موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

نُسب الأوّل إلى جماعة منهم صاحب المدارك (قدس سره) (١) ، وكأنّ وجهه : أنّ ظاهر الصحيحة المزبورة وجوب الخمس فيه مطلقاً ، لا سيّما بقرينة عطف اللؤلؤ مضافاً إليه الغوص عليه ، المشعر بأنّ العنبر سواء أُخذ بالغوص أم بغيره يجب فيه الخمس.

وفيه ما لا يخفى ، فإنّ الإطلاق المزبور لا ينافي تقييده بدليل اعتبار النصاب في الغوص لو تمّ ومقتضاه اختصاص وجوب تخميس العنبر المأخوذ غوصاً بما إذا بلغ النصاب.

وعن كاشف الغطاء : اختيار الثاني ، استناداً إلى أنّه ممّا يخرج من البحر بالغوص (٢).

وفيه : أنّه لم يثبت اختصاصه بذلك بعد ما قيل من أنّه قد يؤخذ من وجه الماء أو من الساحل ، ومعلومٌ أنّ إلحاق حكم الغوص به وإن لم يؤخذ بالغوص ممّا لا وجه له.

وعن المفيد (قدس سره) : اختيار الثالث وأنّه من المعادن (٣).

وقد ذُكر في توجيه كونه منها أمران لا يمكن التعويل على شي‌ء منهما :

أحدهما : ما قيل من أنّه نبع عين في البحر نظير عين الزاج والكبريت ، وقد مرّ أنّ المعدن إذا ظهر على وجه الأرض بسيل أو زلزلة أو نحوهما فأُخذ لحقه حكمه.

ويدفعه : أنّ هذا أحد محتملاته ، وهناك محتملات بل أقوال أُخر في تفسير العنبر ، منها : أنّه رجيع دوابّ بحريّة ، ومنها : أنّه نبات في البحر ، ومنها : أنّه

__________________

(١) المدارك ٥ : ٣٧٧ ٣٧٨.

(٢) كشف الغطاء : ٣٦٠.

(٣) حكاه في الجواهر ١٦ : ٤٤.

١٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

سمكة بحريّة ، وغير ذلك. فلا وثوق والحالة هذه بكونه من المعادن ليلحقه حكمها.

بل أنّ مقتضى أصالة العدم الأزلي عدم كونه معدناً كما لا يخفى.

ثانيهما : ما ذكره المحقّق الهمداني (قدس سره) من أنّ العنبر حيث إنّ له مكاناً مخصوصاً يتكوّن فيه ولا يوجد في غيره وهو البحر ، فإذن يصدق على ذلك المكان أنّه معدنه وأنّه أُخذ من معدنه توسّعاً (١).

ولكنّه كما ترى خلاف ما يفهم عرفاً من إطلاق المعدن. ومن الواضح جدّاً أنّ مجرّد كون البحر محلّاً لتكوّنه لا يستوجب صدق اسم المعدن عليه ، وإلّا لكان السمك أيضاً من المعادن ، لأنّ البحر مكان خاصّ له ، وهو معلوم البطلان.

هذا ، ولو سلّم كونه أي العنبر منها فإلحاقه بها حكماً مطلقاً لا يكاد يتمّ ، لما عرفت من أنّ المعدن إذا أُخرج بالغوص لحقه حكمه ، فيجب تخميسه إذا بلغ ديناراً على القول به في الغوص لما تقدّم سابقاً من أنّ كونه غوصاً مقتضٍ للوجوب ، وكونه معدناً غير مقتضٍ له ، لا أنّه مقتضٍ لعدمه ، ومن الواضح أنّ اللّابدية مقتضي لا يزاحم المقتضي.

ونُسب إلى الأكثر ومنهم المحقّق (قدس سره) في الشرائع (٢) التفصيل بين ما إذا أُخرج بالغوص فيلحق به ، وما إذا أُخذ من وجه الماء أو الساحل فيلحق بالمعادن.

وفيه : ما عرفت من أنّه لم يثبت كونه من المعادن ، فإلحاقه بها إذا أُخذ من وجه الماء أو الساحل غير ظاهر الوجه.

__________________

(١) مصباح الفقيه ١٤ : ٩٠.

(٢) الشرائع ١ : ٢٠٧.

١٢٢

الخامس : المال الحلال المخلوط بالحرام (١) على وجهٍ لا يتميّز مع الجهل بصاحبه وبمقداره ، فيحلّ بإخراج خمسه ، ومصرفه مصرف سائر أقسام الخمس على الأقوى.

______________________________________________________

ومن جميع ما ذكرنا يظهر لك أنّ الأقوى البناء على إلحاقه بالغوص إذا أُخذ به ، سواء عُدّ من المعادن فيكون من غوص المعدن الذي عرفت الوجه في إلحاقه حكماً بالغوص ، أم لم يُعدّ منها. فعلى كلّ من التقديرين إن اعتُبر في الغوص نصابٌ اعتُبر هنا أيضاً ، وإلّا وجب فيه الخمس مطلقاً ولو كان أقلّ من دينار.

كما أنّ الأقوى البناء على عدم إلحاقه لا بالغوص ولا بالمعدن إذا أُخذ من ظاهر الماء أو الساحل ، لعدم اندراجه في عنوان الغوص حينئذٍ ، وهو ظاهر. ولا في عنوان المعدن ، لعدم ثبوت كونه منه ، ومقتضى إطلاق الصحيحة من غير مقيّد وجوب الخمس حينئذٍ مطلقاً.

