دراسة في علامات الظهور

السيد جعفر مرتضى العاملي

دراسة في علامات الظهور

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المركز الإسلامي للدّراسات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

ثم يأتي دور التركيز على عنصر النص ، وتأكيده بصورة قاطعة ، حتى لا يبقى عذر لمعتذر ، ولا حيلة لمتطلب حيلة.

ويكون تعاضد هذين العنصرين ، وهما : علم الإمامة ، والنص على الإمام ، هو الطريقة المثلى لنقل عنصر المبادأة والمبادرة إلى يد الإمام عليه‌السلام.

وهكذا ... يتضح : أن هذه الصدمة من شأنها أن تفتح كوة في الجدار المضروب حول عقل وفكر مجتمع يعاني من حالة مزرية من الجهل بالدين وأحكامه ، وبالإمامة والإمام ، وقد زين جدار الجهل هذا بأصباغ براقة من الشعارات الخادعة ، التي تتلبس له باسم الإسلام ، ويجد فيها وسيلة تساعده على تحقيق مآربه في الغنائم والأموال. وفي الجاه ، والهيمنة على الآخرين ، وغير ذلك. من دون أن يكون للإسلام وتعاليمه تأثير يذكر على مواقفه وممارساته العملية ...

نعم .. لقد كانت هذه الهزة الوجدانية ضرورية لأناس يتعاملون ـ في الأكثر ـ مع إمامهم المنصوص عليه من قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كخليفة له في أعناقهم بيعة ، يلزمهم الوفاء بها ، لا من منطلق الاعتقاد بإمامته ، وتنصيبه من قبل الله على يد رسوله.

ولم يكونوا وقد عرفوا الشيء الكثير عن هذا الإمام الخليفة ، ولا عن سوابقه ، وأثره في الإسلام وفي الدين.

ولم يكن بوسعه عليه‌السلام أن ينتظر إلى أن تؤدي وسائل الإقناع دورها في بث روح الإيمان وتعميقه ، ولا إلى أن تؤدي التربوية التي تحتاج إلى كثير من الوقت والجهد ثمارها في مجال التزكية والتهذيب للنفوس.

والخلاصة : إنه إذا كان حربه عليه‌السلام مع الخوارج على درجة كبيرة من الحساسية ، لما كان يمكن أن يؤدي إليه من سلبيات خطيرة في

٢١

البنية الداخلية للمجتمع ، فيما يرتبط بروحيات الناس ، ومشاعرهم وقناعاتهم ، وعلاقاتهم الاجتماعية ، ومجمل أوضاعهم ، فإن التركيز على عنصر الغيب ، وإظهار علم الإمامة يصبح ضرورة ملحة ، من أجل تلافي كثير من تلك السلبيات ، بالإضافة إلى ما سوف يتركه هذا الأمر من آثار إيجابية في مجال الفكر والعقيدة للمجتمع الإسلامي في الأدوار اللاحقة.

النموذج الثاني : الإمام الرضا عليه‌السلام والجفر والجامعة :

لقد طال بنا الحديث حول النموذج الأول إلى الحد الذي ربما يجعل القارئ يجد بعض الصعوبة في الربط بين حلقات الموضوع ، والتنسيق بين فقراته ، ولأجل ذلك فقد رأينا أن نختصر الكلام حول النموذج الثاني والثالث ، ونكتفي بالقول :

إن من الواضح : أن المأمون قد أجبر الإمام الرضا عليه‌السلام على قبول ولاية الأمر بعده. وقد أوضحنا في كتابنا : الحياة السياسية للإمام الرضا عليه‌السلام جوانب وحيثيات هذا الموضوع ، وذكرنا أيضاً نبذة عن دوافع المأمون في إقدامه على هذا الأمر الخطير.

وقد بيّنا أيضاً بعض ما يرتبط بخطة الإمام عليه‌السلام لتضييع الفرصة على المأمون ، ومنها إخباراته الغيبية عليه‌السلام عن عدم تمامية هذا الأمر ، ونلفت النظر إلى خصوص ما كتبه عليه‌السلام على الوثيقة الرسمية لولاية العهد ولاسيما قوله : « والجامعة والجفر يدلان على ضد ذلك » (١).

__________________

(١) البحار ج ٤٩ ص ١٥٣ والمناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ٣٦٥ وكشف الغمة ج ٣ ص ١٢٧ ونور الأبصار ص ١٥٧ ومآثر الأنافة ج ٢ ص ١٨٩ و الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ٢٤٥ ومعادن الحكمة ج ٢ ص ١٨٩ ومسند الإمام الرضا ج ١ ص ١٠٦ والمجالس السنية ج ٥ ص ٥٨٥.

٢٢

حيث أشار عليه‌السلام في قوله هذا إلى أحد الركنين الذين تقوم عليهما الإمامة ، ألا وهو العلم الخاص الذي تلقاه عليه‌السلام عن آبائه الطاهرين عليهم‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد أسند ذلك إلى الجفر والجامعة الذين لا يملكهما أحد سواه حتى الخليفة المأمون.

