موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٨٣١] مسألة ٢ : لا يشترط في وجوبها الإسلام ، فتجب على الكافر (*) (١) لكن لا يصحّ أداؤها منه.

______________________________________________________

المأخوذ في الموضوع إنّما هو الغنى الملحوظ في حدّ نفسه أي الغني مع قطع النظر عن تعلّق الحكم لا حتّى بلحاظه وهو متحقّق في المقام حسب الفرض.

هذا ، وعن المبسوط والدروس التفصيل في المقام بين من كان واجداً لتمام مئونة السنة بالفعل وبين الغنى بالقوّة الذي يستوفي في مئونته يوماً فيوماً كالعامل ، فتجب الفطرة في الأوّل ، لعدم المحذور بعد تحقّق الموضوع ، بخلاف الثاني ، لوجوب الصرف في النفقة ، والمفروض امتناع الجمع ولا دليل على تقديم الفطرة عليها ولا على الاستدانة لها كما لا يخفى (١).

ويندفع بلزوم الاستدانة مقدّمةً لأداء الواجب بعد تحقّق موضوعه ، إلّا إذا كان متعذّراً أو متعسّراً ، فيسقط التكليف حينئذ لهذه العلّة. على أنّه أخصّ من المدّعى لجواز القوت من ناحية أُخرى من عزيمة ونحوها ، فلا يطّرد الفرض.

فتحصّل : أنّ الأقوى ما عليه المشهور من وجوب الفطرة مطلقاً ، عملاً بإطلاقات الأدلّة من غير أيّ محذور فيه حسبما عرفت.

(١) بناءً على المشهور من تكليفه بالفروع كالأُصول ، غايته أنّ أدائها لا يصح منه ، لأنّها عبادة لا يصحّ صدورها من الكافر ، كما أنّها تسقط عنه لو أسلم بعد الهلال كما في زكاة المال وغيرها ، لحديث الجبّ (٢) والإجماع ، مضافاً إلى صحيحة معاوية بن عمّار الواردة في المقام ، قال : وسألته عن يهودي أسلم

__________________

(*) على إشكال فيه بل منع كما في زكاة المال.

(١) الجواهر ١٥ : ٤٩١ ٤٩٢.

(٢) غوالي اللئالي ٢ : ٥٤.

٣٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

ليلة الفطر ، عليه فطرة؟ «قال (عليه السلام) : لا» (١).

هذا ، ولكن في وجوب الفطرة على الكافر تأمّل وإشكال كما تقدّم في زكاة المال (٢) ، أمّا بناءً على عدم تكليف الكفّار بالفروع كما هو الصحيح فظاهر ، وأمّا بناءً على تكليفهم بها فلما تقدّم في مباحث القضاء من كتاب الصلاة (٣) من الإشكال الذي تعرّض إليه صاحب المدارك وهو أوّل من تنبّه إليه من امتناع تكليف الكافر بالقضاء وأنّ هذا الفرع مستثنى من بقيّة الفروع ، نظراً إلى أنّ توجيه الخطاب إليه بالأداء ممكن ، لجواز اختياره الإسلام فيصلّي ، فالصلاة مقدورة له وقتئذٍ بالقدرة على مقدّمتها ، فإنّ المقدور بالواسطة مقدور.

وأمّا تكليفه بالقضاء بعد خروج الوقت فمتعذّر بتاتاً ، لخروجها عن تحت القدرة بالكلّيّة ، إذ هي حال الكفر باطلة ، لفقد النيّة المعتبرة في العبادة ، وحال الإسلام ساقطة ، للإجماع ولحديث الجبّ ، فهي غير مقدورة له ولا تصحّ منه في شي‌ء من الأدوار ، إمّا لوجدان المانع أو لفقدان الأمر ، ولأجل ذلك لا يعقل توجيه الخطاب إليه بالقضاء ، لشرطيّة القدرة في متعلّق التكاليف بأسرها.

وقد أُجيب عن هذا الإشكال بأجوبة لا يرجع شي‌ء منها إلى محصّل كما أشرنا إليها في ذلك المبحث ، وأوعزنا إلى أنّ الإشكال وجيه جدّاً لا مدفع عنه ولا محيص عن الالتزام به.

وعلى ضوء ذلك ينسحب الإشكال إلى المقام أيضاً بمناطٍ واحد ، فيقال بامتناع خطاب الكافر بأداء الفطرة ، لأنّه في حال كفره لا تصح منه ، وإذا أسلم بعد الهلال سقط عنه ، للإجماع وحديث الجبّ وخصوص صحيح معاوية بن

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٥٢ / أبواب زكاة الفطرة ب ١١ ح ٢.

(٢) شرح العروة ٢٣ : ١١٩.

(٣) شرح العروة (كتاب الصلاة ٥ / ١) : ١١٥ ١١٨.

٣٨٢

وإذا أسلم بعد الهلال سقط عنه ، وأمّا المخالف إذا استبصر بعد الهلال فلا تسقط عنه (١).

[٢٨٣٢] مسألة ٣ : يعتبر فيها نيّة القربة (٢) كما في زكاة المال ، فهي من العبادات ولذا لا تصحّ من الكافر.

[٢٨٣٣] مسألة ٤ : يستحبّ للفقير إخراجها أيضاً (٣) ، وإن لم يكن عنده إلّا صاع يتصدّق به على عياله ثمّ يتصدّق به على الأجنبي بعد أن ينتهي الدور. ويجوز أن يتصدّق به على واحد منهم أيضاً وإن كان الأولى والأحوط الأجنبي.

