موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

كان قوته الشخصي هو الشعير مثلاً والفقير بحاجة إلى اللبن أو الحنطة فما هو وجه الاحتياط في دفع الحنطة مثلاً قيمةً عن الشعير؟! أفهل كان من المحتمل وجوب دفع القوت الشخصي لنحتاج إلى الاحتياط المزبور؟! نعم ، كونه أولى لا يخلو عن وجه ، لاحتمال أولويّة الاحتساب من القوت الشخصي على أيّ حال. وأمّا الاحتياط بأن يدفع الحنطة قيمةً عن الشعير فلا معنى له أبداً ، لعدم احتمال الوجوب بتاتاً كما عرفت.

وإن كان المراد القوت الغالب لغالب الناس كما هو ظاهر كلامه بقرينة ذكره في صدر العبارة فهذا صحيح ، إذ بعد فقد ما هو الأفضل من التمر ثمّ الزبيب فبطبيعة الحال ينتقل الأمر بعدئذٍ إلى سائر الأجناس ممّا يتقوّت به عامّة الناس.

إلّا أنّ الاحتياط المزبور فيما لو كان غيره أصلح بحال الفقير كاللباس أو الفراش ونحوهما أيضاً لا معنى له ، لأنّا إن قلنا بجواز دفع القيمة من غير النقدين فالمتعيّن عند دفع الأصلح قصد القيمة لا أنّه أحوط ، لفرض عدم كونه من جنس الفطرة. وإن لم نقل بذلك وخصّصنا القيمة بالنقدين كما هو الصحيح فلا يجوز الدفع بعنوان القيمة بتاتاً ، فلا نعرف وجهاً لهذا الاحتياط أبداً.

وبالجملة : فلم يظهر لنا القيام صدر هذه العبارة مع ذيلها ، ولم يتّضح المراد ، فإنّه إن أراد القوت الشخصي فله وجه ، ولكن الاحتياط حينئذٍ لم يكن في محلّه ، إذ قد يكون غيره منصوصاً عليه كما عرفت. وإن أراد الغالب لغالب الناس فيتعيّن القيمة على تقديرٍ ولا يجوز على التقدير الآخر. وعلى أيّ حال ، لم يكن أيّ وجه للاحتياط ، فلاحظ وتدبّر.

٤٤١

[٢٨٥٦] مسألة ١ : يشترط في الجنس المخرج كونه صحيحاً (*) (١) ، فلا يجزئ المعيب ويعتبر خلوصه فلا يكفي الممتزج بغيره (٢) من جنس آخر أو تراب أو نحوه ، إلّا إذا كان الخالص منه بمقدار الصاع أو كان قليلاً يتسامح به

______________________________________________________

(١) كما ذكره الشهيد في الدروس (١) ، مستدلّاً عليه في الجواهر بالانسباق (٢) ، وربّما يؤيّد بما ورد في زكاة المال من عدم الاجتزاء بالشاة المريضة أو التي فيها عيب أو عوار.

أقول : الاحتياط في ذلك في محلّه ، وأمّا الفتوى فكلّا ، لعدم الدليل ، والانصراف المزبور كما ترى ، إلّا إذا كان العيب بمثابةٍ يسقطه عن صلاحيّة الاستعمال في الأكل بحيث لا ينتفع به إلّا للدواب والدواجن ، فإنّ الانصراف عن مثل هذا المعيب ممّا لا تأمّل فيه.

وأمّا العيب دون ذلك الغير المانع عن الأكل ولا سيّما إذا كان المعطي بنفسه ليتقوّت به فضلاً عمّا إذا اقتات به أهل البلد كما لو أصاب المطر الحنطة أو الأرز في هذه السنة فأحدث فيها العيب ، فلم يظهر أيّ وجه لعدم الاجتزاء بها بعد صدق العنوان وإطلاق الدليل وعدم الانصراف حسبما عرفت.

(٢) لخروجه عن العنوان المأمور به كصاع من الحنطة مثلاً ولذا لا يكفي الملفّق حتّى من جنس الفطرة كنصف صاع من الحنطة الممتزج بنصف صاع من الشعير كما سيجي‌ء (٣) فضلاً عمّا إذا كان المزيج مثل التراب ونحوه.

__________________

(*) على الأحوط.

(١) الدروس ١ : ٢٥١.

(٢) الجواهر ١٥ : ٥١٨.

(٣) في ص ٤٤٨.

٤٤٢

[٢٨٥٧] مسألة ٢ : الأقوى الاجتزاء بقيمة أحد المذكورات (١) من الدراهم والدنانير أو غيرهما من الأجناس الأُخر (*) ، وعلى هذا فيجزئ المعيب والممزوج ونحوهما بعنوان القيمة ، وكذا كلّ جنس شكّ في كفايته فإنّه يجزئ بعنوان القيمة.

