موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

ويتخيّر الذمّي بين دفع الخمس من عينها أو قيمتها (*) (١) ، ومع عدم دفع قيمتها يتخيّر وليّ الخمس بين أخذه وبين إجارته (**) (٢).

______________________________________________________

فلا مقتضي لعموم الحكم لها.

(١) لجواز دفع القيمة ممّن عليه الحقّ خمساً أو زكاةً كما تقدّم في كتاب الزكاة (١) ، ويأتي التعرّض له في هذا الكتاب أيضاً إن شاء الله تعالى (٢).

(٢) كما نصّ عليه غير واحد من الأصحاب من أنّ من آل إليه أمر الخمس يتخيّر بين أخذ رقبة الأرض وبين ارتفاعها من إجارة وحصّة مزارعة ونحوهما ، نظراً إلى عدم الملزم له بأخذ العين ، فيشترك مع بقائها في النماء تبعاً للاشتراك في العين ، ونتيجته جواز الإيجار واستلام المنافع كجواز استلام نفس العين.

ولكنّه لا يخلو عن الإشكال إلّا بالإضافة إلى النصف من الخمس الذي هو حقّ للإمام (عليه السلام) ، حيث إنّ التصرّف فيه منوط برضاه (عليه السلام) ، فمتى أحرز نائبه وهو الحاكم الشرعي رضاه بالإيجار لمصلحةٍ يراها ساغ له ذلك.

وأمّا النصف الآخر الذي هو ملك للسادة فبما أنّ المالك هو الكلّي فالمقدار الثابت من ولاية الحاكم الشرعي ولايته على القبض عنهم والصرف عليهم ، وأمّا الولاية على التصرّف فيه بإيجارٍ ونحوه فيحتاج إلى دليلٍ آخر يثبت له

__________________

(*) وعلى هذا يجب على الذمّي دفع خمس ما يوازي خمس الأرض أيضاً.

(**) في جواز الإجارة إشكال ، نعم يجوز أخذ أُجرة المدّة التي تصرف فيها قبل دفع الخمس.

(١) شرح العروة ٢٣ : ١٨٩ ١٩٣.

(٢) في ص ٢٨٥ ٢٨٦.

١٨١

وليس له قلع الغرس والبناء ، بل عليه إبقاؤهما بالأُجرة (١).

وإن أراد الذمّي دفع القيمة وكانت مشغولة بالزرع أو الغرس أو البناء تقوّم مشغولة بها (٢) مع الأُجرة فيؤخذ منه خمسها.

______________________________________________________

هذه الولاية زائداً على ولايته على القبض والصرف ، وليس لنا ذلك. إذن فتصدّيه للإيجار مشكل.

نعم ، يجوز له أخذ أُجرة المثل للمدّة المنصرمة قبل أداء الخمس ، إذ لم تذهب تلك المنافع هدراً على أربابها وهم السادة ، سواء استوفاها الذمّي أم لا ، لثبوت ضمان اليد على التقديرين ، والمفروض ولايته على الأخذ عنهم كما عرفت ، فيفصل بين تصرّفه وتصدّيه للإيجار بأُجرة المسمّى وبين أخذه أُجرة المثل حسبما أشار إليه سيّدنا الأُستاذ (دام ظلّه) في تعليقته الأنيقة.

(١) إذ ليس له الحقّ إلّا في نفس الأرض فقط.

وأمّا الغرس أو البناء فهما ملك للذمّي بوصفهما العنواني ، ضرورة أنّه لم يشتر حطباً ولا آجراً ، بل غرساً وبناءً ، فلا بدّ من المحافظة عليهما ، ولأجله لا يسوغ القلع.

نعم ، بما أنّه لا يملك الإبقاء في مقدار الخمس من الأرض مجّاناً لكونه ملكاً لأربابه فلا جرم تجب عليه الأُجرة ، فليس لوليّ الخمس القلع ، كما أنّه تجب الأُجرة على الذمّي ، رعايةً لكلا الحقّين ، وعملاً بكلتا الوظيفتين.

(٢) لأنّه اشترى الأرض بهذه الصفة وتلقّاها عن مالكها على هذه الحالة ، ولا يجب عليه إلّا خمس ما اشترى وتلقّى ، فلا بدّ وأن تقوّم مشغولة ، وبما أنّ الاشتغال لم يكن مجّاناً كما عرفت بل له اجرة فلا بدّ وأن تقوّم كذلك أي مشغولة باشتغال يستوجب الأُجرة ويؤخذ خمسها.

١٨٢

ولا نصاب في هذا القسم من الخمس (١).

ولا يعتبر فيه نيّة القربة حين الأخذ حتى من الحاكم ، بل ولا حين الدفع إلى السادة (٢).

______________________________________________________

(١) من غير شائبة الإشكال ، لإطلاق النصّ ، بل لا ينبغي التعرّض له ، لعدم توهّمه من أحد ، فإنّه كالتنبيه على تعميم هذا الخمس لسائر الأوصاف والخصوصيّات المعلوم عدم دخلها في الحكم.

(٢) لعدم الدليل على عباديّة هذا النوع من الخمس لكي يحتاج إلى القربة غير الممكن صدورها من الكافر حتى يبحث عمّن ينويها عنه من الحاكم أو غيره ، لافتراقه عن بقيّة الأنواع في عدم كونه من قبيل الغنائم ، وإنّما هي كضريبة ماليّة متعلّقة بما يشتريه من المسلم نظير الضرائب الحكوميّة.

