موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

يمكن أن يقال : إنّ التكليف متوجّه بتفريغ ذمّة الغير؟!

أو يقال : بأنّ مقتضى الجمع بين ما دلّ على وجوب الزكاة على كلّ مكلّفٍ ، وما دلّ على وجوبها على المعيل هو الالتزام بالوجوب الكفائي الذي نتيجته أنّ المعيل لو أدّى سقط عن المعال عنه ، وإلّا وجب على المعال نفسه.

وهذا أيضاً كما ترى ، فإنّه وإن كان أمراً ممكناً في نفسه إلّا أنّه لا دليل عليه في مقام الإثبات بوجه ، بل الدليل على خلافه ، فإنّ مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام) في صحيح ابن يزيد المتقدّم : «الفطرة واجبة على كلّ من يعول» أنّ الضيف لو أدّى فطرته بنفسه لم يسقط الوجوب عن المعيل ، ضرورة أنّ مقتضى إطلاق الوجوب كونه عينيّاً لا كفائيّاً ، فتكون هذه الصحيحة مخصّصة لما دلّ على وجوب الفطرة عل كلّ مكلّف ، أي إلّا إذا كان عيالاً لغيره.

والحاصل : أنّ مقتضى الوجوب الكفائي هو السقوط عن المعيل بأداء العيال ، وهو خلاف الإطلاق ولم يلتزم به الفقهاء أيضاً ، فإذا كان الوجوب عينيّاً ومخصّصاً لإطلاقات الفطرة على كلّ مكلّف فعصيان المعيل وعدمه سيّان في عدم التعلّق بالعيال على أيّ حال حسبما عرفت.

هذا كلّه فيما إذا كان المعيل مكلّفاً بالإخراج ولو واقعاً ولم يؤدّ خارجاً إمّا لعصيان أو جهل لم يُعذَر فيه.

وأمّا إذا لم يتعلّق به التكليف حتّى في صقع الواقع ، كما في الناسي أو الغافل أو الجاهل المركّب المعتقد للخلاف ، مثل : ما لو اعتقد أنّ هذا اليوم من شهر رمضان ولم يكن يوم العيد فكان عدم الأداء مستنداً إلى انتفاء التكليف دون العصيان أو التقصير ، فهل يجب الإخراج حينئذٍ على المعال عنه أم لا؟

صريح عبارة الماتن هو الثاني ، لعطفه النسيان على العصيان ، وهو وجيه ، بناءً على القول بأنّ زكاة الفطرة كزكاة المال حقّ مالي متعلّق بالعين ، على الخلاف في

٤٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

كيفيّة التعلّق وأنّ الذمّة مشغولة بأدائها كالدين ، فالمجعول في موردها حكم وضعي ثابت في الذمّة لا بدّ من الخروج عن عهدتها من غير أن يكون منوطاً بثبوت التكليف وعدمه ، كما هو الحال في سائر موارد الأحكام الوضعيّة من الضمانات ونحوها. وعليه ، فرفع التكليف الواقعي بحديث رفع النسيان لا يقدح في اشتغال ذمّة المعيل ، فهو مشمول لدليل الإخراج عن العيال وإن لم يتضمّن التكليف ، ومعه لا تكليف بالإضافة إلى العيال ، لمكان التخصيص حسبما عرفت.

وأمّا بناءً على ما هو الصحيح من أنّ الفطرة مجرّد حقّ إلهي والمجعول في موردها حكم تكليفي محض من غير أن يتضمّن الوضع بوجه ومن غير أن تكون الذمّة مشغولة بشي‌ء ولا مدينة للفقراء ، فبما أنّ هذا التكليف مرفوع حتّى واقعاً كما هو المفروض فلم يكن ثمّة وجوب في حقّ المعيل كي يكون مسقطاً عن المعال عنه ومخصّصاً لعموم وجوب الفطرة على كلّ مكلّف. إذن فتبقى العمومات الشاملة للمعال عنه كسائر آحاد المكلّفين على حالها ، لسلامتها عندئذٍ عن المخصّص ، فيحكم بمقتضاها بوجوب الفطرة عليهم.

فتحصّل : أنّه ينبغي التفصيل في السقوط عن العيال لدى عدم الإخراج بين تعلّق التكليف بالمعيل وعدمه ، وعلى الثاني بين كون الفطرة حقّا ماليّاً أم حكماً تكليفيّاً ، فيسقط على الأولين دون الأخير حسبما عرفت.

وممّا ذكرناه يظهر الحال في :

الجهة الثانية ، وهي أنّ المعيل إذا كان فقيراً فسقط الوجوب عنه لم يكن حينئذٍ أيّ موجب للسقوط عن العيال إذا كان غنيّاً ، لشمول العمومات له بعد سلامتها عن المخصّص ، إذ ليس المخصّص لها عدا تعلّق الوجوب بالمعيل ، وإذا سقط لأجل الفقر فلا مخصّص ، ومعه كانت عمومات الفطرة محكمة ولا مجال بعد هذا للرجوع إلى أصالة البراءة كما قيل بذلك في الزوجة الموسرة إذا كان زوجها معسراً ، إذ لا موضوع للأصل بعد وجود العموم اللفظي المقتصر في

٤٠٢

ولو تكلّف المعيل الفقير بالإخراج (١) على الأقوى ، وإن كان السقوط حينئذٍ لا يخلو عن وجه.