النموذج الثالث : المهدية وعلامات الظهور :

لقد روى المسلمون على اختلاف طوائفهم أحاديث كثيرة جداً عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تبلغ المئات وربما الألوف حول المهدي من أهل البيت عجل الله تعالى فرجه ، وأحواله ، وعلامات ظهوره ، وما يجري في أيامه.

وقد روي عن الأئمة الأطهار من أهل البيت عليهم‌السلام الشيء الكثير والكثير جداً من ذلك أيضاً.

ويكفي أن نذكر : أنه قد ادّعى الكثيرون المهدية لأنفسهم في حياة الصحابة والتابعين ، ثم من بعدهم ، ولم ينكر عليهم أحد ، ولا ناقشهم أي من الناس في أصل الاعتقاد بالمهدية.

وإنما انصب النقاش حول تطبيق هذا اللقب على هذا الشخص أو ذاك ، بل إن بعض من ادّعى هذا الأمر قد بايعته الأمة بمختلف فئاتها في معظم الأقطار والأمصار ، ولم يمتنع عن بيعته سوى الإمام الصادق عليه‌السلام وشيعته (١).

بل إن المعتزلة الذين أفرطوا في الاعتماد على العقل وقياس أحكام

__________________

(١) راجع كتابنا : الحياة السياسية للإمام الرضا ٧ ص ٨٢ و ٨٣ ودراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ج ١ ص ٤٧ / ٥٦.

٢٣

الشريعة وتعاليمها عليه ، لم يصدر منهم آية بادرة في نطاق الاعتراض أو التشكيك في هذا الأمر الخطير والهام. كما أن الحكام الذين يرون : أن هذا الاعتقاد إنما يعني إدانة لهم ، واعتبارهم غاصبين لمواقع ليست لهم ، لم يستطيعوا أن يثيروا أية شبهة حول هذا الأمر ، فاضطروا إلى التسليم به ، والتعامل معه على أنه أمر قطعي وثابت ، كما كان الحال بالنسبة للمنصور الذي حاول الالتفاف على الموضوع بتسمية ولده بالمهدي.

لكنّه لم يفلح كما هو معروف ومشهور (١).

الاخبارات المستقبلية في دائرتين :

ومن المفيد الإلماح هنا إلى أنّ ما ورد عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام ، من اخبارات عن أحداث مستقبلية ، وظواهر اجتماعية ، قد عُرِفَت باسم : أخبار الملاحم ، أو أخبار المنايا والبلايا ، يمكن أن يجعل ضمن دائرتين :

إحداهما : دائرة التوقيف : وما سبيله النقل عن مصدر الغيب فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ينقل لنا عن جبرائيل ، عن الله ( تعالى ) ، والأئمة عليهم‌السلام ينقلون لنا عن آبائهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن جبرائيل عن الله ( تعالى ).

وقد يعرض البداء لبعض المفردات من هذه الاخبارات ، كما سيأتي تفصيله في الفصل التالي أن شاء الله ( تعالى ).

الثانية : دائرة الخبرة : وما سبيله المعرفة الدقيقة بالظروف والأحوال ، ثم

__________________

(١) راجع كتابنا : الحياة السياسية للإمام الرضا عليه‌السلام ص ٨٢ و ٨٣ ودراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ج ١ ص ٤٧ / ٥٦.

٢٤

بالآثار والنتائج. من دون أن يكون ثمة حاجة إلى التوقيف.

فإذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام عليه‌السلام هو الأعرف والأدرى بحقيقة الظروف والأحوال التي تمرُّ بها الأمة ، وقد عَرَّفَ الناس ، بظروفهم وحالاتهم ، ووقف على حقيقة خصائصهم ومستوياتهم ، وطريقة تفكيرهم ، ونوع طموحاتهم ، وطبيعة تحركاتهم ، فإنه سوف يكون بمقدروه رسم آثارها ، ونتائجها بحسب ما لها من تدرُّج طبيعي ، وفق المعايير الواقعية ، التي يعرفها عليه‌السلام ويدركها أكثر من أي إنسان آخر ، ويكون إخباره عليه‌السلام بذلك على حدّ إخبار الطبيب الخبير بما ستكون عليه حالة رجلٍ قد جلس في حرّ الهاجرة ثلاث ساعات مكشوف الرأس ، تصهره أشعة الشمس.

فإذا أخبر بصورة قاطعة بالحالات والعوارض التي ستنتاب هذا الشخص ، فسوف يتحقق ما يخبر به جزماً وحتماً.

