موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

لا خلاف بين فقهائنا في أنّ الدعوى على الميّت لا تثبت بالبيّنة ، بل تحتاج إلى ضمّ اليمين.

وإنّما الكلام في أنّ هذا الضمّ هل هو من جهة التخصيص في دليل حجّيّة البيّنة فيكون متمّماً لدليل اعتبارها بحيث لولاه لم تكن حجّة في خصوص المقام كما لم تكن حجّة في بعض الموارد مثل : الشهادة على الزنا ونحوها ، وبعد التتميم وثبوت الدعوى لو شكّ في سقوطها لجهةٍ من الجهات يحكم بالبقاء بمقتضى الاستصحاب.

أم أنّه من جهة التخصيص في دليل حجّيّة الاستصحاب ، وإلّا فلا قصور في البيّنة في إثبات الدعوى بها كما في سائر الموارد ، غير أنّ الميّت حيث لا يمكنه الدفاع عن نفسه ، إذ من الجائز أنّه قد أدّى الدين أو أبرأه الدائن أو سقط بالتهاتر ونحو ذلك ، فيحتاج إلى ضمّ اليمين لدفع احتمال عدم البقاء ، نظراً إلى سقوط حجّيّة الاستصحاب في خصوص المقام.

فعلى الثاني : لا يجب الإخراج في المقام كما ذكره في المتن ، إذ لا أثر لعلم الورثة باشتغال ذمّة الميّت بالزكاة سابقاً بعد عدم جريان الاستصحاب لإثبات البقاء إلى حال الموت ، ومن المعلوم جدّاً أنّه لا مجال لضمّ اليمين في المقام ، لعدم كونه دعوى شخصيّة كما في سائر الدعاوي كي يختلف المدّعى على بقاء الحقّ وإنّما هناك علمٌ بالاشتغال وشكٌّ في الأداء كما هو ظاهر.

وأمّا على الأوّل : فلا مانع من جريان الاستصحاب ، والمفروض ثبوت الدين ، لعلم الورثة ، وليس مشكوكاً حتّى يحتاج إلى ضمّ اليمين ، فهو نظير سائر الديون التي يعترف الوارث بها الغنيّة عن ضمّ اليمين ، لأنّه جزء متمّم للمثبت ، أمّا إذا كان الدين ثابتاً بنفسه بالعلم الوجداني أو إقرار الورثة فلا حاجة إلى الضمّ أبداً ، ومعه لا بدّ من الإخراج.

وأمّا تحقيق هذه المسألة وأنّ اليمين هل هو جزء متمّم للإثبات ومقيّد لدليل

٣٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

البيّنة أم أنّه مخصّص لدليل الاستصحاب ، فالظاهر هو الأوّل ، والوجه فيه : أنّ الدليل الذي استدلّوا به على هذا الضمّ روايتان :

إحداهما : صحيحة الصفّار : هل تقبل شهادة الوصيّ للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع : «إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعى يمين» وكتب : أيجوز للوصي إلى أن قال : وكتب : أوَتقبل شهادة الوصي على الميت مع شاهد آخر عدل؟ «فوقّع : «نعم ، من بعد يمين» (١).

تضمّن صدرها قبول شهادة عدل واحد مع يمين المدّعى في الشهادة للميّت أي على نفعه فإنّ شهادة الوصي كالوكيل غير مسموعة حينئذٍ ، لأنّه يجرّ النفع إلى نفسه أو النار إلى قرصه وإن لم يرد بهذا التعبير في النصّ. فتبقى شهادة العدل الآخر المنضمّة إلى يمين المدّعى وهو الوارث ، ويثبت بذلك الدين للميّت على رجل آخر. وهذه الفقرة من الصحيحة خارجة عن محلّ الكلام.

ومحلّ الاستشهاد هو الذيل أعني قوله : أوَتقبل شهادة الوصي على الميّت سواء أكانت النسخة كما أثبتناها المطابقة للوسائل والكافي والتهذيب ، أم بإضافة كلمة : بدين ، بعد قوله : على الميّت ، كما في الفقيه ، لاتّحاد النتيجة ، ضرورة أنّ الدعوى على الميّت لا تكون إلّا بدين على ذمّته الغير الساقط عنه حيّاً وميّتاً ما لم تفرغ الذمّة. وأمّا الدعوى على العين فليست هي من الدعوى على الميّت ، بل على الوارث كما لا يخفى ، فنفس الدعوى على الميّت يقتضي أن يكون متعلّقها ديناً لا عيناً.

وكيف ما كان ، فقد دلّت على أنّ تلك الدعوى لا تثبت بشهادة العدلين إلّا من بعد ضمّ اليمين ، ولا تعرّض فيها لمرحلة الشكّ في البقاء وجريان الاستصحاب.

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ٣٧١ / كتاب الشهادات ب ٢٨ ح ١ ، الكافي ٧ : ٣٩٤ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٤٣ / ١٤٧ ، التهذيب ٦ : ٢٤٧ / ٦٢٦.

٣٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فلو كنّا نحن وهذه الصحيحة كان ظاهرها أنّ ضمّ اليمين إنّما هو لأجل تتميم حجّيّة البيّنة وإثبات أصل الدعوى ، ولا نظر فيها إلى مرحلة البقاء بوجه. وعليه ، فإذا فرضنا أنّ الدين قطعي الثبوت كما هو المفروض فيما نحن فيه ، فلا مانع من جريان الاستصحاب والإخراج من تركته من غير حاجة إلى ضمّ اليمين ، إذ هو إنّما كان لأجل إثبات الدين ، ومع ثبوته بنفسه إمّا بالعلم الوجداني أو باعتراف الورثة لا حاجة إلى الإثبات ، فيجري الاستصحاب كما عرفت.

