موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

السكوني (١) وغيرها بحلّيّة بقيّة المال بعد التخميس وأنّ الباقي له ، وقد عرفت ظهور الدليل في اتّحاد كيفيّة التعلّق وأنّ سنخ الخمس في الجميع بنسقٍ واحد ، فقد حكم الشارع بمقتضى ولايته بدفع خمس المال للسادة وأنّ الأربعة أخماس الباقية ملكٌ للمالك ، فقد حصل إتلاف هذا المقدار بهذا النحو بأمر من الولي ، وإلّا فمن المعلوم أنّه لم يصل إلى مالكه الواقعي فإنّه مجهول على الفرض ، وبعد حصول الإتلاف بإذن الولي وأمره وحكمه بحلّيّة الباقي فأيّ ضمان بعد ذلك؟! نعم ، كان مال الغير موجوداً ومخلوطاً في هذا المال سابقاً ، أمّا فعلاً وبعد أن حكم الشارع بأنّ الخمس للإمام وللسادة والباقي له فلا موجب لأيّ ضمان أبداً.

وأمّا التصدّق بمجهول المالك فكذلك ، إذ لم يرد في شي‌ء من روايات الصدقة الحكم بالضمان ولا موجب له ، فإنّها وإن كانت إتلافاً إلّا أنّ هذا الإتلاف لا يستوجب الضمان بعد أن استند إلى إذن الولي الشرعي بالتصدّق من قبل مالكه.

وبالجملة : لا نرى أيّ موجب للضمان بعد أن أمر الله تعالى بالإتلاف.

نعم ، في باب اللقطة ورد الأمر بالضمان وأنّه لو تصدّق بها بعد الفحص ثمّ ظهر المالك فإن رضي بالصدقة فهو ، وإن طالبه ضمن ، إلّا أنّ هذا الضمان ليس من الضمان المتعارف المتحقّق بملاك الإتلاف الحاصل حين التصدّق ، كيف؟! وإلّا لكان ضامناً حتى قبل أن يوجد صاحبه ، كما هو الحال في سائر موارد الإتلافات لمجهول المالك الموجبة للضمان قبل معرفة المالك وبعده ، ولكان اللّازم الإخراج من التركة ريثما يوجد صاحبه ، فلا بدّ من الإيصاء بذلك. وهو كما ترى.

بل أنّ هذا الضمان إنّما يتحقّق بمجرّد مطالبة المالك بتعبّدٍ من الشارع ، فلا ضمان قبل المطالبة ولا أثر للإتلاف الحاصل بالتصدّق بعد أن كان مستنداً إلى

__________________

(١) المتقدمة في ص ١٢٧.

١٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

إذن الولي كما عرفت ، وإنّما هناك ضمان معلّق على طلبه غير مرتبط بالإتلاف السابق وأنّه لو ظهر ورضي بالصدقة فهو ، وإن طالب فيضمن المتصدّق بنفس المطالبة.

وبالجملة : فالضمان الثابت في اللقطة ضمانٌ باختيار المالك وطلبه ، ويجب الخروج عن العهدة بعد المطالبة لا قبلها ، وقد ثبت ذلك بدليل خاصّ في مورد مخصوص ، وليس ذلك من الضمان بالإتلاف بوجه.

فتحصّل : أنّ الأظهر أنّه ليس هنا ضمان حتى لو وجد المالك وطالب بعد أن كان إخراج الخمس بإذن الولي الشرعي حسبما عرفت.

ثمّ إنّ سيّدنا الأُستاذ (دام ظلّه) أعاد البحث حول عدم الضمان في الخمس بنطاق أوسع ، فقال (دام بقاه) : إنّه قد يفرض تبيّن المالك قبل أداء الخمس وإخراجه ، وأُخرى بعده.

أمّا في الفرض الأوّل : فلا ينبغي الإشكال في الضمان وانقلاب الوظيفة عن إخراج الخمس إلى الخروج عن عهدة الضمان ، فإنّ الخمس وإن ثبت بمجرّد الاختلاط على حدّ ثبوته في سائر الأقسام كما عرفت من أنّ الوجوب في الجميع من سنخ واحد ، إلّا أنّ التشريع لمّا كان بمناط التطهير فينصرف الدليل عن صورة ظهور المالك وتبيّنه.

وبعبارة اخرى : ظاهر الروايات أن يكون الوصف العنواني أعني : عدم معرفة الحلال عن الحرام مع الجهل بمالكه باقياً إلى أوان الإخراج ، فلو ظهر المالك واتّضح الضمان قبل التصدِّي لذلك فالنصّ منصرف عن مثله.

وبعبارة ثالثة : المفروض في رواية السكوني إنّ السائل في مقام التوبة ويريد معالجة المشكلة الناشئة من خلط الحلال بالحرام وعدم معرفة المالك ، فالحكم بالتخميس علاجٌ لهذه المشكلة ، فإذا فرض رفع الإشكال وتبيّن الحال بظهور

١٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المالك فلا موضوع بعدئذٍ لهذا العلاج بعد وضوح لزوم الخروج عن عهدة ضمان المالك. وعليه ، فوجوب التخميس الثابت من لدن تحقّق الخلط مراعى بعدم ظهور المالك ، وإلّا فينكشف عدم الوجوب من الأوّل ولزوم الخروج عن عهدة الضمان الواقعي قلّ أم كثر حسبما عرفت.

وأمّا في الفرض الثاني : فالظاهر عدم الضمان ، لأنّ الموجب له إمّا اليد ، أو الإتلاف المتحقّق بالإخراج وأداء الخمس ، وشي‌ء منهما لا يتمّ.