______________________________________________________

نعم ، لو كان خالص الممتزج بعد التصفية بمقدار صاع من الحنطة مثلاً أو كان المزيج مستهلكاً لقلّته كمثقال تراب في صاع من الحنطة لم يكن به بأس ، إذ لا ضير في الضميمة الزائدة كما لا ضير فيما يتسامح به ، بل الغالب في هذه الأجناس كذلك ، ولذا لو باع صاعاً مكيّاً من الحنطة وسلّمه ما يشتمل على مثقال أو مثقالين من التراب لم يكن به بأس كما هو واضح.

(١) لا خلاف فيه ولا إشكال ، وقد دلّت عليه جملة وافرة من الأخبار بالغة حدّ الاستفاضة بل فوقها ، وفي بعضها أنّها أنفع للفقير ، إذ يشتري بها ما يريد.

كما لا إشكال في الاجتزاء بغير الدراهم من الدنانير ونحوها من النقود وإن اختصّت النصوص بالأوّل ، إذ لا يحتمل أن يكون للدرهم خصوصيّة تستدعي الاقتصار عليه ، بل هو من باب المثال لمطلق الأثمان ، ولعلّ تخصيصه بالذكر من أجل قلّة الفطرة ، حيث إنّها كما سيجي‌ء (١) عن كلّ رأس صاع ، المعادل للدرهم ، أو مع زيادة يسيرة ، فلا مقتضي للتقدير بالدينار ، لا أنّه لا يجزئ مع وجود المقتضي كما في كثير العائلة ، فلو أعالَ شخص عشرين نفراً مثلاً وأراد الإخراج عنهم بالدينار جاز بلا إشكال ، ويدلّ عليه التعليل بالأنفعيّة في

__________________

(*) وفي الاجتزاء بغير الدراهم والدنانير وما بحكمهما إشكال بل منع كما تقدّم ، وبهذا يظهر الحال في الفروع الآتية.

(١) في ص ٤٤٩.

٤٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

موثّقة إسحاق بن عمّار (١) ، فإنّه كالصريح في أنّ العبرة في القيمة بالأنفعيّة الشاملة لمطلق الثمن من غير خصوصيّة للدرهم ، وهذا واضح لا سترة عليه.

وإنّما الكلام في إعطاء القيمة من غير النقدين كاللباس والفراش ونحوهما من الأجناس ، وقد جوّزه الماتن تبعاً لجماعة من الأصحاب منهم صاحب الجواهر (٢) مستدلّين له بالإطلاق في بعض الأخبار ، وعمدته موثّقة إسحاق ابن عمّار الذي هو الراوي لأكثر أخبار الباب عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : لا بأس بالقيمة في الفطرة» (٣) ، فإنّ القيمة مطلقٌ يشمل الأثمان وغيرها ممّا له ماليّة.

ولكن صاحب المدارك خصّ الحكم بالأثمان (٤) ، لما يرتئيه من الخدش في سند هذه الرواية ، من أجل الاشتمال على الحسن بن علي بن فضّال الذي هو فطحي وإن كان ثقة ، ولذا يجيب عنه في الجواهر بأنّ الموثّق كالصحيح في الحجّيّة.

أقول : ما ذكره في الجواهر وإن كان وجيهاً فلا وقع للخدش في السند ، إلّا أنّه مع ذلك لا يمكن المساعدة على إطلاق الحكم ، وذلك من أجل ظهور عنوان القيمة في الأثمان ، فتقوم الأموال بما هو متمحّض في الثمنيّة كالدرهم والدينار وما يلحق بهما من الأوراق النقديّة لا بمال آخر ، فإذا قيل : ما قيمة هذا الدار؟ يقال : كذا ديناراً مثلاً لا كذا فراشاً أو لباساً أو عقاراً ونحوها ، وبهذه العناية يمتاز البائع عن المشتري لدى المبادلة ، حيث إنّ المشتري يلاحظ الخصوصيّات التي تحتوي عليها العين الموجبة لرغبة العقلاء ، بخلاف البائع فإنّ نظره مقصور على ملاحظة كم الثمن الذي هو متمحّض في الماليّة فقط. وكيف

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٤٧ / أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ٦.

(٢) الجواهر ١٥ : ٥١٩.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٤٨ / أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ٩.

(٤) المدارك ٥ : ٣٣٦ ٣٣٧.

٤٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ما كان ، فلفظ القيمة غير ظاهر في الإطلاق ، بل في خصوص ما هو متمحّض في الماليّة المنحصر في النقدين وما يلحق بهما.

ويدلّ عليه غير واحد من الأخبار :

منها : موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الفطرة «فقال : الجيران أحقّ بها ، ولا بأس أن يعطى قيمة ذلك فضّة» (١) ، حيث قيّد القيمة بالفضّة.

وموثّقته الأُخرى : «لا بأس أن يعطيه قيمتها درهماً» (٢).

وموثّقته الثالثة : ما تقول في الفطرة ، يجوز أن أُؤدّيها فضّة بقيمة هذه الأشياء ... (٣).

فإنّ الظاهر من الكلّ التقويم بخصوص الأثمان.

فما ذكره صاحب المدارك من الاختصاص بالنقدين هو الصحيح ، لعدم الإطلاق في تلك الموثّقة أوّلاً ، ومع التسليم فهو مقيّد بهذه النصوص.

