موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

لكن إن دفع إلى المولى واتّفق عجز العبد عن باقي مال الكتابة في المشروط فردّ إلى الرقّ يسترجع منه ، كما أنّه لو دفعها إلى العبد ولم يصرفها في فكّ رقبته لاستغنائه بإبراء أو تبرّع أجنبي يسترجع منه (١). نعم ، يجوز الاحتساب حينئذٍ من باب سهم الفقراء إذا كان فقيراً (٢) ولو ادّعى العبد أنّه مكاتب أو أنّه عاجز فإن علم صدقه أو أقام بيّنة قبل قوله ، وإلّا ففي قبول قوله إشكال (٣).

______________________________________________________

للعبد كما لا تجب عليه. إذن فلا تدفع إليه إلّا بعنوان التوكيل عن الدافع ، ومقتضاه وجوب الردّ لو انعتق قبل أداء مال الكتابة بسبب آخر من إبراءٍ أو تبرّعٍ ونحوهما.

ومن البيّن أنّ الاحتمال المنسوب إلى الشيخ الآنف الذكر على تقدير تسليمه غير جارٍ في المقام ، ضرورة أنّ الدفع إلى المولى كان بعنوان التمليك ، غايته بالنحو المشروط دون المطلق ، وأمّا إلى العبد فلم يكن كذلك حتّى بهذا النحو ، وإنّما هو واسطة بحت ووكيل في الإيصال فحسب ، ومع حصول العتق قبل ذلك ينعدم موضوع الوساطة والوكالة بطبيعة الحال ، ومعه لا مناص من الردّ.

(١) كما اتّضح الحكم في كلا الموردين ممّا سبق.

(٢) قد نُسب إلى المشهور ، إذ بعد أن أصبح العبد حرّا وكان فقيراً فحاله حال سائر الفقراء في جواز الدفع إليه من هذا السهم. وهذا بخلاف الصورة السابقة المحكوم فيها بالاسترجاع من المولى فإنّه لا يجوز فيها الدفع إلى العبد وإن كان فقيراً ، لما عرفت. وسيأتي مستوفى من اعتبار الحرّيّة في مستحقّ الزكاة.

(٣) وقد نُسب إلى المشهور قبول قوله مع تصديق المولى أو جهله بالحال وردّه مع تكذيبه.

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

والكلام يقع تارةً في دعوى العجز ، وأُخرى في دعوى الكتابة.

أمّا الدعوى الاولى : فلا يبعد قبولها حتّى مع تكذيب المولى ما لم يُطمأنّ بكذبها ولم تكن مسبوقة بالقدرة والغنى ، لما تقدّم في محلّه من قيام السيرة على سماع دعوى الفقير في هذه الصورة ، مضافاً إلى مطابقتها مع الأصل من غير فرق بين المقام وغيره ، لاتّحاد المناط ، حيث إنّ القدرة على التكسّب أو الغنى أمر حادث مسبوق بالعدم فيستصحب.

وأمّا الدعوى الثانية : فلا موجب لتصديق العبد مع تكذيب المولى ، والمفروض الشكّ في صدقه ولا بيّنة له كما هو واضح.

وأمّا مع جهله بالحال : فقد عرفت أنّ المشهور تصديقه ، فإن ثبت ذلك بالإجماع وإلّا فلا دليل عليه عدا دعوى أصالة العدالة ، ولا أساس لها ، على أنّها أخصّ من المدّعى ، إذ قد يكون العبد معلوم الفسق.

والقول بقبول قوله مع الحلف كما ترى ، وإن حكاه في الشرائع قولاً في المسألة (١) ، لعدم كون المقام من التنازع لتخصم الدعوى بالاستحلاف.

نعم ، لا يبعد قبول قوله مع تصديق المولى ، استناداً إلى قاعدة : من ملك شيئاً ملك الإقرار به ، فحيث إنّه يملك العبد فهو لا جرم يملك الإقرار بكتابته ولكنّه خاصّ بصورة العلم بالمولويّة والعبوديّة ، وأمّا مع الشكّ واحتمال تواطئهما على الكذب للاستفادة من الزكاة فلا مجال للقاعدة ، لعدم إحراز موضوعها.

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٩١.

٨٢

والأحوط عدم القبول (*) (١) سواء صدّقه المولى أو كذّبه ، كما أنّ في قبول قول المولى مع عدم العلم والبيّنة أيضاً كذلك سواء صدّقه العبد أو كذّبه. ويجوز إعطاء المكاتب من سهم الفقراء (**) (٢) إذا كان عاجزاً عن التكسّب للأداء ، ولا يشترط إذن المولى في الدفع إلى المكاتب سواء كان من باب الرقاب أو من باب الفقر.

الثاني : العبد تحت الشدّة (٣) ، والمرجع في صدق الشدّة العُرف (٤) ، فيُشترى ويُعتق خصوصاً إذا كان مؤمناً في يد غير المؤمن.

______________________________________________________

(١) بل عرفت أنّ الأظهر هو القبول ، فلا تقبل دعوى العجز عن الأداء ما لم يكن مسبوقاً بالقدرة بلا حاجة إلى تصديق المولى ، فلاحظ.