______________________________________________________

عمار كما تقدّم ، فهي منه إمّا باطلة أو ساقطة ، فلم تكن مقدورة.

فتحصّل : أنّ وجوب الفطرة على الكافر حتّى على المسلك المشهور من تكليف الكفّار بالفروع كالأُصول مشكل ، بل محلّ منع ، وعلى المبنى الآخر فالأمر أوضح حسبما عرفت.

(١) لعدم الموجب للسقوط بوجه ، أمّا إذا لم يؤدّها فظاهر ، لعدم ورود دليل يقتضي السقوط بالاستبصار كما ورد مثل ذلك في الإسلام. وأما إذا أدّاها فللنصوص التي تقدّمت في زكاة المال التي تضمّنت تعليل عدم السقوط بأنّه وضعها في غير أهلها (١).

(٢) للإجماع ، مضافاً إلى الوجه المتقدّم في زكاة المال (٢).

(٣) أمّا أصل استحباب الإخراج فللإجماع المدّعى عليه بقسميه كما في

__________________

(١) في ص ١٣٣.

(٢) في ص ٢٦٩.

٣٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الجواهر (١) ، مضافاً إلى روايتين معتبرتين ظاهرتين في الوجوب ، المحمولتين على الاستحباب جمعاً كما تقدّم (٢).

وأمّا كيفيّته فيما إذا لم يكن لديه إلّا صاع واحد يريد الإخراج عن نفسه وعائلته ، فهي أنّ يتصدّق به عن نفسه على بعض أفراد العائلة ثمّ عنه إلى الآخر وهكذا إلى أن ينتهي الدّور ، ثمّ يردّ إلى المصدّق الأوّل أو إلى غيره من بعض أفراد العائلة كي لا يخرج عنهم ، أو إلى الأجنبي. ولا ينبغي الإشكال في جواز كلّ ذلك ، لصدق التصدّق على الفقير في الجميع.

وإنّما الكلام فيما يستفاد من النصّ الخاصّ الوارد في المقام ، أعني : موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل لا يكون عنده شي‌ء من الفطرة إلّا ما يؤدّي عن نفسه وحدها ، أيعطيه غريباً (عنها) أو يأكل هو وعياله؟ «قال : يعطي بعض عياله ، ثم يعطي الآخر عن نفسه ، يتردّدونها فتكون عنهم جميعاً فطرة واحدة» (٣).

فعن المدارك : استظهار الردّ إلى المصدّق الأوّل (٤).

ولكنّه لا وجه له ، إذ هو إنّما يتّجه لو كان الوارد في الموثّق هكذا : يدور بينهم ، بدل قوله : «يتردّدونها» ، لاقتضاء الدوران تشكيل الدائرة المتوقّف على الردّ إلى المصدّق الأوّل ، لكن الوارد التردّد دون الدوران ، ومعناه : الحركة والانتقال من مكان إلى مكان في مقابل الثبات في محلّ واحد ، وهذا كما يتحقّق بالردّ إلى المصدّق الأوّل يتحقّق أيضاً بالردّ إلى غيره من سائر أفراد العائلة بعد

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٤٩٢.

(٢) في ص ٣٧٦.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٢٤ / أبواب زكاة الفطرة ب ٣ ح ٣.

(٤) المدارك ٥ : ٣١٤.

٣٨٤

وإن كان فيهم صغير أو مجنون يتولّى الولي له الأخذ له والإعطاء عنه (١) ، وإن كان الأولى والأحوط أن يتملّك الولي لنفسه ثمّ يؤدّي عنهما.

______________________________________________________

انتهاء الدور أو إلى الأجنبي.

بل لا يبعد استظهار الأخير الذي جعله في المتن أولى وأحوط ، وذلك من أجل قوله (عليه السلام) في ذيل الموثّق : «فتكون عنهم جميعاً فطرة واحدة» إذ الفطرة الواحدة عن الجميع لا تكون إلّا بالدفع بعد انتهاء الدور إلى الأجنبي ، وإلّا فلو لم يخرج عنهم وعاد إليهم فقد أدّى كلّ منهم فطرته ، غايته على سبيل المداورة لا أنّ هناك فطرة واحدة أُدّيت عن الجميع ، بل قد تساوى الكلّ في أداء فطرته ، فصدق ذلك منوط بالخروج عنهم ، ومن ثمّ كان ما جعله في المتن أولى هو الأقوى ، فلاحظ.

(١) ذكر (قدس سره) وجهين لكيفيّة الإخراج فيما إذا كان في العائلة صغير أو مجنون :

أحدهما : أن يتملّك الولي لنفسه ثمّ يؤدّي عنهما فيعطي الزوج مثلاً فطرته لزوجته ، ثمّ تدفعها عن نفسها إلى الزوج الذي هو فقير مثلها ، وبعد أن تملّكها الزوج لنفسه يدفعها إلى الزوجة ثانياً عن ولده الصغير ، لكونه من أفراد عائلته لا لكونه وليّاً عليه.

وهذا الوجه هو الأولى والأحوط كما ذكره في المتن ، لعرائه عن كلّ إشكال.

