موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

الله عليه وآله) ، إنّ الله تعالى قد بدأ بها قبل الصلاة ، وقال (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى) [١]» [٢] والمراد بالزكاة في هذا الخبر : هو زكاة الفطرة ، كما يُستفاد من بعض الأخبار المفسّرة للآية.

والفطرة : إمّا بمعنى الخلقة فزكاة الفطرة ، أي زكاة البدن ، من حيث إنّها تحفظه عن الموت ، أو تطهّره عن الأوساخ.

وإمّا بمعنى الدين ، أي زكاة الإسلام والدين.

وإمّا بمعنى الإفطار ، لكون وجوبها يوم الفطر.

والكلام في شرائط وجوبها ، ومن تجب عليه ، وفي من تجب عنه ، وفي جنسها ، وفي قدرها ، وفي وقتها ، وفي مصرفها ، فهنا فصول :

______________________________________________________

ويظهر ذلك من روايات اخرى ، بل في عدّة من الأخبار أنّ الزكاة في القرآن يراد بها الفطرة ، ولكنّها بأجمعها ضعيفة السند.

وكيف ما كان ، فما دلّ من الروايات على وجوب زكاة الفطرة كثيرة جدّاً ، فلا مجال للإشكال في الوجوب ، وإنّما الكلام في جهات أشار إليها في المتن نتعرّض إليها عند شرح كلامه (قدس سره).

__________________

[١] الأعلى ٨٧ : ١٤ ١٥.

[٢] الوسائل ٩ : ٣١٨ / أبواب زكاة الفطرة ب ١ ح ٥.

٣٦١

فصل

في شرائط وجوبها

وهي أُمور :

الأوّل : التكليف ، فلا تجب على الصبي والمجنون (١) ، ولا على وليّهما أن يؤدّي عنهما من مالهما.

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه ، بل ادّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد.

وهل يمكن إثبات الحكم من غير ناحية الإجماع؟

ربّما يستدلّ له بحديث : «رفع القلم عن الصبي حتّى يحتلم وعن المجنون حتّى يفيق» ، الوارد بطرق عديدة وأسانيد مختلفة وإن لم يكن المعتبر منها إلّا رواية واحدة ، فإنّ عموم رفع القلم يشمل الفطرة ، ولم يرد في المقام رواية خاصّة عدا ما ستعرف ، فإنّ الروايات النافية للزكاة عنهما كلّها ناظرة إلى زكاة المال ، وفي بعضها التفصيل بين ما يتّجر وما لا يتّجر ، كما تقدّم كلّ ذلك سابقاً (١).

وقد يستشكل في ذلك بأنّ حديث الرفع ناظر إلى رفع قلم التكليف فقط دون الوضع ، إذن فمقتضى عموم ما دلّ على اشتغال الذمّة بالفطرة كما في زكاة المال وجوب الإخراج ، غير أنّ الصبي لكونه محجوراً لا يمكنه التصدّي فلا جرم تنتقل الوظيفة إلى الولي ، فيجب عليه أن يؤدّي عنهما من مالهما.

ولكنّه يندفع بما تكرّرت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح من عدم

__________________

(١) شرح العروة ٢٣ : ٥٦ ٥٩.

٣٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الموجب لهذا الاختصاص أبداً ، بل المرفوع هو مطلق قلم التشريع الأعمّ من الوضع والتكليف ، وأنّ الصبي والمجنون خارجان عن الجعل والقانون ولم يكتب لهما في دفتر الشرع بشي‌ء.

نعم ، لا يشمل الرفع ما يلزم منه خلاف الامتنان على أشخاص آخرين كإتلاف مال الغير ونحوه من التعزيرات والضمانات ، فإنّ اشتغال الذمّة في مثلها معلوم من الخارج ، وأمّا التكاليف الإلهية المجعولة في الشريعة المقدّسة فالظاهر رفع جميعها عن الصبي ، تكليفيّة كانت أم وضعيّة ، ولأجله نلتزم بسقوط الخمس عنه وإن كان المشهور تعلّقه به كالبالغ ، لما ذكروه من عدم ورود نصّ يقتضي نفيه عنه كما ورد ذلك في باب الزكاة على ما تقدّم (١) وذلك لعدم الحاجة إلى النصّ الخاصّ بعد شمول الحديث له ، فإنّ الخمس حكم إلهي تشريعي ، فهو موضوع عن الصبي ، ومعه لا مقتضي لإخراج الولي ، بل لا يجوز ، فإنّه تصرّف في ملك الغير بلا مسوّغ شرعي ، ولعلّنا نتكلّم حول هذا البحث في محلّه بنطاق أوسع إن شاء تعالى.

وكيف ما كان ، فبمقتضى عموم الحديث الشامل للتكليف والوضع يحكم بعدم تعلّق الفطرة بالصبي كما عرفت.

هذا ، مع أنّ للمناقشة في كون الفطرة حكماً وضعيّاً تشتغل به الذمّة مجال واسع ، لقصور الأدلّة عن الوفاء بذلك ، وإنّما تفي به في زكاة المال فقط ، حيث إنّ الظاهر من مثل قوله (عليه السلام) : «في كلّ عشرين مثقال نصف مثقال» أو : «في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم» ونحو ذلك : أنّ هذا حقّ متعلّق بنفس العين وأنّ هذا المقدار خارج عن ملك المالك فلو لم يؤدّه حتّى تلفت العين كان هذا طبعاً ديناً في ذمّته لا بدّ له من الخروج عن عهدته.

