موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وعليه ، فلو كان الخمس مقصوراً على غنائم دار الحرب ولم يكن متعلّقاً بما له دوام واستمرار من الأرباح والتجارات فكيف يعيش الفقراء من بني هاشم في عصر الهدنة الذي هو عصر طويل الأمد بعيد الأجل كما عرفت ، والمفروض تسالم الفريقين على منعهم عن الزكاة أيضاً كما مرّ؟! إذن فما هو الخمس المجعول عوضاً عنها في هذه الظروف؟! فلا مناص من الالتزام بتعلّقه كالزكاة بما له دوام واستمرار وثبات وقرار في جميع الأعصار ، لتستقيم العوضيّة وتتمّ البدليّة الأبديّة ، ولا يكون الهاشمي أقلّ نصيباً من غيره ، وليس ما هو كذلك إلّا عامّة الأرباح والمكاسب حسبما عرفت.

فتحصّل : أنّ الاستشكال في وجوب الخمس في هذا القسم ساقط لا يُعبأ به بتاتاً.

ويدلّنا على الحكم ثانياً جملة وافرة من النصوص التي عرفت أنّها بضميمة نصوص التحليل بالغة حدّ التواتر الإجمالي ، وإليك بعضها :

فمنها : موثّقة سماعة ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمس «فقال : في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثيرٍ» (١).

ومنها : صحيحة علي بن مهزيار ، قال : كتب إليه إبراهيم بن محمّد الهمداني : أقرأني علي كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع إلى أن قال ـ : فكتب وقرأه علي بن مهزيار : «عليه الخمس بعد مئونته ومئونة عياله وبعد خراج السلطان» (٢).

ومنها : صحيحته الأُخرى ، ولنذكرها بطولها لما فيها من المزايا ، قال : كتب إليه أبو جعفر (عليه السلام) وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة «قال : إنّ

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٠٣ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٦.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٠٠ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٤.

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي أوجبت في سنتي هذه ، وهذه سنة عشرين ومائتين ، فقط لمعنى من المعاني ، أكره تفسير المعنى كلّه خوفاً من الانتشار ، وسافسِّر لك بعضه إن شاء الله : إنّ مواليّ أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم ، فعلمت ذلك فأحببت أن أُطهِّرهم وأُزكِّيهم بما فعلت من أمر الخمس في عامي هذا ، قال الله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١).

إلى أن قال : «ولم أُوجب عليهم ذلك في كلّ عام ، ولا أُوجب عليهم إلّا الزكاة التي فرضها الله عليهم ، وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضّة التي قد حال عليهما الحول ، ولم أُوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلّا في ضيعة سأُفسِّر لك أمرها ، تخفيفاً منِّي عن مواليّ ، ومنّاً منِّي عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذاتهم ، فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام ، قال الله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ) (٢) إلخ».

إلى أن قال : «فالغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها ، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ، ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله ، ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب ، وما صار إلى مواليّ من أموال الخرميّة (٣) الفسقة ، فقد علمت أنّ أموالاً عظاماً صارت إلى قوم من مواليّ ، فمن كان عنده شي‌ء من ذلك فليوصله إلى وكيلي ، ومن كان نائياً بعيد الشقّة فليتعمّد لإيصاله ولو بعد

__________________

(١) التوبة ٩ : ١٠٣.

(٢) الأنفال ٨ : ٤١.

(٣) الخرميّة : هم أصحاب التناسخ والإباحة ، القاموس المحيط ٤ : ١٠٤ (خرّم).

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

حين ، فإنّ نيّة المؤمن خيرٌ من عمله ، فأمّا الذي أوجب من الضياع والغلّات في كلّ عام فهو نصف السدس ممّن كانت ضيعته تقوم بمئونته ، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمئونته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك» (١).

ولنأخذ في شرح بعض فقرأت هذا الحديث الشريف المروي عن أبي جعفر الجواد (عليه السلام) ودفع ما أُورد عليه من الإشكالات.

قوله (عليه السلام) : «في سنتي هذه» إلخ ، وهي سنة وفاته (عليه السلام) ، ولعلّ إلى ذلك أشار (عليه السلام) بقوله : «لمعنى من المعاني» وكره تفسيره كلّه ، فأراد (عليه السلام) تطهير مواليه في السنة الأخيرة من عمره الشريف ، اقتداءً بالنبيّ الأكرم المأمور بالأخذ والتطهير في قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ) إلخ.

وقوله (عليه السلام) : «ولم أُوجب عليهم ذلك في كلّ عام» إلخ ، أي من أعوام حياته ، علماً منه (عليه السلام) بعدم بقائه.

قوله (عليه السلام) : «وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه» إلخ ، يعني : أنّ الكيفيّة التي اختارها (عليه السلام) للتطهير تختصّ بهذه السنة ، وهي إيجاب الخمس في خصوص الذهب والفضّة التي قد حال عليهما الحول ، وإسقاطه عمّا عداهما من المتاع والآنية والدواب والخدم والربح والضيعة إلّا في ضيعة خاصّة أشار (عليه السلام) إليها بقوله : «سأُفسِّر لك أمرها» يعني (عليه السلام) بذلك ما سيذكره (عليه السلام) في آخر الحديث من التفصيل بين من كانت ضيعته تقوم بمئونته ففيها نصف السدس ، وإلّا فلا شي‌ء عليه.