الثانية : رواية عبد الرّحمن بن أبي عبد الله قال : قلت للشيخ (عليه السلام) : خبّرني عن الرجل يدّعي قبل الرجل الحقّ إلى أن قال : «وإن كان المطلوب بالحقّ قد مات فأُقيمت عليه البيّنة فعلى المدّعى اليمين بالله الذي لا إله إلّا هو ، لقد مات فلان ، وأنّ حقّه لعليه ، فإن حلف ، وإلّا فلا حقّ له ، لأنّا لا ندري لعلّه قد أوفاه ببيّنة لا نعلم موضعها ، أو غير بيّنة قبل الموت ، فمن ثمّ صارت عليه اليمين مع البيّنة ، فإن ادّعى بلا بيّنة فلا حقّ له ، لأنّ المدّعى عليه ليس بحيّ ، ولو كان حيّاً لأُلزم اليمين أو الحقّ أو يردّ اليمين عليه ، فمن ثمّ لم يثبت الحقّ» (١).

ومحلّ الاستشهاد هو التعليل في قوله (عليه السلام) : «لأنّا لا ندري» حيث يستفاد منه أنّ اليمين إنّما هو من أجل دفع احتمال الوفاء بعد أن لم يكن الميّت حيّاً حتّى يدافع عن نفسه ، ومن الجائز عدم ثبوت حقّ عليه واقعاً ، إمّا للأداء والوفاء ، أو للإبراء ، أو لعدم كونه مديناً من أصله. وعليه ، فلم يكن المناط في ضمّ اليمين التقييد في دليل حجّيّة البيّنة وتتميم اعتبارها ، بل قد ثبت أصل الدين بها من غير فرق بين كون الدعوى على الحيّ أو الميّت كما في الغائب. بل المناط فيه عدم حجّيّة الاستصحاب في خصوص المقام ، فيكون تقييداً في دليله

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ٢٣٦ / أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٤ ح ١ ، الكافي ٧ : ٤١٥ / ١ ، الفقيه ٣ : ٣٨ / ١٢٨.

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لا في دليلها. ومن ثمّ ينبغي أن يكون الحلف على البقاء لا على الحدوث ، وإلّا فتكفي في إثباته البيّنة كما عرفت.

فعلى هذا المبنى الذي عليه المشهور نفي المقام لا مجال لجريان الاستصحاب ، لأنّا وإن علمنا أنّ الميّت مدين بالزكاة حسب الفرض إلّا أنّنا نحتمل وجداناً أنّه قد أوفاه ، وليس هنا مدّعٍ في قباله يحلف بالبقاء من فقير أو غيره ، فلا يسعنا إثبات البقاء إلّا بوساطة الاستصحاب ، والمفروض سقوطه في خصوص المقام ، فلا يجب على الوارث شي‌ء ، لعدم ثبوت اشتغال ذمّة الميّت بالدين حين موته ليخرج قبل الإرث من تركته.

والمراد بالشيخ : هو موسى بن جعفر (عليه السلام) ، كما نصّ عليه في الفقيه وإن أطلق في الكافي.

هذا ، ولكن الرواية ضعيفة السند لأجل ياسين الضرير ، إذ لم يرد فيه أيّ توثيق. ودعوى الانجبار بعمل المشهور ممنوع صغرىً وكبرى ، فإنّ ضمّ اليمين وإن كان مسلّماً إلّا أنّه لم يعلم أنّه لأجل البقاء أو الحدوث ، فالصغرى غير ثابتة ، ولو سُلّم فالكبرى ممنوعة كما مرّ غير مرّة.

إذن ، فالمعتمد إنّما هي صحيحة الصفّار السليمة عمّا يصلح للمعارضة ، ومقتضاها أنّ الدين إذا ثبت بعلم الوارث كما في المقام لزم الإخراج ، لأنّ الإرث بعد الدين ، ولم يرد دليل على تخصيص حجّيّة الاستصحاب.

بقي هنا شي‌ء ، وهو أنّ الماتن ألحق في آخر المسألة بالدين الكفّارة والنذر في جميع ما مرّ. ولكنّه غير واضح ، فإنّه إنّما يتّجه لو قلنا بأنّ الكفّارة واجب مالي كما ذكره جماعة ، خصوصاً من المتأخّرين فإنّها حينئذٍ تخرج من أصل المال كالدين.

ولكنّه لم يثبت ، بل الظاهر من الأدلّة أنّها حكم تكليفي محض خوطب به

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

المكلّف بشخصه ، رفعاً للحزازة الحاصلة من العمل من غير ثبوت شي‌ء في ذمّته ليكون من قبيل الدين. وعليه ، فلا موجب للإخراج من المال حتّى مع القطع فضلاً عن الشكّ ، ولا سيّما إذا كان صغيراً أو مجنونا.

وعلى الجملة : الكفّارة واجب إلهي كسائر الواجبات ، غايته أنّه متعلّق بالمال من غير أن تكون الذمّة مشغولة بشي‌ء ، ولا سيّما مثل كفّارة شهر رمضان التي هي عنوان جامع بين العتق والإطعام والصيام ، الشامل لما يتعلّق بالمال وغيره.

وأوضح حالاً النذر ، لضعف ذاك الاحتمال فيه جدّاً ، نظراً إلى أنّه لم يجب ابتداءً ، بل يتبع التزام المكلّف ، فهو يلتزم بشي‌ء على نفسه والله تعالى يلزمه بما التزم ومن الضروري أنّ الناذر لم يلتزم بأن يكون لأحد ، بل التزم فعلاً على نفسه من إقامة مجلس العزاء أو إطعام مساكين ونحو ذلك ممّا يكون هو المتصدّي للقيام به ، المنوط بوجوده وحياته ، ولم يكن متعلّق النذر مالاً ثابتاً في الذمّة حتّى في المقطوع فضلاً عن المشكوك ليخرج عن تركته ، فلو علم الوارث أنّ الميّت لم يوف بنذره لم يجب عليه الإخراج فضلاً عن الشكّ في الوفاء. فالحكم مختصّ بالدين ، والحجّ ملحق به كما صرّح به في الأخبار وانّه يخرج من أصل المال.