أمّا اليد : فلأنها لو أوجبت الضمان المطلق حتى بعد الأداء لم يفرق في ذلك بين صورتي تبيّن المالك وعدمه ، لوحدة المناط الموجب للضمان وهو اليد ، وعدم تأثير للتبيّن في ذلك بوجه ، فيلزم الإيصاء به والإخراج عن التركة ، لكونه ديناً ثابتاً في الذمّة ، فلا يظنّ الالتزام به من فقيه ، كيف؟! وهو خلاف ظاهر رواية عمّار (١) وصريح رواية السكوني (٢) الناطقة بحلّيّة بقية المال بعد التخميس ، فإنّ الحكم بالحلّيّة في تمام الباقي لا يجتمع مع الضمان أبداً.

ولو أُريد به الضمان المعلّق على المطالبة لا الضمان المطلق فهو وإن كان منوطاً بالتبيّن ، إلّا أنّ الضمان بهذا المعنى يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل عليه في المقام بوجه ، وإنّما ثبت ذلك في خصوص اللقطة بالدليل الخاصّ حسبما عرفت ، ولا مقتضي للتعدِّي عن مورده.

فالصحيح أنّ اليد وإن كانت موجبة للضمان إلّا أنّه ارتفع بحكم الشارع بالتخميس والتصدِّي له خارجاً بأمر من ولي الأمر ، الثابتة له الولاية التشريعيّة والتكوينيّة ، فلا أثر بعد ذلك لصورتي تبيّن المالك وعدمه كما بيّناه.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٠٦ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٠ ح ٢.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٠٦ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٠ ح ٤.

١٦٣

[٢٩١٠] مسألة ٣٤ : لو علم بعد إخراج الخمس أنّ الحرام أزيد من الخمس أو أقلّ لا يستردّ الزائد على مقدار الحرام في الصورة الثانية (١).

______________________________________________________

وأمّا الضمان بقاعدة الإتلاف ففيه أوّلاً : منع الصغرى ، لجواز كون المدفوع خمساً من قسم المال الحلال ، فلم يحرز إتلاف مال الغير بالإخراج.

وثانياً : لو سلّم العلم بكونه من الحرام أو من المخلوط فيجري فيه ما ذكرناه في ضمان اليد بعينه ، فلاحظ.

ومن جميع ما ذكرناه يظهر الحال في مجهول المالك وأنّه لا ضمان في التصدّق به وإن ظهر المالك بعد ذلك ، لا بقاعدة اليد ، ولا بقاعدة الإتلاف ، بعد أن كان التصدّق المزبور الذي هو مصداق للإتلاف بإذن من الوليّ الحقيقي والحاكم الشرعي الذي له الولاية المطلقة بمقتضى قوله (عليه السلام) : «والله ما له صاحب غيري» (١).

نعم ، في خصوص اللقطة قد ثبت الضمان على تقدير المطالبة بالدليل الخاصّ ، لا بقاعدة الإتلاف حسبما عرفت.

وقد تحصّل من جميع ما مرّ : أنّ ما ذكره في المتن من الحكم بالضمان بعد تبيّن المالك غريب ، وأغرب منه تخصيصه الضمان بالخمس ، فإنّه لا وجه له أبداً ، إذ على تقدير القول بالضمان فإنّما يضمن ما كانت ذمّته مشغولة للمالك ، الذي قد ينطبق على ما دفعه خمساً كلّاً أو بعضاً ، وقد لا ينطبق ، وأمّا ضمانه لنفس الخمس الذي أخرجه فلم يعرف له وجه بتاتاً.

(١) لإطلاقات الأدلّة الشاملة لصورة انكشاف الزيادة بعد وضوح عدم

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٤٥٠ / كتاب اللقطة ب ٧ ح ١.

١٦٤

وهل يجب عليه التصدّق بما زاد على الخمس في الصورة الأُولى ، أو لا؟ وجهان (١) ، أحوطهما الأوّل (*) ، وأقواهما الثاني.

______________________________________________________

وقوع هذا الزائد عبثاً ، بل بإزاء جواز التصرّف في الباقي ، حيث إنّ مقتضى العلم الإجمالي بوجود الحرام الاجتناب عن الكلّ حذراً من الوقوع في الحرام الواقعي ، وبعد دفع الخمس المشتمل على تلك الزيادة يترتّب عليه جواز الاقتحام في سائر المال بعد أن كان ممنوعاً منه ، فلم تذهب تلك الزيادة مجّاناً وبلا عوض ، على أنّها قد دفعت بأمر من الشارع الحاكم بوجوب تخميس المخلوط ، فقد وقع الخمس المدفوع في ظرفه في محلّه ، وبما أنّه عبادة فلا جرم قصد به التقرّب ، ومثله لا يردّ ولا يسترجع ، لما ثبت من قولهم (عليهم السلام) : «إنّ ما كان لله لا يرجع» (١).

نعم ، مَن دفع خمساً بتخيّل وجوبه يسترجعه مع بقاء العين لدى انكشاف الخلاف ، وأمّا في المقام فالوجوب ثابت بأمر واقعي لا خيالي ، فلا يقاس أحدهما بالآخر كما هو ظاهر.

(١) بل في المسألة وجوه :

أحدها : وجوب التصدّق في الجميع ، فيسترجع الخمس ثمّ يتصدّق بتمام الحرام لأهل الصدقة.

ولكنّه كما ترى مخالف لظاهر الدليل القاضي بوجوب التخميس ، فكان المدفوع خمساً لا صدقة لترجع.