فإلى هنا أسقط (عليه السلام) الخمس عمّا سوى ذلك في هذه السنة بالخصوص ، ولم يبيّن (عليه السلام) وجهه وكره تفسيره ، وقد عرفت احتمال أن يكون الوجه موته (عليه السلام) في تلك السنة ، فأراد (عليه السلام) تطهيرهم

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٠١ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٥.

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إلّا في خصوص الذهب والفضّة.

هذا ، وصاحب المدارك تعرّض لهذه الرواية وذكر أنّ فيها إشكالاً من جهات تمنعنا عن الأخذ بها وأنّه لا بدّ من طرحها بالرغم من صحّة السند (١).

منها : هذه الجملة : حيث أوجب (عليه السلام) الخمس في الذهب والفضّة مع أنّه لا يجب فيهما إلّا الزكاة بالإجماع.

ولكنّ الظاهر أنّ هذه الشبهة في غير محلّها.

أمّا لو أُريد من الذهب والفضّة ما كان بنفسه مورداً للخمس كما لو وقع ربحاً في تجارة كما هو غير بعيد فالأمر ظاهر ، إذ عليه يكون هذا استثناء عمّا ذكره (عليه السلام) من السقوط في الأرباح ، فأسقط (عليه السلام) الخمس عن كلّ ربح ما عداهما ، فيجب فيهما بعد حلول الحول لا بعنوانهما الأولي ، بل بما أنّهما ربح في تجارة ، ولا ضير في ذلك أبداً كما هو ظاهر.

وأمّا مع التنازل عن ذلك ودعوى ظهورها في إيجاب الخمس فيهما بعنوانهما الذاتي حتى لو لم يتعلّق بهما خمس الأرباح كما لو كان إرثاً وحال عليه الحول ، فلا ضير فيه أيضاً ، لما عرفت من أنّه (عليه السلام) لم يكن بصدد بيان الحكم الشرعي مطلقاً ، بل أوجب (عليه السلام) الخمس في خصوص سنته هذه فقط.

وقد تقدّم أنّ وليّ الأمر له الولاية على ذلك ، فله إسقاط الخمس عن التجارة وجعله في الذهب والفضّة ولو مؤقّتاً ، لمصلحةٍ يراها مقتضية لتبديل البعض بالبعض ، سيّما في مثل الذهب والفضّة بعد حلول الحول الكاشف عن عدم الحاجة.

فهذه الجملة لا توجب سقوط الرواية عن الحجّيّة بوجه كما لا يخفى.

__________________

(١) المدارك ٥ : ٣٨٣.

٢٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : قوله (عليه السلام) : «فالغنائم والفوائد رحمك الله» إلخ ، حيث أورد في المدارك بما لفظه : ومع ذلك فمقتضاها اندراج الجائزة الخطيرة والميراث ممّن لا يحتسب والمال الذي لا يعرف صاحبه وما يحلّ تناوله من مال العدوّ في اسم الغنائم ، فيكون مصرف الخمس فيها مصرف خمس الغنائم.

وفيه أيضاً ما لا يخفى ، ضرورة أنّ الجائزة من أظهر أنواع الفوائد ، هب أنّ لفظ الغنيمة لا يشملها ولكن الفائدة شاملة للهديّة قطعاً ، وكيف لا يكون العثور على مال مجّاناً من دار أو عقار ونحوهما فائدة؟! ولا أدري بأيّ وجه استشكل ذلك؟! بل هي غنيمة أيضاً ، ومع الغضّ ففائدة بلا إشكال. وكذلك الحال في الميراث الذي لا يحتسب ، والمال المأخوذ من عدوّ يصطلم ، فإنّ كون ذلك كلّه فائدة أمر قطعي لا ينكر.

نعم ، قوله (عليه السلام) : «ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب» لا يخلو عن الإشكال ، نظراً إلى أنّ هذا من مجهول المالك ، والمشهور والمعروف لزوم التصدّق به ، وليس للآخذ تملّكه ليدخل في الفائدة كما في اللقطة ، وإن نُسب ذلك إلى بعضهم استناداً إلى هذه الصحيحة ، ولكن المشهور خلافه كما عرفت ، فكيف عدّ فيها من الفوائد والغنائم؟! ولكن الظاهر أنّ الصحيحة غير ناظرة إلى المال المجهول مالكه ، للفرق الواضح بين قولنا : مالٌ لا يعرف صاحبه ، وبين قولنا : مالٌ لا يعرف له صاحب ، إذ الصاحب في الأوّل مفروض الوجود ، غايته أنّه غير معروف فيكون من مجهول المالك ، بخلاف الثاني وهو الوارد في الصحيحة حيث لم يفرض له صاحب ومالك ، ولعلّه لا صاحب له أبداً وأنّه من المباحات الأصليّة التي هي ملك لمن استولى عليها. وهذا كما ترى أجنبي عن باب مجهول المالك وداخل في الفوائد والغنائم بلا إشكال كما تضمّنته الصحيحة.

٢٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ إنّ عبارة الصحيحة هكذا : «مال يؤخذ» كما هو كذلك في التهذيب والاستبصار (١) ، فما في مصباح الفقيه من ضبط : «يوجد» (٢) بدل : «يؤخذ» غلط من النسّاخ.

