موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

يعرفها فالشي‌ء لك ، رزقك الله تعالى إيّاه» (١).

وظاهرها اختصاص التعريف بصورة احتمال كون الصرّة له على ما تقتضيه العادة دون ما لم يحتمل وإن ادّعاها لو عُرِّفت له بدعوى باطلة ، فلا يجب التعريف مع القطع بالعدم.

كما أنّ ظاهرها اختصاص التعريف بالبائع فقط ، فلا يجب بالإضافة إلى شخصٍ آخر كالبائع للبائع أو السابق عليه ونحو ذلك وإن احتمل كونها له.

كما أنّ مقتضاها أيضاً ارتكاب التخصيص في أدلّة مجهول المالك الناطقة بالتصدّق بعد التعريف ، فلا صدقة في خصوص المورد ، بل يتملّكه الواجد حتى مع العلم بكونه لمالكٍ مجهول محترم المال ، كما هو الغالب في مورد الصحيحة ، ضرورة أنّ الدابّة لا تعيش سنين متمادية حتى يحتمل أنّ الصرّة التي في جوفها لأشخاصٍ سابقين انقرضوا هم وورّاثهم بحيث انتقلت إلى الإمام (عليه السلام) حتى يستملكها الواجد بالحيازة ، وإنّما هي لمالكٍ موجود بالفعل محترم عادةً ، بمقتضى كون الدابّة في بلاد المسلمين ، فمقتضى القاعدة لزوم التعريف ثمّ التصدّق شأن كلّ مال محترم مجهول مالكه ، إلّا أنّه في خصوص المقام يستملكه الواجد بمقتضى هذه الصحيحة تخصيصاً في تلك الأدلّة.

ولا يبعد أن يكون هذا التخصيص بمنزلة التخصّص بأن يكون هذا المورد خارجاً عن موضوع مجهول المالك ولو بمعونة النصّ الموجب لانصراف دليل المجهول عن مثله ، نظراً إلى أنّ الصرّة بعد ما أكلتها الدابّة تعدّ عرفاً بمثابة التالف ، سيّما مع قضاء العادة بعدم استقرار الدابّة في بلدة واحدة ، بل تنتقل منها إلى أُخرى للكراء ونحوها ، فحال الصرّة المأكولة حال السفينة المغروقة المستخرج ما فيها بالغوص في صدق التالف عرفاً ، بحيث إنّ ما يجده الواجد فهو رزقٌ

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٤٥٢ / كتاب اللقطة ب ٩ ح ١.

١٠١

وكذا لو وجد في جوف السمكة المشتراة (*) (١) مع احتمال كونه لبائعها ، وكذا الحكم في غير الدابّة والسمكة من سائر الحيوانات.

______________________________________________________

رزقه الله ، لا أنّه مال لمالك مجهول ، ولأجله عومل معه معاملة التلف.

وعلى الجملة : دعوى كون الموردين من باب واحد بحيث يكون هذا هو السرّ في الحكم المزبور أعني : التملّك بدلاً عن التصدّق غير بعيدة بعد ملاحظة النصّ الوارد في المقام ، وإلّا فمع الغضّ عنه جرى عليه حكم مجهول المالك بلا كلام.

ومن جميع ما ذكرنا يظهر أنّ التعريف للبائع الذي دلّت عليه الصحيحة يختصّ بصورة احتمال كون الصرّة له ، أمّا مع القطع بالعدم وإن علم أنّها لمالك آخر مجهول فهي للواجد من غير حاجة إلى التعريف.

ومن هذا القبيل ما لو صاد حيوان البرّ كالغزال ثمّ باعه الصيّاد ، فوجد المشتري في بطنه صرّة ، فإنّه لا يجب التعريف حينئذٍ للبائع ، لعدم احتمال كونها له ، بل يتملّكها وعليه خمسها بعنوان مطلق الفائدة لا بعنوان الكنز أو الملحق به حسبما عرفت.

نعم ، يجري هنا ما سنذكره في السمكة ، فلاحظ.

(١) فإنّ المعروف والمشهور أنّه ملكٌ للواجد من دون تعريف وعليه خمسه على ما صرّح به المحقّق (١) وغيره.

__________________

(*) الظاهر أنّه لا يجب التعريف فيه ولا خمس فيه بعنوانه كما في سابقه ، نعم الحكم في سائر الحيوانات كالطيور هو حكم الدابّة.

(١) الشرائع ١ : ٢٠٦.

١٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا إخراج الخمس فقد عرفت عدم نهوض أيّ دليل عليه ، فإن تمّ الإجماع المدّعى ولا يتمّ وإلّا فالظاهر عدم الوجوب.

وأمّا التعريف فالمشهور سقوطه هنا ، ونُسِب إلى العلّامة الوجوب (١).

والكلام يقع تارةً : فيما إذا وجد في جوف السمكة درّة أو لؤلؤة أو مرجاناً ونحو ذلك ممّا يتكوّن في البحر بحيث لا يحتمل أن يكون قبل ذلك ملكاً لمالك.

وأُخرى : ما إذا كان ملكاً لأحد قد سقط في البحر وابتلعته السمكة كخاتم أو سوار أو درهم أو دينار ونحو ذلك ممّا لا يحتمل تكوّنه في البحر.