ولكنّه لا يتمّ على إطلاقه ، وإنّما يستقيم في مثل المثال المذكور دون ما إذا كثر عدد الصغار ، كما هو الغائب الشائع في أرباب العوائل ، إذ بعد التملّك عن زوجته كما ذكر والدفع إليها عن الصغير الأوّل فما هي الحلّيّة بالإضافة إلى

٣٨٥

[٢٨٣٤] مسألة ٥ : يكره تملّك ما دفعه زكاةً وجوباً أو ندباً ، سواء تملّكه صدقة أو غيرها على ما مرّ في زكاة المال.

______________________________________________________

الصغير الثاني؟ وكيف يتسلّم المدفوع وقتئذٍ عن الزوجة ثانياً؟ أيتسلّم فطرة ولا فطرة عليها حسب الفرض لسقوطها عنها بالدفع إليه أوّلاً؟ أم يتسلّم هبة وتبرّعاً؟ وهو خلاف ظاهر النصّ من التردّد بين أفراد العائلة بعنوان الفطرة لا بعنوان آخر كما لا يخفى.

ثانيهما : أن يأخذ الولي للصغير ثمّ يعطي عنه.

وقد يستشكل فيه بأنّه بعد أن صار ملكاً للصغير بالأخذ له فكيف يسوغ للولي الإعطاء عنه مع عدم الوجوب عليه؟! فإنّ هذا تصرّف في مال الصغير من غير مراعاة المصلحة والغبطة.

والجواب عنه ظاهر كما ذكره في المسالك (١) ، إذ بعد ما عرفت آنفاً من أنّ الغالب في العوائل تشكيلها من الصغار ، بل لعلّ عددهم يكون في الأغلب أكثر من الكبار ، فإذا كان هذا أمراً عاديّاً والإمام (عليه السلام) في مقام بيان طريق يوصل إلى الإعطاء عن الجميع فنفس هذا إجازة من صاحب الشرع والمولى الحقيقي في الأخذ للصغير والإعطاء عنه ، إذ فرض أنّ العيال بأجمعهم كبار نادر الوجود قليل الاتّفاق ، فنفس هذه الرواية وافية بالإذن والإجازة ، والتشكيك في إطلاقها ممّا لا ينبغي الإصغاء إليه حسبما عرفت.

__________________

(١) المسالك ١ : ٤٤٥.

٣٨٦

[٢٨٣٥] مسألة ٦ : المدار في وجوب الفطرة إدراك غروب ليلة العيد (*) جامعاً للشرائط (١) ، فلو جنّ أو أُغمي عليه أو صار فقيراً قبل الغروب ولو بلحظة بل أو مقارناً للغروب لم تجب عليه. كما أنّه لو اجتمعت الشرائط بعد فقدها قبله أو مقارناً له وجبت ، كما لو بلغ الصبي ، أو زال جنونه ولو الأدواري ، أو أفاق من الإغماء ، أو ملك ما يصير به غنيّاً ، أو تحرّر وصار غنيّاً ، أو أسلم الكافر ، فإنّها تجب عليهم.

______________________________________________________

(١) فلو كان واحداً قبل الغروب فاقداً عنده لم تجب ، ولو انعكس الأمر وجبت.

هذا هو المعروف والمشهور بينهم ، بل ادّعى عليه الإجماع بقسميه كما في الجواهر (١). فإن تمّ الإجماع فلا كلام ، وإلّا فللمناقشة فيه مجال واسع ، إذ لم يرد في المقام نصّ يدلّ عليه بحيث يشمل عامّة الشرائط.

فإنّ ما يستدلّ لذلك روايتان :

إحداهما : ما رواه الصدوق بإسناده عن علي بن أبي حمزة ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في المولود يولد ليلة الفطر واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر «قال : ليس عليهم فطرة ، وليس الفطرة إلّا على من أدرك الشهر» (٢).

__________________

(*) فيه إشكال ، بل الظاهر وجوبها إذا كان جامعاً للشرائط ولو بعد الغروب إلى آخر وقتها. نعم ، لا تجب عن المولود بعد انقضاء الشهر ولا على من أسلم بعده.

(١) الجواهر ١٥ : ٤٩٤.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٥٢ / أبواب زكاة الفطرة ب ١١ ح ١ ، الفقيه ٢ : ١١٦ / ٥٠٠.

٣٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فذكروا أنّها وإن وردت في شرط الحياة والإسلام إلّا أنّ ذيلها يكشف عن التعدّي إلى عامّة الشرائط وأنّ المناط إدراك الشهر جامعاً لشرائط الوجوب.

ولكنّها مخدوشة سنداً ودلالةً :

أمّا السند : فضعيف وإن عبّر عنها بالصحيحة أو الموثّقة في بعض الكلمات ، أمّا أوّلاً : فبعلي بن أبي حمزة البطائني ، وما في الوسائل من ضبط : علي بن حمزة (١) ، غلط ، والصحيح ما أثبتناه ، وهذا الرجل كذّاب وضّاع كما نصّ عليه الشيخ (٢) ، قد وضع عدّة أحاديث تضمّنت أنّ موسى بن جعفر (عليه السلام) لم يمت ، كي لا يعطي شيئاً من أمواله إلى الرضا (صلوات الله عليه).

وثانياً : بمحمّد بن علي ماجيلويه شيخ الصدوق ، فإنّه لم يرد فيه أيّ توثيق ، وقد ذكرنا غير مرّة أنّ مجرّد الشيخوخة لا تقتضي الوثاقة سيّما في مشايخ الصدوق الذين فيهم البرّ والفاجر والناصب لأهل البيت (عليهم السلام) حتّى اعترف الصدوق (قدس سره) بنفسه في حقّ بعضهم بأنّي لم أر أنصب منه.