[٢٨٣٨] مسألة ٣ : تجب الفطرة عن الزوجة سواء كانت دائمة أو متعة مع العيلولة لهما ، من غير فرق بين وجوب النفقة عليه أو لا ، لنشوز أو نحوه (٢). وكذا المملوك وإن لم تجب نفقته عليه ، وأمّا مع عدم العيلولة فالأقوى عدم الوجوب عليه وإن كانوا من واجبي النفقة عليه ، وإن كان الأحوط الإخراج خصوصاً مع وجوب نفقتهم عليه. وحينئذٍ ففطرة الزوجة على نفسها إذا كانت غنيّة ولم يعلها الزوج ولا غير الزوج أيضاً ، وأمّا إن عالها أو عال المملوك غير الزوج والمولى فالفطرة عليه مع غناه.

______________________________________________________

تخصيصه على صورة استجماع شرائط الوجوب في المعيل كما هو واضح.

(١) استحباباً لو قلنا به حتّى عن عياله الغني ، ولم نناقش فيه باختصاص الدليل بصورة فقره وفقر عائلته ، وكيف ما كان فلو تكلّف بالإخراج استحباباً أو رجاءً لم يكن مجزئاً عن العيال بعد فرض غناه وتوجيه الخطاب إليه ، فإنّ إطلاقه يقتضي عدم السقوط عنه بفعل الغير.

نعم ، له وجه كما أشار إليه في المتن ، نظراً إلى أنّه بعد فرض الاستحباب في حقّ المعيل وقيامه بالإخراج يحتمل السقوط حينئذٍ عن العيال ، ولكنّه مدفوع بإطلاق الدليل وعدم كونه مشروطاً بعدم أداء المعيل حسبما عرفت.

(٢) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، فإنّ العبرة بصدق العيال لا بوجوب الإنفاق ، كما يشهد به إطلاق الأخبار ، بل في بعضها التصريح بالفطرة عن رقيق المرأة ، ونحو ذلك ممّن لا يجب الإنفاق عليه قطعا.

إنّما الكلام مع عدم العيلولة ، فهل الزوجيّة بعنوانها وكذا المملوكيّة

٤٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

تستوجب الإخراج مطلقاً كما عن جماعة؟ أو بشرط وجوب الإنفاق كما نسب إلى المشهور؟ أو لا يجب مطلقاً؟

ربّما يستدلّ للوجوب بروايتين معتبرتين :

الاولى : معتبرة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلّا أنّه يتكلّف له نفقته وكسوته ، أتكون عليه فطرته؟ «فقال (عليه السلام) : لا ، إنّما تكون فطرته على عياله صدقة دونه. وقال : العيال : الولد والمملوك والزوجة وأُمّ الولد» (١).

ولكنّها كما ترى قاصرة الدلالة لا على التفصيل ، لعدم التقييد فيها بوجوب الإنفاق كما هو ظاهر ، ولا على القول المطلق ، لأنّه (عليه السلام) في مقام بيان المائز بين من يجب الإنفاق عليه وهي الزوجة والمملوك ونحوهما ومن لا يجب وهو الأجنبي الذي يتكلّف له نفقته من غير أن يكون عيالاً له لا في مقام تفسير مفهوم العيال تعبّداً كي تدلّ على أنّ الزوجة بعنوانها مصداق تعبّدي لهذه الكبرى يجب الإخراج عنها ، وجبت نفقتها أم لا ، كان عائلاً لها خارجاً أي تحت رعايته ومتكفّلاً لشؤونها أم لا ، فإنّ ذلك خلاف الظاهر من سياقها جدّاً كما لا يخفى.

ويشهد لذلك ذكر الولد عند تعداد العيال ، فإنّه لا يحتمل وجوب الإخراج عن الولد بما هو كذلك وإن كان غنيّاً وخارجاً عن عيلولته.

الثانية : موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفطرة إلى أن قال : «وقال : الواجب عليك أن تعطي عن نفسك وأبيك وأُمّك وولدك وامرأتك وخادمك» (٢).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٢٨ / أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٣.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٢٨ / أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٤.

٤٠٤

[٢٨٣٩] مسألة ٤ : لو أنفق الولي على الصغير أو المجنون من مالهما سقطت الفطرة عنه وعنهما (١).

[٢٨٤٠] مسألة ٥ : يجوز التوكيل في دفع الزكاة إلى الفقير (٢) من مال الموكّل ويتولّى الوكيل النيّة ، والأحوط نيّة الموكّل أيضاً على حسب ما مرّ في زكاة المال. ويجوز توكيله في الإيصال ويكون المتولّي حينئذٍ هو نفسه. ويجوز الإذن في الدفع عنه أيضاً لا بعنوان الوكالة ، وحكمه حكمها ، بل يجوز توكيله أو إذنه في الدفع من ماله بقصد الرجوع عليه بالمثل أو القيمة ، كما يجوز التبرّع به من ماله بإذنه أو لا بإذنه ، وإن كان الأحوط عدم الاكتفاء في هذا وسابقه.

______________________________________________________

حيث إنّ الظاهر منها أنّ المرأة بعنوانها موضوع لوجوب الإخراج عنها إمّا مطلقاً أو بشرط وجوب الإنفاق.

وفيه : أنّ لازم الموضوعيّة أن يكون الولد أيضاً بعنوانه موضوعاً لوجوب الإخراج ، وقد عرفت ما فيه. مضافاً إلى أنّ لازم ذلك أن يجب على كلّ من الوالد والولد إخراج الفطرة عن الآخر كما وجب عن نفسه لذكرهما معاً مع أنّها ليست إلّا فطرة واحدة. فليست الموثّقة إلّا بصدد بيان مصاديق من يعوله الإنسان من غير موضوعيّة لشي‌ء من هذه العناوين بوجه.

