موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

بيعٍ أو هبة ونحو ذلك.

وهل تجري قاعدة اليد في الفرد المشكوك فيه من غير تمييز؟

فيه كلامٌ بين الأعلام قد تكلّمنا حوله في بعض المباحث الأُصوليّة (١).

ففيما لو علم إجمالاً بنجاسة أحد الثوبين واحتمل نجاسة الثوب الآخر أيضاً لوقوع قطرة بول في أحدهما واحتمال الوقوع في الآخر أيضاً ، فالواحد منهما لا بعينه معلوم النجاسة بالإجمال ، القابل للانطباق على كلّ واحد منهما ، لكونه طرفاً للعلم الإجمالي ، فلا يجوز ترتيب آثار الطهارة على شي‌ء منهما ، لسقوط الأصل من الطرفين بالمعارضة.

وهل تجري أصالة الطهارة في الفرد الآخر غير المعلوم لدينا باعتبار أنّ أحدهما لا بعينه نجس قطعاً ، وأمّا الآخر فهو غير معلوم النجاسة فلا مانع من كونه مجرى للأصل؟

الظاهر هو الجريان ، إذ المعارضة تختصّ بالأشخاص ، فلا يجري الأصل في خصوص كلّ واحد بعينه ، للتعارض. وأمّا الواحد لا بعينه ونعني به : الجامع الكلّي المعرّى عن كلّ خصوصيّة ، لا الفرد المردّد ، أو العنوان المبهم الذي لا وجود له ولا ذات كما لا يخفى فلا مانع من إجراء الأصل فيه بعد تماميّة أركانه.

ويترتّب على ذلك جواز تكرار الصلاة في الثوبين المزبورين ، إذ معه يقطع بوقوع الصلاة في ثوب محكوم بالطهارة بمقتضى الأصل.

وهذا بخلاف ما لو منعنا عن جريان الأصل فيه أي في الواحد لا بعينه لعدم إحراز طهارة ذاك الثوب حينئذٍ شرعاً لا واقعاً ولا ظاهراً بعد جواز

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٤٠ ٣٤١.

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

نجاستهما معاً كما هو المفروض ، فلا تجوز الصلاة في شي‌ء منهما.

وعلى الجملة : لا نرى أيّ مانع من التعبّد بطهارة واحد منهما لا بعينه بمقتضى الأصل كما نعلم إجمالاً بنجاسة الواحد منهما لا بعينه.

ومن المعلوم أنّ الطهارة والنجاسة ونحوهما من الأحكام الوضعيّة والتكليفيّة أُمورٌ اعتباريّة ، ولا مانع من قيام الأمر الاعتباري بالجامع بين الأمرين ، بل يمكن ذلك حتى في بعض الصفات الحقيقيّة كالعلم فضلاً عن الأُمور الاعتباريّة ، وليس هذا من قبيل العرض بلا معروض ، فإنّ العلم يقوم بالعالم وعرض له لا للمعلوم ، فلا مانع من تعلّقه بالجامع من دون أن يكون له تعيّن حتى في علم الله وفي صقع الواقع. فيعلم بنجاسة أحد الإناءين وفي علم الله كلاهما نجس ، فلم يكن هناك تعيّن للمعلوم الإجمالي حتى في علم الله. فإذا ثبت ذلك في الصفات الحقيقيّة ففي الاعتباريّة بطريقٍ أولى.

ومن هذا القبيل : بيع الكلّي ، فإنّ المملوك هو الكلّي من دون لحاظ أيّ شخص من هذه الصبرة ، فالملكيّة قائمة به لا بالشخص حتى في علم الله سبحانه.

وعليه ، فلا مانع من أن يكون أحد الثوبين في المثال المزبور محكوماً بالطهارة بمقتضى الأصل وإن كان لا بعينه.

نعم ، لا بدّ وأن يكون لهذا التعبّد أثر عملي وإلّا كان لغواً محضاً ، وأثره في هذا المثال صحّة الصلاة لو صلّى في كلّ منهما متعاقباً ، فإنّه قد صلّى حينئذٍ في الثوب الطاهر بحكم الشارع ، فلو انكشفت نجاستهما معاً يحكم بصحّة الصلاة ، لأنّه قد صلّى في ثوب محكوم بالطهارة في ظاهر الشرع كما لا يخفى.

وهذه مسألة كبرويّة نقّحناها في الأُصول تنطبق على المقام وأشباهه ، ففي المقام بما أنّا نعلم إجمالاً بحرمة بعض ما في يده من الأموال فقاعدة اليد في كلّ منها ساقطة بالمعارضة ، فلا يجوز التصرّف في شي‌ء منها ، لا الخارجي ولا

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الاعتباري من بيع ونحوه.

وأمّا بالنسبة إلى الكلّي أعني : الزائد على المقدار المعلوم ممّا كان دائراً بين الأقلّ والأكثر كما لو كان مجموع ما عنده عشرة دنانير ويعلم أنّ بعضاً منها حرام وهو مردّد بين الاثنين والخمسة ، فقاعدة اليد بالنسبة إلى كلّ شخصٍ شخص ساقطة ، لمكان العلم الإجمالي كما عرفت. وأمّا بالنسبة إلى الجامع الزائد على الاثنين أعني : الثمانية الباقية فيشكّ أنّه هل فيها حرام أو لا؟ ومقتضى قاعدة اليد ملكيّته لها ، فتكون الثمانية من هذه الأموال له والاثنان لغيره من غير تمييز.