بقي الكلام في روايتين :

إحداهما : صحيحة عمر بن يزيد ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) تعطى الفطرة دقيقاً مكان الحنطة؟ «قال : لا بأس ، يكون أجر طحنه بقدرٍ ما بين الحنطة والدقيق» (٤).

وقد احتمل كما تقدّم (٥) ظهورها في جواز دفع القيمة من غير النقدين

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٤٨ / أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ١٠.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٤٨ / أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ١١.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٤٧ / أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ٦.

(٤) الوسائل ٩ : ٣٤٧ / أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ٥.

(٥) في ص ٤٣٧.

٤٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو الدقيق.

ولكن عرفت ما فيه بأنّ ذلك ليس من باب القيمة ، بل الدقيق بنفسه فطرة ، فإنّه حنطة مطحونة ، غايته أنّه يقلّ بالطحن عن الصاع ، فدلّت الصحيحة على عدم البأس وأنّ ذلك يعدّ اجرة الطحن ، وقلنا : إنّه لم يقم إجماع على خلافها ، فهذه الرواية أجنبيّة عن التعرّض للقيمة. نعم ، ذيلها متعرّض لها ، إلّا أنّه مقيّد بالدرهم ، فلاحظ.

الثانية : ما رواه الشيخ بإسناده عن الصفّار ، عن محمّد بن عيسى ، عن سليمان بن جعفر المروزي ، قال : سمعته يقول : «إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة ، والصدقة بصاع من تمر أو قيمته في تلك البلاد دراهم» (١) ، هكذا في الوسائل ، ورواها في الاستبصار بهذه الصورة أيضاً ، وأمّا التهذيب فقد روى عين هذه الرواية ولكن عن محمّد بن مسلم بدل : محمّد بن عيسى ، وذكر أيضاً سليمان بن حفص المروزي ، بدل : سليمان بن جعفر المروزي.

والظاهر وقوع التحريف في كلا الكتابين ، فإنّ الراوي هو محمّد بن عيسى كما في الاستبصار ، لا محمّد بن مسلم ، إذ ليس هو في طبقة من يروي عن سليمان ، ففي التهذيب تحريف من هذه الناحية ، كما أنّ سليمان بن جعفر في الاستبصار تحريف ، والصحيح سليمان بن حفص كما في التهذيب بقرينة سائر الروايات ، حيث إنّ محمّد بن عيسى إنّما يروي عن سليمان بن حفص المروزي. وأمّا سليمان بن جعفر فلا وجود له أصلاً.

ولكن الرواية ضعيفة السند على كلّ حال ، لعدم وثاقة ابن حفص بوجه ، وإن كانت الدلالة على المطلوب أعني : اختصاص القيمة بالدرهم تامّة ، فهي

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٤٧ / أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ٧ ، التهذيب ٤ : ٨٧ / ٢٥٦ ، الاستبصار ٢ : ٥٠ / ١٦٩.

٤٤٦

[٢٨٥٨] مسألة ٣ : لا يجزئ نصف الصاع مثلاً من الحنطة الأعلى وإن كان يسوى صاعاً من الأدون أو الشعير مثلاً إلّا إذا كان بعنوان القيمة (١).

______________________________________________________

لا تصلح إلّا للتأييد.

(١) بناءً على جواز إخراج القيمة من غير النقدين كما اختاره (قدس سره) استناداً إلى الإطلاق في موثّق إسحاق المتقدّم.

ولكن جماعة منهم صاحب الجواهر (قدس سره) (١) استشكلوا في ذلك ، نظراً إلى قصور الأخبار عن الدلالة على كفاية القيمة من نفس الأجناس ، بل ظاهرها اعتبار الصاع من كلّ منها ، ولا يكفي الأقلّ وإن تساوى في القيمة صاعاً من نوع آخر ، فهي ظاهرة في كون القيمة من جنس آخر.

والأمر كما ذكروه ، فلا يجزئ الأقلّ من الصاع حتّى بعنوان القيمة :

أمّا بناءً على المختار من اختصاص القيمة بالنقدين فظاهر.

وأمّا بناءً على التعميم فلأجل أنّ ما دلّ على كفاية القيمة ظاهرٌ في كونه قيمة لنفس تلك الأجناس ، فالقيمة شي‌ء وتلك الأجناس شي‌ء آخر ، قضاءً لمغايرة القيمة لذي القيمة ، بحيث لو ضممنا الروايتين وجمعناهما في كلام واحد بأن قال (عليه السلام) أوّلاً : الفطرة صاع من حنطة أو شعير أو تمر أو زبيب أو لبن أو أقط ، ثمّ قال (عليه السلام) بعد ذلك : ولا بأس بالقيمة في الفطرة ، لا يشكّ العرف في أنّ القيمة شي‌ء آخر مغاير لتلك المذكورات يساوي في الماليّة مع واحد منها ، فاستظهار كون القيمة من غير جنس الفطرة في محلّه.

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٥٢٠.

٤٤٧

[٢٨٥٩] مسألة ٤ : لا يجزئ الصاع الملفّق من جنسين بأن يخرج نصف صاع من الحنطة ونصفاً من الشعير مثلاً إلّا بعنوان القيمة (١).