أمّا الموضوع الأوّل : فوجوب التعريف مبني على أن يكون ما في الجوف ملكاً للصائد باعتبار الحيازة التبعيّة ، وأنّه حينما صاد السمكة وحازها فقد ملكها وملك ما في جوفها بتبع الاستيلاء عليها. أمّا في مقام البيع فقد باع السمكة خاصّة ويبقى ما في بطنها على ملكه ، إلّا أن يكون ناوياً لبيع السمكة بما في جوفها لكي ينتقل المجموع عندئذٍ إلى المشتري ، فلا بدّ إذن من مراجعته والتعرّف لديه.

ويندفع أوّلاً : بمنع صدق الحيازة بالإضافة إلى ما في الجوف ولو بالتبع ، لتقوّمها بالقصد والالتفات وصدق الاستيلاء ، ليعتبره العرف مالكاً باعتبار أنّه سبق إلى ما لم يسبق إليه غيره ، المنفي في المقام ، بعد فرض الجهل المطلق والغفلة عمّا في الجوف بالكلّيّة ، وكيف يراه العرف مستولياً وذا يد على ما لم يطّلع بتحقّقه ولم يعلم بأصل وجوده؟! وثانياً : على فرض تسليم الملكيّة بزعم كفاية الحيازة التبعيّة وإن كانت

__________________

(١) حكاه في مصباح الفقيه ١٤ : ٧٩ ، وانظر إرشاد الأذهان ١ : ٢٩٢ ، فأنّه لا يقول بذلك.

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

مغفولاً عنها ، فظاهر التصدِّي للبيع أنّه ينقل السمكة إلى المشتري على الوجه الذي استملكها ، فيبيع ما صاده على النحو الذي حازه ، فيلغي تمام سلطنته المتعلِّقة به ويعطيها إلى المشتري بإزاء ما يفعله الآخر ، قضاءً للتبادل بين المالين المتقوّم به البيع ، فالمشتري يملك السمكة كما كان الصائد مالكاً لها ، فكما أنّه كان مالكاً لما في جوفها بتبع الحيازة فكذلك المشتري بتبع البيع بمناطٍ واحد.

هذا ، ولكن الإنصاف أنّ ما في الجوف لكونه مغفولاً عنه لا يصلح لتعلّق البيع المتقوّم بالقصد به ، مضافاً إلى جهالته ، فالعمدة إنّما هو الإشكال الأوّل.

وكيفما كان ، فحال الجوهرة الموجودة في بطن السمكة حال سمكة أُخرى موجودة في بطنها ، التي لا ينبغي الشكّ في عدم الرجوع بها إلى البائع وأنّها ملك للمشتري ورزقٌ رزقه الله تعالى ، إمّا لاعتبار القصد في الحيازة وحصول الملكيّة ولا قصد من الصائد بالإضافة إلى ما في جوفها ، أو لأنّه ألغى سلطنته ونقل ملكيّة السمكة على ما كانت عليه إلى المشتري ، وعلى التقديرين لا مقتضي للرجوع إلى البائع في كلا الموردين بمناط واحد.

ولو لا ذلك لزم التسليم والإعطاء إلى البائع ابتداءً ومن غير حاجة إلى التعريف كما أشار إليه في الجواهر (١) ، لأنّه ملكه ولم ينتقل إلى المشتري حسب الفرض فيدفع إليه وإن لم يكن مدّعياً ، مع أنّ الظاهر أنّه لم يقل به أحد فيما نعلم ، بل يتملّكه الواجد من غير حاجة إلى التعريف ، لا بالإضافة إلى غير البائع كما دلّت عليه صحيحة الحميري المتقدّمة بالأولويّة ، ولا بالإضافة إلى البائع ، لعدم الدليل عليه هنا حسبما عرفت من أنّ صيد السمك لا يستوجب ملكيّة الصائد لما في الجوف ، وعلى تقدير التسليم فالملكيّة تبعيّة في الحيازة والبيع معاً على تأمّل فيه كما عرفت فلا موجب للرجوع والتعريف بتاتاً.

__________________

(١) الجواهر ١٦ : ٣٧ ٣٨.

١٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الموضوع الثاني : فالظاهر عدم وجوب الرجوع فيه أيضاً لا إلى البائع ولا إلى غيره :

أمّا الثاني فظاهر ، إذ لو لم يجب التعريف في الدابّة بمقتضى الصحيحة المتقدّمة ، ففي السمكة التي بلعت ما القي في البحر المعدود لدى العرف من المال التالف بالأولويّة القطعيّة كما عرفت.

وأمّا الأوّل فكذلك ، ضرورة عدم خصوصيّة للبائع تستوجب الرجوع إليه ، فإنّ حاله بالنسبة إلى ما في جوف السمكة وحال غيره على حدٍّ سواء ، لعدم احتمال كونه له عادةً إلّا باحتمال موهوم جدّاً بنسبة الواحد في ضمن الألوف بل الملايين الملغى عند العقلاء قطعاً ، فالملاك الذي من أجله يحكم بعدم وجوب التعريف لغير البائع موجودٌ بعينه في البائع أيضاً ، فلا مقتضي للرجوع إليه.

نعم ، لو لم تكن السمكة مصطادة من البحر ونحوه وإنّما ربّاها مالكها في داره أو بستانه بإلقاء البذر على ما هو المتعارف في بعض البلاد ، لم يبعد إلحاقها حينئذٍ بالدابّة في وجوب التعريف إلى البائع ، باعتبار أنّه كان ذا يد بالنسبة إلى هذا المال ، إذ لا فرق بينهما من هذه الجهة ، ولا تحتمل خصوصيّة للدابّة.

لكن هذا الفرض قليل جدّاً ، والأكثر إنّما هو الفرض الأوّل.

