موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

الولي الحقيقي وهو الشارع المقدّس الذي ولايته أقوى وأولى من المالك وإن لم يحرز الإذن منه. ومعلومٌ أنّ مورد هذه النصوص هو صورة الجهل بغرض المالك ، وإلّا فمع العلم به سعةً أو ضيقاً كان هو المتّبع ، لثبوت الولاية له على التطبيق حسبما عرفت.

وهذه النصوص بين ما تضمّن جواز الأخذ مطلقاً وبين ما قيّده بمقدار ما يعطي لغيره ، الموجب لتقييد الأوّل به ، عملاً بصناعة الإطلاق والتقييد.

فمن الأوّل : صحيحة سعيد بن يسار ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل يعطى الزكاة فيقسّمها في أصحابه ، أيأخذ منها شيئاً؟ «فقال : نعم» (١).

ومن الثاني : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج : عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها ويضعها في مواضعها وهو ممّن تحلّ له الصدقة «قال : لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره» (٢) ، ونحوهما صحيحة الحسين بن عثمان (٣).

ولكن بإزائها ما يظهر منه المنع ، وهي صحيحة أُخرى لعبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألته عن رجل أعطاه رجل مالاً ليقسّمه في محاويج أو في مساكين وهو محتاج ، أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟ «قال : لا يأخذ منه شيئاً حتّى يأذن له صاحبه» (٤).

فربّما يتوهّم معارضتها لما سبق ومن ثمّ حملها الشيخ على الكراهة (٥).

ولكن الظاهر عدم المعارضة بوجه لتحتاج إلى الحمل ، لأنّها تنظر إلى موضوع غير الموضوع الذي تنظر إليه الروايات المتقدّمة ، فإنّ النصوص المتقدّمة

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٨٧ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٨٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٠ ح ٣.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٨٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٠ ح ٢.

(٤) الوسائل ١٧ : ٢٧٧ / أبواب ما يكتسب به ب ٨٤ ح ٣.

(٥) الاستبصار ٣ : ٥٤.

٣٤١

[٢٨١٦] الثامنة والعشرون : لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة دفعةً أو تدريجاً وبقيت عنده سنة وجب عليه (*) إخراج زكاتها (١) ، وهكذا في سائر الأنعام والنقدين.

______________________________________________________

ناظرة إلى المال الذي هو خارج عن ملك المالك ، وله مصرف معيّن بحسب الجعل الشرعي المعبّر عنه بالحقوق الشرعيّة من زكاة أو خمس أو كفّارة ونحو ذلك ، كما يكشف عنه صريح التعبير بالزكاة في صحيحة ابن يسار ، والتعبير ب : «من يحلّ له» في صحيحة ابن عثمان المشعر بأنّ المال يحلّ لطائفة ولا يحلّ لأُخرى فله مصرف معيّن موظّف في طبعه ، وكذا التعبير ب : «يضعها في مواضعها» الكاشف عن أنّ له موضعاً مقرّراً معيّناً ، وحكم مثل هذا المال هو ما عرفت من أنّ للمالك المتصدّي لإخراج هاتيك الحقوق ولاية التعيين ، فإن عيّن وإلّا فقد أجاز الولي الحقيقي أخذ القسم بمقدار ما يعطى لغيره حسبما عرفت.

وأما هذه الصحيحة أعني : صحيحة عبد الرحمن الأخيرة فالنظر فيها معطوف إلى من يقسم ماله الشخصي ويوزّع من تلقاء نفسه خالص ماله ، ومن البديهي أنّ مثل هذا المال لا يجوز التصرّف فيه إلّا بإذن خاصّ من صاحبه ، ومجرّد اندراجه في العنوان المقسوم عليه المال من المحاويج أو المساكين لا يسوّغ التصرّف ما لم يحرز شمول الإذن له بدليل قاطع كما لا يخفى.

فتحصّل : أنّ الأقوى خلافاً للمتن جواز الأخذ في محلّ الكلام ولكن بمقدار ما يعطى لغيره ، للنصوص المعتبرة الصريحة في ذلك ، السليمة عن المعارض حسبما عرفت.

(١) لإطلاق الأدلّة الشاملة للمقام ولغيره بمناط واحد كما هو ظاهر.

__________________

(*) بناءً على تعلّق الخمس بما يؤخذ زكاة كما هو الصحيح لا تجب الزكاة في مفروض المسألة ، والوجه فيه ظاهر.

٣٤٢

[٢٨١٧] التاسعة والعشرون : لو كان مال زكوي مشتركاً بين اثنين مثلاً وكان نصيب كلّ منهما بقدر النصاب ، فأعطى أحدهما زكاة حصّته من مال آخر أو منه بإذن الآخر قبل القسمة ثم اقتسماه ، فإن احتمل المزكّي أنّ شريكه يؤدّي زكاته فلا إشكال ، وإن علم أنّه لا يؤدّي ففيه إشكال من حيث تعلّق الزكاة بالعين (١) فيكون مقدار منها في حصّته.

______________________________________________________

(١) سواء أكان التعلّق بنحو الإشاعة والشركة الحقيقيّة أم الشركة في الماليّة أم بوجه آخر ، فإنّ مقداراً من العين على كلّ تقدير ملك للفقير إمّا بشخصه أو بماليّته. وعليه ، فالشريك الممتنع يكون غاصباً لا محالة ، ولا دليل على ولاية القسمة للمالك مع الشريك الغاصب لتسلم حصّته في المقام عن حقّ الفقراء ، فلو اعترف أحد الآخرَين بوجود الأخ الثالث وأنكره الآخر ليس له المقاسمة معه بالمناصفة في تراث أبيه ، لكونه غاصباً في نظره ولا قسمة مع الغاصب. أو لو كانت دار مشتركة بين شخصين فاغتصب الغاصب حصّة أحد الشريكين المشاعة لم يجز للشريك الآخر المقاسمة مع الغاصب وإفراز الحقّ المشاع.