وعليه ، فلا محيص من الالتزام بأنّه عنوان مستقلّ في قبال الغوص والمعدن وغيرهما.

وما ذكره المحقّق الهمداني (قدس سره) من أنّ مقتضى تسالم الأصحاب ظاهراً على انحصار ما يجب فيه الخمس في السبعة عدم كون العنبر قسماً مستقلا ثامناً ، فيتعيّن إلحاقه بأحد السبعة (١).

يندفع بأنّه لم يثبت إجماع تعبّدي على الانحصار المزبور ، فلا مانع من جعل المقام عنواناً ثامناً إذا ساعده الدليل حسبما عرفت.

(١) على المشهور في وجوب الخمس فيه وفي أنّ مصرفه مصرف سائر أقسام الخمس.

__________________

(١) مصباح الفقيه ١٤ : ٩٠.

١٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

واختار بعضهم أنّ مصرفه الفقراء فيتصدّق به عليهم.

وذهب بعضهم إلى التخيير بين الأمرين ، أي بين الخمس المصطلح وبين الصدقة.

والمتّبع ما يستفاد من الروايات ، وقد وردت عدّة أخبار :

منها : معتبرة عمّار بن مروان ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : «فيما يخرج من المعادن ، والبحر ، والغنيمة ، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه ، والكنوز ، الخمس» (١).

ومنها : ما رواه الصدوق في الخصال بسنده عن ابن أبي عمير ، عن غير واحد ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : الخمس على خمسة أشياء : على الكنوز ، والمعادن ، والغوص ، والغنيمة» ونسي ابن أبي عمير الخامس (٢).

ولكن الصدوق فسّر ما نسيه ابن أبي عمير ، حيث ذيّل الرواية بقوله كما في المستند (٣) نقلاً عن بعض مشايخه عنه ـ : قال مصنّف هذا الكتاب : الذي نسيه مالٌ يرثه الرجل وهو يعلم أنّ فيه من الحلال والحرام ، ولا يعرف أصحابه فيؤدّيه إليهم ، ولا يعرف الحرام بجنسه فيخرج منه الخمس (٤).

ولا يبعد تعويله في هذا التفسير على الرواية السابقة مع تقييدها بقيود من الجهل بالمقدار وبصاحب المال الذي لا محيص عن ارتكابه كما لا يخفى.

نعم ، الموجود في الخصال كما أشار إليه معلّق الوسائل الظنّ بذلك ، ولكنّه

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٤٩٤ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٦.

(٢) الوسائل ٩ : ٤٩٤ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٧ ، الخصال : ٢٩١ / ٥٣.

(٣) المستند ١٠ : ٣٩ ٤٠.

(٤) الخصال : ٢٩١.

١٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يعبأ به فإنّه لا يغني عن الحقّ شيئاً.

وكيفما كان ، فقد ناقش في المستند في ثبوت الخمس في المقام بمعناه المصطلح مدّعياً : أنّ روايات الباب غير ناهضة بإثباته ، كما ناقش في رواية ابن مروان التي رواها عن الخصال بسنده إلى ابن أبي عمير باختلاف النسخ وأنّه لم يجدها بشي‌ء من الطريقين في الخصال ، ومن ثمّ اختار الدفع بعنوان الصدقة (١).

ولكن الظاهر أنّه (قدس سره) لم يعط الفحص حقّه أو أنّ النسخة التي عنده كانت مغلوطة ، وإلّا فلا شبهة في وجودها في الخصال على اختلاف نسخها ، وقد رواها عنه في الوسائل بسنده المتّصل ، وكذا في الحدائق (٢) ، فلا ينبغي الاستشكال فيه. واحتمال الدسّ والزيادة في النسخ الموجودة التي روى عنها في الوسائل والحدائق موهونٌ جدّاً.

كما لا ينبغي التأمّل في أنّ الفهم العرفي قرينة على أنّ المراد بالمال المختلط بالحرام ما لا يعرف مقدار الخلط فقُدِّر بالخمس تعبّداً ، وأمّا إذا علم أنّه أقلّ أو أكثر وأنّ ديناراً واحداً من عشرة آلاف مثلاً حرامٌ أو حلال فهو خارج عن مدلول الرواية جزماً ، فتختصّ بالمجهول مالاً وصاحباً.

وهناك روايات اخرى استدلّ بها على المطلوب :

منها : رواية الحسن بن زياد عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إنّ رجلاً أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال : يا أمير المؤمنين ، إنِّي أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه ، فقال له : أخرج الخمس من ذلك المال ، فإنّ الله عزّ وجلّ قد رضي من ذلك المال بالخمس ، واجتنب ما كان صاحبه يُعلم» (٣).

__________________

(١) مستند الشيعة ١٠ : ٤٠ ٥٢.

(٢) الحدائق ١٢ : ٣٤٣.

(٣) الوسائل ٩ : ٥٠٥ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٠ ح ١.

١٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر أنّ مورد هذه الرواية المال المختلط بالحرام قبل الانتقال إليه بإرثٍ أو هبة ونحوهما من أسباب النقل ، فكان مخلوطاً عند المنتقل عنه ، لا أنّه اختلط بعد ذلك ، فموردها المال المنتقل من الغير لا مطلقاً.

على أنّ السند ضعيف بالحكم بن بهلول ، فإنّه مجهول.