على أنّ عباديّة الخمس في سائر الأنواع أيضاً لم تثبت بدليل لفظي لكي يتمسّك بإطلاقه ، وإنّما استندنا فيها مضافاً إلى الإجماع والارتكاز والسيرة القطعيّة بما تقدّم في كتاب الزكاة من حديث المباني المتضمّن أنّ مباني الإسلام خمسة وعدّ منها الزكاة (١) ومعلوم أنّ الخمس بدل الزكاة حيث إنّ مبنى الإسلام لا يكون مجرّد الإمساك أو دفع شي‌ء من الأموال ونحو ذلك ، بل لا بدّ وأن يكون أمراً عباديّاً كالصلاة ، وهذا البيان كما ترى يخصّ المسلمين ولا يعمّ الخمس المأخوذ من الكافر الذمّي.

وعليه ، فلا تعتبر القربة لا منه ولا من الحاكم ، لا حين الأخذ ولا حين الدفع إلى السادة كما أفاده في المتن.

__________________

(١) شرح العروة ٢٣ : ٣ ، وهو في الوسائل ١ : ١٣ / أبواب مقدّمات العبادات ب ١ ح ١ و ٢.

١٨٣

[٢٩١٦] مسألة ٤٠ : لو كانت الأرض من المفتوحة عَنوة (١) وبيعت تبعاً للآثار ثبت فيها الحكم ، لأنّها للمسلمين ، فإذا اشتراها الذمّي وجب عليه الخمس وإن قلنا بعدم دخول (*) الأرض في المبيع وأنّ المبيع هو الآثار ويثبت في الأرض حقّ الاختصاص للمشتري. وأمّا إذا قلنا بدخولها فيه فواضح ، كما أنّه كذلك إذا باعها منه أهل الخمس بعد أخذ خمسها فإنّهم مالكون لرقبتها ويجوز لهم بيعها.

______________________________________________________

(١) توضيح المقام : أنّه لا إشكال في وجوب الخمس على الذمّي فيما لو اشترى الأرض المفتوحة عَنوةً من أهل الخمس من سهمهم الذي وصل إليهم كالسادة ، بناءً على وجوب تخميس هذه الأراضي كما عليه المشهور على ما تقدّم في صدر الكتاب (١) ، إذ البائع يبيع حينئذٍ حصّته الشخصيّة من الأرض التي هي ملك طلق له ، فإنّ السادة مالكون لرقبتها على هذا المبنى ، وقد أشار الماتن إلى ذلك في آخر هذه المسألة بقوله : كما أنّه كذلك ... إلخ.

وأمّا لو أنكرنا المبنى كما هو الأظهر على ما مرّ أو كان المبيع من الأربعة أخماس الباقية ، فلا إشكال أيضاً في وجوب الخمس عليه فيما لو كان البائع هو الإمام أو الحاكم الشرعي ، لبعض المصالح العامّة المقتضية لذلك ، فإنّ المبيع وإن لم يكن حينئذٍ ملكاً للبائع إلّا أنّه يملك أمر البيع ويحقّ له النقل حسب الفرض وهي ملك لعامّة المسلمين ، فيصدق أنّ الذمّي اشترى أرض المسلمين فيشمله إطلاق الدليل ، إذ لم يعتبر فيه أن تكون ملكاً شخصيّاً للمسلم.

__________________

(*) ثبوت الخمس على هذا القول محلّ إشكال ، بل منع.

(١) في ص ٧.

١٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا لو كان البائع من آحاد المسلمين فلا ينبغي الإشكال في وجوب الخمس أيضاً فيما لو كانت الأرض خربة وقد أحياها المسلم ، بناءً على ما هو الأظهر من صيرورتها بالإحياء ملكاً طلقاً شخصيّاً له ، عملاً بعموم قوله (عليه السلام) : «مَن أحيا أرضاً فهي له» (١) ، وأنّه يشمل حتى الأرض المفتوحة عَنوةً.

كما لا ينبغي الإشكال في وجوبه أيضاً فيما لو أحياها بإحداث الآثار وقلنا بمقالة المشهور من صيرورتها ملكاً متزلزلاً ، أي مؤقّتاً محدوداً يزول بزوال تلك الآثار ، إذ هي فعلاً ملك طلق له بشخصه ، ولا فرق في وجوب الخمس على الذمّي بين ما كانت الأرض المشتراة من المسلم ملكاً دائميّاً له أم مؤقّتاً ، بمقتضى الإطلاق.

وإنّما الإشكال فيما لو بنينا على خروج الأرض عن ملك المتصرّف بتاتاً ، وكونها باقية على ملك عامّة المسلمين ، وليس لمن أحياها ما عدا مجرّد الانتفاع المسمّى بحقّ الاختصاص ، المترتّب عليه عدم جواز مزاحمته ما دام شاغلاً للمحلّ ، نظير الحقّ الثابت في الأوقاف من أنّ من سبق إلى ما لم يسبق إليه غيره فهو أحقّ به ، فكأنّ المبيع مجرّد الآثار من البنيان أو الأشجار دون رقبة الأرض ، كما نصّ عليه في المتن ، فقد ذكر الماتن وجوب الخمس على المشتري الذمّي على هذا القول أيضاً.

ولكنّه مشكل جدّاً ، بل ممنوع ، ضرورة انصراف الشراء المجعول موضوعاً لتخميس الذمّي إلى انتقال الأرض إليه وصيرورتها ملكاً له لا مجرّد الانتفاع وحقّ الاختصاص ، وبما أنّه لا ملك ولا شراء فلا يكاد يشمله النصّ بوجه ، فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٤١٢ / كتاب إحياء الموات ب ١ ح ٥.

