موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٧٨٣] مسألة ٢ : إذا دفع المالك أو وكيله بلا نيّة القربة ، له أن ينوي بعد وصول المال إلى الفقير وإن تأخّرت عن الدفع بزمان بشرط بقاء العين في يده (١) أو تلفها مع ضمانه كغيرها من الديون ، وأمّا مع تلفها بلا ضمان فلا محلّ للنيّة.

[٢٧٨٤] مسألة ٣ : يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك في الأداء (٢) ، كما يجوز بعنوان الوكالة في الإيصال ، ويجوز بعنوان أنّه وليّ عام على الفقراء ، ففي الأوّل يتولّى الحاكم النيّة (*) وكالةً حين الدفع

______________________________________________________

(١) أمّا الإجزاء مع بقاء العين في يد المستحقّ فلأنّ المنسبق من الإيتاء المأمور به بحسب المتفاهم العرفي هو الأعمّ من الحدوث والبقاء ، إذ المقصود مجرّد الوصول إليه بعنوان الزكاة بداعٍ قربي كيفما اتّفق ، ومعه لا موجب للاسترداد والدفع ثانياً ، فإنّه نظير ما لو كان المال أمانةً في يد الفقير حيث لا ريب في جواز الإبقاء عنده بقصد التمليك الزكاتي.

وأمّا الإجزاء أيضاً مع التلف في يده على وجه الضمان كما لو أتلفه عالماً بالحال فلأنه من صغريات مسألة احتساب الدين من الزكاة.

وأمّا مع عدم الإجزاء مع التلف لا على وجه الضمان كما في موارد الغرور فلأجل أنّه لا عين في البين ولا ضمان ليحسب من الدين ، ومعه لم يكن بدّ من الإعادة.

(٢) أما إذا دفعها إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك في الإيصال أو في الأداء فيجري في حكم نيّته ما تقدّم في المسألة الأُولى حرفاً بحرف ، ويتوجّه الإشكال على المتن بعين ما سبق ، فلا نعيد ، لوضوح أنّه لا خصوصيّة

__________________

(*) تقدّم أنّ الأقوى تولّي المالك النيّة.

٢٨١

إلى الفقير ، والأحوط تولّي المالك أيضاً حين الدفع إلى الحاكم ، وفي الثاني يكفي نيّة المالك حين الدفع إليه ، وإبقاؤها مستمرّة إلى حين الوصول إلى الفقير ، وفي الثالث أيضاً ينوي المالك حين الدفع إليه ، لأنّ يده حينئذٍ يد الفقير المولّى عليه.

[٢٧٨٥] مسألة ٤ : إذا أدّى ولي اليتيم أو المجنون زكاة (١) مالهما يكون هو المتولّي للنيّة (٢).

[٢٧٨٦] مسألة ٥ : إذا أدّى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولّى هو النيّة عنه (٣).

______________________________________________________

حينئذٍ لحكومته ، بل كان كسائر الوكلاء.

وأمّا إذا كان بعنوان ولايته العامّة على الفقراء فلأجل أنّ يد الولي يد المولّى عليه فكان الدفع إليه دفعاً إليه حقيقةً ، ومعه لا إشكال في كفاية نيّة المالك حين الدفع إلى الولي.

(١) أي زكاة مال التجارة المحكومة بالاستحباب في مالهما على المشهور ، وأمّا الزكاة الواجبة فهي ساقطة عنهما كما تقدّم في محلّه (١).

(٢) إذ الخطاب الاستحبابي متوجّه إلى الولي فلا جرم يكون هو المتولّي للنيّة بعد وضوح قصور المجنون والصبي في نيّته كسائر أفعاله فلا عبرة بها.

(٣) إذ الحاكم بمقتضى ولايته على الممتنع يتصدّى للأداء على النهج الصحيح الذي كان مطلوباً من الممتنع ، وحيث إنّه يتوقّف على النيّة فلا جرم يكون الحاكم هو المتصدّي لها عنه.

__________________

(١) راجع شرح العروة ٢٣ : ٥ ١٩.

٢٨٢

وإذا أخذها من الكافر (*) يتولّاها أيضاً (١) عند أخذه منه أو عند الدفع إلى الفقير (٢).

______________________________________________________

(١) أمّا بناءً على ما هو الصواب من عدم تكليف الكفّار بالفروع كما قد يعضده عدم معهوديّة أخذ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ولا الوصيّ (عليه السلام) الزكاة منهم فلا موضوع للولاية.

وأمّا بناءً على ما هو المشهور من تكليفهم بها كالأُصول فلأجل أنّ الكافر لمكان امتناعه عن اعتناق الإسلام المتوقّف عليه صحّة أداء الزكاة بعد قدرته عليها باختيار الإسلام ، إذ المقدور بالواسطة مقدور ، فهو طبعاً مصداق للممتنع وقد عرفت حكمه ، ويلحق به الكفر الطارئ عليه بعد الإسلام وقد كانت الزكاة واجبة عليه قبل زمن كفره ، فلاحظ.

(٢) لا ريب أنّ وقت نيّة الحاكم لدى تولّيه الزكاة عن الممتنع أو الكافر هو وقت تحقّق الأداء والإيتاء منه خارجاً ، وحيث إنّ له الولاية عليه وعلى الفقراء معاً فإن راعى كلتا الولايتين لزمته النيّة حين الأخذ ، إذ هو بنفسه مصداقٌ للأداء الواجب ، لأنّ أخذه من الممتنع ولايةً عليه بمنزلة إعطاء المالك نفسه وولايةً على المستحقّ بمنزلة أخذ المستحقّ بنفسه ، فيكون الأخذ الصادر منه بالعنوانين مصداقاً لإعطاء المالك وقبض المستحقّ ، فلا مناص من رعاية النيّة في هذه الحالة كما عرفت.