فالصحيح عدم الوجوب إلّا مع العيلولة كما أفاده في المتن.

(١) لفقد العيلولة عنه وفقد البلوغ أو العقل عنهما.

(٢) تقدّم الكلام حول هذه المسألة مستقصًى في زكاة المال (١) ، فلا حاجة إلى التكرار.

__________________

(١) في ص ٢٧٦.

٤٠٥

[٢٨٤١] مسألة ٦ : من وجب عليه فطرة غيره لا يجزئه إخراج ذلك الغير عن نفسه (١) ، سواء كان غنيّاً أو فقيراً وتكلّف بالإخراج ، بل لا تكون حينئذٍ فطرة ، حيث إنّه غير مكلّف بها. نعم ، لو قصد التبرّع بها عنها أجزأه على الأقوى وإن كان الأحوط العدم.

[٢٨٤٢] مسألة ٧ : تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي (٢) كما في زكاة المال ، وتحلّ فطرة الهاشمي على الصنفين.

______________________________________________________

وأمّا ما أفاده في ذيل هذه المسألة من جواز التبرّع به من ماله ولو لا بإذنه فغير خالٍ عن الإشكال ، فإنّ الفطرة عبادة لا بدّ من قصد التقرّب ممّن وجبت عليه وإن كان صدورها منه بنحو التسبيب بإذنٍ أو توكيل ونحوهما ، وأمّا بدون الاطّلاع والإذن فلا تقرّب منه ، ولا ينفع التقرّب من غيره. وقياسه بأداء الدين المتحقّق بفعل المتبرّع ولو بدون الإذن مع الفارق ، فإنّه هناك مطابق مع القاعدة ، لعدم كون المقصود عدا تفريغ الذمّة ولو تبرّع به الغير بالسيرة العقلائية ، مضافاً إلى النصوص الخاصّة ، بخلاف المقام حسبما عرفت.

(١) لما عرفت من أنّ مقتضى الإطلاق لزوم صدوره منه وعدم السقوط بفعل الغير ، بل لا يجزئ حتّى مع قصد التبرّع ، للزوم قصد التقرّب ممّن وجبت عليه كما تقدّم آنفاً.

(٢) فإنّ الموضوع في جملة من الأخبار وإن كان زكاة المال إلّا أنّ الموضوع في جملة أُخرى منها هو عنوان الزكاة المفروضة أو الصدقة الواجبة التي لا قصور في شمولها لزكاة الفطرة ، ولا سيّما بملاحظة ما في بعض النصوص من أنّها نزلت في القرآن قبل نزول زكاة المال. وكيف ما كان ، فالمناقشة في شمول الإطلاق للمقام في غير محلّها.

٤٠٦

والمدار على المعيل لا العيال (١) ، فلو كان العيال هاشميّاً دون المعيل لم يجز دفع فطرته إلى الهاشمي ، وفي العكس يجوز.

______________________________________________________

نعم ، قد يستدلّ برواية زيد الشحّام على اختصاص الحكم بزكاة المال ، من أجل اشتمالها على تفسير الممنوع إعطاؤها لبني هاشم بالزكاة المفروضة المطهّرة للمال.

ولكن الرواية المشتملة على هذا التفسير غير موجودة إلّا في الجواهر (١) ، ولا ندري من أين نقلها ، والظاهر أنّه لا أصل

لها ، بل هي من سهو قلمه الشريف ، والموجود في الوسائل هكذا : سألته عن الصدقة التي حرّمت عليهم «فقال : هي الزكاة المفروضة ، ولم يحرّم علينا صدقة بعضنا على بعض» (٢).

وهي كما ترى خالية عن التقييد بالمطهّر للمال كي تختصّ بزكاة المال.

وعلى فرض وجودها فهي ضعيفة السند بمفضّل بن صالح أبي جميلة ، فلا تصلح للاستناد إليها بوجه.

(١) إذ هو المخاطب بأداء الزكاة والمشغول ذمّته بها ، فتكون العبرة في الهاشمي بحاله.

خلافاً لصاحب الحدائق ، حيث جعل المدار على العيال ، نظراً إلى إضافة الزكاة إليهم ، فيقال : هذه فطرة عن العيال ، فإذا كان هاشميّاً يصدق أنّ هذه صدقة الهاشمي ، وإن لم يكن المعيل هاشميّاً فهي منسوبة إليهم ومتعلّقة بهم ، فتكون العبرة بهم أيضا (٣).

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٤١٢.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٧٤ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٢ ح ٤.

(٣) الحدائق ١٢ : ٣١٧.

٤٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ويندفع بأنّ الوارد في المقام لو كان نصّ خاصّ يتضمّن المنع عن دفع فطرة غير الهاشمي للهاشمي لأمكن التعلّق حينئذٍ بهذه الإضافة ولكان وجهٌ لهذه المقالة.

ولكنّك عرفت خلوّ المقام عن النصّ الخاص ، وإنّما استفيد حكمه ممّا ورد في زكاة المال من شمول الزكاة المفروضة والصدقة الواجبة للمقام. وعليه ، فلا عبرة بتلك الإضافة ، فإنّها نظير الإضافة في زكاة المال إلى الغلّات أو الأنعام فيقال : هذه زكاة الحنطة أو زكاة الإبل أو الغنم ونحو ذلك ، فإنّ العيال هنا بمثابة ما يخرج عنه في زكاة المال ، فلا قيمة لهذا الإسناد والإضافة بوجه ، بل العبرة بمن تعلّق به الخطاب واشتغلت ذمّته كما مرّ ، فإنّ الزكاة إنّما تتعلّق بماله لا بمال من يخرج عنه وهو العيال وإن كان ذلك علّة التشريع وسبب الإيجاب ، إلّا أنّ الخطاب بالآخرة متعلّق بالمعيل والإخراج لا يكون إلّا من ماله ، فالعبرة لا محالة بماله ، لكون الصدقة صدقته وإن كانت عن غيره كما لعلّه ظاهر.