__________________

(*) بل الأظهر ذلك ، هذا فيما إذا كان معلوم المقدار من حيث الزيادة ، وإلّا وجب تخميس الباقي ثانياً.

(١) لاحظ المستدرك ١ : ١١٣ / أبواب مقدّمات العبادات ب ١٢ ح ١٤.

١٦٥

[٢٩١١] مسألة ٣٥ : لو كان الحرام المجهول مالكه معيّناً فخلطه بالحلال ليحلّله بالتخميس خوفاً من احتمال زيادته على الخمس فهل يجزئه إخراج الخمس ، أو يبقى على حكم مجهول المالك؟ وجهان (١) ، والأقوى الثاني ، لأنّه

______________________________________________________

على أنّه لا دليل على حرمة التصدّق على بني هاشم فيما عدا الزكاة الواجبة بقسميها ، فلا مقتضي للاسترجاع بوجه كما لا يخفى.

فهذا الوجه ضعيف.

ويتلوه في الضعف الوجه الثاني الذي اختاره في المتن من الاجتزاء بالسابق وعدم معالجة الزائد.

فإنّ هذا أيضاً بعيدٌ عن سياق الروايات ولا سيّما رواية السكوني (١) التي هي العمدة كما مرّ ، إذ الموضوع فيها من لا يدري الحلال من الحرام ، فالاجتزاء بالتخميس خاصّ بصورة الجهل بالمقدار ومراعى بعدم انكشاف الخلاف ، وأمّا من تبيّن له الحال وعلم بالمقدار ووجود الحرام بعد التخميس أيضاً فالنصّ منصرف عن مثله جزماً ، لارتفاع الموضوع حينئذٍ وانقلابه بموضوع آخر.

وعليه ، فالأظهر هو الوجه الثالث من أنّ الباقي بعد التخميس المعلوم وجود الحرام فيه موضوعٌ جديد للمال المخلوط فيه الحلال بالحرام ، فيجري عليه حكمه من أنّه إن علم مقداره ومالكه دفعه إليه ، وإن علم مقداره ولم يعلم مالكه تصدّق به بعنوان مجهول المالك ، وإن لم يعلم مقداره ولا مالكه تعلّق به خمس آخر ، فإن دفع الخمس وانكشف وجود الحرام في الباقي بعد التخميسين أيضاً تشكّل موضوع آخر للمخلوط ، وهكذا.

(١) فقد يقال بالاجتزاء ، نظراً إلى عدم قصور النصوص عن الشمول لمثل

__________________

(١) المتقدّمة في ص ١٢٧.

١٦٦

كمعلوم المالك ، حيث إنّ مالكه الفقراء (*) قبل التخليط.

______________________________________________________

الفرض ، فإنّ الغالب في موارد الاختلاط كونه بعد التمييز وتشخيص مقدار الحرام في ظرفه ، إمّا مع معرفة المالك أو بدونها ، كالمال الربوي أو المشترى من السارق ونحو ذلك من الأموال التي يكتسبها الرجل ويغمض في مطالبها حلالاً وحراماً ، فإطلاق الروايات يقتضي جواز التخميس في المقام أيضاً.

ولكنّه (قدس سره) اختار عدم الإجزاء وأنّه يبقى على حكم مجهول المالك ، وعلّله بأنّ تعيّن الحرام وتميّزه قبل التخليط يجعله كمعلوم المالك ، نظراً إلى أنّ مالكه الفقراء ويجب التصدّق به عليهم ، فهو كالمال المعلوم مالكه الأصلي في عدم المشموليّة لنصوص المقام وانصرافها عنه.

وهذا التعليل بظاهره عليل ، ضرورة أنّ الفقير لا يملك المال المجهول مالكه إلّا بالقبض ، فقبله باقٍ على ملك مالكه الواقعي الذي هو مجهول حسب الفرض ، فقوله (قدس سره) : إنّ مالكه الفقراء. غير وجيه بظاهره ، فلا وجه لإجراء حكم معلوم المالك عليه ليلتزم بالتصدّق وعدم التخميس.

اللهمّ إلّا أن يقال وهو الصحيح ـ : بأنّ مراده (قدس سره) بالمالك من يجب الصرف عليه والإعطاء إليه لا المالك الحقيقي ، نظير قوله (عليه السلام) : «والله ما له صاحب غيري» ، ومن ثمّ شبّهه (قدس سره) بمعلوم المالك ، حيث قال (قدس سره) : لأنّه كمعلوم المالك. ولم يجعله منه حقيقة ، فهو يشابهه في معلوميّة المصرف. ومن الواضح أنّ نصوص التخميس منصرفة عن مثل هذا

__________________

(*) في التعبير مسامحة ظاهرة ، ولعلّه يريد بذلك أنّ مورد التخميس ما إذا كان المالك بعد التوبة غير عارف بكيفية تفريغ ذمّته من جهة الجهل بوظيفته من جهة الاختلاط ، وأمّا المال المعلوم مصرفه بعد التوبة وهو الفقراء فلا يكون مورداً للتخميس.

١٦٧

[٢٩١٢] مسألة ٣٦ : لو كان الحلال الذي في المختلط ممّا تعلّق به الخمس وجب عليه بعد التخميس (*) للتحليل خمس آخر للمال الحلال الذي فيه (١).

______________________________________________________

الخليط المعلوم حكمه الشرعي.