ومنها : قوله (عليه السلام) في آخر الصحيح : «فأمّا الذي أُوجب من الضياع» إلخ ، فقد أورد عليه في المدارك بما نصّه : وأمّا مصرف السهم المذكور في آخر الرواية وهو نصف السدس في الضياع والغلّات فغير مذكور صريحاً ، مع أنّا لا نعلم بوجوب ذلك على الخصوص قائلاً.

أقول : أمّا ما ذكره (قدس سره) من عدم ذكر المصرف فعجيب ، بداهة أنّ الصحيحة من بدايتها إلى نهايتها تنادي بأعلى صوتها بأنّه (عليه السلام) في مقام تخفيف الخمس إمّا بالإلغاء محضاً كما في المتاع والآنية والخدم والربح ونحوها ، أو بالإلغاء بعضاً كما في الضيعة ، حيث أشار (عليه السلام) في صدرها بقوله : «إلّا في ضيعة سأُفسِّر لك أمرها» فما ذكره هنا تفسيرٌ لما وعد ، ومعناه : أنّه (عليه السلام) خفّف الخمس واكتفى عنه بنصف السدس ، فكيف لا يكون مصرفه معلوماً؟! فإنّه هو مصرف الخمس بعينه.

وأمّا ما ذكره (قدس سره) أخيراً من أنّه لم يعرف له قائل ، فحقّ ، ولكنّه (عليه السلام) لم يكن بصدد بيان الحكم الشرعي ليقال : إنّه لا قائل به ، بل في مقام التخفيف عن حقّه الشخصي والاكتفاء عن الخمس بنصف السدس كما عرفت ، فيختصّ بزمانه ، ولا ينافيه قوله (عليه السلام) : «في كل عام» ، إذ الظاهر أنّ المراد : كلّ عام من أعوام حياته وما دامت الإمامة لم تنتقل إلى إمام آخر كما مرّ.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٤١ / ٣٩٨ ، الاستبصار ٢ : ٦٠ / ١٩٨.

(٢) مصباح الفقيه ١٤ : ١٠٠.

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ويدلّ على ذلك صريحاً صحيحته السابقة (١) المتضمّنة لمكاتبة إبراهيم بن محمّد الهمداني إلى الهادي (عليه السلام) وسؤاله عن كتاب أبيه الجواد (عليه السلام) فيما أوجبه على أصحاب الضياع من نصف السدس ، واختلاف الأصحاب في ذلك ، وجوابه (عليه السلام) بوجوب الخمس بعد المئونة ، الكاشف عن اختصاص نصف السدس بزمان أبيه (عليه السلام) ، وأنّ حكم الضيعة هو الخمس ، غير أنّه (عليه السلام) اكتفى عنه بهذا المقدار.

ومنها : قوله (عليه السلام) : «فأمّا الغنائم والفوائد» إلخ ، حيث أشكل عليه المحقّق الهمداني (قدس سره) (٢) بأنّه يظهر منه أنّ الأرباح غير داخلة في الغنائم ، ولأجله أسقط الخمس في الأوّل وأثبته في الثاني ، فيظهر التغاير من المقابلة واختلافهما من حيث المصرف ، وأنّ خمس الأرباح يختصّ بالإمام (عليه السلام) ، ولأجله تصرّف (عليه السلام) فيه رفعاً وتخفيفاً.

وهذا الإشكال أيضاً لا يرجع إلى محصّل ، لأنّ المذكور فيها لو كان هو الغنائم فقط لأمكن الاستظهار المزبور ، ولكن اقترانها بالفوائد قرينة قطعيّة على أنّ المراد بها معنى عام يشمل مطلق الأرباح وغيرها ، غايته الالتزام بخروج صنف خاصّ من الفوائد ، وهي المذكورة قبل ذلك ممّا أُسقط عنه الخمس أعني : أرباح التجارات ونحوها ونتيجته ارتكاب التخصيص الذي ليس بعزيز ، فيثبت الخمس في غير ما ذكر من الفوائد.

وبعبارة اخرى : ما يحتمل فيه الاختصاص هو لفظ الغنائم ، فيدّعى كما قيل باختصاصه بغنائم دار الحرب ، وأمّا الفوائد فهي مطلقة قطعاً ولا مجال فيها للتوهّم المزبور بتاتاً ، فاقتران الأوّل بالثاني قرينة قاطعة على اتّحاد المعنى

__________________

(١) المتقدّمة في ص ٢٠١.

(٢) مصباح الفقيه ١٤ : ٢٠١.

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأنّ المراد مطلق الفوائد ، فلا تدلّ على عدم دخول الأرباح ، غايته التخصيص بها وأنّه (عليه السلام) أوجب الخمس في هذه السنة فيما عدا الأرباح من الفوائد.

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ هذه الرواية صحيحة السند ، ظاهرة الدلالة على وجوب الخمس في الفوائد والغنائم وإن أسقط (عليه السلام) حقّه الشخصي في بعض السنين ، فيصحّ الاستدلال بها ولا يرد عليها شي‌ء من الإشكالات حسبما عرفت.