ومن جميع ما ذكرناه يظهر الحال في غير الدابّة والسمكة من سائر الحيوانات كالطيور ونحوها ، فإنّه يجري فيها التفصيل المتقدّم من أنّه إن كان ممّا ربّاه في بيته مثلاً بحيث يكون ذا يد على ما في بطنه فحاله حال الدابّة في لزوم مراجعة البائع ، بمقتضى إطلاق صحيحة الحميري المتقدّمة على رواية الصدوق ، حيث يظهر منها بوضوح أنّ العبرة بمطلق المذبوح دابّة كان أو غيرها ، للأضاحي أو لغيرها ، من غير خصوصيّة للدابّة. وإن كان ممّا يملكه بمثل الصيد كالخضيريّات فلا حاجة إلى التعريف. وهكذا الحال في مثل الدجاج والغزال

١٠٥

[٢٨٩٥] مسألة ١٩ : إنّما يعتبر النصاب في الكنز بعد إخراج مئونة الإخراج (*) (١).

[٢٨٩٦] مسألة ٢٠ : إذا اشترك جماعة في كنز فالظاهر كفاية بلوغ المجموع نصاباً وإن لم تكن حصّة كلّ واحد بقدره (٢).

______________________________________________________

ونحو ذلك ، فإنّ العبرة في وجوب الرجوع إلى البائع احتمال كونه له احتمالاً عقلائيّاً حسبما عرفت.

(١) فكلّ ما صرفه في سبيل تحصيل الكنز واستخراج الدفينة يطرح ، فإن بلغ بعدئذٍ حدّ النصاب ، وإلّا فلا خمس فيه.

هذا ولكنّك عرفت في مبحث المعدن أنّ هذا لا دليل عليه ، إذ لم ينهض ما يقتضي تقييد النصاب بما بعد إخراج المؤن ، بل ظاهر الدليل وجوب الخمس في المعدن أو الكنز متى كان بالغاً حدّ النصاب وإن كان قد صرف مقداراً من المال في سبيل الاستخراج.

نعم ، وجوب الخمس إنّما يكون في الباقي بعد إخراج المئونة ، فلو فرضنا أنّ ما وجده من الكنز كان بمقدار عشرين ديناراً وقد صرف خمسة دنانير في سبيل الاستخراج فالخمس إنّما يجب في الخمسة عشر ديناراً الباقية لا في مجموع العشرين ، وهذا أمر آخر ، فالذي يكون بعد المئونة إنّما هو الخمس لا لحاظ النصاب.

(٢) عملاً بإطلاق الدليل الظاهر في اعتبار النصاب في نفس الكنز لا في الحصّة الواصلة إلى الواجد ، فمتى بلغ وجب الخمس ، سواءً أكان الواجد واحداً أم أكثر ، فيحب الخمس حينئذٍ في حصّة كلّ واحد.

__________________

(*) الحكم فيه كما تقدّم في المعدن.

١٠٦

الرابع : الغوص ، وهو إخراج الجواهر من البحر مثل اللؤلؤ والمرجان وغيرهما معدنيّاً كان أو نباتيّاً (١) ،

______________________________________________________

(١) كاليسر المصنوع منه السِّبَح الذي هو نبات ينبت في البحر والمرجان الذي هو مثل الشجر ينبت فيه ، فالحكم يشمل كلّ نفيسة تتكوّن في البحر ويستخرج منه بالغوص من غير فرق بين أنواعها.

وهذا الحكم في الجملة موضع وفاق وإن ناقش فيه صاحب المدارك ، زعماً منه اختصاص الرواية الصحيحة بالعنبر واللؤلؤ (١) ، الواردين في صحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العنبر وغوص اللؤلؤ «فقال : عليه الخمس» إلخ (٢) ، فيحتاج تعميم الحكم لغيرهما إلى دعوى عدم القول بالفصل ، لعدم ورود نصّ معتبر عنده (قدس سره) في غيرهما.

وكأنّه (قدس سره) لم يعتن ببقيّة الروايات الواردة في المقام ، جرياً على مسلكه من اختصاص الاعتماد بالصحيح الأعلائي.

وليس الأمر كما ذكره (قدس سره) بل قد وردت رواية صحيحة بعنوان ما يخرج من البحر ، وهي ما رواه الصدوق بإسناده عن عمّار بن مروان ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : «فيما يخرج من المعادن ، والبحر ، والغنيمة ، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه ، والكنوز ، الخمس» (٣).

فإنّها وإن عبّر عنها بالخبر في عدّة من الكتب المشعر بالضعف ، لكن الظاهر أنّها صحيحة السند ، لما عرفت فيما مرّ من أنّ عمّار بن مروان وإن كان مشتركاً

__________________

(١) المدارك ٥ : ٣٧٥.

(٢) الوسائل ٩ : ٤٩٨ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٧ ح ١.

(٣) الوسائل ٩ : ٤٩٤ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٦ ، الخصال : ٢٩٠ / ٥١.

١٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بين اليشكري الموثّق جزماً وبين الكلبي الذي ذكره الصدوق في المشيخة في بعض طرقه ولم يوثّق ، إلّا أنّ الأوّل الذي يروي عن الصادق (عليه السلام) معروفٌ مشهور وله كتاب ، بخلاف الثاني ، ولا شكّ أنّ اللفظ ينصرف لدى الإطلاق إلى من هو الأعرف الأشهر. فلا ينبغي التأمّل في صحّة الرواية.

