موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

فلو قدّمها كان المال باقياً على ملكه مع بقاء عينه (١) ، ويضمن تلفه القابض إن علم بالحال ، وللمالك احتسابه جديداً مع بقائه أو احتساب عوضه مع ضمانه وبقاء فقر القابض ، وله العدول عنه إلى غيره.

______________________________________________________

التعجيل ، أمّا القرض فلا يعدّ تعجيلاً للزكاة.

على أنّ في بعضها تحديد التعجيل بشهرين ، ومن البيّن أنّ هذا التحديد لا يتلاءم مع القرض ، إذ هو يجوز قبله لسنين ولم يكن الجواز محدوداً بحدٍّ أبداً.

وفي بعضها : إن كان محتاجاً فلا بأس ، ومن الواضح أنّ الدفع بعنوان القرض لم يكن منوطاً بالاحتياج ، لجواز إقراض الغني كالفقير.

وعلى الجملة : فالحمل المزبور لم يكن جمعاً عرفيّاً بوجهٍ من الوجوه.

فالصحيح حينئذٍ أن يقال : إنّ الطائفة الأُولى محمولة على التقيّة ، لذهاب جمع كثير من العامّة إلى جواز التعجيل.

ومع التنازل وتسليم المعارضة فالمرجع بعد التساقط هو الأدلّة الأوّلية الدالّة على التوقيت في تشريع الزكاة وإناطة الوجوب بحلول الحول ، بل أنّ نفس أدلّة التعجيل تدلّ على التوقيت والتحديد في أصل التشريع كما لا يخفى.

وبالجملة : فالمستفاد من مجموع الأدلّة أنّ للزكاة وقتاً محدوداً فيحتاج التقديم الذي هو من إجزاء غير الواجب عن الواجب إلى الدليل ، ولا دليل بعد فرض سقوط نصوص التعجيل بالمعارضة.

والمتحصّل : أنّ الأصحّ ما عليه المشهور من عدم جواز التقديم.

(١) إذ لا موجب للخروج عن ملكه بعد أن لم يقع زكاة ولم يكن غيرها مقصودا.

هذا ، وقد تقدّم الكلام في بقيّة الأحكام في نظائر المقام ممّا يكون القابض

٢٦١

[٢٧٧٨] مسألة ٥ : إذا أراد أن يعطي فقيراً شيئاً ولم يجي‌ء وقت وجوب الزكاة عليه يجوز أن يعطيه قرضاً ، فإذا جاء وقت الوجوب حسبه عليه زكاة (١) بشرط بقائه على صفة الاستحقاق وبقاء الدافع والمال على صفة الوجوب ، ولا يجب عليه ذلك ، بل يجوز مع بقائه على الاستحقاق الأخذ منه والدفع إلى غيره وإن كان الأحوط الاحتساب عليه (٢) وعدم الأخذ منه.

______________________________________________________

فاقداً لبعض الشرائط كالفقر ونحوه في مطاوي المباحث المتقدّمة ، عمدتها في فصل أصناف المستحقّين ، وعرفت أنّ القابض يضمن مع علمه بالحال دون الجهل ، لكون التسليط حينئذٍ من المالك ، فلاحظ ولا نعيد.

(١) قد عرفت فيما سبق ورود روايات دالّة على جواز احتساب الدين من الزكاة وعدم اعتبار الإعطاء الخارجي. وعليه ، فالحكم في المقام مطابق لمقتضى القاعدة ، مضافاً إلى ورود روايات خاصّة دلّت على جواز الإقراض ثمّ الاحتساب بعد حلول الحول ، إلّا أنّها لمّا كانت ضعيفة السند كما ستعرف لم تكن تصلح إلّا للتأييد.

(٢) لعلّ وجه الاحتياط الروايات الأخيرة المشار إليها آنفاً الآمرة بالاحتساب ، ولا بأس بذكرها :

فمنها : رواية يونس بن عمّار ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : «قرض المؤمن غنيمة وتعجيل أجر (خير) ، إن أيسر قضاك وإن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة» (١).

ورواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث ـ : أنّ عثمان بن عمران قال له : إنّي رجل موسر ويجيئني الرجل ويسألني الشي‌ء وليس

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٩٩ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١.

٢٦٢

[٢٧٧٩] مسألة ٦ : لو أعطاه قرضاً فزاد عنده زيادة متّصلة أو منفصلة فالزيادة له لا للمالك ، كما أنّه لو نقص كان النقص عليه (١) ، فإن خرج عن

______________________________________________________

هو إبّان زكاتي ، فقال له أبو عبد الله : «القرض عندنا بثمانية عشر والصدقة بعشرة ، وماذا عليك إذا كنت كما تقول موسراً أعطيته ، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة» إلخ (١).