كما اتّضح أنّه لا ينبغي الشكّ في وجوب الخمس في الفوائد مطلقاً وعدم الاختصاص بغنائم دار الحرب ، للإجماع والكتاب والسنّة المتواترة إجمالاً حسبما أسلفناك.

الجهة الثانية : لا ريب أنّ هذا الوجوب مشروط باستثناء ما يصرفه في سبيل تحصيل الربح ، فمئونة الصرف مستثناة عن الوجوب بلا خلاف ولا إشكال كما هو ظاهر من غير حاجة إلى تجشّم الاستدلال وإقامة البرهان ، ضرورة عدم صدق الفائدة إلّا فيما زاد على هذا المقدار ، فلو فرضنا أنّ تاجراً أو زارعاً أو صانعاً أو صاحب معمل صرف خمسين ديناراً وحصّل على مائة لا يقال : إنّه ربح واستفاد مائة ، بل لم يربح إلّا خمسين ديناراً لا غير كما هو ظاهر جدّاً ، فلا خمس إلّا في هذه الخمسين التي هي مصداق للفائدة والعائدة.

مضافاً إلى ما دلّت عليه صحيحة البزنطي ، قال : كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) : الخمس ، أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ فكتب : «بعد المئونة» (١).

وقد تقدّمت هذه الصحيحة في بحث المعادن وقلنا : إنّ الظاهر منها مئونة الصرف لا مئونة السنة.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٠٨ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٢ ح ١.

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وتؤيِّده رواية محمّد بن الحسن الأشعري وهو ابن أبي خالد المعروف بشنبولة ، ولم يوثّق قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : أخبرني عن الخمس ، أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع ، وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه : «الخمس بعد المئونة» (١) ، هكذا في الوسائل تبعاً للتهذيب ، ولكن في الاستبصار : «الضياع» بدل : «الصناع» وهو الصحيح. وكيفما كان ، فلا إشكال في استثناء مئونة الصرف.

الجهة الثالثة : لا إشكال أيضاً في أنّه يستثني ما صرفه في مئونة سنته لنفسه وعائلته ، فإنّ الخمس وإن كان متعلّقاً بكلّ ما يستفيده الرجل من قليل أو كثير ولكن وجوب الدفع مشروط بعدم الصرف في المئونة كما نطقت به بعض الأخبار :

منها : صحيحة علي بن مهزيار ، قال : قال لي أبو علي بن راشد : قلت له : أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك ، فقال لي بعضهم : وأيّ شي‌ء حقّه؟ فلم أدر ما أُجيبه «فقال : يجب عليهم الخمس» فقلت : ففي أيّ شي‌ء؟ «فقال : في أمتعتهم وصنايعهم (ضياعهم)» قلت : والتاجر عليه والصانع بيده؟ «فقال : إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» (٢).

فإنّ الضمير في «مؤونتهم» ضمير جمع للعقلاء ، فيراد مئونة الأشخاص ، أي الرجل وعائلته ، لا مئونة الصرف للربح كما لا يخفى.

ومنها : صحيحته الأُخرى قال فيها : فكتب وقرأه علي بن مهزيار : «عليه الخمس بعد مئونته ومئونة عياله» إلخ (٣) ، فإنّها صريحة في المطلوب.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٤٩٩ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ١ ، التهذيب ٤ : ١٢٣ / ٣٥٢ ، الاستبصار ٢ : ٥٥ / ١٨١.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٠٠ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٣.

(٣) الوسائل ٩ : ٥٠٠ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٤.

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ المراد بالمئونة في هذه الروايات هي مئونة السنة ، بل عليه إجماع الأصحاب كما نصّ عليه غير واحد ، وإن كان لم يصرّح بلفظ «السنة» في شي‌ء من تلك النصوص كما اعترف به صاحب الحدائق (١) وغيره.

نعم ، في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة على بعض نسخ الوسائل طبع عين الدولة هكذا : «ومن كانت ضيعته لا تقوم سنة» إلخ.

ولكن النسخة مغلوطة جزماً والصحيح كما في الأصل هكذا : «لا تقوم بمئونته» إلخ ، فالنصوص بأجمعها خالية عن تقييد المئونة بالسنة ، وإنّما هو مذكور في كلمات الأصحاب وهو الصحيح.

والوجه فيه : انصراف اللفظ إليها عرفاً لدى الإطلاق بعد عدم الدليل على إرادة مئونة اليوم أو الأُسبوع أو الشهر ، نظراً إلى قيام التعارف الخارجي ولا سيّما في الأزمنة السابقة وخاصّة في القرى على تهيئة مئونة سنتهم في كلّ فصل من الفصول المناسبة لما يحتاجون إليه من الحنطة والأرز والتمر ونحو ذلك ممّا تمسّ به الحاجة ، فكانوا يدّخرونه للصرف إلى العام الحاضر. نعم ، سكنة المدن الكبرى في غنى عن ذلك ، لوفور النعم في أسواقها طوال العام.

وكيفما كان ، فمئونة الشخص لدى العرف تقدّر بالسنين لا بالأيّام أو الشهور أو الفصول ، لعدم انضباطها ، ولأجله كان المتبادر من قولنا : فلان يفي كسبه أو ضيعته بمئونته أو لا يفي ، أو : أنّه مالك للمئونة أو غير مالك ، هو مئونة السنة. وهذا هو السرّ فيما فهمه الأصحاب من مثل هذه الأخبار من التقييد بالسنة بعد

__________________

(١) الحدائق ١٢ : ٣٥٣.