نعم ، ذكر السيّد الماتن (قدس سره) في باب القضاء : أنّ مطلق الواجبات الإلهية كذلك ، لرواية الخثعمي المتضمنة : «أنّ دين الله أحقّ أن يقضى» فبدليل الحكومة تكون ملحقة بالدين.

ولكن الرواية مخدوشة سنداً ودلالةً ولا تصلح للاستناد إليها بوجه ، كما تعرّضنا في محلّه ، فلاحظ (١).

__________________

(١) شرح العروة (كتاب الصلاة ٥) : ٢٥٨.

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وتحصّل : أنّ الذي يخرج من الأصل إنّما هو الدين والحجّ ، وأمّا غير ذلك من سائر الواجبات فلا موجب لإخراجها منه مع اليقين فضلاً عن الشكّ.

هذا كلّه حكم الصورة الأخيرة ، أعني : العلم باشتغال الذمّة والشكّ في الخروج عن العهدة.

وأمّا الصورة الاولى ، أعني : ما إذا كانت الزكاة في العين وهي موجودة ونحتمل أنّ الميّت قد أدّاها إمّا من نفس العين أو من مال آخر. وقد ذكر الماتن (قدس سره) حينئذٍ أنّه لا بدّ من الإخراج ، نظراً إلى أنّ هذا المال الخارجي كان فيه الزكاة وكان متعلّقاً لحقّ الفقراء ، ويشكّ في إخراجها عنه فيستصحب بقاء الزكاة فيه ، فيجب على الوارث الإخراج كما كان يجب على الميّت لو كان حيّاً وصدر منه مثل هذا الشكّ.

وما أفاده (قدس سره) وجيه كما هو ظاهر ، غير أنّه (قدس سره) خصّ الحكم بما إذا تعلّق الشكّ بزكاة السنة الحالية. وأمّا إذا كان الشكّ بالنسبة إلى الاشتغال بزكاة السنة أو السنتين السابقة فلا يجب الإخراج على الوارث ، استناداً إلى قاعدة التجاوز ومضيّ المحلّ ، بل استند (قدس سره) إلى أصالة الصحّة.

أقول : قد عرفت سابقاً أنّ الزكاة ليس لها محلّ معيّن أو وقت مخصوص ، فليست هي من المؤقّتات (١). نعم ، لا يجوز التأخير بمقدار يصدق معه التهاون كما تقدّم (٢) ، إلّا أنّ ذلك لا يجعلها من المؤقت كي يكون الشكّ بعد تجاوز المحلّ أو بعد خروج الوقت. وعليه ، فلا معنى للتمسّك بقاعدة التجاوز أو مضيّ الوقت.

وأمّا أصالة الصحّة فلم يعلم لها وجه صحيح ، إلّا أن يقال : إنّ تأخير الزكاة

__________________

(١) في ص ٢٥٣ ٢٥٤.

(٢) في ص ٢٥٥.

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

من دون عذر شرعي غير جائز ، فإبقاء الميّت العين الزكويّة عنده من غير إخراج الزكاة حرام وغير مشروع ، ومقتضى الحمل على الصحّة أنّه لم يرتكب الحرام ، بل كان الإبقاء المزبور سائغاً ولو بأداء الزكاة من مالٍ آخر.

ولكنّه كما ترى ، لما هو المقرّر في محلّه من أنّ أصالة الصحّة لها معنيان :

أحدهما : مجرّد التنزيه عن القبيح والحمل على الجائز المشروع من غير ترتيب الآثار الشرعيّة عليه بوجه ، كما مثّل له شيخنا الأنصاري (قدس سره) من حمل ما تردّد بين السلام والسبّ على الوجه الأحسن وأنّه لم يرتكب القبيح ، لا أنّه سلّم ليجب ردّ سلامه ، فأقصى مفادها عدم ظنّ السوء لا ترتيب اللوازم. وعليه ، فغاية ما في المقام تنزيه الميّت عن الحرام وأنّه لم يؤخّر الزكاة من غير عذر ، لا ترتيب لازمه وأنّه أدّاها خارجاً كي لا يجب الإخراج من تركته.

ثانيهما : الحمل على الصحيح في مقابل الفاسد فيما إذا صدر من المسلم فعل مردّد بينهما من عقد أو إيقاع ونحوهما ، فإنّ السيرة الشرعيّة بل بناء العقلاء قد استقرّ على الحمل على الصحيح وترتيب الآثار عليه ، فيجوز تزويج زوجة زيد المطلّقة بالسيرة القطعيّة وإن احتملنا بطلان طلاقها.

ولكن هذا المعنى من الحمل على الصحّة لا ينطبق على المقام ، إذ لم يصدر من الميّت فعل مردّد بين الصحيح والفاسد بهذا المعنى ليترتّب عليه الأثر ، وإنّما الصادر منه مجرّد البقاء الذي لا ينقسم إلى الصحيح والفاسد بالضرورة ، وقد عرفت عدم إثبات لازمه بالمعنى الأوّل ، فالظاهر عدم الفرق بين السنة الحالية والسنين الماضية ، بل لا بدّ من الإخراج في الجميع حسبما عرفت.

وأمّا الصورة الثانية ، أعني : ما لو كانت العين تالفة أو منتقلة إلى الغير ويحتمل أنّه لم يؤدّ زكاتها كي يكون مديناً وضامنا.

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر هنا عدم وجوب الإخراج ، لا كما ذكره (قدس سره) من أنّ تكليف الوارث فرع تكليف الميّت ، لما عرفت ما فيه.