(٢) فيه إشكال بل منع ، لما عرفت من اعتبار الحرّيّة في مستحقّ الزكاة.

(٣) تقدّم الكلام في مستنده وفي ضعفه سنداً ودلالةً ، فراجع ولاحظ (١).

(٤) كما هو الشأن في سائر المفاهيم ، حيث يرجع إليهم في تحديد المفهوم لا في مقام التطبيق الذي قد لا يخلو عن نوع من التسامح.

والشدّة بلفظها وإن لم ترد في النصّ وإنّما الوارد فيه الضرورة ، لكن المعنى واحد ، وهي تتحقّق تارةً بالضغط على العبد أزيد من المتعارف ، وأُخرى يكون المولى صاحب معصية يكلّف العبد بها ، وثالثةً يكون العبد مؤمناً والمولى مخالفاً ، ولعلّ الأخير هو القدر المتيقّن من الشدّة عند المتشرّعة ، ولا يبعد أن

__________________

(*) الأظهر القبول ، بل لو ادّعى العجز عن أداء مال الكتابة ولم يكن مسبوقاً بالقدرة لا يبعد قبول قوله بلا حاجة إلى تصديق المولى.

(**) فيه إشكال.

(١) في ص ٧٢ ٧٤.

٨٣

الثالث : مطلق عتق العبد مع عدم وجود المستحقّ (*) للزكاة (١). ونيّة الزكاة في هذا والسابق عند دفع الثمن إلى البائع (٢) ، والأحوط الاستمرار بها إلى حين الإعتاق.

______________________________________________________

يشير إليه الماتن بقوله : خصوصاً ... إلخ ، وإن كان لا يخلو عن تأمّل ، فلاحظ.

(١) بل حتّى مع وجوده ، لإطلاق الأدلّة من الكتاب والسنّة كما تقدّم (١).

(٢) لا شبهة في أنّ وقت النيّة عند أداء مال الكتابة هو زمان الدفع إلى المولى أو إلى العبد الذي هو واسطة الإيصال إلى المولى كما تقدّم فإنّه هو زمان صدق الصرف في الرقبة.

وأمّا في القسمين الأخيرين أعني : العبد تحت الشدّة أو مطلق عتق الرقبة فهناك أُمور ثلاثة : الشراء ، ودفع الثمن إلى البائع ، والإعتاق :

أمّا الأوّل : فلا بدّ وأن يقصد به الشراء المتعقّب بالعتق ليكون من صرف الزكاة في سبيل تحرير الرقبة ، فإنّه بدونه تصرّف في المال الزكوي بغير مسوّغ شرعي ، إذ لا ولاية له على المعاملة والمبادلة من غير هذه النيّة ، وبعد هذه العملية تتبدّل العين الزكويّة بالعبد فيكون هو بنفسه مصداقاً للزكاة.

وأما الثاني : فهو وفاء بالعقد ومن شؤون نفوذ المعاملة وقانون المبادلة ، فدفع الثمن خارجاً جرى على ما اتّفقا عليه سابقاً ، ومعه لا مقتضي لمراعاة النيّة في هذه الحالة بعد أن أصبح العبد بنفسه مصداقاً للزكاة منذ وقوع العقد الصحيح.

وأمّا الثالث أعني : العتق فهو بنفسه صرف للزكاة في الرقاب ، فلا بدّ من مراعاة النيّة في هذه الحالة ، فلو قصد مطلق العتق من غير نيّة الزكاة بطل ،

__________________

(*) بل مع وجوده أيضاً.

(١) في ص ٧٦ ٧٧.

٨٤

السادس : الغارمون (١) ، وهم الّذين ركبتهم الديون

______________________________________________________

ضرورة أنّ العبد بعد أن أصبح بنفسه مصداقاً للزكاة كما ذكر فلا جرم يتعيّن عتقه بهذا القصد وتحت هذا العنوان ، إذ بدونه تصرّف في العين الزكويّة من غير مسوّغ شرعي ، فما في المتن من جعل ظرف النيّة حين دفع الثمن إلى البائع غير ظاهر الوجه.

(١) هذا في الجملة ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال ، وقد دلّت عليه الآية المباركة ، وجملة من الأخبار :

منها : صحيحة زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل حلّت عليه الزكاة ومات أبوه وعليه دَين ، أيؤدّي زكاته في دين أبيه وللابن مال كثير؟ «فقال : إن كان أبوه أورثه مالاً ثمّ ظهر عليه دَين لم يعلم به يومئذٍ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث ولم يقضه من زكاته ، وإن لم يكن أورثه مالاً لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دَين أبيه ، فإذا أدّاها في دَين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه» (١).

ومنها : موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل على أبيه دَين ولأبيه مئونة ، أيعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ «قال : نعم ، ومَن أحقّ من أبيه؟!» (٢).

ومنها : معتبرة الحسين بن علوان ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه (عليهما السلام) : «أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : يُعطى المستدينون من الصدقة والزكاة دَينهم كلّه ما بلغ إذا استدانوا في غير سرف» ، الحديث (٣).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٥٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٨ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٥٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٨ ح ٢.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٩٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٨ ح ٢.