هذا كلّه بناءً على ما هو المشهور من كون الوجوب على المعيل عينيّاً ، وهو الصحيح على ما تقدّم.

وأمّا بناءً على الوجوب الكفائي فقد يقال بتعارض الدليلين لدى تخالف المعال مع المعيل في الهاشميّة ، لانطباق كلا العنوانين ، لصدق أنّها فطرة الهاشمي كما يصدق أنّها فطرة غير الهاشمي ، وبعد التعارض والتساقط يرجع إلى إطلاقات الجواز.

ولكنّه كما ترى ، إذ على هذا المبنى تشتغل ذمّة كلّ من المعيل والمعال بالإخراج ويجب ذلك على كلّ منهما بسنخ وجوبٍ يعبّر عنه بالكفائيّة. وعليه ، فكلّ منهما بادر بالإخراج وتصدّى للامتثال وأعطى ما يسقط به التكليف عن الآخر ، يكون هو المدار وعليه الاعتبار ، فإن كان هاشميّاً جاز دفعه إلى

٤٠٨

[٢٨٤٣] مسألة ٨ : لا فرق في العيال بين أن يكون حاضراً عنده وفي منزله أو منزل آخر أو غائباً عنه (١) ، فلو كان له مملوك في بلد آخر لكنّه ينفق على نفسه من مال المولى يجب عليه زكاته ، وكذا لو كانت له زوجة أو ولد كذلك ، كما أنّه إذا سافر عن عياله وترك عندهم ما ينفقون به على أنفسهم يجب عليه زكاتهم. نعم ، لو كان الغائب في نفقة غيره لم يكن عليه ، سواء كان الغير موسراً ومؤدّياً أو لا. وإن كان الأحوط في الزوجة والمملوك إخراجه عنهما مع فقر العائل أو عدم أدائه. وكذا لا تجب عليه إذا لم يكونوا في عياله ولا في عيال غيره ، ولكن الأحوط في المملوك والزوجة ما ذكرنا من الإخراج عنهما حينئذٍ أيضا.

______________________________________________________

الهاشمي ، وإلّا فلا. فلا تعارض ولا تساقط ، بل العبرة بالسابق منهما الشاغل للمحلّ والبادئ للإعطاء خارجاً حسبما عرفت.

(١) لإطلاق الدليل الشامل لما إذا كان العيال غائباً عن المعيل أو المعيل غائباً عن العيال أم كانا حاضرين ، فإنّ الوجوب ثابت على المعيل في الجميع بمناط واحد ، بمقتضى الإطلاق بعد حفظ صدق العيلولة كما هو المفروض ، فالحكم مطابق للقاعدة ، مضافاً إلى النصّ الخاصّ ، وهو صحيح جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : لا بأس بأن يعطي الرجل عن عياله وهم غيّب عنه ، ويأمرهم فيعطون عنه وهو غائب عنهم» (١).

وممّا ذكرناه يظهر الحال في المسألة الآتية ، فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٦٦ / أبواب زكاة الفطرة ب ١٩ ح ١.

٤٠٩

[٢٨٤٤] مسألة ٩ : الغائب عن عياله الذين في نفقته يجوز أن يخرج عنهم ، بل يجب ، إلّا إذا وكّلهم أن يخرجوا من ماله (*) الذي تركه عندهم ، أو أذن لهم في التبرّع عنه.

[٢٨٤٥] مسألة ١٠ : المملوك المشترك بين مالكين زكاته عليهما بالنسبة إذا كان في عيالهما معاً وكانا موسرين (١) ، ومع إعسار أحدهما تسقط وتبقى حصّة الآخر ، ومع إعسارهما تسقط عنهما ، وإن كان في عيال أحدهما وجبت عليه مع يساره ، وتسقط عنه وعن الآخر مع إعساره وإن كان الآخر موسراً ، لكن الأحوط إخراج حصّته ، وإن لم يكن في عيال واحد منهما سقطت عنهما أيضاً ، ولكن الأحوط الإخراج مع اليسار كما عرفت مراراً.

______________________________________________________

(١) قد يكون المملوك المشترك بين مالكين عيالاً لهما ، وأُخرى لأحدهما ، وثالثة لا لهذا ولا لذاك.

أمّا في الأخير فلا تجب الفطرة على أيّ منهما ، لعدم العيلولة ، ولا عبرة بمجرّد الملكيّة كما تقدّم.

نعم ، الأحوط ذلك ، لاحتمال الاكتفاء بها ، وحينئذٍ فإن كان عيالاً لثالث وجبت عليه ، وإلّا فلا تجب على أحد أبداً : لا نفسه ، لفقد الحرّيّة ، ولا غيره لفقد العيلولة.

وأمّا إذا كان عيالاً لأحدهما دون الآخر وجبت على المعيل إن كان موسراً ، وإلّا سقطت عنه وعن الآخر وإن كان موسراً ، لعسر المعيل وعدم عيلولة الموسر ، وإن كان الأحوط له الإخراج ، لاحتمال كفاية الملكيّة كما تقدّم.

__________________

(*) هذا فيما إذا كان واثقاً بأنّهم يؤدّون عنه.

