موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وبالصحيح عن معاوية بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مولود ولد ليلة الفطر ، عليه فطرة؟ «قال : لا ، قد خرج الشهر» وسألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر ، عليه فطرة؟ «قال : لا» (١).

لكن الأُولى ضعيفة السند أوّلاً وإنّ عُبّر عنها بالصحيحة تارةً وبالمصحّحة اخرى ، من أجل ضعف علي بن أبي حمزة الذي هو البطائني الكذّاب ، وما في الوسائل من ضبط علي بن حمزة بحذف كلمة «أبي» غلط والصواب ما أثبتناه (٢). على أنّ في طريق الصدوق إليه شيخه محمّد بن علي ماجيلويه ولم يوثّق ، ومجرّد الشيخوخة سيّما للصدوق لا تكفي في الوثاقة كما مرّ مراراً.

وقاصرة الدلالة ثانياً ، إذ ليس مفادها ما عدا ثبوت الوجوب على من أدرك الشهر في قبال من لم يدرك ، فالإدراك شرط للوجوب ، وأمّا أنّ هذا الواجب متى وقته وما هو مبدؤه فلا تعرّض فيها لذلك بتاتاً ، ومن الجائز أن يكون الوقت طلوع الفجر مشروطاً بإدراك الشهر.

وأمّا الثانية أعني : صحيحة معاوية فهي أولى بقصور الدلالة ، إذ ليس مفادها إلّا نفي الوجوب عمّن لم يكن موجوداً في الشهر حقيقةً كالمولود ، أو حكماً كمن أسلم ، ولا تعرّض فيها بوجه لإثبات أصل الوجوب فضلاً عن بيان وقته.

واستدلّ في المدارك للقول الآخر بعد اختياره بصحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفطرة ، متى هي؟ «فقال : قبل الصلاة يوم الفطر» قلت : فإن بقي منه شي‌ء بعد الصلاة؟ «قال : لا بأس ، نحن نعطي

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٥٢ / أبواب زكاة الفطرة ب ١١ ح ٢.

(٢) في الوسائل المحقّق جديداً : علي بن أبي حمزة.

٤٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

عيالنا منه ثمّ يبقى فنقسّمه» (١).

وفيه أوّلاً : أنّ السؤال عن الفطرة بنفسها وأنّها متى هي ظاهرٌ في عطائها وأدائها لا وجوبها ، ولا سيّما بقرينة قوله (عليه السلام) في الجواب : «لا بأس ، نحن نعطي» ، فهي ظاهرة في السؤال عن وقت الإخراج لا عن زمان الوجوب الذي هو محلّ الكلام.

وثانياً : أنّه لا دلالة لها بوجه على كون مبدأ الوقت طلوع الفجر كما هو المدّعى ، بل مفادها أنّ مبدأه طلوع الشمس الذي هو أوّل اليوم كما في سائر إطلاقات اليوم مثل : يوم المزدلفة وأيّام التشريق ونحوها ، فإنّ المبدأ في الكل أوّل طلوع الشمس ، وأمّا ما بين الطّلوعين فهو إمّا ملحق بالليل ، أو حدّ متوسّط بينه وبين النهار ، فلازم الاستدلال بها الالتزام بأن مبدأه طلوع الشمس ولا قائل به.

فالإنصاف أنّ الروايات لا دلالة لها على شي‌ء من القولين ، ولا يمكن الاستدلال بها على تعيين مبدأ الوجوب وأنّه الغروب أو طلوع الفجر ، لعدم التعرّض فيها لشي‌ء من الأمرين ، فتنتهي النوبة حينئذٍ إلى مراجعة الأُصول العمليّة ، وستعرف الحال فيها إن شاء تعالى.

وأمّا ثمرة هذا البحث : فقد قيل أنّها تظهر فيما لو مات بعد غروب ليلة العيد جامعاً للشرائط ، فعلى الأوّل يجب الإخراج من تركته ، لفعليّة التكليف. بخلاف الثاني ، لوقوع الموت عندئذٍ قبل تعلّق الخطاب وحدوث الإيجاب.

ولكنّها مبنيّة على القول بكون زكاة الفطرة كزكاة المال حقّا ماليّاً متعلّقاً بالعين ، ليكون حالها حال سائر الديون المحكومة بلزوم الإخراج من التركة. وأمّا بناءً على ما هو الأظهر من كونها حكماً تكليفيّاً محضاً من غير أن يتضمّن

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٥٤ / أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ٥.

٤٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الوضع بوجه لقصور الأدلّة عن إفادة أزيد من ذلك كما عرفته فيما سبق فتلغو هذه الثمرة ، بداهة سقوط التكليف بالموت فلا تخرج عن التركة على كلّ حال.

نعم ، تظهر الثمرة في وجوب حفظ القدرة وعدمه ليلة العيد ، إذ على الثاني جاز له تفويت جميع أمواله وجعل نفسه فقيراً عند طلوع الفجر كي لم يكن مشمولاً للخطاب آن ذاك ، لعدم وجوب حفظ القدرة قبل تعلّق التكليف. بخلافه على الأوّل ، لفعليّة الوجوب لدى الغروب وتنجّز التكليف عند دخول الليل المانع عن تفويت القدرة ، فيجب حفظها للصرف في الامتثال : إمّا فعلاً على القول باتّحاد وقتي الوجوب والإخراج ، أو بعد الطلوع بناءً على التفكيك وتأخّر الثاني وكونه من قبيل الواجب التعليقي.