٨٥

وعجزوا عن أدائها (١) ، وإن كانوا مالكين لقوت سنتهم (٢)

______________________________________________________

ونحوها غيرها ممّا دلّ على جواز دفع الزكاة إلى المدين لتسديد دينه بنفسه كما في الأخيرتين ، أو التسديد عنه مباشرةً من دون الدفع إليه كما في الأُولى ، حيّاً كان كما في الأخيرتين أيضاً ، أو ميّتاً كما في الأُولى.

(١) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، فلا يعطى من هذا السهم للقادر على الأداء ، إذ مع منافاته لحكمة التشريع حيث إنّ الزكاة إنّما شرّعت لسدّ حوائج المحتاجين ، وقد ورد أنّ الحاجة لو كانت أكثر لكان التشريع أيضاً أكثر تدلّ عليه صريحاً صحيحة زرارة الآنفة الذكر ، حيث فصّل (عليه السلام) بين ما إذا كان للميت مال يمكن تسديد الدين منه ، وما إذا لم يكن.

وتؤكّده الروايات الناطقة بعدم حلّيّة الزكاة للغني الواردة في الباب الثامن من أبواب المستحقّين للزكاة من الوسائل ، وبذلك يرتكب التقييد في إطلاق الآية المباركة.

(٢) فلا يعتبر الفقر الشرعي في الدفع من هذا السهم ، وإنّما المعتبر عجزه عن الأداء كما عرفت آنفاً وإن كان غنيّاً ، أي مالكاً لقوت سنته.

خلافاً لجماعة ، حيث اشترطوا الفقر في الغارم.

فإن أرادوا به الفقر اللغوي أي الحاجة المساوقة في المقام للعجز عن الأداء فتعمّ الوفاق.

وإن أرادوا به الفقر الشرعي زائداً على العجز المزبور ليترتّب عليه عدم جواز أخذ الغريم المالك لقوت سنته لا من سهم الفقراء ولا من سهم الغرماء فهذا شي‌ء لا دليل عليه ، بل صرّح العلّامة في محكيّ النهاية (١) بعدم الفائدة في هذا

__________________

(١) لاحظ الحدائق ١٢ : ١٩٠.

٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الشرط لكي يلزم الغارم المزبور بصرف قوته في سدّ دينه ليصبح فقيراً ثمّ يأخذ الزكاة باعتبار الفقر ، فلما ذا لا يأخذها من أوّل الأمر؟! وهذا الوجه كما ترى استحساني محض ولا حاجة إليه ، بل يكفينا ما عرفت من عدم الدليل على هذا الشرط ، فهو مدفوع بإطلاقات الأدلّة من الآية المباركة وكذلك الروايات الشريفة ، كقوله (عليه السلام) في موثّقة الحسين ابن علوان المتقدّمة : «يعطى المستدينون من الصدقة والزكاة» حيث إنّها لم تتقيّد بالفقر وإن لم يكن بدّ من تقييدها بالعجز كما تقدّم ، بل يمكن أن يقال بظهورها بمقتضى المقابلة بين الفقير والغارم في الكتاب والسنّة في عدم الاشتراط ، فكما لا يعتبر الفقر في سائر السهام فكذا في سهم الغارمين.

ودعوى كونه من عطف الخاصّ على العام كما ترى ، فإنّه خلاف ظاهر المقابلة لا يصار إليه من غير نصب القرينة.

نعم ، هناك رواية واحدة ربّما يستظهر منها اعتبار الفقر ، وهي ما أورده ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله (عليها السلام) عن الرجل منّا يكون عنده الشي‌ء يتسلّغ (يتبلّغ) به وعليه دين ، أيطعمه عياله حتّى يأتيه الله تعالى بميسرة فيقضي دينه ، أو يستقرض على ظهره في جدب الزمان وشدّة المكاسب ، أو يقضي بما عنده دينه ويقبل الصدقة؟ «قال : يقضي بما عنده ويقبل الصدقة» الحديث (١).

فقد يتوهّم دلالتها على أنّ من له مال يفي بمئونته وعليه دين فإنّه يصرفه في أداء دينه ليصبح فقيراً وبعدئذٍ يحقّ له أخذ الزكاة ، وليس له أخذها ابتداءً ، لعدم كونه فقيراً آن ذاك.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٩٧ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٧ ح ١ ، مستطرفات السرائر : ٧٨ / ٦.

٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ويردّه مضافاً إلى ضعف السند ، لجهالة طريق ابن إدريس إلى كتاب المشيخة ـ : أنّ الدلالة أيضاً قاصرة ، لتوقّفها على أن يكون مورد السؤال جواز أخذ الزكاة لأداء الدين مع كونه واجداً لقوت عياله ، وليس كذلك ، فإنّ هذه الجهة أمرٌ مسكوت عنه بتاتاً سؤالاً وجواباً ، وإنّما الذي يرتكز عليه السؤال هو أنّه هل يقضي دينه بما عنده ويتقبّل الصدقة ، أو أنّه يصرفه في النفقة وينتظر اليسار ولو باستقراض المال لأداء ما عليه؟ فالسؤال مسوق لتقديم أيٍّ من الأمرين المزبورين من غير نظر إلى الاستفادة من الزكاة لتسديد الدين بوجه.