٤١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا إذا كان عيالاً لهما معاً : فإن كانا معسرين سقط الوجوب عنهما كما هو واضح ، وإن كانا موسرين وجب عليهما بالنسبة ، عملاً بإطلاق قوله (عليه السلام) : «الفطرة على كلّ من يعول» الشامل لصورتي وحدة من يعول وتعذّره ، إذ لا قصور في الإطلاق عن الشمول لفرض التعدّد ، ومتى شمل لزم منه التقسيط بطبيعة الحال ، الذي مرجعه إلى أنّ النصف على هذا والنصف الآخر على المعيل الآخر ، فالتقسيط والتوزيع لازم قهري ، للإطلاق المزبور ، فهو مطابق لمقتضى القاعدة من غير حاجة إلى التماس دليل بالخصوص.

وتعضده مكاتبة محمّد بن القاسم بن الفضيل إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) يسأله عن المملوك يموت عنه مولاه وهو غائب في بلدة أُخرى وفي يده مال لمولاه ويحضر الفطرة ، أيزكّي عن نفسه من مال مولاه وقد صار لليتامى؟ «قال : نعم» (١).

بناءً على استظهار موت المولى قبل هلال شوّال كما تقدّم ليصحّ بها الاستدلال ، وإلّا فمع الحمل على الموت ما بعد الهلال كما صنعه صاحب الوسائل تكون أجنبيّة عن محلّ الكلام ، لكون المملوك عندئذٍ ملكاً لمولاه لدى تعلّق الوجوب ، لا لليتامى ليتحقّق الاشتراك ، عدا أنّها ضعيفة السند كما تقدّم.

نعم ، ربّما يستدلّ لعدم الوجوب بما رواه الصدوق بإسناده عن محمّد بن مسعود العيّاشي ، عن محمّد بن نصير ، عن سهل بن زياد ، عن منصور بن العبّاس ، عن إسماعيل بن سهل ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : قلت له : عبد بين قوم ، عليهم فيه زكاة الفطرة؟ «قال : إذا كان لكلّ إنسان رأس فعليه أن يؤدّي عنه فطرته ، وإذا كان

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٢٦ / أبواب زكاة الفطرة ب ٤ ح ٣.

٤١١

.................................................................................................

______________________________________________________

عدّة العبيد وعدّة الموالي سواء وكانوا جميعاً فيهم سواء أدّوا زكاتهم لكلّ واحد منهم على قدر حصّته ، وإن كان لكلّ إنسان منهم أقلّ من رأس فلا شي‌ء عليهم» (١).

وفيه أوّلاً : أنّها ضعيفة السند من جهات ، فإنّ طريق الصدوق إلى العيّاشي فيه مظفّر بن جعفر العلوي شيخ الصدوق ولم يوثّق ، ومجرّد الشيخوخة لا تكفي في الوثاقة كما مرّ مراراً ، مضافاً إلى اشتمال السند على عدّة من الضعفاء والمجاهيل كسهل بن زياد ومنصور بن العبّاس وإسماعيل بن سهل.

وأمّا محمد بن نصير فهو وإن كان مردّداً بين النميري الغير الموثّق ، بل الكذّاب الذي لم يسمح بعض وكلاء الإمام (عليه السلام) بالدخول عليه ، وبين الكشّي الثقة ، وقد استظهر الأردبيلي أنّه الأوّل ، ولكن الظاهر أنّه الثاني ، لأنّ الكشّي يقول في أوّل رجاله هكذا : ٩ محمّد بن مسعود العيّاشي وأبو عمرو بن عبد العزيز قالا حدّثنا محمّد بن نصير (٢). فالكشّي هو بنفسه والعياشي يرويان معاً عن محمّد بن نصير ، وبما أنّ الكشّي المزبور لا يروي إلّا عن محمّد بن نصير الكشّي فيظهر من ذلك أنّ العيّاشي أيضاً يروي عنه لا عن النميري كما لا يخفى. فلا نناقش في الرواية من هذه الجهة ، وإنّما الخدش من جهات اخرى حسبما عرفت.

وثانياً : بأنّها أخصّ من المدّعى ، إذ مفادها عدم الوجوب فيما إذا كان لهم أقلّ من رأس كامل ، لا ما إذا كان بقدر رأس أو أزيد ، كما لو كان عبيد ثلاثة بين اثنين ، فإنّ لكلّ واحد عبد ونصف ، فيزيد على الرأس ، فيجب الفطرة حينئذٍ ، فلا تدلّ على عدم الوجوب مطلقاً.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٦٥ / أبواب زكاة الفطرة ب ١٨ ح ١.

(٢) رجال الكشي : ٥ / ٩.

٤١٢

ولا فرق في كونه عليهما مع العيلولة لهما بين صورة المهاياة (١) وغيرها ، وإن كان حصول (*) وقت الوجوب في نوبة أحدهما ، فإنّ المناط العيلولة المشتركة بينهما بالفرض.

______________________________________________________

وإن كان أحدهما موسراً دون الآخر وجبت عليه بمقدار حصّته ، فإنّ ذلك مقتضى التقسيط المستفاد من الوجوب على المجموع حسبما عرفت في الصورة السابقة أعني : فرض يسار المعيلين ضرورة عدم احتمال كون الوجوب المتعلّق بأحدهما منوطاً بتعلّق التكليف بالآخر أو مشروطاً بامتثاله ، ومن ثمّ لو لم يخرج الآخر عصياناً أو نسياناً لم يسقط التكليف عن هذا في حصّته قطعاً.