__________________

(١) شرح العروة ٢٣ : ٥ ١٠.

٣٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا في باب الفطرة فلم نجد في شي‌ء من الأدلّة ما يظهر منه ثبوتها في الذمّة بحيث تكون من قبيل الديون كي لا يشملها الحديث على القول بالاختصاص بل من المحتمل قويّاً أنّ الفطرة تكليف محض. إذن فالاستدلال بالحديث كما استدلّ به صاحب الحدائق (١) في محلّه.

مضافاً إلى أنّه في خصوص الصبي يمكن الاستدلال بصحيحة محمّد بن القاسم بن الفضيل البصري : أنّه كتب إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) يسأله عن الوصي يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ فكتب (عليه السلام) : «لا زكاة على يتيم» (٢) ، وفي نسخة الشيخ : «على مال اليتيم» والنتيجة واحدة ، إذ السؤال إنّما هو عن الفطرة وهي طبعاً تكون في مال اليتيم.

وكيف ما كان ، فقد رويت في الكافي والفقيه والتهذيب.

أمّا في التهذيب فالسند صحيح جزماً ، فإنّ أحمد بن محمّد الواقع في السند إمّا يراد به أحمد بن محمّد بن عيسى ، أو ابن خالد ، وكلاهما موثّق كما هو ظاهر.

وأمّا طريق الفقيه فقد رواها الصدوق بإسناده عن ابن الفضيل ووصفه بالبصري كما في رواية الشيخ وطريقه إليه ضعيف من أجل الحسين بن إبراهيم الملقّب بالكاتب تارةً وبالمؤدّب أُخرى ، فإنّه لم يرد فيه أيّ توثيق عدا كونه من مشايخ الصدوق ، وقد عرفت مراراً أنّ هذا بمجرّده لا يكفي في التوثيق.

__________________

(١) الحدائق ١٢ : ٢٥٨.

(٢) الوسائل ٩ : ٨٤ / أبواب من تجب عليه الزكاة ب ١ ح ٤ ، وص ٣٢٦ / أبواب زكاة الفطرة ب ٤ ح ٢ ، الكافي ٣ : ٥٤١ / ٨ ، الفقيه ٢ : ١١٥ / ٤٩٥ ، التهذيب ٤ : ٣٠ و ٣٣٤ / ٧٤ و ١٠٤٩.

٣٦٤

بل يقوى سقوطها عنهما بالنسبة إلى عيالهما أيضاً (١).

______________________________________________________

وأمّا الكافي فقد بدأ السند بمحمّد بن الحسين الخطّاب ، ومعلوم أنّ الكليني لم يدركه فبينهما واسطة لا محالة وهو مجهول.

نعم ، في الوسائل عند نقل الرواية عنه جعل صدر السند محمّد بن يحيى ، ولا أدري من اين استفاد ذلك ، فإنّ الروايات السابقة لا دلالة لها عليه ، وهذا كلام ابتدائي من الكليني ، ولعلِّي لم أرد مثل هذا في كتاب الكافي بأن يبدأ بشخص ولم يدر الواسطة ، وظنّي أنّ هنا سقطاً فتصبح الرواية مرسلة.

ويؤيّد ما ذكرناه أنّ صاحب الحدائق عند التعرّض لهذه الرواية يقول : ما رواه الشيخ في الصحيح (١) ، فإنّ تخصيص الصحّة برواية الشيخ كاشف عن ضعف طريق غيره من الكافي والفقيه.

وأيضاً يؤكّده أنّ الوافي يذكر الرواية عن الكافي مبدوءاً بمحمّد بن الحسين (٢) ، ولا يذكر ابن يحيى. وعليه ، فالرواية ضعيفة بطريق الكافي والفقيه ، ولا تصحّ إلّا بطريق الشيخ فقط حسبما عرفت.

(١) وإن ذكر ذلك في ذيل رواية الكليني المتقدّمة.

وتوضيح الكلام في المقام : أنّا أشرنا آنفاً إلى ضعف رواية الكليني ، وهذه الرواية قد رواها في الكافي في موضعين باختلاف يسير في ألفاظها : أحدهما في زكاة المال ، والآخر في الفطرة التي أوردها في أواخر الصوم (٣) والتي ذكرها في زكاة المال مطابقاً لما ذكرها في الوسائل سنداً ومتناً ، ولكن في باب الفطرة قيّد

__________________

(١) الحدائق ١٢ : ٢٥٨.

(٢) الوافي ١٠ : ٢٤٠ / ٩٥١٤.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٢ / ١٣.

٣٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الفضيل بالبصري كما قيّده الصدوق به في المشيخة عند ذكر طريقه إلى هذا الرجل كالشيخ في التهذيب ، كما أنّه في باب الفطرة لم يقيّد أبا الحسن (عليه السلام) بالرضا وهنا قيّده به ، مع اختلاف يسير في الألفاظ كما عرفت لا تخلّ بالمعنى.

وهذه الرواية صحيحة السند حسبما ذكرها في باب زكاة المال ، إذ يصرّح هناك : محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين ، وصاحب الوسائل ينقلها عنه عن هذا الباب والصحيح ما نقله.