وبعبارة اخرى : أنّ رواية السكوني التي هي من عمدة روايات الباب ناظرة إلى من يريد التوبة ويروم التخلّص عن مشكلة اختلاط الحرام بالحلال ، فلا يدري ما هي وظيفته تجاه الحرام الموجود في البين. وهذا كما ترى لا يعمّ الحرام المشخّص قبل الاختلاط المعلوم مصرفه وإن كان مجهولاً مالكه ، وهو التصدّق على الفقراء ، سيّما إذا كان الاختلاط عمديّاً ولغاية سيِّئة ، وهي الفرار من احتمال الزيادة على الخمس كما هو المفروض في المقام ، فإنّ النصّ منصرف عن مثل هذا الفرض جزماً. وعليه ، فيبقى على حكم مجهول المالك كما اختاره في المتن.

(١) قد يفرض أنّ الحلال الذي في المختلط ممّا لم يتعلّق به الخمس في نفسه ، كما لو كان إرثاً أو مالاً مخمّساً ونحو ذلك ، وهذا هو الذي تكلّمنا فيه لحدّ الآن ، وقد عرفت وجوب تخميسه لمكان الاختلاط.

وأُخرى : يفرض كونه مورداً للخمس بنفسه ولو مع الغضّ عن الخلط ، كما لو كان غنيمة أو كنزاً أو معدناً أو من أرباح المكاسب وقد حال عليها الحول ، فهل يكفي التخميس حينئذٍ مرّة واحدة ، أو أنّه يحتاج إلى تخميس آخر للعنوان الآخر؟

__________________

(*) الظاهر كفاية استثناء خمس المال الحلال أوّلاً ثمّ تخميس الباقي ، ويظهر الفرق بين هذا وما في المتن بالتأمّل.

١٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

قد يقال بالأوّل ، نظراً إلى إطلاق قوله (عليه السلام) في معتبرة السكوني : «وسائر المال لك حلال» (١).

ولكنّه واضح الضعف ، ضرورة قصر النظر فيها على الحلّيّة من ناحية الاختلاط بالحرام لا حتى من الجهات الأُخرى ، كما لعلّه أظهر من أن يخفى. إذن فإطلاق دليل التخميس بعنوان الغنائم أو الكنوز أو الأرباح ونحوها محكّمٌ لا مناص من الأخذ به.

فلا ينبغي التأمّل في لزوم التخميس مرّتين ، عملاً بإطلاق الدليلين ، فيخمّس مرّةً بعنوان الاختلاط ، ومرّةً اخرى بعنوان الأرباح مثلاً.

وإنّما الكلام في المتقدّم منهما والمتأخّر ، فقد ذكر الماتن (قدس سره) أنّه يخمّس تمام المال أوّلاً للتحليل من أجل الاختلاط بالحرام ، ثمّ بعدئذٍ يخمّس مرّة أُخرى للمال الحلال الذي فيه بعنوان الأرباح مثلاً.

ولكنّه غير ظاهر ، ضرورة أنّ الخمس بعنوان الاختلاط حسب ما يستفاد من الأدلّة خاصّ بالمال المخلوط فيه الحلال بالحرام ، فموضوعه المال المؤلف من هذين الصنفين ، فبعضه له وبعضه حرام لا يعرف صاحبه ، وأمّا المشتمل على صنف ثالث بحيث لا يكون له ولا يكون من المال الحرام الذي لا يعرف صاحبه فهو غير مشمول لتلك الأدلّة.

ومقامنا من هذا القبيل ، إذ بعد كون حصّته من هذا المجموع متعلّقاً للخمس كما هو المفروض ، فهو يعلم أنّ مقداراً من هذا المال المختلط أعني : الخمس من حصّته لا له ولا من المال الحرام ، بل هو ملك للسادة والإمام. وعليه ، فلا بدّ من إخراجه واستثنائه أوّلاً ليتمحّض المال في كونه حلالاً مخلوطاً بالحرام ، ثمّ يخمّس بعدئذٍ للتحليل وبعنوان الاختلاط.

__________________

(١) المتقدّمة في ص ١٢٧.

١٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فالنتيجة : أنّ التخميس بعنوان الأرباح مثلاً مقدّم على التخميس من ناحية الاختلاط ، عكس ما ذكره في المتن.

ولا شكّ أنّ بين الكيفيّتين فرقاً واضحاً يستتبع ثمرة عمليّة.

فمثلاً : إذا فرضنا أنّ مجموع المال خمسة وسبعون ديناراً كما ذكرناه في المنهاج (١) فعلى طريقة الماتن : يخرج أوّلاً خمس المجموع للتحليل فيبقى ستّون ، ثمّ يخرج خمس الأرباح فيبقى له ثمانية وأربعون ديناراً.

وأمّا على طريقتنا : فيخرج خمس المتيقّن (٢) كونه من المال الحلال أوّلاً ، فلنفرض أنّه خمسون فيخرج خمسه للأرباح وهي عشرة فتبقى خمسة وستّون ، ثم يخرج خمس هذا المجموع بعنوان الاختلاط وهو ثلاثة عشر فتبقى له من مجموع المال اثنان وخمسون ديناراً. فتختلف عن الطريقة الأُولى بأربعة دنانير.

ولو فرضنا أنّ المتيقّن من الحلال أقلّ فالفرق أكثر ، فلو كان المتيقّن خمسة وعشرين ديناراً مثلاً فيخرج خُمسه خمسة دنانير ، ثمّ يخرج من السبعين الباقي أربعة عشر ديناراً خُمس التحليل فيبقى له من المجموع ستّة وخمسون ديناراً. فتختلف حينئذ عن الطريقة الأُولى بمقدار ثمانية دنانير ، وهكذا. وقد عرفت أنّ هذه الطريقة هي المتعيّن بحسب الأدلّة ، لا ما ذكره الماتن وغيره ، فلاحظ.

__________________

(١) منهاج الصالحين (العبادات) : ٣٣١ / ١٢١٠.