وأمّا الدلالة ففيها أوّلاً : أنّ موردها المولود ومن يلحق به ، أعني : من هداه الله من الكفر إلى الإسلام ، الذي هو بمثابة الخروج من كتم العدم إلى الوجود ، فهي ناظرة إلى من تولّد في هذه الليلة إمّا حقيقةً أو حكماً ، باعتبار أنّ الإسلام هي الحياة الصحيحة المتضمّنة للسعادة الأبديّة ، والكفر في حكم الموت. إذن لا إطلاق في الذيل بالإضافة إلى سائر الشرائط ، لجواز أن يكون المراد من قوله (عليه السلام) : «وليس الفطرة إلّا على من أدرك الشهر» أي من أدرك الشهر حيّاً بالحياة الحقيقيّة والحكميّة ، فلا نظر فيها إلى سائر الشرائط بوجه لتدلّ على

__________________

(١) في الوسائل المحقّق جديداً : علي بن أبي حمزة.

(٢) الغيبة : ٥٥ / ٤٨.

٣٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

لزوم استجماعها ، فلا موجب للتعدّي عن ذينك الموردين أبداً.

وثانياً : سلّمنا الدلالة على العموم ، بل فلنفرض التصريح به ، إلّا أنّ مفادها لا ينطبق على مقالة المشهور ، إذ قد جعل الاعتبار فيها بإدراك الشهر أي شهر رمضان ومعنى ذلك : استجماع الشرائط ولو آناً ما في جزء من الشهر مستمرّة إلى أن يهلّ الهلال ، كي يتحقّق بذلك الإدراك ، فلو لم تجتمع كذلك لم ينفع وإن تحقّقت مقارناً للغروب وفي أوّل جزء منه ، لعدم صدق إدراك الشهر عندئذٍ كما عرفت ، مع أنّ المشهور يجعلون الاعتبار الشرائط مقارناً للغروب ، ولا يعتبرون تحقّقها في الشهر كما نصّ عليه الماتن وغيره.

ومنه تعرف أنّ هذه الرواية غير قابلة للاعتماد حتّى على مسلك انجبار الضعف بالعمل ، لعدم كون العمل على طبق مفادها ، فهي لا تصلح للاستدلال بها بوجه.

الثانية : صحيحة معاوية بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مولود وُلِد ليلة الفطر ، عليه فطرة؟ «قال : لا ، قد خرج الشهر» وسألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر ، عليه فطرة؟ «قال : لا» (١).

وهي أيضاً قاصرة الدلالة وإن صحّ سندها ، أوّلاً : من أجل اختصاصها بالموردين أعني : شرطيّة الحياة والإسلام جزماً إذ لم تكن مذيّلة بمثل ما في السابقة ليتوهّم التعدّي ، فلا إطلاق لها بالإضافة إلى سائر الشرائط من الغنى والبلوغ والعقل ونحوهما.

وثانياً : سلّمنا الإطلاق ، ولكن مفادها لا ينطبق على مقالة المشهور حسبما عرفت آنفاً.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٥٢ / أبواب زكاة الفطرة ب ١١ ح ٢.

٣٨٩

ولو كان البلوغ أو العقل أو الإسلام مثلاً بعد الغروب لم تجب. نعم يستحبّ إخراجها إذا كان ذلك بعد الغروب إلى ما قبل الزوال من يوم العيد (١).

______________________________________________________

والمتحصّل من جميع ما تقدّم عدم نهوض دليل يدلّ على لزوم استجماع الشرائط لدى الغروب من ليلة العيد ، فإن تمّ الإجماع على ذلك ، وإلّا كفى حصولها بعد الغروب حلول الليل ، بل إلى ما قبل صلاة العيد ، عملاً بالإطلاقات فيما عدا شرط الحياة والإسلام ، فإنّ اللّازم حصولهما لدى الغروب بل قبله ولو بجزء يسير بمقدار إدراك الشهر على ما نطقت به صحيحة معاوية بن عمّار.

(١) للأمر به المحمول على الاستحباب جمعاً فيما رواه الصدوق بإسناده عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عمّا يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة «قال : تصدّق عن جميع من تعول من حرّ أو عبد أو صغير أو كبير من أدرك منهم الصلاة» (١) ، المراد بها صلاة العيد كما في الوسائل.

وكذا في مرسلة الشيخ ، قال : قد روي أنّه «إن ولد له قبل الزوال يخرج عنه الفطرة ، وكذلك من أسلم قبل الزوال» (٢).

نعم ، الروايتان ضعيفتان ، أمّا الثانية فظاهر ، وأمّا الاولى فلضعف طريق الصدوق إلى محمّد بن مسلم ، لمكان شيخه علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ولم يوثّق ، وكذا والده أحمد المحتمل كونه شيخ الكليني. ولكن الحمل على الاستحباب لم يكن به بأس.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٢٩ / أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٦ ، الفقيه ٢ : ١١٨ / ٥١١.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٥٣ / أبواب زكاة الفطرة ب ١١ ح ٣ ، التهذيب ٤ : ٧٢ / ١٩٨.