وأمّا التي ذكرها في باب الفطرة فهي مصدّرة بمحمّد بن الحسين كما ذكرنا لا محمّد بن يحيى ، ولا يمكن أن يروي عن هذا الرجل بلا واسطة كما عرفت.

ومن هنا ذكر صاحب المعالم في المنتقى والمجلسي في مرآة العقول أنّ في الرواية إرسالاً وإن ذكر المجلسي أيضاً أنّه قد يغلب على الظنّ أنّ الراوي هو محمّد بن يحيى وقد سقط عن الكافي (١).

وكيف ما كان ، فهذه الرواية التي في باب الفطرة لها ذيل ، وإنّما تكلّمنا في السند من أجل هذا الذيل ، وإلّا فالرواية في نفسها صحيحة على طريق الشيخ والكافي حسبما عرفت آنفا.

وإنّما الكلام في سند المتن المشتمل على هذا الذيل حسبما ذكره في باب الفطرة ، فإنّ غاية ما هناك أنّه يظنّ أنّ الراوي هو محمّد بن يحيى وقد سقط عن هذا السند كما ذكره المجلسي ، ولكنّه بالآخرة ظنّ والظنّ لا يغني عن الحقّ ، ومن الجائز أنّ الكليني روى هذه الرواية عن الفضيل تارةً بواسطة محمّد بن يحيى من دون ذيل ، وأُخرى بواسطة شخص آخر مجهول عندنا مع الذيل ، ولأجله لم يكن بدّ من أن نعامل مع هذه الرواية المشتملة على الذيل معاملة المرسل.

والذيل هو هذا : عن المملوك يموت عنه مولاه وهو عنه غائب في بلدة

__________________

(١) منتقى الجمان ٢ : ٣٩٢ و ٤٣٠ ، مرآة العقول ١٦ : ٤٢٠ / ١٣.

٣٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أُخرى وفي يده مال لمولاه ويحضر الفطرة ، أيزكّي عن نفسه من مال مولاه وقد صار لليتامى؟ «قال : نعم» (١).

ولم يذكر الشيخ هذا الذيل أصلاً ، وإنّما ذكره الكافي في خصوص باب الفطرة كما عرفت.

وأمّا الصدوق فقد ذكر كلّاً من الصدر والذيل برواية مستقلّة (٢) وبينهما فصل بعدّة روايات ، غير أنّ طريقه ضعيف كما أسلفناك ، وتوصيفه بالحسن كما عن بعضٍ غيرُ ظاهر الوجه ، فإنّ المؤدّب أو الكاتب الواقع في الطريق لم يرد فيه أيّ مدح عدا كونه شيخ الصدوق الغير الكافي في الحسن بالضرورة كما تقدّم.

ومقتضى هذا الذيل أنّه يجب على الصغير زكاة من يعول به ولا أقلّ من التخصيص بالمملوك. وقد عبّر في الجواهر (٣) عن هذه الرواية المشتملة على الذيل بالصحيحة ، وقد عرفت أنّها مرسلة فلا يمكن الاعتماد عليها بوجه.

على أنّه يرد عليها إشكال آخر مع قطع النظر عن السند ، وهو مخالفتها للأُصول وعدم وجود العامل بمضمونها كما صرّح به في الجواهر (٤) ، ولأجله أسقطها عن درجة الاعتبار ، إذ على فرض الوجوب على الصغير فالمتصدّي للإخراج لا بدّ وأن يكون وليّه أو الوصي دون المملوك نفسه ، فكيف ساغ له التصرّف في مال مولاه من غير إذن ممّن بيده الإذن؟! وقد حملها صاحب الوسائل على موت المتولي بعد الهلال ، ولأجله وجبت الزكاة في ماله ولم ينتقل هذا المقدار إلى الوارث.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٢٦ / أبواب زكاة الفطرة ب ٤ ح ٣.

(٢) الفقيه ٢ : ١١٧ / ٥٠٣.

(٣) الجواهر ١٥ : ٤٨٥.

(٤) الجواهر ١٥ : ٤٨٥.

٣٦٧

الثاني : عدم الإغماء (*) ، فلا تجب على من أهلّ شوّال عليه وهو مغمى عليه (١).

______________________________________________________

ولكنّه من البعد بمكان ، لفرض غيبة المولى وموته في بلدة اخرى ، ومعه كيف يمكن الاطّلاع على موته في هذه الفترة اليسيرة أعني : ما بين الهلال وحضور الفطرة ولم تستكشف في تلك الأزمنة طرق المواصلات والاستخبارات الحديثة الدارجة في عصرنا الحاضر؟

وعلى الجملة : فالرواية ساقطة إمّا للمناقشة السنديّة وهي العمدة ، أو لأجل عدم إمكان العمل بمضمونها حسبما عرفت. فما ذكره في المتن من أنّ الأقوى سقوطها عنهما بالنسبة إلى عيالهما أيضاً هو الصحيح.

(١) حتّى وإن أفاق في الوقت ، فإنّ العبرة في الشرائط تحقّقها حال تعلّق الوجوب.

وقد ذكر غير واحد أنّ هذا الحكم متسالم عليه ، بل في المدارك : أنّه مقطوع به في كلمات الأصحاب (١).

ولكن استشكل (قدس سره) في إطلاقه بأنّه إنّما يتّجه في الإغماء المستوعب للوقت دون غيره ، لعدم الدليل على اعتباره أزيد من ذلك.