وتظهر الثمرة في القسمة ، فإنّهما إن تراضيا وتصالحا في مقام التقسيم فلا كلام كما تقدّم ، وإلّا فإن قلنا بأنّ الخلط في المقام موجب للشركة كما هو صريح كلام المحقّق الهمداني (قدس سره) في القسم الثالث (١) أعني : ما إذا كان القدر والمالك معلومين فيقسّم حينئذٍ على نسبة كلّ من المالين ، ففي المثال المزبور يقسّم عشرة أسهم : ثمانية لمن بيده المال ، وثنتان للشخص الآخر ، فإنّ طريقة التقسيم في العين المشتركة هي هذه ، فإن رضي بها الآخر ، وإلّا اجير عليها على ما هو الميزان من أنّ لكلّ من الشريكين المطالبة بالقسمة.

ولكن الاشتراك لم نعرف له وجهاً ظاهراً في المقام ، إذ الشركة إنّما تتحقّق بأحد أمرين :

إمّا بعقد الشركة ، كما لو كان لأحدهما مائة درهم وللآخر خمسون ، فتعاقدا على الاشتراك الموجب لأن يكون كلّ درهم ثلثه لأحدهما وثلثاه للآخر والربح على طبق ما اتّفقا عليه.

__________________

(١) مصباح الفقيه ١٤ : ١٧٥.

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وإمّا بالاختلاط خارجاً ولو بغير اختيارهما إمّا بفعل ثالث أو لأمر غير اختياري ، ولكنّه يختصّ بما إذا عُدّ المالان عرفاً شيئاً واحداً قد زادت كمّيّته ، كاختلاط سمنه بسمن الآخر أو امتزاج مائه بماء الآخر ونحو ذلك ممّا لا يقبل التقسيم ، لعدم امتياز الأجزاء بعضها عن البعض ، بحيث إنّ كلّ جزء من أجزائه حتى ما لا يتجزّأ يكون في نظر العرف مشتركاً بينهما.

وأمّا إذا كانت الأموال والأجزاء ممتازة ومنحازة بعضها عن البعض الآخر خارجاً كما في المقام فلا دليل حينئذٍ على أنّ مجرّد الخلط وعدم الميز والتشخيص يستوجب الشركة ، فإذا كانت الأموال عشرة دنانير وكان ديناران لغيره والباقي له ولو بقاعدة اليد فبأيّ موجب يحكم بالشركة بحيث إنّ كلّ دينار أربعة أخماس منه له ، وخمس لغيره لا دليل على ذلك أصلاً.

ولا سيّما إذا فرض هذا في القيميّات ، كما لو كانت عشر من الشياه : اثنتان منها مغصوبتان والباقي له إمّا جزماً أو بقاعدة اليد ، فإنّه لا معنى للاشتراك هنا قطعاً ، بل هو من اختلاط المالين وعدم التمييز في البين.

وحينئذٍ فإن تراضيا فلا كلام ، وإلّا فلا مناص في مقام التعيين من الرجوع إلى القرعة التي هي لكلّ أمر مشكل ، فإنّ كلّ

واحد من هذه الدنانير أو الشياه مردّد بين أن يكون له أو للآخر ، فتجعل عشر رقع يكتب في ثنتين اسم زيد وفي ثمانية اسم من بيده المال ، فمن ظهر باسمه يكون المال له ، فإنّها لكلّ أمر مشكل وسهم الله لا يخطئ.

وملخّص الكلام في هذا القسم : أنّ التخميس لا وجه له وإن نسب إلى العلّامة.

وحينئذٍ فإذا كان الحرام دائراً بين الأقلّ والأكثر فهل يقتصر على الأقلّ؟ أو

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يجب تفريغ الذمّة بأداء الأكثر؟ ذهب إلى كلٍّ فريقٌ.

وقد عرفت ابتناء المسألة على كبرى أُصوليّة ، وهي جواز الرجوع إلى الأصل في الواحد لا بعينه من أطراف العلم الإجمالي غير ما هو المعلوم بالإجمال ، وقد عرفت أنّه الصحيح وأنّه يرجع في تشخيصه إلى القرعة حسبما عرفت بما لا مزيد عليه بعد الاقتصار فيه على الأقلّ.

وهكذا الحال فيما إذا كان المالان من قبيل المتباينين دون الأقلّ والأكثر ، كما لو كان شاة وحمار قد علم أنّ أحدهما له والآخر لغيره ، فإنّ المرجع في التشخيص هو القرعة أيضاً ، لعين المناط المتقدّم.

هذا كلّه فيما إذا كان المال تحت يده.

ومنه يظهر حكم ما لو لم يكن تحت اليد ، فإنّ المقدار المتيقّن أنّه له أو لغيره يؤخذ به ، والمقدار المردّد بينهما حيث لا سبيل لتشخيص مالكه فيرجع في تعيينه إلى القرعة التي هي لكلّ أمر مشكل.

ولكن قد يحتمل التنصيف والتوزيع في المقام كما احتمله الماتن عند التعرّض لنظير ذلك في بعض المسائل الآتية ، بدعوى أنّ أدلّة القرعة لا يمكن العمل بها ما لم يصافق عليها المشهور ، للزوم تأسيس فقه جديد من الأخذ بإطلاقها كما لا يخفى ، ففي كلّ مورد وردت فيه بالخصوص كالشاة الموطوءة المشتبهة في قطيعة من الغنم أو عمل بها المشهور يؤخذ بها ، وإلّا فلا.

وبما أنّ المقام فاقد لكلا الأمرين فلا مناص من التنصيف بمقتضى قاعدة العدل والإنصاف التي جرت عليها السيرة العقلائيّة في كلّ مال مردّد بين شخصين من غير أيّ مرجّح في البين ، فإنّ فيه إيصالاً للمال إلى مالكه ولو في الجملة ، فيعطى النصف لغير المالك مقدّمةً للعلم بوصول النصف الآخر إلى

١٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

المالك ، فيكون حال المقدّمة العلميّة حال المقدّمة الوجوديّة فيما لو توقّف الإيصال على صرف مقدار من المال كاجرة العمل ، فإنّه لا ينبغي الإشكال في جوازه مقدّمةً للإيصال ، فكذا فيما كان مقدّمةً للعلم بالإيصال.

