موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٨٠٢] الرابعة عشرة : في المزارعة الفاسدة الزكاة مع بلوغ النصاب على صاحب البذر (١) ، وفي الصحيحة منها عليهما إذا بلغ نصيب كلّ منهما ، وإن بلغ نصيب أحدهما دون الآخر فعليه فقط ، وإن لم يبلغ نصيب واحد منهما فلا يجب على واحد منهما وإن بلغ المجموع النصاب.

______________________________________________________

من مقدّمات ثلاثة كلّها ضروريّة : تساوي النسبتين ، عدم الارتباطيّة ، امتناع الترجيح بلا مرجّح حسبما عرفت.

وعليه ، فلا يقاس المقام بباب الصلاة أو الصيام فيما لو كان عليه صوم يومين مثلاً فصام يوماً واحداً من غير تعيين ، حيث يسقط أحدهما ويبقى الآخر بلا إشكال ، لأنّ الواجب هناك ارتباطي لا يعقل فيه التقسيط ، وهنا استقلالي قابل لذلك.

(١) تقدّم سابقاً أنّ الزكاة إنّما تجب على المالك دون غيره وإن كان المال في يده. وعليه ، ففي المزارعة الصحيحة بما أنّ كلّاً من المالك والعامل يستحقّ النتاج ويملكه بنسبة معيّنة فلا محالة تجب الزكاة على كلّ من بلغت حصّته النصاب ، وأمّا إذا لم يبلغ لا هذا ولا ذاك فلا شي‌ء عليهما وإن كان المجموع بالغاً حدّ النصاب ، إذ الاعتبار بملك كلّ مالك بخصوصه من غير الانضمام بملك شخص آخر كما تقدّم.

وأمّا لو كانت المزارعة فاسدة فالناتج ملك لمالك البذر ، فإنّه يتبع البذر في الملكيّة ، وحينئذٍ فإن كان البذر للعامل كان الناتج له وعليه الزكاة مع بلوغ حدّ النصاب ، وإن كان للمالك فكذلك ، وإن كان لهما فبالنسبة ، ويجري فيه الكلام المتقدّم بعينه ، فلاحظ.

٣٢١

[٢٨٠٣] الخامسة عشرة يجوز للحاكم الشرعي أن يقترض (*) على الزكاة (١) ويصرفه في بعض مصارفها ، كما إذا كان هناك مفسدة لا يمكن دفعها إلّا بصرف مال ولم يكن عنده ما يصرفه فيه ، أو كان فقير مضطرّ لا يمكنه إعانته ورفع اضطراره إلّا بذلك ، أو ابن السبيل كذلك ، أو تعمير قنطرة أو مسجد أو نحو ذلك وكان لا يمكن تأخيره ، فحينئذٍ يستدين على الزكاة ويصرف وبعد حصولها يؤدّي الدين منها. وإذا أعطى فقيراً من هذا الوجه وصار عند حصول الزكاة غنيّاً لا يسترجع منه ، إذ المفروض أنّه أعطاه بعنوان الزكاة. وليس هذا من باب إقراض الفقير والاحتساب عليه بعد ذلك ، إذ في تلك الصورة تشتغل ذمّة الفقير ، بخلاف المقام ، فإنّ الدين على الزكاة.

______________________________________________________

(١) بأن تكون الزكاة هي المدين والحاكم يستدين لها من محلّ آخر ، وبعد حصولها يؤدّي الدين منها. نظير اقتراض المتولّي للوقف فيما لو كانت العين الموقوفة في حاجة ماسّة لأجل تعميرٍ ونحوه ، فيستدين المتولّي على الوقف بحيث يكون المدين هو الوقف ، ثمّ يؤدّي الدين من واردة وحاصله.

ثمّ ذكر (قدس سره) في آخر عبارته : أنّه يمكن أن يستقرض الحاكم لنفسه بما هو ولي بحيث يكون هو المدين دون الزكاة ، ثمّ يؤدّي دينه من الزكاة من سهم الغارمين.

أقول : أمّا الأخير فلا كلام لنا فيه ، لأنّ ذلك هو مقتضى الولاية الثابتة

__________________

(*) فيه إشكال إذ لم تثبت ولاية الحاكم في مثل ذلك ، مع أنّه لا معنى للاقتراض للزكاة وإلّا كان المال المأخوذ قرضاً ملكاً لها ، فكيف يصح صرفه في مصارف الزكاة!؟ نعم ، فيما إذا كانت الحاجة ضرورية بحيث علم وجوب رفعها ولم يمكن الرفع بوجه آخر جاز للحاكم الاقتراض لنفسه بما أنّه ولي ثمّ أداء دينه من الزكاة.

٣٢٢

ولا يضرّ عدم كون الزكاة ذات ذمّة تشتغل ، لأنّ هذه الأُمور اعتباريّة والعقلاء يصحّحون هذا الاعتبار. ونظيره استدانة متولّي الوقف لتعميره ثمّ الأداء بعد ذلك من نمائه ، مع أنّه في الحقيقة راجع إلى اشتغال ذمّة أرباب الزكاة من الفقراء والغارمين وأبناء السبيل من حيث هم من مصارفها لا من حيث هم هم ، وذلك مثل ملكيّتهم للزكاة ، فإنّها ملك لنوع المستحقِّين ، فالدين أيضاً على نوعهم من حيث إنّهم من مصارفه لا من حيث أنفسهم. ويجوز أن يستدين على نفسه من حيث ولايته على الزكاة وعلى المستحقّين بقصد الأداء من مالهم ، ولكن في الحقيقية هذا أيضاً يرجع إلى الوجه الأوّل.

______________________________________________________

للحاكم الشرعي كما هو ظاهر.