١٨٥

[٢٩١٧] مسألة ٤١ : لا فرق في ثبوت الخمس في الأرض المشتراة بين أن تبقى على ملكيّة الذمّي بعد شرائه ، أو انتقلت منه بعد الشراء إلى مسلم آخر (١) ، كما لو باعها منه بعد الشراء أو مات وانتقلت إلى وارثه المسلم أو ردّها إلى البائع بإقالةٍ أو غيرها ، فلا يسقط الخمس بذلك ،

______________________________________________________

(١) لا يخفى أنّ موضوع البحث في هذه المسألة هو أنّ مجرّد حدوث الملك بالشراء كافٍ في تعلّق الخمس بالذمّي ، أم أنّه مشروط بالبقاء فيسقط بالخروج عن ملكه بقاءً بالنقل إلى مسلم آخر ببيعٍ أو إرثٍ ونحو ذلك؟

وقد اختار الأوّل ، وهو الحقّ من غير إشكال فيه ، عملاً بإطلاق النصّ ، فلا يسقط الخمس بانتقال الأرض منه إلى مسلم آخر ، بل هو ضامن له كما يضمنه المنتقل إليه أيضاً ، بمقتضى قانون توارد الأيدي ، وللحاكم الشرعي مراجعة أيّ منهما شاء ، لبطلان البيع بالإضافة إلى مقدار الخمس.

نعم ، في خصوص ما لو كان المشتري من أهل الحقّ أي مسلماً شيعيّاً يصحّ البيع أو الهبة ونحوهما من النواقل ، لصدور الإجازة من أهلها ، بمقتضى نصوص التحليل على ما سيجي‌ء التعرّض إليها في محلّه إن شاء الله تعالى (١) ، فينتقل الخمس الواجب على الذمّي من العين إلى الثمن في مثل البيع ، أو إلى الذمّة في مثل الهبة ، ولا شي‌ء على الشيعي بوجه. وهذا بحث آخر أجنبي عن محلّ الكلام ، ولا تنافي له بوجه مع ما نحن بصدده من كفاية مجرّد الحدوث في تعلّق الخمس بالذمّي وعدم إناطته بالبقاء حسبما عرفت.

وبالجملة : هناك مسألتان لا تهافت بل ولا علاقة لإحداهما بالأُخرى :

__________________

(١) في ص ٣٤٦ ٣٤٨.

١٨٦

بل الظاهر ثبوته أيضاً لو كان للبائع خيار ففسخ بخياره (١).

______________________________________________________

فتارةً : يبحث عن أنّ الخمس هل يسقط عن الذمّي بخروج الأرض عن ملكه ، وهل يتخلّص عنه بالنقل إلى مسلم آخر؟ والجواب منفي ، عملاً بإطلاق النصّ المجعول فيه مجرّد الشراء موضوعاً للتخميس ، سواء أبقى في ملكه أم خرج.

وأُخرى : يبحث عن أنّ المنتقل إليه لو كان شيعيّاً فهل هو مكلّف بالخمس أيضاً كنفس الذمّي كما هو كذلك قطعاً فيما لو كان مسلماً غير شيعي؟ والجواب أيضاً منفي ، أخذاً بنصوص التحليل الشامل للتجارات ، وأنّ الشيعي لو تلقّى المال ممّن لا يعتقد الخمس أو يعتقد ولا يخمّس ولو عصياناً لا خمس عليه ، وهذا لا ينافي عدم السقوط عن نفس الذمّي ، فينتقل الخمس الواجب عليه إلى البدل أو إلى الذمّة حسبما عرفت.

ومن جميع ما ذكرناه يظهر الحال في الإقالة وأنّه لا فرق في عدم سقوط الخمس بالخروج عن الملك بين أن يكون الخروج بعقدٍ جديد أو بحلّ العقد الأوّل والتقايل مع البائع ، أخذاً بإطلاق النصّ كما عرفت.

نعم ، في خصوص ما إذا كان البائع شيعيّاً تصحّ الإقالة في تمام العين ولا شي‌ء عليه وينتقل الخمس إلى ذمّة الذمّي.

(١) أخذاً بإطلاق النصّ الشامل للشراء اللّازم والمتزلزل.

نعم ، قد يتأمّل في ذلك كما في الجواهر (١) نظراً إلى انصراف النصّ إلى الأوّل.

__________________

(١) الجواهر ١٦ : ٦٧.

١٨٧

[٢٩١٨] مسألة ٤٢ : إذا اشترى الذمِّي الأرض من المسلم وشرط عليه عدم الخمس لم يصحّ ، وكذا لو اشترط كون الخمس على البائع (١). نعم ، لو شرط على البائع المسلم أن يعطي مقداره عنه فالظاهر جوازه.

______________________________________________________

ولكنّه بدوي لا يُعبأ به ، فإنّ الذي ينصرف عنه الإطلاق هو الفرد الخفي الذي لا يشمله اللفظ بحسب الفهم العرفي بحيث يكون الشمول له بعيداً عن أذهان أهل المحاورة لدى إطلاق اللفظ كالإنسان بالإضافة إلى عنوان ما لا يؤكل لحمه ، فإنّ العرف يرى أنّ الإنسان آكل ولا يعدّون لحمه من سنخ المأكول فينصرف عنه الحيوان عرفاً وإن شمله لغةً.