نعم ، هذا في غير الغصب وأمثاله ، وإلّا فلا بدّ وأن يكون الصرف من كيس الغاصب.

وكيفما كان ، فقد ادّعي أنّ قانون الإنصاف يقتضي التنصيف ولا مجال للقرعة.

وربّما يؤيِّد ذلك بما ورد في الدرهم التالف عند الودعي المردّد بين كونه لصاحب الدرهم أو الدرهمين من التنصيف بينهما (١).

وبما ورد فيما لو تداعيا شخصان مالاً وأقام كلّ منهما البيّنة على أنّه له من أنّهما يحلفان فإن حلفا أو نكلا قسّم بينهما نصفين (٢).

فتؤيَّد القاعدة بهذه الروايات.

ولكن للنظر فيها مجال واسع :

أمّا أوّلاً : فلأنا لو التزمنا بالقاعدة فإنّما تتّجه في موارد لم يكن المكلّف ضامناً كما في الودعي ونحوه من موارد الأمانات الشرعيّة ، فليفرض جواز التنصيف حينئذٍ مقدّمةً للعلم بإيصال النصف الآخر إلى صاحبه.

وأمّا في مثل المقام ممّا اختلط فيه الحلال بالحرام على وجهٍ يتحقّق الضمان بالإضافة إلى جميع المال بحيث يجب عليه الخروج عن عهدته بتمامه وكماله كما هو المفروض ، فما هو المسوّغ لإتلاف أحد النصفين؟ وما هو رافع الضمان

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٤٥١ / كتاب الصلح ب ١١.

(٢) الوسائل ٢٧ : ٢٥٠ / أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٢ ح ٢.

١٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بالإضافة إليه بعد كون الذمّة مشغولة به بالعلم التفصيلي؟ فإنّ الضمان يحتاج إلى مخرج إمّا وجداني أو تعبّدي ، ولم يتحقّق شي‌ء منهما بالإضافة إلى ذلك النصف كما هو ظاهر.

وأمّا ثانياً : فلأنّ القاعدة في نفسها غير تامّة ، إذ لم يثبت بناءٌ ولا سيرة من العقلاء على ذلك حتى تكون ممضاة لدى الشارع ، اللهمّ إلّا إذا تصالحا وتراضيا على التقسيم على وجه التنصيف فإنّه أمر آخر ، وإلّا فجريان السيرة على ذلك بالتعبّد من العقلاء أو الشارع استناداً إلى ما يسمّى بقاعدة العدل والإنصاف لا أساس له وإن كان التعبير حسناً مستحسناً ، إذ لم يقم أيّ دليل على جواز إيصال مقدار من المال إلى غير مالكه مقدّمةً للعلم بوصول المقدار الآخر إلى المالك. نعم ، في المقدّمة الوجوديّة ثبت ذلك حسبةً ، وأمّا العلميّة فكلّا. فقياس إحدى المقدّمتين بالأُخرى قياسٌ مع الفارق الظاهر كما لا يخفى.

وأمّا الروايات : فهي واردة في موارد خاصّة من التداعي أو الودعي ونحوهما ، فالتعدِّي عن ذلك ودعوى أنّ كلّ مورد تردّد المال بين شخصين يقسّم نصفين مشكلٌ جدّاً.

وأمّا ما ذكر من أنّ أدلّة القرعة لا يمكن العمل بإطلاقها ، للزوم تأسيس فقه جديد ، فيتوقّف الأخذ بها على عمل المشهور. فهو أيضاً لا أساس له ، لاختصاص تلك الأدلّة بموردٍ لم يظهر حكمه لا الواقعي ولا الظاهري المعبّر عنه في الأخبار بالمشكل ، أيّ أشكل الأمر على المكلّف فلا يدري ماذا يصنع ، فيختصّ بالمجهول المطلق ، وإلّا فمع تبيّن الوظيفة الظاهريّة فضلاً عن الواقعيّة لم يكن ثمّة أيّ شبهة أو إشكال حتى يرجع إلى القرعة.

فلا سبيل للرجوع إليها في موارد الأُصول الشرعيّة أو العقليّة فضلاً عن الأمارات ، كما لا مجال في موارد العلم الإجمالي بعد حكومة العقل بلزوم الاحتياط

١٤٧

وإن علم المالك والمقدار وجب دفعه إليه (١).

[٢٩٠٤] مسألة ٢٨ : لا فرق في وجوب إخراج الخمس وحلّيّة المال بعده بين أن يكون الاختلاط بالإشاعة أو بغيرها (٢) ، كما إذا اشتبه الحرام بين أفراد من جنسه أو من غير جنسه.

______________________________________________________

من أجل تعارض الأُصول ، فتختصّ القرعة بموردٍ لا يجري فيه حتى الأصل ولم يكن الحكم معلوماً بوجه ، كما في أمثال المقام ممّا تردّد المال فيه بين شخصين حيث لا يمكن تعيين ذلك بأيّ أصلٍ من الأُصول.

فإذا لم تتمّ قاعدة العدل والإنصاف كما عرفت لم يكن أيّ مناص من العمل بالقرعة من غير توقّف على عمل المشهور ، ولا يلزم منه تأسيس فقه جديد أبداً ، ولا ريب أنّ بعض رواياتها صحيحة سنداً ودلالةً ، فلا مانع من العمل بها.