٣٩٠

فصل

فيمَن تجب عنه

يجب إخراجها بعد تحقّق شرائطها عن نفسه وعن كلّ من يعوله حين دخول ليلة الفطر (*) ، من غير فرق بين واجب النفقة عليه وغيره ، والصغير والكبير ، والحرّ والمملوك ، والمسلم والكافر ، والأرحام وغيرهم ، حتّى المحبوس عنده.

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه ، بل إجماعاً كما ادّعاه غير واحد ، وفي الجواهر الإجماع عليه بقسميه (١).

وتشهد له جملة وافرة من النصوص وبعضها واضحة سنداً ودلالةً :

منها : ما رواه الصدوق في الصحيح عن صفوان الجمّال ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفطرة «فقال : عن الصغير والكبير والحرّ والعبد ، عن كلّ إنسان منهم صاع» (٢).

وصحيحة عمر بن يزيد ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطرة ، يؤدّي عنه الفطرة؟ «فقال : نعم ، الفطرة واجبة على كلّ من يعول من ذكر أو أُنثى ، صغير أو كبير ، حرّ أو

__________________

(*) بل بعد دخولها أيضاً على ما تقدّم.

(١) الجواهر ١٥ : ٤٩٤.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٢٧ / أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ١ ، الفقيه ٢ : ١١٤ / ٤٩١.

٣٩١

ولو على وجه محرّم (١).

______________________________________________________

مملوك» (١) ، ونحوها غيرها.

وهذه الأخيرة قد رواها الشيخ بطريق صحيح ، وكذا الصدوق ، فإنّ طريقه إلى ابن محبوب صحيح أيضاً على الأظهر ، إذ ليس فيه من يغمز فيه عدا شيخه محمّد بن موسى المتوكّل ، فإنّه لم يوثّق في كتب الرجال ، ولكن السيّد ابن طاوس يذكر رواية في كتاب فلاح السائل يدّعي الاتّفاق على وثاقة رواته (٢) ، وفي ضمنهم هذا الرجل. وكذا علي بن إبراهيم.

وعلى أيّ حال ، فلا إشكال في صحّة السند ولا أقلّ بطريق الشيخ ، فالحكم المزبور ، أعني : وجوب الإخراج لدى تحقّق الشرائط عن كلّ من يعوله الإنسان أيّاً من كان ، وأنّ العيلولة أي من يكفيه مئونته ومعاشه بعنوانها مناط الوجوب ، ممّا لا كلام فيه ، لتطابق النصّ والفتوى عليه حسبما عرفت.

وإنّما الكلام يقع في جهات :

(١) الجهة الأُولى : هل العيلولة تختصّ بالعيلولة السائغة أم تعمّ المحرّمة أيضاً كالمحبوس عنده ظلماً ، وكما يتّفق في أهل القرى والبوادي من الاستيلاء على امرأة وضمّها إليه من غير أن يعقد عليها إلّا بعد سنين وربّما يولد له منها أولاد فيعقد عليها وعلى زوجة لولدها في مجلس واحد؟

الظاهر عدم الفرق بينهما ، لإطلاق النصّ والفتوى بعد صدق العيلولة عليهما عرفاً بمناط واحد كما صرّح به غير واحد.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٢٧ / أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٢ ، الفقيه ٢ : ١١٦ / ٤٩٧ ، التهذيب ٤ : ٧٢ و ٣٣٢ / ١٩٦ و ١٠٤١.

(٢) فلاح السائل : ٢٨٤.

٣٩٢

وكذا تجب عن الضيف (١) بشرط صدق كونه عيالاً له وإن نزل عليه في آخر يوم من رمضان ، بل وإن لم يأكل عنده شيئاً ، لكن بالشرط المذكور ، وهو صدق العيلولة عليه عند دخول ليلة الفطر بأن يكون بانياً على البقاء (*) عنده مدّة ، ومع عدم الصدق تجب على نفسه ، لكن الأحوط أن يخرج صاحب المنزل عنه أيضاً ، حيث إنّ بعض العلماء اكتفى في الوجوب عليه مجرّد صدق اسم الضيف ، وبعضهم اعتبر كونه عنده تمام الشهر ، وبعضهم : العشر الأواخر ، وبعضهم : اللّيلتين الأخيرتين ، فمراعاة الاحتياط أولى.

______________________________________________________

(١) الجهة الثانية : لا إشكال في وجوب الإخراج عن الضيف كما نطق به صحيح ابن يزيد المتقدّم ، وإنّما الكلام في تحديده وبيان المراد من الضيافة المجعولة موضوعاً لهذا الحكم.

فعن جماعة منهم الشهيد الثاني والمحقّق في المعتبر (١) الاكتفاء بصدق اسم الضيف المتحقّق بنزوله في آخر جزء من الشهر بحيث يهلّ الهلال وهو في ضيافته ، واختاره صاحب الجواهر (٢) ، بل قد صرّح الشهيد الثاني بكفاية مجرّد الصدق وإن لم يأكل عنده.

وعن جماعة آخرين : اعتبار صدق العيلولة عرفاً ، فلا تكفي الضيافة بمجرّدها ما لم تقترن بالصدق المزبور ، واختار هذا القول السيّد الماتن (قدس سره).

وعن الشيخ والسيّد المرتضى : اشتراط الضيافة طول الشهر (٣).

__________________

(*) الظاهر أنّ صدق العيلولة لا يتوقّف عليه.