كما وردت صحيحة أُخرى بعنوان الغوص لابن أبي عمير ، عن غير واحد ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : الخمس على خمسة أشياء : على الكنوز ، والمعادن ، والغوص ، والغنيمة» ونسي ابن أبي عمير الخامس (١).

فإنّا قد أشرنا غير مرّة إلى أنّ مثل هذه الرواية لا تعتبر مرسلة ، إذ التعبير ب : غير واحد ، كاشفٌ بحسب الظهور العرفي عن أنّ المروي عنه جماعة معروفون مشهورون قد بلغ الأمر من الوضوح حدّا يستغنى عن ذكر آحادهم ، كما في بعض روايات يونس عن غير واحد ، فلا يعدّ ذلك طعناً في السند. فهذه أيضاً صحيحة قد رواها الصدوق عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، فما في الوسائل من قوله : عن جعفر ، غلط ، كما مرّ سابقاً (٢).

وهناك روايات اخرى لا يخلو إسنادها عن الخدش ، وهي مؤيّدة للمطلوب ، والعمدة هاتان الصحيحتان.

ولأجل أنّ المأخوذ في إحداهما عنوان الغوص ، وفي الأُخرى ما يخرج من البحر ، وبين العنوانين عموم من وجه ، لافتراق الأوّل بالغوص في غير البحار كالشطوط والأنهار الكبار ، وافتراق الثاني بالأخذ من البحر بغير الغوص كما لو أخذه بآلة أو من وجه الماء.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٤٩٤ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٧ ، الخصال : ٢٩١ / ٥٣.

(٢) في ص ٧١.

١٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فمن ثمّ وقع الإشكال في تشخيص موضوع ما يجب فيه الخمس ، وأنّ الاعتبار هل هو بصدق كلا العنوانين معاً ، فيكون الموضوع ما يخرج من البحر بالغوص كما اختاره المحقّق وجماعة منهم المحقّق الهمداني (قدس سره) (١) ، نظراً إلى صلاحيّة كلّ منهما لتقييد الآخر ، فيجمع بينهما عملاً بصناعة الإطلاق والتقييد؟

أو بصدق كلّ واحد منهما فيكون كلّ منهما موضوعاً مستقلا للحكم ، نظراً إلى عدم الموجب للتقييد بعد كونهما مثبتين ، وعدم التنافي في البين ليتصدّى للعلاج أو لإرجاع أحدهما إلى الآخر؟

أو بصدق عنوان الغوص وإرجاع الآخر إليه بدعوى أنّ التعبير بما يخرج من البحر جارٍ مجرى الغالب باعتبار غلبة كون الغوص في البحر؟

أو بصدق عنوان الإخراج من البحر وإرجاع الغوص إليه عكس ما مرّ ، استناداً إلى أنّ التعبير بالغوص غالبي ، إذ التصدِّي لإخراج الجواهر من البحر لا يكون غالباً إلّا بالغوص؟

وجوه بل أقوال :

أظهرها : ثانيها ، أخذاً بإطلاق كلّ من الصحيحين المزبورين اللذين مفاد أحدهما : وجوب الخمس في كلّ ما أُخرج بالغوص ، سواء أكان من البحر أم من غيره ، ومفاد الآخر : وجوبه في كلّ ما أُخرج من البحر ، سواء أكان بالغوص أم بغيره ، بعد عدم التنافي بين الإطلاقين وإن كان بينهما عموم من وجه ، لتوافقهما حكماً.

فلا موجب إذن لرفع اليد عنهما ، إذ الموجب إمّا التنافي ، ولا تنافي بعد التوافق في المدلول.

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٠٧ ، مصباح الفقيه ١٤ : ٨٣.

١٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أو دعوى انصراف المطلق إلى الفرد الغالب واختصاصه به ، نظراً إلى أنّ الغالب في الغوص أن يكون في البحر ، كما أنّ الغالب في الإخراج من البحر أن يكون بالغوص.

وتندفع بعدم المحذور في شمول المطلق للفرد النادر ، وإنّما الممنوع اختصاصه به لا شموله له. على أنّ الندرة غير مسلّمة ، فإنّ الغوص في الأنهار العظيمة لاستخراج ما أودعه الله فيها من الجواهر الكريمة أمرٌ شائع متعارف كإخراجها من البحر بالآلة.

هذا ، ومع ذلك فقد ذكر المحقّق الهمداني (قدس سره) وجهاً للتنافي ، حاصله : أنّ المتراءى من ظواهر النصوص والفتاوى انحصار ما يجب فيه الخمس في الخمسة ، فلو كان كلّ من العنوانين المزبورين موضوعاً مستقلا للحكم لأصبح الموجب ستّة ، وهو منافٍ للحصر المذكور. فلا محيص إذن عن إرجاع أحدهما إلى الآخر إمّا بارتكاب التقييد أو بوجهٍ آخر ، وإن كان الأشبه بالقواعد هو الأوّل ، فيكون الموضوع ما أُخرج من البحر بالغوص.

ثمّ ذكر (قدس سره) أنّه مع التنازل والغضّ وانتهاء النوبة إلى مرحلة الشكّ فالمرجع أصالة البراءة عن الوجوب في غير مجمع العنوانين المتيقّن فيه التكليف (١).