(١) بلا خلاف فيه ولا إشكال بعد وضوح عدم شمول أدلّة التخميس للمقام من أجل اختصاصها بصورة جهل المالك.

(٢) لإطلاق النصوص الشامل لجميع أنحاء الاختلاط ، سواء أكانت بنحو الإشاعة الموجبة للشركة في كلّ جزءٍ جزء ، كما لو اشترى بعين أموال بعضها محلّل وبعضها محرّم ، فإنّه يوجب كون المثمن مشاعاً بينهما ، ونحو ذلك من فروض الإشاعة.

أم كان مجرّد اختلاط بين الأعيان الخارجيّة مع بقاء كلّ عين على ملك مالكها الواقعي وإن لم يكن متميّزاً ، كاختلاط الدراهم بالدنانير ونحوهما من سائر الأجناس المختلفة المختلط بعضها ببعض ، كالكتاب والصندوق والفراش ونحوها ، وهو يعلم أنّ بعضها له وبعضها لغيره بحيث اكتسب أُموراً أغمض عن

١٤٨

[٢٩٠٥] مسألة ٢٩ : لا فرق في كفاية إخراج الخمس في حلّيّة البقيّة في صورة الجهل بالمقدار أو المالك بين أن يعلم إجمالاً زيادة مقدار الحرام أو نقيصته عن الخمس (١) ، وبين صورة عدم العلم ولو إجمالاً ، ففي صورة العلم الإجمالي بزيادته عن الخمس أيضاً يكفي إخراج الخمس فإنّه مطهّر للمال تعبّداً (*) ، وإن كان الأحوط مع إخراج الخمس المصالحة مع الحاكم الشرعي أيضاً بما يرتفع به يقين الشغل وإجراء حكم مجهول المالك عليه ، وكذا في صورة العلم الإجمالي بكونه أنقص من الخمس ، وأحوط من ذلك المصالحة معه بعد إخراج الخمس بما يحصل معه اليقين بعدم الزيادة.

______________________________________________________

مطالبها كما في النصّ (١) ، ولا يبعد أنّ هذا هو الغالب من موارد الاختلاط خارجاً.

وكيفما كان ، فلا ينبغي الشكّ في شمول إطلاق الروايات لجميع ذلك.

(١) كما لو علم أنّ ثلثي المال أو ثلاثة أرباعه حرام ، أو علم أنّ الحرام لا يتجاوز العشر ، فحكم (قدس سره) حينئذٍ بكفاية التخميس حتى مع العلم بالزيادة ، وذكر (قدس سره) أنّه مطهّر تعبّداً ، ولكن عرفت الإشكال في ذلك فيما سبق وأنّ النصوص وعمدتها روايتا عمّار والسكوني منصرفة عن ذلك جزماً ، بل ذكر في الجواهر أنّ تطهير مال الغير وتحليله من غير رضاه مخالف للضرورة (٢). وكيف يمكن الالتزام بأنّ مَن يملك واحداً في المائة أو اثنين يستملك

__________________

(*) الأظهر وجوب صرف المقدار الحرام المعلوم في مصرف مجهول المالك وكفاية إخراج المقدار المعلوم في فرض العلم بالنقيصة.

(١) الوسائل ٩ : ٥٠٦ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٠ ح ٤.

(٢) الجواهر ١٦ : ٧٤ ٧٥.

١٤٩

[٢٩٠٦] مسألة ٣٠ : إذا علم قدر المال ولم يعلم صاحبه بعينه لكن علم في عدد محصور (١) ففي وجوب التخلّص من الجميع ولو بإرضائهم بأيّ وجه كان ، أو وجوب إجراء حكم مجهول المالك عليه ، أو استخراج المالك بالقرعة ، أو توزيع ذلك المقدار عليهم بالسويّة ، وجوه ، أقواها الأخير (*). وكذا إذا لم يعلم قدر المال وعلم صاحبه في عدد محصور فإنّه بعد الأخذ بالأقلّ كما هو الأقوى أو الأكثر كما هو الأحوط يجري فيه الوجوه المذكورة.

______________________________________________________

الكلّ بعد إخراج الخمس؟! فلا مناص من الرجوع حينئذٍ إلى أخبار الصدقة ، وقد تقدّم أنّ التخميس والتصدّق بالزائد أيضاً لا وجه له ، فلاحظ (١).

(١) احتمل (قدس سره) في مفروض المسألة احتمالات أربعة :

وجوب التخلّص وإرضاء من يحتمل ملكيّته بأيّ وجه كان ولو بدفع المال من كيسه لكلّ منهم ، تحصيلاً للفراغ عن عهدة الضمان المعلوم بالإجمال.

والتصدّق من قبل المالك كما في مجهول المالك ، لدخوله فيه.

والتوزيع بينهم بالسويّة ، استناداً إلى قاعدة العدل والإنصاف ، وقياساً للمقدّمة العلميّة على الوجوديّة كما تقدّم.

والقرعة ، أخذاً بإطلاق أدلّتها.

ويلحق بذلك ما لو كان المال مردّداً بين الأقلّ والأكثر ، فإنّه بناءً على ما اخترناه من جواز الاكتفاء بالأقلّ ، وكذا بناءً على لزوم دفع الأكثر الذي هو

__________________

(*) فيه إشكال ، والأوّل هو الأحوط ، وقد مرّ منه (قدس سره) تعيّنه في ختام الصلاة ، وإن لم يمكن ذلك فأقربها القرعة في تعيين المالك وكذا الحال فيما بعده.

(١) في ص ١٣٤.

١٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

أحوط ، تجري فيه الوجوه المذكورة.