وعلى الجملة : المعيل المتعدّد محكوم بالإخراج عن العيال كالواحد بمقتضى الإطلاق ، ومرجعه إلى جعل الوجوب على المجموع ، وبما أنّ كلّاً منهما نصف المجموع فهو محكوم بإخراج نصف الصاع من غير أن يكون هذا التكليف منوطاً بتكليف الآخر أو امتثاله ، فإذا سقط عن الآخر لمكان العسر لم يسقط عن هذا.

وهذا نظير باب الضمانات ، فلو غصب المال شخصان مجتمعاً فبطبيعة الحال يكون كلّ واحد منهما ضامناً للنصف من غير أن يكون مشروطاً لا بضمان الآخر للنصف الآخر ولا بأدائه ، فإنّ ذلك نتيجة التقسيط المتحصّل من تعلّق الضمان بالمجموع.

(١) أي المقاسمة بين المالكين في خدمة العبد بأن يكون شهراً مثلاً عند هذا وشهراً عند الآخر أو أقلّ أو أكثر حسبما اتّفقا عليه.

هذا ، وقد تقدّم في الضيف أنّ العبرة في وجوب الزكاة بصدق العيلولة في

__________________

(*) لا يبعد الوجوب على من حصل في نوبته.

٤١٣

ولا يعتبر اتّفاق جنس المخرج من الشريكين (١) ، فلأحدهما إخراج نصف صاع من شعير والآخر من حنطة ، لكن الأولى بل الأحوط الاتّفاق.

______________________________________________________

زمان الوجوب لا مطلقاً خلافاً لصاحب الجواهر (١) حيث استظهرنا من قوله (عليه السلام) في صحيح ابن يزيد : «نعم ، الفطرة على كلّ من يعوله» أنّه بمنزلة الصغرى والكبرى لا أنّها جملة مستأنفة ، وأنّ المدار على صدق العيال لدى رؤية الهلال إلى ما قبل الزوال ، ولا عبرة بالعيلولة المطلقة. وعليه ، فالعبد في صورة المهاياة عيال لمن يقع في نوبته ، فإذا صادفت نوبة أحد الشريكين وقت الوجوب فهو عيال له خاصّة في هذا الوقت ، ولا عبرة بعيلولته للشريك الآخر في الوقت الآخر.

وبعبارة اخرى : العبرة في وجوب الفطرة بالعيلولة دون الملكيّة ، والمقصود بها العيلولة الخاصّة الواقعة في زمان الوجوب لا بقول مطلق ، فإذا كان العبد في هذا الوقت في نوبة أحدهما فهو عيال له لا للآخر فتجب الزكاة عليه دون الآخر.

(١) لإطلاق الأدلّة المقتضي لجواز الاختلاف بأن يدفع أحدهما نصف صاع من الحنطة والآخر نصف صاع من الشعير مثلا.

وربّما يورد عليه بابتنائه على جواز التلفيق مع اتّحاد المعيل ، فإذا لم يجز لشخص واحد لم يجز لشخصين بمناط واحد.

والظاهر هو الفرق كما صنعه في المتن ، لاختلاف الملاك ، فإنّ الاتّحاد إنّما كان معتبراً في المعيل الواحد ، لأجل عدم الدليل على كفاية التلفيق ، لا لقيام دليل عليه بالخصوص ، نظراً إلى أنّ مفاد الأدلّة لزوم أداء صاع من حنطة أو شعير

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ٤٩٤ ٤٩٥.

٤١٤

[٢٨٤٦] مسألة ١١ : إذا كان شخص في عيال اثنين بأن عالاه معاً فالحال كما مرّ في المملوك بين شريكين (١) ،

______________________________________________________

أو تمر أو زبيب ونحو ذلك ، فلا بدّ من صدق صاع واحد من هذه العناوين على ما يؤدّى خارجاً ، والملفّق ليس بصاع من شي‌ء منها ، بل نصف صاع من هذا ونصف من الآخر ، ولا دليل على الاجتزاء به ، فيكفي في عدم الجواز هناك إطلاق الدليل ، وإلّا فلم يرد فيه نصّ خاصّ حسبما عرفت.

وأمّا في المقام فقد عرفت أنّ كلّاً منهما مكلّف بأداء نصف صاع لا صاع كامل ، من غير أن يكون منوطاً بإخراج الآخر ، بحيث لو فرضنا أنّ الآخر لم يخرج عصياناً أو نسياناً لم يسقط التكليف بالنصف عن هذا ، ففي الحقيقة الواجب على كلّ منهما نصف صاع من حنطة أو نصف صاع من شعير ، وهكذا. وعليه ، فالتقييد بكون المدفوع من كلّ منهما متّحداً في الجنس مع ما يدفعه الآخر بلا دليل ، ومقتضى الأصل البراءة عنه.

فالمسألتان ليستا من وادٍ واحد ، بل الأُولى مبنيّة على ظهور الروايات في لزوم صدق الصاع من حنطة مثلاً على المدفوع ، ولا صدق كذلك على الملفّق بلا دليل على الاجتزاء به.

وأمّا في الثانية فمقتضى إطلاق الدليل التوزيع ، ولا يجب على كلّ منهما إلّا نصف الصاع ، ولا دليل على لزوم اتّحاده مع ما يدفعه الآخر ، ومقتضى الأصل البراءة عنه.

(١) فلا وجوب مع الإعسار ، ويجب عليهما بالنسبة مع اليسار ، ومع الاختلاف وجب على الموسر منهما في حصّته دون الآخر ، إذ العبرة بالعيلولة دون الملكيّة كما تقدّم.