بل لأجل أنّ الضمان يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل ، فإنّ موضوعه إتلاف مال الغير وهو غير محرز في المقام بعد احتمال أنّ الميّت قد أدّى الزكاة من نفس العين الزكويّة ، ومن البيّن أنّ استصحاب عدم الأداء لا يثبت الإتلاف ليترتّب عليه الضمان ، كما أنّ من الواضح أنّ الأداء إلى المالك لا يعدّ إتلافاً بل أداءً ووفاءً لما هو واجب عليه ، فمع احتماله لم يحرز الإتلاف ، وقد عرفت أنّ أصالة عدمه لا يثبته ليترتّب عليه الضمان.

بل لم يحرز الإتلاف حتّى مع العلم بعدم أداء الزكاة من العين ، كما لو باع العين الزكويّة بأجمعها واحتملنا الأداء من مالٍ آخر ، وذلك لأصالة الصحّة الجارية في تلك المعاملة بعد ثبوت الولاية له على التبديل بالأداء من مالٍ آخر ، فإنّ مقتضاها أنّه باع ما هو بتمامه ملك له ، لقدرته على ذلك بعد ولايته على أداء البدل ، فقد صدر تصرّف من الولي ومثله محكوم بالصحّة.

وعلى الجملة : استصحاب بقاء الحقّ أو عدم الأداء لا يثبت الضمان المترتّب على الإتلاف وهذا فيما إذا احتملنا أنّه أدّى من نفس العين أوضح ، لعدم صدق الإتلاف على الأداء.

ودونه في الوضوح ما لو لم يحتمل ذلك ، للعلم بأنّه أخرج الجميع عن ملكه ببيعٍ ونحوه ، لعدم ثبوت الضمان حينئذٍ أيضاً بعد جريان أصالة الصحّة ، فإنّ جريانها وإن كان مشروطاً بإحراز قابليّة المتصدّي للعقد كما هو مذكور في محلّه إلّا أنّ القابليّة محرزة في المقام بعد فرض أنّ المالك له الولاية على التبديل حسبما عرفت.

٣٠٨

[٢٧٩٤] السادسة : إذا علم اشتغال ذمّته إمّا بالخمس أو الزكاة وجب عليه إخراجهما (*) (١) ، إلّا إذا كان هاشميّاً فإنّه يجوز أن يعطي للهاشمي بقصد ما في الذمّة.

______________________________________________________

(١) عملاً بالعلم الإجمالي.

كما أنّ ما ذكره (قدس سره) من جواز الإعطاء للهاشمي بقصد ما في الذمّة إذا كان هاشميّاً وجيهٌ أيضاً ، للقطع بفراغ الذمّة بذلك وإن لم يتميّز العنوان.

إلّا أنّ الأمر لا ينحصر في ذلك ، بل يمكن التخلّص بالدفع إلى من هو وكيل عن الهاشمي وعن غيره ، فيدفع إليه بقصد ما في الذمّة الأعمّ من الخمس أو الزكاة.

كما يمكن أيضاً بالدفع إلى الحاكم الشرعي الذي هو وليّ الحقّين بقصد ما في الذمّة. أو بأن يتوكّل هو بنفسه عن الهاشمي وعن غيره ، فيقبض عن نفسه وكالة عن كلّ منهما ، لحصول براءة الذمّة في جميع هذه الصور بمناطٍ واحد.

إنّما الكلام في كيفيّة الصرف لو دفع إلى الوكيل أو الحاكم الشرعي ، حيث إنّه مال مردّد بين شخصين الهاشمي وغيره من غير تمييز في البين.

ولعلّ المعروف بين الفقهاء في كبرى هذه المسألة التنصيف بينهما ، استناداً إلى ما عبّروا عنه بقانون العدل والإنصاف ، استشهاداً عليه بما ورد فيمن أودعه شخص درهماً وآخر درهمين فتلف أحد الدراهم عند الودعي من دفع درهم

__________________

(*) ويجوز أن يعطي مالاً واحداً بقصد ما في الذمّة إلى الوكيل عن مستحقي الزكاة والخمس ، بل لا يبعد كفاية الإعطاء إلى الحاكم ثمّ يكون المال مردّداً بين مالكين فيجري فيه ما يجري فيه ، وإذا لم يمكن ذلك أيضاً فلا مانع من الرجوع إلى القرعة وتعيين المال المردد بها.

٣٠٩

وإن اختلف مقدارهما قلّةً وكثرةً أخذ بالأقلّ (*) ، والأحوط الأكثر (١).

______________________________________________________

ونصف لصاحب الدرهمين ونصف درهم لصاحب الدرهم ، حيث إنّ أحد الدرهمين الباقيين مردّد بين شخصين فيقسّط عليهما.

ولكن القانون المزبور لا دليل عليه ، وحديث الودعي قضيّة في واقعة ، ولا يمكن التعدّي في الحكم المخالف للقاعدة عن مورد النصّ ، وإلغاء خصوصيّة المورد ليس بذلك الوضوح كما لا يخفى. إذن لا مناص من الرجوع إلى القرعة التي هي لكلّ أمر مشكل أو مشتبه ، فتأمّل.

(١) قد يفرض ذلك مع اختلاف الجنس ، وأُخرى مع الاتّحاد.

أمّا الأوّل كما لو علم أنّ عليه إمّا ديناراً خمساً أو شاةً زكاةً ـ : فيتعيّن فيه الاحتياط ، لتعارض الأصل من الطرفين بعد كونهما من قبيل المتباينين ، ويتأدّى بدفع الأكثر قيمةً بقصد ما في الذمّة إمّا للفقير الهاشمي لو كان هاشميّاً أو للوكيل أو الحاكم الشرعي حسبما عرفت.

هذا ، إذا كان الأكثر من النقدين ، وإلّا فيبتني على جواز دفع القيمة من غيرهما.