والحاصل : أنّ ولاية الشريك على المقاسمة مع الغاصب غير ثابتة بتاتاً لا في المقام ولا في غيره ، ولأجله يشكل تصرّف الشريك المؤدّي للزكاة في تمام حصّته بعد القسمة مع علمه بعدم أداء الشريك الآخر.

نعم ، لا إشكال مع احتمال الأداء كما لا يخفى (١).

__________________

(١) تقدّم في المسألة ٣١ من فصل زكاة الغلّات أنّ الزكاة وإن كانت متعلّقة بالعين على نحو الشركة في المالية أنّ للمالك جواز التصرّف فيها إلى أن يبقى مقدار الزكاة. وعليه فلا مانع من التقسيم المزبور فتبقى الزكاة في حصّته.

٣٤٣

[٢٨١٨] الثلاثون : قد مرّ أنّ الكافر مكلّف بالزكاة ، (١) (*) ولا تصحّ منه ، وإن كان لو أسلم سقطت عنه ، وعلى هذا فيجوز للحاكم إجباره على الإعطاء له أو أخذها من ماله قهراً عليه ويكون هو المتولّي للنيّة. وإن لم يؤخذ منه حتّى مات كافراً جاز الأخذ من تركته ، وإن كان وارثه مسلماً وجب عليه ، كما أنّه لو اشترى مسلم تمام النصاب منه كان شراؤه بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضوليّاً ، وحكمه حكم ما إذا اشترى من المسلم قبل إخراج الزكاة ، وقد مرّ سابقاً.

[٢٨١٩] الحادية والثلاثون : إذا بقي من المال الذي تعلّق به الزكاة والخمس مقدار لا يفي بهما ولم يكن عنده غيره فالظاهر وجوب التوزيع بالنسبة (٢) ، بخلاف ما إذا كانا في ذمّته ولم يكن عنده ما يفي بهما فإنّه مخيّر بين التوزيع وتقديم أحدهما.

______________________________________________________

(١) قد مرّ الكلام حول هذه المسألة مستقصًى في أوائل كتاب الزكاة وهذا تكرار لما سبق ، وعرفت ثمّة أنّ القول بعدم وجوب الزكاة على الكافر لعدم تكليف الكفّار إلّا بالأُصول دون الفروع غير بعيد ، بل هو الأظهر وإن كان على خلاف المشهور. وعليه ، فتسقط الفروع المذكورة في هذه المسألة ، وإنّما تتّجه على المسلك المشهور ، فلاحظ.

(٢) لأنّ نسبة الحقّين إلى ما تعلّقا به من العين نسبة واحدة ، فلا موجب لترجيح أحدهما على الآخر ، كما لا مقتضي لرفضهما معاً ، فلم يكن بدّ من

__________________

(*) وقد مرّ الكلام في أصله وفي بعض فروعه [في المسألة ٢٦٢٨] ومنه يظهر الحال في المسلم الوارث أو المشتري.

٣٤٤

وإذا كان عليه خمس أو زكاة ، ومع ذلك عليه من دين الناس والكفّارة والنذر والمظالم ، وضاق ماله عن أداء الجميع ، فإن كانت العين التي فيها الخمس أو الزكاة موجودة وجب تقديمهما على البقيّة (١) ، وإن لم تكن موجودة فهو مخيّر (*) بين تقديم أيّهما شاء ، ولا يجب التوزيع وإن كان أولى.

______________________________________________________

التوزيع حسب اختلاف النسبة ، فلو كان الخمس عشرة والزكاة عشرين والموجود من المال عشرة دراهم قُسّط عليهما بنسبة الثلث والثلثين. هذا مع عدم الوفاء ، أمّا معه فلا إشكال في وجوب الجمع ، لعدم المزاحمة ، فلو كان عنده مقدار من نصاب الذهب مثلاً وقد مضى عليه الحول وزاد على مقدار المئونة وجب إخراج خمسه وزكاته بكاملهما كما هو ظاهر.

هذا كلّه مع بقاء العين المتعلّق للحقّين.

وأمّا مع التلف وانتقال الحقّ إلى الذمّة والمفروض أنّه لم يكن عنده ما يفي بهما فحيث لا علاقة حينئذٍ بين ما عليه من الحقّ وبين ما لديه من المال لكون موطنه الذمّة حسب الفرض إذن لا موجب للتوزيع ، بل يتخيّر بينه وبين تقديم أيّ منهما شاء ، فإنّ كليهما دين يجب أداؤه كيف ما اتّفق ، فيكون حكمه حكم من كان مديناً لزيد بعشرة ولعمرو بعشرة ولم يكن عنده إلّا عشرة فإنّه مخيّر بين التوزيع كيف ما شاء وتقديم من شاء ، لتساوي الحقّين بالإضافة إلى ما في الذمّة ، ما لم يبلغ حدّ التفليس ، فإنّ له حكماً آخر مذكوراً في محلّه.

(١) ما ذكره (قدس سره) من وجوب تقديمهما مع وجود العين والتخيير مع التلف هو الصحيح ، إذ مع وجودها فالحقّان متعلّق بها ، أي لا يكون مالكاً لمقدار الخمس أو الزكاة منها فيكونان مقدّمين على بقيّة الديون التي موطنها

__________________

(*) الظاهر تقديم غير النذر والكفّارة عليهما قبل الموت وبعده.