هذا ، وقد تقدّم دعوى الإجماع على لزوم استجماع الشرائط لدى غروب ليلة العيد ، فإن تمّ فلا كلام ، وإلّا فتكثر الثمرة بين القولين ، كما لو بلغ الصبي أو تحرّر العبد أو زال الجنون أو أعال شخصاً أو صار غنيّاً أثناء الليل ، فإنّه لا تجب الفطرة على القول الأوّل ، لعدم استجماع الشرائط أوّل الوقت ، وتجب على الثاني ، لحصولها حينئذٍ ، وقد تقدّم أنّ الأظهر عدم قيام الإجماع ، ولم يرد نصّ إلّا بالإضافة إلى خصوص المولود والكافر الذي أسلم ، فيجب الاقتصار عليهما ولا موجب للتعدّي (١).

وإذ قد عرفت الثمرة فيقع الكلام فيما يقتضيه الأصل العملي بعد ما عرفت من قصور الأدلّة عن إثبات شي‌ء من القولين ، والبحث فيه يقع تارةً من حيث ثبوت الوجوب ليلة العيد ، وأُخرى من حيث جواز الإخراج وقتئذٍ.

__________________

(١) وتظهر الثمرة أيضاً فيما لو صار فقيراً أو زال العقل أو زالت العيلولة أثناء الليل واستمرّ إلى زوال يوم العيد.

٤٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا الأوّل : فلا ينبغي التأمل في أنّ مقتضى الاستصحاب عدم تعلّق الخطاب إلى زمان اليقين بحدوثه وهو ما بعد طلوع الفجر ، فإنّ الوجوب مقطوع الثبوت حينئذٍ باتّفاق الأصحاب ، بل يمكن استفادته من صحيحة العيص المتقدّمة ، بناءً على كون «يوم الفطر» متعلّقاً بقوله : «قبل الصلاة» أي قبل الصلاة من يوم الفطر ، فإن مبدأ صلاة العيد هو أوّل طلوع الشمس ، فطبعاً يكون قبل الصلاة قبل طلوع الشمس ، فتدلّ على ثبوت الوجوب فيما بين الطلوعين.

وكيف ما كان ، فلا شكّ في أنّ الوجوب المشكوك حدوثه في الليل محكومٌ بالعدم بمقتضى الاستصحاب ، فيجوز له تفويت المال ولا يجب التحفّظ عليه قبل طلوع الفجر.

وأمّا الثاني أعني : الإخراج ليلة العيد ـ : فإن اعتمدنا على النص الدالّ على جواز الإخراج حتّى في شهر رمضان بل من أوّل يوم من الشهر وسيجي‌ء البحث حوله قريباً إن شاء تعالى (١) فجواز الإخراج ليلة العيد بطريق أولى كما لا يخفى.

وأمّا لو لم نعتمد عليه وقطعنا النظر عنه فالظاهر عدم الاجتزاء بالإخراج ليلاً ، للشكّ في الخروج عن عهدة الامتثال بذلك.

وما يقال من أنّ المرجع حينئذٍ أصالة البراءة عن تقييد الإخراج بكونه في النهار ، للشكّ في شرطيّة اليوم للإعطاء.

مدفوعٌ بأنّ البراءة عن الشرطيّة والتقيّد فرع إحراز أصل التكليف ليتعلّق الشكّ بقيده ، فيدفع بأصل العدم ، وهو مشكوك في المقام ، بل محكوم بالعدم بمقتضى الاستصحاب إلى مطلع الفجر كما تقدّم ، وعندئذٍ فيكون التقيّد باليوم قهريّاً وإن لم يكن شرطيّاً ملحوظاً في نفس الواجب ، نظير الأمر بالصلاة بعد

__________________

(١) في ص ٤٧٢.

٤٦٤

ويستمرّ إلى الزوال لمن لم يصلّ صلاة العيد (١) ، والأحوط عدم تأخيرها عن الصلاة إذا صلّاها فيقدّمها عليها وإن صلّى في أوّل وقتها.

______________________________________________________

الزوال ، فإنّه يستوجب تقيّدها بما بعد الوقت بطبيعة الحال ، إذ لا معنى لكون شي‌ء مصداقاً للواجب قبل أن يتعلّق به الوجوب كما هو ظاهر ، فالمقام من موارد قاعدة الاشتغال حسبما عرفت دون البراءة.

(١) قد عرفت الحال في وقت الوجوب من حيث المبدأ. وأمّا من ناحية المنتهي فقد اختلفت كلمات الأصحاب على أقوال ثلاثة كما نصّ عليها في الجواهر (١) ، والكلام فعلاً فيمن يصلّي صلاة العيد دون من لم يصلّها :

أحدها : أنّه صلاة العيد ، حكي ذلك عن السيّد والشيخين والصدوقين (٢) وجماعة من المتأخّرين ، بل نُسب إلى الأكثر تارةً ، وإلى علمائنا أجمع أُخرى كما عن التذكرة ، بل صرّح بالإثم لو أخّرها عن صلاة العيد اختياراً (٣).

الثاني : التحديد بالزوال مطلقاً ، اختاره في الدروس والبيان ، واستقربه في المختلف ، ونقل عن ابن الجنيد أيضاً (٤).