٢١٠

بل الأحوط ثبوته في مطلق الفائدة (١) وإن لم تحصل بالاكتساب كالهبة والهديّة والجائزة

______________________________________________________

خلوّها عنه حسبما عرفت.

(١) الجهة الرابعة : لا إشكال في تعلّق الخمس بكلّ فائدة فاضلة على المئونة ، حاصلة بالتكسّب من أرباح التجارات والصناعات والزراعات والإجارات ونحو ذلك من الفوائد المقصودة المذكورة في المتن ، حيث إنّها القدر المتيقّن من أخبار هذا الباب.

وإنّما الكلام فيما يحصل بغير الاكتساب وأنّ الحكم هل يعمّ مطلق الفوائد ، أو لا؟ وهي أُمور :

منها : الهبة والهديّة ، فقد اختلفت فيها الأنظار وكلمات علمائنا الأبرار بمثابةٍ نُسب كلٌّ من القول بالوجوب وعدمه إلى المشهور :

فعن الحلّي في السرائر : نسبة الوجوب إلى أبي الصلاح الحلبي في كتاب الكافي ، ثمّ أنكر عليه وقال : ولم يذكره أحد من أصحابنا إلّا المشار إليه ، ولو كان صحيحاً لنقل أمثاله متواتراً ، والأصل براءة الذمّة (١).

فيظهر منه أنّ عدم الوجوب ممّا تسالم عليه الأصحاب ما عداه.

وبعكس ذلك ما يظهر من المحقّق والشهيد من نسبة الوجوب إلى الأصحاب (٢) ، حيث أسند الخلاف في الدروس إلى ابن إدريس خاصّة ، وفي المعتبر إلى بعض أصحابنا ، ويريد به ابن إدريس ، فكأنّ الوجوب متسالم عليه ولا مخالف غيره.

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٩٠ ، وهو في (الكافي في الفقه) : ١٧٠.

(٢) الدروس ١ : ٢٥٨ ، المعتبر ٢ : ٦٢٣.

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وعن الشهيد الثاني والشيخ الأنصاري : إدخال الهبة في عنوان التكسّب ، نظراً إلى أنّها معاملة تحتاج إلى القبول ، وهو نوع من التكسّب فتشملها كلمات الفقهاء من وجوب الخمس فيما يحصل بالاكتساب (١).

ولا بأس بما ذكراه.

وكيفما كان ، فلا يهمّنا تحقيق الخلاف وتعيين القول المشهور ، وأنّ أيّ النسبتين صحيحة بعد وضوح عدم انعقاد إجماع في المسألة ، والعمدة ما يستفاد من الأدلّة.

والذي يدلّ على الوجوب أوّلاً : الكتاب العزيز ، بناءً على ما تقدّم من تفسير الغنيمة بما هو أعمّ من غنيمة دار الحرب ، وهو ما يستفيده الرجل إمّا مطلقاً ، أو بقيدٍ بغير مشقّة كما قيل ، وإن كان التقييد ينافيه مورد الآية ، لما في الحرب من مشقّة. وعلى أيّ حال ، فتعمّ الهبة بلا إشكال ، فإنّها فائدة ، سواء أصدق في موردها التكسّب أم لا ، لعدم تقييد الآية بذلك ، فهي بنفسها كافية في إثبات الوجوب في الهبة كغيرها.

وثانياً : عدّة من الأخبار وإن كان الكثير منها ضعيف السند ، والمعتبر منها الذي يمكن أن يستدلّ به ثلاثة :

فمنها : صحيحة علي بن مهزيار الطويلة ، قال (عليه السلام) فيها : «والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر» إلخ (٢) ، حيث عدّ فيها من أنواع الفائدة : الهديّة والجائزة.

والتقييد بالخطير لا يدلّ على المفهوم بالمعنى المصطلح ، بل غايته الدلالة على

__________________

(١) المسالك ١ : ٤٦٥ ، كتاب الخمس : ٨٤ ٨٧.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٠١ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٥.

٢١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

عدم تعلّق الحكم بالطبيعي الجامع ، وإلّا لأصبح القيد لغواً.

ولعلّ وجه التقييد عدم البقاء إلى نهاية السنة لو لم يكن لها خطر ، بل تصرف في المئونة غالباً ، ولا خمس إلّا في فاضل المئونة ، فلا دلالة فيها على عدم الوجوب إذا لم يكن لها خطر وكانت طفيفة.

نعم ، لا تدلّ فيها على الوجوب ، لا أنّها تدلّ على عدم الوجوب.

وعليه ، فيمكن إثبات الوجوب في غير الخطير ، إمّا بعدم القول بالفصل ، ومع الغضّ فبالإطلاق في بقيّة الأخبار.

ومنها : موثّقة سماعة ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمس «فقال : في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير» (١).

دلّت بعمومها الوضعي على تعلّق الحكم بمطلق الفائدة الشاملة للهديّة وغيرها.

ومنها : ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب محمّد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن هلال ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هديّة تبلغ ألفي درهم أو أقلّ أو أكثر ، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب (عليه السلام) : «الخمس في ذلك» إلخ (٢).