وإن راعى الولاية على الممتنع فقط كان أخذه هذا مقدّمةً للأداء اللاحق ، أي عند الدفع إلى الفقير ، فتلزمه النيّة حينئذٍ عند الدفع.

__________________

(*) هذا مبني على تكليف الكافر بالفروع أو كون الكفر طارئاً عليه بعد الإسلام وكانت الزكاة واجبة عليه قبل زمن كفره.

٢٨٣

عن نفسه (*) لا عن الكافر (١).

[٢٧٨٧] مسألة ٦ : لو كان له مال غائب مثلاً فنوى أنّه إن كان باقياً فهذا زكاته وإن كان تالفاً فهو صدقة مستحبّة ، صحّ (٢) ، بخلاف ما لو ردّد في نيّته ولم يعيّن هذا المقدار أيضاً فنوى أنّ هذا زكاة واجبة أو صدقة

______________________________________________________

(١) نظراً إلى أنّ الكافر كما لا يصحّ صدور العبادة منه بالمباشرة كذلك لا يصحّ وقوعها عنه بالنيابة ، لاتّحاد المناط ، وهو اعتبار صلاحيّة المتقرّب للتقرّب في صحّة العبادة ، والكافر فاقدٌ لذلك.

ومن ثمّ كان الواجب عليه مطلق أداء الزكاة ولم يؤمر بقصد القربة ، لعدم تمكّنه منه ، ومعه لا مقتضي لنيّة الأداء عنه ، بل يتولّاها الحاكم عن نفسه.

ولكنّه كما ترى ، ضرورة أنّ الكافر لو كان مكلّفاً بالفروع كما هو المفروض فليس ذلك إلّا لأجل كونه مشمولاً للعمومات والإطلاقات على حذو غيره من المسلمين ، وإلّا فلم يرد فيه نصّ خاصّ. إذن فكما أنّ الزكاة المطلوبة من المسلم مشروطة بالقربة فكذلك الكافر بمناطٍ واحد ، وقد عرفت أنّها مقدورة له بالقدرة على المقدّمة ، وهي اعتناق الإسلام ، ومع عدم اعتناقه بسوء اختياره يكون من مصاديق الممتنع ، وفي مثله ينوي الحاكم عن الممتنع لا عن نفسه كما سبق.

(٢) إذ لا ترديد في الأمر الذي قصده ونوى امتثاله أعني : الأمر الفعلي الواقعي وإن جهل وصفه وأنّه وجوبي أو استحبابي ، فلا ترديد في ذات المنوي بعد أن كان له تعيّن وتقرّر واقعي ، بل في صفته وخصوصيّته وأنّها زكاة واجبة أو صدقة مستحبّة.

__________________

(*) لا موجب لذلك بعد ما كان المكلّف به غيره على الفرض.

٢٨٤

مندوبة ، فإنّه لا يجزئ (١).

[٢٧٨٨] مسألة ٧ : لو أخرج عن ماله الغائب زكاةً ثمّ بان كونه تالفاً ، فإن كان ما أعطاه باقياً له أن يستردّه (٢) ، وإن كان تالفاً استردّ عوضه إذا كان القابض عالماً بالحال (٣) ، وإلّا فلا (٤).

______________________________________________________

وهذا لا ضير فيه ، وكم له من نظير ، كمن أتى بصلاة الظهر بقصد الأمر الفعلي المردّد بين الأدائي والقضائي ، أو بركعتين لدى الشكّ في الوقت في الإتيان بفريضة الفجر بقصد الأمر الفعلي الجزمي المردّد بين كون المتعلّق فريضة الفجر أو التطوّع المطلق ، وهكذا. فإذا دفع الشاة مثلاً إلى الفقير وقصد بها امتثال الأمر الوجوبي الزكاتي بعينه إن كان وإلّا فالاستحبابي سقط الأمر لو كان هو الأوّل وحصل الامتثال بلا إشكال حسبما عرفت.

(١) لسراية الترديد في هذه الصورة إلى المنوي نفسه بعد أن كان المقصود أحدهما لا بعينه لا خصوص الأمر الفعلي الواقعي كما في الصورة الأُولى ، وهذا نظير ما لو أتى بركعتين من دون أن يقصد بهما فريضة الفجر ولا نافلته ، فإنّها لا تقع امتثالاً لأيّ واحدة منهما ، لما عرفت من لزوم قصد عنوان المأمور به ولو إجمالاً ، المفقود في هذه الصورة.

(٢) لبقائه على ملكه وعدم خروجه عنه بعد عدم انطباق عنوان الزكاة عليه.

(٣) لفساد قبضه بعنوان الزكاة بعد فرض علمه بعدم انطباق العنوان ، فلا جرم يضمنه بضمان اليد ، سواء تلف أم أتلف.

(٤) لأنّ مقتضى التسليط المطلق الصادر من المالك لمن هو جاهل بالحال هو عدم الضمان ، فيكون المقام من مصاديق : ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

٢٨٥

ختام

فيه مسائل متفرّقة

[٢٧٨٩] الأُولى : استحباب استخراج زكاة مال التجارة ونحوه للصبي والمجنون تكليفٌ للولي (١) ، وليس من باب النيابة عن الصبي والمجنون ، فالمناط فيه اجتهاد الولي أو تقليده ، فلو كان مذهبه اجتهاداً أو تقليداً وجوب إخراجها أو استحبابه

______________________________________________________

(١) فهو المخاطب بالإخراج ، والتكليف وجوباً أو استحباباً متوجّهٌ إليه ، غاية الأمر أنّ مخرج الزكاة مال الصبي لا مال نفسه ، فهو مأمور بالإخراج من مال الصبي.