واختار هو (قدس سره) التوزيع ، لما عرفت. ولكنّه ينافي ما تقدّم منه في بحث ختام الزكاة من أنّه لو علم باشتغال ذمّته بمالٍ مردّد بين الخمس والزكاة يجب الاحتياط بالخروج عن العهدة على وجه اليقين (١).

وكيفما كان ، فما ذكره في المقام لا يمكن المساعدة عليه بوجه :

أوّلاً : لعدم تماميّة القاعدة المزبورة في نفسها ، إذ لم تثبت السيرة العقلائيّة ولا الشرعيّة ، والقياس المذكور مع الفارق ، والروايات خاصّة بمواردها فلا يمكن التعدِّي ، كما سبق كلّ ذلك مستقصًى (٢).

وثانياً : على تقدير التسليم فإنّما تتمّ فيما لا ضمان فيه كالدرهم المردّد بين شخصين في مثال الودعي ونحوه ، دون مثل المقام ممّا استقرّ فيه الضمان على تمام المال ، فإنّ ضمان أحد النصفين باقٍ على حاله ، لعدم الموجب لسقوطه بعد عدم الوصول إلى مالكه وإن كان ذلك مقدّمةً لإحراز وصول النصف الآخر إلى المالك.

بل يجب إيصال تمام المال إلى مالكه في فرض استقرار الضمان حتى لو احتاج إلى مقدّمة خارجيّة كاجرة الحمل فضلاً عن المقدّمة العلميّة كما لا يخفى. فهذا الاحتمال ضعيف.

ويتلوه في الضعف احتمال التصدّق بعنوان مجهول المالك ، لاختصاص رواياته بالمجهول المطلق الذي لا يمكن إيصال المال إليه بوجه ، أو يعرفه ولا يمكن الإيصال ، كما ورد فيمن وجد بضاعة شخص في متاعه في طريق مكّة بعد الانفصال

__________________

(١) شرح العروة ٢٤ : ٣٠٩.

(٢) في ص ١٤٠ ١٤١.

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

وعدم إمكان الإيصال من الأمر بالتصدّق عنه (١) ، فلا تنطبق على مثل المقام ممّا يمكن فيه الإيصال بعد فرض كون الشبهة محصورة ولو بالاحتياط. ومعه كيف يسوغ التصرّف في مال الغير وبأيّ ولاية يتصدّق به عنه؟! وأمّا احتمال القرعة فإن شملت رواياتها للمقام فلا بأس به ، ولكنّها لا تشمل ، لاختصاص موضوعها بالأمر المشكل ، أي ما لم يتّضح فيه التكليف الواقعي ولا الظاهري غير المنطبق على المقام ، لأنّه بعد العلم بالضمان وتردّد المالك بين محصور فبمقتضى العلم الإجمالي يجب الخروج عن العهدة بإرضاء المالك المعلوم في البين.

وبعبارة اخرى : العلم الإجمالي بوجود المالك بين أفرادٍ محصورة يقتضي الاحتياط بالإرضاء ، ومع إمكانه كيف يكون من الأمر المشكل ليرجع فيه إلى القرعة؟! وأمّا ما قيل من أنّ الاحتياط المزبور بإرضاء الجميع يستلزم الضرر على من بيده المال ، فلا يجب بمقتضى دليل نفي الضرر ، ومعه يكون من الأمر المشكل فتنتهي النوبة إلى القرعة.

فيندفع بما ذكرناه في الأُصول من أنّ حديث نفي الضرر إنّما يتكفّل بنفي الضرر الناشئ من قبل الحكم بنفسه ، فكلّ حكم كان تشريعه في مورد ضرراً على المكلّف فهو منفي في الشريعة المقدسة بالدليل الحاكم ، وأمّا إذا لم يكن الحكم بنفسه ضرريّاً وإنّما الضرر نشأ من إحراز الامتثال كما في المقام فمثله غير مشمول للحديث بوجه (٢).

وبعبارة اخرى : الواجب على المكلّف الضامن هو إعطاء المال الحرام

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٤٥٠ / كتاب اللقطة ب ٧ ح ٢.

(٢) مصباح الأُصول ٢ : ٥٢٥ وما بعدها.

١٥٢

[٢٩٠٧] مسألة ٣١ : إذا كان حقّ الغير في ذمّته (١) لا في عين ماله فلا محلّ للخمس ، وحينئذٍ فإن علم جنسه ومقداره ولم يعلم

______________________________________________________

وتسليمه إلى مالكه ، وهذا الحكم في نفسه لا ضرر فيه بوجه ، وإنّما يترتّب الضرر على إحراز الوصول إليه ، الناشئ من حكم العقل بوجوب الاحتياط من أجل تنجيز العلم الإجمالي وأجنبي عن الحكم الشرعي ، فمصدر الضرر هو الاحتياط لا جعل الحكم وتشريعه ليرتفع بالحديث.

ونظير ذلك ما لو كانت عنده أواني عديدة وفيها الدهن والعسل والزيت ونحوها من الأموال الثمينة ، وقد علم بنجاسة إحدى تلك الأواني إجمالاً ، فإنّه لا ريب في أنّ الاجتناب عن الجميع موجب للضرر ، ولكن هذا الضرر إنّما نشأ عن الاحتياط اللازم من أجل حكم العقل بتنجّز العلم الإجمالي ، وأمّا الاجتناب عن نفس النجس الواقعي الموجود في البين فلا ضرر فيه ، بل الموجب له ضمّ سائر الأفراد ، فما هو الحكم الشرعي لا ضرر فيه ، وما فيه الضرر لم يكن حكماً شرعيّاً. وعليه ، فقاعدة الضرر لا مجال لها في المقام أبداً.