الثالث : الامتداد إلى آخر يوم الفطر ، كما هو ظاهر المنتهي ، حيث قال : والأقرب عندي جواز تأخيرها عن الصلاة ويحرم التأخير عن يوم العيد (٥).

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٥٣١ ٥٣٤.

(٢) الحدائق ١٢ : ٣٠١.

(٣) التذكرة ٥ : ٣٩٥ ٣٩٦.

(٤) الدروس ١ : ٢٥٠ ، البيان : ٣٣٣ ، المختلف ٣ : ١٦٩ ، ونقله عن ابن الجنيد صاحب الحدائق ١٢ : ٣٠١.

(٥) المنتهي ١ : ٥٤١.

٤٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ومال إليه في المدارك (١) ومحكيّ الذخيرة (٢) وقوّاه المجلسي (قدس سره) في مرآة العقول (٣).

والأقوى هو القول المشهور ، ويدلّنا عليه مفهوم موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألته عن الفطرة «فقال : إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها ، قبل الصلاة أو بعد الصلاة» (٤).

فإنّ مفهومها عدم التوسعة مع عدم العزل ، بل يختصّ بما قبل الصلاة.

وتؤيّدها جملة من الروايات وإن ضعفت أسانيدها ، كرواية علي بن طاوس في الإقبال عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : ينبغي أن يؤدّي الفطرة قبل أن يخرج الناس إلى الجبّانة ، فإن أدّاها بعد ما يرجع فإنّما هو صدقة وليس فطرة» (٥) ، ونحوها رواية العيّاشي في تفسيره عن سالم بن مكرم الجمّال (٦).

وبإزائهما صحيحتان ربّما يستدلّ بهما على امتداد الوقت إلى ما بعد الصلاة :

الأُولى : صحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفطرة ، متى هي؟ «فقال : قبل الصلاة يوم الفطر» قلت : فإن بقي منه شي‌ء بعد الصلاة؟ «قال : لا بأس ، نحن نعطي عيالنا منه ثمّ يبقى فنقسّمه» (٧).

فقد قيل : إنّ ذيلها يدلّ على جواز تأخيرها عن الصلاة ، وأنّ ما صنعه

__________________

(١) المدارك ٥ : ٣٤٩.

(٢) ذخيرة المعاد : ٤٧٦.

(٣) مرآة العقول ١٦ : ٤١٣ ٤١٤.

(٤) الوسائل ٩ : ٣٥٧ / أبواب زكاة الفطرة ب ١٣ ح ٤.

(٥) الوسائل ٩ : ٣٥٥ / أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ٧ ، الإقبال : ٢٨٣.

(٦) الوسائل ٩ : ٣٥٥ / أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ٨ ، تفسير العيّاشي ١ : ٤٣ / ٣٦.

(٧) الوسائل ٩ : ٣٥٤ / أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ٥.

٤٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

صاحب الوسائل من أنّ المراد بإعطاء العيال عزل الفطرة كي لا يتنافى مع الصدر خلاف الظاهر ، فتكون النتيجة امتداد الوقت وإن كان التقديم على الصلاة أفضل.

ولكن الظاهر أنّ ما صنعه في الوسائل هو المتعيّن وأنّه لا مناص من حمل الذيل على صورة العزل ، وإلّا فكيف يمكن إعطاء العيال من الفطرة؟! ضرورة أنّ العيال تعطى عنه الفطرة لا أنّها تعطى إليه ، فالمراد من العطاء جعل المعزول عند العيال أمانةً للإيصال إلى محلّه ، ويؤكّده قوله (عليه السلام) بعد ذلك : «ثمّ يبقى فنقسّمه» ، إذ لو كان العطاء بعنوان الصرف لا بعنوان الأمانة فكيف يمكن الأخذ بعدئذٍ والتقسيم؟! فالتعبير بالبقاء والتقسيم ظاهرٌ في كون العطاء بعنوان العزل ، فلا ينافي التوقيت بما قبل الصلاة الذي تضمّنه الصدر ، ومع التنازل فلا أقلّ من الإجمال ، فلا تنهض لمعارضة الموثّقة الصريحة في المطلوب.

الثانية : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث «قال : وإعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل ، وبعد الصلاة صدقة» (١).

فإنّها صحيحة السند ، إذ ليس فيه من يغمز فيه ما عدا محمّد بن عيسى بن عبيد الذي هو ثقة على الأظهر كما مرّ غير مرّة. وقد دلّت على امتداد الوقت إلى ما بعد الصلاة ، غير أنّ التقديم أفضل ، فإنّ هذا التعبير كاشفٌ عن اشتراكه مع التأخير في الفضيلة وإن كان الثاني مفضولاً ، إذ حمل كلمة «أفضل» على الوجوب بعيد جدّاً.

ولكنّه كما ترى ، إذ لا تنسجم هذه الأفضليّة مع قوله (عليه السلام) : «وبعد الصلاة صدقة» ، بل اللازم أن يقول (عليه السلام) بدل ذلك هكذا : وبعد الصلاة جائز. فالعدول عن ذلك والتعبير بما يتضمّن سلب عنوان الفطرة وأنّها حينئذٍ

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٥٣ / أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ١.