ولكنّه غير ظاهر ، أمّا بناءً على إنكار الاستحباب من أصله كما هو الحقّ على ما مرّ فلا موضوع لهذا البحث.

وأمّا على القول بالثبوت فالخطاب لم يتعلّق في شي‌ء من الأدلّة بالولي ، وإنّما تضمّنت مجرّد الإخراج من مال الصبي وأنّها واجبة في ماله أو ثابتة بمقتضى الجمع بين الأدلّة حسبما تقدّم في محلّه (١) ، وقد تعدّوا عن اليتيم الذي هو مورد النصّ أي مطلق الصغير بالأولويّة القطعيّة. وبما أنّ تصرّفاته كالمجنون غير نافذة وهما مسلوبا الإرادة شرعاً فبطبيعة الحال يكون المتصدّي للإخراج هو الولي ، فيكون نائباً عنهما بمقتضى ولايته عليهما ، كما هو الحال في سائر التصرّفات من بيعٍ أو تزويجٍ ونحوهما.

__________________

(١) راجع شرح العروة ٢٣ : ٥٦ ٦٣.

٢٨٦

ليس للصبي بعد بلوغه معارضته (*) (١) ، وإن قلّد من يقول بعدم الجواز ، كما أنّ الحال كذلك في سائر تصرّفات الولي في مال الصبي أو نفسه من تزويجٍ ونحوه ، فلو باع ماله بالعقد الفارسي أو عقد له النكاح بالعقد الفارسي أو نحو ذلك من المسائل الخلافيّة وكان ومذهبه الجواز ، ليس للصبي بعد بلوغه إفساده (**) بتقليد من لا يرى الصحّة.

______________________________________________________

(١) هذا وجيه بحسب الكبرى ، فلا تجوز المعارضة فيما ثبتت فيه الولاية ، فلو طلّق أو زوّج أو باع الولي بمقتضى ما يراه من المصلحة والغبطة ثمّ بلغ الصبي لزمه القبول ، لصدوره من أهله في محلّه ، وليس له الردّ والمعارضة بوجه.

ولكنّها غير منطبقة على المقام ، إذ الصبي بعد ما بلغ يرى اجتهاداً أو تقليداً أنّه لم يكن للولي ولاية على الإخراج أبداً وأنّ التصرّف الصادر منه لم يكن من أهله ولا في محلّه ، غاية الأمر أنّه كان قد تخيّل ذلك عن اجتهادٍ أو تقليد فكان معذوراً فيه ، وذلك لا يستوجب سقوط الضمان ، إلّا إذا ثبت من الخارج أنّ الولي ما لم يفرّط لا يكون ضامناً مطلقاً ، ولكنّه أيضاً غير ثابت كما لا يخفى.

وعليه ، فإن كانت العين باقية استردّها ، وإلّا فله حقّ المطالبة والمعارضة ، ومعه يرفع النزاع إلى الحاكم الشرعي لخصمها وحسمها حسبما يؤدّي إليه رأيه ونظره.

__________________

(*) الظاهر أنّه لا مانع من معارضته ، ولا سيّما مع بقاء عين المال ، ولا منافاة بين جواز المعارضة ووجوب الإخراج أو استحبابه للولي بمقتضى تكليفه الظاهري.

(**) الظاهر أنّه لا بدّ للصبي في هذه الموارد بعد بلوغه من رعاية تكليف نفسه اجتهاداً أو تقليداً.

٢٨٧

نعم ، لو شكّ الولي بحسب الاجتهاد أو التقليد في وجوب الإخراج أو استحبابه أو عدمهما وأراد الاحتياط بالإخراج ، ففي جوازه إشكال (*) (١) ، لأنّ الاحتياط فيه معارض بالاحتياط في تصرّف مال الصبي. نعم ، لا يبعد ذلك إذا كان الاحتياط وجوبيّاً. وكذا الحال في غير الزكاة كمسألة وجوب إخراج الخمس من أرباح التجارة للصبي حيث إنّه محلّ للخلاف. وكذا في سائر التصرّفات في ماله. والمسألة محلّ إشكال ، مع أنّها سيّالة.

______________________________________________________

وبالجملة : وجوب الإخراج أو استحبابه حكم ظاهري متعلّق بالولي بمقتضى وظيفته الفعليّة الثابتة عن اجتهادٍ أو تقليد ، فلا ينافي جواز المعارضة من قبل الصبي بمقتضى ما تعلّقت به من الوظيفة الظاهريّة أيضا.

وأوضح حالاً التصرّفات الصادرة من الولي التي تكون فاسدة بنظر الصبي ، كما لو باع ماله بالمعاطاة أو عقد له النكاح بالعقد الفارسي ونحو ذلك من المسائل الخلافيّة ، وهو لا يرى صحّتها بعد ما بلغ ، فإنّه كيف يسوغ له ترتيب الآثار على تلك العقود التي يرى فسادها اجتهاداً أو تقليداً؟! بل اللّازم عليه بعد البلوغ مراعاة تكليف نفسه حسبما يراه من الوظيفة الفعليّة.

(١) الظاهر أنّ عدم الجواز ممّا لا ينبغي الاستشكال فيه مطلقاً ، لعدم جواز التصرّف في مال الصبي من غير معذّر شرعي أو مسوّغ قطعي ، ومجرّد احتمال الوجوب لا يكون مسوّغاً بعد أن كان مورداً لأصالة البراءة العقليّة والشرعيّة.

__________________

(*) لا ينبغي الإشكال في عدم الجواز مطلقاً ، نعم في موارد احتمال الوجوب قبل الفحص يدور الأمر بين المحذورين ، فإن أمكن له تأخير الواقعة إلى انكشاف الحال فهو ، وإلّا لزمه اختيار أحد الطرفين ثمّ الفحص عما يقتضيه تكليفه ، ومن ذلك يظهر الحال في سائر الموارد.