والذي يكشف عنه بوضوح خلوّ الرواية عن افتراض كونه مالكاً لمئونة السنة ، لانطباقها حتّى على من كان مالكاً لقوت شهر أو شهرين فقط الذي هو فقير حينئذٍ قطعاً ، ومع ذلك حكم عليه بتسديد الدين وتقديمه على الصرف في المئونة.

وملخّص الكلام : أنّه لا دليل على اعتبار الفقر الشرعي في الغارم ، بل يكفيه عجزه عن أداء دينه حسبما عرفت.

بل يمكن أن يقال : إنّ أداء الدين من مئونة السنة فإنّها بمعنى الحاجة وهو منها ، بل قد يكون أهمّها ، فإذا لم يكن لديه ما يفي بالأداء كان فقيراً شرعاً وإن كان مالكاً لقوت سنته فيحقّ له حينئذٍ أخذ الزكاة (١).

وكيفما كان ، فإذا كان عاجزاً فعلاً عن الأداء ولكنّه قادر عليه بالتكسّب فهل يجوز إعطاؤه من سهم الغارمين؟

الظاهر هو التفصيل بين ما إذا كان الدين حالاً ومطالباً به ، وبين ما إذا كان مؤجّلاً بأجلٍ يمكنه تحصيل المال قبل حلوله أو كان حالاً ولكنّه غير مطالب.

__________________

(١) وعلى هذا يكون عطف الغارمين على الفقراء من عطف الخاصّ على العامّ ، فلاحظ.

٨٨

ويشترط أن لا يكون الدين مصروفاً في المعصية (١) ، وإلّا لم يقض من هذا السهم ،

______________________________________________________

فيجوز في الأوّل ، لصدق العجز حين الدفع ، فلا قصور في شمول الأدلّة له بعد وضوح أنّ القدرة التدريجيّة لا تنافي العجز الفعلي.

ولا يجوز في الثاني ، لانتفاء الصدق الموجب لانصراف الآية وغيرها عنه ، فإنّ الزكاة إنّما شرّعت لرفع الحاجة وسدّ الخلّة ، ولا حاجة في مفروض المسألة ، ويؤكّده ما ورد من عدم حلّيّته الزكاة للمحترف ، والقادر على الأداء بالتكسّب من أجلى مصاديق المحترف. وسيأتي التعرّض لهذا الفرع فيما بعد.

(١) على المشهور ، بل في الجواهر : لا أجد فيه خلافاً (١).

ويستدلّ له تارةً : بالإجماع الذي ادّعاه العلّامة في جملة من كتبه (٢).

وفيه : أنّ المسألة وإن لم تكن خلافيّة إلّا أنّ دعوى الإجماع التعبّدي مع وجود المدارك التي ستأتي ليس على ما ينبغي.

وأُخرى : بوجهٍ اعتباري كما في الجواهر (٣) وغيره ، وهو أنّ إعطاء الزكاة للغارم الصارف دينه في المعاصي إغراءٌ له بالقبيح وتشويقٌ له في المعصية.

وفيه مضافاً إلى أنّ الوجه الاعتباري الاستحساني لا يصلح سنداً للحكم الشرعي ـ : أنّ ذلك على تقدير صحّته أقصى من المدّعى ، لعدم شموله للتائب النادم على ما فعل والآسف فعلاً على ما صدر منه ، كما هو واضح.

وثالثةً : بانصراف الأدلّة عن الصرف في المعصية بدعوى أنّ المنسبق من

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ٣٥٧.

(٢) التذكرة ٥ : ٢٥٧ ، منتهى المطلب ١ : ٥٢١.

(٣) جواهر الكلام ١٥ : ٣٥٧ ٣٥٨.

٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الغارمين في الآية والمستدينين في الرواية هم الصارفون للدين في الأُمور المباحة من النفقة وغيرها ، دون المصروفة في سبيل الأُمور المحرّمة من القمار وشرب الخمر ونحوهما.

وفيه : أنّ هذه الدعوى عهدة إثباتها على مدّعيها ، فإنّها غير بيّنة ولا مبيّنة ، ولا سيّما فيما إذا كان الغارم تائباً نادماً كما لا يخفى.

ورابعةً : بجملة من الأخبار :

منها : رواية محمّد بن سليمان الواردة في تفسير قوله تعالى (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) (١) «قال (عليه السلام) : نعم ، ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عزّ وجلّ ، فإن كان أنفقه في معصية الله عزّ وجلّ فلا شي‌ء له على الإمام» إلخ (٢).

قال في المدارك على ما حكاه عنه في الحدائق (٣) بعد نقل الرواية ما لفظه : فإنّا لم نقف عليها مستندة في شي‌ء من الأُصول. واعترض عليه في الحدائق بأنّها موجودة في الكافي ، وتبعه المحقّق الهمداني (قدس سره) قائلاً : ليس لنا أصل أوثق من الكافي (٤). ثمّ اعتذرا عنه بعدم ظفره عليها في الباب المناسب وهو باب الزكاة ، وإنّما هي موجودة في باب الدين ولم يطّلع عليها.