أمّا الدلالة فظاهرة ، كما أنّ السند صحيح ، فإنّ ابن إدريس وإن ذكر في آخر السرائر فيما سمّاه بالنوادر طرقه إلى أرباب الكتب ولم تثبت لدينا صحّة شي‌ء

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٠٣ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٦.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٠٤ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ١٠ ، مستطرفات السرائر : ١٠٠ / ٢٨.

٢١٣

والمال الموصى به (١) ونحوها ، بل لا يخلو عن قوّة.

______________________________________________________

منها فلا يعتمد عليها لا سيّما وأنّ في بعضها كطريقه إلى أبان بن عثمان شي‌ء لا يمكن تصديقه ، ولكن خصوص طريقه إلى محمّد بن علي بن محبوب صحيح ، لأنّه إنّما يرويه عمّا رآه من خطّ الشيخ ، وطريق الشيخ إلى ابن محبوب صحيح. وقد روى هذه الرواية من طريق ابن محبوب.

وأمّا أحمد بن هلال فهو وإن كان فاسقاً ينسب إلى الغلو مرّةً وإلى النصب اخرى ، بل عن شيخنا الأنصاري (قدس سره) : أنّ مثله لم يكن يتديّن بدين ، لما بين النسبتين من بعد المشرقين (١).

ولكن الظاهر أنّه ثقة في نقله وإن كان فاسداً في عقيدته ، حيث توقّف على أبي جعفر ولم يقبل نيابته عن الإمام ، لأنّه كان يرى نفسه أحقّ بالنيابة ، إذ لا ينافي ذلك ما نصّ عليه النجاشي من كونه صالح الرواية (٢) كما لا يخفى.

وهناك طائفة أُخرى من الروايات دلّت على الوجوب أعرضنا عن ذكرها لما في أسانيدها من الضعف ، وفيما ذكرناه غنى وكفاية.

فتحصّل : أنّ الأظهر وجوب الخمس في الهديّة ، سواء أكان هو المشهور أم كان المشهور خلافه.

(١) ومنها : المال الموصى به ، والظاهر وجوب الخمس فيه أيضاً ، فإنّ الوصيّة إن كانت عهديّة بأن عهد إلى وصيّه أن يعطي زيداً بعد وفاته كذا فالحال فيها كما في الهبة ، إذ المال حينئذٍ يعطي له كهديّة يتسلّمها ، فيجري فيه ما مرّ فيها.

__________________

(١) لاحظ كتاب الخمس : ٨٦ ، ١٩٣.

(٢) رجال النجاشي : ٨٣ / ١٩٩.

٢١٤

نعم ، لا خمس في الميراث (١) إلّا في الذي ملكه من حيث لا يحتسب ، فلا يترك الاحتياط فيه ،

______________________________________________________

وإن كانت تمليكيّة كأن قال : ثلث مالي لزيد بعد وفاتي فبناءً على المشهور من اعتبار القبول من الموصى له كان حاله حال الهبة أيضاً ، فإنّها جائزة من الميّت يهديها بعد وفاته ، فيجري فيها ما مرّ ، إذ لا يعتبر في الجائزة أن تكون من الحيّ.

وأمّا بناءً على أنّ الوصيّة التمليكيّة إنشاءٌ محض ولا يحتاج إلى القبول كما هو الأظهر غايته أنّه ثبت بالإجماع أنّ له حقّ الردّ ، ومن ثمّ لو مات الموصى له قبل أن يصله الخبر انتقل المال إلى ورثته كما دلّت عليه الروايات.

فعلى هذا المبنى لا يستلزم القول بالوجوب في الهبة القول به هنا ، لإمكان الفرق بإدخال الهبة في التكسّب من أجل الحاجة إلى القبول كما مرّ ، بخلاف المقام المتضمّن للتملّك القهري بعد عدم الحاجة إليه كما هو المفروض.

ولكنّ الظاهر أنّه مع ذلك يجب فيه الخمس ، لدخوله في عنوان الفائدة ، فتشمله الآية والروايات الدالّة على وجوب الخمس في مطلق الغنائم والفوائد حسبما عرفت.

(١) ومنها : الميراث ، والأقوال في المسألة ثلاثة :

عدم وجوب الخمس مطلقاً ، ولعلّه المشهور.

والوجوب مطلقاً ، وقد نسبه ابن إدريس إلى الحلبي مستغرباً قائلاً : إنّه لو كان ثابتاً لنقل بالتواتر كما تقدّم (١).

__________________

(١) في ص ٢١١.

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وقول بالتفصيل بين المحتسب وغيره ، واختصاص الوجوب بالثاني.

أمّا الوجوب المطلق فمع أنّه لا مقتضي له لانصراف كلمة الغنيمة والفائدة عن مثل الإرث كما لا يخفى يردّه ما أشار إليه ابن إدريس (١) من أنّ مسألة الميراث عامّة البلوى ومحلّ لابتلاء المسلمين في كلّ زمان ومكان ، بل يتّفق في كلّ يوم. فلو كان الخمس ثابتاً فيه لظهر وبان وكان من الواضحات ، مع أنّه لم يتعرّض له أحد من الفقهاء غير أبي الصلاح ، فهو إذن غير محتمل في نفسه.