٢٨٨

[٢٧٩٠] الثانية : إذا علم بتعلّق الزكاة بماله وشكّ في أنّه أخرجها أم لا ، وجب عليه الإخراج ، للاستصحاب (١) ، إلّا إذا كان الشكّ بالنسبة إلى السنين

______________________________________________________

نعم ، فيما إذا لم يكن الاحتمال المزبور مورداً للأصل المؤمّن ، كما في موارد الاحتياط الوجوبي الناشئ من كون الشبهة قبل الفحص بحيث كان الاحتمال بنفسه منجّزاً ، فإن أمكن تأجيل الواقعة إلى أن يستبين الحال تعيّن ذلك ، وإن كان من دوران الأمر بين المحذورين المحكوم فيه بالتخيير بحكم العقل بعد رفع الإلزام المحتمل من كلّ من الطرفين بأصالة البراءة فيختار أحد الطرفين ثمّ يفحص عمّا يقتضيه تكليفه.

ودعوى أنّ الاحتياط في مال اليتيم أهمّ قطعاً أو احتمالاً فيتقدّم في نظر العقل.

مدفوعة بأنّ الترجيح بالأهمّيّة أو بمحتملها إنّما هو من خواصّ باب التزاحم ، أمّا المقام فهو داخل في باب التعارض ، إذ لم يعلم المجعول في الشريعة المقدّسة في هذه الحالة وأنّه الوجوب أو الحرمة ، لا انّ الحكمين ثابتان والمكلّف عاجز عن الجمع في مقام الامتثال ، فمع وجود المرجّح لهذا الباب يتقدّم حتّى على مقطوع الأهمّيّة فضلاً عن محتملها ، وإلّا كان مخيّراً بين الأمرين حسبما عرفت.

(١) لتماميّة أركانه ، كما هو الحال في كلّ مورد علم بالتكليف وشكّ في الخروج عن عهدة الامتثال.

هذا فيما إذا كانت العين الزكويّة باقية.

أمّا مع التلف بحيث كان ضامناً للزكاة على تقدير عدم أدائها ، فالمرجع حينئذٍ أصالة البراءة عن الضمان ، للشكّ في تعلّق التكليف الجديد ، ومن المعلوم أنّ أصالة عدم أداء الزكاة لا تثبت وقوع الإتلاف حال عدم الأداء ليترتّب عليه الضمان.

٢٨٩

الماضية ، فإنّ الظاهر جريان قاعدة الشكّ بعد الوقت (١) ، أو بعد تجاوز المحل (*). هذا ، ولو شكّ في أنّه أخرج الزكاة عن مال الصبي في موردٍ يستحبّ إخراجها كمال التجارة له بعد العلم بتعلّقها به ، فالظاهر جواز العمل بالاستصحاب ، لأنّه دليل شرعي. والمفروض أنّ المناط فيه شكّه ويقينه ، لأنّه المكلّف ، لا شكّ الصبي ويقينه ، وبعبارة اخرى : ليس نائباً عنه (**).

______________________________________________________

(١) فإنّ هذه القاعدة المعبّر عنها بقاعدة الحيلولة وإن كان موردها الصلاة إلّا أنّ الفهم العرفي يقضي بعدم خصوصيّة للمورد وانسحابها في كافّة المؤقّتات.

بل لا يبعد دعوى اندراجها في قاعدة التجاوز وكونها هي بعينها كما ذكرناه في محلّه (١) وهي بمقتضى عموم دليلها تعمّ الصلاة وغيرها.

ولكن الظاهر عدم جريان شي‌ء من القاعدتين في المقام :

أمّا الحيلولة : فلاختصاصها بالمؤقّت ، وليست الزكاة منه ، إذ ليس لأدائها وقت معيّن بحيث يكون الدفع بعد ذلك الوقت قضاءً وإيقاعاً للواجب في خارج الوقت كما هو شأن المؤقّتات ، ومجرّد الفوريّة أو عدم جواز التهاون لا يستوجب التوقيت كما لا يخفى.

وأمّا التجاوز فقد ذكرنا في محلّه (٢) : أنّه قد يسند إلى الشي‌ء حقيقةً ، كما لو شكّ في صحّة شي‌ء بعد العلم بوجوده على ما هو المقرّر في موارد قاعدة الفراغ ،

__________________

(*) لا مجال لجريان شي‌ء من القاعدتين. نعم ، إذا لم يبق شي‌ء من النصاب عنده فالظاهر عدم الضمان ، للأصل.

(**) بل ولو كان نائباً عنه.

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٢٦٨ وما يليها.

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٢٧٦ وما يليها.

٢٩٠

[٢٧٩١] الثالثة : إذا باع الزرع أو الثمر وشكّ في كون البيع بعد زمان تعلّق الوجوب حتّى يكون الزكاة عليه أو قبله حتّى يكون على المشتري ، ليس عليه شي‌ء (١) ، إلّا إذا كان زمان التعلّق معلوماً (*) وزمان البيع مجهولاً ،

______________________________________________________

وأُخرى يسند إليه بالعناية والتجوّز باعتبار المضيّ عن محلّه المقرّر له شرعاً ، كما لو شكّ في أصل الوجود ، وهو المعبّر عنه اصطلاحاً بقاعدة التجاوز وقد أثبتنا في محلّه رجوع القاعدتين إلى جامع واحد (١) وكيف ما كان فلا يصدق التجاوز في المقام بكلّ من المعنيين.