(٢) يمكن أن يقال : إنّ قاعدة اليد تقتضي البناء على الأكثر ، وقد أجاب (دام ظلّه) عن ذلك بما لفظه : قاعدة اليد على تقدير جريانها في المقام فإنّما يترتّب عليها الحكم بكون المقدار المشكوك فيه ملكاً لذي اليد ، ولا يترتّب عليها الحكم بكونه من الأرباح ليتعلّق به الخمس ، على أنّها لا تجري في موارد الاختلاط الموجب لإخراج الخمس ، وإلّا لم تكن حاجة إليه كما لعلّه ظاهر.

١٧٠

[٢٩١٣] مسألة ٣٧ : لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاصّ أو العامّ فهو كمعلوم المالك على الأقوى (١) ، فلا يجزئه إخراج الخمس حينئذٍ.

[٢٩١٤] مسألة ٣٨ : إذا تصرّف في المال المختلط قبل إخراج الخمس بالإتلاف لم يسقط (٢) وإن صار الحرام في ذمّته فلا يجري عليه حكم ردّ المظالم على الأقوى ، وحينئذٍ فإن عرف قدر المال المختلط اشتغلت ذمّته بمقدار

______________________________________________________

(١) إذ لا فرق في المالك المعلوم الذي يجب إيصال المال إليه بين المالك الشخصي أو الكلّي كما في هذه الموارد ، فلا بدّ في إصلاح المال حينئذٍ من مراجعة الحاكم الشرعي الذي له الولاية على الكلّي والتراضي معه بما يتّفقان عليه. ولا يجزئ إخراج الخمس ، لانصراف نصوص الاختلاط عن مثل الفرض ، إذ الموضوع فيها الخلط بمالٍ لا يعرف صاحبه الشخصي أو الكلّي ، لا ما يعرف صاحبه كذلك كما لا يخفى.

وعن كاشف الغطاء : التفصيل بين الأوقاف فيكون كمعلوم المالك ، وبين الاختلاط بالأخماس أو الزكوات فكالمجهول المحكوم عليه بالتخميس (١).

وهو كما ترى غير ظاهر الوجه. فما ذكره في المتن من عدم إجزاء التخميس مطلقاً هو الصحيح حسبما عرفت.

(٢) تبتني المسألة على أنّ تعلّق الخمس بالمال المخلوط هل هو كتعلّقه بسائر الأقسام والكلّ من سنخ واحد ، فمقدار الخمس ملك فعلي للسادة بمجرّد الخلط بالولاية الشرعيّة؟

__________________

(١) كشف الغطاء : ٣٦١.

١٧١

خمسه ، وإن لم يعرفه ففي وجوب دفع ما يتيقّن معه بالبراءة ، أو جواز الاقتصار على ما يرتفع به يقين الشغل ، وجهان ، الأحوط الأوّل ، والأقوى الثاني (١).

______________________________________________________

أو أنّه من سنخ آخر شُرّع لتطهير المخلوط مع بقاء الحرام على ملك مالكه الواقعي ، فله تخليص العين الخارجيّة عن الحرام بالتخميس من غير أن يكون الخمس ملكاً فعليّاً للسادة.

فعلى الأوّل وقد عرفت فيما مرّ أنّه الأظهر ـ : ينتقل الخمس إلى الذمّة ، ولا موجب لسقوطه بالإتلاف ، لعدم دورانه مدار بقاء العين.

وهذا بخلاف الثاني ، ضرورة أنّ تطهير المخلوط من أوصاف العين الخارجيّة ومع تلفها ينتقل الحرام بخالصه إلى الذمّة ، فلا خلط بعدئذٍ ليحتاج إلى التطهير ، بل الذمّة مشغولة حينئذٍ بنفس الحرام الواقعي فلا بدّ من الخروج عن عهدة الضمان المتعلّق بمال الغير ، فلا جرم يجري عليه حكم ردّ المظالم لا الخمس.

وحيث أسلفناك تقوية القول الأوّل لدى ردّ مقالة الهمداني الذي اختار الثاني (١) فما قوّاه في المتن هو الأقوى.

(١) أمّا كون الأوّل أحوط فظاهر ، لاحتمال اشتغال الذمّة بالأكثر ، والاحتياط حسن على كلّ حال. وأمّا كون الثاني أقوى فلأصالة البراءة عن اشتغال الذمّة بالزائد على المقدار المتيقّن.

__________________

(١) في ص ١٥٥.

١٧٢

[٢٩١٥] مسألة ٣٩ : إذا تصرّف في المختلط قبل إخراج خمسه ضمنه (*) كما إذا باعه مثلاً (١) فيجوز لولي الخمس الرجوع عليه ، كما يجوز له الرجوع على من انتقل إليه ، ويجوز للحاكم أن يمضي معاملته فيأخذ مقدار الخمس من العوض إذا باعه بالمساوي قيمةً أو بالزيادة ، وأمّا إذا باعه بأقلّ من قيمته فإمضاؤه خلاف المصلحة. نعم ، لو اقتضت المصلحة ذلك فلا بأس.

______________________________________________________

(١) لمّا لم يكن المتصرّف مالكاً لمقدار الخمس فلا جرم يضمن هذا المقدار ويكون التصرّف فيه بمثل البيع ونحوه فضوليّاً تنوط صحّته بإجازة وليّ الأمر أعني : الحاكم الشرعي فإن اختار الردّ جاز له الرجوع على كلّ من البائع والمشتري بعد كونه أي المشتري ضامناً أيضاً بمقتضى اليد على ما هو المقرّر في حكم تعاقب الأيدي ، وإن كان للمشتري الرجوع إلى البائع لو كان جاهلاً بالحال فيكون قرار الضمان عليه.