وأمّا الثاني كما لو علم أنّ عليه إمّا ديناراً واحداً من الزكاة أو دينارين من الخمس مثلاً ، فهو مدين إمّا بدينارين للهاشمي أو بدينار لغير الهاشمي ـ : فيجزئ حينئذٍ الاقتصار على الأقلّ بقصد ما في الذمّة ودفع الزائد المشكوك بأصالة البراءة ، وذلك لانحلال العلم الإجمالي المزبور بعلم إجمالي صغير دائرته أضيق وإن لم ينحلّ بالعلم التفصيلي.

فيكون المورد بعدئذٍ من قبيل الأقلّ والأكثر ، فإنّ من يعلم بأنّه إمّا مدين

__________________

(*) هذا فيما إذا كان الجنس واحداً ، وإلّا فالأظهر وجوب الاحتياط.

٣١٠

[٢٧٩٥] السابعة : إذا علم إجمالاً أنّ حنطته بلغت النصاب أو شعيرة ولم يتمكّن من التعيين (١) فالظاهر وجوب الاحتياط بإخراجهما ، إلّا إذا أخرج بالقيمة ، فإنّه يكفيه إخراج أقلّهما قيمةً على إشكال (*) ، لأنّ الواجب أوّلاً هو العين ، ومردّد بينهما إذا كانا موجودين ، بل في صورة التلف أيضاً ، لأنّهما مثليّان.

______________________________________________________

بدينارين للهاشمي أو بدينارٍ لغير الهاشمي مثلاً فهو بطبيعة الحال يعلم بأنّه مدين بدينار واحد اما للهاشمي أو لغيره.

فاشتغال الذمّة بدينار واحد مقطوعٌ به وإن تردّد عنوانه ودار أمره بين مستحقّ الخمس أو الزكاة ، فيكون هذا العلم الإجمالي الصغير موجباً لانحلال العلم الإجمالي الأوّل إلى مقدارٍ مقطوع به وهو الدينار الواحد وإلى مقدارٍ زائد عليه وهو الدينار الآخر الذي هو مورد لأصالة البراءة.

وبالجملة : المناط في الانحلال تعارض الأُصول في أطراف العلم الإجمالي وعدمه.

وقد كانت الأُصول متعارضة في الصورة الأُولى أي في فرض الاختلاف في الجنس ومن ثمّ لزم الاحتياط بدفع الأكثر كما عرفت.

وأمّا في المقام فلا معارضة ، إذ دفع الدرهم الواحد مقطوع به وإن تردّد بين الهاشمي وغيره ، فليس هو مجرى للأصل بتاتاً ، وأمّا الدرهم الآخر فمشكوك الوجوب من أصله فيجري فيه الأصل بلا معارض ، ولأجله ينحلّ العلم الإجمالي حسبما عرفت.

(١) قد يفرض العلم الإجمالي المزبور بين المثليّين كالحنطة والشعير ، وأُخرى

__________________

(*) أظهره عدم الكفاية.

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

بين القيميّين كالشاة ونحوها.

أمّا في الأوّل : فمقتضى تنجيز العلم الإجمالي لزوم الاحتياط بالإخراج منهما معاً ، لكونهما من المتباينين لو أراد الإخراج من نفس العين.

وأمّا لو أراد الإخراج بالقيمة ، فهل يكفي الأقلّ لكونه المتيقّن فيرجع في الزائد إلى أصالة البراءة؟

استشكل فيه في المتن ، نظراً إلى أنّ الواجب أوّلاً هو العين سواء أكانت موجودة أم تالفة ، لكونها مثليّا حسب الفرض ، والقيمة بدل عن الواجب ومسقط عنه وليست بنفسها متعلّقة للوجوب لتكون دائرة بين الأقلّ والأكثر ، ومن المعلوم أنّ العين مردّد بين متباينين ، فلا مناص في مثله من الاحتياط بأداء الأكثر.

هذا ، والظاهر وجوب أداء الأكثر حتّى بناءً على عدم كون الواجب أوّلاً هو العين ، لكونه من الدوران بين المتباينين على التقديرين.

وتوضيحه : أنّ الزكاة وإن كانت حقّا متعلّقاً بالعين على الخلاف في كيفيّة التعلّق من كونها بنحو الكلّي في المعيّن أو الشركة في الماليّة أو الإشاعة أو غير ذلك ، إلّا أنّ متعلّق الوجوب لم يكن هي العين خاصّة ، بل الجامع بينها وبين القيمة كما مرّ البحث حول ذلك مستقصًى (١). ففرقٌ بين متعلّق الحقّ وبين متعلّق الوجوب ، فإنّ الأوّل هو العين خاصّة ، وأمّا الثاني فهو الجامع بين نفس العين وبين قيمتها ، ومن هنا عبّرنا بالشركة في الماليّة ، فالواجب هو الجامع بين الحنطة مثلاً وبين قيمتها. وعليه ، فلو تردّدت العين الزكويّة بين الحنطة والشعير فإنّ مرجع ذلك إلى التردّد في أنّ الواجب عليه هل هو الجامع بين الحنطة وقيمتها أو الجامع بين الشعير وقيمته ، فهو يعلم إجمالاً بوجوب أحد

__________________

(١) شرح العروة ٢٣ : ٣٢٧ ٣٢٨.

٣١٢

وإذا علم أنّ عليه إمّا زكاة خمس من الإبل أو زكاة أربعين شاة ، يكفيه إخراج شاة (١).

وإذا علم أنّ عليه إمّا زكاة ثلاثين بقرة أو أربعين شاة (٢) وجب الاحتياط ، إلّا مع التلف ، فإنّه يكفيه قيمة شاة. وكذا الكلام في نظائر المذكورات.

______________________________________________________

الجامعين اللّذين هما من المتباينين.

