنزّل فضمانه مبني على أنّ تعلّق الخمس من قبيل الكلّي في المعيّن في الماليّة ، وأمّا على المختار من أنّه من قبيل الشركة في العين أو القول بأنّه من قبيل الكلّي في المعيّن في نفس العين فلا ضمان ، بل يجب التخميس بنفس النسبة التي كانت عليها قبل التنزّل حسبما عرفت.

٢٣٩

[٢٩٣١] مسألة ٥٥ : إذا عمّر بستاناً وغرس فيه أشجاراً ونخيلاً للانتفاع بثمرها وتمرها لم يجب الخمس في نموّ تلك الأشجار (*) والنخيل (١) ، وأمّا إن كان من قصده الاكتساب بأصل البستان فالظاهر وجوب الخمس في زيادة قيمته وفي نموّ أشجاره ونخيله.

______________________________________________________

(١) فصّل (قدس سره) بين ما إذا كان من قصده الاتّجار والاكتساب بأصل البستان ، وبين ما إذا كان الانتفاع بثمره.

ففي الأوّل : يجب الخمس في مطلق الزيادة من النماء المتّصل أو المنفصل أو زيادة القيمة ، لصدق الربح في الجميع كما تقدّم. وقد عرفت أنّ المناط في صدقه بالإضافة إلى ما هو معدّ للتكسّب هو الازدياد في الماليّة غير المنوط بفعليّة البيع خارجاً ، وهو متحقّق في المقام.

وأمّا في الثاني : فقد نفى (قدس سره) الخمس في مطلق الزيادة. ولكنّك خبير بأنّ إطلاق كلامه (قدس سره) ينافي ما تقدّم منه سابقاً من وجوب الخمس في الزيادة المتّصلة والمنفصلة (١) ، فلا بدّ من حمل كلامه (قدس سره) على بستان أعدّه للانتفاع به شخصاً لنفسه وعائلته بحيث كان من المئونة ، نظير البقرة التي اشتراها لينتفع بلبنها ، فإنّ هذا هو الذي لا خمس فيه مطلقاً ، لا في الزيادة الفعليّة من المتّصلة والمنفصلة ، ولا في الزيادة الحكميّة ، نظراً إلى استثناء المئونة.

__________________

(*) بل يجب في نموّها إلى أن تبلغ حدّ الانتفاع بثمرها وبعده لا يجب الخمس في خصوص ما يعدّ منها من المؤن.

(١) في ص ٢٢٨.

٢٤٠