ومنها : معتبرة عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) : أنّه سُئل عن عمل السلطان ، يخرج فيه الرجل؟ «قال : لا ، إلّا أن لا يقدر على شي‌ء يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة ، فإن فعل فصار في يده شي‌ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت» (١).

ولكنّ الظاهر أنّ هذه الرواية خارجة عن محلّ الكلام ، إذ لم يفرض فيها الاختلاط بالحرام بوجه ، لجواز أن يكون المال الواصل إليه من السلطان كلّه حلالاً وإن كان العمل له في نفسه حراماً.

وعليه ، فلا يبعد أن يكون المراد من الخمس هنا الخمس بعنوان الغنيمة والفائدة ، وأنّه إذا عمل له عملاً فاستفاد فهو من مصاديق مطلق الفائدة ، يسوّغ التصرّف فيها بعد دفع خمسها وإن لم يكن العمل في نفسه مشروعاً كما عرفت.

ومنها : ما رواه الصدوق مرسلاً ، قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال : يا أمير المؤمنين ، أصبت مالاً أغمضت فيه ، أفلي توبة؟ «قال : ائتني خمسه» فأتاه بخمسه «فقال : هو لك ، إنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه» (٢).

ولكنّها مرسلة لا يعوّل عليها.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٠٦ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٠ ح ٢.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٠٦ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٠ ح ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢ / ٨٣.

١٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : ما رواه الكليني بسنده عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال : إنِّي كسبت مالاً أغمضت في مطالبه حلالاً وحراماً ، وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه والحرام وقد اختلط عليّ ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : تصدّق بخمس مالك ، فإنّ الله قد رضي من الأشياء بالخمس ، وسائر المال لك حلال» (١).

وهي معتبرة سنداً دلّت على لزوم إخراج الخمس ، ولكن المذكور فيها عنوان الصدقة على خلاف المذكور في المعتبرة الاولى ، أعني : رواية عمار بن مروان.

ومن ثمّ وقع الإشكال في أنّ مصرف هذا الخمس هل هو للفقراء كما هو ظاهر لفظ التصدّق على ما يشير إليه قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) إلخ (٢) ، أو أنّ مصرفه مصرف سائر أقسام الخمس من المعادن والغنائم وغيرها كما هو مقتضى المعتبرة الأُولى الظاهرة في اتّحاد المصرف في الجميع ، ومنهم من حكم بالتخيير بين المصرفين كما ستعرف؟

والظاهر أنّ ما ذهب إليه المشهور من اتّحاد هذا المصرف مع سائر أقسام الخمس هو الصحيح.

ووجهه : أنّ معتبرة عمّار بن مروان واضحة الدلالة على ذلك ، لقوّة ظهورها بحسب الفهم العرفي ، بل كادت تكون صريحة في أنّ المال المخلوط يصرف خمسه فيما يصرف فيه خمس الغنائم ونحوها ، المشار إليه بقوله تعالى (فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) إلخ (٣). فقوّة هذا الظهور ممّا لا ينبغي الإشكال فيها.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٠٦ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٠ ح ٤ ، الكافي ٥ : ١٢٥ / ٥.

(٢) التوبة ٩ : ٦٠.

(٣) الأنفال ٨ : ٤١.

١٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا رواية السكوني فلو سلّمنا أنّ لفظ الصدقة ظاهر في الإنفاق على الفقراء ، ولم نقل بأنّه موضوع للمعنى الجامع ، وهو كلّ عمل أو مال يتقرّب به إلى الله تعالى الشامل للخمس المصطلح ، بل قد ذكر شيخنا الأنصاري على ما حكاه عنه المحقّق الهمداني (قدس سره) أنّ لفظ الصدقة قد أُطلق على الخمس في كثير من الأخبار على ما قيل (١) ، وإن لم تحضرنا من ذلك ولا رواية واحدة.

وكيفما كان ، فلو سلّمنا الظهور المزبور فلا ينبغي الشّك في لزوم رفع اليد عنه تجاه الرواية الأُولى ، لأقوائيّة ظهورها بحيث كادت تلحقه بالصراحة كما عرفت.

وبالجملة : الأمر دائر بين رفع اليد عن أحد الظهورين ، ولا ينبغي الريب في أنّ الأوّل أقوى ، فتحمل الصدقة على المعنى اللغوي العام الشامل لمصرف الخمس أيضاً.

والذي يؤكِّده ذيل هذه الرواية ، حيث قال (عليه السلام) : «فإنّ الله قد رضي من الأشياء بالخمس» ، فإنّا لم نعهد مورداً أوجب الله فيه الخمس ما عدا هذه الموارد المعهودة من الغنائم والكنوز والمعادن ونحوها ، فكأنه (عليه السلام) أراد تطبيق كبرى الخمس على هذا المورد أيضاً ، فيكون المراد من الخمس هنا ذاك الخمس المقرّر المجعول في الشريعة المقدّسة الذي رضي الله به في موارده الخاصّة ، فهذا الذيل قرينة واضحة على استظهار إرادة الخمس المصطلح ، ولا أقلّ من صلوحه للقرينيّة بحيث ينثلم معه ظهور لفظ الصدقة ، ولأجله تصبح الرواية الأُولى بلا معارض ، فيكون الخمس هنا كالخمس في بقيّة الأقسام كما عليه المشهور ، وإن كان كلام جماعة من القدماء خالياً عن ذلك ، ولأجله احتمل بعض المتأخّرين أنّهم لم يلتزموا بذلك ، ومنهم صاحب المدارك ، حيث

__________________

(١) مصباح الفقيه ١٤ : ١٥٤ ، وهو في كتاب الخمس : ٢٥٨.

١٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

إنّه قوّى عدم الخمس والتزم بالصدقة (١) ، عملاً بما دلّ على التصدّق بمجهول المالك في عدّة من الأخبار ، ولكن الرواية الأُولى السليمة عمّا يصلح للمعارضة صريحة فيما ذكرناه حسبما عرفت ، فلا محيص عن الالتزام به وصرف الرواية الثانية أعني : رواية السكوني عن ظاهرها.

هذا ، وقد ذهب المحقّق الهمداني (قدس سره) إلى التخيير بين الأمرين ، عملاً بكلتا الروايتين ، فله الصرف خمساً ، كما له الدفع صدقة ، وذكر (قدس سره) أنّ هذا هو الأوجه في مقام الجمع إن لم يكن إجماع على خلافه.

وملخّص ما ذكره (قدس سره) : أنّ تعلّق الخمس بالمختلط ليس معناه أنّ خمس المال ملك فعلي للسادة بحيث أنّ الخلط بمجرّد حصوله أوجب انتقال هذا الكسر من المال إليهم ابتداءً ويشتركون فيه مع المالك بنحوٍ من الشركة ، كما هو الحال في سائر أقسام الخمس من الغنائم والمعادن والكنوز ونحوها ، فليس تعلّق الخمس في المختلط كتعلّقه في سائر الأقسام ، بل الخمس هنا مطهّر ويكون الباقي له بعد التخميس.

وعليه ، فله التصدِّي للتطهير بنحوٍ آخر بأن يسلّم المال بأجمعه للفقير قاصداً به التصدّق بجميع ما للغير في هذا المال واقعاً ، فينوي الصدقة في حصّة المالك الواقعي ردّاً للمظالم ، وبما أنّ الحصّتين مجهولتان حسب الفرض فيقتسمان بعد ذلك بالتراضي أو القرعة أو نحو ذلك ، وبهذه الكيفيّة يحصل التطهير وتبرأ الذمّة أيضاً.

وعلى هذا فليس الخمس واجباً تعيينيّاً وكلمة العيني في كلامه (قدس سره) سهو من قلمه الشريف كما لا يخفى بل التخلّص من الضمان يتحقّق بكلّ من الأمرين حسبما عرفت. فهو إذن مخيّر بينه وبين الصدقة.

__________________

(١) المدارك ٥ : ٣٨٨.

١٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا رواية السكوني فهي أيضاً غير ظاهرة في الوجوب التعييني ، إذ هي في مقام دفع توهّم الحظر من أجل تخيّل عدم جواز التصرّف في مال الغير حتى بنحو التصدّق عن صاحبه ، فغاية ما هناك أنّها ظاهرة في الجواز وأنّه يجوز الاكتفاء بالتصدق بمقدار الخمس من غير أن يتعيّن في ذلك ، بل يجوز التخلّص بالتصدّق بنحوٍ آخر حسبما عرفت آنفاً. فبالنتيجة هو مخيّر بين الأمرين.

هذا ملخّص كلامه (قدس سره) (١).

ولكنّه لا يمكن المساعدة عليه بوجه :

أمّا ما ادّعاه في رواية السكوني من ورود الأمر فيها موقع توهّم الحظر فليس الأمر كذلك بحيث يمنع عن ظهور الأمر في الوجوب ، فإنّ التصدّق بمال الغير وإن كان حراماً لكن ليس كلّ محرّم يمنع عن ظهور الأمر المتعلّق به في الوجوب ، فإنّ السؤال هنا عن الوظيفة الفعليّة في مقام تفريغ الذمّة بعد ما كان يعلم السائل بعدم جواز التصرّف ، فبيّن الإمام (عليه السلام) كيفيّة التفريغ وأنّه يتحقّق بالتخميس الظاهر بحسب الفهم العرفي في انحصار الوظيفة وتعيّنها في ذلك ، فالحمل على الجواز من أجل الورود موقع الحظر خلاف المتفاهم العرفي في أمثال المقام جدّاً كما لا يخفى.

وأمّا ما ذكره (قدس سره) في الرواية الاولى أعني : معتبرة عمّار بن مروان من جواز التصدِّي للتفريغ والتطهير بغير التخميس أعني : التصدّق فلا يمكن تصديقه بوجه ، ضرورة أنّ التصدّق بمال الغير والاجتزاء به في مقام التفريغ يحتاج إلى الدليل ، ولو لا قيام الدليل على أنّ مجهول المالك إذا لم يمكن إيصاله إلى صاحبه يتصدّق به عنه لم يكن أيّ وجه للصدقة ، إذ كيف يكون التصدّق ممّن لا وكالة عنه ولا ولاية عليه مفرّغاً؟!

__________________

(١) مصباح الفقيه ١٤ : ١٥٨ ١٦١.

١٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وإنّما التزمنا بذلك من أجل الروايات الخاصّة ، وهي وإن وردت في موارد مخصوصة وأموال متميّزة كالمال الخارجي أو الديون ونحو ذلك ، إلّا أنّه لا بدّ من إلغاء الخصوصيّة بحسب الفهم العرفي ، والالتزام بأنّ التصدّق لدى العجز عن معرفة المالك نحو إيصالٍ للمال إليه ، فهو مجزي في مقام التفريغ وإن لم يكن المال متميّزاً.