(١) المسالك ١ : ٤٤٥ ، المعتبر ٢ : ٦٠٣ ٦٠٤.

(٢) الجواهر ١٥ : ٤٩٧.

(٣) الخلاف ٢ : ١٣٣ ، الانتصار : ٢٢٨.

٣٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

واكتفى الشيخ المفيد بالنصف الأخير (١).

وعن جماعة الاكتفاء بالعشر الأخيرة.

وعن ابن إدريس : الاجتزاء بالليلتين الأخيرتين من الشهر (٢).

وعن المنتهي والتذكرة : الاكتفاء بالليلة الأخيرة.

وعن الوسيلة ونهاية الشيخ : الاكتفاء بمسمّى الإفطار في الشهر (٣).

ولا يخفى أنّ ما عدا القولين الأولين غير ظاهر الوجه ، إذ لم نجد لها أيّ مستند ، والعمدة إنّما هما القولان الأوّلان المبنيّان على الاختلاف في كيفيّة الاستظهار من صحيح ابن يزيد المتقدّم.

فصاحب الجواهر يستظهر أنّ قوله : «نعم» هو تمام الجواب عن سؤال فطرة الضيف ، الذي مقتضاه أنّ مجرّد الضيافة بعنوانها موضوع مستقلّ لأداء الفطرة وأنّ قوله (عليه السلام) بعد ذلك «الفطرة واجبة» جملة مستأنفة قد تفضّل بها الإمام (عليه السلام) لبيان موضوع آخر لأداء الفطرة ، وهو عنوان العيلولة ، فكلّ من العنوانين الضيافة والعيلولة موضوع مستقلّ لأداء الفطرة لا يناط شي‌ء منهما بالآخر.

ولكنّك خبير بما في هذا الاستظهار ، إذ عليه كان الأحرى والأوفق بقواعد الأدب تصدير الجملة المزبورة بواو الاستئناف كما لا يخفى ، وإذ لم تصدّر فظاهرها أنّها في مقام التعليل ، لقوله (عليه السلام) : «نعم» ، ومسوقة لبيان كبرى كلّيّة تنطبق على الصغرى المذكورة في السؤال ، وتكون النتيجة : أنّ وجوب الإخراج عن الضيف إنّما هو لكونه من مصاديق هذه الكلّيّة أعني : وجوب الإخراج

__________________

(١) المقنعة : ٢٦٥.

(٢) السرائر ١ : ٤٦٦.

(٣) النهاية : ١٨٩.

٣٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عن كلّ من يعول ولازم ذلك أنّ الضيافة بعنوانها لا موضوعيّة لها وإنّما يجب الإخراج عن الضيف لكونه ممّن يعول وجزءاً من أفراد عائلة المضيف ، يتكفّل مئونته ومعاشه ويقوم بشؤونه كسائر من يضمّ إليه من عائلته ، فلو تجرّد الضيف عن هذا العنوان كما لو نزل ليلاً وبات وخرج صباحاً من غير أن يتكلّف المضيف شيئاً ما عدا منامه لم يجب الإخراج عنه.

واعتراض صاحب الجواهر (قدس سره) بعدم صدق العيال على الضيف بقولٍ مطلق ، بل مقيّداً بوقت خاصّ من الشهر أو نصفه أو ليلة ونحوها (١) ممّا لا محصّل له ، فإنّه اعتراف منه بالصدق المؤقّت ، ولا ريب أنّ الاعتبار في الإخراج بصدق العيال أو صدق من يعوله في خصوص ليلة العيد ، لا من كان يعوله سابقاً أو سيعوله لاحقاً ، فليس الموضوع إلّا الصدق المؤقّت المتقيّد بهذه الحالة دون المطلق الشامل لما مضى أو ما سيأتي ، إذ لا أثر للعيلولة السابقة ولا اللّاحقة ، وإنّما العبرة بالحالة الفعليّة ، وهو صادق في المقام حسب اعترافه (قدس سره) ، فيصدق على الضيف أنّه عيال له أو ممّن يعوله في هذه الليلة وإن لم يصدق العيال عليه بقولٍ مطلق ، فتدبّر جيّداً.

وعلى الجملة : عال زيد فلاناً ، أي كفاه مئونته ومعاشه ، ومعلوم أنّ الضيف كذلك ، فإنّ ربّ البيت هو المتكفّل لذلك ، فيكفيه أُموره من مأكله ومشربه ومنامه وسائر ما يحتاج إليه ، فهو عنده تحت نظره ورعايته ، والظاهر من الرواية أنّ المناط في الوجوب كونه عيالاً له في هذا اليوم ، ولذا يقول : «فيحضر يوم الفطر» ، إذ من الضروري عدم وجوب الفطرة عمّن كان عيالاً سابقاً أو سيصير عيالاً لاحقاً ، وإنّما العبرة بالتلبّس الفعلي بالعيلولة ، وهو يوم الفطر أو ليلته كما ستعرف وهو صادق على الضيف الموجود في هذا الوقت ، فإنّه أيضاً

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٤٩٦.

٣٩٥

وأمّا الضيف النازل بعد دخول الليلة (١) فلا تجب الزّكاة عنه (*) وإن كان مدعوّاً قبل ذلك.

______________________________________________________

متلبّس فعلاً بعنوان العيال في هذا الحال حسبما عرفت.