وأمّا التفصيل المزبور فلا بأس به ، وقد دلّت عليه صريحاً صحيحة علي بن مهزيار الطويلة ، ولا موجب لرفع اليد عنها بعد صحّة السند وصراحة الدلالة.

وما ذكر آنفاً من أنّه لو كان ثابتاً لنقل بالتواتر ، لا يجري في هذا القسم من الإرث ، لندرته وشذوذه وخروجه عن محلّ ابتلاء العموم ، فعدم التعرّض له في كلمات المتقدّمين من الفقهاء لا يدلّ على عدم التزامهم بالوجوب بوجه ، فلا موجب لطرح الرواية إلّا أن يدّعى الإجماع على خلافها ، ولم يثبت قطعاً.

ودعوى وهنها بإعراض المشهور عنها في هذه الفقرة.

يدفعها : منع الصغرى أوّلاً ، غايته أنّهم لم يتعرّضوا لا أنّهم أعرضوا.

ومنع الكبرى ثانياً ، لعدم سقوط الصحيح بالإعراض عن الحجّيّة ، إلّا أن نقطع بخلافه عن المعصوم (عليه السلام) ، ولا قطع بالضرورة.

فالقول بثبوت الخمس في غير المحتسب من الإرث غير بعيد ، ولا يخلو عن قوّة.

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٩٠ ، وهو في (الكافي في الفقه) : ١٧٠.

٢١٦

كما إذا كان له رحم بعيد في بلد آخر (١) لم يكن عالماً به فمات (*) وكان هو الوارث له ، وكذا لا يترك الاحتياط في حاصل الوقف الخاصّ (**) (٢) ،

______________________________________________________

(١) الظاهر أنّه لا يعتبر في صدق هذا العنوان أي الإرث الذي لا يحتسب عدم الكون في بلد الوارث ، ولا عدم العلم بوجوده ، بل يمكن فرضه حتى مع اجتماعهما في بلد واحد ومع العلم بالوجود ، كما لو فرض أخَوان أحدهما أصغر وله أولاد كثيرون بحيث لا يحتمل عادةً موته بجميع أولاده ليرثه الأكبر ولا سيّما إذا كان شيخاً عمره ثمانون سنة مثلاً والأصغر كهلاً عمره خمسون ، فصادف أن وقعت زلزلة أو صاعقة أو حرب فأهلكت الأصغر بجميع أولاده ، إمّا مع تأخّر موته عن أولاده أو مع اشتباه الحال ، وقد بقي الأكبر ، فكان طبعاً هو الوارث. فإنّ مثل هذا الإرث لم يكن بالحسبان.

وبالجملة : العبرة بعدم كون الإرث محتملاً عادةً. وما في المتن مثالٌ ظاهر لهذه الكبرى من غير انحصار فيه ، ولعلّ الماتن لا يريده أيضاً كما لا يخفى.

(٢) لكونه ملكاً للموقوف عليه بلا حاجة إلى القبول ، إذ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها ، فيكون كالوصيّة التمليكيّة بناءً على عدم احتياجها إلى القبول ، بل لا مقتضي للاحتياج إليه هنا وإن قلنا به في الوصيّة كما لا يخفى ، فيجري فيه ما مرّ فيها من وجوب الخمس ، لكونه فائدة عائدة إلى الموقوف عليه كالموصى له ، فيدخل في الغنائم بناءً على تفسيرها بذلك كما مرّ ، كما يشمله

__________________

(*) وقد يتحقّق عدم الاحتساب في الرحم القريب في البلد مع العلم به أيضاً في بعض الفروض.

(**) بل الأظهر ذلك فيه وفي حاصل الوقف العام بعد القبض والتملّك.

٢١٧

بل وكذا في النذور (١) ، والأحوط استحباباً ثبوته في عوض الخلع والمهر ومطلق الميراث حتى المحتسب منه ونحو ذلك (٢).

______________________________________________________

قوله (عليه السلام) : «الخمس فيما أفاد الناس من قليل أو كثير».

وأمّا حاصل الوقف العام : فبما أنّ الموقوف عليه حينئذٍ هو الكلّي كعنوان العلماء دون الأشخاص ، ولا خمس إلّا على ما يملكه المكلّف بشخصه ، فتعلّق الخمس منوط بقبض الموقوف عليه ليدخل في ملكه ، فمتى قبضه وملكه استقرّ عليه الخمس إذا زاد على المئونة ، إذ يكون حاله حينئذٍ حال الهبة في أنّه تكسّب بقبوله وقبضه.

ومع قطع النظر عنه فهو داخل في عنوان الفائدة.

(١) الحال فيها كما في الهبة ، فإنّ الملكيّة غير الاختياريّة لا تفرض في النذر كما لا يخفى ، بل تحتاج إلى القبول فتشبه الهديّة ، غايته أنّها هديّة واجبة من أجل النذر فيجري فيها ما مرّ في الهديّة من أنّها فائدة يجب تخميسها.

(٢) حذراً عن شبهة القول بالوجوب المحكيّ عن بعضهم ، وإن كان الأقوى ما في المتن من عدم الوجوب.

والوجه فيه ما ذكره بعضهم من أنّ موضوع الحكم في وجوب الخمس هو الفائدة وما يغنمه الإنسان ويحصّله ، وهذا لا ينطبق على عوض الخلع ولا المهر.