٤١٥

إلّا في مسألة الاحتياط المذكور (١) فيه. نعم ، الاحتياط بالاتّفاق في جنس المخرج جارٍ هنا أيضاً ، وربّما يقال بالسقوط عنهما ، وقد يقال بالوجوب عليهما كفايةً ، والأظهر ما ذكرناه.

______________________________________________________

(١) لا يبعد أن تكون هذه الجملة سهواً من قلمه الشريف ، إذ لا معنى لهذا الاستثناء ، لخروجه عن موضوع هذه المسألة.

فإنّ الاحتياط في تلك المسألة كان في موردين :

أحدهما : ما إذا عال العبد أحد المالكين وهو معسر ، فذكر أنّ الأحوط إخراج المالك الآخر إذا كان موسراً وإن لم يكن معيلاً ، لاحتمال كفاية مجرّد الملكيّة في وجوب الإخراج.

والثاني : ما إذا لم يكن في عيال واحد منهما ، فذكر أنّ الأحوط حينئذٍ إخراج المالك مع يساره ، لعين ما ذكر.

وهذا الاحتياط كما ترى لا موضوع له في هذه المسألة بتاتاً ، لفرض كونه في عيالهما معاً ، وهما أجنبيّان ، ولا ملكيّة في البين ، فلو فُرض الإعسار أو انتفاء العيلولة من أحدهم لم يكن فيه أيّ مقتضي للاحتياط ، لأنّ الموجب له هو الملكيّة حسبما عرفت المنتفية في محلّ الكلام ، فإنّ الأجنبي الغير المعيل أو المعيل المعسر لا يحتمل في حقّه الوجوب ليحتاط فيه كما هو ظاهر.

وأمّا احتمال السقوط عنهما بدعوى ظهور الأدلّة في العيلولة المختصّة ، فقد عرفت ضعفه وأنّه خلاف إطلاق الأدلّة الشاملة لصورتي وحدة المعيل وتعدّده.

كما أنّ احتمال الوجوب عليهما كفايةً أيضاً ساقط ، لما عرفت من ظهور الأدلّة بمقتضى الإطلاق في الوجوب العيني.

٤١٦

[٢٨٤٧] مسألة ١٢ : لا إشكال في وجوب فطرة الرضيع على أبيه إن كان هو المنفق على مرضعته (١) ، سواء كانت امّاً له أو أجنبيّة ، وإن كان المنفق غيره فعليه ، وإن كانت النفقة من ماله فلا تجب على أحد. وأمّا الجنين فلا فطرة له ، إلّا إذا تولّد قبل الغروب. نعم ، يستحبّ إخراجها عنه إذا تولّد بعده إلى ما قبل الزوال كما مرّ.

______________________________________________________

فهذه الاحتمالات لا يمكن المساعدة عليها بوجه ، بل الظاهر وجوب الإخراج عليهما معاً إن كانا واجدين للشرائط ، وإلّا فعلى الواجد بمقدار حصّته دون الآخر ، فلاحظ.

(١) تعرّضه (قدس سره) لذلك لمجرّد التنبيه والتوضيح ، وإلّا فلا خصوصيّة للرضيع ، بل هو وغيره سيّان في وجوب الإخراج على من يعول ، لعدم الفرق في العيال بين الصغير والكبير والذكر والأُنثى كما صُرّح به في الأخبار ، مضافاً إلى النصّ الوارد في مولود يولد ليلة الفطر من أنّه لا زكاة له ، حيث دلّ على أنّه إن ولد في الشهر وأدركه وجب الإخراج عنه.

وعلى الجملة : فإن لم يكن الرضيع عيالاً لأحد لكونه ذا مال بإرث ونحوه ينفق منه الولي عليه فلا فطرة عنه لا في ماله ، لعدم البلوغ ، ولا في مال الولي ، لعدم العيلولة.

وإن كان عيالاً : فإن كان مستقلا من غير تبعيّة لمرضعة كما في زماننا حيث يتغذّى الطفل بالحليب الجاف فهو حينئذٍ عيال لمن ينفق غذاءه كالأب ، إذ لا فرق بينه وبين غيره من سائر من يعول ، غايته أنّ غذاء غيره الخبز واللحم مثلاً وهذا غذاؤه الحليب الجاف ، فزكاته حينئذٍ على وليّه.

وإن لم يكن مستقلا بل يتغذّى بالإرضاع ، فهو حينئذٍ يتبع مرضعته ، سواء

٤١٧

[٢٨٤٨] مسألة ١٣ : الظاهر عدم اشتراط كون الإنفاق من المال الحلال (١) ، فلو أنفق على عياله من المال الحرام من غصب أو نحوه وجب عليه زكاتهم.

[٢٨٤٩] مسألة ١٤ : الظاهر عدم اشتراط صرف (٢) عين ما أنفقه أو قيمته بعد صدق العيلولة ، فلو أعطى زوجته نفقتها وصرفت غيرها في مصارفها وجب عليه زكاتها ، وكذا في غيرها.

[٢٨٥٠] مسألة ١٥ : لو ملّك شخصاً مالاً هبةً (٣) أو صلحاً أو هديّةً وهو أنفقه على نفسه لا يجب عليه زكاته ، لأنّه لا يصير عيالاً له بمجرّد ذلك. نعم ، لو كان من عياله عرفاً ووهبه مثلاً لينفقه على نفسه فالظاهر الوجوب.

______________________________________________________

كانت امّاً له أم أجنبيّة ، ويكون عيالاً لمن ينفق عليها ، سواء أكان أباه أم غيره.

وأمّا الجنين فقد تقدّم أنّه إن تولّد في شهر رمضان وجبت فطرته ، وإلّا فيستحبّ الإخراج عن المولود ليلة الفطر.