وإنّما الكلام في الأوّل أعني : الدين على الزكاة لا على الحاكم نفسه والإشكال فيه من وجهين :

أمّا أوّلاً : فلأنه لم تثبت ولاية للحاكم على الزكاة نفسها ليستدين عليها ، لا لما ذكره (قدس سره) وأجاب عنه من أنّ الزكاة ليست لها ذمّة ، ضرورة أنّ الاستقراض من الأُمور الاعتباريّة التي يمكن تعلّقها بالمعدوم إذا وافقه الاعتبار العقلائي فضلاً عمّا لا ذمّة له ، فليس المانع راجعاً إلى مقام الثبوت وإنّما الكلام في مقام الإثبات وأنّه لم ينهض دليل يدلّ على ولاية الحاكم على الزكاة لتكون هي المدين في المقام ، ومجرّد الاضطرار في الصرف منها كما هو المفروض لا يسوّغ ذلك بعد عدم انحصار الطريق بالاستقراض عليها وجواز استقراض الحاكم لنفسه بما هو حاكم ثمّ الأداء منها كما عرفت.

والحاصل : أنّ مجرّد الإمكان لا يكفي في الوقوع فإنّه أعمّ منه.

وأمّا ثانياً : سلّمنا بثبوت الولاية له عليها ولكن بأيّ دليل يصرف ما استدان

٣٢٣

وهل يجوز لآحاد المالكين إقراض الزكاة قبل أوان وجوبها أو الاستدانة لها على حذو ما ذكرنا في الحاكم؟ وجهان (*) (١) ، ويجري جميع ما ذكرنا في الخمس والمظالم ونحوهما.

______________________________________________________

للزكاة في مصارفها؟! فإنّ الذي يصرف في مصارف الزكاة الثمانية إنّما هي نفس الزكاة لا ما كان ملكاً طلقاً للزكاة ، فإنّه يصرف في مصالح الزكاة من حفظ الزرع أو علف المواشي ونحوها ، لا في مصارفها ، وكم فرق بين الأمرين.

وبالجملة : المال المأخوذ قرضاً على الزكاة ملك لها يصرف في مصالحها فكيف يصحّ صرفه في مصارفها؟! فهو نظير ما كان ملكاً للوقف من الجامع أو المدرسة ونحوهما ، فإنّه يصرف لمصلحة نفس الوقف من تعميرٍ ونحوه ، ولا يعرف على الموقوف عليه كما هو ظاهر.

(١) أمّا الاستدانة للزكاة فلا نعرف وجهاً لجوازها ، فإنّا لو سلّمنا بثبوت الولاية للحاكم الشرعي على ذلك فلا نسلّمه في غيره من آحاد المالكين ، لعدم الدليل على ولايتهم لها أبداً كما لا يخفى.

وأمّا إقراض الزكاة فقد تقدّم في أوّل بحث المستحقّين أنّ المراد به إن كان هو الإعطاء قرضاً للزكاة بحيث يكون الآخذ والدائن هو الزكاة كما كان يستدين لها ، فهذا كما ترى لا يرجع إلى محصّل ، سواء كانت الولاية للحاكم أو لغيره ، فإنّ الزكاة لا تملك شيئاً حتّى يعطي هذا قرضاً لها وتكون هي المالك والدائن.

وإن أُريد أنّ ذلك زكاة معجّلة بأن تكون الزكاة بنفسها قرضاً وفي وقتها يحسب الدين مع البقاء على صفة الاستحقاق ، فقد تقدّم أنّ جملة من الروايات

__________________

(*) أظهرهما عدم جوازه.

٣٢٤

[٢٨٠٤] السادسة عشرة : لا يجوز للفقير ولا للحاكم الشرعي أخذ الزكاة من المالك ثمّ الردّ عليه (١) المسمّى بالفارسيّة بـ «دست‌گردان» ، أو المصالحة معه بشي‌ء يسير ، أو قبول شي‌ء منه بأزيد من قيمته أو نحو ذلك ، فإنّ كلّ هذه حيل في تفويت حقّ الفقراء ، وكذا بالنسبة إلى الخمس والمظالم ونحوهما. نعم ، لو كان شخص عليه من الزكاة أو المظالم أو نحوهما مبلغ كثير وصار فقيراً لا يمكنه أداؤها وأراد أن يتوب إلى الله تعالى ، لا بأس بتفريغ ذمّته بأحد الوجوه المذكورة (*). ومع ذلك إذا كان مرجوّ التمكّن بعد ذلك الأولى أن يشترط عليه أداؤها بتمامها عنده.

______________________________________________________

دلّت على جواز التقديم كما دلّت على جواز التأخير بعد العزل ، ولكن بإزائها روايات اخرى دلّت على العدم وأنّ ذلك بمثابة تقديم الصلاة على الوقت ، وقلنا : إنّ الطائفة الأُولى تحمل على التقيّة ، لموافقتها لمذهب العامّة (١).

وإن أُريد الإقراض من نفس الشخص بأن يكون الدائن هو الفقير وبعد ذلك يحتسب الدين من الزكاة ، فهذا لا إشكال في جوازه بمقتضى القاعدة من غير أن يكون محدوداً بشهر أو بشهرين كما في الروايات ، بل يجوز حتّى قبل سنة أو سنين ، لاستحباب الإقراض ، بل أنّ ثوابه أكثر من الصدقة بكثير.

(١) المعبّر عنه بالمداورة وفي الفارسيّة بـ «دست‌گردان» ، أو المصالحة عن الكثير بالقليل ، أو القبول بأزيد من القيمة كقبول ما يسوى عشرة بمائة الذي هو أيضاً نوع من المصالحة ، فإنّ كلّ ذلك حيل غير شرعيّة تتضمّن تفويت حقّ الفقراء ، فلا تسوغ لا للحاكم ولا للفقير إلّا في صورة واحدة أشار إليها

__________________

(*) بل بخصوص الوجه الأوّل.