ولكنّك خبير بأنّ الاعتراض في غير محلّه ، إذ هو لم ينكر أصل الوجود ، بل وجودها مستندة ، حيث قال : لم نقف عليها مستندة. وهو كذلك ، فإنّ الكافي

__________________

(١) التوبة ٩ : ٦٠.

(٢) الوسائل ١٨ : ٣٣٦ / أبواب الدين ب ٩ ح ٣ ، الكافي ٥ : ٩٣ / ٥.

(٣) الحدائق ١٢ : ١٩١.

(٤) مصباح الفقيه ١٣ : ٥٦٠.

٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

رواها مرسلة عن رجل من أهل الجزيرة.

وكيفما كان ، فالرواية مرسلة وغير صالحة للاستدلال بها وإن كانت الدلالة تامّة ، إلّا على مسلك الانجبار بعمل المشهور ، ولا نقول به.

ومنها : ما رواه في الكافي بإسناده عن صباح بن سيّابة عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : أيّما مؤمن أو مسلم مات وترك دَيناً لم يكن في فسادٍ ولا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه» إلخ (١).

وهي ضعيفة السند ، فإنّ صباح بن سيّابة مجهول لا توثيق له.

ومنها : رواية علي بن إبراهيم عن العالم (عليه السلام) : «... والغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة الله من غير إسراف فيجب على الإمام أن يقضي عنهم ويفكّهم من مال الصدقات» إلخ (٢).

وفيه : أنّ الدلالة وإن كانت ظاهرة لكن السند ضعيف ، لأنّ الفصل بين علي ابن إبراهيم وبين العالم الذي هو كناية عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) كثير لا يمكن روايته عنه بلا واسطة ، لاختلاف الطبقة ، فلا جرم تكون الرواية مرسلة.

ومنها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل عارف فاضل توفّي وترك عليه ديناً قد ابتلي به ، لم يكن بمفسد ولا بمسرف ولا معروف بالمسألة ، هل يقضى عنه من الزكاة الألف والألفان؟ «قال : نعم» (٣).

وفيه : أنّ القيود مذكورة في كلام السائل دون الإمام (عليه السلام) ،

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٠٧ / ٧.

(٢) الوسائل ٩ : ٢١١ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٧ ، تفسير القمي ١ : ٢٩٩.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٩٥ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٦ ح ١.

٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا عبرة بها.

ويعضده أنّ منها الفضل مع أنّه غير مشروط في المستحقّ قطعاً.

وبالجملة : مورد السؤال قضيّة خارجيّة محفوفة بقيود خاصّة ، والجواب عنها بالجواز لا يدلّ على نفيه عن غيرها ، فالدلالة قاصرة وإن كان السند تامّاً.

فهذه الروايات غير صالحة للاستدلال ، لقصورها سنداً أو دلالةً على سبيل منع الخلو.

والأولى الاستدلال بموثّقة الحسين بن علوان ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه (عليهما السلام) : «أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : يعطى المستدينون من الصدقة والزكاة دينهم كلّه ما بلغ إذا استدانوا في غير سرف» (١).

أمّا من حيث السند : فالظاهر أنّ الرواية معتبرة وإن عبّر عنها غير واحد بالخبر ، المشعر بالضعف ، إذ لا غمز فيه عدا من ناحية الحسين بن علوان ، ولكن الأصحّ أنّه موثّق بتوثيق النجاشي ، حيث قال في ترجمته ما لفظه : الحسين بن علوان الكلبي مولاهم كوفي عامّي وأخوه الحسن يكنّى أبا محمّد ثقة (٢). فإنّ الظاهر أنّ التوثيق راجع إلى الحسين المترجم له لا إلى أخيه الحسن وإن تُوهِّم ذلك ، وجملة : وأخوه الحسن يكنّى أبا محمّد ، معترضة ، مضافاً إلى أنّ الكشي مدحه في ضمن جملة من رجال العامّة (٣).

كما أنّ الدلالة ظاهرة ، لوضوح أنّ الصرف في الحرام من أجلى مصاديق الإسراف ، فيكون أولى باشتراط عدم صرف الدين فيه.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٩٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٨ ح ٢.

(٢) رجال النجاشي : ٥٢ / ١١٦.

(٣) رجال الكشي : ٣٩٠ / ٧٣٣.

٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

تنبيه :

قد ورد في بعض نصوص الباب استثناء المهور وأنّ الدين لا يسدّد من سهم الغارمين إذا كان لأجل المهر. ولم أر من تعرّض لهذا الفرع وهذه الأخبار بمرأى منهم ومسمع ، وهي روايتان :

إحداهما : مرسلة العبّاس ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : الإمام يقضي عن المؤمنين الديون ما خلا مهور النِّساء» (١).

وثانيتهما : ما رواه ابن إدريس نقلاً من كتاب محمّد بن علي بن محبوب ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج : أنّ محمّد بن خالد قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصدقات «فقال : اقسمها فيمن قال الله عزّ وجلّ ولا تعطين من سهم الغارمين الذين ينادون بنداء الجاهليّة إلى أن قال : ولا الذين يغرمون من مهور النِّساء» إلخ (٢).

ولكن ضعفهما مانع عن الاستدلال بهما :

أمّا الأُولى : فظاهر.