٣٤٥

نعم ، إذا مات وكان عليه هذه الأُمور (١) وضاقت التركة وجب التوزيع (*) بالنسبة كما في غرماء المفلس ، وإذا كان عليه حجّ واجب أيضاً كان في عرضها (**).

______________________________________________________

الذمّة لا محالة ، بخلاف صورة التلف ، لاستقرار الكلّ عندئذٍ في الذمّة الذي نتيجته التخيير حسبما عرفت.

ولكن في عدّه الكفّارة والنذر في عرض بقيّة الديون تأمّل ، بل منع ، لأنّ الحكم في موردهما تكليفٌ محض ولا يتضمّن الوضع بحيث يكون من عليه الكفّارة مديناً للفقراء أو من نذر التصدّق إليهم مديناً ، وإنّما هي واجب إلهي وليسا من الحقوق المالية في شي‌ء. أذن فيتقدّم الدين المتضمّن لحقّ الناس عليهما ، لكونه أهمّ إمّا قطعاً أو لا أقلّ احتمالاً ، الموجب للترجيح في باب المزاحمة.

ثمّ إنّه لا فرق مع بقاء العين التي فيها الخمس أو الزكاة بين صورتي الحياة والممات ، لوحدة المناط كما لا يخفى.

(١) فصّل (قدس سره) في فرض تلف العين بين صورتي الحياة والممات ، وحكم في الثاني بوجوب التوزيع.

أمّا في صورة الحياة فقد عرفت الحال فيها.

وأمّا مع الموت فالكلام يقع في جهات :

الجهة الأُولى : فيما لو كانت الحقوق المجتمعة عليه مؤلّفة من الكفّارة أو النذر وممّا عداهما من ديون الناس أو المظالم ونحوهما من الحقوق الماليّة.

ولا ينبغي التأمّل حينئذٍ في لزوم تقديم الثاني ، لما عرفت من أنّ الأوّل تكليف

__________________

(*) هذا في غير النذر والكفّارة ، وأمّا هما فلا يخرجان من الأصل حتّى يجب التوزيع بالإضافة إليهما في عرض الديون.

(**) الظاهر أنّ الحجّ مقدّم عليها.

٣٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

محض من غير أن يستقرّ شي‌ء في الذمّة ، ولا ريب في سقوط التكاليف المحضة العارية عن الحكم الوضعي بمجرّد الموت ، فهو بعد الموت لم يكن مشغول الذمّة إلّا بالحقوق الماليّة ، فلا مزاحمة إذن بين الأمرين كما هو ظاهر.

الجهة الثانية : فيما لو مات وقد اجتمع عليه الحجّ مع غيره من الحقوق الماليّة من الخمس أو الزكاة أو غيرهما من سائر ديون الناس.

والظاهر تقدّم الحجّ على الكلّ ، للنصوص الخاصّة الواردة في المقام.

أمّا تقدّمه على مثل الزكاة فتدلّنا عليه صريحاً صحيحة معاوية بن عمّار ، قال : قلت له (عليه السلام) : رجل يموت وعليه خمسمائة درهم من الزكاة وعليه حجّة الإسلام وترك ثلاثمائة درهم فأوصى بحجّة الإسلام وأن يقضى عنه دين الزكاة «قال : يحجّ عنه من أقرب ما يكون ، ويخرج البقيّة من الزكاة» (١).

وأمّا تقدّمه على سائر الديون فتدلّ عليه صحيحة بريد العجلي ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل خرج حاجّاً ومعه جمل له ونفقة وزاد فمات في الطريق «قال : إن كان صرورة ثمّ مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجّة الإسلام ، وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجّة الإسلام ، فإنّ فضل من ذلك شي‌ء فهو للورثة إن لم يكن عليه دين» (٢) ، ونحوها غيرها ، وإن كانت هذه أصرح في المطلوب ، فقد دلّت صريحاً أنّ التركة تصرف أوّلاً في الحجّ فإن فضل ففي الدين ثمّ الإرث ، فالحجّ يخرج من صلب المال ويقدّم على جميع الحقوق بمقتضى هذه النصوص.

الجهة الثالثة : فيما لو مات وقد اجتمعت عليه حقوق الناس من الديون والمظالم والزكاة ونحوها غير الحجّ والمشهور حينئذٍ وجوب التوزيع على الجميع بمقدار حصصهم ، فيكون حاله بعد الممات حال المفلس مع الغرماء حال

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٥٥ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢١ ح ٢.

(٢) الوسائل ١١ : ٦٨ / أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٢٦ ح ٢.

٣٤٧

[٢٨٢٠] المسألة الثانية والثلاثون : الظاهر أنّه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفّه (١) ، وكذا في الفطرة ، ومن منع من ذلك كالمجلسي (رحمه الله)

______________________________________________________

الحياة ، لانتقال الحقّ بعد الموت من الذمّة إلى التركة ، وقضيّة ذلك هو التقسيط حسبما عرفت.

ولكن الانتقال المزبور لم يثبت ، لعدم الدليل عليه ، بل الذمّة بعد باقية على اشتغالها ، كما أنّ الحال بعدُ باقٍ على ملك الميّت ولم ينتقل إلى الورثة ، إذ لا إرث إلّا بعد الدين. ولا مانع من افتراض شي‌ء من الأمرين بالإضافة إلى الميّت بعد كونهما اعتباريين ومساعدة العقلاء على هذا الاعتبار كما لا يخفى ، فإنّ المال بعد أن لم ينتقل إلى الورثة ولا إلى الديّان لعدم الدليل فلا جرم يكون باقياً على ملك الميّت ، لامتناع الملك بلا مالك.