(١) في ص ٢٦١.

٣٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أخيراً ، وهي ما لو تاب من عليه الحقّ وأراد إفراغ ذمّته وكان فقيراً ، عندئذٍ فإنّه يجوز حينئذٍ بأحد الوجوه الثلاثة المذكورة ، نظراً إلى أنّه بنفسه حينئذٍ موردٌ للزكاة ، ولا فرق في ذلك كلّه بينها وبين الخمس والمظالم ونحوها.

أقول : أمّا المصالحة أو القبول فعدم جوازهما واضح :

أمّا بالنسبة إلى الفقير فلعدم كونه مالكاً قبل الأخذ والقبض ، فكيف يصالح عمّا لا يملكه؟! وكذا القبول الذي مرجعه إلى الصلح ، ولا ولاية للفقير نفسه كما هو ظاهر.

وأمّا بالنسبة إلى الحاكم الشرعي فكذلك ، ضرورة أنّ ولايته مقصورة على صورة ملاحظة المصلحة والغبطة للمولّى عليه وهم الفقراء المفقودة في محلّ الكلام ، فإنّ مرجع مصالحة ما يسوى عشرين بدرهم أو قبوله عنه إلى إسقاط تسعة عشر درهماً ، وهو تفويت لحقّ الفقير وتضييع من غير جهة ولا مصلحة تقتضيه.

وأمّا المداورة فلا ينبغي الإشكال في جوازها في الفرض الذي ذكره الماتن أخيراً ، إذ المالك حينئذٍ بنفسه فقير كسائر الفقراء فيجوز الاحتساب معه.

وأمّا في غير ذلك فقد يفرض أنّ الإعطاء بعد الأخذ من شؤون هذا الشخص ، كما لو فرضنا أخوين والأكبر منهما وإن كان فقيراً إلّا أنّ من شؤونه الصرف على أخيه الأصغر الغني لبعض المناسبات المقتضية له ، كالإنفاق عليه لمصارف العرس مثلاً ففي مثله يجوز أخذ الزكاة منه ثمّ الردّ عليه وهكذا يداور معه إلى أن تفرغ ذمّته ، إذ الردّ حينئذٍ من المصارف العاديّة اللّائقة بشأنه ولم يكن تضييعاً بحيث لو لم يأخذ منه لأخذ الزكاة من شخص آخر. والظاهر أنّ مثل هذا الفرض خارج عن محلّ كلامه (قدس سره).

وأمّا غير ذلك على ما هو المتعارف في غالب البلاد أو جميعها من مسامحة

٣٢٦

[٢٨٠٥] السابعة عشرة : اشتراط التمكّن من التصرّف فيما يُعتبر فيه الحول كالأنعام والنقدين معلوم ، وأمّا فيما لا يعتبر فيه كالغلّات ففيه خلاف وإشكال (*) (١).

______________________________________________________

الوكيل أو المجاز من قبل الحاكم الشرعي مع المالك ، فلم يثبت جوازه لا للحاكم فضلاً عن وكيله ولا للفقير.

أمّا الأوّل : فلعدم الولاية مع التفويت وانتفاء الغبطة كما مرّ.

وأمّا الثاني : فلأنه إنّما يجوز له الأخذ بمقدارٍ لم يكن فيه إسراف وتضييع ، فإنّ الداعي الواقعي على الأخذ في أمثال هذه الموارد لم يكن إلّا إرضاء المالك بإعطاء هذا القليل.

وبعبارة اخرى : المستفاد من جملة من الأخبار أنّ الحكمة في تشريع الزكاة إنّما هي سدّ حوائج الفقراء ، ولو علم الله أنّهم احتاجوا أكثر لجعل لهم أكثر ، فالغاية من الجعل والتشريع هي رفع حاجة المحتاجين ، والأخذ والإعطاء المتضمّن للتضييع وتفويت المال منافٍ لحكمة التشريع وفلسفة جعل الزكاة ، فجوازه في غاية الإشكال.

نعم ، لو كان ذلك من شؤون الحاكم أو الفقير بحيث لم يصدق معه التضييع لا بأس به كما تقدّم ، فالعبرة بصدق عنوان التضييع وعدمه حسبما عرفت.

(١) كما استشكله في المدارك (١) ، نظراً إلى اختصاص موارد النصوص الدالّة على اشتراط التمكّن من التصرّف بما يعتبر فيه الحول دون ما لا يعتبر ، فلم يبق

__________________

(*) أظهره الاشتراط حين تعلّق الوجوب.

(١) المدارك ٥ : ٣٣.

٣٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

إلّا إطلاق معاقد الإجماعات ، ولكنّها غير قطعيّة ، فلعلّهم اعتمدوا على ما لا نعرفه.

ولكن الظاهر كما أشار إليه في الجواهر (١) أنّ الدليل على الإطلاق غير منحصر في الإجماع ، بل يظهر ذلك من بعض الأخبار أيضاً ، وما عثرنا عليه روايتان معتبرتان :

إحداهما : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : لا صدقة على الدين ولا على المال الغائب عنك حتّى يقع في يديك» (٢).

فإنّ إطلاقها يشمل ما إذا كان المال الغائب ممّا يعتبر فيه الحول وما لا يعتبر.

الثانية : صحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم جميعاً عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أنّهما قالا له : هذه الأرض التي يزارع أهلها ، ما ترى فيها؟ «فقال : كلّ أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك ممّا أخرج الله منها الذي قاطعك عليه ، وليس على جميع ما أخرج الله منها العشر ، إنّما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك» (٣).