______________________________________________________

وأمّا ما في صحيحة عمر بن يزيد من دفع الدقيق مكان الحنطة فقد عرفت عدم كونه من باب القيمة ، بل من باب دفع الناقص عن الصاع بدلاً عن الكامل عوضاً عن اجرة الطحن ، فإن كان إجماع على خلافها فلتطرح ، وإلّا فلا حسبما عرفت.

(١) لظهور الأدلّة في لزوم كون المدفوع من أيّ جنس كان صاعاً واحداً ، بحيث يصدق عليه أنّه صاع من حنطة أو صاع من شعير أو زبيب أو تمر أو غير ذلك ممّا يغذّي عياله ، المعبّر عنه بالقوت الغالب من عدس وأرز ونحوهما ، فهو مهما كان لا بدّ وأن يكون مصداقاً لصاعٍ من جنسه ، الغير المنطبق على الملفّق من الجنسين ، فإنّ نصف الصاع من الحنطة المنضمّ إلى النصف من الشعير لا يصدق عليه عنوان الصاع من الحنطة ولا الصاع من الشعير ، فلا يجزئ ، وهكذا الحال في سائر الأجناس.

نعم ، لا بأس بذلك بعنوان القيمة ، لما عرفت من أنّ المركّب منهما بما هو مركّب لا يندرج لا في صاع من هذا الجنس ولا في صاع من الجنس الآخر ، فهو بما هو كذلك لا يعدّ من جنس الفطرة وإن كان أبعاضه يعدّ من أجزائها. وعليه ، فلا مانع من احتسابه بعنوان القيمة ، وبذلك يفترق عن المسألة السابقة التي تقدّم المنع فيها حتّى بعنوان القيمة.

هذا بناءً على تعميم القيمة لغير النقدين.

وأمّا على الاختصاص كما هو الأظهر فلا يجوز ذلك أيضاً.

٤٤٨

[٢٨٦٠] مسألة ٥ : المدار قيمة وقت الإخراج (١) لا وقت الوجوب ، والمعتبر قيمة بلد الإخراج لا وطنه ولا بلد آخر ، فلو كان له مال في بلد آخر غير بلده وأراد الإخراج منه كان المناط قيمة ذلك البلد لا قيمة بلده الذي هو فيه.

[٢٨٦١] مسألة ٦ : لا يشترط اتّحاد الجنس الذي يخرج عن نفسه مع الذي يخرج عن عياله (٢) ، ولا اتّحاد المخرج عنهم بعضهم مع بعض ، فيجوز أن يخرج عن نفسه الحنطة وعن عياله الشعير ، أو بالاختلاف بينهم ، أو يدفع عن نفسه أو عن بعضهم من أحد الأجناس وعن آخر منهم القيمة ، أو العكس.

[٢٨٦٢] مسألة ٧ : الواجب في القدر الصاع عن كلّ رأس (٣) ، من جميع الأجناس حتّى اللبن على الأصحّ.

______________________________________________________

(١) لاحظ شرح هذه المسألة في ص ٤٥٦.

(٢) كلّ ذلك لإطلاق الأدلّة بعد عدم ورود دليل على اعتبار الاتّحاد من غير خلاف فيه ولا إشكال.

(٣) إجماعاً كما عن غير واحد ، بل في الجواهر الإجماع بقسميه وقال (قدس سره) : إنّه يمكن دعوى تواتر الأخبار (١).

ولكن الظاهر أنّ دعوى التواتر لا أساس لها ، فإنّ الوارد في المقام روايات معدودة وأكثرها مخدوشة سنداً وإن كان فيها الصحاح أيضاً. وكيفما كان ، فلا ينبغي الإشكال في أنّ الواجب إنّما هو مقدار الصاع في كافّة الأجناس ، وقد

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٥٢٢.

٤٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

دلّت عليه جملة من الأخبار :

منها : صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، قال : سألته عن الفطرة ، كم يدفع عن كلّ رأس من الحنطة والشعير والتمر والزبيب؟ «قال : صاع بصاع النبيّ (صلّى الله عليه وآله)» (١).

وصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : يعطى أصحاب الإبل والغنم والبقر في الفطرة من الأقط صاعاً» (٢).

وصحيحة محمّد بن عيسى : «... عليك أن تخرج عن نفسك صاعاً بصاع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، وعن عيالك أيضاً» (٣) ، ونحوها غيرها.

ولكن بإزائها عدّة من الأخبار ، وفيها المعتبرة ، وهي على طائفتين :

الأُولى : ما دلّت على كفاية نصف الصاع في خصوص الحنطة :

كصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صدقة الفطرة «فقال : على كلّ من يعول الرجل ، على الحرّ والعبد ، والصغير والكبير ، صاع من تمر ، أو نصف صاع من برّ ، والصاع أربعة أمداد» ، ونحوها صحيحة عبد الله ابن سنان ، غير أنّه زاد : «أو صاع من شعير» (٤).

وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن صدقة الفطرة «قال : صاع من تمر ، أو نصف صاع من حنطة ، أو صاع من شعير ، والتمر أحبّ إليّ» (٥).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٣٢ / أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٣٣ / أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ٢.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٣٤ / أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ٦.

(٤) الوسائل ٩ : ٣٣٦ / أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١٢.

(٥) الوسائل ٩ : ٣٣٧ / أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١٥.

٤٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وكأنّه يظهر منها أنّ في الحنطة خصوصيّة يكتفى فيها بنصف الصاع.

هذا ، ولو كنّا نحن وهذه الروايات من غير قرينة خارجيّة لأمكن الجمع بالحمل على الأفضليّة وأنّ الواجب في الحنطة نصف الصاع وأفضله الصاع الكامل وإن كان وارداً في مقام التحديد ، نظير ما ورد في بعض الكفّارات ، حيث ورد تارةً أنّها مدّ وأُخرى أنّها مدّان ، فجمع بينهما بالحمل على الاستحباب.

ولكن بالقرينة الخارجيّة علمنا أنّ نصوص النصف خرجت مخرج التقيّة ، وهي الروايات الكثيرة المعتبرة المتضمّنة أنّ هذه الاحدوثة من فعل عثمان وهو الذي بدّل وغيّر ، وتبعه على ذلك معاوية بعد أن عاد الحقّ إلى مقرّه في زمن خلافة مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وعلى أولاده الطاهرين ، ومن ثمّ نُسب ذلك في الأخبار تارةً إلى عثمان وأُخرى إلى طاغوت عصره معاوية ، باعتبار أنّه جدّد ما أحدثه عثمان بعد عود الحقّ إلى مقرّه ، وإليك بعضها :

فمنها : صحيحة معاوية بن وهب ، قال : سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في الفطرة : «جرت السنّة بصاع من تمر ، أو صاع من زبيب ، أو صاع من شعير ، فلمّا كان زمن عثمان وكثرت الحنطة قدّمه الناس فقال : نصف صاع من برّ بصاع من شعير» (١).

ومنها : معتبرة ياسر القمّي خادم الرضا (عليه السلام) الذي هو موثّق عندنا ، لوجوده في إسناد تفسير علي بن إبراهيم عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) «قال : الفطرة صاع من حنطة ، وصاع من شعير ، وصاع من تمر ، وصاع من زبيب ، وإنّما خفّف الحنطة معاوية» (٢) ، ونحوها رواية الحذّاء المتضمّنة

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٣٥ / أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ٨.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٣٤ / أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ٥.

٤٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

لإسناد ذلك إلى معاوية أيضاً (١) ، وقد عرفت عدم التنافي بين الإسناد إليه تارةً وإلى عثمان اخرى.

الطائفة الثانية : ما تضمّنت أنّه نصف الصاع في غير الحنطة أيضاً ، إمّا هي مع الشعير أو سائر الأجناس ما عدا التمر والزبيب.

فمن الأوّل : صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) في حديث «قالا : فإن أعطى تمراً فصاع لكلّ رأس ، وإن لم يعط تمراً فنصف صاع لكلّ رأس من حنطة أو شعير ، والحنطة والشعير سواء» (٢).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : صدقة الفطرة على كلّ رأس من أهلك إلى أن قال : عن كلّ إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير ، أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين» (٣).

ومن الثاني : صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : «الصدقة لمن لا يجد الحنطة والشعير يجزئ عنه القمح والعدس والسلت والذرة ، نصف صاع من ذلك كلّه ، أو صاع من تمر أو زبيب» (٤).

وقد حمل الشيخ (قدس سره) هذه الروايات بأجمعها على التقيّة (٥).

ولم يظهر له أيّ وجه ، إذ لم ينقل قول من العامّة بكفاية نصف الصاع في غير الحنطة ، وإنّما خلافهم معنا فيها فقط تبعاً منهم لمعاوية وعثمان كما سمعته من النصوص المتقدّمة ، فلم يكن مضمونها موافقاً للعامّة كي تحمل على التقيّة.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٣٥ / أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١٠.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٣٧ / أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١٤.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٣٦ / أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١١.

(٤) الوسائل ٩ : ٣٣٧ / أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١٣.

(٥) التهذيب ٤ : ٨٢.

٤٥٢

وإن ذهب جماعة من العلماء فيه إلى كفاية أربعة أرطال (١)

______________________________________________________

ولكن الذي يسهّل الخطب أنّه لا يمكن القول بكفاية نصف الصاع في الشعير وغيره بعد الالتزام بلزوم الصاع في الحنطة التي هي أغلى قيمةً وأثمن من الباقي ، فإنّ هذا مضافاً إلى مخالفته لجميع أقوال المسلمين من الخاصّة والعامّة مخالفٌ للضرورة والقطع الوجداني كما لا يخفى ، فلا بدّ وأن يكون صدورها لعلّة وسبب مجهول لدينا. وعليه ، لا مناص من طرحها وإن صحّت أسانيدها وردّ علمها إلى أهله.