وأورد عليه في الجواهر بأنّ وقت الوجوب هو وقت رؤية الهلال والامتداد إلى صلاة العيد أو إلى الزوال توسعةً في وقت الأداء والإخراج ، والعبرة بوقت الوجوب وحاله لا بحال الأداء. وأمّا قوله : إنّه لا دليل ، فتكفينا أصالة البراءة عن الفطرة فيما إذا أفاق في الأثناء (٢).

__________________

(*) فيه إشكال ، والاحتياط لا يترك.

(١) المدارك ٥ : ٣٠٨.

(٢) الجواهر ١٥ : ٤٨٥.

٣٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : الظاهر أنّ ما ذكره صاحب المدارك هو الصحيح ، فإنّه لو كان هناك إجماع قطعي على أنّ العبرة بوقت الوجوب وأنّ المغمى عليه لا تجب عليه وإن أفاق في الأثناء فلا كلام.

وأمّا إذا لم نحرز الإجماع فلم يدلّ أيّ دليل على أنّ العبرة بأوّل الوقت ، إذ لم تثبت شرطيّته ، بل الإطلاقات تدفعه ، فإنّ مفادها الوجوب على من كان مفيقاً في الوقت وإن كان مغمى عليه أوّلاً ، نظير النائم الذي استيقط في الأثناء فإنّه أيضاً مشمول الإطلاق.

ومعه لا مجال للتمسّك بأصالة البراءة ، فإنّها حجّة حيث لا دليل وكفى بالإطلاق دليلا.

فما ذكره (قدس سره) من الوجوب في فرض عدم الاستيعاب وجيه ، كما أنّ ما أفاده من عدم الوجوب في فرض الاستيعاب أيضاً وجيه ، لأجل عدم تعلّق التكليف في أيّ جزء من أجزاء الوقت بعد فرض استيعاب الإغماء ، لظهور التكليف المؤقّت بوقت في وحدة المطلوب ، فلم يكن في البين إلّا تكليف وحداني مقيّد بوقت خاصّ ، والمفروض عدم تعلّقه في الوقت ، لمكان العجز ، وبما أنّ القضاء بأمر جديد فيحتاج ثبوته إلى قيام الدليل ، ومع عدمه فمقتضى الأصل البراءة عنه.

والحاصل : أنّه ليس لدينا دليل لفظي على اعتبار عدم الإغماء ليتمسّك بإطلاقه ، فإن ثبت الإجماع التعبّدي على الإطلاق فهو ، وإلّا فمقالة المشهور على إطلاقها لا دليل عليها ، والمتّجه هو التفصيل بين المستوعب وغيره كما ذكره في المدارك.

ولا يختصّ ذلك بالإغماء ، بل يجري هذا التفصيل في مطلق العذر من الغفلة والنسيان والنوم ونحوها كما لا يخفى.

٣٦٩

الثالث : الحرّيّة ، فلا تجب على المملوك (١) وإن قلنا : إنّه يملك ، سواء كان قنّاً أو مدبّراً أو أُمّ ولد.

______________________________________________________

(١) قد سبق أنّ الحرّيّة شرط في زكاة المال بلا إشكال ، لتظافر الأخبار على عدم الوجوب على العبد ولو كان له ألف ألف كما تقدّم (١).

وأمّا الفطرة فالظاهر أنّ الحكم فيها متسالم عليه أيضاً ، إذ لم ينسب الخلاف منّا إلّا إلى الصدوق (قدس سره) في خصوص المكاتب كما سيجي‌ء إن شاء تعالى.

وإنّما الكلام في دليله ، فإن تمّ الإجماع المدّعى في المقام والظاهر أنّه تامّ فلا كلام ، وإلّا فقد استدلّ في الجواهر بالروايات المستفيضة الدالّة على أنّ زكاة العبد على سيّده والزوجة على زوجها ، فإنّ مفادها عدم وجوب الزكاة على العبد نفسه (٢).

ولكنّه كما ترى ، إذ النفي عن العبد في تلك النصوص لم يكن من حيث عبوديّته ، بل من أجل عيلولته لمولاه وأنّ زكاة العيال على المعيل وإن كان حرّا كالزوجة ونحوها ، كما صرّح فيها بقوله : «من حرّ أو عبد صغير أو كبير» بعد قوله : «تصدّق عن جميع من تعول» كما في صحيحة ابن مسلم (٣) ، وفي بعضها عنوان الخادم ، وفي بعضها رفيق الزوجة ، وفي بعضها كل من ضممت إلى عيالك ، إلى غير ذلك.

وعلى الجملة : لا تعرّض في شي‌ء من تلك الأدلّة لعنوان العبوديّة والمولويّة ، بل لم ترد في ذلك ولا رواية واحدة فضلاً عن أن تكون متظافرة. وإنّما النظر

__________________

(١) شرح العروة ٢٣ : ٢٠.

(٢) الجواهر ١٥ : ٤٨٥ ٤٨٦.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٢٩ / أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٦.

٣٧٠

أو مكاتباً (*) (١) مشروطاً أو مطلقاً ولم يؤدّ شيئاً ، فتجب فطرتهم على المولى.

______________________________________________________

فيها مقصور على عنوان العيال ، الذي لا فرق فيه بين المملوك وغيره ، فالاستدلال بها على المطلوب في غير محلّه.