وأمّا الشراء المتزلزل غير المستقرّ فهو شائع ذائع كاللّازم المستقرّ ، فيشمله الإطلاق ، ولا وجه للانصراف عنه بتاتاً.

(١) لكون الشرط في الموردين مخالفاً للسنّة ، ولا أثر للشرط المحلّل للحرام أو المحرّم للحلال.

نعم ، هو نافذ في القسم الأخير أعني : اشتراط أداء البائع عن الذمّي لعدم المانع فيه بعد عموم أدلّة الشروط ، فإنّه شرط عمل كشرط أن يؤدّي دينه ، ولكن لا يسقط عن الذمّي بمجرّد هذا الاشتراط إلّا إذا وفى البائع بشرطه ، لكون التكليف متوجّهاً إلى الذمّي بنفسه ، فلو لم يف يثبت للمشتري خيار تخلّف الشرط ، فلو فسخ يدخل حينئذٍ في المسألة السابقة من عدم السقوط بالخروج عن الملك بالفسخ أو بغيره.

١٨٨

[٢٩١٩] مسألة ٤٣ : إذا اشتراها من مسلم ثمّ باعها منه أو من مسلم آخر ثمّ اشتراها ثانياً وجب عليه خمسان (١) : خمس الأصل للشراء أوّلاً ، وخمس أربعة أخماس للشراء ثانياً (*).

[٢٩٢٠] مسألة ٤٤ : إذا اشترى الأرض من المسلم ثمّ أسلم بعد الشراء لم يسقط عنه الخمس (٢).

______________________________________________________

(١) فالخمس الأوّل للشراء الأوّل وهو متعلّق بتمام العين ، وبما أنّ الذمّي لا يملك عندئذٍ إلّا أربعة أخماسها والخمس الآخر ملك للسادة ، فالمبيع ثانياً ليس إلّا هذا المقدار أعني : الأربعة أخماس والزائد عليها فضولي لا يحقّ له بيعه. وعليه ، فما يشتريه ثانياً أيضاً لا يكون إلّا هذا المقدار ، ولأجله كان متعلّق الخمس الثاني أربعة أخماس الأرض لا تمامها.

هكذا ذكره الماتن تبعاً لجماعة منهم صاحب الجواهر (١).

وهو وجيه فيما لو باعها الذمّي من مسلم غير شيعي.

وأمّا لو باعها من الشيعي فالأظهر حينئذٍ وجوب خمس الجميع ثانياً كالأوّل ، وذلك لما عرفت من شمول نصوص التحليل للمقام ، فيملك الشيعي تمام العين لدى شرائه إيّاها من الذمّي ، ويكون البيع صحيحاً في الجميع ، وينتقل الخمس الواجب على الذمّي إلى القيمة. وعليه ، فيكون شراء الذمّي ثانياً متعلّقاً بتمام العين ، ولأجله يجب تخميس الجميع كما أشرنا إليه في التعليق.

(٢) لعدم الخروج بذلك عن موضوع دليل التخميس ، الظاهر في كونه كافراً

__________________

(*) الأظهر وجوب خمس الجميع ثانياً فيما إذا باعها من شيعي.

(١) الجواهر ١٦ : ٦٧.

١٨٩

نعم ، لو كانت المعاملة ممّا يتوقّف الملك فيه على القبض فأسلم بعد العقد وقبل القبض سقط عنه ، لعدم تماميّة ملكه في حال الكفر (١).

______________________________________________________

حال شراء الأرض من المسلم ، فيشمله الإطلاق.

نعم ، قد يتوهّم السقوط ، استناداً إلى حديث الجبّ ، ولأجله لم يكد يطالب الكافر بالأخماس والزكوات بعد ما أسلم.

ولكنّه كما ترى ، فإنّ الحديث لم يثبت من طرقنا ، فلا يعوّل عليه كما مرّت الإشارة إليه في كتاب الزكاة (١).

نعم ، قامت السيرة القطعيّة على عدم مطالبة الذمّي بعد ما أسلم بالحقوق الماليّة كالأخماس والزكوات وغيرها من قضاء الصلوات ونحوها ممّا هو ثابت لعامّة المسلمين ، إمّا لأجل عدم تكليفه بها حال الكفر كما لعلّه الأظهر ، أو لأنّه وإن كان مكلّفاً بالفروع كالأُصول كما عليه المشهور إلّا أنّ عدم المطالبة هو مقتضى اتّصافه بكونه في ذمّة الإسلام ، إذ معنى ذلك أنّه يعطي الجزية سنويّاً بشروط ، وبإزائها يكون حرّا في دينه وباقياً على مذهبه من غير أن يطالب بشي‌ء. وكيفما كان ، فهو غير مطالب بشي‌ء من تلك الأحكام بلا كلام.

وأمّا الحكم الثابت له حال الكفر وبوصف كونه ذمّيّاً بحيث كان يطالب به حال كفره وقبل أن يسلم وهو خمس الأرض التي اشتراها من المسلم ، فلا مقتضي لسقوطه بالإسلام اللّاحق أبداً ، كما لا دليل عليه ، ولم تقم سيرة على السقوط عنه بوجه كما لا يخفى.

(١) إذ لم يصدر منه آن ذاك إلّا مجرّد الإنشاء غير المحقّق للشراء بعد كونه فاقداً للشرط ، فلم يتحقّق معه موضوع التخميس.

__________________

(١) شرح العروة ٢٣ : ١٢٨ ١٢٩.