٤٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

صدقة محضة يكشف عن التحديد ما قبل الصلاة كما تضمّنه مفهوم إسحاق بن عمّار المتقدّم ، فهي حينئذٍ معاضدة له وليست بمعارضة.

وأمّا التعبير بالأفضليّة فليس ذلك بالإضافة إلى التأخير عن الصلاة ، بل بالإضافة إلى تقديم الإخراج في شهر رمضان ، حيث إنّه في سعة من ذلك ، إلّا أنّ الإخراج قبل الصلاة يوم العيد أفضل كما نطقت بذلك صريحاً صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنّهما قالا (عليهما السلام) : «على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول ، من حرّ وعبد ، وصغير وكبير ، يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل ، وهو في سعة أن يعطيها من أوّل يوم يدخل من شهر رمضان» (١).

فتحصّل : أنّ الأظهر التحديد بما قبل الصلاة ، لمفهوم موثّق ابن عمّار السليم عمّا يصلح للمعارضة حسبما عرفت.

هذا كلّه بالإضافة إلى من صلّى.

وأمّا من لم يصلّ لعذر أو غير عذر ، فهل الوقت بالنسبة إليه محدود بالزوال كما هو المشهور؟! أو أنّه يمتدّ إلى الغروب كما عن العلّامة والمجلسي (٢)؟

لم يرد التحديد بالزوال في شي‌ء من الروايات ما عدا رواية واحدة ، وهي ما رواه ابن طاوس في كتاب الإقبال نقلاً من كتاب عبد الله بن حمّاد الأنصاري ، عن أبي الحسن الأحمسي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إنّ الفطرة عن كلّ حر ومملوك» إلى أن قال : قلت : أقبل الصلاة أو بعدها؟ «قال : إن أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة ، وإن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة» (٣).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٥٤ / أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ٤.

(٢) لاحظ المنتهي ١ : ٥٤١ ، النهاية ٢ : ٤٤٠.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٣١ / أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ١٦ ، الإقبال : ٢٧٤.

٤٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكنّها ضعيفة السند من أجل جهالة طريق ابن طاوس إلى كتاب عبد الله ابن حمّاد الأنصاري أوّلاً ، وعدم ثبوت وثاقة الأحمسي ثانياً ، حيث إنّه مهمل وأمّا الأنصاري بنفسه فهو ثقة عندنا ، لوجوده في إسناد كامل الزيارات ، مضافاً إلى تصريح النجاشي بأنّه من شيوخ أصحابنا (١) ، الذي هو مدح بليغ كما لا يخفى. وكيف ما كان ، فهي ضعيفة لا يمكن الاعتماد عليها.

على أنّ متنها لا يخلو عن تدافع بين الصدر والذيل ، إذ قد جعل الاعتبار في الصدر بالإخراج قبل الظهر ، وفي الذيل بالإخراج قبل الصلاة ، حيث قال (عليه السلام) : «هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصلاة».

ومن ثمّ استقرب في الحدائق أن يكون لفظ «الظهر» سهواً من الراوي أو غلطاً من النسّاخ ، وأنّ الصواب تبديلها بكلمة : الصلاة (٢).

وهو غير بعيد ، بل تقتضيه المطابقة مع السؤال في قوله : قلت أقبل الصلاة أو بعدها ، وإلّا فلا ينسجم الجواب معه كما عرفت ، ويعضده جعل العبرة في الذيل بالصلاة ، وبذلك يندفع التنافي بينه وبين الصدر. والذي يهوّن الخطب أنّ الرواية ضعيفة السند فلا تستحقّ إطالة البحث.

إذن فلا بدّ من مراجعة الأصل العملي بعد العلم ببقاء الوقت إلى الزوال بالنسبة إلى من لم يصل ، لعدم نقل الخلاف عن أحد والشكّ في انتهائه به أو الامتداد إلى الغروب كي تكون الفطرة من أحكام يوم العيد بكامله.

لا شكّ أنّ مقتضى الاستصحاب هو الثاني ، بناءً على جريانه في الأحكام الكلّيّة ما لم يقم إجماع على خلافه ، فالقول بالامتداد مبنى على أمرين : جريان الاستصحاب في أمثال المقام ، وعدم انعقاد الإجماع بعد ما عرفت من الخلاف.

__________________

(١) مرآة العقول ١٦ : ٤١٤.

(٢) الحدائق ١٢ : ٣٠٤.

٤٦٩

وإن خرج وقتها ولم يخرجها (١) فإن كان قد عزلها دفعها إلى المستحقّ بعنوان الزكاة ، وإن لم يعزلها فالأحوط الأقوى عدم سقوطها (١) ، بل يؤدّيها بقصد القربة من غير تعرّض للأداء والقضاء.

______________________________________________________

ولكن الاستصحاب ممنوع على مسلكنا. إذن لا دليل على بقاء الوقت بعد الزوال ، ومقتضى الأصل البراءة عن الوجوب زائداً على المقدار المعلوم من الوقت ، فإنّ المتيقّن من الجعل تعلّق التكليف إلى هذا الحدّ ، فيرجع في الزائد عليه إلى أصالة البراءة.

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ منتهى الوقت بالإضافة إلى من يصلّي هو صلاة العيد حتّى وإن صلّاها أوّل وقتها ، وبالنسبة إلى غيره هو الزوال كما ذكره في المتن ، فلاحظ.