وكيفما كان ، فالالتزام بالتصدّق والاكتفاء به في مقام التفريغ إنّما كان من أجل تلك الروايات. وعليه ، فإذا فرضنا ورود رواية معتبرة دلّت في مورد خاصّ كالمقام على وجوب التخميس فبطبيعة الحال تكون هذه الرواية مخصّصة لتلك الأخبار ومقيّدة لإطلاقها بمقتضى صناعة الإطلاق والتقييد ، وقد عرفت أنّ معتبرة عمّار دلّتنا على ذلك صريحاً ، وبعد ورودها كيف يسعنا الأخذ بإطلاق نصوص الصدقة لولا رواية السكوني؟! وبالجملة : مع قطع النظر عن رواية السكوني فرواية عمّار مخصّصة لروايات الصدقة ، فلا محالة يتعيّن التخميس ، ومعه لا مجال للتصدّق.

وأمّا ما ذكره (قدس سره) من أنّ كيفيّة التعلّق تختلف في المختلط عن غيره ، فقد ظهر فساده.

ضرورة ظهور الرواية في أنّه في فرض الخلط والشكّ فولي الأمر وهو الله تعالى قد قسّم المال هكذا : بأن يكون خمسه للإمام ، والباقي للمالك ، كتقسيمه كذلك في سائر موارد الخمس ، فالالتزام بالتفكيك خلاف الظاهر جزماً. فما ذكره (قدس سره) بعيد جدّاً ، بل لا بدّ من وجوب التخميس ورفع اليد عن رواية السكوني حسبما عرفت فيما مرّ.

والذي يهوّن الخطب من أوّل ما ذكرناه إلى هنا أنّ رواية السكوني إنّما تصلح للمعارضة مع رواية عمّار لو كان متنها كما أثبتناه ، المطابق لما في الكافي

١٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

كما ذكره في الوسائل ، وكأنّ المشهور اقتصروا على هذه النسخة فذكروا ما ذكروا في كيفيّة الجمع.

ولكن صاحب الوسائل ذكر بعد ذلك قوله : ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد ابن يعقوب. ورواه الصدوق بإسناده عن السكوني. ورواه البرقي في المحاسن عن النوفلي. ورواه المفيد في المقنعة مرسلاً نحوه (١).

فيظهر من ذلك أنّها رواية واحدة لفظاً ومعنًى قد رويت بعدّة طرق ، وأنّ هؤلاء الباقين نقلوها كما في الكافي. وليس كذلك ، فإنّ الصدوق قد رواها بسندٍ معتبر بنحوٍ آخر ، قال : فقال علي (عليه السلام) : «أخرج خمس مالك ، فإنّ الله عزّ وجلّ قد رضي من الإنسان بالخمس ، وسائر المال كلّه لك حلال» (٢) ، فذكر : «أخرج» بدل : «تصدّق» ، كما ذكر : «الإنسان» بدل : «الأشياء» فيتّحد مضمونها حينئذٍ مع رواية عمّار بلا تفاوت أبداً ، فتخرج حينئذٍ عن المعارضة إلى المعاضدة.

وبما أنّها رواية واحدة كما عرفت والنسخة مختلفة فلم يعلم أنّ السكوني هل رواها كما في الكافي أو كما في الفقيه؟ وحيث لا ترجيح فتسقط عن درجة الاعتبار ، وتبقى رواية عمّار بلا معارض.

بل يمكن القول بترجيح الثاني ، نظراً إلى أنّ الصدوق يرويها عن كتاب السكوني ، فإن لم يكن في هذا ترجيح فليس في رواية الكافي ترجيح قطعاً ، فلم ينهض في البين ما يصلح للمعارضة مع رواية عمّار.

ومن الغريب أنّ الفقهاء كأنّهم لم ينظروا إلى الفقيه واقتصروا على رواية

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٠٧.

(٢) الفقيه ٣ : ١١٧ / ٤٩٩.

١٣٢

وأمّا إن علم المقدار ولم يعلم المالك تصدّق به عنه (١) ،

______________________________________________________

الكافي ، فتكلّموا في كيفيّة الجمع على اختلاف الأنظار مع أنّها ساقطة حسبما عرفت.

فتحصّل : أنّ الأقوى وجوب الخمس في المقام وعدم اختلاف مصرفه مع سائر الأقسام كما عليه المشهور.

(١) سواءً أكان أقلّ من الخمس أم أكثر ، كما لو علم أنّ عشر المال أو ثلثه حرام.

وقد استظهر شيخنا الأنصاري أنّ وجوب التصدّق بكلّ ما يعلم من قليل أو كثير مورد اتّفاق الأصحاب من غير خلاف (١).

ولكن صاحب الحدائق نسب إلى بعضهم وجوب الخمس هنا أيضاً والتصدّق بالزائد إن كان المعلوم أكثر من الخمس (٢).

وهو (قدس سره) اختار الخمس من غير صدقة ، سواء أكان الحرام أقلّ من الخمس أم أكثر ، بدعوى أنّ روايات التخميس مثل معتبرة عمّار بن مروان تشمل ما إذا كان المعلوم أقلّ أو أكثر من الخمس ، وادّعى أنّ جميع ما ورد في باب التصدّق بمجهول المالك خاصّ بالمال المتميّز ، وأمّا المخلوط فلم يرد التصدّق به ولا في رواية واحدة ، فتشمله أخبار التخميس.