(١) اختلف الأصحاب في القدر الواجب من الفطرة في اللبن :

فالمشهورة أنّه صاع كغيره.

وذهب جماعة منهم الشيخ في عدّة من كتبه والعلّامة والمحقّق في الشرائع والنافع (١) أنّه يكتفى بأربعة أرطال.

واختلف هؤلاء في تفسير الرطل :

فمنهم من جعله عراقيّاً كما هو ظاهر كلام المحقّق ، حيث قال : وفسّره قوم بالمدنيّة (٢).

ومنهم من جعله مدنيّاً ، المعادل لستّة أرطال عراقيّة ، فإنّ الرطل المدني يعادل رطلاً ونصفاً بالعراقي ، نسب ذلك إلى الشيخ في مصباحه وكذلك العلّامة (٣).

فالأقوال في المسألة ثلاثة.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٤١ ، التهذيب ٤ : ٨٤ ، الإستبصار ٢ : ٤٩ ، التبصرة : ٤٩ ، الشرائع ١ : ٢٠٣ ، المختصر النافع : ٦١.

(٢) الشرائع ١ : ٢٠٣.

(٣) مصباح المتهجد : ٦٦٥.

٤٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ويستدلّ للقول بكفاية الأربعة أرطال بمرفوعة إبراهيم بن هاشم عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سُئل عن الرجل في البادية لا يمكنه الفطرة «قال : يتصدّق بأربعة أرطال من لبن» ، ونحوها مرسلة القاسم بن الحسن التي لا يبعد اتّحادها مع المرفوعة (١).

ولكنّها من أجل ضعف السند غير قابلتين للاعتماد ولم يبلغ العامل بهما حدّا يمكن أن يتوهّم انجبار الضعف بالعمل على القول بالجبر.

على أنّ الدلالة أيضاً قاصرة ، إذ لا تعرّض فيها لمقدار الفطرة ، بل قد فرض العجز عنها ، الظاهر في العجز عن جميع الأجناس حتّى اللبن عيناً وقيمةً ، فأمر (عليه السلام) بالتصدّق حينئذٍ أربعة أرطال ، فما يعطيه صدقة لا فطرة ، ومحل الكلام بيان مقدار الفطرة للمتمكّن منها ، فهي أجنبيّة عمّا نحن فيه بالكلّيّة وبين المسألتين بونٌ بعيد.

يبقى الكلام في مكاتبة محمّد بن الريّان ، قال كتبت إلى الرجل أسأله عن الفطرة وزكاتها ، كم تؤدّى؟ فكتب : «أربعة أرطال بالمدني» (٢).

والظاهر أنّ من فسّر الرطل بالمدني استند إلى هذه الرواية.

ولكنّها بالرغم من صحّة سندها غير صالحة للاستدلال ، إذ لم يذكر فيها اللبن ، وإنّما سأل عن مقدار الفطرة بقولٍ مطلق وحملها عليه بلا شاهد. إذن فهي معارضة لجميع النصوص الدالّة على أنّ مقدار الفطرة صاع.

وما احتمله الشيخ من أنّ ذلك من تصحيف الراوي وأنّ أصله أربعة أمداد بدل أربعة أرطال (٣).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٤١ / أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ٣.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٤٢ / أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٨٤.

٤٥٤

والصاع أربعة أمداد (١) ، وهي تسعة أرطال بالعراقي ، فهو ستمائة وأربعة عشر مثقالاً وربع مثقال بالمثقال الصيرفي ، فيكون بحسب حقّة النجف التي

______________________________________________________

فهو مجرّد حمل لا شاهد عليه أيضاً.

وعليه ، فهذه رواية شاذّة لا قائل بها لا من العامّة ولا الخاصّة ، ومنافية لجميع الأخبار المشهورة كما عرفت ، فلا مناص من طرحها وردّ علمها إلى أهله.

فتحصّل : أنّه لا فرق بين اللبن وغيره في أنّ مقدار الفطرة في الجميع صاع واحد لا أقلّ من ذلك.

وهنا أمر آخر عجيب جدّاً ، وهو أنّ الشيخ ذكر في كتاب المصباح على ما حكاه عنه في الجواهر (١) أنّه فسّر الصاع في خصوص اللّبن بأربعة أرطال ، وأنّ مفهوم الصاع فيه يمتاز عن مفهومه في غيره ، وبذلك يرتفع التنافي بين الأخبار ، فلا يكون المقدار في اللبن أقلّ من الصاع ، إذ هو في الأقط صاع ففي اللبن بطريق أولى كما لا يخفى. إلّا أنّ مفهوم الصاع متى أُطلق على اللبن فالمراد أربعة أرطال مدنيّة المعادل ستّة أرطال عراقيّة ، ومتى أُطلق على غيره من الحنطة ونحوها فالمراد تسعة أرطال.

وهذا منه كما ترى عجيب جدّاً ، إذ لم ينقل عن أحد تفسير الصاع بمعنيين ، بل له معنى واحد ، وهو اسم لكمّيّة خاصّة من الوزن من دون فرق بين ما يتقدّر ، لبناً كان أم غيره.