وإن اختار الإمضاء أخذ مقدار الخمس من العوض فيما لو باعه بالمساوي قيمةً أو بالزيادة. وأمّا لو باع بالأقلّ ، كما لو باع ما يسوى ديناراً بدرهم ، فبما أنّ الإمضاء على خلاف المصلحة فليس له ذلك إلّا إذا اقتضته المصلحة من ناحية أُخرى ، فيجوز حينئذٍ.

هذا ، وقد تقدّم نظير الفرع في كتاب الزكاة فيما لو باع العين الزكويّة قبل إخراج الزكاة وقلنا : إنّ مقتضى القاعدة الأوّلية هو ذلك حسبما عرفت (١).

ولكن في خصوص المقام يلتزم بصحّة البيع فيما إذا كان المشتري مؤمناً ،

__________________

(*) لا تبعد صحّة البيع بلا حاجة إلى الإجازة فيما إذا كان المشتري مؤمناً ويتعلّق الخمس بالثمن ، وإذا كان المثمن أقلّ من قيمة المثل ضمن ما به التفاوت.

(١) شرح العروة ٢٣ : ٣٩٠.

١٧٣

السادس : الأرض التي اشتراها الذمِّي من المسلم (١) ،

______________________________________________________

أخذاً بنصوص التحليل المتضمّنة لإمضاء المعاملات الواقعة على العين ممّن لم يخمّسها فينتقل الخمس من العين إلى عوضها ، حيث إنّهم (عليهم السلام) أباحوا لشيعتهم ذلك حفظاً للمناكح والمساكن والمتاجر عن الحرام ، فإنّ الإباحة للمتاجر تستدعي صحّة تلك المعاملات كما لا يخفى.

وعليه ، فالأقوى صحّة البيع ونحوه في المقام من غير حاجة إلى إجازة الحاكم الشرعي ، فينتقل الخمس من العين إلى العوض لو كان التصرّف بمثل البيع ممّا له البدل ، وإلى الذمّة لو لم يكن كذلك كما في الهبة غير المعوّضة ، وتمام الكلام في محلّه إن شاء الله تعالى.

(١) على المشهور من زمن الشيخ ومن تأخّر عنه ، بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه (١).

نعم ، نُسِب إلى كثير من القدماء إنكار هذا الخمس ، نظراً إلى خلوّ كلماتهم عن التعرّض إليه لدى تعداد الأقسام.

وكيفما كان ، فالمتّبع هو الدليل ، والأصل في هذا الحكم صحيحة أبي عبيدة الحذّاء ، قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : «أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس» (٢).

المؤيّدة بمرسلة المفيد عن الصادق (عليه السلام) «قال : الذمّي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس» (٣).

__________________

(١) الغنية ٢ : ١٢٩ ، وهو في النهاية : ١٩٧.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٠٥ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٩ ح ١.

(٣) الوسائل ٩ : ٥٠٥ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٩ ح ٢ ، المقنعة : ٢٨٣.

١٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ونوقش في الرواية باستضعاف السند.

ولكنّه كما ترى ، لعدم اشتماله على من يغمز فيه أبداً ، بل في المدارك : أنّها في أعلى مراتب الصحّة (١). وهو كذلك ، ولأجله استغرب تبعاً للمنتقى (٢) النقاش في السند. غير أنّه (قدس سره) ناقش تبعاً له في الدلالة ، نظراً إلى خلوّها عن ذكر متعلّق الخمس ومصرفه ، فلا يدري أنّ المراد خمس نفس الأرض أو حاصلها ، ومن الجائز إرادة الثاني كما نسب إلى بعض العامّة وهو مالك (٣) من أنّ الذمّي إذا اشترى أرضاً من مسلم وكانت عشريّة ضوعف عليه العشر وأُخذ منه الخمس. فتكون الرواية على هذا جارية مجرى التقيّة.

وربّما يعضدها خلوّ بقيّة النصوص عن التعرّض لهذا الخمس.

ولكنّه يندفع أوّلاً : بعدم المقتضي للحمل على التقيّة بعد سلامتها عن المعارض ، فلا موجب لرفع اليد عن أصالة الجدّ ، إذ ليس بإزائها ما يدلّ على نفي الوجوب ليجمع بالحمل على التقيّة.

وثانياً : أنّ الرواية مرويّة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ، واشتهار مالك بالفتوى إنّما كان في عهد الصادق (عليه السلام) لا الباقر (عليه السلام) لكي يقتضي الاتّقاء منه ، بل لعلّه لم تكن له فتوى في زمنه ، فإنّ مالك تولّد سنة ٩٦ ، أي بعد إمامة الباقر بسنتين ، وتوفّي سنة ١٧٩ وكان عمره ٨٣ سنة ، وكانت إمامة الباقر سنة ٩٥ ووفاته سنة ١١٤ ، فكان عمر مالك عند وفاة الباقر (عليه السلام) ٢٠ سنة ولم يكن عندئذٍ صاحب فتوى ، فضلاً عن اشتهارها. ثمّ إنّ هذه الرواية لم تصدر سنة وفاة الباقر ، فلعلّها صدرت ولم يكن مالك بالغاً ،

__________________

(١) المدارك ٥ : ٣٨٦.

(٢) منتقى الجمان ٢ : ٤٤٣.

(٣) الحدائق ١٢ : ٣٦٠ ، وهو في المغني ٢ : ٥٩٠.

١٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فضلاً عن كونه صاحب فتوى.