وبالجملة : فحقّ الغرماء في ذمّة الميّت ، والمال مال الميّت يصرف في ديونه وتفريغ ذمّته ، ونتيجته التخيير في كيفيّة التفريغ كما في حال الحياة لا وجوب التوزيع.

نعم ، الظاهر وجوب التوزيع لأجل النصوص الخاصّة لا بمقتضى القاعدة وهي كثيرة ، منها : صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) : أنّه سئل عن رجل كانت عنده مضاربة ووديعة وأموال أيتام وبضائع وعليه سلف لقوم فهلك وترك ألف درهم أو أكثر من ذلك ، والذي عليه للناس أكثر ممّا ترك «فقال : يقسّم لهؤلاء الذين ذكرت كلّهم على قدر حصصهم أموالهم» (١).

(١) فالاعتبار بنفس الفقر ولا يكون السؤال مانعاً ، ومنع المجلسي عن ذلك غير ظاهر الوجه.

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٤١٥ / كتاب الحجر ب ٥ ح ٤.

٣٤٨

في زاد المعاد في باب زكاة الفطرة [١] لعلّ نظره إلى حرمة السؤال واشتراط العدالة في الفقير ، وإلّا فلا دليل عليه بالخصوص. بل قال المحقّق القمّي (قدس سره) : لم أر من استثناه فيما رأيته من كلمات العلماء سوى المجلسي في زاد المعاد. قال : ولعلّه سهو منه ، وكأنّه كان يريد الاحتياط فسها وذكره بعنوان الفتوى [٢].

______________________________________________________

نعم ، احتمل الماتن أن يكون وجهه حرمة السؤال كما ذهب إليه بعض بضميمة اعتبار العدالة في الفقير ، إذ عليه يكون فاسقاً بل متجاهراً ، فلأجل هاتين المقدّمتين لا يجوز الدفع إليه.

وفي كلا الأمرين ما لا يخفى ، لعدم ثبوت حرمة السؤال ولا سيّما إذا كان عن حرج أو اضطرار ، بل هو حينئذٍ جائز بلا إشكال ، فلا يحتمل أن يكون هذا وجهاً لكلامه ، وإلّا لقيّده بأن يكون حراماً ، إذ قد تزول الحرمة حتّى على القول بها لضرورة ونحوها ، فكيف يطلق القول بعدم جواز الدفع إليه؟! على أنّ اعتبار العدالة لا دليل عليه بوجه ، بل في صحيح ابن مسلم الوارد في تفسير الفقير وبيان الفرق بينه وبين المسكين قوله (عليه السلام) : «والمسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل» (١) فجعله أسوأ حالاً من الفقير والبائس أسوأ حالاً منهما ، فإنّ فيه دلالة واضحة على أنّ السؤال لا يمنع عن الأخذ.

وأمّا احتمال أن يكون نظره (قدس سره) إلى أنّ السائل بالكفّ قد اتّخذ

__________________

[١] زاد المعاد : ٢١٢.

[٢] جامع الشتات ١ : ٣٧.

(١) الوسائل ٩ : ٢١٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٢.

٣٤٩

[٢٨٢١] الثالثة والثلاثون : الظاهر بناءً على اعتبار العدالة في الفقير عدم جواز أخذه أيضاً ، لكن ذكر المحقّق القمّي أنّه مختصّ بالإعطاء [١] ، بمعنى : أنّه لا يجوز للمعطي أن يدفع إلى غير العادل ، وأمّا الآخذ فليس مكلّفاً بعدم الأخذ (١).

______________________________________________________

السؤال حرفة وشغلاً له فيدخل في عنوان المحترف المنصوص عليه بعدم جواز الدفع إليه.

فبعيدٌ جدّاً ، إذ المحترف كما ورد في تفسيره هو من يكون له عمل وشغل يعيش به ويكفّ بذلك نفسه عن الزكاة ، ومعلومٌ أنّ هذا غير منطبق على من يستعطي الناس من الزكاة أو غيرها ، فإنّه يسأل ليعيش من الزكاة لا ليكفّ عنها.

وكيفما كان ، فلم يظهر لما أفاده المجلسي (قدس سره) وجه صحيح ، ولعلّه سهو من قلمه الشريف كما أفاده المحقّق القمّي (قدس سره).

(١) ولكن التفكيك بينهما غير ظاهر ، إذ معنى الاشتراط بالعدالة أنّ هذا قيدٌ مأخوذ في الموضوع وخصوصيّة ملحوظة في المستحقّ لا بدّ من مراعاتها كسائر القيود المعتبرة فيه ، مثل : أن لا يكون أباً للمعطي ، الذي هو تقييدٌ واقعي لا يفرّق فيه بين المعطي والآخذ ، فلو فرضنا أنّ الابن لا يدري أنّ هذا أباه والأب يدري أفيجوز له الأخذ؟

والذي يهوّن الخطب أنّه لا دليل على اعتبار العدالة من أصلها لا من طرف المعطي ولا من طرف الآخذ حسبما عرفت.

__________________

[١] جامع الشتات ١ : ٣٩.

٣٥٠

[٢٨٢٢] الرابعة والثلاثون : لا إشكال في وجوب قصد القربة في الزكاة ، وظاهر كلمات العلماء أنّها شرط في الإجزاء ، فلو لم يقصد القربة لم يكن زكاة ولم يجزئ (١). ولو لا الإجماع أمكن الخدشة فيه. ومحلّ الإشكال غير ما إذا كان قاصداً للقربة في العزل وبعد ذلك نوى الرياء مثلاً حين دفع ذلك المعزول إلى الفقير ، فإنّ الظاهر إجزاؤه وإن قلنا باعتبار القربة ، إذ المفروض تحقّقها حين الإخراج والعزل.