وأمّا الثانية : فهي وإن عبّر عنها بالصحيحة لكنّها صحيحة إلى عبد الرّحمن. ولا يقدح جهالة طريق ابن إدريس إلى كتاب ابن محبوب ، لما تقدّم غير مرّة من أنّ الكتاب الواصل إليه كان بخطّ الشيخ ، وخطّه معروف كما أنّ طريقه إلى ابن محبوب صحيح. وحال بقية من في السند معلوم.

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٣٣٧ / أبواب الدين ب ٩ ح ٤.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٩٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٨ ح ١ ، مستطرفات السرائر : ١٠١ / ٣٣.

٩٣

وإن جاز إعطاؤه من سهم الفقراء (١) ، سواء تاب عن المعصية أو لم يتب ، بناءً على عدم اشتراط العدالة في الفقير ،

______________________________________________________

إنّما الكلام في محمّد بن خالد الذي يروي عنه عبد الرّحمن ، فإنّه لا يراد به البرقي المعروف جزماً ، لأنّه لم يدرك الكاظم فضلاً عن الصادق (عليهما السلام) ، والمسمّى بهذا الاسم في هذه الطبقة عدّة رجال كلّهم مجهولون. وما في جامع الرواة من أنّه : السري (١) ، مع أنّه لا شاهد عليه لم تثبت وثاقته أيضاً.

إذن فالرواية ضعيفة ولا سبيل للاستناد إليها في الخروج عن الإطلاقات التي مقتضاها جواز الدفع من هذا السهم حتّى عن المهور ، فالاستثناء المزبور لا دليل عليه.

(١) هذا مشكل جدّاً بل ممنوع ، إذ المستفاد من الروايات أنّ الموضوع لسهم الفقراء هو الفقير الشرعي المفسّر بمن لا يملك قوت سنته ، فالمالك له غني شرعاً لا يحقّ له الأخذ من هذا السهم وإن كان فقيراً عرفاً لثبوت ديون عليه ، فإنّ العبرة بالأوّل لا بالثاني.

وبعبارة اخرى : ما دلّ على أنّ المالك لمئونة السنة لا يعطى من هذا السهم مطلقٌ يشمل حتّى المديون في جناية أو إتلاف مالٍ أو كفّارة أو معصية ونحوها ، فإنّ هذه الأُمور لا تمنع غناه شرعاً وإن صدق عليه الفقير لغةً وعرفاً ، لما عرفت من أنّ الاعتبار بالأوّل لا غير.

نعم ، لا يبعد انصراف الدليل عمّن استدان لقوت سنته بحيث أصبح غنيّاً

__________________

(١) جامع الرواة ٢ : ١١٠.

٩٤

وكونه مالكاً لقوت سنته لا ينافي فقره (*) (١) لأجل وفاء الدين الذي لا يفي كسبه أو ما عنده به.

وكذا يجوز إعطاؤه من سهم سبيل الله (**) (٢).

______________________________________________________

عن سبيل الاستدانة ، فإنّه في الحقيقة لا يعدّ مالكاً لما عليه دين بإزائه ، فيجوز له الأخذ حينئذٍ من هذا السهم. إذ لا قصور في شمول دليله لمثله.

وأمّا الذي استدان لأُمور أُخر بحيث كان غنيّاً مع الغضّ عن الدين فقد عرفت أنّ مقتضى الإطلاقات عدم جواز أخذه. ومنه تعرف أنّ الفقر المسوّغ للأخذ من هذا السهم يتنافى مع كونه مالكاً لقوت سنته ، وإنّما لا يتنافى لو أُريد به الفقر العرفي الخارج عن محلّ الكلام ، فلاحظ.

(١) بل ينافيه حسبما عرفت آنفاً.

(٢) هذا وجيه لو فسّرنا السهم المزبور بمطلق سبل الخير ، وأمّا لو خصّصناه بما يرجع إلى الأُمور العامّة والمصالح النوعيّة من بناء المساجد وتعمير القناطر وفتح الشوارع والبعث إلى الحجّ ونحو ذلك ممّا لا يعود إلى شخص بالخصوص كما في المقام فلا يجوز ، وسيأتي إن شاء الله تعالى أنّ الأصح هو الثاني (١) ، كيف؟! ولازم الأوّل جواز تزويج الغني من هذا السهم ، لما فيه من إدخال السرور في قلب المؤمن الذي هو أمر راجح وعمل خيري ، وهو كما ترى.

__________________

(*) الظاهر أنّه ينافيه.

(**) سيأتي أنّ سهم سبيل الله لا يشمل المقام.

(١) في ص ١١١ ١١٥.

٩٥

ولو شكّ في أنّه صرفه في المعصية أم لا فالأقوى جواز إعطائه من هذا السهم (١) وإن كان الأحوط خلافه. نعم ، لا يجوز له الأخذ إذا كان قد صرفه في المعصية.

______________________________________________________

(١) كما نُسب إلى الأكثر تارةً وإلى المشهور اخرى.

خلافاً لما عن الشيخ في النهاية من المنع ، وعن الشهيد الميل إليه (١).