ويندفع : بأنّ صحيحة ابن أبي عمير التي عدّت الغوص من الخمس وإن كانت ظاهرة في الحصر كما ذكر ، إلّا أنّه لا مناص من رفع اليد عن هذا الظهور ، نظراً إلى أنّ وجوب الخمس فيما يخرج من البحر بغير الغوص مقطوعٌ به في الجملة ، إمّا بعنوان ما يخرج من البحر ، أو كان بحياله عنواناً مستقلا ، وإلّا فبعنوان الفوائد والأرباح ، وتظهر الثمرة بينهما بالنسبة إلى استثناء مئونة السنة كما لا يخفى. ومن المعلوم أنّ شيئاً من العنوانين لم يكن من الخمسة ، فالحصر

__________________

(١) مصباح الفقيه ١٤ : ٨٦.

١١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

غير حاصر لا محالة.

وربّما يحتمل كما في الوسائل (١) دخول الفوائد في عنوان الغنيمة المعدودة من الخمسة.

ولكنّه كما ترى لا شاهد عليه بوجه ، بل أنّ بعض الروايات شاهدة على إرادة خصوص غنائم دار الحرب ، كيف؟! ولو أُريد منها مطلق الفائدة لدخل فيها ما جعل قسيماً لها كالمعادن والكنوز والغوص ، فإنّها كلّها فوائد.

وأمّا ما ذكره (قدس سره) أخيراً من جريان أصالة البراءة ، ففيه : أنّه لا مجال لها بعد ما عرفت من القطع بتعلّق الخمس بما أُخرج من البحر بالآلات ، وكذا ما أُخرج بالغوص من غير البحر ، إمّا بعنوان نفسه أو بعنوان الفائدة ، ولأجله يعلم بأنّ خمس المال قد انتقل إلى أربابه بمجرّد تملّكه ، فيتوقّف جواز التصرّف على إحراز الإذن ، ولم يحرز ما لم يخمّس ، فمقتضى الأصل عدم جواز التصرّف فيه ووجوب إخراج خمسه بمجرّد حيازته.

وبعبارة أُخرى : أصل التعلّق معلوم ، وإنّما الشكّ في كيفيّة التعلّق وأنّه هل كان على نحو يجب التصدِّي لأدائه فعلاً ، أو أنّه يجوز التأخير إلى نهاية السنة ، نظراً لاستثناء المئونة؟ فالثبوت معلوم ، والشكّ إنّما هو في السقوط إذا صرف في المئونة ، ومقتضى الأصل عدم السقوط ، والنتيجة لزوم المعاملة معه معاملة سائر ما يخرج من البحر بالغوص.

والمتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ وجوب الخمس في كلّ من العنوانين هو الأوجه ، كما أنّه الموافق للأصل ولمراعاة الاحتياط.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٤٨٩ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٢ ح ١٢.

١١١

لا مثل السمك ونحوه من الحيوانات (١) ، فيجب فيه الخمس بشرط أن يبلغ

______________________________________________________

(١) فإنّه لا ينبغي الاستشكال في عدم وجوب الخمس فيها بعنوان ما يخرج من البحر ، ولا بعنوان الغوص ، لظهور موردهما في إخراج ما يتكوّن في البحر من المعدنيّات والنباتات ، ولا يكادان يشملان مثل صيد الأسماك ونحوها من الحيوانات وإن صدق عليه الإخراج صدقاً لغويّاً ، لانصراف اللفظ عنه قطعاً ، سيّما مع ملاحظة اقترانه في النصّ مع إخراج المعادن التي هي إخراج ما يتكوّن في باطن الأرض كانصراف الغوص إلى ما يتعارف إخراجه من الماء بالغوص ، وليس السمك كذلك وإنّما يصاد من غير غوص.

وعلى الجملة : عنوان الغوص أو الإخراج من الماء يغاير عنوان صيد السمك عرفاً كما لا يخفى.

هذا ، مضافاً إلى جريان السيرة القطعيّة على عدم إخراج الخمس من الأسماك ، بحيث لو كان واجباً لشاع وذاع وأصبح من الواضحات.

بقي شي‌ء ، وهو أنّ عنوان الإخراج من البحر هل يصدق على الأخذ من سطح الماء ، أو لا؟

الظاهر عدم الصدق ، فإنّ البحر اسمٌ للماء لا للقضاء كما في مثل الدار ونحوها ، ومن الضروري أنّ الخروج فرع الدخول ، فإخراج الشي‌ء من البحر لا يكاد يصدق إلّا إذا كان داخلاً فيه فاخرج وصار خارجه ، وهذا غير متحقّق في الأخذ من وجه الماء وظاهره.

وأولى منه بعدم الصدق أخذ ما ألقاه البحر بنفسه إلى الساحل خارج الماء ، ففي هذه الموارد لا يجب الخمس بعنوان ما أُخرج من البحر وإن وجب بعنوان الفائدة.

١١٢

قيمته ديناراً (*) (١) فصاعداً ،

______________________________________________________

(١) على المشهور من اعتبار النصاب ومن تحديده بما بلغت قيمته ديناراً واحداً شرعيّاً.

وعن الشيخ المفيد (قدس سره) تحديده بما بلغت قيمته عشرين ديناراً (١). ولم يعلم له مستند ولا قائل غيره.

أمّا المشهور فمستندهم ما رواه الكليني والشيخ بسندهما الصحيح ، عن البزنطي ، عن محمّد بن علي بن أبي عبد الله ، عن أبي الحسن (عليه السلام) ، قال : سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضّة ، هل فيها زكاة؟ «فقال : إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس» ، ورواها الصدوق مرسلاً (٢).