١٩٠

[٢٩٢١] مسألة ٤٥ : لو تملّك ذمّي من مثله بعقد مشروط بالقبض فأسلم الناقل قبل القبض (١) ففي ثبوت الخمس وجهان ، أقواهما الثبوت.

______________________________________________________

وهذا نظير ما لو اشتري له من المسلم فضوليّاً فأسلم ثمّ أجاز الشراء ، حيث لم يصدر حال الكفر عدا العقد الإنشائي الذي لا أثر له ما لم يقترن بالإجازة ، فما وقع حال الكفر لم يتّصف بعنوان الشراء ، وما اتّصف به لم يقع حال الكفر.

وهذا من غير فرق بين كون الإجازة ناقلة أم كاشفة ، إذ الشراء بنفسه فعلي على التقديرين ، غايته أنّ متعلّقه فعلي أيضاً على الأوّل ومن السابق على الثاني ، ولا ريب أنّ الاعتبار بنفس الشراء ، فإنّه المأخوذ موضوعاً للتخميس على تقدير دون تقدير لا بمتعلّقه ، فلاحظ.

(١) لا خصوصيّة لكون الناقل ذمّيّاً ، بل مناط البحث يعمّ مطلق الكافر ولو كان حربيّا أو معاهداً ، فالتخصيص به كأنه مبني على المثال.

وكيفما كان ، فلا ينبغي التأمّل في ثبوت الخمس ، لعدم كون الاعتبار بذات العقد ومجرّد إنشائه لكي يراعى حال حدوثه ، بل العبرة حسبما يستفاد من النصّ بالعقد المؤثّر في الملكيّة الفعليّة التامّة ، المتضمّن للنقل والانتقال الذي لا تحقّق له إلّا بعد إسلام الناقل ، فلا يتملّك الذمّي إلّا في هذه الحالة ، إذ لا أثر للإنشاء السابق العاري عنه ، فيشمله النصّ ، لصدق التملّك من المسلم.

ثمّ إنّ فرض المسألة بناءً على أنّ موضوع الخمس مطلق الانتقال واضح ، كما لو وهب الأرض ذمّي لذمّي آخر فأسلم الواهب قبل قبض المتّهب ، فكان إنشاء الهبة حال الكفر وتأثيره في الملك لمكان الاشتراط بالقبض حال الإسلام ، ولا شكّ في أنّ القبض شرط في النقل وليس بكاشف ، فهو جزء من

١٩١

[٢٩٢٢] مسألة ٤٦ : الظاهر عدم سقوطه إذا شرط البائع على الذمّي أن يبيعها بعد الشراء من مسلم (١).

______________________________________________________

المؤثّر. وهذا نظير صدور الإيجاب حال كفر الواهب والقبول حال إسلامه.

وأمّا بناءً على أنّ موضوع الخمس خصوص الشراء جموداً على ظاهر النصّ لا مطلق النقل ، فلا إشكال في فرض المسألة فيما إذا بيعت الأرض سلفاً.

ويمكن فرضها فيما لو كانت الأرض ثمناً في بيع سلم واقع بين ذمّيّين فأسلم صاحب الأرض قبل القبض ، بناءً على ما هو المعروف من أنّه لا يعتبر في بيع السلف أن يكون الثمن من النقود ، كما لو باع أحد الذمّيّين مقداراً من الحنطة من صاحبه سلفاً وجعل الثمن الأرض الشخصيّة ، وقبل إقباضها أسلم المشتري ، فقد تملّك الذمّي الأرض من المسلم في شراء مشروط بالقبض ، لكن ثمناً لا مثمّناً وعوضاً لا معوّضاً ، ولا ينبغي الشكّ في عدم الفرق بين شراء الأرض والشراء بها في هذا الحكم ، إذ لا نحتمل الفرق في انتقال الأرض من المسلم إلى الذمّي بين كونه بصورة البيع أو الشراء جزماً.

(١) قد عرفت أنّ موضوع الخمس مجرّد تملّك الذمّي حدوثاً ، سواء أبقى في ملكه أم خرج ، فالخروج لا يوجب السقوط بدون الشرط ، فلا أثر لاشتراطه في إسقاطه بعد إطلاق الدليل. ودعوى انصرافه عن ذلك لا نعرف لها وجهاً.

ثمّ إنّه لم يستشكل أحد في صحّة هذا الشرط عملاً بعموم أدلّته ، فإنّه شرط لأمر سائغ من غير أن يكون محلّلاً ولا محرّماً. ونتيجته الخيار لو تخلّف المشروط عليه.

نعم ، في خصوص ما لو اشترط البائع على المشتري أن يبيعه منه ثانياً كلامٌ مشهور مذكور في محلّه ، فقد منعه جماعة ، وعلّلوه بوجوهٍ منها : المنافاة مع قصد

١٩٢

[٢٩٢٣] مسألة ٤٧ : إذا اشترى المسلم من الذمّي أرضاً ثمّ فسخ بإقالةٍ أو بخيار ففي ثبوت الخمس وجه ، لكن الأوجه خلافه ، حيث إنّ الفسخ ليس معاوضة (١).

[٢٩٢٤] مسألة ٤٨ : من بحكم المسلم بحكم المسلم (٢).

[٢٩٢٥] مسألة ٤٩ : إذا بيع خمس الأرض التي اشتراها الذمّي عليه وجب عليه خمس ذلك الخمس الذي اشتراه وهكذا (٣).