فقد دلّت على اعتبار كون العين تحت اليد ، وموردها خصوص الغلّات التي لا يعتبر فيها الحول ، فتدلّ على اعتبار الشرط المزبور حتّى في مثل ذلك.

فالظاهر أنّ ما ذكره المشهور وادّعى عليه الإجماع من اعتبار هذا الشرط على سبيل الإطلاق هو الصحيح ، ولا وجه لمناقشة المدارك واستشكاله ، لعدم انحصار الدليل بالإجماع ، بل هاتان الصحيحتان أيضاً تدلّان عليه.

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٤٨ ٥١.

(٢) الوسائل ٩ : ٩٥ / أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٥ ح ٦.

(٣) الوسائل ٩ : ١٨٨ / أبواب زكاة الغلّات ب ٧ ح ١.

٣٢٨

[٢٨٠٦] الثامنة عشرة : إذا كان له مال مدفون في مكان ونسي موضعه بحيث لا يمكنه العثور عليه ، لا يجب فيه الزكاة (١) إلّا بعد العثور ومضيّ الحول من حينه. وأمّا إذا كان في صندوقه مثلاً لكنّه غافل عنه بالمرّة فلا يتمكّن من التصرّف فيه من جهة غفلته وإلّا فلو التفت إليه أمكنه التصرّف فيه ، يجب فيه الزكاة إذا حال عليه الحول ، ويجب التكرار إذا حال عليه أحوال فليس هذا من عدم التمكّن الذي هو قادحٌ في وجوب الزكاة.

______________________________________________________

(١) كما تقدّم عند التكلّم في الشرط الخامس من شرائط الوجوب وعرفت أنّ صحيحة سدير الصيرفي الواردة في نفس الموضوع صريحة في عدم الوجوب في المدّة التي لم تكن تحت يده ، فلاحظ.

وهل يلحق بالمدفون المال المغفول عنه بالمرّة؟ نظراً إلى اشتراكهما في عدم إمكان التصرّف وإن كان ذلك من جهة الغفلة.

الظاهر عدم الإلحاق كما ذكره في المتن ، لأنّ الدليل على اعتبار التمكّن من التصرّف إن كان هي الروايات فلا ينبغي التأمّل في قصورها عن الشمول للمقام ، فإنّ العناوين الواردة فيها هكذا : كون المال تحت يده ، في يدهما ، لم يكن غائباً عنه ، ونحو ذلك ، وكلّها متحقّقة في صورة الغفلة بالضرورة ، فإنّ المال تحت يد الغافل وليس غائباً عنه بل هو غائب عن المال ، فلا توجب الغفلة الخروج عن اليد ، غايته أنّه غير ملتفت إليه كما في حال النوم ، وهذا واضح.

وإن كان هو الإجماع فالقدر المتيقّن منه ما إذا كان المانع من طرف المال لا من طرف المالك بحيث يكون المال خارجاً عن يده لا في يده وهو غافل عنه ، فشمول الإجماع لما إذا كان القصور في المالك لا في المال غير معلوم ، بل معلوم العدم.

٣٢٩

[٢٨٠٧] التاسعة عشرة : إذا نذر أن لا يتصرّف في ماله الحاضر شهراً أو شهرين ، أو أكرهه مكره على عدم التصرّف ، أو كان مشروطاً عليه في ضمن عقد لازم ، ففي منعه من وجوب الزكاة وكونه من عدم التمكّن من التصرّف الذي هو موضوع الحكم إشكال (١) ، لأنّ القدر المتيقّن ما إذا لم يكن المال حاضراً عنده ، أو كان حاضراً وكان بحكم الغائب عرفا.

______________________________________________________

(١) للتردّد في المراد من عدم التمكّن من التصرّف المأخوذ موضوعاً للحكم سعةً وضيقاً وأنّه هل يختصّ بالحقيقي أم يعمّ الحكمي ، فإنّ المتيقّن منه هو الأوّل بحيث لم يكن المال حاضراً عنده ولو عرفاً ، فيشكل شموله لمثل هذه الموارد ممّا كان في حكم الممنوع من التصرّف.

بل قد يقال بالمنع نظراً إلى أنّ الممنوع شرعاً كالممتنع عقلاً في كونه مانعاً عن تعلّق الوجوب.

هذا ، ولكن الظاهر عدم المنع ، والوجه فيه : ما أشرنا إليه في ذاك البحث من أنّ التمكّن من التصرّف بهذا العنوان لم يرد في شي‌ء من الروايات ولم يؤخذ موضوعاً للحكم ليتكلّم في سعته وضيقه وأنّه هل يختصّ بالقدرة العقليّة أم أنّها تعمّ الشرعيّة؟ وإنّما هي عبارة اصطياديّة للفقهاء ذكروها في مقام التعبير عن هذا الشرط.

بل المذكور في الروايات أن يكون المال تحت يده وأن لا يكون غائباً عنه ونحو ذلك ممّا مرّ عليك قريباً ، وكلّ هذا صادق فيما نحن فيه بالضرورة ، فإنّ النذر أو الشرط في ضمن العقد أو الإكراه ونحوها ممّا يكون مانعاً شرعيّاً عن التصرّف لا يخرج المال عن كونه تحت يده ولا يجعله غائباً عنه قطعاً لا حقيقةً ولا عرفاً ، بل هو عنده وتحت تصرّفه واستيلائه وجداناً ، فلا جرم تشمله

٣٣٠

[٢٨٠٨] العشرون : يجوز أن يشتري من زكاته من سهم سبيل الله كتاباً أو قرآناً أو دعاءً ويوقفه ويجعل التولية بيده أو يد أولاده ، ولو أوقفه على أولاده وغيرهم ممّن يجب نفقته عليه فلا بأس به أيضا (*) (١).