ومبنى القولين هو أنّ جواز الدفع هل هو مشروط بالصرف في الطاعة ، أو أنّ الصرف في المعصية مانع ، وإن شئت قلت : هل القيد الملحوظ في المقام وجودي أو عدمي؟

فعلى الأوّل : لا يجوز الدفع عند الشكّ ، لوضوح لزوم إحراز الشرط.

وعلى الثاني : يجوز ، لأصالة عدم المانع.

ولا يخفى أنّ الصرف في غير المعصية يشمل الصرف في المباح أو الطاعة الواجبة أو المستحبّة ، بل لا يبعد القول بأنّ الصرف في المباح أيضاً صرف في الطاعة بمقتضى ما ورد من «أنّ الله يحبّ أن يؤخذ برخصه كما يحبّ أن يؤخذ بعزائمه» (٢).

وكيفما كان ، فلا بدّ من مراجعة الأدلّة لاستظهار أنّ الاعتبار بأيٍّ من النحوين ، فنقول : إن كان المدرك هو الإجماع فبما أنّه دليل لبّي فلا جرم يقتصر على المقدار المتيقّن منه ، وهو عدم جواز الدفع للدين المصروف في المعصية وأمّا اعتبار الصرف في الطاعة فحيث إنّه لا دليل عليه فالمتّبع حينئذٍ هو

__________________

(١) حكاه عن الشيخ في المدارك ٥ : ٢٢٥ ، وانظر النهاية : ٣٠٦ ؛ الشهيد في الدروس ١ : ٢٤١.

(٢) الوسائل ١ : ١٠٧ / أبواب مقدّمة العبادات ب ٢٥ ح ١.

٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الإطلاقات ، فتكون النتيجة هي المانعيّة دون الشرطيّة.

وإن كان هو الأخبار فهي ما بين ما هو ظاهر في الأوّل كمرسلة علي بن إبراهيم (١) وما هو ظاهر في الثاني كموثّقة الحسين بن علوان (٢) وما جمع فيه بين الأمرين كرواية محمّد بن سليمان (٣) لكن الطائفة الأُولى والأخيرة ضعيفة السند ، والمتّبع إنّما هي الطائفة الثانية المعتبرة ، فالعبرة بها لا غير ، وهي ظاهرة في المانعيّة حسبما عرفت.

على أنّ الطائفة الأخيرة في نفسها غير قابلة للتصديق ، لوضوح اللغويّة في الجمع بين اعتبار الشرطيّة والمانعيّة في موضوعٍ واحد ، ولا مناص من إرجاع إحداهما إلى الأُخرى ، فإن أمكن الترجيح ولو لأجل ما ذكره في الجواهر من أنّ الدفع إغراء بالقبيح وتشويق في المعصية (٤) فتقدّم المانعيّة وتلغى الشرطيّة ، وإلّا فيتساقطان ويقتصر في تقييد الإطلاقات حينئذٍ على المقدار الأقلّ الأخفّ مئونة ، أعني : عدم الصرف في المعصية ، فكلما علم أنّه صرفه فيها فهو خارج عنها ويبقى ما عداه تحت الإطلاق بعد أصالة عدم الصرف في المعصية.

وعليه ، فلو صرف دينه في موردٍ لم يكن طاعة ولا معصية ساغ الدفع إليه من هذا السهم ، لما عرفت من أنّ الخارج خصوص المصروف في المعصية.

ويؤكّده ما ورد من جواز أداء ديون المؤمنين الأموات أو الأحياء من الزكاة من غير استفصال الصرف في الحلال أو الحرام ، مع قضاء العادة بالجهل غالباً بمصرف ديون الغير ولا سيّما الديون المتخلّفة عن الميّت ، فلو كان الصرف

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢١١ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٧.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٩٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٨ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٨ : ٣٣٦ / أبواب الدين والقرض ب ٩ ح ٣.

(٤) الجواهر ١٥ : ٣٥٨.

٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

مشروطاً بالعلم بالحال لما ساغ الترخيص في الأداء على سبيل الإطلاق.

وهذه النصوص وإن كانت جملة منها مطلقة لكن بعضها صريح في الدفع من سهم الغارمين ، كمعتبرة موسى بن بكر عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديث «قال : من طلب الرزق فغلب عليه فليستدن على الله عزّ وجلّ وعلى رسوله ما يقوّت به عياله ، فإن مات ولم يقض كان على الإمام قضاؤه ، فإن لم يقضه كان عليه وزره ، إنّ الله يقول (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) (... وَالْغارِمِينَ) فهو فقير مسكين مغرم» (١).

والمتحصّل : أنّه لا ينبغي الشكّ في أنّ الصرف في المعصية مانع عن الدفع ، لا أنّ الصرف في الطاعة مشروط فيه ، فإنّ ذلك هو مقتضى مناسبة الحكم والموضوع كما لا يخفى.

ويؤكّده زائداً على ما عرفت أنّه لو استدان ثمّ تلف قبل الصرف لسرقةٍ ونحوها فإنّه لا إشكال في جواز الأداء من هذا السهم ، لصدق الغارم ، مع أنّه لم يحرز الشرط لو كان الصرف في الطاعة شرطاً فيه ، لكونه سالبة بانتفاء الموضوع ، فلم يصرف لا في الطاعة ولا في المعصية.