______________________________________________________

البيع ، ونحو ذلك من الوجوه المزيّفة. والعمدة في المقام الروايات الخاصّة المانعة عن ذلك. وكيفما كان ، فمحلّ الإشكال فرض آخر غير ما افترضه الماتن في هذه المسألة ، فلاحظ.

(١) وإنّما هو حلّ للمعاوضة وإزالة للسبب الحادث ، وبعد ما ارتفع الحاجب يعود كلّ مال إلى ملك صاحبه الأوّل بنفس السبب السابق. وعليه ، فلم يتلقّ الذمّي الأرض من المسلم ليجب الخمس ، وإنّما تملّكها بالسبب السابق على البيع المفسوخ من إحياء أو إرث ونحوهما ، فلا يصدق أنّه انتقلت إليه الأرض من المسلم ليشمله النصّ بعد ما عرفت من عدم كون الفسخ من المملّكات ، وإنّما كان هناك حاجز ومانع فارتفع.

(٢) أي في المقام ، فكلّ مَن كان محكوماً بالإسلام كأطفال المسلمين ومجانينهم فهو بحكم المسلم فيما نحن فيه من وجوب الخمس على الذمّي لو اشترى الأرض منه ، كما في غير المقام من سائر الأحكام بلا كلام. والحكم مورد للإجماع والتسالم.

(٣) يريد (قدس سره) بذلك شراء الخمس بعد دفعه من نفس العين الشخصيّة التي تعلّق بها الخمس أوّلاً ، فيشتري خمس الأرض بعد إقباضه

١٩٣

السابع : ما يفضل عن مئونة سنته (١) ومئونة عياله من أرباح التجارات ومن سائر التكسّبات من الصناعات والزراعات والإجارات حتى الخياطة

______________________________________________________

وتسليمه إلى أربابه ، ولا شكّ حينئذٍ في وجوب التخميس ثانياً وثالثاً وهكذا ، لكونه في كلّ مرّة موضوعاً جديداً لشراء الذمّي الأرض من المسلم فيعمّه النصّ ويشمله الحكم إلى أن لا يبقى منه شي‌ء يقبل التخميس.

وأمّا لو أراد الشراء قبل الدفع لكي تخلص له الأرض بأجمعها :

فبناءً على أنّ متعلّق الخمس ماليّة الأرض كما في الزكاة لا شخصيّتها فأربابه لا يملكون إلّا خمس هذه الأرض بما أنّه مال لا بما أنّه أرض ، ومن الواضح أنّ شراء هذه الماليّة لا يستوجب التخميس ، لعدم كونه مصداقاً لشراء الأرض ، بل لشراء ماليّتها ، ولا خمس إلّا في شراء الأرض نفسها لا ماليّتها كما هو ظاهر.

فلو كانت الأرض تسوى مائة دينار فله شراء خمس هذه الماليّة الذي قد تسوى عشرين وأُخرى أقلّ حسب اختلاف الأحوال ، إذ قد لا ينتفع من خمس الأرض مستقلا ما ينتفع به في ضمن المجموع ، فلو اشترى ذلك لم يكن عليه خمس آخر ، فإنّه مثل ما لو أدّى الخمس من القيمة ابتداءً في أنّه يملك بذلك تمام الأرض من دون أن يجب عليه الخمس ثانياً ، لعدم كونه شراءً جديداً للأرض حسبما عرفت.

وأمّا بناءً على القول بالإشاعة كما اخترناه فلا يفرق الحال بين الصورتين كما لا يخفى.

(١) ينبغي التكلّم في مقامين :

أحدهما : في أصل التشريع وأنّه هل يجب الخمس في هذا القسم كما وجب في سائر الأقسام ، أو لا؟

١٩٤

والكتابة والنجارة والصيد وحيازة المباحات وأُجرة العبادات الاستيجاريّة من الحجّ والصوم والصلاة والزيارات وتعليم الأطفال وغير ذلك من الأعمال التي لها اجرة.

______________________________________________________

ثانيهما : في أنّه بعد الفراغ عن الوجوب فهل ثبت سقوطه والعفو عنه بنصوص التحليل إمّا مطلقاً أو في الجملة ، أو لا؟

ولنؤخّر البحث عن المقام الثاني ، حيث سيتعرّض له الماتن في المسألة الأخيرة من كتاب الخمس ونتابعه في البحث ، فهو موكول إلى محلّه إن شاء الله تعالى.

والكلام الآن متمحّض في المقام الأوّل ، والبحث عنه يقع في جهات :

الجهة الأُولى : الظاهر تسالم الأصحاب واتّفاقهم قديماً وحديثاً على الوجوب ، إذ لم ينسب الخلاف إلّا إلى ابن الجنيد وابن أبي عقيل (١) ، ولكن مخالفتهما على تقدير صدق النسبة من أجل عدم صراحة العبارة المنقولة عنهما في ذلك لا تقدح في تحقّق الإجماع ، ولا سيّما الأوّل منهما المطابقة فتاواه لفتاوى أبي حنيفة غالباً كما لا يخفى.

بل في الجواهر : أنّ هذا هو الذي استقرّ عليه المذهب والعمل في زماننا هذا ، بل وغيره من الأزمنة السابقة (٢).

وكيفما كان ، فيدلّنا على الحكم بعد الإجماع والسيرة العمليّة القطعيّة المتّصلة بزمن المعصومين (عليهم السلام) :

أوّلاً : الكتاب العزيز ، قال تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ

__________________

(١) حكاه في الحدائق ١٢ : ٣٤٧.