______________________________________________________

إطلاقات الزكاة.

وبالجملة : لو كان المذكور في النصوص عنوان التمكّن من التصرّف أمكن الأخذ بإطلاقه بدعوى أنّ عدم القدرة الشرعيّة كعدم القدرة العقليّة ، ولكن المذكور فيها عناوين أُخر كلّها متحقّقة في محلّ الكلام حسبما عرفت.

فلا ينبغي التأمّل في وجوب دفع الزكاة ، عملاً بإطلاقات الأدلّة.

(١) لعدم اندراج ذلك في ما دلّ على المنع عن أداء الزكاة لواجب النفقة ، إذ الممنوع في تلك الأدلّة الصرف في نفقتهم والإنفاق في مصالحهم لا مجرّد انتفاعهم بها وإن كان الصرف في مصلحة أُخرى غير مصالحهم الشخصيّة كما في المقام ، حيث إنّ الواقف يصرف الزكاة في سبيل الله إمّا بنحو العموم كبناء مسجد أو تعمير قنطرة بحيث ينتفع بها الكلّ ومنهم واجب النفقة ، بل حتّى الواقف نفسه كما تقدّم التعرّض له سابقاً أو بنحو الخصوص كما لو أوقف كتاباً أو قرآناً من سهم سبيل الله على خصوص أولاده لتقوية دينهم مثلاً فإنّ شيئاً من ذلك لا يعدّ من الصرف على واجب النفقة. أمّا الأوّل فظاهر ، وكذا الثاني ، فإنّه صرف في مصالح الدين وإعلاء الشرع المبين بعد أن كان المقصود من تخصيصهم تقوية دينهم وحفظهم عن الانحراف ونحو ذلك ممّا يعود إلى إعلاء كلمة الإسلام ، وليس ذلك من الصرف في مصالح واجب النفقة ليشمله دليل المنع حسبما عرفت.

__________________

(*) هذا إذا كانت فيه مصلحة دينيّة كما في الفرض الأوّل.

٣٣١

نعم ، لو اشترى خاناً أو بستاناً ووقفه على من تجب نفقته عليه لصرف نمائه في نفقتهم ، فيه إشكال (*) (١).

[٢٨٠٩] الحادية والعشرون : إذا كان ممتنعاً من أداء الزكاة لا يجوز للفقير المقاصّة من ماله (٢) إلّا بإذن الحاكم الشرعي في كلّ مورد.

______________________________________________________

(١) بل الأظهر المنع ، لعدم قصور في مثل قوله (عليه السلام) : «خمسة لا يُعطون من الزكاة شيئاً : الأب» إلخ ، عن الشمول لذلك ، فإنّ معنى الإعطاء هو الصرف في مصالحهم ، ووقف الخان أو البستان صرف للعين الموقوفة في مصالحهم الشخصيّة وتمليكٌ لهم لسدّ حوائجهم ، غايته أنّ الملك الذي يتضمّنه الوقف ملكٌ غير طلق ، ولا فرق بينه وبين الملك المطلق في الاندراج تحت دليل المنع عن الإعطاء لواجب النفقة بمقتضى الإطلاق كما لا يخفى.

وبكلمة واضحة : أنّ الفارق بين الموردين أعني : وقف الكتاب أو القرآن ووقف الخان أو البستان مع كون الموقوف عليه فيهما هو واجب النفقة : أنّ الأوّل صرفٌ للزكاة في مصلحة أُخرى كإعلاء الدين وينتفع بها واجب النفقة ، والثاني صرف في مصلحة واجب النفقة بنفسه حسبما عرفت ، فلاحظ.

(٢) فإنّ التقاصّ وإن لم يكن مختصّاً باستنقاذ الحقّ الشخصي ومن ثمّ ساغ للحاكم الشرعي أخذ الحقّ المتعلّق بعامّة الفقراء مثلاً من الممتنع مقاصّةً ، إلّا أنّ ذلك يختصّ بمن له الولاية كالإمام أو نائبه الخاصّ أو العامّ ، والفقير بما هو فقير لا يملك شيئاً في ذمّة المالك حتّى يجوز له التقاصّ ، وإنّما يملك بعد الاستلام والقبض ، ولا تقاصّ إلّا لمن له الحق دون غيره ، فليس للفقير ذلك إلّا بإذن من الحاكم الشرعي الذي له الولاية على ذلك حسبما عرفت.

__________________

(*) بل منع.

٣٣٢

[٢٨١٠] الثانية والعشرون : لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو الحجّ (١) أو نحوهما من القرب ، ويجوز من سهم (*) سبيل الله.

______________________________________________________

(١) تقدّم سابقاً أنّ الظاهر من الآية المباركة وكذا الروايات : أنّ الأصناف الثمانية مصارف الزكاة وهي عناوين متقابلة. وقلنا : إنّه لا يستفاد من شي‌ء من الأدلّة أن يكون العطاء بعنوان التمليك ، فكما لا يملك الفقير قبل الدفع إليه كذلك لا يعتبر تمليكه بعد ذلك ، وإنّما هو مصرف كسائر الحصص ، ولذا جاز مجرّد الصرف عليه خارجاً.

إلّا أنّه بعد العطاء إليه تمليكاً أو صرفاً كان هو مطلق العنان ومسلّطاً على المال بقولٍ مطلق يتصرّف فيه كيف ما شاء من الصرف في الحجّ أو الزيارة أو غيرهما من سائر أنحاء التصرّفات ، وليس للمالك فيما لو دفع من سهم الفقراء الاشتراط وتقييد الصرف في جهة خاصّة من الحجّ ونحوه ، لعدم الدليل على ثبوت الولاية له في تعيين الصرف ، وإنّما له الولاية على أصل الدفع فقط دون جهة الصرف.