وقد تحصّل : أنّ الأظهر أنّ الضيافة بعنوانها لا خصوصيّة لها ، فلو تجرّدت عن العيلولة كما لو كان ضيفاً في مجرّد البيتوتة ، بحيث إنّ ربّ المنزل لم يكن مسؤولاً عن أيّ شي‌ء يرجع إليه ما عدا منامه لم تجب الفطرة عنه ، وإنّما تجب بشرط صدق كونه عيالاً كما اختاره في المتن ، فهذا القول هو الأقوى.

وممّا ذكرنا يظهر أنّ ما أفاده في المتن من التقييد بكونه بانياً على البقاء مدّة ، بلا ملزم ، لعدم توقّف صدق العيلولة على ذلك ، فلو فرضنا أنّه يزور يوم العيد وبعده يخرج ، ولكن بما أنّ ذلك النزول كلفته ومئونته على ربّ البيت وفي كفايته يصدق عرفاً أنّه ممّن يعوله في هذا اليوم فلا يلزم أن يكون ناوياً بقاء شهر أو شهرين مثلا.

كما أنّه يظهر أيضاً عدم وجوب الفطرة عن المدعوّين للإفطار في آخر شهر رمضان أو في ليلة العيد ، لعدم دخولهم في عنوان العيال وإن جاءوا قبل الغروب ، إذ ليسوا هم بضيوف بهذا المعنى ، أي في كفاية ربّ البيت ورعايته بل مجرّد أكل وخروج ، مثل : أن يدخل شخص فيشرب ويخرج فإنّه لا يصدق عليه أنّه ممّن يعوله وإن صدق عليه الضيف بمفهومه الواسع.

(١) الجهة الثالثة : إذا نزل الضيف بعد الغروب فهل يجب الإخراج عنه؟

المشهور : العدم وإن كان مدعوّاً قبل ذلك ، بناءً منهم على ما تقدّم من لزوم استجماع الشرائط مقارناً للغروب ، ولكن عرفت أنّ هذا لا دليل عليه أصلاً ،

__________________

(١) هذا فيما إذا لم يصدق عليه العيلولة ، وإلّا وجبت الزكاة عنه.

٣٩٦

[٢٨٣٦] مسألة ١ : إذا ولد له ولد أو ملك مملوكاً أو تزوّج بامرأة قبل الغروب من ليلة الفطر أو مقارناً له (*) وجبت الفطرة عنه (١) إذا كان عيالاً له ، وكذا غير المذكورين ممّن يكون عيالاً ، وإن كان بعده لم تجب.

______________________________________________________

بل الذي يظهر من نفس هذه الرواية أعني : صحيحة عمر بن يزيد أنّ الاعتبار بالعيلولة يوم العيد ، لقوله : «فيحضر يوم الفطرة» ، سواء أنزل قبل الغروب أم بعده. وكذلك الحال في الزوجة والعبد ، فلو تزوّج بعد الغروب أو اشترى عبداً ليلة العيد وجاء بهما إلى المنزل وجب الإخراج عنهما ، ولا يلزم أن يكون ذلك عند الغروب أو آناً ما قبله مستمرّاً إلى ما بعده.

(١) قد اتّضح حكم هذه المسألة ممّا قدمناه ، ومحصّله : أنّ المولود إنّما يجب الإخراج عنه إذا أدرك الشهر ، أي تولّد قبل أن يهلّ هلال شوّال ، وكذا الحال في الكافر الذي أسلم ، للتصريح بهما في صحيح معاوية بن عمّار ، فبعده لا يجب.

وأمّا غيرهما من الزوجة والمملوك والخادم ونحوها ممّن يعيل عليه : فإن اعتبرنا استجماع الشرائط عند الغروب كما اختاره الماتن تبعاً للمشهور فضلاً عمّا لو اعتبرنا استجماعها قبل الغروب مستمرّة إلى آنٍ يهلّ الهلال كما نصّ عليه المحقق في المعتبر واختاره في الجواهر (١) فلا يجب الإخراج فيما لو أعال عليهم بعد الغروب.

وأمّا لو أنكرنا ذلك كلّه كما هو الصحيح ، لعدم وفاء الأدلّة بإثباته حسبما مرّ فالعبرة حينئذٍ بحصول العيلولة في وقت الوجوب الذي مبدؤه من الغروب ومنتهاه إلى صلاة العيد أو ما قبل الزوال كما سيجي‌ء إن شاء تعالى ، عملاً

__________________

(*) بل بعده أيضاً على ما تقدّم في غير الولد.

(١) المعتبر ٢ : ٦٠٤ ، الجواهر ١٥ : ٤٩٩ ٥٠١.

٣٩٧

نعم ، يستحبّ الإخراج (١) عنه إذا كان ذلك بعده وقبل الزوال من يوم الفطر.

[٢٨٣٧] مسألة ٢ : كلّ مَن وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه (٢)

______________________________________________________

بالإطلاقات السليمة عمّا يصلح للتقييد ، ففي أيّ جزء من هذا الوقت أعال عليهم وجب الإخراج عنهم.

هذا كلّه في غير الضيف ، وأمّا هو فإن اعتبرنا الإخراج عنه بمناط كونه من العيال كما هو الصحيح فحكمه ما عرفت.

وإن اعتبرناه بحياله مستقلا وكان الحكم فيه تعبّديّاً لا بمناط العيلولة كان اللّازم حينئذٍ الاقتصار على مقدار دلالة الدليل ، والمستفاد منه وهو صحيح عمر بن يزيد المتقدّم اعتبار نزول الضيف عنده في جزء من الشهر وبقائه إلى أن يحضر يوم الفطرة ، فلو كان النزول بعده أو الخروج قبله لم يجب.