(١) فإنّ الحكم في الأدلّة معلّق على العيلولة وأن يكون الشخص تحت كفالته ورعايته ، فمتى صدق ذلك وجب الإخراج من غير فرق بين كون الإنفاق الخارجي من حلال أو حرام ، إذ لا مدخل لذلك في الصدق المزبور ، فعائلة السارق أو المقامر أو بيّاع الخمر عائلته عرفاً ، لكونهم تحت رعايته وعنايته وإن كان الإنفاق من المال الحرام ، فتجب فطرتهم عليه.

نعم ، أداء الزكاة لا بدّ وأن يكون من مال حلال ، للزوم كونه سائغ التصرّف ، وهذا أمر آخر غير مرتبط بمحلّ الكلام.

(٢) لإطلاق الأدلّة.

(٣) فإنّ موضوع الحكم العيلولة العرفيّة المتقوّمة بكونه تحت تكفّله ورعايته ،

٤١٨

[٢٨٥١] مسألة ١٦ : لو استأجر شخصاً واشترط في ضمن العقد أن تكون نفقته عليه (١) لا يبعد وجوب إخراج فطرته. نعم ، لو اشترط عليه مقدار نفقته فيعطيه دراهم مثلاً ينفق بها على نفسه لم تجب عليه ، والمناط الصدق العرفي في عدّه من عياله وعدمه.

______________________________________________________

ومجرّد الهبة والتمليك وإن كان بمقدار مئونة السنة بل العمر لا يستوجب صدق عنوان العيال بعد أن أنفق هو بنفسه على نفسه كما هو ظاهر.

نعم ، لو فرض كونه عيالاً خارجاً ولكن يهب إليه مالاً ليصرفه في معاشه ، فيعطي العائلة لكلّ منهم كلّ يوم مائة فلس مثلاً للصرف في الغداء والعشاء ، فالظاهر الوجوب حينئذٍ كما في المتن ، إذ لا ينافي ذلك صدق العيلولة ، فإنّ تكفّل المعاش قد يكون بصرف نفس الطعام ، وأُخرى قيمته بعنوان الوكالة بأن يشتري عن المنفق ما يحتاج إليه ، وثالثةً بعنوان الهديّة لكي يشتروا الطعام لأنفسهم بأموالهم ، فلا فرق بين إعطاء نفس النفقة أو بدلها أو مال بعنوان التملّك ليصرفوه في نفقتهم.

(١) تارةً : يكون الشخص أجيراً صرفاً من غير اشتراط النفقة كأكثر العمّال ولا إشكال حينئذٍ في عدم صدق العيال وأنّ فطرتهم على أنفسهم ، وهذا ظاهر.

وأُخرى : يشترط العامل النفقة على المستأجر ، وهذا على قسمين :

إذ تارةً : يكون الشرط أداء مقدار النفقة ، فيأخذ منه دراهم معيّنة بعنوان النفقة ويصرفها على نفسه ، وهذا أيضاً لا يستوجب صدق العيلولة ، فإنّه في الحقيقة ملحق بالأُجرة وإن كان بصورة الشرط في ضمن العقد.

وأُخرى : يكون الشرط نفس النفقة ، فيشترط أن تكون نفقته عليه بحيث يكون تحت كفالته ورعايته ، كما في خَدَمة البيوت وخادماتها المعدودين من

٤١٩

[٢٨٥٢] مسألة ١٧ : إذا نزل عليه نازل قهراً عليه ومن غير رضاه وصار ضيفاً عنده مدّة ، هل تجب عليه فطرته أم لا؟ إشكال (١). وكذا لو عال شخصاً بالإكراه والجبر من غيره. نعم ، في مثل العامل الذي يرسله الظالم لأخذ مال منه فينزل عنده مدّة ظلماً وهو مجبور في طعامه وشرابه ، فالظاهر عدم الوجوب ، لعدم صدق العيال ولا الضيف عليه.

______________________________________________________

أهل البيت وأفراد العائلة ، ففي مثل ذلك تجب الفطرة عنهم ، لصدق العيلولة.

فتحصّل : أنّ مجرّد الشرط في ضمن العقد لا يستوجب الوجوب ، بل العبرة بصدق العيال عرفاً حسبما عرفت.

(١) منشؤه ظهور الأدلّة ولو انصرافاً فيما لو كانت العيلولة باختيار المعيل ورضاه وعن طيب نفسه ، لا ما كان كرهاً وعلى رغم أنفه بحيث كان بقاؤه عنده على وجهٍ غير مشروع ، لإكراه وإجبار من نفس الضيف والعيال أو من شخص آخر ، فإنّ الإطلاقات منصرفة عن مثل هذا الفرض إمّا جزماً أو لا أقلّ احتمالا.

ويعضده قوله (عليه السلام) في بعض النصوص : «ومن أغلقت عليه بابك» (١) وقوله (عليه السلام) : «وكلّ من ضممته إلى عيالك» (٢) ، حيث أسند الإغلاق والضمّ إلى نفس المعيل. الظاهر في تصدّيه لذلك عن الرضا والاختيار ، دون الكره والإجبار ، لعدم كون الإسناد إليه حينئذٍ على وجه الحقيقة كما لا يخفى ، فهذه الصورة غير مشمولة لإطلاقات الأدلّة من الأوّل ، لمكان الانصراف ،

__________________

(١) ورد بتفاوت يسير في الألفاظ كما في الوسائل ٩ : ٣٣٠ / أبواب الزكاة ب ٥ ح ٩ ، ١٣.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٢٩ / أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٨.

٤٢٠