على أنّ قياس المخلوط بالمتميّز قياسٌ مع الفارق ، فإنّ المال المتميّز المعلوم مالكه معيّن غير أنّه مجهول لا يمكن الإيصال إليه فيتصدّق به عنه فإنّه نحو

__________________

(١) كتاب الخمس : ٢٤٨ ٢٥٢.

(٢) الحدائق ١٢ : ٣٦٤.

١٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إيصالٍ إليه ، وأمّا المخلوط فليس مالكه متميّزاً ، بل المال مشترك بينهما ، ومن المعلوم أنّ تقسيم المشترك وإفراز حصّة الغير يحتاج إلى إذنٍ من المالك أو وليّه. فالتقسيم على نحوٍ تتشخّص حصّة الغير فيما أُفرز ثمّ التصدّق به من غير إذن ولا ولاية على التقسيم يحتاج إلى دليل ، ولم يقم عليه أيّ دليل في المقام كما لا يخفى ، فيرجع إذن إلى أخبار التخميس.

فالذي يتحصّل من كلامه (قدس سره) أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة :

التصدّق مطلقاً كما نسبه شيخنا الأنصاري (قدس سره) إلى الأصحاب. ولا شبهة أنّ هذا هو المشهور كما في عبارة المحقّق الثاني (قدس سره) (١).

والتخميس ثمّ التصدّق بالباقي إن كان المعلوم أكثر.

والتخميس مطلقاً ، أي سواء أكان المعلوم أقلّ أم أكثر ، كما اختاره صاحب الحدائق بنفسه.

أمّا التخميس والتصدّق بالزائد فلا يمكن الالتزام به بوجه ولا نعرف القائل به وإن حكاه في الحدائق عن بعضهم ، لأنّه إن قلنا بشمول أدلّة التخميس للمقام فهي واضحة الدلالة على حلّيّة الباقي كما صرّح به في رواية السكوني ، وهو الظاهر من رواية عمار كما لا يخفى. فلا حاجة إذن إلى التصدّق. وإن لم تشمل فلا موجب للتخميس أبداً ، فهذا القول ساقط جزماً.

فيدور الأمر بين القولين الآخرين ، أعني : التصدّق مطلقاً ، أو التخميس مطلقاً.

ولا يخفى أنّ ما ذكره في الحدائق من اختصاص نصوص التصدّق بمجهول المالك بالمال المعيّن المتميِّز وعدم شمولها للمختلط لم يكن له أيّ أثر في المقام ،

__________________

(١) جامع المقاصد ٥ : ١٥ ١٦.

١٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا يفرق الحال بين كونها مختصّة أم مطلقة ، وإن كان ما ذكره من الاختصاص صحيحاً في أكثر هذه الأخبار ، فإنّ أغلبها وردت في الدين أو الأمانة التي تبقى عنده ويذهب المالك ولا يرجع أو كان أجيراً قد مضى ولا يعرفه (١) ، أو وجد متاع شخص عنده قد ذهب إلى بلده ولا يعرفه كما هو مورد صحيحة يونس ابن عبد الرحمن المتضمّنة للأمر ببيعه والتصدّق بثمنه (٢).

نعم ، هناك رواية واحدة لا يبعد شمولها للمتميّز وغيره ، وهي رواية علي بن أبي حمزة الواردة فيمن أصاب مالاً كثيراً من بني أُميّة قد أغمض في مطالبه والآمرة بالخروج عن جميع ما كسب في ديوانهم بالردّ إلى من عرف والتصدّق عمّن لم يعرف (٣).

فإنّ من البعيد جدّاً أن يكون هذا الشخص عارفاً بأشخاص الأموال التي تكون لغيره ، بل بطبيعة الحال يكون أكثرها نقوداً مختلطة في أمواله ولو بين من يعرف مالكه ومن لا يعرف ، فأعطى الإمام (عليه السلام) له الولاية بإعطاء من يعلم بمقدار ما يعلم والتصدّق عمّن لا يعرفه.

ولكنّها ضعيفة السند جدّاً ، لأنّ في سندها إبراهيم بن إسحاق النهاوندي ، وهو ضعيف ، فلا يعتمد عليها.

فالعبرة بغيرها ، وعمدتها صحيحة يونس ، وهي خاصّة بالمتميّز كما عرفت.

إلّا أنّ هذا الاختصاص أو التعميم لا أثر له في محلّ الكلام كما أسلفناك ، لأنّا إذا بنينا على شمول أدلّة التخميس لهذه الصورة أعني : صورة العلم بالمقدار فلا يفرق في ذلك بين كون تلك النصوص مطلقة أم لا ، أمّا على الثاني فواضح ،

__________________

(١) الوسائل ٢٦ : ٢٩٦ / أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٦.

(٢) الوسائل ٢٥ : ٤٥٠ / كتاب اللقطة ب ٧ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٧ : ١٩٩ / أبواب ما يكتسب به ب ٤٧ ح ١.

١٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا على الأوّل ، إذ غايته أنّها تقيد بهذه الأدلّة من روايتي عمّار والسكوني ونحوهما ، فيلتزم بالتصدّق في مجهول المالك مطلقاً ، إلّا في خصوص المقام ، فإنّه يخمّس ويصرف الخمس في الصدقة أو في غيرها على الخلاف المتقدّم.