ولتكون إخبارات الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي كان من أعرف الناس بزمانه وأهله عمّا ستكون عليه الحال لو حكم الأمة بنو أمية ـ لتكن ـ من هذا القبيل ، فقد قال عليه‌السلام :

« .. وأيم الله ، لتجدُنّ بني أميّة لكم أرباب سوء بعدي ، كالنّاب الضروس ، تعذم بفيها ، وتخبط بيدها ، وتزبن برجلها ، وتمنع ردّها. لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعاً لهم ، أو غير ضائر بهم. ولا يزال بلاؤهم ، حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلا كانتصار العبد من ربّه ، والصاحب من مستصحبه ، ترد فتنتهم شوهاء مخشية ، وقِطَعاً جاهلية. ليس فيها منار هدى ولا علم يرى » (١).

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ ص ١٨٣ و ١٨٤ والبحار ط قديم ج ٨ ص ٥٥٨ والغارات ج ١ ص ١٠ فما بعدها.

٢٥

وقال لما رفع أهل الشام المصاحف :

« أيها الناس ، إني أحق من أجاب إلى كتاب الله ، ولكن معاوية ، وابن أبي معيط ، وابن أبي سرح ، وابن مسلمة ، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، إني أعرف بهم منكم ، صحبتهم صغاراً ورجالاً ، فكانوا شر صغارٍ وشر رجالٍ .. الخ .. » (١).

إلى غير ذلك من كلماته عليه‌السلام الكثيرة جداً فليراجع نهج البلاغة ، فقد جاء فيه من ذلك الشيء الكثير والشافي. مما يخبر فيه عليه‌السلام عن طبيعة هؤلاء الناس الذين عاش معهم ، وعرف أحوالهم وطموحاتهم ، ومفاهيمهم ، وطريقتهم في التفكير ، ونظرتهم للأمور ، وعرف أنهم لا يملكون من المبادئ والقيم ما يردعهم عن ارتكاب العظائم والجرائم ..

الإخبارات صادقة رغم الموانع :

ولكن ذلك لا يمنع من أن تحدث بعض التحولات والوقائع التي تمنع هؤلاء الناس من تحقيق مآربهم ، وتحد من قدرتهم على إجراء سياستهم ، فيتغير سير الأحداث ، وتعطف اتجاهها ، رغماً وقهراً وجبراً ، من دون أن تتغير الحقيقة الراهنة التي أخبر عليه‌السلام عنها .. بل هي تبقى كامنة بانتظار الفرصة السانحة ـ فأمثال هذه العوارض والموانع ليست من قبيل البداء ، لأن المقصود هو الإخبار عن طبيعة هؤلاء الناس ، وهذه الطبيعة لم تتغير ، بل حدث مانع من تأثيرها على صعيد الواقع فليست هي من قبيل ما لو حدث زلزال أو جفاف وقحط ، مثلاً يزعزع الحالة القائمة ، ويدفع بالناس إلى مواجهة

__________________

(١) البحار ج ٣٢ ص ٥٣٢ ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ٢ ص ٢١٦ وصفين للمنقري ص ٤٨٩ ، وينابيع المودة ج ٢ ص ١٣ ، وراجع نظائر ذلك في شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١ ص ٣٣٢ والثقات ج ٢ ص ٣٥١ والبحار ج ٣٢ ص ٥٤٦.

٢٦

أزمات عاطفية ، أو إنسانية ، أو اقتصادية ، وحتى إجتماعية وسياسية تترك آثارها على مجمل حياة الناس ، وعلى واقعهم في المجالات المختلفة ، ويحدث من ثَمَّ خلل في حالات التوازن القائمة وتحدث تغييرات رئيسية في كثير من الطموحات ، والتوجهات ، والمواقف ، والخطط على الصعيدين الخاص والعام على حد سواء.

فاتضح مما تقدم : أن حدوث هذه المفاجآت لا يقلّل من قيمة تلك الإخبارات ، التي جاءت نتيجة طبيعية لعملية رصدٍ دقيقة وعميقة لكل الواقع الذي يعيشه الناس ، ويتعاملون معه ويتحركون فيه ..

حيث لابدّ من أخذها بعين الاعتبار في كل تخطيط مستقبلي هادف إلى إحداث تغيير جذري لصالح الاتجاهات السليمة والخيّرة على صعيد الأمة بأسرها.

بل ليس من قبيل المجازفة القول : إنّ تلك المفاجآت التي ألمحنا إليها ، تؤكد قيمة تلك الاخبارات المستقبلية وتعززها إذا كان من شأنها أن تعالج بعض الآثار السلبية التي تتمثل في حدوث ارتكاز عفوي نشأ عن محض العادة والألفة بالمحكومية والخضوع للتيار العام ، من دون أن يملك هذا الارتكاز المبررات الكافية له في متن الواقع. وتكون نتجية ذلك هي أن يسير الإنسان في صراط الاستسلام إلى تيار يشعر أنه لا يملك معه أي خيار. في حين أنه يملك كل الخيارات في صنعه وفي تحويل اتجاهه. وليس ما يحس به إلا شعور كاذب ، ومحض سراب.