ولكن محمّد بن علي المزبور مجهولٌ لم يرد فيه توثيق ولا مدح قد روى عنه البزنطي وعلي بن أسباط ، ولم يكن مشهوراً بين الرواة ، وليس في البين ما يوهم وثاقته عدا رواية البزنطي عنه ، بناءً على ما قيل من أنّه لا يروي إلّا عن الثقة ، كما نقل ذلك عن عدّة الشيخ (قدس سره) (٣).

لكن المبنى سقيم كما مرّ مراراً. فلا اعتماد على الرواية لهذه العلّة.

__________________

(*) بل الأحوط إخراج خمسه مطلقاً.

(١) حكاه في الجواهر ١٦ : ٤٠ ٤١.

(٢) الوسائل ٩ : ٤٩٣ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٥ ، الكافي ١ : ٤٥٩ / ٢١ ، التهذيب ٤ : ١٢٤ / ٣٥٦ ، الفقيه ٢ : ٢١ / ٧٢.

(٣) العدّة : ٥٨.

١١٣

فلا خمس فيما ينقص عن ذلك ، ولا فرق بين اتّحاد النوع وعدمه (١) فلو بلغ قيمة المجموع ديناراً وجب الخمس ، ولا بين الدفعة والدفعات فيضمّ بعضها إلى بعض (٢) ، كما أنّ المدار على ما أُخرج مطلقاً وإن اشترك فيه جماعة لا يبلغ نصيب كلّ منهم النصاب (٣).

______________________________________________________

وحينئذ فإن تمّ الإجماع المدّعى على اعتبار النصاب المزبور فهو ، وإلّا فالمتّبع إطلاق ما دلّ على وجوب الخمس في الغوص وفيما أُخرج من البحر ، الشامل لما إذا كانت القيمة أقلّ من الدينار.

(١) فإنّ العبرة كما تقدّم في المعدن والكنز ببلوغ ما أُخرج بالغوص الواحد حدّ النصاب بناءً على اعتباره ، سواء أكان ما أُخرج شيئاً واحداً أم أشياء مختلفة ، فإذا بلغ قيمة المجموع ديناراً وجب الخمس وإن تعدّدت الحقيقة ، كما لو استخرج في غوص واحد لؤلؤة ومرجاناً.

(٢) تشكل المساعدة على ذلك ، لمنافاته مع ظهور الدليل في الانحلال وأنّ كلّ فرد من أفراد الغوص أو الإخراج موضوعٌ مستقلّ للحكم بحياله في مقابل الآخر كما تقدّم في المعدن والكنز. إذن لا موجب لضمّ ما أُخرج في غوص إلى ما أُخرج في غوص آخر ، كما لا يضمّ ما أُخرج من معدن إلى ما أُخرج من معدن آخر كما مرّ.

نعم ، لا يبعد ما ذكره (قدس سره) فيما إذا توالت الغوصات بحيث عُدّ المجموع غوصة واحدة ، وأمّا مع الفصل الطويل كما لو غاص مرّة في اليوم الأوّل وأُخرى في اليوم الثاني فملاحظة الضم عندئذٍ في غاية الإشكال ، لعدم انسجامه مع استظهار الانحلال حسبما عرفت.

(٣) عملاً بإطلاق الدليل الظاهر في أنّ الاعتبار بما أُخرج في غوص واحد

١١٤

ويعتبر بلوغ النصاب بعد إخراج المؤن كما مرّ في المعدن (١) ، والمخرَج بالآلات من دون غوص في حكمه على الأحوط (٢) ، وأمّا لو غاص وشدّه بآلة فأخرجه فلا إشكال في وجوبه فيه. نعم ، لو خرج بنفسه على الساحل أو على وجه الماء فأخذه من غير غوص لم يجب فيه من هذه الجهة ، بل يدخل في أرباح المكاسب ، فيعتبر فيه مئونة السنة ولا يعتبر فيه النصاب.

______________________________________________________

وإن كان الغائص اثنين ، فإذا اشترك اثنان أو أكثر فغاصا معاً وأخرجا شيئاً واحداً في غوص واحد وجب فيه الخمس إن بلغ قيمة المجموع ديناراً وإن لم يبلغ قيمة حصّة كلّ منهما كما تقدّم ذلك في الكنز ، بخلاف ما إذا لم يكن هناك اشتراك فغاصا وأخرج كلّ منهما شيئاً لنفسه ، إذ لا يحتمل الضمّ حينئذٍ كما هو واضح.

(١) ولكنّك عرفت ثَمّة أنّه لا دليل عليه ، وإنّما دلّ الدليل على أنّ ما يجب إخراجه هو خمس الباقي بعد استثناء المئونة.

(٢) تقدّم أنّ المستظهر من نصوص الباب أنّ لعنوان الإخراج من البحر موضوعيّة في تعلّق الخمس استقلالاً كعنوان الغوص ، وهو متحقّق فيما أُخرج من البحر بالآلات من دون غوص كما لا يخفى.

كما أنّ الأمر كذلك فيما لو غاص في البحر وشدّ ما أخذه منه بحبل مثلاً ثمّ خرج من البحر وجرّ الحبل بما معه فأخرجه ، إذ هو إخراج من البحر بلا إشكال.

والظاهر انطباق عنوان الغوص عليه أيضاً ، إذ يصدق عرفاً أنّه قد أخرج شيئاً بالغوص ، لعدم مدخل للمباشرة وعدم توسّط الآلة في هذا الصدق ، بل تكفي الحيازة تحت الماء ، فيجب فيه الخمس وإن خصصناه بعنوان الغوص ومنعنا عن ثبوته بعنوان الإخراج من البحر.