وإذا بنينا على عدم الشمول فلا دليل على التخميس حتى لو فرضنا اختصاص تلك النصوص بالمتميّز ، ضرورة أنّ مجرّد عدم شمولها للمخلوط لا يقتضي التخميس فيه بوجه ، فالعبرة في وجوب التخميس بشمول أدلّته للمقام وعدمه ، لا بالإطلاق أو الاختصاص في أدلّة الصدقة كما لعلّه ظاهر جدّاً.

وقد عرفت أنّ الأقوى عدم الشمول وأنّ تلك الأدلّة في حدّ أنفسها قاصرة ، إذ لا يكاد يحتمل وجوب التخميس على من يعلم بوجود دينارين محرّمين في ضمن عشرة آلاف من دنانيره المحلّلة ، كما لا يكاد يحتمل الاكتفاء بالتخميس لمن يعلم بوجود دينار أو دينارين محلّلين قد اختلطا في ضمن عشرة آلاف من الدنانير المغتصبة بحيث يحلّ له الباقي بعد أداء خمس المجموع ، ولا سيّما إذا كان متعمّداً في الخلط للتوصّل إلى هذه الغاية ، فإنّ هذا لعلّه مقطوع البطلان بضرورة الفقه ، ولم يكن مدلولاً للرواية بوجه.

بل الظاهر منها أنّ مقدار الحلال والحرام مشكوك من أوّل الأمر ، فلا يدري الحلال من الحرام الظاهر في الجهل المطلق حتى من حيث المقدار. إذن فمعلوم المقدار غير مشمول لأخبار التخميس بوجه.

فلا بدّ من النظر حينئذٍ إلى أخبار التصدّق ، فإن قلنا بأنّها عامّة للمتميّز وغيره ، نظراً إلى أنّ خصوصيّة التمييز لم تكن بنظر العرف دخيلة في الحكم بل هي مورد للسؤال ، وجب التصدّق به حينئذٍ عن صاحبه ، فيستفاد من تلك الأدلّة من صحيحة يونس وغيرها ولا سيّما ما ثبت في الدين أنّ الإمام (عليه السلام) أعطى الولاية لمن بيده المال متميّزاً أم غير متميّز ، بأن يوصل ذلك إلى

١٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

صاحبه ولو بقيمته ، كما دلّ عليه قوله (عليه السلام) في صحيحة يونس «بعه وتصدّق بثمنه على أهل الولاية» (١) ، وفي رواية داود بن أبي يزيد : «فاقسمه في إخوانك» (٢).

فإنّه كيف يقسّم مال الغير لولا أنّ هذا إجازة من ولي الأمر في إيصال المال إلى صاحبه ولو بالتصدّق ببدله وهو الثمن؟! على أنّا لو قطعنا النظر عن ذلك وقلنا باختصاص تلك النصوص بالمتميّز فيمكن تعيين المخلوط وتقسيمه بمراجعة الحاكم الشرعي من الإمام أو نائبه ولا أقلّ من عدول المؤمنين ، إذ لا يمنع عن التصرّف بمجرّد الاختلاط بالضرورة ، فلو علم بوجود ثلاثمائة حراماً أو حلالاً في ضمن الألف فلا مناص له من الإفراز والتعيين ولو بولاية عدول المؤمنين. على أنّه مع الغضّ عن كلّ ذلك فما هي وظيفته تجاه هذه الأموال المختلطة؟

فإنّا إذا فرضنا أنّ أخبار التصدّق خاصّة بالمتميّز ، وأخبار التخميس لم تشمل المقام ، فماذا نصنع بهذا المال؟ فإنّ الأمر دائر بين أن يبقى حتى يتلف ، وبين أن يتملّك أو أن يتصدّق به ، ولا ريب أنّ المتعيّن هو الأخير بعد أن لم يكن سبيل إلى الإتلاف ولا التملّك. فلو فرضنا أنّ أخبار التصدّق قاصرة لم يكن أيضاً أيّ مناص من الالتزام به ، للقطع بعدم جواز غيره ، فإنّه نحو إيصالٍ إلى المالك.

فما ذكره المشهور من التصدّق هو الأوجه حسبما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٤٥٠ / كتاب اللقطة ب ٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢٥ : ٤٥٠ / كتاب اللقطة ب ٧ ح ١.

١٣٧

والأحوط أن يكون بإذن المجتهد الجامع للشرائط (١) ،

______________________________________________________

(١) فإنّه القدر المتيقّن من جواز التصرّف في ملك الغير بعد أن كان مقتضى الأصل عدم جواز التصرّف فيه بغير إذنه.

وأمّا نصوص التصدّق فليست هي بصدد البيان من هذه الناحية لينعقد لها الإطلاق المستلزم لإعطاء الولاية لذي اليد ، بل هي مسوقة لبيان كيفيّة التصرّف فقط ، وأنّه يجب التصدّق به على الوجه المقرّر شرعاً ، أو يقال بأنّ الأمر بالتصدّق بنفسه إذنٌ من الإمام (عليه السلام) ، فهذه الروايات ليست لبيان الحكم الشرعي فحسب ، بل بضميمة الإذن.