______________________________________________________

(١) لكونها عبادة لا تسقط إلّا به كما في سائر العبادات وليست كسائر الديون ، ولكنّه (قدس سره) استشكل فيه لولا الإجماع ، نظراً إلى أنّه بالآخرة أوصل الزكاة إلى مستحقّها وإن كان عاصياً بعدم قصد القربة.

أقول : تقدّم الكلام حول هذه المسألة وقلنا : إنّ قصد القربة لازم ، لا للإجماع فقط ليتطرّق الخدش فيه ، بل للآية والروايات.

أمّا الآية : فقوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) بعد تفسير الصدقات بالزكاة في كثير من الروايات ، فإنّ الصدقة لغة هي العطيّة المقصود بها التقرّب ، وبذلك تمتاز عن الهديّة ، فالقصد المزبور مأخوذ في مفهوم الصدقة ، وبمقتضى الروايات المفسّرة للصدقة بالزكاة يعلم أنّ الزكاة صدقة ، غايته أنّ لها مواضع خاصّة وهي الأصناف الثمانية ، فلا بدّ من مراعاة قصد القربة تحقيقاً ، لصدق العنوان المتقوّم به الامتثال.

وأمّا الروايات : فقد ورد في جملة وافرة من النصوص أنّه بني الإسلام على خمس وعدّ منها الزكاة ، فقورنت بالصلاة والصيام وجعلت من مباني الإسلام بل قد عُدّ من أثافيه ، فعن الصادق (عليه السلام) أنّه قال : «أثافي الإسلام ثلاثة : الصلاة والزكاة والولاية ثمّ قال (عليه السلام) : لا تصحّ واحدة منها

٣٥١

[٢٨٢٣] الخامسة والثلاثون : إذا وكّل شخصاً في إخراج زكاته وكان الموكّل قاصداً للقربة وقصد الوكيل الرياء ، ففي الإجزاء إشكال (*) (١) ، وعلى عدم الإجزاء يكون الوكيل ضامنا.

______________________________________________________

إلّا بصاحبتها» (١).

فإنّ التعبير ب : «لا تصحّ» يناسب العباديّة جدّاً كما لا يخفى.

وبالجملة : فمن مجموع هذه الأخبار يظهر أنّ حال الزكاة حال الصلاة ، بل قد قرنت بها في أكثر الآيات ، الكاشف عن تساويهما في الاتّصاف بالعبادة ، كما يشهد به الارتكاز في أذهان المتشرّعة أيضا.

ولكن غاية ما يمكن أن يستفاد من هذه كلّها اعتبار القربة حالة الاتّصاف بالصدقة ، أعني : زمان الإخراج والعزل الذي يتّصف المعزول حينئذٍ بكونه زكاة ويتعيّن فيها. وأمّا اعتبارها في مقام الدفع والإيصال الخارجي فليس عليه أيّ دليل ، إذ الدليل اللّفظي ليس إلّا ما عرفت ، والإجماع لم يثبت انعقاده حتّى في هذا المقام. وعليه ، فالظاهر هو الإجزاء ، لأنّه بالآخرة أوصل المال إلى مالكه ولو لم يقصد القربة ، بل وإن قصد الرياء ، غايته أنّه لا يثاب عليه. فما ذكره في المتن من الإجزاء حينئذٍ هو الصحيح.

(١) قد تقدّم منه (قدس سره) في الفصل السابق البحث عن الوكالة وقد قسّمها إلى قسمين ، فتارةً : يكون وكيلاً في الأداء والإخراج ، وأُخرى : في مجرّد الإيصال.

__________________

(*) هذا مبني على ما تقدّم منه (قدس سره) من أنّ العبرة بنيّة الوكيل حينئذٍ ، وأمّا على ما ذكرناه من أنّ العبرة بنيّة الموكّل فلا أثر لقصد الوكيل الرياء.

(١) الوسائل ١ : ١٦ / أبواب مقدّمة العبادات ب ١ ح ٧. والأثافي ، واحدها الأثفية : ما يوضع عليه القدر لسان العرب ١٤ : ١١٣.

٣٥٢

[٢٨٢٤] السادسة والثلاثون : إذا دفع المالك الزكاة إلى الحاكم الشرعي ليدفعها للفقراء فدفعها لا بقصد القربة (١) ، فإن كان أخذ الحاكم ودفعه بعنوان

______________________________________________________

وذكر (قدس سره) أنّ المتولّي للنيّة في الثاني إنّما هو المالك ، إذ هو المتصدّي في الحقيقة للأداء والوكيل آلة محضة لا اعتبار بقصده ، بل قد يكون صبيّاً أو مجنوناً بل حيواناً ، فلا يعتبر قصد القربة حينئذٍ إلّا من الموكّل دون الوكيل.

وأمّا في الأوّل فالمتولّي لها إنّما هو الوكيل ، إذ هو المتصدّي للأداء وإن كان ذلك بتسبيب من المالك.

وعلى ضوء ذلك فينبغي التفصيل في المقام ، وأنّه إذا كان وكيلاً في مجرّد الإيصال فلا يقدح قصد الرياء منه بعد فرض حصول قصد التقرّب من المالك فتبرأ ذمّته حينئذٍ ، إذ لا يلزم النيّة من الوكيل وقتئذٍ حتّى يضرّ عدم قصد القربة منه.

وأمّا إذا كان وكيلاً في الأداء فيقدح الرياء ، إذ لا أداء من دون قصد التقرّب المعتبر حصوله من نفس المؤدّي وهو الوكيل ، فلا تبرأ ذمّة المالك ، بل يكون الوكيل ضامناً بإتلافه.

ودعوى عدم قدح الرياء إذا كان في النيابة لا في المنوب فيه.