نعم ، النسبة بين القيمتين نسبة الأقلّ إلى الأكثر ، إلّا أنّ القيمة لم تكن بنفسها متعلّق الوجوب ليكون الواجب دائراً بين الأقلّ والأكثر ، وإنّما هي أحد عدلي الواجب ، والمتعلّق إنّما هو الجامع الذي هو مباين مع الجامع الآخر حسبما عرفت. وعليه ، فلا محيص عن الاحتياط بدفع الأكثر قيمةً بقصد ما اشتغلت به الذمّة.

(١) للعلم التفصيلي بوجوب إخراجها وإن تردّد سبب الوجوب بين كونه زكاة خمس من الإبل أو زكاة أربعين شاة ، فالتردّد في السبب دون المسبّب ، ومثله غير ضائر كما هو ظاهر.

(٢) فتردّد الواجب بين التبيع والشاة اللّذين هما من القيميين ، ولا إشكال حينئذٍ في وجوب الاحتياط بدفع العينين لو كانا موجودين ، لكونهما من المتباينين ، وأمّا مع التلف فتكفي قيمة الأقلّ منهما وهي الشاة كما ذكره في المتن ، نظراً إلى انتقال الضمان في القيميّات إلى القيمة بمجرّد التلف ، فينقلب التكليف في المقام من الجامع بين العين والقيمة إلى خصوص القيمة ، كما يفصح عنه قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن أبي ولّاد : «قيمة بغل يوم خالفته» (١) ، حيث

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١١٩ / كتاب التجارة ب ١٧ ح ١ و ٢٥ : ٣٩٠ / كتاب الغصب ب ٧ ح ١.

٣١٣

[٢٧٩٦] الثامنة : إذا كان عليه الزكاة فمات قبل أدائها هل يجوز إعطاؤها من تركته لواجب النفقة عليه حال حياته أم لا؟ إشكال (*) (١).

______________________________________________________

يظهر منها أنّ الذمّة إنّما اشتغلت بالقيمة لدى التلف وأنّه مطالب بها دون العين ، فلا تقاس بالمثلي الذي يكون هو بنفسه في الذمّة حتّى بعد التلف ، فإذا كانت الذمّة مشغولة بالقيمة فلدى تردّدها بين الأقلّ والأكثر يقتصر على المتيقّن ويدفع الزائد بأصالة البراءة ، فتأمّل.

(١) الظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في الجواز ، لقصور المقتضي للمنع بعد انتفاء الموضوع ، فإنّ الممنوع عن أداء الزكاة إلى الابن هو الأب أو بالعكس ، إذ الخطاب متوجّه إليه خاصّة دون غيره ، وبعد وفاته لا موضوع ليتوجّه إليه التكليف. وهكذا الحال في الزوج بالنسبة إلى الزوجة.

نعم ، لو كان الوارد في الدليل أنّ زكاة الأب لا تعطى للابن أو بالعكس عمّ الحكم لحالتي الحياة والممات ، تمسّكاً بالإطلاق ، ولكن الخطاب في النصّ متوجّه إلى الابن مثلاً بنفسه ، كقوله (عليه السلام) في صحيحة ابن الحجّاج : «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً : الأب والأُمّ والولد والمملوك والمرأة ، أنّهم عياله ولازمون له» (١) ، إذ من الظاهر أنّ مثل هذا الخطاب متوجّه إلى شخص من تجب عليه النفقة دون غيره.

ومنه تعرف أنّه لا مجال للتمسّك بالاستصحاب بعد انتفاء الموضوع حتّى ولو بنينا على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة. أضف إلى ذلك ما في

__________________

(*) أظهره الجواز.

(١) الوسائل ٩ : ٢٤٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٣ ح ١ و ٢١ : ٥٢٥ / أبواب النفقات ب ١١ ح ١.

٣١٤

[٢٧٩٧] التاسعة : إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة وشرط على المشتري زكاته لا يبعد الجواز ، إلّا إذا قصد (*) كون الزكاة عليه ، لا أن يكون نائباً عنه فإنّه مشكل (١).

______________________________________________________

ذيل الصحيح المزبور من التعليل بأنّهم عياله ولازمون له ، فإنّ العيلولة واللّزوم مقصورة على حال الحياة ومنفيّة بعد الممات كما هو واضح.

على أنّ نفس الإطلاقات الأوّلية كافية في إثبات المطلوب ، فإنّ من تجب نفقته حال الحياة فقير حسب الفرض فتشمله إطلاقات أداء الزكاة للفقراء بعد سلامتها عن المقيّد ، فنفس الإطلاقات الأوّلية كافية من غير حاجة إلى دليل بالخصوص.

مضافاً إلى ورود الدليل في خصوص المقام ، وهي صحيحة عليّ بن يقطين ، قال : قلت لأبي الحسن الأوّل (عليه السلام) : رجل مات وعليه زكاة وأوصى ان تقضى عنه الزكاة ، وولده محاويج ان دفعوها أضر ذلك بهم ضرراً شديداً ، فقال : يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم ، ويخرجون منها شيئاً فيدفع إلى غيرهم» (١). والدلالة ظاهرة ودفع شي‌ء للغير كأنه لمراعاة قانون العدل والإنصاف.

(١) وجه الاستشكال : أنّ الزكاة إنّما تجب على المالك نفسه ، وبالاشتراط لا ينتقل الوجوب إلى المشتري ما لم يقصد النيابة عنه.

والظاهر أنّ محلّ كلامه (قدس سره) بل هو المتيقّن به ما إذا كانت الزكاة

__________________

(*) لا إشكال في هذا أيضاً بعد ما كانت الزكاة متعلّقة بالعين ، نعم ليس للمشتري أن يعطي من القيمة إلّا إذا قصد النيابة عن البائع.

(١) الوسائل ٩ : ٢٤٤ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٤ ح ٥.

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

موجودة في نفس العين المبيعة دون الذمّة كما لا يخفى. وعليه ، فيما أنّ المبيع مشترك بين المالك والفقير فبطبيعة الحال لم ينتقل مقدار الزكاة إلى المشتري ، بل كان البيع بالإضافة إليه فضوليّاً ما لم يؤدّ المالك الزكاة من مال آخر.