أمّا الأوّل : فظاهر ، لفرض الشكّ في أصل الأداء. وكذلك الثاني ، إذ لم يكن لهذا الواجب وقت ولا محلّ معيّن حسبما عرفت. إذن لا فرق بين السنة الحالية والسنين الماضية في وجوب الإخراج لو شكّ فيه ، عملاً بالاستصحاب ما لم يثبت خلافه بحجّة معتبرة من اطمئنانٍ ونحوه ، إلّا إذا لم يبق شي‌ء من عين النصاب فإنّ الظاهر عدم الضمان حينئذٍ ، للأصل كما تقدّم.

ثمّ إنّ ما ذكرناه يجري في مال الصبي أيضاً لو شكّ في إخراج زكاته في مورد استحبابه ، سواء قلنا بنيابة الولي عنه أم كون الخطاب متوجّهاً إليه بنفسه ، ولا يختصّ بالثاني كما لا يخفى وإن كان ظاهر المتن كذلك.

(١) تارةً يفرض هذا الشكّ بالنسبة إلى البائع ، وأُخرى بالإضافة إلى المشتري.

أمّا لو كان الشاكّ هو البائع فقد يكون تأريخ كلّ من البيع وزمان التعلّق مجهولاً ، وأُخرى يكون أحدهما معلوماً دون الآخر.

__________________

(*) الظاهر عدم الوجوب حتّى في هذه الصورة.

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٢٧٥ وما يليها.

٢٩١

فإنّ الأحوط حينئذٍ إخراجه ، على إشكال في وجوب. وكذا الحال بالنسبة إلى المشتري إذا شكّ في ذلك ، فإنّه لا يجب عليه شي‌ء (*) ، إلّا إذا علم زمان البيع وشكّ في تقدّم التعلّق وتأخّره ، فإنّ الأحوط حينئذٍ إخراجه ، على إشكال في وجوبه (**).

______________________________________________________

أمّا مع الجهل بالتأريخين فلا إشكال في عدم وجوب شي‌ء على البائع ، إمّا لمعارضة الاستصحابين في مجهولي التأريخ كما هو المختار ، أو لعدم الجريان في شي‌ء منهما كما عليه صاحب الكفاية (١) ، وعلى أيّ حال ، فلا مجال للاستصحاب ، إمّا لعدم المقتضي ، أو لوجود المانع ، فيرجع بعدئذٍ إلى أصالة البراءة عن وجوب الزكاة.

وكذلك الحال فيما لو علم تأريخ البيع وكان تأريخ التعلّق مجهولاً ، فإنّ المرجع حينئذٍ أصالة عدم تعلّق الزكاة بهذا المال إلى زمان البيع ، الذي نتيجته نفي الوجوب عن البائع ، إذ لو لم يكن لهذا الأصل معارض نظراً إلى عدم جريان الاستصحاب في معلوم التأريخ فلا اشكال ، ولو كان له معارض لجريان الأصل في المعلوم كالمجهول فيسقطان بالمعارضة والمرجع حينئذٍ أصالة البراءة عن وجوب الزكاة ، فهي غير واجبة على البائع ، إمّا للاستصحاب ، أو لأصالة البراءة.

__________________

(*) مقتضى تعلّق الزكاة بالعين وجوب الإخراج على المشتري مطلقاً ، سواء أكان التعلق قبل الشراء مع عدم إخراج البائع من مال آخر كما لعلّه المفروض أم كان التعلق بعد الشراء ، ومقتضى أصالة الصحة في البيع بالإضافة إلى مقدار الزكاة عدم الرجوع على المالك.

(**) الظاهر عدم الفرق بين صور المسألة.

(١) الكفاية : ٣٧.

٢٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

إنّما الإشكال في عكس ذلك أعني : ما إذا كان زمان التعلّق معلوماً وزمان البيع مجهولاً فقد ذكر في المتن أنّ الأحوط حينئذٍ الإخراج ، على إشكالٍ في وجوبه.

ومبنى الإشكال ما هو محرّر في الأُصول من أنّ الحادثتين المتعاقبتين كإسلام الوارث وموت المورث إذا كان أحدهما معلوم التأريخ دون الآخر ، فهل يختصّ جريان الاستصحاب بالمجهول ، نظراً إلى عدم الشكّ في الحادث الآخر بالإضافة إلى عمود الزمان ليكون مورداً للاستصحاب ، إذ بعد فرض العلم بتأريخه فهو قبل ذلك الزمان لم يكن قطعاً وبعده كائن قطعاً فليس لنا زمان شكّ ليستصحب فيه؟

أم أنّه يجري في المعلوم أيضاً باعتبار أنّه وإن لم يكن مشكوكاً بالنظر إلى الزمان بالذات كما ذكر ، إلّا أنّه بلحاظ الحادث الآخر سبقاً ولحوقاً الذي هو الموضوع للأثر حسب الفرض مشكوك بالوجدان فيستصحب عدمه إلى الزمان الواقعي للحادث الآخر؟ وهذا هو الصحيح على ما حقّقناه في الأُصول (١).

فعلى المبنى الأوّل : لا يجري في المقام إلّا استصحاب عدم البيع إلى زمان التعلّق ، لسلامته عن المعارض.

ونتيجته : وجوب أداء الزكاة على البائع وخروجه عن عهدته إمّا من نفس العين أو من بدله ، وبما أنّ دفع العين لا يمكن لأنّها عند المشتري فلا جرم ينتقل إلى القيمة ، ولا حاجة في ذلك إلى إثبات إتلاف العين الزكويّة ليناقش بأنّ الأصل مثبت من هذه الجهة ، بل يكفي مجرّد إثبات التكليف بالزكاة بمقتضى الاستصحاب بعد القطع بعدم الخروج عن عهدة هذا التكليف الاستصحابي لا من نفس العين ولا من بدلها ، فإنّه يتعيّن الثاني بطبيعة الحال بعد فرض العجز عن الأوّل.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٢٠٣ ٢٠٥.