نعم ، يمكن الاستدلال له مضافاً إلى إمكان دعوى الاطمئنان بعدم الفرق بين زكاتي المال والفطرة من هذه الجهة ، سيّما بضميمة ما ورد من أنّه تجب الفطرة على من تجب زكاة المال عليه بأنّ الفطرة لو وجبت على العبد فإمّا أن يؤدّيها من مال نفسه ، أو من مال مولاه ، ولا ثالث.

والثاني باطل ، بداهة عدم جواز التصرّف في مال الغير بغير إذنه. وكذا الأوّل ، لكونه محجور التصرّف ، فإنّه (كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) لا يقدر على شي‌ء ، بل قد ورد النصّ بعدم جواز تصرّف العبد حتّى في مال نفسه ، ولا شكّ أنّ أدلّة وجوب الفطرة منصرفة عمّن يحرم عليه التصرّف في ماله. هذا بناءً على أنّ العبد يملك كما هو الأصحّ ، وعلى المبنى الآخر فالأمر أوضح.

(١) على المعروف خلافاً للصدوق كما سمعت (١) ، فالتزم بالوجوب ، وتبعه بعض المتأخّرين كما في الجواهر (٢) ، استناداً إلى صحيح علي بن جعفر : عن المكاتب ، هل عليه فطرة شهر رمضان أو على من كاتبه؟ وتجوز شهادته؟ «قال : الفطرة عليه ولا تجوز شهادته» (٣).

وقد حمل الصدوق الجملة الأخيرة على الإنكار لا الإخبار ، أي كيف تجب عليه الفطرة ولا تجوز شهادته؟! بل شهادته جائزة كما أنّ الفطرة عليه واجبة.

__________________

(*) الأحوط بل الأظهر فيه الإخراج ، ولا سيّما إذا تحرّر بعضه.

(١) الفقيه ١٢ : ١١٧ / ٥٠٢.

(٢) الجواهر ١٥ : ٤٨٦.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٦٥ / أبواب زكاة الفطرة ب ١٧ ح ٣.

٣٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

وكيف ما كان ، فلا يهمّنا ذلك ، إذ لا يفرق الحال في الاستدلال لما نحن بصدده ، غايته أنّه على الإخبار تكون الجملة الأخيرة معارضة بما دلّ على جواز شهادة العبد ، فترفع اليد عن هذه الفقرة بالمعارضة ، أو تحمل على التقيّة كما صنعه صاحب الوسائل.

ولكن الجملة الأُولى التي هي محلّ الاستشهاد لا معارض لها فيؤخذ بها بعد صحّة السند ، لصحّة الطريق إلى كتاب عليّ بن جعفر ، وقد عمل بها الصدوق وبعض المتأخّرين.

ولكن صاحب الجواهر مع اعترافه بصحّة السند ذكر أنّها لا تنهض لتقييد ما دلّ على عدم الوجوب ، سيّما مع معارضتها بمرفوعة محمّد بن أحمد بن يحيى.

أقول : ليت شعري أيّ إطلاق كان لدينا كي لم يكن قابلاً للتقييد بها؟! فإنّ الروايات المستفيضة التي ادّعاها قد عرفت حالها ، وعمدة المستند كان هو الإجماع الذي هو دليل لبّي ، أو الوجه الذي ذكرناه من محجوريّة العبد الغير الشامل للمقام ، لعدم منع المكاتب عن التصرّف في ماله قطعاً.

فلم يكن لدينا أيّ دليل لفظي ليدّعى عدم قبول إطلاقه للتقييد ، وعلى تقدير وجوده فلم نر أيّ مانع من تقييده بمثل هذه الصحيحة ، سيّما مع التصريح في السؤال بأنّه على المكاتب أو على من كاتبه أي مولاه أو غيره ، فجوابه (عليه السلام) بأنّها عليه يكون مقيّداً بطبيعة الحال لإطلاق ما دلّ على النفي عن العبد لو كان هناك إطلاق.

وأمّا ما ذكره (قدس سره) من المعارضة فبإزاء هذه الصحيحة روايتان :

إحداهما : مرفوعة محمد بن أحمد عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : يؤدّي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه» (١).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٣٠ / أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٩.

٣٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والأُخرى : رواية حمّاد بن عيسى المتقاربة مع الاولى متناً مع اختلاف يسير (١).

أمّا الأُولى : فهي ضعيفة السند بالرفع ، ودلالةً من أجل أنّ موردها المكاتب الذي يعول عليه مولاه بقرينة قوله : «وما أغلق عليه بابه» ، فلا تدلّ على وجوب الزكاة على المولى للمكاتب الذي لم يغلق الباب عليه ولم يكن من عياله ، فهي إذن أجنبيّة عن محلّ الكلام.

وأمّا الثانية : فهي أيضاً ضعيفة السند ، فإنّ علي بن الحسين الواقع في هذا السند هو علي بن الحسن الضرير ، ومجموع روايات هذا الشخص في الكتب الأربعة ستّة ، ثلاثة منها بالعنوان المزبور أعني : علي بن الحسين بن الحسن الضرير ذُكر اثنان منها في الكافي وواحدة في التهذيب ، ورائه اخرى بعنوان : علي بن الحسين الضرير ، رواها في التهذيب أيضاً ، وروايتان بعنوان : علي بن الحسين ، وهما أيضاً في التهذيب ، وجميع هذه عن حمّاد.