وحينئذٍ فلو اشترط الزكاة على المشتري :

فتارةً : يرجع إلى اشتراط الإخراج نيابةً عن المالك بتفريغ ذمّته ولو ببذل القيمة أو الأداء من مال آخر ، وهذا لا إشكال في صحّته ، فإنّ نتيجته التوكيل في الأداء من قبل البائع الذي لا كلام في جوازه كما تقدّم ، وبعد الأداء من مالٍ آخر يدخل مقدار الزكاة في ملك البائع ويكون من صغريات : من باع شيئاً ثمّ ملك ، المحكوم عليه بالصحّة من غير حاجة إلى الإجازة كما هو محرّر في محلّه.

وأُخرى : يشترط عليه الأداء من مال آخر لا بعنوان النيابة بل من قبل نفسه ، وصحّة مثل هذا الشرط مشكل ، إذ متعلّق الزكاة نفس هذا المال ولا ولاية على التبديل والأداء من مالٍ آخر إلّا لنفس المالك أو من هو وكيله أو نائبه ، دون المشتري الذي هو أجنبي عن ذلك حسب الفرض ، ولا يحدث بالاشتراط حكم شرعي على خلاف مقتضى الأدلّة ، بل لا بدّ وأن يكون الشرط أمراً سائغاً في نفسه.

وبالجملة : التبديل يحتاج إلى الدليل ، ولم تثبت الولاية عليه لغير المالك.

وثالثةً : يشترط على المشتري الإخراج من نفس العين لا بعنوان النيابة. وقد استشكل فيه الماتن ، ولكن الظاهر الصحّة ، إذ لا دليل على اعتبار قصد النيابة في الإخراج الصادر من الغير بتسبيب ممّن عليه الحقّ بتوكيل أو اشتراط كما في المقام الذي لا يقصر هو عن التوكيل ، فإنّ اللازم على المالك ليس إلّا إخراج الزكاة من هذا المال وقد أخرجها المشروط عليه.

وبالجملة : كان للمالك قبل الشراء أن يوكّل أحداً بالإخراج وقد جعل ذلك بالاشتراط على المشتري ، فيكون المشتري هو المكلّف بعدئذٍ بالإخراج بمقتضى

٣١٦

[٢٧٩٨] العاشرة : إذا طلب من غيره أن يؤدّي زكاته تبرّعاً من ماله جاز وأجزأ عنه (١) ، ولا يجوز للمتبرّع الرجوع عليه ، وأمّا إن طلب ولم يذكر التبرّع فأدّاها عنه من ماله فالظاهر جواز رجوعه عليه بعوضه ، لقاعدة احترام المال ، إلّا إذا علم كونه متبرّعاً.

______________________________________________________

وجوب الوفاء بالشرط وإن كان التكليف متوجّهاً ابتداءً إلى البائع ولكنّه فعلاً متوجّه إلى المشتري وتبرأ بإخراجه ذمّة البائع أيضاً فيما لو قصد القربة باشتراطه الغير القاصر عن التوكيل حسبما عرفت ، فلا يعتبر تعهّد النيابة بل يصحّ وإن كان غافلاً حين الإخراج.

(١) لكونه على طبق القاعدة ، إذ لا يعتبر في الزكاة الأداء من نفس العين ولا من بدله من مال نفسه ، بل يجوز لأداء من مال الغير الذي أباح له التصرّف بنحوٍ مطلق ، الشامل لأداء الزكاة ، فإذا جاز له أن يؤدّي زكاته من مال الغير جاز له أن يأمر ذلك الغير بأداء الزكاة عنه ، الذي هو بمثابة التوكيل في الإخراج ، فالفعل الذي كان له أن يفعله مباشرةً جاز له أن يفعله بالتسبيب.

وبالجملة : ليس في شي‌ء من أدلّة الزكاة لزوم الإخراج من مال المالك نفسه ، بل يجوز من مال شخصٍ آخر بمقتضى الإطلاق ، فإنّ المقصود الإيصال إلى الفقير كيف ما كان ، فهذا الحكم ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

إنّما الكلام فيما لو أمره بأداء الزكاة من غير أن يذكر التبرّع ولم يكن منصرفاً أيضاً إلى التبرّع ، فهل للمأمور أن يرجع إليه ويطلبه بمثل ما أدّى؟

الظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في الجواز ، لقيام السيرة العقلائيّة على الضمان فيما إذا أمر أحدٌ غيره بعملٍ كانت له قيمة عند العقلاء كالخياطة والحلاقة والبناية ونحوها أو فيما لو تضمّن تلف مالٍ كأمر الخبّاز بإعطاء خبز لزيد أو

٣١٧

[٢٧٩٩] الحادية عشرة : إذا وكّل غيره في أداء زكاته أو في الإيصال إلى الفقير هل تبرأ ذمّته بمجرّد ذلك (*) ، أو يجب العلم بأنّه أدّاها ، أو يكفي إخبار الوكيل بالأداء؟ لا يبعد جواز الاكتفاء إذا كان الوكيل عدلاً بمجرّد الدفع إليه (١).

______________________________________________________

أمر بائع الأقمشة بإعطاء ثوب لزيد ونحو ذلك فكما أنّ الإتلاف سببٌ للضمان بالسيرة العقلائيّة فكذلك الأمر فيما لم تكن قرينة على المجّانيّة ، ولا من قصد العامل المجّانيّة ، لنفس تلك السيرة العقلائيّة ، فكان هناك معاملة ضمنيّة يبتني الأمر عليها فيشتمل الأمر بالخياطة أو بإعطاء الخبز إيجاراً أو بيعاً ضمنيّاً ، غايته بأُجرة المثل أو ثمنه.