(١) إذا خرج وقت الفطرة سواء أكان هو الصلاة أم الزوال أم الغروب حسبما عرفت ولم يكن مخرجاً لها فقد يكون ذلك مع العزل ، وأُخرى بدونه.

أمّا مع العزل : فلا إشكال في جواز التأخير إلى أن يدفع المعزول إلى المستحقّ بعنوان الزكاة كما ذكره في المتن ، فإنّ ذلك هو مقتضى مفهوم العزل المفروض جوازه كما سيجي‌ء (٢) ، وقد تعيّن المعزول في الزكاة بالعزل فلا بدّ من صرفه فيها ، ولا يجوز الرجوع عنها ، فإنّ ما كان لله لا يرجع فيه. هذا ، مضافاً إلى التصريح بجواز التأخير في موثّق إسحاق بن عمّار المتقدّم (٣).

وأمّا بدونه : فهل يسقط الوجوب بخروج الوقت؟ أم لا بدّ من إخراجها

__________________

(١) بل لا يبعد السقوط.

(٢) في ص ٤٧٤.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٥٧ / أبواب زكاة الفطرة ب ١٣ ح ٤.

٤٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

خارج الوقت أيضاً ولو قضاءً؟

قد يقال بالثاني ، نظراً إلى أنّ التوقيت راجع إلى الحكم التكليفي أعني : وجوب الأداء والإعطاء وأمّا الحكم الوضعي أي اشتغال الذمّة بالمال فلا توقيت فيه ، فلا مانع من استصحاب بقائه.

ولكنّه مبني على تضمّن الفطرة وضعاً زائداً على التكليف كما في زكاة المال بأن تكون الذمّة مشغولة بها ، وتخرج عن التركة كما في سائر الديون كما أنّ زكاة المال حقّ ثابت في العين.

وقد عرفت في ما سبق منعه ، لعدم نهوض أيّ دليل عليه ، بل هي حكم تكليفي محض كسائر التكاليف الإلهية مثل الصلاة والصيام ، فإذا خرج الوقت لم تكن الذمّة مشغولة بشي‌ء ليجب الخروج عن عهدتها.

وقد يقال أيضاً بوجوب الإخراج ، نظراً إلى استصحاب بقاء الوجوب بعد خروج الوقت ، ولا ينافيه التوقيت ، لعدم تعدّد الموضوع بعد أن كان الاعتبار فيه بالنظر العرفي ، ولا ريب في اتّحاد القضيّتين المتيقّنة والمشكوكة كذلك بحيث لو كان الوجوب ثابتاً بعد الوقت فهو بقاء لما كان لا أنّه حكم جديد.

ولكنّه كما ترى ، أمّا أوّلاً : فلمنع جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة والأحكام الكلّيّة كما أوضحناه في محلّه.

وثانياً : ما ذكرناه في مباحث القضاء من كتاب الصلاة من امتناع جريان الاستصحاب الشخصي في خصوص المقام ، إذ الوجوب المحدود بوقت خاصّ ينتفي بانتفاء وقته وينتهي بانتهاء أمده ولا يعقل بقاؤه بعد الوقت ، فلا شكّ في ارتفاعه ليجري فيه الاستصحاب ، فلو كان ثابتاً فهو فرد آخر من الوجوب حدث لموضوع آخر ، ومن ثمّ لو جرى الاستصحاب فهو من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلّي ، من أجل احتمال بقاء كلّي الوجوب في ضمن فرد

٤٧١

[٢٨٦٣] مسألة ١ : لا يجوز تقديمها على وقتها (١) في شهر رمضان على الأحوط (*) ، كما لا إشكال في عدم جواز تقديمها على شهر رمضان. نعم ، إذا أراد ذلك أعطى الفقير قرضاً ثمّ يحسب عند دخول وقتها.

______________________________________________________

آخر حدث مقارناً لارتفاع الفرد الأوّل الثابت في الوقت أو قارنه في الوجود ، والمقرّر في محلّه عدم حجّيّة هذا القسم من استصحاب الكلّي (١) ، بل المرجع أصالة البراءة عن تعلّق الوجوب بعد الوقت.

هذا ، مع أنّ صحيحة عبد الله بن سنان دلّت على أنّها بعد الوقت صدقة وليست من الفطرة في شي‌ء ومعها لا تصل النوبة إلى التمسّك بالاستصحاب ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : وإعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل ، وبعد الصلاة صدقة» (٢).

فإنّ المراد بالصدقة هي المستحبّة ، وإلّا فالصدقة الواجبة هي الفطرة ، والتفصيل قاطع للشركة ، وقد تقدّم المراد بالأفضليّة وأنّها بالقياس إلى التقديم في شهر رمضان لا التأخير عن الصلاة ، وهذه الصحيحة وإن كان موردها الصلاة إلّا أنّه يتمّ الحكم فيمن لم يصلّ بعدم القول بالفصل.

فتحصّل : أنّ الأقوى عدم الوجوب بعد الوقت وإن كان الإخراج أحوط بأن يأتي به بالعنوان الجامع بين الصدقة الواجبة أو المستحبّة ، لا الجامع بين الأداء والقضاء الذي ذكره في المتن.

(١) لا إشكال كما لا خلاف في عدم جواز تقديم الفطرة على شهر رمضان

__________________

(*) وإن كان جواز التقديم أظهر.