(٢) الجواهر ١٦ : ٦٠.

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وَلِلرَّسُولِ) (١) ، فإنّ الغنيمة بهذه الهيئة وإن أمكن أن يقال بل قيل باختصاصها بغنائم دار الحرب أمّا لغةً أو اصطلاحاً وإن كان لم يظهر له أيّ وجه إلّا أنّ كلمة «غَنِمَ» بالصيغة الواردة في الآية المباركة ترادف «رَبِحَ» و «استفادَ» وما شاكل ذلك ، فتعمّ مطلق الفائدة ، ولم يتوهّم أحد اختصاصها بدار الحرب.

ولعلّ في التعبير بالشي‌ء الذي فيه من السعة والشمول ما ترى إيعازاً إلى هذا التعميم ، وأنّ الخمس ثابت في مطلق ما صدق عليه الشي‌ء من الربح وإن كان يسيراً جدّاً كالدرهم غير المناسب لغنائم دار الحرب كما لا يخفى.

ويعضده إطلاق الخطاب في بعض الآيات السابقة ، وهي قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) إلخ (٢) ، وقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) (٣) ، فإنّه عامّ لجميع المؤمنين لا لخصوص المقاتلين.

ولا ينافيه ذكر القتال في الآيات السابقة عليها واللاحقة لها ، لما هو المعلوم من عدم كون المورد مخصّصاً للحكم الوارد عليه.

ومن ثمّ اعترف القرطبي في تفسيره وكذا غيره بشمول لفظ الآية لعموم الفوائد والأرباح ، غير أنّه خصّها بغنائم دار الحرب من أجل الإجماع الذي ادّعى قيامه على ذلك (٤).

__________________

(١) الأنفال ٨ : ٤١.

(٢) الأنفال ٨ : ٢٨.

(٣) الأنفال ٨ : ٢٩.

(٤) الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١.

١٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فإذا كانت هيئة «غَنِمَ» عامّة فلا جرم كانت هيئة «غنيمة» أيضاً كذلك ، إذ لا دلالة في هيئة «فعيلة» على الاختصاص.

وكيفما كان ، فلا ينبغي التأمّل في إطلاق الآية المباركة في حدّ ذاتها وشمولها لعامّة الأرباح والغنائم.

وتشهد لذلك أخبار كثيرة دلّت على أنّها الإفادة يوماً فيوماً ، تكون بضميمة نصوص التحليل حيث إنّه متفرّع على أصل التشريع فتدلّ عليه أيضاً بالغة حدّ التواتر الإجمالي كما لا يخفى.

فالحكم ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

نعم ، هاهنا إشكال معروف قد تداول على الألسن ولا سيّما في الآونة الأخيرة ، وحاصله :

أنّ الآية لو كانت مطلقة وكان هذا النوع من الخمس ثابتاً في الشريعة المقدّسة فلما ذا لم يعهد أخذه من صاحب الشرع؟! حيث لم ينقل لا في كتب الحديث ولا التأريخ أنّ النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) أو أحداً من المتصدّين بعده حتى وصيّه المعظّم في زمن خلافته الظاهريّة تصدّى لأخذ الأخماس من الأرباح والتجارات كما كانوا يبعثون العمّال لجباية الزكوات ، بل قد جعل سهم خاصّ للعاملين عليها ، فإنّه لو كان ذلك متداولاً كالزكاة لنقل إلينا بطبيعة الحال.

وإن تعجب فعجب أنّه لم يوجد لهذا القسم من الخمس عين ولا أثر في صدر الإسلام إلى عهد الصادقَين (عليهما السلام) ، حيث إنّ الروايات القليلة الواردة في المقام كلّها برزت وصدرت منذ هذا العصر ، أمّا قبله فلم يكن منه اسم ولا رسم بتاتاً حسبما عرفت.

والجواب : إمّا بناءً على ما سلكناه من تدريجيّة الأحكام وجواز تأخير

١٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

التبليغ عن عصر التشريع بإيداع بيانه من النبيّ إلى الإمام ليظهره في ظرفه المناسب له حسب المصالح الوقتيّة الباعثة على ذلك ، بل قد يظهر من بعض النصوص أنّ جملة من الأحكام لم تنشر لحدّ الآن وأنّها مودعة عند وليّ العصر (عجّل الله تعالى فرجه) وهو المأمور بتبليغها متى ما ظهر وملأ الأرض قسطاً وعدلاً. فالأمر على هذا المبنى الحاسم لمادّة الإشكال ظاهر لا سترة عليه.

وإمّا مع الغض عن ذلك فبإبداء الفرق بين الزكاة والخمس ، نظراً إلى أنّ الأوّل ملك للفقراء وحقّ يصرف في مصالح المسلمين ، وهو (صلّى الله عليه وآله) مأمور بالأخذ ، قال تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) إلخ (١) ، فمقدّمة للأخذ الواجب عليه لا محيص له (صلّى الله عليه وآله) من بعث العمّال لجباية الزكوات.

وأمّا الخمس فهو حقّ له (صلّى الله عليه وآله) ولأقربائه ، فيشبه الملك الشخصي ، حيث لا تعود فائدته لعامّة المسلمين ، ومن ثمّ لم يؤمر في مورده إلّا بمجرّد التبليغ كما في سائر الأحكام من الصلاة والصيام دون الأخذ ، فلم يكن ثَمّة باعث على جبايته ، بل قد لا يناسب ذلك شأنه وجلالته كما لا يخفى. فلا مجال لقياس الخمس على الزكاة ، فإنّه مع الفارق الواضح حسبما عرفت.