ومن جميع ما ذكرناه تعرف أنّ الصحيح إنّما هو الوجه الأوّل ، أعني : لزوم إرضاء من يحتمل ملكيّته بأيّ وجه كان ولو بإعطاء كلّ واحد المقدار المعلوم.

نعم ، لو بنينا على شمول قاعدة الضرر للمقام تعيّن الرجوع حينئذٍ إلى القرعة ، حيث إنّ حالها حال البيّنة ونحوها من الطرق الشرعيّة المعيّنة للواقع ، ولكن قد عرفت ما فيه.

وكيفما كان ، فلا نعرف وجهاً لما ذكر من التوزيع أو التصدّق ، بل يدور الأمر بين الاحتياط وهو الصحيح إن أمكن ، وإلّا فالقرعة حسبما عرفت.

(١) قد عرفت حكم ما لو كان حقّ الغير في عين المال.

١٥٣

صاحبه أصلاً أو علم في عدد غير محصور تصدّق به عنه بإذن الحاكم أو يدفعه إليه ، وإن كان في عددٍ محصور ففيه الوجوه المذكورة ، والأقوى هنا أيضاً الأخير (*) ، وإن علم جنسه ولم يعلم مقداره بأن تردّد بين الأقلّ والأكثر أخذ بالأقلّ المتيقّن ودفعه إلى مالكه إن كان معلوماً بعينه ، وإن كان في عدد محصور فحكمه كما ذكر ، وإن كان معلوماً في غير المحصور أو لم يكن علم إجمالي أيضاً تصدّق به عن المالك بإذن الحاكم أو يدفعه إليه ، وإن لم يعلم جنسه وكان قيميّاً فحكمه كصورة العلم بالجنس ، إذ يرجع إلى القيمة ويتردّد فيها بين الأقلّ والأكثر ، وإن كان مثليّا ففي وجوب الاحتياط وعدمه وجهان (**).

______________________________________________________

وأمّا إذا كان في الذمّة فقد ذكر (قدس سره) أنّه لا محلّ للخمس ، نظراً إلى أنّ الموضوع للخمس في هذا القسم منه إنّما هو المال المخلوط ، ولا شبهة في أنّ الاختلاط من أوصاف الأعيان الخارجيّة ، وأمّا الذمّة فهي لا تشتغل إلّا بنفس الحرام فقط ، ولا موقع فيها لاختلاط الحلال بالحرام بوجه ليتعلّق بها التخميس.

ولكن ما ذكره (قدس سره) يختصّ بما إذا كان الحرام ثابتاً في الذمّة ابتداءً.

وأمّا إذا كان ذلك بعد الاختلاط بأن أتلف المخلوط فهل يجري عليه حكم الثبوت في الذمّة ابتداء ، أو لا ، فيه وجهان :

اختار شيخنا الأنصاري (قدس سره) الثاني ، وأنّه لا فرق في وجوب التخميس بين العين الخارجيّة وبين ما انتقل إلى الذمّة بعد الاختلاط (١).

__________________

(*) الحكم فيه وفيما بعده كسابقه.

(**) الأقوى التصالح إن أمكن ، وإلّا فالمرجع فيه القرعة.

(١) كتاب الخمس : ٢٦٨.

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وناقش فيه المحقّق الهمداني (قدس سره) فاختار الأوّل وأنكر الخمس في المقام (١).

وهذان الوجهان مبنيّان على أنّ الخمس في هذا القسم هل هو كسائر الأقسام والكلّ من سنخ واحد في أنّها ملك فعلي لأرباب الخمس فالمال مشترك بين المالك والسادة بنسبة معيّنة أعني : الخمس أو أنّه في هذا القسم من سنخ آخر؟ ومناط تشريعه تفريغ الذمّة وتطهير المال متى تصدّى للتخميس خارجاً بتعبّدٍ من صاحب الشريعة ، وإلّا فالحرام الواقعي ملك لمالكه ولا شركة إلّا بنسبة ذاك الحرام ، زاد على الخمس أم نقص ، فلم يكن الخمس ملكاً للسادة بمجرّد الخلط كما كان كذلك في الغنيمة والكنز والمعدن ونحوها ، بل يملكونه متى تصدّى للتطهير والأداء خارجاً.

فعلى الثاني لا وجه للتخميس ، لأنّه لم يستقرّ في الذمّة قبل التصدِّي للأداء خارجاً إلّا نفس الحرام الواقعي قلّ أم كثر ، ولم تكن الذمّة مشغولة إلّا به ، والمفروض عدم الأداء ، فلا يجب عليه إلّا الخروج عن واقع ما اشتغلت به الذمّة.

وهذا بخلاف الأوّل الذي استظهرناه واستظهره الشيخ الأنصاري (قدس سره) من اتّحاد السنخ في الجميع وأنّ الشارع جعل الخمس لأرباب الخمس في المال المخلوط بالولاية الشرعيّة ، إذ عليه يكون حال هذا المال حال ما لو أتلف الكنز أو المعدن ونحوهما ممّا تعلّق به الخمس في الانتقال إلى الذمّة واشتغالها به وكونه ضامناً له كما كان يجب في العين الخارجيّة.

فما ذكره الماتن من الاختصاص بالعين وعدم الجريان في الدين وجيه ، ولكنّه في خصوص ما إذا كان ثابتاً في الذمّة ابتداءً ، لا ما لو كان مختلطاً فأُتلف فإنّه يجب فيه الخمس حينئذٍ أيضاً حسبما عرفت.

__________________

(١) مصباح الفقيه ١٤ : ١٨٠ ١٨١.

١٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وكيفما كان ، ففيما إذا كان حقّ الغير ديناً ثابتاً في الذمّة فقد يعلم جنسه ومقداره ، وأُخرى يعلم الجنس دون المقدار ، وثالثةً لم يعلم الجنس أيضاً.

أمّا في الصورة الأُولى : فإن علم صاحبه تفصيلاً فلا إشكال ، وإلّا فإمّا أن يعلم به إجمالاً في شبهة محصورة كالمردّد بين عدد معيّن أو غير محصورة ، أو لم يعلم به أصلاً لا تفصيلاً ولا إجمالاً.

ولا يخفى وضوح الفرق بين الأخيرين ، ولذا عبّر بتعبيرين ، فإنّ أطراف المعلوم بالإجمال قد يكون محصوراً بحيث يمكن فيه الاحتياط وهذا ظاهر ، وأُخرى غير محصور لا يمكن فيه ذلك كما لو علم بكونه مديناً لرجل من أهل البلد الكذائي أو العشيرة الفلانيّة الواسعة الأطراف والكثيرة الأفراد كألف أو ألفين مثلاً وثالثةً يعلم باشتغال ذمّته لأحدٍ بأخذ المال منه سرقةً أو غيلةً مثلاً ولا يعرفه بوجه ، فلا يدري أنّه من أيّ بلد أو من أيّة عشيرة ، فلا يعرف اسمه ولا عنوانه ولا أيّاً من خصوصيّاته ، بحيث لم يكن لأطراف الشبهة عدد ، ومن الجائز تردّده بين الآلاف أو الملايين ولا يمكن التعيين حتى في عدد غير محصور ، ومن ثمّ عبّر (قدس سره) عنه بما لم يعلم صاحبه أصلاً.

وكيفما كان ، ففيما إذا كان العدد محصوراً يجري ما تقدّم من الوجوه الأربعة أعني : التصدّق ، أو التوزيع ، أو القرعة ، أو الإرضاء ولا يزيد المقام على ما مرّ بشي‌ء ، غايته أنّ الموضوع هناك كان عيناً خارجيّة ، وهنا دين في الذمّة فتجري فيه تلك الوجوه بمناط واحد.

وأمّا إذا كان مردّداً في عدد غير محصور أو لم يكن معلوماً أصلاً فمن الواضح عدم تأتّي شي‌ء من الوجوه المذكورة ما عدا التصدّق ، لعدم إمكان الاحتياط بإرضاء الكلّ ، كما لا معنى للتوزيع أو القرعة فينتهي الأمر إلى الصدقة.

ويدلّ عليها مضافاً إلى عدم الخلاف وأنّ المالك إذا لم ينتفع من ماله

١٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فلينتفع من ثوابه روايتان :

الأُولى : صحيحة يونس الواردة فيمن أصاب متاع صاحبه في طريق مكّة ولا يعرفه والآمرة ببيعه والتصدّق بثمنه (١) ، فإنّه يستفاد منها بحسب الفهم العرفي أنّ المناط في التصدّق عدم التمكّن من الإيصال ، سواءً أكان عيناً خارجيّة أم ديناً في الذمّة ، فإنّ موردها وإن كان هو الأوّل إلّا أنّ هذه الخصوصيّة كسائر الخصوصيّات المذكورة في الرواية من كونه في طريق مكّة ونحو ذلك ملغاة في نظر العرف كما لا يخفى.

على أنّه يمكن إرجاع ما في الذمّة إلى ما في الخارج بالتسليم إلى وليّ الغائب أعني : الحاكم الشرعي الذي هو وليّ من لا وليّ له أو إلى عدول المؤمنين ، إذ لا ريب في جواز تفريغ الذمّة بالإعطاء إليه ، ثمّ بعد أن تعيّن وتشخّص يتصدّق به بصريح هذه الصحيحة ، فيستدلّ بها على جواز التصدّق بأحد هذين النحوين.

الثانية : صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في رجل كان له على رجل حقّ ففقده ولا يدري أين يطلبه ، ولا يدري أحيّ هو أم ميّت ، ولا يعرف له وارثاً ولا نسباً ولا ولداً ، «قال : اطلب» قال : فإنّ ذلك قد طال؟ فأتصدّق به؟ «قال : اطلبه» (٢).

حيث يستأنس منها أنّ الوظيفة بعد اليأس إنّما هي الصدقة التي ذكرها السائل. وإنّما أمر (عليه السلام) ثانياً بالفحص والطلب مقدّمةً لحصول اليأس.

وأمّا الصورة الثانية أعني : ما إذا كان الجنس معلوماً والمقدار مجهولاً بأن تردّد بين الأقلّ والأكثر من غير فرق بين المثلي والقيمي ـ : فلا محالة يقتصر

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٤٥٠ / كتاب اللقطة ب ٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢٦ : ٢٩٧ / أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٦ ح ٢.

١٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

على المقدار المتيقّن ، عملاً بأصالة البراءة عن ضمان الزائد ، فيجري فيه حينئذٍ ما ذكرناه في الصورة السابقة.

وأمّا الصورة الثالثة أعني : ما إذا كان الجنس أيضاً مجهولاً فقد يكون قيميّاً وأُخرى مثليّا ، ويلحق به المردّد بينهما. أمّا القيمي كما لو علم أنّه غصب حيواناً مردّداً بين الشاة والبقرة ، فبما أنّ الضمان في القيميات تنتقل من العين التالفة إلى القيمة بمقتضى صحيحة أبي ولّاد (١) وغيرها فالذمّة غير مشغولة بعد التلف إلّا بنفس القيمة ، وحينئذٍ فإن تساوت القيمتان فلا إشكال ، وإلّا فبما أنّها دائرة لا محالة بين الأقلّ والأكثر فليقتصر على المقدار المتيقّن بعد دفع اشتغال الذمّة بالقيمة الزائدة بأصالة البراءة أو بأصالة العدم.