فيعلم من ذلك أنّ المراد به في هذه الرواية هو الضرير ، وهو مهمل لم يذكر في كتب الرجال ، ولو فرضنا أنّه لم يظهر ذلك فغايته أنّه مجهول لم يعلم المراد منه.

على أنّ الدلالة أيضاً قاصرة ، لعين ما عرفت في السابقة من أنّ الفطرة عن المكاتب إنّما وجبت من حيث العيلولة لا بما أنّه مملوك ، وإلّا فلا يحتمل وجوب الفطرة عن رقيق الزوجة المذكورة في هذه الرواية إذا لم تكن من العائلة.

فتحصّل : أنّ ما ذكره الصدوق هو الصحيح ، فإنّ الرواية صحيحة والدلالة واضحة ، وليس لها معارض ، ولا إجماع على خلافها ، ولا إعراض عنها ، فلا بدّ من العمل بها حسبما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٣١ / أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ١٣.

٣٧٣

نعم ، لو تحرّر من المملوك شي‌ء وجبت عليه وعلى المولى بالنسبة (١) مع حصول الشرائط.

______________________________________________________

(١) كما عن غير واحد ، ولكنّه غير ظاهر ، إذ المكاتب المفروض إن كان عيالاً للمولى فلا إشكال في أنّ فطرته عليه حتّى لو كان رقّاً بتمامه فضلاً عن بعضه كما تقدّم ، وإلّا فلم تكن فطرته عليه حتّى لو كان رقّاً بتمامه ، لما عرفت من عدم الدليل على كون فطرة العبد بما هو عبد على مولاه ، إذ لم نجد على ذلك ولا رواية واحدة ، وما ادّعاه في الجواهر من الروايات المستفيضة (١) أجنبيّة عن ذلك ، وإنّما هي بعنوان العيلولة كما سبق.

وحينئذٍ فإن عملنا بالرواية المتقدّمة المتضمّنة أنّ فطرة المكاتب على نفسه كما هو الصحيح ثبت الحكم في المقام بالطريق الأولى ، لثبوت الحكم في المكاتب الذي لم يتحرّر منه شي‌ء ، فما ظنّك بمن قد تحرّر؟! وإن لم نعمل بها وجبت فطرته على نفسه أيضاً في خصوص المقام ، عملاً بإطلاقات وجوب الفطرة على كلّ مكلّف واجد للشرائط السليمة عن المقيّد في محلّ الكلام. وقد عرفت أنّ الخروج عنها في المملوك لا يستوجب الخروج في المكاتب ، إذ المخرج إمّا الإجماع ولا إجماع هنا بعد تحقّق الخلاف ، أو الانصراف لمكان المحجوريّة ولا حجر في المكاتب بالضرورة ، فإنّه مأذون في التصرّف في ماله والدفع تدريجاً لأجل التحرير.

فتحصّل : أنّ مقتضى الإطلاقات وجوب الفطرة عليه حتّى بناءً على عدم العمل بالصحيحة ومع العمل أوضح.

فما ذكر وجهاً للتقسيط من أنّ كلّاً من المولى والمكاتب لا يكلّفان بالتمام ، لأصالة البراءة ، فيوزّع عملاً بالجهتين.

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٤٨٦.

٣٧٤

الرابع : الغنى ، وهو أن يملك قوت سنته له ولعياله زائداً على ما يقابل الدين (١) ومستثنياته فعلاً أو قوّةً بأن يكون له كسب يفي بذلك.

______________________________________________________

غير وجيه ، إذ لا مجال للأصل بالنسبة إلى المكاتب بعد الإطلاق ، وأمّا بالنسبة إلى المولى فلا دليل على الوجوب أبداً حسبما عرفت.

(١) على المشهور ، بل إجماعاً كما في الجواهر (١) ، ونسب إلى ابن الجنيد وجوبها على من ملك مئونته ومئونة عياله ليومه وليلته بزيادة صاع (٢) ، بل قد نسب في الخلاف هذا القول إلى كثير من الأصحاب (٣) ، ولكن في الجواهر : إنّا لم نتحقّقه بل قد تحقّق خلافه ، ولذا ادّعى الإجماع على اعتبار الغنى في مجموع السنة. وقد احتمل (قدس سره) التأويل في كلام ابن الجنيد وأنّ المراد مئونة يومه وليلته في مجموع السنة ، فيرجع إلى قول المشهور.

وكيفما كان ، فالمشهور كما عرفت اعتبار الغنى في المقام بالمعنى المزبور كما تقدّم في زكاة المال (٤).

وتدلّ عليه روايات : عمدتها روايتان :

إحداهما : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سئل عن رجل يأخذ من الزكاة ، عليه صدقة الفطرة «قال : لا» (٥).

فإنّ المنصرف من أخذ الزكاة أنّه بمناط الفقر دون العناوين الأُخر من

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٤٨٨.

(٢) الحدائق ١٢ : ٢٦٢ ، الجواهر ١٥ : ٤٨٨.

(٣) لاحظ الخلاف ٢ : ١٣٠ / ١٥٧ وحكاه عنه في الحدائق ١٢ : ٢٦٢.

(٤) في ص ٢٦٥.