ولا تعارضه مرسلة الشيخ في الخلاف ، قال : روى أصحابنا : «أنّ من أضاف إنساناً طول شهر رمضان وتكفّل بعيولته لزمته فطرته» (١).

لعدم حجّيّة المرسل ، مع أنّا لم نجد هذه الرواية في شي‌ء من كتب الشيخ لا الحديثيّة ولا الاستدلاليّة ، ولو كان لها أصل لنقلها هو بنفسه ولا أقلّ في واحد من كتبه.

(١) كما تقدّم (٢).

(٢) لظهور الأدلّة ، مثل قوله (عليه السلام) في صحيح ابن سنان : «كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه» (٣).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٣٢ / أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ١٧ ، الخلاف ٢ : ١٣٣.

(٢) في ص ٣٩٠.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٢٩ / أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٨.

٣٩٨

وإن كان غنيّاً وكانت واجبة عليه لو انفرد ، وكذا لو كان عيالاً لشخص ثمّ صار وقت الخطاب عيالاً لغيره. ولا فرق في السقوط عن نفسه بين أن يخرج عنه من وجبت عليه أو تركه عصياناً أو نسياناً ، لكن الأحوط (*) الإخراج عن نفسه حينئذٍ. نعم ، لو كان المعيل فقيراً والعيال غنيّاً فالأقوى وجوبها على نفسه.

______________________________________________________

وقوله في موثّق إسحاق : «الواجب عليك أن تعطي عن نفسك وأبيك وأُمّك وولدك» (١).

وقوله (عليه السلام) في صحيح ابن يزيد : «الفطرة واجبة على كلّ مَن يعول» (٢).

في تعلّق الوجوب بنفس المعيل ، وأنّها فطرة واحدة ثابتة في عهدته وهو المسئول عنها دون غيره على نحو تكون مخصّصة لعموم وجوب الفطرة على كلّ أحد ، فلا وجوب على العيال بتاتاً.

وبعبارة اخرى : الظاهر من الصحيح الأخير ونحوه أنّه (عليه السلام) بصدد بيان مَن تجب عليه الفطرة ، لكون السؤال عن ذلك ، لا بيان وجوب آخر زائداً على الفطرة التي تجب على نفس العيال ، فإذا وجبت على المعيل فطبعاً تسقط عن غيره.

نعم ، يبقى الكلام في جهتين :

الاولى : هل السقوط عن العيال منوط بإخراج المعيل ، فلو لم يخرج عصياناً أو نسياناً لم يسقط عنه ، أم أنّه مطلق من هذه الجهة؟

__________________

(*) لا يترك الاحتياط في فرض النسيان ونحوه ممّا يسقط معه التكليف واقعاً.

(١) الوسائل ٩ : ٣٢٨ / أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٤.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٢٧ / أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٢.

٣٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الثانية : لو سقط الوجوب عن المعيل لكونه فقيراً فهل يجب على العيال إذا كان غنيّاً؟

أمّا الجهة الاولى : فلا ريب أنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على تعلّق التكليف بالمعيل هو السقوط عن المعال عنه ، سواء أدّاه المعيل خارجاً أم لا ، لاحتياج الوجوب على المعال عنه في صورة عدم الأداء إلى الدليل ولا دليل.

فإنّ دعوى الوجوب في حقّه حينئذٍ متوقّفة على أحد أمرين :

إمّا أن يقال : بأنّ التكليف متوجّه إلى العيال نفسه ، والمعيل موظّف بتفريغ الذمّة وإسقاط الوجوب بدفع الفطرة الثابتة في عهدة العائلة ، فإذا عصى وجب عليهم تفريغ ذمّتهم.

وقد قرّبنا مثل ذلك في دية الخطأ وقلنا : إنّ الدية واجبة على نفس القاتل ولو خطأً ، لقوله تعالى (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) (١) ، فهو المشغول ذمّته بها ابتداءً ، ولكن العاقلة مكلّفون بتفريغ ذمّته فلو عصوا وجب على القاتل نفسه ، وبذلك فرّقنا بين القتل الخطئي والعمد شبيه الخطأ ، وأنّ الدية ثابتة على القاتل في كلا الموردين إلّا أنّ العاقلة مكلّفون بالتفريغ في الأوّل دون الثاني.

هكذا اخترنا هناك ، لقيام الدليل عليه حسبما أوضحناه في محلّه (٢).

وأمّا في المقام فلم يدلّ على ذلك أيّ دليل ، بل مقتضى الأدلّة حسبما عرفت تعلّق التكليف بنفس المعيل ابتداءً كما هو مقتضى قوله (عليه السلام) : «نعم ، الفطرة واجبة على كلّ من يعول» ، فنفس الفطرة واجبة عليه لا أنّه يجب عليه تفريغ ذمّة الغير ، فإنّ هذا خلاف الظاهر جدّاً ، ولا سيّما وقد ذكر في غير واحد من النصوص جملة ممّن لا تجب الفطرة عليه جزماً كالصبي والمجنون ، فكيف

__________________

(١) النِّساء ٤ : ٩٢.

(٢) شرح العروة (مباني تكملة المنهاج ٢) : ١٩٧ و ٤٤٩.

٤٠٠