١١٥

[٢٨٩٧] مسألة ٢١ : المتناول من الغوّاص لا يجري عليه حكم الغوص إذا لم يكن غائصاً ، وأمّا إذا تناول منه وهو غائص أيضاً فيجب عليه إذا لم ينو الغوّاص الحيازة ، وإلّا فهو له ووجب عليه الخمس (١).

[٢٨٩٨] مسألة ٢٢ : إذا غاص من غير قصد للحيازة فصادف شيئاً ففي وجوب الخمس عليه وجهان ، والأحوط إخراجه (٢).

______________________________________________________

كما تقدّم أيضاً أنّه إذا خرج الشي‌ء بنفسه إلى الساحل فأخذه أو كان على سطح الماء فجذبه من غير غوص لم يصدق عليه عنوان الإخراج من البحر الظاهر في الإخراج من مائه لا من فضائه ، كما لم يكن من الغوص ، وهو ظاهر. فعليه لا خمس فيه من هذه الجهة وإن ثبت بعنوان الغنيمة والفائدة.

(١) قد اتّضح ممّا مرّ أنّ الضابط في تعلّق الخمس صدق التملّك بالغوص ، فمن غاص وحاز الشي‌ء وتملّكه وجب عليه الخمس.

وعليه ، فالمتناول إذا لم يكن غائصاً لا شي‌ء عليه ، بل وإن غاص وتناوله من الغوّاص إذا كان الغوّاص قد نوى الحيازة وقصد التملّك فإنّ الخمس حينئذٍ إنّما يجب على الغوّاص دون من تناوله منه.

نعم ، إذا لم يكن هو ناوياً للحيازة ونواها الغائص المتناول تملّكه ووجب عليه خمسه ، لأنّه هو المتملّك بالغوص ، ولا شي‌ء على الغائص الأوّل.

(٢) لصدق التملّك بالغوص ، الذي هو المناط في تعلّق الخمس بعد أن استملك ما صادفه لدى أخذه وإن لم يكن ناوياً للحيازة في ابتداء الغوص وإنّما غاص لغاية أُخرى من التنزّه أو العثور على ما ضاع منه في البحر ، لعدم مدخل لذلك في وجوب الخمس بمقتضى إطلاق الأدلّة.

١١٦

[٢٨٩٩] مسألة ٢٣ : إذا أخرج بالغوص حيواناً وكان في بطنه شي‌ء من الجواهر ، فإن كان معتاداً وجب فيه الخمس (١) ، وإن كان من باب الاتّفاق بأن يكون بلع شيئاً اتّفاقاً فالظاهر عدم وجوبه وإن كان أحوط.

[٢٩٠٠] مسألة ٢٤ : الأنهار العظيمة كدجلة والنيل والفرات حكمها حكم البحر بالنسبة إلى ما يخرج منها بالغوص إذا فرض تكوّن الجوهر فيها كالبحر (٢).

______________________________________________________

(١) كالصدف الذي يتكوّن في بطنه اللؤلؤ على ما قيل ، بخلاف السمكة التي ابتلعت الجوهرة من باب الاتّفاق.

والوجه في هذا التفصيل : أنّه إذا كان وجود الجوهرة في بطن الحيوان أمراً معتاداً متعارفاً فالغوص لأجل العثور على تلك الجوهرة بأخذ الحيوان لمّا كان أمراً متعارفاً شملته إطلاقات أدلّة الغوص. وهذا بخلاف الأمر الاتّفاقي فإنّه حيث لم يكن وجودها في جوف الحيوان وإخراجه لداعي الوصول إليها جارياً مجرى العادة ، فلا جرم لم يكن هذا من الغوص المتعارف ، والإطلاق منصرف عن مثله بطبيعة الحال ، فيكون حاله حال العثور اتّفاقاً على جوهرة في جوف سمكة صادها أو اشتراها في عدم الاندراج تحت إطلاقات أدلّة الغوص كما هو واضح.

(٢) قد اتّضح حكم هذا الفرع ممّا سبق ، حيث عرفت أنّ إطلاق الغوص الشامل للغوص في غير البحار من الأنهار العظيمة التي تتكوّن فيها الجواهر ويتعارف الغوص فيها للعثور عليها لا موجب لتقييده بالبحر ما عدا أحد أمرين : إمّا غلبة الغوص في البحر ، أو النصّ الدالّ على وجوب الخمس فيما يخرج من البحر. وقد عرفت أنّ شيئاً منهما لا يصلح للتقييد ، فلاحظ.

١١٧

[٢٩٠١] مسألة ٢٥ : إذا غرق شي‌ء في البحر وأعرض مالكه عنه فأخرجه الغوّاص ملكه ولا يلحقه حكم الغوص على الأقوى (١) وإن كان من مثل اللؤلؤ والمرجان ، لكن الأحوط إجراء حكمه عليه.

______________________________________________________

(١) أمّا الملكيّة فقد دلّت عليها روايتان : إحداهما عن السكوني ، والأُخرى عن الشعيري ، وكلاهما لقب لشخص واحد مسمّى بإسماعيل بن أبي زياد.

فالأُولى : ما رواه الكليني بإسناده عنه عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «قال : وإذا غرقت السفينة وما فيها ، فأصابه الناس ، فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله وهم أحقّ به ، وما غاص عليه الناس وتركه صاحبه فهو لهم» (١).