وبالجملة : لا فرق بين الإتلاف والأمر في اقتضائهما الضمان بمناطٍ واحد ، وهو قيام السيرة حسبما عرفت.

وعليه ، فلو أمر غيره بأداء دينه من زكاةٍ أو غيرها فأدّى ضمن ولزم عليه الخروج عن عهدته.

نعم ، لو عمل المأمور بقصد المجّانيّة لم يستحقّ شيئاً ، لعدم استناد عمله إلى الأمر ، فلم ينبعث عنه وإنّما انبعث عن اشتهاء نفسه ، ومثله غير مشمول للسيرة المزبورة ، كما لا يستحقّ لدى قيام القرينة على المجّانيّة.

(١) بل هو الأقوى ، بل تكفي الوثاقة ولا حاجة إلى العدالة ، وذلك لما تقدّم من أنّ الزكاة أمانة شرعيّة عند المالك لا بدّ من إيصالها بنفسه أو بوكيله ، ولأجل ذلك لا ضمان عليه لو تلفت في سبيل الإيصال ما لم يتضمّن التفريط الموجب

__________________

(*) الظاهر البراءة مع التسليم إلى الوكيل الموثوق به ، لأنّه على كلا تقديري الأداء والتلف لا ضمان عليه.

٣١٨

[٢٨٠٠] الثانية عشرة : إذا شكّ في اشتغال ذمّته بالزكاة فأعطى شيئاً للفقير ونوى أنّه إن كان عليه الزكاة كان زكاةً ، وإلّا فإن كان عليه مظالم كان منها ، وإلّا فإن كان على أبيه زكاة كان زكاةً له ، وإلّا فمظالم له ، وإن لم يكن على أبيه شي‌ء فلجدّه إن كان عليه وهكذا ، فالظاهر الصحّة (١).

______________________________________________________

للإتلاف كما هو المفروض. وعليه ، فتبرأ الذمّة بمجرّد الدفع ، أي لا ضمان سواء وصلت إلى المستحقّ أم تلفت ، فإنّ ذمّته فارغة على التقديرين حسبما عرفت.

وأمّا صحيحة عليّ بن يقطين «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عمّن يلي صدقة العشر على من لا بأس به «فقال : إن كان ثقة فمره أن يضعها في مواضعها وإن لم يكن ثقة فخذها أنت وضعها في مواضعها» (١).

فهي أجنبيّة عن توكيل المالك الذي هو محلّ الكلام ، إذ لم يسأل ابن يقطين عن إعطاء زكاته لهذا الشخص وجعله وكيلاً في الأداء أو في الإيصال ليستدلّ بها على كفاية الوثاقة ، وإنّما سأل عن تصدِّي مَن يلي الصدقات الذي هو كعامل له ، حيث إنّه كان وزيراً للسلطان يمكنه عزله ونصبه بمقتضى مكانته الشخصيّة ، فلا ارتباط للصحيحة بما هو المبحوث عنه في المقام كما لا يخفى.

(١) لتعيّن المنوي بحسب الواقع وإن جهله الناوي ، فإنّه قد نوى سلسلة مرتبة واحدة بعد اخرى قاصداً بذلك ما هو المعلوم عند الله الواقع في أوّل هذه السلسلة ، ومن الواضح أنّ هذا أمر متعيّن بحسب الواقع لا تردّد فيه ، غايته أنّ المكلّف لا يدري به ولم يعلم بوصفه ، ولا ضير فيه بعد تعلّق القصد به ولو بالإشارة الإجماليّة مع قصد القربة.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٨٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٥ ح ١.

٣١٩

[٢٨٠١] الثالثة عشرة : لا يجب الترتيب في أداء الزكاة (١) بتقديم ما وجب عليه أوّلاً فأوّلاً ، فلو كان عليه زكاة السنة السابقة وزكاة الحاضرة جاز تقديم الحاضرة بالنيّة. ولو أعطى من غير نيّة التعيين فالظاهر التوزيع (*) (٢).

______________________________________________________

(١) فيجوز تقديم المتأخّر وتأخير المتقدّم من سنة واحدة كانتا أو من سنتين ، لإطلاق الأدلّة بعد عدم قيام الدليل على اعتبار الترتيب.

(٢) أمّا إذا لم يقبل الانطباق إلّا على أحدهما كما لو كانت عليه زكاة الذهب وزكاة الغنم فأخرج شاة فحكمه ظاهر ، وهو خارج عن محلّ الكلام.

ومحلّ الكلام ما لو كان قابلاً للانطباق عليهما معاً وصالحاً لأن يكون امتثالاً لكلّ من الواجبين ، كما لو كانت عنده خمس من الإبل وأربعون شاة فأخرج شاة واحدة من غير نيّة التعيين ، والظاهر حينئذٍ هو التوزيع كما أفاده في المتن.

والوجه فيه : أنّ نسبة المدفوع إلى الزكاتين نسبة واحدة حسب الفرض ، وليست الزكاة من قبيل الواجب الارتباطي ، بل هي بالإضافة إلى أجزائها انحلاليّة يجوز أداء مقدار منها وإبقاء الباقي كما في سائر الديون.

وعليه ، فلا مناص في المقام من الالتزام بالتقسيط والتوزيع ، وإلّا لزم الترجيح من غير مرجّح بعد فرض تساوي النسبة واشتراكهما كما عرفت.

فالمقام نظير ما لو كان شخص مديناً لزيد بعشرة دنانير ولعمرو بعشرة أُخرى وكان لهما وكيل واحد ، فدفع المدين للوكيل عشرة من غير قصد التعيين فإنّه يقسط بينهما قطعا.

وعلى الجملة : التوزيع في أمثال المقام مطابق لمقتضى القاعدة ، فإنّه المتحصّل

__________________

(*) في تفصيل تقدّم [في أوّل فصل الزكاة من العبادات].

٣٢٠