وبعدئذٍ يجري فيه ما تقدّم في الصورة الاولى من الشقوق التي عرفتها ، فلاحظ.

إنّما الكلام في المثلي الذي يكون الضمان فيه بنفس المثل حتى بعد التلف لا بقيمته كما لو تردّد المغصوب مثلاً بين الحنطة والشعير أو بين الدرهم والدينار.

ويلحق به المردّد بين المثلي والقيمي كما لو تردّد المغصوب بين الحنطة والشاة.

فإنّه لا يمكن الالتزام هنا بالانحلال بعد أن كانت الذمّة مشغولة بنفس المال ، وكون القيمة في أحدهما أقلّ لا يستوجب ذلك كما هو ظاهر ، فالأمر دائر بين المتباينين لا محالة.

وعليه ، فما هي الوظيفة حينئذٍ؟

ربّما يقال بل قيل بالتوزيع ، عملاً بقاعدة العدل والإنصاف ، فيعطى في المثال نصف مَنّ من الحنطة ونصف مَنّ من الشعير أو نصف مَنّ من الحنطة ونصف قيمة الشاة.

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٣٩٠ / كتاب الغصب ب ٧ ح ١.

١٥٨

[٢٩٠٨] مسألة ٣٢ : الأمر في إخراج هذا الخمس إلى المالك كما في سائر أقسام الخمس ، فيجوز له الإخراج والتعيين من غير توقّف على إذن الحاكم (١) ، كما يجوز دفعه من مال آخر (*) وإن كان الحقّ في العين.

______________________________________________________

ولكنّه لا وجه له أصلاً ، إذ معه يعلم تفصيلاً بعدم فراغ ذمّته عن ضمان النصف الآخر ، اللهمّ إلّا أن يحصل التراضي بذلك ، وهو أمر آخر ، وإلّا فبدونه لا بدّ من الخروج عن عهدة تمام المال غير المتحقّق بالتوزيع المزبور. على أنّ القاعدة لا أساس لها كما أسلفناك.

إذن لا مناص من أداء أحدهما الواقعي المردّد بينهما ودفعه إلى مالكه بتمامه وكماله ، وهو يتحقّق بتمكينه منهما معاً ، فيسلّمه كلا العينين ، وبذلك يخرج عن عهدة الضمان المعلوم في البين ، للقطع بإيصال تمام المال إلى صاحبه ، غايته أنّ ذاك المال الواصل مردّد بين المالين ، فيعيّن عندئذٍ بالقرعة التي هي لكلّ أمر مشكل ، وحيث انتهى الأمر إلى القرعة فله التصدِّي لها من أوّل الأمر.

وبعبارة اخرى : اللّازم بمقتضى العلم الإجمالي إيصال المال الواقعي المردّد بينهما إلى صاحبه وهو ممكن ولو بأن يسلّمه كليهما فيجب ، ولكن من الضروري عدم اقتضاء هذا العلم الإجمالي رفع يد المالك عن ملكه المشتبه بالآخر وإعطاءه له مجّاناً ، بل غايته تمكين صاحب المال من المالين وتسليم كلا العينين كما عرفت ، فأحدهما له والآخر للآخر ، وبما أنّهما مردّدان فيعيّنان بالقرعة.

فالنتيجة : أنّه إن حصل التراضي فهو ، وإلّا فالقرعة.

(١) لما عرفت من اتّحاد السنخ في الجميع وأنّ تعلّق الخمس في هذا القسم

__________________

(*) على تفصيل يأتي في المسألة ٧٥ [٢٩٥١].

١٥٩

[٢٩٠٩] مسألة ٣٣ : لو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس فالأقوى ضمانه (*) (١) ، كما هو كذلك في التصدّق عن المالك في مجهول المالك ، فعليه غرامته له حتى في النصف الذي دفعه إلى الحاكم بعنوان أنّه للإمام (عليه السلام).

______________________________________________________

كتعلّقه في سائر الأقسام ، وعليه ، فلا يحتاج الإخراج إلى إذن الحاكم ، لعين الدليل الذي سيأتي إن شاء الله تعالى.

كما أنّه يجوز له الأداء من مال آخر كما هو الحال في سائر موارد الخمس.

وسيتعرّض الماتن لهذه المسألة في المسألة الخامسة والسبعين من هذا الفصل ، وستعرف إن شاء الله تعالى أنّ عين ذاك الدليل يجري في المقام أيضاً بمناط واحد ، فإنّ ظاهر قوله تعالى (فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ) وإن كان تعلّق الخمس بنفس العين إلّا أنّه يجوز الدفع من الخارج بدليل خارجي. وسيتّضح لك الحال إن شاء الله تعالى.

(١) لقاعدة الإتلاف المتحقّق بالإخراج هنا وبالتصدّق في مجهول المالك ، فإنّها تقتضي الضمان ، ومجرّد إذن الشارع بهما لا يستوجب السقوط ، غايته أنّ الإذن مقدّمةٌ للحكم التكليفي ، وأنّ جواز التصرّف موقوفٌ على أداء الخمس ، وأمّا أنّه لا يضمن فلا يستفاد من شي‌ء من الروايات ، فيبقى الضمان على طبق القاعدة كما عرفت.

ولكنّه كما ترى لا يمكن الالتزام به لا في المقام أعني : الخمس ولا في باب الصدقة.

أمّا الخمس : فلظهور الأدلّة في عدم الضمان بعد الأداء ، للتصريح في رواية

__________________

(*) والأظهر عدمه فيه وفي التصدّق بمجهول المالك.

١٦٠