وثالثاً : أنّ الأرض المذكورة فيها مطلق تعمّ الزراعيّة وغيرها ، كما أنّ الزراعيّة تعمّ الزكويّة وغيرها ، فلا موجب للتخصيص بالعشريّة لتحمل على التقيّة.

فالإنصاف ظهور الصحيحة في تعلّق الخمس بنفس الأرض لا بحاصلها ، وتعضدها المرسلة التي هي كالصريح في ذلك كما لا يخفى وإن كانت لمكان الضعف لا تصلح إلّا للتأييد.

فالأقوى ثبوت هذا الخمس وفاقاً للمشهور ، وأخذاً بالرواية القويّة سنداً ودلالةً وجهةً ، السليمة عن المعارض حسبما عرفت.

وأمّا خلوّ بقيّة النصوص عن التعرّض لهذا الخمس ككلمات القدماء فلعلّ وجهه : أنّ بقيّة الأقسام عامّة لجميع البشر بناءً على تكليف الكفّار بالفروع كالأُصول ، أو لخصوص المسلمين بناءً على عدم تكليفهم بها ، كما لعلّه الأظهر. وأمّا هذا القسم فهو مخصوص بالذمّي ولا مساس له بالمسلمين ، بل ولا بغير الذمّي من الكفّار ، فهو حكم في مورد مخصوص ، ومثله لا يستحقّ التعرّض في قبال سائر الأقسام وذكره في عدادها كما لا يخفى.

ثم إنّ رواية الحذّاء قد رويت بطرق ثلاث كما في الوسائل : فرواها الشيخ بإسناده عنه ، وكذا الصدوق بإسناده عنه ، وكذلك المحقّق في المعتبر عن الحسن ابن محبوب (١).

لكن الطريقين الأخيرين ضعيفان ، لجهالة طريق الصدوق إلى الحذّاء في المشيخة كجهالة طريق المحقّق إلى ابن محبوب.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٣٩ / ٣٩٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢ / ٨١ ، المعتبر ٢ : ٦٢٤.

١٧٦

سواء كانت أرض مَزرع أو مسكن أو دكّان أو خان أو غيرها (١) ، فيجب فيها الخمس.

______________________________________________________

وأمّا الطريق الأوّل فهو في غاية الصحّة كما عرفت ، فإنّ أحمد بن محمّد الواقع في السند وإن تردّد بين ابن خالد وابن عيسى لكنّه موثّق على كلّ حال.

على أنّ الظاهر أنّه الثاني ، لأنّ الشيخ روى هذه الرواية بعينها في موضعين من التهذيب : أحدهما في كتاب الخمس (١) بعنوان : أحمد بن محمّد ، وثانيهما في باب الزيادات منه (٢) بعنوان : أبي جعفر ، الذي هو كنية أحمد بن محمّد بن عيسى ، كما صرّح به في كثير من الروايات ، فتخرج الرواية بذلك عن الترديد وإن كانت صحيحة على التقديرين كما عرفت. على أنّها لو لم تكن صحيحة فلا أقلّ من أنّها موثّقة ، والمحقّق في محلّه حجّيّة الموثّق كالصحيح. وقد عرفت قوّة الدلالة وعدم الموجب للحمل على التقيّة ، فلا مناص من الأخذ بها.

(١) لإطلاق النصّ والفتوى بعد صدق الأرض على الجميع بمناطٍ واحد.

ولكن المحكي عن جماعة كالفاضلين والمحقّق الثاني (٣) وغيرهم التخصيص بأرض الزراعة ، فلا تعمّ المشتملة على البناء والأشجار كالدور والبساتين والخانات ونحوها ، نظراً إلى أنّ الأرض في هذه الموارد ملحوظة تبعاً ، فلا نظر إليها في مقام الشراء بالذات ، بل بتبع البنيان والأشجار ، ولأجله ينصرف النصّ عن شراء مثل هذه الأراضي ، ويكون المتبادر هي الأرض الخالية الملحوظة بحيالها في مقام الشراء ، التي هي في مقابل الدار والدكّان والخان نحوها ، إذ لا

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢٣ / ٣٥٥.

(٢) التهذيب ٤ : ١٣٩ / ٣٩٣.

(٣) حكاه في مصباح الفقاهة ١٤ : ١٤٣ ، وهو في المعتبر ٢ : ٦٢٤ ، جامع المقاصد ٣ : ٥٢.

١٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

يقال حينئذٍ : إنّه اشترى أرضاً ، بل يقال : اشترى داراً أو دكّاناً أو حمّاماً.

ولعلّ هذا هو مراد من خصّها بالزراعيّة ، أي الأرض الخالية غير المشغولة بالبناء أو الأشجار. وكأنّه لذلك تأمّل في شمول الحكم لها في الجواهر وإن جعل التعميم أولى (١).

ولكنّه يندفع بمنع التبعيّة ، فإنّ الدار مثلاً اسم لمجموع الأرض والبنيان ، وكذا الخان والدكّان ، كما أنّ البستان اسم لمجموع الأرض والأشجار ، فكلّ منهما مقصود بالذات وملحوظ بحياله في مقام الشراء من غير تبعيّة ، وإنّما تتّجه دعواها في مثل البسامير والأسلاك والمصابيح ونحوها ممّا لم يكن منظوراً ، بل ولا ملتفتاً إليه لدى التصدّي لشراء الدار فكانت تابعة وخارجة عن المبيع. وأمّا الأرض فهي جزء مقوّم للمبيع ، ولذا يقسّط عليها الثمن وتتبعّض الصفقة فيما لو انكشف أنّها لغير البائع ، ويثبت الخيار للمشتري فيصحّ البيع بالنسبة إلى البنيان مع خيار التبعّض ويكون بالإضافة إلى رقبة الأرض فضوليّاً منوطاً بإجازة مالكها ، كما أنّه قد تباع الأرض دون البنيان أو بالعكس ، وقد يكون أحدهما ملكاً لشخص والآخر ملكاً لشخص آخر ، فيشتري المجموع منهما أو أحدهما من واحد منهما.