وعلى هذا فإن تلك المفاجآت تأتي لتؤكد للإنسان أن كل شيء قابل للتغيير ، وأن عليه أن لا يستسلم ولا يستكين ، وليكتشف ـ من ثم ـ أنه إنما كان أسير خيال زائف وأوهام بالية وأنه يملك من القدرات والخيارات ما يجعله قادراً على التأثير في كل ما يحيط به ، وعلى توجيه الأمور أنى شاء وحيثما يريد.

٢٧

الإمام ، وإدارة شؤون الأمة :

وبعد ما تقدم نقول : إذا نظرنا إلى أمر الإمامة والإمام من زاوية أخرى.

فإننا نجد من جهة : أن من مهمات الإمام : تعليم وتربية الأمة ، وله وحده حق الحاكمية عليها وإدارة شؤونها ، والهيمنة على مسيرتها. والإمام هو ذلك الإنسان الحاضر ، والناظر ، والراصد لحركة الإسلام في الناس ، والشاهد على الناس في مدى استجابتهم للإسلام ، وتفاعلهم معه ، ووفائهم أو عدم وفائهم ، للحق وللدين ، والمثل العليا.

وكلّ ذلك يؤكّد على أنّ وجود الإمام في كلّ عصر وزمان يصبح ضرورة لابُدّ منها ، ولا غنى عنها ، لتحقيق الأهداف الإلهيّة ، بحصول الإنسان على السّعادة ، ووصوله إلى درجات القرب والرضى منه سبحانه وتعالى.

ومن جهة ثانية : فإنّ الأئمة حين يمارسون دورهم ، ويقومون بأعباء الإمامة ومهمّاتها ، فإنّما يفعلون ذلك في دائرة السنن الإلهية الجارية ، وبالطّرق الطبيعيّة ، ولم يكونوا ليفرضوا سلطتهم ، وهيمنتهم ، وحاكميّتهم على الناس بأسلوب إعجازي قاهر. لأن هذا من شأنه أن يضيّع الكثير من الأهداف الإلهية المتوخاة في نطاق مسيرة الإنسان نحو الكمال بصورة طوعيّة ، واختياريّة ، متجاوزاً كلّ ما يعترض طريقه من أشواك وعوائق.

وإذا كان كذلك فإن من الطبيعي أن تعرض لهم عليهم‌السلام المحن والرزايا ، والهموم ، والبلايا ، وأن تعترضهم المشكلات والمصائب ، وتعتورهم النوائب والمتاعب ، ثم أن يواجهوا ذلك بما توفّر لديهم من وسائل يمكن أن تساعدهم على تجاوز المحنة ، وتذليل الصعاب ، فينجحون في ذلك ، وقد تحجب الظروف ذلك النجاح.

ومن جهة ثالثة : فإن مجرّد وجود الأئمة عليهم‌السلام ، وحاكميّتهم

٢٨

المنصوصة ، وطبيعة دعوتهم ورسالتهم كل ذلك يتناقض بصورة أساسية مع حاكمية الطّواغيت والجبابرة ، وأصحاب الأهواء والمطامع ، ولذا ... فقد كان من المألوف والطبيعي أن نجد هؤلاء القادة والطغاة والمنحرفين يبغون للأئمة والأنبياء الغوائل ، ويحاولون إطفاء نور الله ، بشتى الوسائل ومختلف الأساليب.

ولقد قتلوا بعضهم بالسيف ، كما كان الحال بالنسبة لأمير المؤمنين علي ، وولده الحسين ( صلوات الله وسلامه عليهما ) ، ومن قبلهما يحيى بن ذكريّا ، وغيره من الأنبياء ، وأوصيائهم.

وقتلوا فريقاً آخر بالسم ، كما كان الحال بالنسبة للإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام وغيره من الأئمة المعصومين ، ( صلوات الله عليهم أجمعين ). حتى إذا عجزوا عن ذلك لجأوا إلى زجهم بالسجون ، وإلحاق أنواع الأذى بهم والتضييق عليهم وعلى شيعتهم ومحبّيهم ، بكلّ قسوة وجفاء.

لماذا إثنا عشر إماماً فقط ؟!

وإذ عرفنا ضرورة الإمامة ، وضرورة وجود الإمام في كلّ عصر وزمان. وعرفنا أيضاً السنّة الإلهيّة في طبيعة عمل الإمام في الأمّة ، فإننا نذكّر هنا بالشيء الذي تدخلت فيه الإرادة الإلهيّة واقتضته المشيئة الربانيّة وهو أن لا يزيد عدد الأئمّة الأطهار على الاثني عشر إماماً ، ولا ينقص عن عدد نقباء بني إسرائيل.

ولم تُترك هذه القضيّة للزمن ، بحيث كلّما مات إمام أو قتل ، خَلَفَهُ إمامٌ آخر ، لأن تركها إلى الزمن لسوف يزيد الأمر تعقيداً ، ويجعل الأطروحة الإلهيّة الإسلامية في معرض الخطر الأكيد ، وذلك حينما يكون ذلك سبباً في بلبلة أذهان الناس ، وتحيّرهم ، وفي ضياعهم وتمزّقهم ، ثم في ظهور الكثير من الجهالات والأباطيل باسم الدين والإسلام ، وعلى حساب الصواب والحق ..