وتؤيّده رواية الحكم بن عيينة ، قال فيها : «... ولا يقل له : حجّ بها ، يصنع بها بعده ما يشاء» (١).

لكنّها من أجل ضعفها بالحَكَم لا تصلح إلّا للتأييد.

نعم ، يجوز من الأوّل أن يعطيه من سهم سبيل الله ، وحينئذٍ يلزم الفقير الصرف في هذه الجهة فقط ، فلا يجوز الصرف في غير الحجّ مثلا.

__________________

(*) هذا إذا كانت فيه مصلحة دينيّة.

(١) الوسائل ٩ : ٢٩٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤١ ح ٣.

٣٣٣

[٢٨١١] الثالثة والعشرون : يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل الله في كلّ قربة (*) حتّى إعطاؤها للظالم لتخليص المؤمنين من شرّه إذا لم يمكن دفع شرّه إلّا بهذا (١).

[٢٨١٢] الرابعة والعشرون : لو نذر أن يكون نصف ثمرة نخلة أو كرمه أو نصف حبّ زرعه لشخصٍ بعنوان نذر النتيجة (**) وبلغ ذلك النصاب ، وجبت الزكاة على ذلك الشخص أيضاً (٢) ، لأنّه مالك له حين تعلّق الوجوب ،

______________________________________________________

(١) قد تقدّم أنّ سهم سبيل الله لا يختصّ بجهة دون جهة ، بل يعمّ كلّ عنوان قربي يعدّ مصداقاً لهذا السهم ، غايته أنّا ادّعينا الانصراف عمّا يرجع إلى جهة خاصّة وإن كانت قربيّة ، كما لو أعطى لأحدٍ بداعي إدخال السرور في قلب غني من الأغنياء ، فلا يعمّ مطلق القربى ، بل لا بدّ من الصرف في جهة راجعة إلى عامّة المسلمين.

نعم ، الجهة العامّة المزبورة ربّما تجتمع مع الصرف في جهة خاصّة ، كما لو ابتلى مؤمن عند ظالم لا يمكن التخلّص من شرّه إلّا بدفع الزكاة ، فإنّه لا مانع من ذلك ، إذ ترجع مصلحته بحسب النتيجة إلى عامّة المسلمين ، فإنّ إنجاء المؤمن تعظيمٌ لشعائر الله وزيادة في المسلمين ، فإنّ ما يرجع إلى مؤمن واحد يرجع إلى جميع المسلمين ، فإنّهم يدٌ على من سواهم ، وما يمسّ أحدهم يمسّ جميعهم في الحقيقة كما لا يخفى.

(٢) قد يكون النذر المفروض بعنوان نذر النتيجة كما ذكره (قدس سره) ، وأُخرى بعنوان نذر الفعل.

__________________

(*) تقدّم الكلام فيه [في الصنف السابع من أصناف المستحقين للزكاة].

(**) صحّة هذا النذر في نفسه محلّ إشكال بل منع.

٣٣٤

وأمّا لو كان بعنوان نذر الفعل فلا تجب على ذلك الشخص ، وفي وجوبها على المالك بالنسبة إلى المقدار المنذور إشكال (*).

______________________________________________________

أمّا الأوّل : فلو صحّ كان النتاج مشتركاً بين المالك والمنذور له كاشتراكه بين المالك والزارع في المزارعة على ما تقدّم (١) ، فيعتبر حينئذٍ في وجوب الزكاة بلوغ حصّة كلّ منهما النصاب ، إذ المنذور له مالك أيضاً كنفس المالك ، وهذا واضح.

إلّا أنّ الكلام في صحّة مثل هذا النذر ، فإنّها محلّ تأمّل بل منع ، لعدم الدليل عليها ، وكيف يملك أمراً معدوماً بالنذر ولا سيّما وأنّ التمليك من غير قبول منافٍ لسلطنة الشخص على نفسه.

وبالجملة : التمليك القهري مخالف لمقتضى القاعدة ، لا بدّ في ثبوته من قيام الدليل ، كما في باب الإرث ، وكما في الوصيّة التمليكيّة على الأصحّ عندنا ، وكما في موارد الديات فإنّ المجروح يملك الدية على الجارح ، ففي كلّ مورد ثبتت الملكيّة القهريّة فهو ، وإلّا فلا يمكن الالتزام بها ما لم يقم عليه دليل بالخصوص ، والنذر بمجرّده لا يكفي ، لعدم اندراجه تحت أيّ عنوان من العناوين المملّكة كما لا يخفى.

وأمّا الثاني أعني : نذر الفعل ـ : فالحال فيه هو الحال في منذور الصدقة بعينه ، وقلنا فيما سبق (٢) أنّ منع ذلك عن الزكاة مشكل جدّاً ، بل ممنوع ، إذ اعتبار التمكّن من التصرّف لم يرد بعنوانه في شي‌ء من الأخبار ليشمل المقام

__________________

(*) الحال فيه كما تقدّم في منذور الصدقة [في الشرط الخامس من شرائط وجوب الزكاة].

(١) في ص ٣٢١.

(٢) شرح العروة ٢٣ : ٣٩ ٤٧.

٣٣٥

[٢٨١٣] الخامسة والعشرون : يجوز للفقير أن يوكّل شخصاً يقبض له الزكاة من أيّ شخص وفي أيّ مكان (١) ، ويجوز للمالك إقباضه إيّاه مع علمه بالحال وتبرأ ذمّته وإن تلفت في يد الوكيل قبل الوصول إلى الفقير ، ولا مانع من أن يجعل الفقير الوكيل جعلاً على ذلك.