(١) مصباح الأُصول ٣ : ١١٤.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٥٣ / أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ١.

٤٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بعنوان أنّها فطرة ، كما لا إشكال في جواز ذلك بعنوان القرض ثمّ احتساب الدين منها عند دخول وقتها بشرط البقاء على شرائط الاستحقاق كما في زكاة المال ، فإنّ نصوص الاحتساب من الزكاة مطلقة تعمّ كلتا الزكاتين.

وإنّما الكلام في تقديمها على وقتها في شهر رمضان ، فقد ذهب جماعة إلى الجواز ، وجماعة آخرون إلى المنع ، بل ذهب بعضهم إلى القولين في كتابيه وهو المحقّق ، فقد اختار المنع في الشرائع (١) ، والجواز في المعتبر (٢) ، بل قد نسب كلا القولين إلى الشهرة ، فعن المدارك نسبة المنع إلى المشهور (٣) ، وعن الدروس نسبة الجواز إليهم (٤). وكيف ما كان ، فالمتّبع هو الدليل.

ولا ينبغي الإشكال في أنّ مقتضى القاعدة هو عدم الجواز ، ضرورة أنّ المؤقّت لا أمر به قبل مجي‌ء وقته ، فالاجتزاء بالفعل المأتيّ به قبل ظرف تعلّق الوجوب والاكتفاء به في مقام الامتثال يحتاج إلى الدليل ، ويعضده ما ورد في زكاة المال من المنع عن التعجيل قبل حولان الحول بل في بعضها تشبيه ذلك بالصلاة قبل الوقت.

إلّا أنّ صحيحة الفضلاء قد تضمّنت جواز ذلك صريحاً ، عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) أنّهما قالا : «على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول ، من حرّ وعبد ، وصغير وكبير ، يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل ، وهو في سعة أن يعطيها من أوّل يوم يدخل من شهر رمضان» (٥).

وحملها على صورة القرض كما عن بعضهم بعيدٌ عن مساقها جدّاً ، لعدم

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٠٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٦١٣.

(٣) المدارك ٥ : ٣٤٥.

(٤) الدروس ١ : ٢٥٠.

(٥) الوسائل ٩ : ٣٥٤ / أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ٤.

٤٧٣

[٢٨٦٤] مسألة ٢ : يجوز عزلها في مال مخصوص (١) من الأجناس أو غيرها بقيمتها (٢) ، وينوي حين العزل وإن كان الأحوط تجديدها حين الدفع أيضا. ويجوز عزل أقلّ من مقدارها أيضاً (٣) ، فيلحقه الحكم وتبقى البقيّة غير معزولة على حكمها.

______________________________________________________

اختصاصه بشهر رمضان ، بل يجوز قبله ولو بسنة.

إذن فالرواية صحيحة السند ظاهرة الدلالة قد عمل بها جماعة من الأصحاب ، بل نسب إلى المشهور ، وكما عرفت فلا مانع من الأخذ بها والخروج لأجلها عن مقتضى القاعدة ، فالأقوى هو الجواز وإن كان الأفضل التأخير إلى خروج الشهر ، بل إلى يوم العيد قبل صلاته كما تقدّم ، بل هو الأحوط ، خروجاً عن شبهة الخلاف.

(١) بلا خلاف فيه ولا إشكال كما هو الحال في زكاة المال ، فيتعيّن الزكاة في المعزول ، كما تشهد به جملة من النصوص وإن كانت على خلاف القاعدة ، التي منها موثّقة إسحاق بن عمار المتقدّمة : «إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها ، قبل الصلاة أو بعد الصلاة» (١).

(٢) فإنّ العزل يتبع نفس الفطرة بمقتضى إطلاق الأدلّة ، وبما أنّها لا تخصّ أعيان الأجناس بل تعمّ قيمتها من الأثمان كما تقدّم بمعنى : أنّها تتعلّق بماليّة الجنس لا بشخصيّته فكذا العزل ، فيجوز عزل الحنطة مثلاً بذاتها كما يجوز عزل قيمتها على حدّ ما تقدّم في زكاة المال ، فيجري العزل في كلّ ما تسوغ فيه الفطرة.

(٣) الظاهر ابتناء هذا الفرع على ما سيجي‌ء في الفصل الآتي إن شاء تعالى

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٥٧ / أبواب زكاة الفطرة ب ١٣ ح ٤.

٤٧٤

وفي جواز عزلها في الأزيد بحيث يكون المعزول مشتركاً بينه وبين الزكاة (١) وجه ، لكن لا يخلو عن إشكال ، وكذا لو عزلها في مال مشترك بينه وبين غيره مشاعاً وإن كان ماله بقدرها.

______________________________________________________

من أنّه هل يجوز دفع الأقلّ من الصاع للفقير الواحد أم لا؟

فعلى الأوّل وجواز دفع نصف الصاع مثلاً عملاً بإطلاقات الفطرة جاز عزله أيضا.

وعلى الثاني الراجع إلى فرض الارتباطيّة بين أجزاء الصاع الواحد في صدق الفطرة لا يجوز العزل أيضاً ، إذ الأدلّة ناظرة إلى عزل الفطرة دون غيرها والمفروض عدم الصدق على الأقلّ من الصاع وأنّ نصف الصاع مثلاً نصف الفطرة وليس بفطرة ، ولأجله لا يجوز الدفع فلا يجوز العزل أيضاً حسبما عرفت.