مدفوعة بما تقدّم من عدم تطرّق النيابة في الزكاة ، لفقد الدليل ، فلا تقاس بالصلاة والصيام القابلين لذلك بمقتضى أدلّة النيابة ، إذ لا دليل في المقام على أنّ فعل النائب للمنوب عنه إلّا إذا كان بعنوان الوكالة إمّا في الإخراج أو في الإيصال حسبما عرفت وعرفت حكمهما آنفاً ، فلاحظ.

(١) الدفع إلى الحاكم قد يكون بعنوان الوكالة وقد تقدّم حكمه في المسألة السابقة من التفصيل بين الوكيل في الإخراج والوكيل في الإيصال.

وأُخرى بعنوان الولاية على الفقراء ، ولا إشكال حينئذٍ في الإجزاء ، إذ الدفع

٣٥٣

الوكالة عن المالك أشكل الإجزاء (*) كما مرّ ، وإن كان المالك قاصداً للقربة حين دفعها للحاكم وإن كان بعنوان الولاية على الفقراء فلا إشكال في الإجزاء إذا كان المالك قاصداً للقربة بالدفع إلى الحاكم ، لكن بشرط أن يكون إعطاء الحاكم بعنوان الزكاة ، وأمّا إذا كان لتحصيل الرئاسة فهو مشكل ، بل الظاهر ضمانه حينئذٍ وإن كان الآخذ فقيراً.

______________________________________________________

إليه بمثابة الدفع إلى الفقير نفسه ، فيعتبر قصد التقرّب من المالك حين الدفع إلى الحاكم كما هو ظاهر.

ولكن الماتن شرط في ذلك أن يكون إعطاء الحاكم للفقير بعنوان الزكاة وإن لم يقصد به القربة ، وأمّا إذا لم يكن بهذا العنوان بل طلباً للرئاسة فيشكل الإجزاء حينئذٍ ، بل يضمن الحاكم وإن كان الآخذ فقيراً.

أقول : لا يكاد يحصل وجه ظاهر لما أفاده (قدس سره) في المقام ، إذ فيه :

أوّلاً : أنّ الإعطاء للحاكم بما أنّه ولي إيصال للفقير ، وبذلك تبرأ ذمّة المالك ، وبعد ذلك فليفعل الحاكم فيه ما شاء من تلف أو إتلاف أو رياء أو تحصيل رئاسة أو أيّ أمر كان ما لا تنافي حكومته مثل ما يفعله الفقير نفسه من إتلافه سرفاً أو العمل به محرّماً ، فإنّ كلّ ذلك أجنبي عن المالك ولا يمسّ به بوجه ، إذ لم يكن عليه إلّا الأداء متقرّباً إلى الفقير أو وكيله أو وليّه وقد حصل على الفرض ، لما عرفت من أنّ الأداء إلى الولي في حكم الأداء إلى الفقير نفسه ، فقد أدّى المالك زكاته بمجرّد الدفع إلى الحاكم ، المستلزم بطبيعة الحال لفراغ ذمّته ، سواء أكان إعطاء الحاكم للفقير بعنوان الزكاة أم لا ، فإنّه لا يقدح

__________________

(*) الظاهر أنّه لا إشكال فيه ، فإنّ الدفع إلى الحاكم أو إلى شخص آخر لا ينفك عن العزل ، وقد مرّ أنّه تكفي مقارنته لقصد القربة وإن لم تكن قربة عند الإعطاء إلى الفقير ، وبذلك يظهر الفرق بين هذه المسألة وسابقتها.

٣٥٤

[٢٨٢٥] السابعة والثلاثون : إذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كرهاً يكون هو المتولّي للنيّة ، وظاهر كلماتهم الإجزاء (*) (١) ، ولا يجب على الممتنع بعد ذلك شي‌ء ، وإنّما يكون عليه الإثم من حيث امتناعه ، لكنّه لا يخلو عن إشكال بناءً على اعتبار قصد القربة إذ قصد الحاكم لا ينفعه فيما هو عبادة واجبة عليه.

______________________________________________________

بعد أن أخذ من المالك للفقير بمقتضى ولايته حسبما عرفت.

وثانياً : أيّ وجه لضمان الحاكم وأيّ دليل على لزوم كون الإعطاء بعنوان الزكاة؟! فإنّه بعد الأخذ السائغ له حسب الفرض لم يكن عليه إلّا الإيصال إلى الفقير كيف ما كان وقد أوصل ، والإلزام عليه بالإيصال بعنوان خاصّ عارٍ عن أيّ دليل كما عرفت.

وثالثاً : إنّ الماتن بنفسه ذكر قبل مسائل أنّ قصد القربة إنّما يجب في مقام الإفراز والعزل والتعيين للزكاة لا في مقام الإيصال والدفع الخارجي ، بل صرّح (قدس سره) بأنّه لو نوى الرياء حين دفع المعزول إلى الفقير لم يكن به بأس ، ومن الضروري أنّ الدفع إلى الحاكم أو أيّ شخص آخر لا ينفكّ عن الإفراز والعزل ، فإذا لم تكن النيّة المحرّمة من الرياء أو طلب الرئاسة قادحة فيما لو كان المباشر لدفع المعزول هو المالك بنفسه ولم يكن منافياً لفراغ ذمّته فعدم التنافي فيما إذا كان المتصدّي هو الحاكم الشرعي بطريقٍ أولى كما لا يخفى. وكيفما كان ، فلم يظهر وجه صحيح لما ذكره (قدس سره) من عدم الإجزاء أو الضمان.