على أنّه يظهر من بعض الروايات اعتبار الإذن ، وهي رواية داود بن أبي يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : قال رجل : إنِّي قد أصبت مالاً ، وإنِّي قد خفت فيه على نفسي ، ولو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلّصت منه ، قال : فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : «والله ، أن لو أصبته كنت تدفعه إليه؟» قال : إي والله «قال : فأنا والله ما له صاحب غيري» قال : فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره ، قال : فحلف ، «فقال : فاذهب فاقسمه في إخوانك ، ولك الأمن ممّا خفت منه» قال : فقسّمته بين إخواني (١).

والظاهر أنّها معتبرة من حيث السند ، فإنّ موسى بن عمر الواقع في الطريق مردّد بين موسى بن عمر بن بزيع ، وموسى بن عمر بن يزيد ، والأوّل وثّقه النجاشي (٢) وغيره صريحاً ، والثاني مذكور في اسناد كامل الزيارات (٣) بقرينة

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٤٥٠ / كتاب اللقطة ب ٧ ح ١.

(٢) رجال النجاشي : ٤٠٩ / ١٠٨٩.

(٣) كامل الزيارات : ٢٠.

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

رواية سعد عنه في الكامل ، فإنّه الراوي عن ابن يزيد ، فيعلم من ذلك أنّ المراد بموسى بن عمر في الكامل هو ابن يزيد ، فالرجل موثّق على أيّ تقدير ، ولا ينبغي التشكيك في صحّة السند.

كما أنّها ظاهرة الدلالة على لزوم مراجعة الحاكم الشرعي ، فإنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) : «والله ما له صاحب غيري» أنّه يريد من الصاحب من يرجع إليه هذا المال وتكون له الولاية على التصرّف ، لا أنّه (عليه السلام) كان مالكاً شخصيّاً لذاك المال ، ولذا لم يسأله (عليه السلام) عن نوعية المال ولم يستفسر عن خصوصيّته وأنّه أيّ شي‌ء كان.

على أنّه لو كان له (عليه السلام) لأخذه ولم يأمر بالتقسيم ، مضافاً إلى عدم استقامته مع قوله (عليه السلام) : «ولك الأمن ممّا خفت منه» ، إذ لو كان (عليه السلام) هو المالك حقيقةً فقد وصل المال إلى صاحبه فأيّ خوف بعد هذا؟! فتأمين الإمام (عليه السلام) إيّاه باعتبار أنّه ولي الأمر وصاحبه الشرعي دون الحقيقي ، ولأجله يتحمّل تبعة عدم الإيصال إلى الأهل.

وعلى الجملة : فالظاهر من هذه الرواية أن أمره (عليه السلام) بالتقسيم كان باعتبار الولاية على مجهول المالك ، لا باعتبار كونه مالاً له حقيقةً ، ولا سيما بقرينة عدم الاستفسار عن نوعيّة المال.

وعليه ، فاعتبار الإذن من الحاكم الشرعي لو لم يكن أقوى فلا أقلّ من أنّه أحوط ، لعدم ثبوت الولاية للمالك كي يسوغ له التصدّق من دون مراجعته بعد ما كان مقتضى الأصل عدم جواز التصرّف في مال الغير إلّا بإذن الولي ، وقد عرفت أنّه لم يوجد في الأخبار ما يكون له إطلاق من هذه الجهة.

١٣٩

ولو انعكس بأن علم المالك وجهل المقدار تراضياً بالصلح ونحوه (١) ، وإن لم يرض المالك بالصلح ففي جواز الاكتفاء بالأقلّ أو وجوب إعطاء الأكثر وجهان ، الأحوط الثاني ، والأقوى الأوّل إذا كان المال في يده.

______________________________________________________

(١) إذا كان المالك معلوماً والمقدار مجهولاً دائراً بين الأقلّ والأكثر وقد اختلط المالان أحدهما بالآخر ، فهل يجوز الاقتصار على الأقلّ ، أو لا بدّ من دفع الأكثر ، أو أنّه يجب إعطاء الخمس وإن احتمل الزيادة أو النقيصة عنه كما نُسب ذلك إلى العلّامة (١)؟

أمّا الأخير : فلم يظهر وجهه ، لأنّ دليل التخميس من روايتي عمّار والسكوني ونحوهما إنّما ورد في المالك المجهول ، فالتعدِّي منه إلى المعلوم بحيث يلزم بالخمس وإن كان الحرام أقلّ أو تفرغ ذمّته بدفعه وإن كان أكثر عارٍ عن كلّ دليل كما لا يخفى.

فيدور الأمر حينئذٍ بين الوجهين الأولين.

ومحلّ الكلام ما إذا لم يقع بينهما تصالح وتراضٍ على مقدارٍ معيّن ليرجع إلى الإبراء إن كان أكثر ، والإهداء إن كان أقلّ ، وإلّا فلا إشكال فيه.

فنقول تارةً : يفرض أنّ المال تحت يده واستيلائه ، وأُخرى : أنّه خارج عن يده إمّا تحت يد ثالث أو لم يكن تحت يد أصلاً.

فعلى الأوّل : لا ينبغي الإشكال في سقوط اليد بالإضافة إلى كلّ واحد من الأفراد بالمعارضة ، لكونه طرفاً للعلم الإجمالي ، فلا يمكن التمسّك في شي‌ء منها بقاعدة اليد ، للتصرّف الخارجي من لبسٍ أو أكلٍ ونحوهما ، أو الاعتباري من

__________________

(١) حكاه في الجواهر ١٦ : ٧٥ ، وهو في التذكرة ٥ : ٤٢٢.

١٤٠