وأمّا الاستثناء في جواز عزل الأقلّ بولاية المالك على التعيين فغير واضح إذ لم تثبت ولايته إلّا على تعيين المصرف والتطبيق على من شاء ، لا حتّى على دفع الأقلّ أو العزل فيه ، لقصور الأدلّة عن إثبات الولاية بهذا المعنى كما لا يخفى.

(١) كما لو أخرج صاعين من العشرة وقصد أن يكون أحدهما فطرة والآخر المشاع بينهما له ، ونحوه ما لو كان مشتركاً بين الزكاة وبين شخص آخر ، كما لو كان هناك صاعان مشتركان بينه وبين زيد فكان لكلّ منهما صاع فنوى بحصّته الفطرة كما ذكره في المتن.

وعلى كلٍّ فقد استشكل فيه الماتن ، بل منعه في المسالك معلّلاً بأنّه لو جاز ذلك لجاز عزلها في جميع ماله ، كما لو كان ماله بأجمعه عشرة أصوع فعزلها في الكلّ مع أنّه غير معروف من العزل (١).

__________________

(١) المسالك ١ : ٤٥٢.

٤٧٥

[٢٨٦٥] مسألة ٣ : إذا عزلها وأخّر دفعها إلى المستحقّ (١) ، فإن كان لعدم تمكّنه من الدفع لم يضمن لو تلف ، وإن كان مع التمكّن منه ضمن (*).

______________________________________________________

وأورد عليه في الجواهر بالفرق ، لعدم صدق مفهوم العزل بالعزل في جميع المال ، بخلاف العزل في البعض المشاع ولا سيّما مع رفع اليد عن الزيادة (١).

هذا ، والظاهر عدم جواز العزل في المال المشترك مطلقاً من غير فرق بين الكلّ والبعض ، لوضوح المضادّة بين الشركة والإشاعة وبين مفهوم العزل المتقوّم بالإفراز والتعيين والامتياز والتشخيص وجعله خاصّاً بالفقير خالصاً عن مال الغير ، فإنّ ذلك كلّه يتنافى مع الإشاعة بالضرورة ، فلا يصدق مفهوم العزل مع الزيادة بوجه ، فلا يسوغ له عزل الدينار على أن تكون مائتا فلس مثلاً منها فطرة معزولة لتقوّم العزل بالإفراز وإزالة الاشتراك كما عرفت.

اللهمّ إذا رفع يده عن الزيادة وجعلها صدقة مستحبّة ، فإنّ صدق عنوان العزل عندئذٍ غير بعيد ، فانّ المجموع منعزل عن ماله ومتعلّق بالفقير وإن كان بعضه بعنوان وبعضه بعنوانٍ آخر.

(١) فصّل (قدس سره) بين ما إذا لم يتمكّن من الدفع لعدم وجود المستحقّ وبين التمكّن منه وأنّه يضمن في الثاني دون الأوّل. وقد تقدّم منه هذا الحكم في زكاة المال نتيجةً للجمع بين الأخبار (٢) ، وأمّا في المقام فلم يرد أيّ نصّ فيه ، فإن تعدّينا عن تلك النصوص إلى المقام بدعوى عدم الخصوصيّة لزكاة المال في هذه الأحكام أو استفدنا شمول الزكاة الوارد فيها للفطرة فالحكم كما ذكر ، وإلّا

__________________

(*) هذا إذا صدق عليه التعدّي والتفريط ، وإلّا فالضمان لا يخلو عن إشكال.

(١) الجواهر ١٥ : ٥٣٥.

(٢) شرح العروة ٢٣ : ١١٧ ١١٨.

٤٧٦

[٢٨٦٦] مسألة ٤ : الأقوى جواز نقلها بعد العزل إلى بلدٍ آخر ولو مع وجود المستحقّ في بلده (١) ، وإن كان يضمن حينئذٍ مع التلف ، والأحوط عدم النقل ، إلّا مع عدم وجود المستحقّ (*).

______________________________________________________

كان اللّازم الجري على ما تقتضيه القواعد ، ولا ريب أنّ مقتضاها بعد ملاحظة أنّ المعزول أمانة شرعيّة التفصيل في الضمان بين صدق التعدّي والتفريط وعدمه ، فإن بلغ التأخير في الدفع حدّا صدق معه التفريط ضمن ، وإلّا فلا ، من غير فرق بين التمكّن من الدفع ووجود المستحقّ وعدمه ، فقد يؤخّر مع وجود المستحقّ ، لتعلّق غرضه بالدفع إلى مستحقّ آخر عيّنها له ينتظر مجيئه من غير صدق التعدّي والتفريط بعد وجود الفرض العقلائي ، فإنّه لا ضمان حينئذٍ لو تلف.

بل الحال كذلك في زكاة المال أيضاً كما أسلفناك هناك ، للنصّ الدالّ على عدم الضمان في الفرض المزبور ، فلاحظ.

وعلى الجملة : التأخير في الدفع مع وجود المستحقّ بمجرّده لم يثبت ، كونه موجباً للضمان في زكاة المال فضلاً عن الفطرة التي لم يرد فيها أيّ نصّ بالنسبة إلى الضمان. فالحكم إذن تابع لمقتضى القاعدة ، وبما أنّها بعد العزل أمانة شرعيّة وقد برئت ذمّة المالك بذلك فإن صدق التفريط والتعدّي كان ضامناً ، وإلّا فلا من دون فرق بين زكاة الفطرة وزكاة المال.