وبالجملة : فعلى تقدير تسليم عدم بعث العمّال لأخذ الأخماس فهذا لا يكشف عن عدم الوجوب بوجه ، كيف؟! ووجوب الخمس في الركاز ممّا أصفقت عليه العامّة ورووا فيه روايات كثيرة (٢) ، ومع ذلك لم ينقل ولا في مورد واحد أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أو من بعده بعث أحداً لجبايته ، فعدم البعث والحثّ للأخذ لازمٌ أعمّ لعدم الوجوب فلا يكشف عنه أبداً.

على أنّ العامّة قد رووا هذا الخمس عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، فقد

__________________

(١) التوبة ٩ : ١٠٣.

(٢) راجع عمدة القارئ في شرح البخاري ٩ : ٩٩ باب ما يجب فيه الخمس الركاز.

١٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ورد في صحيح البخاري والترمذي : أنّ رجلاً من بني عبد قيس جاء إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فلمّا أراد الانصراف أمره (صلّى الله عليه وآله) بالصلاة والصيام والزكاة وإعطاء الخمس ممّا غنم (١). فإنّ من الواضح عدم إرادة الخمس من غنائم دار الحرب ، لعدم فرض قتال أو غزو ، بل المراد خمس الأرباح والمتاجر كما لا يخفى.

والإنصاف أنّه لم يتّضح لدينا بعد ، ماذا كانت الحالة عليه في عصره (صلّى الله عليه وآله) ، بالإضافة إلى أخذ هذا النوع من الخمس وعدمه ، كيف؟! والعهد بعيد والفصل طويل ، وقد تخلّل بيننا عصر الأُمويّين الذين بدّلوا الحكومة الإسلاميّة حكومةً جاهليّة ، ومحقوا أحكام الدين حتى أنّ كثيراً من الناس لم يعرفوا وجوب الزكاة الثابت بنصّ القرآن كما يحكيه لنا التأريخ والحديث.

بل في صحيح أبي داود وسنن النسائي : أنّ أكثر أهل الشام لم يكونوا يعرفون أعداد الفرائض.

وعن ابن سعد في الطبقات : أنّ كثيراً من الناس لم يعرفوا مناسك حجّهم.

وروى ابن حزم عن ابن عباس : أنّه خطب في البصرة وذكر زكاة الفطرة وصدقة الصيام فلم يعرفوها حتى أمر من معه أن يعلّم الناس.

فإذا كان الحال هذه بالإضافة إلى مثل هذه الأحكام التي هي من ضروريّات الإسلام ومتعلّقة بجميع الأنام فما ظنّك بمثل الخمس الذي هو حقّ خاصّ له ولقرابته ولم يكن من الحقوق العامّة كما في الزكاة ، بل لخصوص بني هاشم زادهم الله عزّاً وشرفاً ، فلا غرابة إذن في جهلنا بما كان عليه أمر الخمس في عصره (صلّى الله عليه وآله) أخذاً وصرفاً.

إلّا أنّ هذا كلّه لا يكشف عن عدم الوجوب ، وعدم الوصول لا يلازم عدم

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ١٣١ ، سنن الترمذي ٥ : ٨ / ٢٦١١.

١٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

التشريع بعد أن نطق به الكتاب العزيز والسنّة المتواترة ولو إجمالاً حسبما عرفت وستعرف.

وممّا يؤكّد ذلك أنّه لا خلاف بيننا وبين العامّة في عدم جواز دفع الزكاة لبني هاشم وأنّ الصدقة عليهم حرام ، حتى أنّه لا يجوز استعمالهم عليها والدفع من سهم العاملين ، وقد رووا في ذلك روايات متواترة ، كما وردت من طرقنا أيضاً حسبما تقدّم في كتاب الزكاة (١) ، وفي بعضها : أنّ الله تعالى قد عوّض عنها الخمس إكراماً لهم وتنزيهاً عن أوساخ ما في أيدي الناس (٢).

وفي صحيح مسلم وغيره : أنّ الفضل بن العبّاس وشخصاً آخر من بني هاشم كانا محتاجين إلى الزواج ولم يكن لديهما مهر فاشتكيا ذلك إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وطلباً منه أن يستعملهما على الزكاة ليحصلا على المهر من سهم العاملين فلم يرتض (صلّى الله عليه وآله) بذلك ، بل أمر شخصين أن يزوّجا ابنتيهما منهما ، وجعل مهرهما من الخمس بدلاً عن الزكاة (٣). والروايات بذلك متظافرة بل متواترة من الطرفين كما عرفت.

ومن الواضح الضروري أنّ الحرب ليست قائمة بين المسلمين والكفّار مدى الدهر ليتحقّق بذلك موضوع الخمس من غنائم دار الحرب فتدفع إليهم :

إمّا لاستيلاء الكفّار كما في هذه الأعصار وما تقدّمها بكثير ، ولعلّ ما سيلحقها أيضاً بأكثر ، حيث أصبح المسلمون مستعمرين وإلى الله المشتكى.

أو لاستيلاء الإسلام كما في عهد الإمام المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه) وجعلنا من أنصاره وأعوانه.

__________________

(١) شرح العروة ٢٤ : ١٧٩.

(٢) الوسائل ٩ : ٥١٣ / أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٨.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٧٥٢ / ١٦٧.

٢٠٠