(١) كما تقدّم ذلك مستقصًى في زكاة الغلّات ، فلاحظ (٢).

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٥٢٤ وهو في المصباح : ٦٦٥.

(٢) شرح العروة ٢٣ : ٣١٥ ٣١٦.

٤٥٥

هي تسعمائة مثقال وثلاثة وثلاثون مثقالاً وثلث مثقال نصف حقّة ونصف وقيّة وأحد وثلاثون مثقالاً إلّا مقدار حمّصتين ، وبحسب حقّة الإسلامبول وهي مائتان وثمانون مثقالاً حقّتان وثلاثة أرباع الوقيّة ومثقال وثلاثة أرباع المثقال ، وبحسب المنّ الشاهي وهو ألف ومائتان وثمانون مثقالاً نصف مَنّ إلّا خمسة وعشرون مثقالاً وثلاثة أرباع المثقال.

[٢٨٦٠] مسألة ٥ : المدار قيمة وقت الإخراج (١) لا وقت الوجوب ، والمعتبر قيمة بلد الإخراج لا وطنه ولا بلد آخر ، فلو كان له مال في بلد آخر غير بلده وأراد الإخراج منه كان المناط قيمة ذلك البلد لا قيمة بلده الذي هو فيه.

______________________________________________________

(١) لانصراف الأمر بأداء القيمة إلى قيمة وقت الإخراج كبلدة لا وقت الوجوب أو بلد آخر ، وعليه تنزّل النصوص.

وتؤيّده رواية المروزي : «... والصدقة بصاع من تمر ، أو قيمته في تلك البلاد دراهم» (١).

والمشهور أنّه لا تقدير للقيمة ، بل العبرة بالقيمة الواقعيّة التي تختلف باختلاف الأزمان والأمكن ، وأنّ التقدير إنّما ورد بحسب الكيل والوزن ولم يرد بلحاظ القيمة.

ولكن الشرائع حكى عن قوم تقديره بدرهم ، وعن آخرين بثلثي درهم (٢).

أمّا الأخير فلم يعرف له قائل ، بل قيل : ولا مستند. ولكن يمكن والله

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٤٧ / أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ٧.

(٢) الشرائع ١ : ٢٠٣.

٤٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

العالم أن يكون مستنده مرسلة المفيد ، قال : وروى : «أنّ أقلّ القيمة في الرخص ثلثا درهم» (١) ، غير أنّ إرساله مانع عن الاعتماد عليه.

وأمّا الدرهم فيستدلّ له بموثّقة إسحاق بن عمّار «قال : لا بأس أن يعطيه قيمتها درهماً» (٢) ، قال في الوسائل : هذا محمول على مساواة الدرهم للقيمة يومئذٍ أو زيادته ، لما تقدّم في حديث أيّوب بن نوح.

ولكنّه من البعد بمكان ، لاختلاف قيم الأجناس حتّى في ذلك الزمان بالضرورة ، فالحنطة أغلى من الشعير ، والزبيب أغلى من التمر ، وهكذا ، فكيف يمكن تقويم الكلّ بدرهم واحد؟

نعم ، رواية أيّوب بن نوح (٣) تدلّ على التقدير بالدرهم ، ولكن لم يعلم أنّه قيمة لأيّ جنس ، فلا يمكن الأخذ بإطلاقها.

وكيف ما كان ، فيقع الكلام في الموثّقة تارةً من حيث السند ، وأُخرى من ناحية الدلالة.

أمّا السند : فقد قيل بضعفه من أجل الاشتمال على أحمد بن هلال الذي عدل عن الحقّ بعد أن كان من أصحاب أبي محمّد (

عليه السلام) ، فانحرف بعد أن كان مستقيماً ، لما كان يترقّبه من الوكالة عن الناحية المقدّسة ، وقد ورد في حقّه ذموم كثيرة.

وقد ضعّفه الشيخ في الاستبصار صريحاً وقال : ضعيف فاسد المذهب لا يلتفت إلى حديثه فيما يختصّ بنقله (٤).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٤٩ / أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ١٤ ، المقنعة : ٢٥١.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٤٨ / أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ١١.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٤٦ / أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ٣.

(٤) الاستبصار ٣ : ٢٨.

٤٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

واستثناه ابن الوليد ممّا يرويه محمّد بن أحمد بن يحيى وتبعه الصدوق وابن نوح (١).

وقال النجاشي : إنّه صالح الرواية يعرف منها وينكر (٢).

وفصّل الشيخ في العدّة بين ما يرويه حال استقامته وما يرويه حال انحرافه (٣).

وفصّل ابن الغضائري بين ما يرويه عن كتاب ابن محبوب ونوادر ابن أبي عمير وبين غيرها (٤).

وقال في التهذيب : إنّه مشهور بالغلوّ واللعنة ، وما يختصّ بروايته لا نعمل به (٥).

وأخيراً صرّح الشيخ الأنصاري (قدس سره) بأنّه ممّن لا دين له ، لأنّه كان يظهر الغلوّ مرة والنصب اخرى مع ما بين المرحلتين من بعد المشرقين (٦).