أمّا في المهر : فلأجل أنّه إنّما يقع بإزاء الزوجيّة ، حيث إنّ الزوجة تجعل نفسها تحت تصرّف الزوج وسلطانه وطوع رغبته وإرادته ، فتمنحه اختيار نفسها وزمام أمرها في مقابل ما تأخذه من المهر ، فهو شبه معاوضة وإن لم يكن المهر ركناً في العقد ، نظير ما لو بدّل مالاً بمالٍ كالكتاب بالفرس ، إذ قد أعطت

٢١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

شيئاً بإزاء شي‌ء ، ولا يصدق على مثل ذلك الفائدة ، بل هو كما عرفت من قبيل تبديل مالٍ بمال.

ولا يقاس ذلك بباب الإجارات ، ضرورة أنّ متعلّق الإجارة من عمل أو منفعة ليس له بقاء وقرار ولا يمكن التحفّظ عليه ، فلو لم ينتفع منه هو أو غيره يتلف ويذهب سدى ، فإنّ الخيّاط لو لم يخط في الساعة الكذائيّة ثوب زيد ولا ثوب نفسه فعمله في هذه المدّة تالف لا محالة ، كما أنّ الدار لو بقيت خالية فمنفعتها تالفة ، فليس للعامل أن يبقي نفس العمل لنفسه ، إذ ليس له بقاء في اعتبار العقلاء ، بل هو تالف طبعاً سواء أعمل أم لا. وعليه ، فلو آجر نفسه أو داره من زيد وأخذ الأُجرة فيصحّ أن يقال : إنّه استفاد وربح ، إذ لو لم يفعل يتلف ويذهب سدى كما عرفت.

وهذا بخلاف الزوجيّة ، إذ للزوجة أن تبقي السلطنة لنفسها وتكون هي المالكة لأمرها دون غيرها ، وهذه السلطنة لها ثبات وبقاء ، كما أنّ لها بدلاً عند العقلاء والشرع وهو المهر ، فما تأخذه من الزوج يكون بدلاً عمّا تمنحه من السلطنة ، فيكون من قبيل تبديل مال بمال ، ولا ينطبق على مثله عنوان الغنيمة والفائدة.

على أنّ الخمس في باب الإجارة منصوص بالخصوص كما في صحيحة ابن مهزيار المتضمّنة لوجوب الخمس على الصانع وغيرها ممّا تضمنت الخمس في إجارة الضيعة.

وأمّا المهر فمضافاً إلى أنّه لا دليل على الخمس فيه بالخصوص ، قد قامت السيرة القطعيّة على خلافه ، إذ المسألة ممّا تعمّ بها البلوى في جميع الأعصار والأمصار ، فلو كان الوجوب ثابتاً لكان واضحاً ولم يقع فيه أيّ إشكال ، مع أنّه لم يصرّح بوجوب الخمس فيه ولا فقيه واحد.

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فتحصّل : أنّ الفرق بين المهر والإجارة واضح ولا مجال لقياس أحدهما بالآخر ، فما ذكره من عدم الوجوب هو الأظهر.

وممّا ذكرناه يظهر الحال في عوض الخلع ، فإنّه أيضاً بإزاء رفع الزوج يده عن سلطانه ، عكس المهر ، فالزوجة تأخذ المهر بإزاء إعطاء السلطنة ، وهنا يأخذ الزوج العوض بإزاء إزالة السلطنة ، فهما من وادٍ واحد ، فلا يجب الخمس لا في نفس المهر ولا في عوض الخلع.

ثمّ إنّ صاحب الوسائل عنون الباب الحادي عشر من أبواب ما يجب فيه الخمس بقوله : باب إنّه لا يجب الخمس فيما يأخذ الأجير من اجرة الحجّ ، إلخ (١). فكأنّ اجرة الحجّ مستثناة من بقيّة الإجارات.

وهذا أيضاً ممّا لم يقل به أحد من الفقهاء ، وقد تمسّك (قدس سره) في ذلك بما رواه الكليني بسنده الصحيح في أحد طريقيه عن علي بن مهزيار ، عن الرضا (عليه السلام) ، قال : كتبت إليه : يا سيِّدي ، رجل دُفع إليه مالٌ يحجّ به ، هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس ، أو على ما فضل في يده بعد الحجّ؟ فكتب (عليه السلام) : «ليس عليه الخمس» (٢).

وأنت خبير بما فيها من قصور الدلالة وإن صحّ السند :

أمّا أوّلاً : فلأجل أنّه لم يفرض فيها أنّ المال المدفوع إليه كان بعنوان الأُجرة ، ومن الجائز أن يكون قد بذل للصرف في الحجّ كما هو متعارف ومذكور في الروايات أيضاً من غير تمليك ولا عقد إجارة ، بل مجرّد البذل وإجازة الصرف في الحجّ. ومن الواضح عدم وجوب الخمس في مثل ذلك ، إذ لا خمس إلّا فيما يملكه الإنسان ويستفيده ، والبذل المزبور ليس منه حسب الفرض.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٠٧.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٠٧ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١١ ح ١ ، الكافي ١ : ٤٥٩ / ٢٢.

٢٢٠