٢٩

وحيث تصبح الفرصة في متناول أيدي أصحاب الأطماع ، وطلاب اللبانات ، لادّعاء الإمامة ، وتضليل الناس ، والتّلاعب بالدّين وأحكامه ، وظهور البدع ، وضياع الحق ، حتى ليصير الوصول إليه أمراً مستحيلاً أو يكاد.

ولا ننسى : أنّه إذا شعر الحكّام أنّه ليس ثمة ما يجبرهم على اتّخاذ جانب المرونة والحذر (١) ، وأنّهم يمتلكون القوة الكافية للقضاء على مصدر الخطر عليهم ، واستئصاله بصورة نهائية وقاطعة ، فإنّهم سوف يبادرون إلى ذلك ـ حسبما ألمحنا إليه ـ ولسوف تعصف رياح حقدهم لتقتلع كل المنجزات التي هي حصيلة جهد وجهاد الأنبياء والأوصياء ، وكل الناس الذين أخلصوا لله سبحانه من جذورها حتى وكأن شيئاً لم يكن ..

ولأجل هذا وذاك ، ووفقاً لمقتضيات الحاجة ، وانسجاماً مع الضّرورات التي يفرضها هذا الواقع وغير ذلك من حيثيات تربويّة وغيرها ، فقد حدّد النص الوارد عن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله عدد الأئمة من بعده وبيّن أسماءهم. وخرجت السنّة الإلهيّة عما هو المألوف.

فاقتضت الحكمة أن يطول عمر الإمام الثاني عشر بانتظار أن تسنح الفرصة للقيام بالحركة الإصلاحيّة الشاملة ، وعلى مستوى العالم بأسره.

وحتى مع هذا التّحديد ، وذلك النص الصريح فإنّ الساحة الإسلامية لم تسلم من ادّعاءات كاذبة لمقام الإمامة ، فقد ادّعيَ هذا المقام لزيد بن علي بن الحسين عليه‌السلام ، ولمحمّد بن الحنفية ، ولإسماعيل بن الإمام الصادق عليه‌السلام ، وادّعاه أيضاً جعفر الموسوم « بالكذّاب » ، بالإضافة إلى آخرين ..

ولكن ذلك لم يكن من الخطورة بحيث يخشى منه على المسار العام.

__________________

(١) كما كان الحال في صدر الإسلام ، حينما كانوا يحكمون الناس باسم الإسلام ، وبعنوان الخلافة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣٠

وهو أمر قابل للتحمل في مقابل المفاسد الأكبر والأخطر ، التي سوف تنشأ عن ترك الأمر مستمرّاً عبر المقاطع التاريخية المختلفة ، من دون تحديده بعددٍ معيّن ، وبأشخاص بأعيانهم وأسمائهم.

وباستطاعتنا أن ندرك : أنّ الحصر باثني عشر إماماً كان ضروريّاً من خلال تطابقه مع الحاجة التي كانت قائمة على صعيد الواقع ، فإننا إذا درسنا بعمق طبيعة الفترة التي عاشها الأئمة في القرون الثلاثة التي تلت وفاة الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإننا سوف ندرك : أن الأمة قد استطاعت في هذه الفترة أن تستوعب عملياً جميع مناحي التشريع ، ومختلف مراميه وأهدافه على مستوى الاتجاه العام ، وأن تعيش التجربة في شتى المجالات ، ومختلف الأبعاد ، حيث مرورها بالأدوار المختلفة ، وتشعّب مناحي الحياة التي تعيشها ، ثم تشبُثها بأسباب المدنية ، والحضارة ، واتصالها بغيرها من الأمم المختلفة ونموّها وتكاملها في المجالات الفكريّة ، والسياسية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية وغيرها ـ إن ذلك كلّه ، كان عاملاً مساعداً إلى درجة كبيرة على فهم أعمق للإسلام ولمفاهيمه السياسية ، والتربويّة والتشريعيّة ، وغيرها.

المهدية في موقعها الطليعي والطبيعي :

وبملاحظة جميع ما تقدم : وبعد وصول الأمة إلى درجة النضج ، وبلوغها مرحلة سن الرشد ، فكريّاً واجتماعياً و .. و .. ولو بواسطة تربية شريحة من أبنائها ، تكفي في تحقق إمكانية معرفة الناس للحق ، والحقيقة ، وعن طريق التفاعل مع هذه الشريحة ، والمراودة الفكرية لها.