والذي يتحصّل لدينا من مجموع ما قيل في حقّه : أنّه لا ينبغي التأمّل في كون الرجل فاسد العقيدة ، مذموم السريرة ، باع دينه لدنياه طلباً للجاه والمقام ، إلّا أنّ ذلك كلّه لا يستوجب ضعف الرجل في الحديث ولا ينافي وثاقته ، بل الظاهر من عبارة النجاشي : صالح الرواية ، أنّه ثقة في نفسه ، غايته أنّ حديثه يعرف منها وينكر ، وقد ذكرنا غير مرّة أنّ رواية الراوي أُموراً منكرة من جهة كذب مَن حدّثه بها لا ينافي وثاقته بوجه ، فلا يصادم هذا التعبير تزكيته بأنّه

__________________

(١) حكاه النجاشي : ٣٤٨ / ٩٣٩.

(٢) النجاشي : ٨٣ / ١٩٩.

(٣) العدة : ٥٦ ٥٧.

(٤) خلاصة الأقوال : ٣٢٠ / ١٢٥٦.

(٥) التهذيب ٩ : ٢٠٤ / ٨١٢.

(٦) كتاب الطهارة ١ : ٣٥٥.

٤٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

صالح الرواية. ويؤيّده وقوعه في إسناد كامل الزيارات.

وأمّا تضعيف الشيخ فهو اجتهادٌ منه استنتجه من كونه فاسد العقيدة ، فلا يمكن الاعتماد عليه ، بل أنّ تفصيله في العدّة بين ما يرويه حال الاستقامة وما يرويه بعدها لا يخلو عن نوع شهادة بالوثاقة.

وكذا تفصيل ابن الغضائري ، إذ مع عدم وثاقته كيف يفصل بين روايته عن كتابٍ دون كتاب أو في حالٍ دون حال؟! وعلى الجملة : لم ينهض شي‌ء ممّا ذكر في مقابل التوثيق المستفاد من كلام النجاشي ، وقد ذكرنا غير مرّة أنّ فساد العقيدة لا يضرّ بصحّة الرواية بعد ثبوت الوثاقة على ما نرتئيه من حجّيّة خبر الثقة مطلقاً. فالظاهر أنّ الرجل موثّق وإن استثناه ابن الوليد ومن تبعه ، فإنّ ذلك ربّما كان لعلّة هو أدرى بها بعد أن لم يكن قدحاً في الرجل نفسه ، فالرواية معتبرة سنداً.

وأمّا الدلالة : فهي مبنيّة على أن يكون التنوين في «درهماً» للتنكير ، أي درهماً واحداً ، وهو غير واضح ، بل الظاهر أنّ الدرهم تمييز للقيمة ، والمراد تخصيص القيمة بكونها من الدراهم ، لا من جنس آخر كما هو الصحيح عندنا على ما مرّ ويؤيّده التعبير بالفضّة بدل الدرهم في موثّقته الأُخرى ، وفي بعض الروايات : الدرهم ، بدل : درهم ، فما ذكره المشهور من عدم التقدير في البين وأنّ العبرة بالقيمة الفعليّة هو الصحيح.

٤٥٩

فصل

في وقت وجوبها

وهو دخول ليلة العيد (*) جامعاً للشرائط (١).

______________________________________________________

(١) اختلفت كلمات الأصحاب (قدس سرهم) في مبدأ وقت وجوب الفطرة :

فعن جماعة كثيرين : أنّها تجب بغروب شمس آخر يوم من شهر رمضان جامعاً للشرائط ، كما صرّح به المحقّق في الشرائع والمعتبر والعلّامة في جملة من كتبه والشهيد الثاني في المسالك ونقل عن الشيخ في الجمل والاقتصاد واختاره ابن حمزة وابن إدريس بل نسبه في الحدائق إلى المشهور بين المتأخّرين (١).

وعن جماعة آخرين : أنّ وقتها طلوع الفجر من يوم الفطر ، وإليه مال السيّد في المدارك (٢).

ويستدلّ للمشهور بما رواه الصدوق بإسناده عن عليّ بن أبي حمزة ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في المولود يولد ليلة الفطر واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر «قال : ليس عليهم فطرة ، وليس الفطرة إلّا على مَن أدرك الشهر» (٣).

__________________

(*) بل طلوع الفجر من يوم العيد.

(١) الشرائع ١ : ٢٠٣ ، المعتبر ٢ : ٦١١ ، القواعد ١ : ٣٥٩ ، التذكرة ٥ : ٣٩١ ، النهاية ٢ : ٤٤٠ ، المسالك ١ : ٤٥٢ ، الجمل والعقود (الرسائل العشر) : ٢٠٩ ، الاقتصاد : ٤٢٩ ، الوسيلة : ١٣١ ، السرائر ١ : ٤٦٩ ، الحدائق ١٢ : ٢٩٧.

(٢) المدارك ٥ : ٣٤٤.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٥٢ / أبواب زكاة الفطرة ب ١١ ح ١ ، الفقيه ٢ : ١١٦ / ٥٠٠.

٤٦٠