(١) إذ بعد أن ساغ للحاكم الإخراج بمقتضى ولايته وكان هو المتولّي للنيّة والمباشر لقصد القربة تحقيقاً لحصول العبادة ، فلا جرم تبرأ ذمّة المالك بذلك

__________________

(*) وهو الصحيح.

٣٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فيجزئ ولا شي‌ء عليه وإن كان آثماً بامتناعه وتمرّده عن أداء الواجب.

هذا هو المشهور والمعروف كما ذكره الماتن وغيره ، ولكنّه استشكل فيه في المتن باعتبار أنّ المكلّف بالإخراج إنّما هو المالك نفسه ، وبما أنّ الزكاة عبادة فلا بدّ وأن يكون هو المتصدّي لقصد القربة ، ولم يقصد على الفرض ، ولا ينفعه قصد الحاكم ، إذ لا أثر لقصد الغير في سقوط العبادة المطلوبة منه ، فلا يجزئ عنه وإن ساغ له الأخذ منه كرهاً.

والصحيح ما ذكره المشهور ، فإنّ معنى كون الحاكم وليّ الممتنع أنّ الفعل الذي لا بدّ من صدوره من المالك الممتنع يتصدّى الوليّ لصدوره ويباشره بنفسه ، ويكون فعله كفعله وإخراجه كإخراجه ، كما هو الحال في الوكيل بعينه ، ففعل الولي فعل للمولّى عليه بالجعل الإلهي والولاية الشرعية ، وهذا كما ترى يساوي الإجزاء وبراءة الذمّة بطبيعة الحال ، إذ لو كانت الذمّة باقية على حالها فلما ذا يأخذ الحاكم؟! أفهل ترى أنّه يأخذه مجّاناً من غير أن يكون للفقراء ولا محسوباً على المالك؟ ففرض أنّ الحاكم له الأخذ يستلزم فرض فراغ الذمّة كما في سائر الموارد ، مثل : أخذ الدين من الممتنع فإنّه يتعيّن الكلّي الذي اشتغلت به الذمّة فيما يأخذه الحاكم بمقتضى ولايته وتبرأ الذمّة بذلك ، فكما يتعيّن هناك ويترتّب الفراغ فكذا في المقام ، ولازم البراءة في المقام الالتزام بكفاية قصد القربة من الحاكم تحقيقاً لحصول العبادة.

والحاصل : أنّه إذا ثبتت الولاية في المقام كما هي كذلك بمقتضى قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) (١) فمقتضاها أنّ العمل عمل للمولّى عليه ، المستلزم طبعاً لكفاية قصد القربة من الحاكم ، ومعه كيف يمكن أن يقال ببقاء الاشتغال وعدم حصول الإجزاء؟!

__________________

(١) التوبة ٩ : ١٠٣.

٣٥٦

[٢٨٢٦] الثامنة والثلاثون : إذا كان المشتغل بتحصيل العلم قادراً على الكسب إذا ترك التحصيل ، لا مانع من إعطائه من الزكاة (*) إذا كان ذلك العلم ممّا يستحبّ تحصيله ، وإلّا فمشكل (١).

______________________________________________________

(١) أمّا بالنسبة إلى غير المستحبّ كالهندسة والحساب والنجوم ونحوها ممّا لم يثبت رجمانها في الشريعة فلا نعرف وجهاً للإشكال ، بل لا بدّ من الجزم بالعدم ، إذ كيف يسوغ له الأخذ وهو قادر على الكسب بالاشتغال بما لم يندب إليه الشرع؟! بل لم يظهر وجه للجواز حتّى احتمالاً كما لا يخفى.

وأمّا العلوم الشرعيّة والمعارف الإلهية فقد تقدّم الكلام حولها مفصّلاً وهنا تكرار محض ، وقلنا : إنّه قد يفرض أنّ الاشتغال بها واجب عيني ، وأُخرى كفائي ، وثالثة مستحبّ شرعي.

لا ينبغي الإشكال في جواز الأخذ في الأوّل ، إذ لوجوب ذلك عيناً يكون مسلوب القدرة على الكسب شرعاً وإن كان قادراً تكويناً ، لفرض عدم إمكان الجمع بين الأمرين ، فلا جرم يكون مصداقاً للفقير الذي تحلّ له الزكاة بعد ملاحظة أنّ الممنوع شرعاً كالممتنع عقلاً ، وهذا ظاهر.

ففي الواجب العيني ولو من أجل عدم وجود من به الكفاية كما لو كان في قرية أو بلدة بعيدة عن المركز العلمي أو في مثل زماننا هذا الذي قلّ فيه المدافعون عن أصل الدين وبيضة الإسلام لم يكن مجال للتشكيك في جواز الأخذ حسبما عرفت.

وأمّا في الواجب الكفائي فضلاً عن المستحبّ الشرعي فلا نعرف وجهاً للجواز بعد ما لم يكن مصداقاً للفقير ، إذ الفقير الشرعي كما مرّ (١) هو من لم

__________________

(*) مرّ التفصيل فيه وفي ما بعده [في المسألة ٢٧٠٦].

(١) في ص ١١.

٣٥٧

[٢٨٢٧] التاسعة والثلاثون : إذا لم يكن الفقير المشتغل بتحصيل العلم الراجح شرعاً قاصداً للقربة لا مانع من إعطائه الزكاة (١).

وأمّا إذا كان قاصداً للرياء أو للرئاسة المحرّمة ففي جواز إعطائه إشكال ، من حيث كونه إعانة على الحرام (٢).

______________________________________________________

يملك قوت سنته بالفعل أو بالقوّة كما في المحترف الذي عبّر عنه في النصّ بذي مرّة سوي (١) ، والجامع كما في صحيحة زرارة (٢) من لم يقدر أن يكفّ نفسه عن الزكاة ، وهذا غير منطبق على المقام قطعاً ، لتمكّنه من الكفّ بالاشتغال بالكسب بعد أن كان سائغاً له تكويناً وتشريعاً حسب الفرض (٣).