______________________________________________________

ويتمسّك بإطلاقه ، بل الوارد أن لا يكون غائباً وأن يكون في يده وعنده ، وهذه العناوين صادقة وفي المقام ، فإنّه وإن كان ممنوعاً من التصرّف شرعاً إلّا أنّه يصدق أنّ المال حاضر وعنده وفي يده. وعليه ، فالمنع المزبور لا يكون مانعاً عن تعلّق الزكاة في شي‌ء من الموردين أعني : نذر الفعل وما تقدّم من نذر الصدقة فلاحظ.

(١) تقدّم غير مرّة أنّ الأُمور الاعتباريّة بأسرها من العقود والإيقاعات قابلة للتوكيل بالسيرة العقلائيّة ، فيكون الفعل الصادر من الوكيل من بيعٍ أو هبةٍ ونحوهما صادراً من الوكيل ويضاف عرفاً إلى كلّ منهما حقيقةً ومن غير أيّ عناية ، غايته أنّ الصدور من أحدهما بالمباشرة ومن الآخر بالتسبيب ، فيقال : باع زيد داره مثلاً وإن لم يكن هو المتصدّي لإجراء العقد.

وأمّا الأُمور التكوينيّة فهي في ذاتها غير قابلة للنيابة والوكالة ، فلا معنى لأن يأكل أو يمشي أو ينام زيد وكالةً عن عمرو أو نيابةً عنه ، وهذا ظاهر.

نعم ، خصوص القبض والإقباض يمتاز من بينها بقبول الوكالة بالارتكاز العرفي والسيرة العقلائيّة ، ويكون ملحقاً بالأُمور الاعتباريّة في أنّ قبض الوكيل قبض للموكّل حقيقةً ، كما أنّ إقباضه إقباضه ، فلو كان زيد مديناً لعمرو بمبلغ فدفعه لوكيله برئت ذمّته بمجرّد قبض الوكيل ، سواء وصل إلى الموكّل أم لا ، فإنّ قبضه قبضه وكأنّ القابض هو الموكّل بشخصه بعد صحّة الإسناد الحقيقي

٣٣٦

[٢٨١٤] السادسة والعشرون : لا تجري الفضوليّة (*) في دفع الزكاة (١) ، فلو أعطى فضولي زكاة شخص من ماله من غير إذنه فأجاز بعد ذلك لم يصحّ.

______________________________________________________

إلى كلّ منهما كما عرفت. وهكذا الحال في كلّ مورد كان القبض موضوعاً لحكمٍ من الأحكام ، كاعتباره في الهبة وفي بيع الصرف والسلم ، فإنّه يتحقّق بقبض الوكيل أيضا.

ومنه المقام ، فتبرأ الذمّة عن الزكاة بدفعها إلى وكيل الفقير ويكون قبضه بمثابة قبض الفقير نفسه ، وتبرأ الذمّة وإن تلفت في يد الوكيل قبل الوصول إلى الفقير.

كما لا مانع من أن يجعل الفقير جعلاً للوكيل على ذلك ، عملاً بإطلاق دليل الجعالة.

(١) قد عرفت فيما سبق جريان الوكالة في أداء الزكاة بمقتضى القاعدة المعتضدة بالروايات الخاصّة.

وهل تجري الفضوليّة فيه أيضاً ، بأن يدفع الفضولي زكاة شخص من ماله أي من مال ذلك الشخص فتبرأ الذمّة بعد لحوق الإجارة ، أم لا؟ كما اختاره في المتن.

يبتني ذلك على مسألة كبرويّة تعرّضنا لتفصيلها في بيع الفضولي من كتاب المكاسب (١) ، وهي أنّ صحّة الفضولي هل هي مطابقة لمقتضى القاعدة من غير حاجة إلى ورود دليل بالخصوص في آحاد موارد العقود الفضوليّة وما ورد من الأدلّة في بعض الموارد الخاصّة مؤكّدة لها ، أم أنّها على خلاف مقتضى القاعدة يقتصر فيها على موارد قيام الدليل فحسب؟

__________________

(*) فيه إشكال ، والجريان لا يخلو من وجه.

(١) مصباح الفقاهة ٢ : ٦٠٧ وما يليها.

٣٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فعلى الأوّل : تجري الفضوليّة في المقام ويكون التمليك الصادر من الفضولي المقرون بقبول الفقير والملحوق بإجازة المالك كافياً وإن كان عارياً عن النصّ الخاصّ ، بخلاف الثاني.

هذا ، وقد ذكرنا في محلّه أنّ الأوّل هو الأظهر والأوفق بالصناعة ، نظراً إلى أنّ الخطاب في قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ونحوه من أدلّة اللزوم متوجّه إلى من كان العقد مضافاً ومستنداً إليه ، ويكفي في تحقّق الاستناد وحصول الإضافة الإجازة اللّاحقة ، فإنّها تجعل العقد الصادر من الفضولي منسوباً إلى المالك بقاءً وإن لم يكن كذلك حدوثاً ، ولا فرق بين الحدوث والبقاء من هذه الجهة ، فالإجازة اللّاحقة بمثابة الوكالة السابقة في صحّة استناد العقد وإضافته إلى المالك المجيز حقيقةً ، فلا جرم يكون مشمولاً لدليل وجوب الوفاء بالعقد. وعلى ذلك ، فجريان الفضوليّة في المقام وبراءة الذمّة عن الزكاة بدفع الفضولي المتعقّب بالإجازة مطابق لمقتضى القاعدة.