وكذلك بعد أن يستشعر الطغيان الخطر الذي يتهدده من قِبَل ذلك الذي يعرف أنه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، فإن غيبة هذا الإمام ، واتخاذه موقعاً

٣١

آخر يمكنه فيه مواصلة الاتصال بالأمة ، والتعامل معها ، ولو من خلال سفرائه ووكلائه الخاصّين والعامّين ، وغير ذلك من وسائل تقع تحت اختياره ـ إن هذه الغيبة ـ تصبح هي الأمر الواقع الذي لابد من قبوله ، والتعامل معه بطريقة ليس فقط تجعل هذه الغيبة لا تؤثر سلباً على مسيرة الصلاح والإصلاح ، وإنما تكون عاملاً لاستمرار هذه المسيرة بقوة أشد ، وفاعلية وحيوية أكثر.

ولولا هذه الغيبة فإن فرص العمل ، والحفاظ على المنجزات التي هي ثمرة جهاد وجهود الأنبياء والمخلصين عبر التاريخ البشري ، لسوف تتقلص وتصل إلى درجة الصفر ، ليس فقط من حيث وضع العراقيل والعوائق في وجه العمل والعاملين. من حيث أن الحكام والمستبدين سيواجهونهم بكل الوسائل المتاحة لهم لتدمير كل شيء ومحاولة القضاء على الأطروحة بأسرها من خلال القضاء على محورها ومصدرها الأول ، وقلبها النابض ، المتجسد في الإمام والرمز.

علامات الظهور في خدمة الهدف :

وأخيراً .. فإن مما يساعد على حفظ الهدف الكبير ، وتحقيق النتائج المتوخاة وله دوره في الحفاظ على الروح والحيوية الفاعلة والمؤثرة ، هو إبلاغ الناس بعلامات الظهور ، حيث لابد أن ترهق المشكلات والمتاعب والمصاعب روح كثير من العاملين ، وتُمْنى بالإحباط عزائمهم وبالخور هِممهم ، وتصاب بالأذى مشاعرهم ، وتذبل شيئاً فشيئاً زهرة أملهم.

فرؤية بعض تلك العلامات يتحقق على صفحة الواقع ستشحذ العزائم ، وتستنهض الهمم ، وتثير المشاعر ، وتكون بمثابة ماء الحياة ، الذي يعيد لتلك الزهرة الذابلة نموها ، ويسبغ عليها رواءها ، ورونقها ، ويزيد في بهجتها.

وهذا ما حصل بالفعل عبر التاريخ .. ودراسة حياة الأمة الإسلامية عبر عصورها المختلفة خير شاهد على ما نقول ..

٣٢

الفصل الثاني

علائم الظهور في تقييم عام

٣٣
٣٤

الظاهرة المألوفة :

إن من الأمور التي أصبحت مألوفة لنا : أن نجد كثيرين من الناس حين يواجهون الأزمات ، ويجدون أنفسهم وجهاً لوجه مع الأحداث الكبيرة ، والخطيرة ـ نجدهم ـ يظهرون اهتماماً متزايداً بقضية الإمام المهدي ( عجل الله فرجه ) وبعلائم الظهور ، ويبحثون عن المزيد مما يمنحهم بصيص أمل ، ويلقي لهم بعض الضوء على ما سيحدث في المستقبل القريب أو البعيد.

ومن هنا .. فإننا نجد عدداً من الكتاب والمؤلفين يحاولون الاستجابة لهذه الرغبة الظاهرة ، ويبذلون جهوداً كبيرة لترسيم مستقبل الأحداث وفق ما يتيسر لهم فهمه من النصوص الحاضرة لديهم. تلك النصوص التي جاء أكثرها غامضاً وغائماً ، اختلط غثها بسمينها ، وصحيحها بسقيمها ، وتعرض كثير منها للتحريف ، وزِيدَ فيه أو نُقِّصَ منه ، هذا عدا عن الكثير مما اختلقته يد الأطماع والأهواء ..

وستأتي الإشارة إلى بعض منه في ثنايا هذه البحث إن شاء الله ( تعالى ).

الانحراف الخطير :

وإننا وإن كنا نعتبر لجوء الناس إلى الدين وإلى النصوص الدينية ، وشعورهم بأنه هو الذي يملك الإجابات الصحيحة على كثير من تساؤلاتهم ، ولديه الحلول الجذرية لما يعانون منه ، من مشكلات ، وبلايا. إلا أن تعاملهم في خصوص الاخبارات الغيبية ، وبالأخص مع قضية الإمام المهدي ( عجل

٣٥

الله فرجه ) ، قد جاء لينذر بانحراف خطير في المجال العقائدي ، فضلاً عن المجال العلمي ، وذلك حينما اقتصر على زاوية واحدة منه ، وهي تلك التي تشغل بال الناس ، وتستأثر باهتمامات الكثرة الكاثرة منهم ، ألا وهي علامات ظهوره عليه‌السلام وما رافق ذلك من إخبارات غيبية بما سيحدث في آخر الزمان. أو في طول الزمان الممتد من عصرهم صلوات الله وسلامه عليهم إلى حين ظهور الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه ..