(٥) الوسائل ٩ : ٣٢١ / أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ١.

٣٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الصرف في الدين أو الحجّ أي سهم الغارمين أو سبيل الله كما لا يخفى فقد دلّت على نفي الفطرة عن الفقير بوضوح.

الثانية : معتبرة إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) على الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ قال : «ليس عليه فطرة» (١) ، فإنّ الحاجة ترادف الفقر.

المؤيّدتان بغيرهما من النصوص.

ولكن بإزائها أيضاً روايتان دلّتا على الوجوب :

إحداهما : ما رواه الشيخ بإسناده عن الفضيل بن يسار ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أعَلى مَن قَبل الزكاة زكاة؟ «فقال : أمّا مَن قَبل زكاة المال فإنّ عليه زكاة الفطرة» (٢).

ولكنّها ضعيفة السند بإسماعيل بن سهل ، فقد ضعّفه النجاشي صريحاً (٣) ، فلا تصلح للمعارضة.

نعم ، روى الشيخ رواية أُخرى بإسناده عن علي بن الحسن بن فضّال عن زرارة بهذا المضمون ، وهي صحيحة السند ، فإنّ طريقه إلى ابن فضّال وإن كان ضعيفاً إلّا أنّ طريق النجاشي إليه صحيح ، والشيخ واحد والمنقول إليهما أيضاً شي‌ء واحد فيكشف ذلك عن صحّة الطريق كما أشرنا إليه في المعجم (٤). وعليه فلا بدّ من الحمل على الاستحباب كالرواية الثانية جمعاً.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٢٢ / أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ٦.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٢٢ / أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ١٠ ، التهذيب ٤ : ٧٣ و ٧٤ / ٢٠٤ و ٢٠٧ ، الاستبصار ٢ : ٤١ / ١٢٨ و ١٣١.

(٣) النجاشي : ٢٩ / ٦٠.

(٤) معجم رجال الحديث ٤ : ٥٥ ٥٧.

٣٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، قد تأبى هذه الرواية عن ذلك ، للتنافي بين قوله «عليه» وبين قوله : «ليس عليه» ، إلّا أنّه لا مناص من الالتزام بذلك ، للاطمئنان بل التسالم على عدم وجوب الزكاة على الفقير كما عرفت.

الثانية : صحيحة زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الفقير الذي يتصدّق عليه ، هل عليه صدقة الفطرة؟ «فقال : نعم ، يعطي ممّا يتصدّق به عليه» (١).

وقد ناقش في الجواهر في سندها بل وصفها بالضعيف (٢). ولم يعرف وجهه ، اللهمّ إلّا أن يكون نظره الشريف إلى محمّد بن عيسى المحتمل كونه العبيدي حيث ضعّفه ابن الوليد واستثناه من روايات يونس (٣) ، ولكن قد تقدّم (٤) غير مرّة أنّ الأصحاب قد أنكروا على ابن الوليد وقالوا : مَن مثل العبيدي؟! وكيفما كان ، فلا ينبغي التأمّل في صحّة السند كما ذكرناه.

ولكن الشأن في الدلالة ، فإنّها غير صريحة في الوجوب وقابلة للحمل على الاستحباب جمعاً ، لصراحة ما تقدّم في عدم الوجوب وعدم صراحة هذه فيه ، فإنّ قوله : «نعم» قد فسّره بقوله (عليه السلام) «يعطي» الذي هو أمر بالفعل وبيان لقوله : «نعم» ، فمن الجائز إرادة الاستحباب من هذا الأمر ، فالحمل عليه كما صنعه الشيخ (٥) غير بعيد ، إذ لو ضمّ هذا الأمر إلى نفي الوجوب المذكور في الروايتين المتقدّمتين كانت النتيجة بحسب الفهم العرفي هي إرادة الاستحباب.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٢٤ / أبواب زكاة الفطرة ب ٣ ح ٢.

(٢) الجواهر ١٥ : ٤٩٠.

(٣) النجاشي : ٣٣٨ / ٩٠٤.

(٤) شرح العروة ٢١ : ١١٦.

(٥) التهذيب ٤ : ٧٤ ، الاستبصار ٢ : ٤٢.

٣٧٧

فلا تجب على الفقير وهو مَن لا يملك ذلك وإن كان الأحوط (*) إخراجها إذا كان مالكاً لقوت السنة ، وإن كان عليه دين (١) ، بمعنى : أنّ الدين لا يمنع من وجوب الإخراج ويكفي ملك قوت السنة.

بل الأحوط الإخراج إذا كان مالكاً عين أحد النصب الزكويّة أو قيمتها (٢) وإن لم يكفه لقوت سنته.

______________________________________________________

(١) بل هو الأقوى كما تقدّم في زكاة المال (١) ، لعدم الدليل على استثناء الدين في صدق الغنى ، بل المرتكزات العرفيّة على خلافه ، فلو فرضنا متشخّصاً ثريّاً كشيخ العشيرة أو رئيس البلد بل أو الملك ولكن كانت ذمّته مشغولة بحقوق الناس ، ولا أقلّ من ناحية الديات والضمانات بحيث لم تفِ ثروته بأدائها ، أفهل يحتمل صدق الفقير عليه عرفاً نظراً إلى أنّا لو استثنينا مقدار الدين لم يملك قوت سنته؟ كلّا ، بل هو في نظر العُرف من أظهر مصاديق الأغنياء. فيكشف ذلك بوضوح عن عدم اعتبار الاستثناء في الصدق المزبور.