(١) كما هو المعروف والمشهور ، إلحاقاً لها بزكاة المال ، الثابت فيها النقل بلا إشكال ، لصراحة الأخبار وإن لم يرد نصّ يتضمّن جواز النقل في المقام ، بناءً منهم على عدم الفرق بين الزكاتين في أمثال هذه الأحكام ، فيجوز النقل حتّى مع وجود المستحقّ وإن كان ضامناً حينئذٍ لو تلف كما في زكاة المال ، وأمّا مع

__________________

(*) لا يترك.

٤٧٧

[٢٨٦٧] مسألة ٥ : الأفضل أداؤها في بلد التكليف بها وإن كان ماله بل ووطنه في بلد آخر ، ولو كان له مال في بلد آخر وعيّنها فيه ضمن بنقله عن ذلك البلد إلى بلده أو بلد آخر مع وجود المستحقّ فيه (١).

______________________________________________________

عدم وجود المستحقّ فلا إشكال في جواز النقل من غير ضمان ، فإنّه من طرق الإيصال كما هو ظاهر.

ولكن قد يستشكل بأنّ مقتضى روايتين عدم جواز نقل الفطرة ، وهما موثّقة الفضيل «قال (عليه السلام) : ولا تنقل من أرض إلى أرض» (١) وصحيحة علي بن بلال المتضمّنة قوله (عليه السلام) : «تقسّم الفطرة على من حضر ، ولا يوجّه ذلك إلى بلدة اخرى وإن لم يجد موافقاً» (٢) ، وقد حملها الماتن وغيره على الأفضليّة ، فجعل الأحوط استحباباً عدم النقل ، ولكنّه غير واضح.

فإنّ مقتضى القاعدة عدم جواز النقل بعد العزل ، لعدم ثبوت ولاية للمالك على ذلك ، والمعزول أمانة شرعيّة لا يجوز التصرّف فيه إلّا بمقدار قيام الدليل ، ولم يقم دليل على جواز النقل إلّا في زكاة المال ، ولا ملازمة بين الجواز فيها والجواز في الفطرة ، فإنّ كلّاً منهما موضوع مستقلّ وله أحكام خاصّة ، فإلحاق الثاني بالأوّل لا يخلو عن كونه قياساً محضاً ولا سيّما بعد ورود هاتين الروايتين الصحيحتين الصريحتين في عدم الجواز ، إذ لا موجب لرفع اليد عن النهي الوارد فيهما الظاهر في الحرمة بالحمل على الكراهة.

إذن فعدم جواز النقل في المقام لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط.

(١) كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٦٠ / أبواب زكاة الفطرة ب ١٥ ح ٣.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٦٠ / أبواب زكاة الفطرة ب ١٥ ح ٤.

٤٧٨

[٢٨٦٨] مسألة ٦ : إذا عزلها في مالٍ معيّن لا يجوز له تبديلها بعد ذلك (١).

______________________________________________________

(١) إذ قد تعيّن بالعزل في الزكاة مخرج عن ملكه وأصبح عنده أمانة شرعيّة لا يجوز التصرّف فيها إلّا بالمأذون فيه من الدفع والتسليم إلى المستحقّين ، ولا دليل على ولايته على التبديل ، بل مقتضى ما دلّ على أنّ ما كان لله لا يرجع فيه عدم جواز ذلك كما لا يخفى.

٤٧٩

فصل

في مصرفها

وهو مصرف زكاة المال (١).

______________________________________________________

(١) على المشهور ، بل عن بعض دعوى الإجماع ، وفي المدارك : أنّه مقطوع به في كلامهم (١) ، ولم يرد في المقام نصّ على الاتّحاد ، غير أنّه يكفينا عموم قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) (٢) بضميمة ما ورد في تفسيرها في صحيح هشام بن الحكم عن الصادق (عليه السلام) في حديث أنّه قال : «نزلت الزكاة وليس للناس أموال وإنّما كانت الفطرة» (٣).

نعم ، قد يظهر من صحيح الحلبي هو مصرف الفطرة في الفقراء ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث ـ : «إنّ زكاة الفطرة للفقراء والمساكين» (٤).

ولكن لا بدّ من حملها على ما حملنا عليه نظيرها ممّا ورد في زكاة المال ممّا يظهر منه الانحصار المزبور ، وهو ما ورد في غير واحد من الأخبار من أنّ الله تعالى جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم أو فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم ونحو ذلك ممّا ورد بالسنة مختلفة (٥) ، حيث حملناها على مزيد العناية والاهتمام بشأن الفقراء بمثابةٍ كانت الحكمة في تشريع الزكاة ملاحظة

__________________

(١) المدارك ٥ : ٣٥٣.

(٢) التوبة ٩ : ٦٠.

(٣) الوسائل ٩ : ٣١٧ / أبواب زكاة الفطرة ب ١ ح ١.

(٤) الوسائل ٩ : ٣٥٧ / أبواب زكاة الفطرة ب ١٤ ح ١.

(٥) الوسائل ٩ : ٩ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١.

٤٨٠