(١) إذ العلم المزبور لأجل كماله ورجحانه الشرعي كما هو المفروض محبوب لله تعالى فيعدّ من سبيل الله ، فلا مانع من الصرف فيه من هذا السهم ، إذ لا يعتبر في الصرف من سهم سبيل الله أن يكون الفاعل قاصداً للقربة ، بل العبرة بكون الفعل في نفسه محبوباً ومأموراً به ومحسوباً من سبل الخير وإن لم يقترن بالقربة ، فإنّها مناط المثوبة لا الاتّصاف بهذا السبيل كما هو ظاهر.

(٢) لا يتوقّف ما ذكره (قدس سره) على القول بحرمة الإعانة على الإثم ، بل لو أنكرنا الحرمة كما لا يبعد أو خصّصنا صدق الإعانة بصورة قصدها وعدم كفاية مجرّد العلم بترتّب الحرام لم يجز الإعطاء أيضاً ، ضرورة أنّ طلب العلم رياءً أو لأجل الرئاسة مبغوض لله تعالى ، فلا يكون الصرف فيه صرفاً في سبيل الله تعالى ، فلا يدور الحكم في المقام مدار صدق الإعانة أو القول بالحرمة ، بل يتمّ حتّى مع إنكار الأمرين حسبما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٣١ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٨ ح ٣.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٣٣ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٨ ح ٨.

(٣) هذا وجيه لو أُريد الدفع إليه من سهم الفقراء لا من سهم سبيل الله.

٣٥٨

[٢٨٢٨] الأربعون : حكي عن جماعة عدم صحّة دفع الزكاة في المكان المغصوب (١) ، نظراً إلى أنّه من العبادات فلا يجتمع مع الحرام ، ولعلّ نظرهم إلى غير صورة الاحتساب على الفقير من دين له عليه ، إذ فيه لا يكون تصرّفاً في ملك الغير ، بل إلى صورة الإعطاء والأخذ ، حيث إنّهما فعلان خارجيّان ، ولكنّه أيضاً مشكل ، من حيث إنّ الإعطاء الخارجي مقدّمة للواجب ، وهو الإيصال الذي هو أمر انتزاعي معنوي ، فلا يبعد الإجزاء.

[٢٨٢٩] الحادية والأربعون : لا إشكال في اعتبار التمكّن من التصرّف في وجوب الزكاة (٢) فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام والنقدين كما مرّ سابقاً وأمّا ما لا يعتبر فيه الحول كالغلّات فلا يعتبر التمكّن من التصرّف فيها قبل حال تعلّق الوجوب بلا إشكال. وكذا لا إشكال في أنّه لا يضرّ عدم التمكّن بعده إذا حدث التمكّن بعد ذلك ، وإنّما الإشكال والخلاف في اعتباره حال تعلّق الوجوب ، والأظهر عدم اعتباره (*) ، فلو غصب زرعه غاصب وبقي مغصوباً إلى وقت التعلّق ثمّ رجع إليه بعد ذلك وجبت زكاته.

______________________________________________________

(١) كما ذكروا ذلك في الصلاة والغسل والوضوء ، لكن الاحتساب لكونه مجرّد بناء قلبي وعدم كونه من التصرّف في ملك الغير غير مراد لهم ، كما أنّ الأخذ والإعطاء أيضاً مقدّمة لما هو الواجب ، وهو استيلاء الفقير وكون المال تحت سلطانه الذي هو أمر انتزاعي لا تكويني ، فلم يكن به بأس أيضاً كما ذكره في المتن.

(٢) تقدّم الكلام حول هذه المسألة غير مرّة ، وعرفت أنّ اعتبار التمكّن من التصرّف وإن كان وارداً فيما يعتبر فيه الحول في أكثر الروايات إلّا أنّ في صحيحة ابن سنان وغيرها ما يقتضي العموم حتّى فيما لا يعتبر ، فلاحظ.

__________________

(*) بل الأظهر اعتباره كما مرّ.

٣٥٩

فصل

في زكاة الفطرة

وهي واجبة إجماعاً من المسلمين (١).

ومن فوائدها : أنّها تدفع الموت في تلك السنة عمّن أُدّيت عنه.

ومنها : أنّها توجب قبول الصوم ، فعن الصادق (عليه السلام) أنّه قال لوكيله : «اذهب فأعط من عيالنا الفطرة أجمعهم ولا تدع منهم أحداً ، فإنّك إن تركت منهم أحداً تخوّفت عليه الفوت» قلت : وما الفوت؟ «قال (عليه السلام) : الموت» (١).

وعنه (عليه السلام) : «إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة ، كما أنّ الصلاة على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من تمام الصلاة ، لأنّه من صام ولم يؤدّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمّداً ، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي (صلّى

______________________________________________________

(١) إذ لم ينقل الخلاف إلّا من شاذّ من العامّة كما في الجواهر (٢) ، ويظهر من صحيحة هشام أنّ أوّل ما نزل في القرآن من الزكاة أُريد بها الفطرة ، إذ لم يكن للناس أموال تبلغ النصاب «قال (عليه السلام) : نزلت الزكاة وليس للناس أموال وإنّما كانت الفطرة» (٣).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٢٨ / أبواب زكاة الفطرة ب ١ ح ١ بتفاوت يسير.

(٢) الجواهر ١٥ : ٤٨٤.

(٣) الوسائل ٩ : ٣١٧ / أبواب زكاة الفطرة ب ١ ح ١.

٣٦٠