ونحوه ما لو استدان للزواج مثلاً أو لغيره من الحوائج فإنّه لا ينبغي الشكّ في أنّ جواز الدفع إليه من هذا السهم قبل الصرف ، لصدق الغارم عليه فعلاً بالوجدان ، مع أنّ الدين لم يصرف بعدُ فيما أُعدّ له من الطاعة ، وهذا خير شاهد على كفاية مجرّد عدم الصرف في المعصية.

ودعوى أنّ العبرة بحال الاستدانة لا بحال الصرف كما يشهد به قوله في موثّقة الحسين بن علوان المتقدّمة : «إذا استدانوا في غير سرف».

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٩٦ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٦ ح ٤.

٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

مدفوعة بقضاء الضرورة بكون العبرة بحال الصرف لا الاستدانة. ومن ثمّ لو استدان للمعصية ثمّ صرف في الطاعة أو العكس ساغ الدفع من هذا السهم في الأوّل دون الثاني بلا خلاف فيه ولا إشكال. ومعه لا بدّ من رفع اليد عن الموثّقة لو سلّم ظهورها فيما ذكر.

هذا ، وربّما يستدلّ لعدم الجواز في صورة الشكّ بما في ذيل رواية محمّد بن سليمان المتقدّمة : ... قلت : فما لهذا الرجل الذي ائتمنه وهو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة الله أم في معصية؟ «قال : يسعى له في ماله فيردّه عليه وهو صاغر» (١).

بدعوى تعرّضها لتكليف الدافع عند جهله بالحال وأنّه لا يدفع الزكاة في صورة الشكّ في صرف الدين في الطاعة أو المعصية ، بل اللازم حينئذٍ سعي المديون في تسديد دينه وردّ ما عليه من المال إلى دائنه.

ولكنّه يندفع مضافاً إلى ضعف السند ، لمكان الإرسال كما تقدّم ولم يعمل بها المشهور ليتوهّم الجبر على القول به بقصور الدلالة كما نبّه عليه في الحدائق (٢) ، نظراً إلى ابتنائها على وقوع السؤال عن تكليف الدافع ، وليس كذلك ، بل عن تكليف الدائن وما يستحقّه في هذه الحالة باعتبار أنّ المديون الصارف دينه في المعصية لمّا لم يكن مورداً لسهم الغارمين ومن الجائز أن يكون قد صرفه فيها وهو أي الدائن لا يدري ، فهل يرفع اليد عن حقّه بعد أن لم يتوقّع محلّ لتسديد دينه ، أم ماذا يصنع؟ فأجاب (عليه السلام) : بأنّه لا يحرم عن حقّه بل يجب على المديون السعي في ردّ ماله وهو صاغر إن كان قد أنفقه في المعصية.

وبالجملة : الجهل بالإنفاق مربوط بصاحب الدين لا بالإمام الدافع للزكاة

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٣٣٦ / أبواب الدين والقرض ب ٩ ح ٣.

(٢) الحدائق الناضرة ١٢ : ١٩٢ ١٩٣.

٩٩

ولو كان معذوراً في الصرف في المعصية لجهل أو اضطرار أو نسيان أو نحو ذلك لا بأس بإعطائه (١) ، وكذا لو صرفه فيها في حال عدم التكليف لصغر أو جنون ، ولا فرق في الجاهل بين كونه جاهلاً بالموضوع أو الحكم (٢).

[٢٧١٤] مسألة ١٦ : لا فرق بين أقسام (٣) الدين من قرض أو ثمن مبيع أو ضمان مال أو عوض صلح أو نحو ذلك ، كما لو كان من باب غرامة إتلاف ، فلو كان الإتلاف جهلاً أو نسياناً ولم يتمكّن من أداء العوض جاز

______________________________________________________

ليتمّ ما توهّم من أنّه متى جهل الإمام بالمصرف لا يدفع إلى الغريم من هذا السهم ، فلاحظ.

(١) لظهور الأدلّة في المعصية الفعليّة ، ولا معصية كذلك في هذه الموارد.

(٢) شريطة كون جهله في الشبهة الحكميّة عذراً له كما في الجاهر القاصر ، وأمّا المقصّر فحيث لا عذر فلا جرم يصدر منه على سبيل المعصية.

(٣) لإطلاق الآية المباركة الكاشف عن أنّ العبرة بمجرّد إشغال الذمّة وصدق الغريم ، سواء أكان عن أسباب قهرية أم اختياريّة ، ولا يختصّ بالاستدانة عن القرض المصطلح الذي هو مورد أكثر النصوص ، إذ مضافاً إلى أنّه لا عبرة بغالبها لضعف إسنادها كما سبق ، يكفينا ما عرفت من إطلاق الآية وبعض تلك النصوص كمعتبرة موسى بن بكر المتقدّمة (١) حيث إنّ الموضوع فيها وإن كان هو المستدين أيضاً إلّا أنّ الإمام (عليه السلام) لما طبق عليه عنوان المغرم فيعلم أنّ العبرة بمطلق الغرامة من أيّ سبب تحقّق ، ومن المعلوم أنّ النصوص المزبورة غير صالحة لتقييد الإطلاق.

__________________

(١) في ص ٩٨.

١٠٠