٢٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا على المبنى الثاني : فالأصل المزبور معارض بأصالة عدم التعلّق إلى الزمان الواقعي للبيع ، فإنّ الزكاة لم تتعلّق بهذا المال سابقاً جزماً ، ونشكّ في أنّ هذا العدم هل بقي إلى أن خرج المال عن ملكه أم لا؟ فنبني على ما كان ، ونتيجته نفي الوجوب عن البائع ، لأنّه باع في زمان لم تتعلّق به الزكاة بمقتضى الأصل. وبعد تعارض الاستصحابين وتساقطهما يرجع إلى أصالة البراءة عن الوجوب ، وقد عرفت أنّ هذا المبنى هو الصحيح ، فإنّ العلم بتاريخ التعلّق بحسب عمود الزمان لا أثر له ، وإنّما الأثر مترتّب بلحاظ الزمان الواقعي للحادث الآخر أعنى : البيع وهو مجهول حسب الفرض ، فلا فرق بين مجهول التأريخ ومعلومه في أنّ كلّاً منهما مورد لجريان الاستصحاب ، فيتعارضان حسبما عرفت.

وأمّا لو كان الشاكّ هو المشتري فلا يمكن إثبات الوجوب بتاتاً ، حتّى إذا كان زمان البيع معلوماً وزمان التعلّق مشكوكاً وقلنا بعدم جريان الاستصحاب في المعلوم ، لأنّ أصالة عدم التعلّق إلى زمان البيع لا أثر له ، إذ لا يثبت به أنّ التعلّق كان بعد الشراء ليتحقّق معه موضوع الوجوب ، لأنّ الموضوع أن يكون مالكاً حال التعلّق لا أن لا يكون تعلّق قبل أن يملك. ومعلومٌ أنّه لا يمكن إثبات أحد الضدّين بنفي الضدّ الآخر ، فاستصحاب عدم التعلّق قبل الشراء لا يثبت به التعلّق بعد الشراء.

وعلى الجملة : إنّما تجب الزكاة على المشتري إذا كان التعلّق بعد الشراء بحيث يكون حادثاً في ملكه ، ومع فرض الشكّ في التقدّم والتأخّر فليس لدينا أيّ أصل يتكفّل بإثبات ذلك ، إلّا بناءً على ما نسب إلى بعض المتقدّمين من البناء على أصالة تأخّر الحادث فيلتزم حينئذٍ بتأخّر التعلّق عن الشراء ، ولكن المقرّر في محلّه أنّه لا أصل لهذا الأصل ، بل يستصحب كلّ معدوم إلى زمان العلم بحدوثه.

إذن فلا سبيل لإثبات الوجوب على المشتري من ناحية الاستصحاب.

٢٩٤

[٢٧٩٢] الرابعة : إذا مات المالك بعد تعلّق الزكاة وجب الإخراج من تركته (١) ، وإن مات قبله وجب على من بلغ سهمه النصاب من الورثة ، وإذا لم يعلم أنّ الموت كان قبل التعلّق أو بعده لم يجب الإخراج من تركته ، ولا على الورثة إذا لم يبلغ نصيب واحد منهم النصاب ، إلّا مع العلم بزمان التعلّق والشكّ في زمان الموت ، فإنّ الأحوط حينئذٍ (*) الإخراج ، على الإشكال المتقدّم.

______________________________________________________

نعم ، ليس له التصرّف في تمام المال قبل أداء الزكاة ، لعلمه الإجمالي بل التفصيلي بأنّه متعلّق الزكاة إمّا عنده أو عند البائع ، فلم يكن المال بأجمعه مملوكاً له فعلاً بالضرورة ، بل مقدار العشر أو نصفه خارج إمّا حدوثاً أو بقاءً ، فلا مناص من إخراج الزكاة بعد فرض تعلّقها بالعين.

وهل له الرجوع بعد ذلك إلى البائع؟

الظاهر : لا ، لأنّ مقتضى أصالة الصحّة في البيع نفوذه حتّى بالإضافة إلى مقدار الزكاة ، إذ لم يحرز تعلّقها قبل البيع كي يمنع عن النفوذ فيه ، ولأجله لم يكن شي‌ء على البائع كما سبق.

فتحصّل : أنّ الواجب على المشتري بمقتضى العلم الإجمالي الإخراج من غير أن يرجع إلى البائع.

(١) إذا مات مالك الزرع أو الثمر فقد يكون موته بعد تعلّق الزكاة ، وأُخرى قبله.

فعلى الأوّل : إن كانت العين باقية لم تنتقل إلى الورثة ، لعدم دخول مقدار الزكاة في ملك الميّت من أوّل الأمر كي يعدّ من تركته فيورث ، بل هي ملك

__________________

(*) الأقوى عدم الوجوب ، لأنّ قاعدة اليد تقضي بكون جميع المال للميّت ، ولا أثر معها للاستصحاب مع أنّه معارض بمثله كما بيّن في محلّه.

٢٩٥

وأمّا إذا بلغ نصيب كلّ منهم النصاب أو نصيب بعضهم فيجب على من بلغ نصيبه منهم ، للعلم الإجمالي بالتعلّق به ، إمّا بتكليف الميّت في حياته ، أو بتكليفه هو بعد موت مورثه بشرط أن يكون بالغاً عاقلاً ، وإلّا فلا يجب عليه ، لعدم العلم الإجمالي بالتعلّق حينئذ.

______________________________________________________

لمصرف الزكاة فيجب الصرف فيها.

وإن كانت تالفة فهي محسوبة من الديون التي هي محكومة بالتقدّم على الوصيّة وعلى الإرث بمقتضى الآية المباركة ، فلا تصل إلى الورثة أيضاً ، بل هي كسائر الديون تخرج من الأصل وتصرف في الزكاة.