وبالجملة : ليس المقام من موارد التبعيّة ، إذ لم يكن المبيع البناء أو الأشجار لتكون الأرض تابعة ، بل كلّ منهما مستقلّ في البيع ، غايته أنّهما بيعا معاً ولهما اسم بسيط كالدار ، كما لو باع فرساً مع فرس أو كتاباً مع كتاب ، فهو من باب الضميمة لا التبعيّة ، ولذا يصحّ أن يقال عرفاً : إنّه اشترى أرض هذه الدار وبناءها من غير أيّة عناية. وأوضح حالاً ما لو اشترى أرض الدار فقط ، أو أرض البستان فقط ، فإنّ دعوى انصراف النصّ عن شراء مثل هذه الأرض

__________________

(١) الجواهر ١٦ : ٦٦.

١٧٨

ومصرفه مصرف غيره من الأقسام على الأصحّ (١).

وفي وجوبه في المنتقلة إليه من المسلم بغير الشراء من المعاوضات إشكال (٢) ، فالأحوط اشتراط مقدار الخمس عليه في عقد المعاوضة ، وإن كان القول بوجوبه في مطلق المعاوضات لا يخلو عن قوّة.

______________________________________________________

كما ترى ، لضرورة صدق شراء الأرض حينئذٍ من غير أيّة مسامحة أو عناية فيشملها النصّ.

وكيفما كان ، فالأقوى عموم الحكم لمطلق الأراضي كائنة ما كانت كما في المتن ، أخذاً بإطلاق النصّ السالم عمّا يصلح للتقييد.

(١) فإنّه المتبادر من لفظ الخمس الوارد في النصّ بعد البناء على ظهوره في إرادة الخمس من رقبة الأرض نفسها لا فيما يملك من حاصلها لكي يراد به مصرف الزكاة ، وإن تردّد فيه صاحب المدارك من أجل الخلوّ عن ذكر المتعلّق والمصرف (١) ، ولكن عرفت أنّه في غير محلّه ، لقوّة الاستظهار المزبور. وعليه ، فيراد بالخمس الخمس المعهود الذي ينصرف إليه اللفظ عند الإطلاق ، أعني : ما يصرف للسادة والإمام (عليه السلام) ، كما في خمس الغنائم ونحوها.

(٢) هل يختصّ الحكم بالشراء ، أو يعمّ مطلق المعاوضة كالصلح ، أو يعمّ مطلق الانتقال وإن لم يكن معاوضة كالهبة؟ وجوه ، أقواها الأخير.

فإنّ مقتضى الجمود على ظاهر النصّ وإن كان هو الأوّل اقتصاراً في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على مقدار قيام الدليل ، إلّا أنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي إلغاء خصوصيّة الشراء بحسب الفهم العرفي ، وأنّ الاعتبار بمطلق الانتقال

__________________

(١) المدارك ٥ : ٣٨٦.

١٧٩

وإنّما يتعلّق الخمس برقبة الأرض دون البناء والأشجار والنخيل إذا كانت فيه (١).

______________________________________________________

من المسلم إلى الذمّي كيفما اتّفق ، وأنّ التعبير بالشراء من أجل أنّه الفرد الغالب من أسباب النقل لندرة غيره كما لا يخفى ، فلا خصوصيّة له بوجه. ولا يكاد يفهم العرف فرقاً بين أن يكون النقل بلفظ «بعت» و «اشتريت» أو «صالحت» أو «وهبت» أو الشرط في ضمن العقد ونحو ذلك ، فهو نظير منع المسلم عن بيع شي‌ء من الذمّي كما ورد من عدم جواز بيع العبد المسلم من الكافر ، فإنّ العرف لا يكاد يرتاب في أنّ الممنوع هو مطلق الانتقال وتمكينه من العين وإن لم يكن بصورة البيع.

وبعبارة اخرى : قد يكون الحكم متعلّقاً بنفس العقد ، ففي مثله لا يمكن التعدّي إلى عقد آخر كما في قوله : نهى النبي عن بيع الغرر ، أو : البيّعان بالخيار ، فلا يلحق الصلح مثلاً بالبيع حينئذٍ.

وأُخرى : تشهد مناسبة الحكم والموضوع بعدم تعلّق الحكم بنفس العقد ، بل الاعتبار بالخصوصيّة الكائنة في المنتقل عنه والمنتقل إليه كما في المقام ، وأنّ خصوصيّة إسلام البائع وكفر المشتري هي الباعثة على تشريع الخمس من غير خصوصيّة للبيع نفسه. ففي مثله لا يتأمّل العرف في التعدّي إلى مطلق النواقل.

ولعلّ السرّ في تشريعه هو التقليل من الانتقال المذكور خارجاً ، كيلا يتسلّط الكفّار على أراضي المسلمين ولا تقوى كلمة الكفر وتكون العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين ، ففرض عليه الخمس لكي تقلّ رغبته في الشراء ، لتضرّره في ذلك غالباً ، فإنّه بحسب النتيجة قد اشترى أربعة أخماس الأرض بتمام قيمتها.

(١) لخروجها عن مفهوم الأرض التي هي المتعلّق للخمس لا ما يكون فيها ،

١٨٠