نعم ، لو صرف ما في يده في أداء الدين ولم يكن الباقي وافياً لقوت السنة أصبح فقيراً حينئذٍ ، وأمّا قبل الأداء فهو غني وإن كانت الذمّة مشغولة. وهذا واضح لا ينبغي التأمّل فيه.

(٢) لما تقدّم في بحث زكاة المال من تفسير الغنى بذلك (٢) ، وأنّ العبرة في الفقر والثروة بملك أحد النصب الزكويّة عيناً أو قيمةً ، سواء أكان مالكاً لقوت السنة أم لا ، وقد عرفت أنّه لم يقم عليه أيّ دليل ، عدا ما قد يدّعى من استفادته

__________________

(*) لا يترك.

(١) في ص ٢٦٦.

(٢) في ص ٥ وما يليها.

٣٧٨

بل الأحوط إخراجها إذا زاد على مئونة يومه وليلته صاع (١).

______________________________________________________

من النبوي الوارد مضمونه في جملة من النصوص من أنّ الله عزّ وجلّ فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به (١) ، حيث يظهر منها دوران الغنى مدار ملك النصاب.

ولكنّه واضح الدفع ، إذ لا تعرّض لها لتفسير الغنى وشرح مفهومه بوجه ، بل أقصى مفادها أنّ الغني تجب عليه الزكاة لا أنّ كلّ من وجبت عليه الزكاة لكونه مالكاً للنصاب كان غنياً لتدلّ على دوران هذا العنوان مدار ملك النصاب ، لعدم كونها بصدد ذلك لا منطوقاً ولا مفهوماً ، لا مطابقةً ولا التزاماً ، بل لا إشعار لها على ذلك فضلاً عن الدلالة كما لا يخفى.

ولو سلّم فإلحاق ملك القيمة بملك أعيان النصب عارٍ عن أيّ دليل ، لاختصاص هذه النصوص بملك نفس الأعيان.

على أنّ هذا التفسير في نفسه غير قابل للتصديق ولا يساعده الارتكاز العرفي بوجه ، إذ لازمه أنّ من ملك العقارات والملايين من الأوراق النقديّة وكان فاقداً للأعيان الزكويّة بناءً على ما هو الصحيح من عدم وجوب الزكاة في الأوراق النقديّة كان فقيراً ، وأمّا من ملك أوّل إحدى النصب فقط التي ربّما لا تفي بمئونة نصف سنته كان غنيّاً ، وهذا كما ترى لا ينبغي الإصغاء إليه ، وكون الاعتبار بالأعمّ من العين والقيمة قد عرفت ما فيه.

(١) لما تقدّم نقله عن ابن الجنيد (٢) وإن لم يعرف له أيّ مستند ، بل الإجماع على خلافه كما سبق.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٩ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١.

(٢) حكاه عنه في الحدائق ١٢ : ٢٦١.

٣٧٩

[٢٨٣٠] مسألة ١ : لا يعتبر في الوجوب كونه مالكاً مقدار الزكاة زائداً على مئونة السنة ، فتجب وإن لم يكن له الزيادة على الأقوى والأحوط (١).

______________________________________________________

والمتحصّل من جميع ما مرّ : تفسير الغني بملك قوت السنة له ولعياله فعلاً أو قوّةً ، ولا يكون الدين مانعاً ، فمن كان كذلك وجبت عليه الزكاة وإلّا فلا حسبما عرفت.

(١) لو كان مالكاً لمئونة السنة بلا زيادة شي‌ء ولا نقيصة بحيث لو أدّى الزكاة نقصت المئونة ، فهل تجب الفطرة على مثل هذا الشخص؟

مقتضى الإطلاقات ذلك كما عليه المشهور ، ولكن المنسوب إلى جماعة كالفاضلين والشهيد والمحقّق الثاني (١) اعتبار الزيادة ، فلا وجوب في مفروض الكلام.

ويستدلّ لهم بأنّ الوجوب لو ثبت انقلب الغني فقيراً فينتفي الموضوع ويلزم من الوجوب عدمه ، ولأجله يمتنع شمول الإطلاقات لمثل هذا الفرد.

أقول : يمكن أوّلاً قلب الدعوى وأنّه يلزم من عدم الوجوب الوجوب ، إذ لو لم تشمله الأدلّة ولم يتعلّق به الوجوب كان غنيّاً ، ومتى اتّصف بالغنى تعلّق به الوجوب ، عملاً بإطلاقات الأدلّة ، فيلزم من عدم الشمول الشمول.

وثانياً : بالحلّ ، وهو أنّ الحكم الشرعي أعني : نفس الوجوب لا يستوجب الفقر ، وإنّما الموجب له هو الإعطاء الخارجي ، وإلّا فالموضوع أعني : الغنى باقٍ على حاله قبل التصدّي للإعطاء ، فلم ينشأ الانقلاب المزبور من الوجوب نفسه كي يتوجّه عليه بأنّه يلزم من فرض الوجوب عدمه كما ذكر.

وثالثاً : سلّمنا ذلك أي أنّ الوجوب بنفسه يوجب الفقر إلّا أنّ الغنى

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٤٨٨ وما يليها.

٣٨٠