وعلى الثاني : فلا زكاة على المالك ، لعدم الحياة حال التعلّق ، وأمّا الوارث فإن لم تبلغ حصّته النصاب كما لو مات مالك النصاب وله ولدان ، أو بلغت ولكنّه كان فاقداً لسائر شرائط التكليف من البلوغ والعقل فلا زكاة عليه أيضاً وإلّا وجبت على من بلغت حصّته النصاب جامعاً للشرائط دون غيره.

هذا كلّه في صورة العلم.

وأمّا إذا لم يعلم أنّ الموت كان قبل التعلّق أو بعده فلا أثر لهذا الشكّ فيما إذا بلغت حصّة الوارث النصاب وكان بالغاً عاقلاً ، للعلم الإجمالي بل التفصيلي بعدم كونه مالكاً لمقدار الزكاة ، إمّا حدوثاً لو كان الميّت مكلّفاً بها حال الحياة ، أو بقاءً لو حدث التعلّق بعد الموت ، فإنّه على التقديرين لم يكن الوارث مالكاً لهذا المقدار جزماً ، وإنّما يظهر الأثر فيما إذا لم تبلغ حصّته النصاب أو كان فاقداً لسائر الشرائط ، فإنّه لا زكاة عليه لو كان التعلّق بعد الموت وتجب لو كان قبله حسبما عرفت.

ذكر الماتن (قدس سره) حينئذٍ : أنّه لم يجب الإخراج من التركة ولا على الورثة إلّا في صورة واحدة التي مرّت الإشارة إليها في المسألة السابقة وهي

٢٩٦

[٢٧٩٣] الخامسة : إذا علم أنّ مورثه كان مكلّفاً بإخراج الزكاة وشكّ في أنّه أدّاها أم لا (١) ، ففي وجوب إخراجه من تركته لاستصحاب بقاء تكليفه أو عدم وجوبه للشكّ في ثبوت التكليف بالنسبة إلى الوارث ، واستصحاب بقاء تكليف الميّت لا ينفع في تكليف الوارث وجهان ، أوجههما

______________________________________________________

ما إذا علم زمان التعلّق وشكّ في زمان الموت ، حيث ذكر (قدس سره) أنّ الأحوط حينئذٍ الإخراج على إشكال.

وما ذكره (قدس سره) مبني على القول بجريان الاستصحاب في مجهول التأريخ دون معلومة ، إذ عليه يكون استصحاب عدم الموت إلى زمان التعلّق الذي نتيجته وجوب الإخراج من التركة سليماً عن المعارض.

وأمّا بناءً على جريانه في المعلوم كالمجهول كما هو الصحيح ، نظراً إلى أنّه أيضاً مجهول بالإضافة إلى الحادث الآخر الذي هو الموضوع للأثر وإن كان معلوماً بالإضافة إلى عمود الزمان فالاستصحابان يتعارضان ويتساقطان كما في مجهول التأريخ ، ومعه لا موجب للإخراج أبداً.

بل الظاهر عدم وجوب الإخراج حتّى بناءً على القول باختصاص جريان الاستصحاب بمجهول التأريخ دون معلومه ، وذلك من أجل أنّ قاعدة اليد تقضي بأنّ جميع المال ملك للميّت ، ومعها لا تصل النوبة إلى الاستصحاب ، لحكومة القاعدة عليه كما هو محرّر في محلّه ، فعلى كلا المبنيين لا مجال للتمسّك بأصالة عدم الموت إلى زمان التعلّق ليحكم بوجوب الإخراج.

(١) للمسألة صور ثلاث :

إذ تارةً : يعلم بتعلّق الزكاة بالعين وهي باقية فعلاً وشكّ في أنّه أدّاها إمّا من نفس العين أو من مال آخر لتكون هي خالصة له فعلاً أم لا.

واخرى : تكون العين تالفة ويشكّ في اشتغال الذمّة فعلاً بالزكاة ، للشكّ في

٢٩٧

الثاني (*) ، لأنّ تكليف الوارث بالإخراج فرع تكليف الميّت حتّى يتعلّق الحقّ بتركته ، وثبوته فرع شكّ الميّت وإجرائه الاستصحاب ، لا شكّ الوارث وحال الميّت غير معلوم أنّه متيقّن بأحد الطرفين أو شاكّ. وفرقٌ بين ما نحن فيه وما إذا علم نجاسة يد شخص أو ثوبه سابقاً وهو نائم ونشكّ في أنّه طهّرهما أم لا ، حيث إنّ مقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة مع أنّ حال النائم غير معلوم أنّه شاكّ أو متيقّن ، إذ في هذا المثال لا حاجة إلى إثبات التكليف بالاجتناب بالنسبة إلى ذلك الشخص النائم ، بل يقال : إنّ يده كانت نجسة ، والأصل بقاء نجاستها فيجب الاجتناب عنها ، بخلاف المقام ، حيث إنّ وجوب الإخراج من التركة فرع ثبوت تكليف الميّت واشتغال ذمّته بالنسبة إليه من حيث هو. نعم ، لو كان المال الذي تعلّق به الزكاة موجوداً أمكن أن يقال : الأصل بقاء الزكاة فيه ، ففرقٌ بين صورة الشكّ في تعلّق الزكاة بذمّته وعدمه ، والشكّ في أنّ هذا المال الذي كان فيه الزكاة أُخرجت زكاته أم لا.

______________________________________________________

أدائها حال وجود العين وعدمه.