وقد استبطن ذلك إهمال سائر مفردات ومجالات التعامل مع هذه القضية حتى أصبحت في عالم النسيان ، لا تكاد تخطر لأحد منهم على بال ، ولا تمّر له في خاطر ، رغم أنها هي الأهم والأكثر مساساً بحياتهم وبوجودهم ، وعلى رأسها التعامل معه كقائد للمسيرة ، ومهيمن على السلوك ، والموقف ، وموجّه لها ..

وهكذا .. لم يعد الإمام المهدي بالنسبة إلى الكثيرين منا هو ذلك الإمام الحاضر والناظر ، الذي يعيش من أجل قضية ، ويعمل ويضحّي ، ويدعونا إلى العمل والجهاد والتضحية من أجلها وفي سبيلها.

كما أننا لم نعد نحمل هُمومه كما يحمل هو هُمومنا ، ولا نشعر معه كما يشعر هو معنا ، ولا نرقب حركتنا معه كما يرقب هو حركتنا ، ولا نتوقع منه ، ولا نريد أن يتوقع منا أي عمل إيجابي تجاه القضية الكبرى التي يعيشها ، ويجاهد ويعاني في سبيلها وفي قضيتنا قضية الإسلام والإنسان ، وهي القضية الأكثر أهمية وحساسية بالنسبة لنا ، لأنها تمس وجودنا ومستقبلنا ومصيرنا في الصميم.

وطبيعي أن يترك هذا التعامل منا مع موضوع الإمام المهدي ( عجل الله فرجه ) آثاره السلبية ، والخطيرة على مجمل الحياة التي نعيشها لأنه يمثل انفصالاً حقيقياً عن القيادة ، وعن القائد من جهة ، ولأنه يضع المزيد من

٣٦

العقبات والمصاعب في طريق القائد نفسه.

هذا ... بالإضافة إلى أنه يسلب منه عنصر المبادأة والمبادرة في معالجة الأحداث ، ومواجهة التحديات ، من جهة أخرى.

الانحراف يتضاعف :

وحتى فيما يختص بذلك الجانب الخاص ويرتبط بتلك الزاوية المحدودة التي آثرناها على كل ما هو سواها وهي الاخبارات المستقبلية وعلامات الظهور فإن تعاملنا معها قد جاء بصورة خاطئة بدرجة كبيرة ، وذلك حينما نجد أنفسنا في موقع المستسلم الخاضع لأمور يراها حتمية ولا مناص منها ، فهي القضاء المبرم ، والقدر اللازم. الأمر الذي من شأنه أن يرسخ فينا الشعور بالإحباط والانهزام ، والعجز ، ما دمنا نجد أنفسنا في مواجهة أمر خارج عن اختيارنا ، لا نملك دفعه ، ولا التأثير فيه.

ومن جهة ثانية : فإن ذلك يبعث فينا الشعور بالرضى ، وببراءة الذمة حيث لم نعد نتحمل أية مسؤولية ، ولا يطلب منا ، أو فقل ليس من الصحيح أن يطلب منا تسجيل أي موقف تجاه الأحداث ، والمستجدات مهما كانت.

وإذن .. فلا مكان بعد هذا للشعور بالذنب ، ولا بالتقصير ، إذا تركنا الفساد يستشري والظلم يسود ويهيمن. بل يكون التصدي لذلك حتى في أدنى درجاته ، وأسلم عواقبه هو الذنب وهو الجريمة حيث إنه يمثل اعتراضاً على إرادة الله سبحانه ، وهو من ثم إلقاء للنفس في التهلكة ، أو إهدار للطاقات بلا مبرر ظاهر ، ولا سبب وجيه.

وقد نشعر أن من مسؤولياتنا بث هذا النوع من الفهم وتعميمه حرصاً منا على مصلحة المسلمين ، وعملاً بالتكليف الشرعي الموهوم !!.

ولا نجد حرجاً بعد هذا في أن نتتبع الروايات لنستخلص منها بعض ما

٣٧

يفيد في معرفة بعض ما سيحدث عن قريب ، ونوزع الاخبارات الغيبية والتنبؤات هنا وهناك ونبثها بين الناس ، لتثير بعضاً من فضولهم ، وتستأثر بشيء من عجبهم أو إعجابهم ..

الأئمة واقفون على سلبيات الأمر :

وفي اعتقادنا : أن أئمتنا ( صلوات الله عليهم ) كانوا يدركون : أن هذا النوع من الأخبار التي تصدر عنهم ، وإن كانت له إيجابياته الكبرى إلا أن له أيضاً سلبيات من نوع آخر ، لابد من التصدي لها ومعالجتها ، والحد من تأثيراتها قدر الامكان.

وذلك لأن هذا الموضوع جذاب ، يستهوي أصحاب الأهواء والطموحات ، خصوصاً أصحاب الدعوات الباطلة والزائفة منهم ، ممن يريدون تكريس دعواتهم تلك بالأساليب الملتوية وبالادعاءات المثيرة لفضول الناس العاديين ، وتستأثر باهتماماتهم. شريطة أن لا يجرؤ أحد على تكذيبها بصورة صريحة ولا حتى التشكيك فيها ، وذلك بسبب ما تثيره فيهم من شعور مبهم بالخوف والوجل تجاهها. فإن أصحاب الطموحات والدعوات الباطلة يدركون جيداً أن الإنسان العادي لا يملك إلا الاستسلام للغيب ، والانهزام أمام المجهول ، ومحاولة التحرز منه ومن أخطاره المحتملة ..