فإن قلت : يمتاز المقام عن سائر موارد الفضولي بخصوصيّةٍ من أجلها يحكم بالفساد ، وهي أنّ الصادر من الفضولي في سائر المقامات ليس إلّا مجرّد إنشاء العقد على مال الغير ، وهو لا يعدّ تصرّفاً في ملكه فلا ضير فيه ، وأمّا في المقام فالدفع من مال الغير إلى الفقير فضولاً تصرّف في ملكه بغير إذنه وهو محرّم فيكف يقع أداءً للزكاة التي هي أمر عبادي؟! قلت أوّلاً : إنّ هذا أخصّ من المدّعى ، لجواز غفلة الفضولي عن الحرمة أو اعتقاده الوكالة ، ولا سيّما إذا كان مسبوقاً بها وقد عزله الموكّل ولكنّه نسي العزل ، فلا تكون الحرمة سارية في جميع فروض المسألة.

وثانياً : إنّ الدفع الصادر من الفضولي وإن كان محرّماً إلّا أنّه لا يقع مصداقاً

__________________

(١) المائدة ٥ : ١.

٣٣٨

نعم ، لو كان المال باقياً في يد الفقير أو تالفاً مع ضمانه بأن يكون عالماً بالحال (*) يجوز له الاحتساب إذا كان باقياً على فقره (١).

______________________________________________________

لأداء الزكاة ولا يتّصف بالعبادة إلّا بعد لحوق الإجازة التي ترتفع معها الحرمة عندئذٍ ، فالدفع وإن كان محرّماً حدوثاً لكنّه محلّل بقاءً ، وبهذا الاعتبار يقع مصداقاً للامتثال ، فما كان حراماً لم يكن مصداقاً للواجب ، وما كان مصداقاً له لا حرمة فيه.

وبعبارة اخرى : المرتكب للحرام إنّما هو الفضولي ولا كلام لنا معه ، وإنّما العبرة باستناد الفعل إلى المالك المتحقّق بالإجازة ، وفي هذه الحالة لا حرمة بتاتاً ، فلا مانع من تحقّق الامتثال به حسبما عرفت.

(١) إذا بنينا على عدم جريان الفضوليّة في المقام كما عليه الماتن أو بنينا على الجريان ولكن المالك لم يجز ، فقد يكون المال باقياً في يد الفقير ، وأُخرى تالفاً مضموناً عليه ، وعلى التقديرين فيجوز للمالك الاحتساب حينئذٍ من الزكاة مع بقاء الفقير على فقره. وهذا كلّه ظاهر لا غبار عليه.

وإنّما الكلام في تقييد الماتن الضمان بما إذا كان الفقير عالماً بالحال ، فإنّه غير واضح ، لثبوته في صورة الجهل أيضا.

نعم ، يتّجه التفصيل فيما لو كان المال للدافع نفسه ، فإنّ الفقير يضمن حينئذٍ مع العلم دون الجهل ، لظهور التسليط المطلق في المجّانيّة ، نظير من أعطى زكاته لمن يعتقد فقره أو مع اعتقاد وجوب الزكاة عليه ، فإنّ القابض إن كان عالماً بعدم فقره أو بعدم وجوب الزكاة على المعطي ضمن ، وإلّا فلا.

لكن المفروض في المسألة أنّ المال لغير الدافع كما يظهر بالتأمّل في العبارة ـ

__________________

(*) إذا ثبت الضمان في حال العلم ثبت مع الجهل أيضاً ، إذ المفروض أنّ المال لغير الدافع.

٣٣٩

[٢٨١٥] السابعة والعشرون : إذا وكّل المالك شخصاً في إخراج زكاته من ماله أو أعطاه له وقال : ادفعه إلى الفقراء ، يجوز له الأخذ منه لنفسه إن كان فقيراً مع علمه (*) بأنّ غرضه الإيصال إلى الفقراء (١) ، وأما إذا احتمل كون غرضه الدفع إلى غيره فلا يجوز.

______________________________________________________

وعليه ، فالضمان كما يثبت في فرض العلم يثبت في فرض الجهل أيضاً ، وللمالك حقّ الرجوع إلى كلّ من الدافع والفقير ، لأنّ كلّاً منهما قد وضع يده عليه فيشمله عموم : على اليد ، كما هو الحال في باب تعاقب الأيدي.

نعم ، لو رجع المالك إلى الفقير فللفقير الرجوع في صورة الجهل إلى الدافع ، لكونه مغروراً من قبله ، والمغرور يرجع إلى من غرّه.

فالتفصيل بين الجهل والعلم إنّما يتّجه في قرار الضمان لا في أصل الضمان كما لا يخفى.

(١) يريد (قدس سره) بالغرض ما هو مقصود المالك من العبارة ومراد له منها بالإرادة الجدّيّة وإن كان اللفظ في نفسه قاصراً عن إفادته أحياناً. وعليه ، فإن كان المقصود من الكلام ولو بمعونة القرائن الحاليّة أو المقاليّة معلوماً وأنّه على سبيل العموم من دون نظر إلى شخص خاصّ لكونه بصدد تفريغ الذمّة بالدفع إلى مطلق الفقير وإن كان هو المعطى له ، أو أنّه على سبيل الخصوص مثل أن يقول : أعطه لجيرانك أو لأصحابك الغير الصادق على المعطى له بنفسه ، فلا كلام ، إذ له الولاية على التطبيق على من شاء ولا بدّ من اتّباع نظره.

وإنّما الكلام فيما لو كان مقصوده من العبارة مجملاً فلم يعلم إرادة التوسعة أو التضييق.

فقد ورد في جملة من النصوص جواز الأخذ ، فيكون ذلك بمثابة الإذن من

__________________

(*) لا يبعد جواز الأخذ منه بمثل ما يعطي لغيره مع عدم العلم به أيضا.

٣٤٠