وثالثةً : يقطع باشتغال ذمّة الميّت بالزكاة سابقاً ، لعدم الأداء من العين جزماً ، أمّا لإتلاف ، أو لتلف مضمون عليه ، أو لأجل النقل إلى الذمّة بإجازة الحاكم الشرعي ، ونحو ذلك ، ويشكّ في تفريغ ذمّته بعد ذلك كما في سائر الديون التي يشكّ في أدائها بعد العلم باشتغال الذمّة بها.

فتارةً : يفرض بقاء العين ويشكّ في تخليصها من الزكاة. وأُخرى : لم تكن باقية ويحتمل اشتغال الذمّة. وثالثةً : يعلم باشتغال الذمّة ويشكّ في الخروج عن العهدة.

__________________

(*) لا لما ذكر ، بل لأنّ استصحاب عدم الأداء لا يترتّب عليه الضمان.

٢٩٨

هذا كلّه إذا كان الشكّ في موردٍ لو كان حيّاً وكان شاكّاً وجب عليه الإخراج ، وأمّا إذا كان الشكّ بالنسبة إلى الاشتغال بزكاة السنة السابقة أو نحوها ممّا يجري فيه قاعدة التجاوز والمضي ، وحمل فعله على الصحّة فلا إشكال (*). وكذا الحال إذا علم اشتغاله (**) بدين أو كفّارة أو نذر أو خمس أو نحو ذلك.

______________________________________________________

أمّا الصورة الأخيرة : فقد ذكر (قدس سره) فيها أنّه لا يجب على الورثة شي‌ء. والذي يظهر ممّا ذكره في صدر المسألة أنّ وجه عدم الوجوب هو أنّ تكليف الورثة بالإخراج متفرّع على تكليف الميّت بالأداء حال موته ، وهو غير محرز ولا يمكن إثباته بالاستصحاب ، لتقوّمه بيقين الميّت وشكّه ليجري الاستصحاب في حقّه ، إذ لا عبرة لهما من غيره. وحاله غير معلوم ، إذ لا ندري حسب الفرض أنّه هل كان متيقّناً وشاكّاً حال الموت أم لا؟

وبالجملة : لا يجب الإخراج على الورثة ابتداءً ، بل يتلقّونه من الميّت ، فهو فرع ثبوته عليه حال الموت ، وحيث لا علم لنا به لعدم إحراز شكّه فلا سبيل لإثبات شي‌ء على الورثة.

ولا يقاس المقام بما إذا علم بنجاسة يد زيد مثلاً وهو غافل أو نائم وشكّ في أنّه طهّرها أم لا ، فإنّ النجاسة تستصحب حينئذٍ ، لعدم تفرّعها على تكليف زيد بنفسه ، بخلاف المقام ، لثبوت التفريع حسبما عرفت.

__________________

(*) هذا فيما إذا لم تكن العين باقية ، وإلّا فالظاهر وجوب الإخراج ، ولا مجال لجريان قاعدة التجاوز أو الحمل على الصحّة.

(**) في المقام تفصيل : فبالإضافة إلى الدين فالأظهر أنّه يثبت بالاستصحاب على ما تقرّر في محله ، وأما بالإضافة إلى الكفّارة والنذر فلا أثر للاستصحاب بالنسبة إلى إخراجها من أصل التركة ، وأما بالإضافة إلى الخمس فحاله حال الزكاة فيأتي فيه ما تقدّم فيها.

٢٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن هذا لعلّه واضح الدفع :

أمّا أوّلاً : فلأنّ أقصى ما يترتّب على عدم جريان الاستصحاب الذي هو حكم ظاهري في حقّ الميّت أنّ التكليف لم يكن متنجّزاً عليه ، ومن المعلوم عدم دوران الإخراج المتعلّق بالورثة مدار التنجّز المزبور ، بل يكفي فيه مجرّد ثبوت التكليف واقعاً ، سواء أكان متنجّزاً عليه أيضاً أم لا ، فإذا ثبت لدي الورثة تكليف الميّت بمقتضى الاستصحاب لزمهم الإخراج وإن لم يكن منجّزاً على الميّت.

وأمّا ثانياً : فلأنّ لزوم الإخراج على الورثة لا يدور حتّى مدار تكليف الميت واقعاً فضلاً عن التنجّز عليه ، بل يكفي في الإخراج من الأصل مجرّد كونه مديناً وإن لم يكن مكلّفاً به لمانعٍ عنه من نسيان أو غفلة ونحوهما ، بناءً على ما هو الصحيح من أنّ النسيان أو الغفلة يرفعان التكليف حتّى واقعاً ، فلو استدان الميّت من زيد مالاً ونسى عن أدائه إلى أن مات ، أو أتلف مال أحد حال نومه ولم يعلم به إلى أن مات والوارث يعلم به ، يلزمه الإخراج بلا كلام. وعليه ، فلو تعلّق الزكاة بالمال ونسى أو غفل إلى أن مات لزم الإخراج على الوارث ، لأنّ مقدار الزكاة ملك للفقير وإن لم يكن تكليف بالأداء لمكان الغفلة أو النسيان.

وبالجملة : اللازم إخراج الدين من المال بعد ثبوته ، كان الميّت مكلّفاً بالأداء أم لا ، كان منجّزاً عليه أم لا ، فإنّه لا يلزم شي‌ء من ذلك ، بل يكفي مجرّد اشتغال الذمّة بالدين ، ولا إرث إلّا بعد الدين ، فمتى ثبت قدّم عليه ، ولا يدور مدار التكليف به بوجه.

وعليه ، فإذا شككنا في فراغ ذمّته قبل الموت فلا مانع من استصحاب بقاء الدين كاستصحاب نجاسة يد زيد أو ثوبه.

إنّما الكلام في أنّ هذا الاستصحاب هل يكفي في لزوم الإخراج ، وأنّ الدين على الميّت هل يمكن إثباته بالاستصحاب أم لا؟

٣٠٠