والأُخرى : ما رواه الشيخ بإسناده عنه ، قال : سُئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن سفينة انكسرت في البحر فاخرج بعضها بالغوص ، وأخرج البحر بعض ما غرق فيها «فقال : أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله ، الله أخرجه ، وأمّا ما أُخرج بالغوص فهو لهم وهم أحقّ به» (٢).

والعمدة هي الأُولى لعدم وثاقة أُميّة بن عمرو الواقع في سند الثانية وقد قُيّد الحكم فيها بما إذا تركه صاحبه ، أي أعرض عنه.

ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ما إذا كان الإعراض كراهةً له ، أو قهراً عليه لعدم تمكّنه من الوصول إليه وإن لم يكن كارهاً ، كما أنّ مقتضاه عدم الفرق أيضاً بين ما إذا عرف صاحبه أو لم يعرف ، ففي جميع ذلك يجوز للغائص إخراج المال وتملّكه.

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٤٥٥ / كتاب اللقطة ب ١١ ح ١ ، الكافي ٥ : ٢٤٢ / ٥.

(٢) الوسائل ٢٥ : ٤٥٥ / كتاب اللقطة ب ١١ ح ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٩٥ / ٨٢٢.

١١٨

[٢٩٠٢] مسألة ٢٦ : إذا فرض معدن مثل العقيق أو الياقوت أو نحوهما تحت الماء بحيث لا يخرج منه إلّا بالغوص فلا إشكال في تعلّق الخمس به ، لكنّه هل يعتبر فيه نصاب المعدن أو الغوص؟ وجهان ، والأظهر : الثاني (١).

______________________________________________________

وأمّا عدم إلحاقه بالغوص في وجوب الخمس فلما تقدّم من أنّ الظاهر من دليل الغوص اختصاصه بما تعارف إخراجه بالغوص ممّا يتكوّن في البحر ، لا ما وقع فيه من الخارج ، وكذا الحال في عنوان ما يخرج من البحر ، لانصرافه إلى ما يخرج منه ممّا يتكوّن فيه. نعم ، هو من الفوائد فيلحقه حكمها.

(١) هل المعدن المتكوّن تحت الماء المتوقّف إخراجه على الغوص يندرج في عنوان الغوص وحده ، أو المعدن وحده ، أو في كلا العنوانين؟

وتظهر الثمرة فيما إذا بلغ قيمته ديناراً فصاعداً ولم يبلغ العشرين بناءً على اعتبار النصاب في الغوص ، أو مطلقاً ولو لم يبلغ الدينار بناءً على عدم اعتباره فيه ، أمّا إذا كان بالغاً عشرين ديناراً فلا ريب في تعلّق الخمس به على أيّ تقدير.

وربّما يرجح الأوّل ، نظراً إلى أنّ الظاهر من المعدن المذكور في قبال الغوص في صحيحة ابن أبي عمير (١) هو ما لا يتوقّف إخراجه على الغوص ، فيختصّ بما يتكوّن في البرّ ، في قبال الغوص الذي هو إخراج ما يتكوّن في البحر وإن كان من المعدنيّات كالعقيق والياقوت.

وتؤيِّده رواية محمّد بن علي بن أبي عبد الله المتقدّمة (٢) ، حيث إنّها اعتبرت

__________________

(١) المتقدمة في ص ١٠٨.

(٢) في ص ١١٣.

١١٩

[٢٩٠٣] مسألة ٢٧ : العنبر إذا أُخرج بالغوص جرى عليه حكمه (١) ، وإن أُخذ على وجه الماء أو الساحل ففي لحوق حكمه له وجهان ، والأحوط اللحوق ، وأحوط منه إخراج خمسه وإن لم يبلغ النصاب أيضاً.

______________________________________________________

في وجوب الخمس فيما يخرج من البحر من اللؤلؤ وكذا الياقوت والزبرجد اللّذين هما من سنخ المعادن بلوغ قيمته ديناراً ، الذي هو نصاب الغوص.

وهذا هو الصحيح ، ومع الغضّ وتسليم فقد الترجيح والبناء على صدق كلا العنوانين على مثل ذلك فلا ينبغي التأمّل في أنّ دليل المعدن بالنسبة إلى ما بلغ ديناراً ولم يبلغ العشرين يكون من قبيل اللّابدية مقتضي لا من قبيل مقتضي العدم.

وأمّا دليل الغوص فهو بالنسبة إليه من قبيل المقتضي لثبوت الخمس ، ومن الضروري أنّ ما لا اقتضاء فيه لا يزاحم ما فيه الاقتضاء ولا ينافيه ، فالأوّل ينفي الحكم بعنوان المعدنيّة لا بكلّ عنوان ، والثاني يثبته بعنوان الغوص ، ولا منافاة بين الأمرين. ومعه ، فلا ينبغي الإشكال في وجوب الخمس في مثل ذلك بعنوان الغوص.

(١) أمّا وجوب الخمس فيه في الجملة فالظاهر أنّه لا إشكال فيه ولا خلاف ، كما نطقت به صحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العنبر وغوص اللؤلؤ «فقال : عليه الخمس» (١).

وإنّما الكلام والإشكال في أنّه هل هو عنوان مستقلّ في قبال الغوص والمعدن فيجب فيه الخمس مطلقاً وإن أُخذ من وجه الماء أو من الساحل ، أو أنّه من الغوص فيلحقه حكمه ، أو من المعدن فيجري عليه حكمه؟ فيه وجوه بل أقوال :

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٤٩٨ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٧ ح ١.

١٢٠