وهذا بالذات هو ما يضعف مقاومة الناس العاديين أمام تلك الدعوات مهما كانت غائمه ، وغير واضحة المعالم ، أو غير منسجمة مع أحكام العقل ، ومقتضيات الفطرة. كما أن ذلك من شأنه أن يبعدهم ويصرفهم عن التفكير في ماهيتها الحقيقية ، وفي صلاحها وفسادها ..

وبعد ما تقدم .. فإنه يصبح من الطبيعي أن يكثر الاختلاق والوضع في مجال الاخبارات الغيبية المستقبلية ، وفي علامات آخر الزمان ، التي يرصد

٣٨

الناس فيها مستقبلهم ومصيرهم.

ولسوف تصاغ بقوالب خادعة ومطاطة وغامضة ليمكن الاستفادة منها في الموقع المناسب.

ما هو الحل ؟! :

وكل ما تقدم يحتّم ويُلزم بوضع حلّ لهذا المشكل ، تُتَلافى معه تلك السلبيات مع الحرص على أن تؤدي تلك الاخبارات الغيبية الصادرة عن المعصومين عليهم‌السلام دورها الذي كانت من أجله ..

وقد بادرواعليهم‌السلام إلى وضع حل يضمن ذلك بصورة تامة ودقيقة وقد جاء منسجماً تماماً مع الهدف الذي ترمي إليه الاخبارات الصادرة عنهمعليهم‌السلام.

وقبل التعرض لهذا الحل نشير إلى حقيقة هامة ، إذا أدركناها فإنه يسهل علينا معرفة صوابية ذلك الحل الذي قدموه ( صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ).

الفرق بين ما وقع وبين ما سيقع :

وهذه الحقيقة هي : أن المعصومين ( عليهم الصلاة والسلام ) ما كانوا باخباراتهم تلك يريدون ربط الناس بما سيقع ، من أجل أن يستغرقوا فيه. أو ليكون ذلك عذراً أو مبرراً للوقوف على هامش الساحة في موقع المتفرج.

إن لم يصبح عبئاً يثقل كاهل العمل المخلص والجاد ، ويثقل خطب العاملين كذلك.

هذا كله .. عدا عما يمارسه الكثيرون ممن لديهم هذا الفهم من دور سلبي في مجال التثبيط ، وإيجاد حالة من الفشل والإحباط. وقد يتعدى ذلك إلى إيجاد الانقسامات والاختلافات التي تستهلك الطاقات ، وتستنفد الهمم

٣٩

والعزائم ، ليصبح العدو ـ من ثم ـ أقدر على توجيه الضربات الساحقة ، والماحقة ، لكل جهد مخلص ، أساسي وبنّاء.

نعم .. إنهم : ما كانوا يريدون ربط الناس بما سيقع ، وإنما بما وقع. أي أنهم يريدون للناس أن يستفيدوا مما وقع ومضى لينعش بهم الأمل ، ويشحذ الهمم والعزائم ليمنحهم اليقين ، ويهب لهم حالة السكون والركون إلى الحق ، والارتباط العاطفي والشعوري بقائد المسيرة ورائدها ، بعد الانتهاء من مرحلة الارتكاز العقائدي المستند إلى القناعات الناشئة عن وسائل الإثبات للأصول والمنطلقات الأوليّة في مسائل الإمامة على صعيد مفاهيمها الأساسية من جهة ، وعلى صعيد التجسيد الحي في المثل الحي للإمامة الحاضرة ، من جهة أخرى.

ولا شك في أن وجود هذا الارتباط العاطفي والشعوري ، وذلك السكون والركون يصبح ضرورة ملحة ، حينما يبدو أن الناس قد بدأوا يتعاملون مع قضية الإمام المهدي كمرتكز عقائدي ، لا يملك من الروافد الشعورية والعاطفيّة إلا القليل القليل ، الذي لا أثر له في موقع الحركة ، وتسجيل الموقف.

فالمطلوب إذن ، هو أن يسهم ما وقع في بعث الأمل ورفع درجة الإحساس ، والشعور والارتباط بالقائد وبالقيادة إلى مستوى أعلى وأكثر حيوية وفاعلية فيه الكثير من الجدّية ، والمزيد من العطاء. ويعمق في الإنسان المسلم المزيد من الشعور بالمسؤولية ، والإحساس بالرقابة ، ليعيش في رحاب الإمامة بكل ما فيها من معان ، وكل ما تمثله من عطاء ، في مجال الحركة والعمل والسلوك والموقف ، وفي جميع مفردات حياته التي يعيشها.

٤٠