ورواية الصيرفي وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : القرض بثمانية عشر ، وإن مات احتسب بها من الزكاة» (٢).

لكنّها بأجمعها ضعاف السند ، أمّا الأُولى : فبيونس بن عمّار وابن السندي ، وأمّا الثانية : فبعقبة وبسهل ، وأمّا الأخيرة : فبالصيرفي وهو هيثم لا هيشم كما في الوسائل (٣).

ومع الغضّ عن السند ، لم يكن أيّ دلالة على وجوب الاحتساب ، كيف؟! ولا شبهة في جواز الإبراء من غير الاحتساب ، وإنّما هي في مقام الحثّ والترغيب على إعطاء القرض وأنّه لو مات لم يتلف المال بل يحتسب زكاةً كما لعلّه واضح ، فلا تصلح أن تكون منشأً للاحتياط.

نعم ، لا ريب أنّ الاحتساب أولى من الأخذ منه والإعطاء لغيره ، إلّا إذا كانت للغير مزيّة تستوجب ذلك.

(١) كلّ ذلك لأجل أنّ المقترض يملك العين المستقرضة بسبب القرض فتكون الزيادة له كما أنّ النقيصة عليه ، لأنّهما حدثتا في ملكه لا في ملك المقرض ، إذ قد خرجت عن يده بمقتضى عقد القرض.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٠٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٠١ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ٨.

(٣) في الوسائل المحقّق جديداً : هيثم.

٢٦٣

الاستحقاق أو أراد المالك الدفع إلى غيره يستردّ عوضه لا عينه كما هو مقتضى حكم القرض (١) ، بل مع عدم الزيادة أيضاً ليس عليه إلّا ردّ المثل أو القيمة.

[٢٧٨٠] مسألة ٧ : لو كان ما أقرض الفقير في أثناء الحول بقصد الاحتساب عليه بعد حلوله بعضاً من النصاب وخرج الباقي عن حدّه سقط الوجوب على الأصحّ (٢) ، لعدم بقائه في ملكه طول الحول ، سواء كانت العين باقية عند الفقير أو تالفة فلا محلّ للاحتساب.

______________________________________________________

(١) حيث قد ذكرنا في محلّه في بحث المكاسب أنّ الفرق بينه وبين البيع : أنّ البيع تمليك للعين بالعوض ، وأمّا القرض فهو تمليكها بالضمان ، فتكون ذمّة المقترض بعد تملّك العين مشغولة بالبدل من المثل أو القيمة ، ومقتضاه أن يكون له في مقام الوفاء اختيار التطبيق على ما يشاء من نفس العين المستقرضة إن كانت باقية أو بدلها إن كانت تالفة وليس للمقرض إجباره على الأوّل ، لما عرفت من أنّها أصبحت ملكاً له بإزاء البدل الثابت في الذمّة المعبّر عنه بالضمان ، وهذا ضمان عقدي يقابله الضمان باليد أو بالإتلاف ، وعلى التقديرين فاختيار التطبيق بيده لا بيد المقرض حسبما عرفت.

(٢) فإنّ الزكاة إنّما تتعلّق بالعين لا بالدين البالغة حدّ النصاب والباقية في ملك المالك طول الحول ، وحيث إنّ إقراض بعض النصاب في خلال الحول إخراجٌ له عن الملك فلا جرم يختلّ شرط الوجوب فيسقط ، فلو كانت عنده عشرين ديناراً وقبل تمام الحول أقرض مقداراً منه ليحتسبه بعد الحلول انتفى بذلك موضوع الوجوب ، وهو بقاء تمام النصاب إلى كمال الحول ، وقد تقدّم الكلام حول ذلك في شرائط الزكاة وقلنا : إنّها تتعلّق بالعين لا بالدين ، ومن ثمّ

٢٦٤

نعم ، لو أعطاه بعض النصاب أمانةً بالقصد المذكور لم يسقط الوجوب مع بقاء عينه عند الفقير ، فله الاحتساب (١) حينئذٍ بعد حلول الحول إذا بقي على الاستحقاق.

[٢٧٨١] مسألة ٨ : لو استغنى الفقير الذي أقرضه بالقصد المذكور بعين هذا المال ثمّ حال الحول يجوز الاحتساب (*) (٢) عليه ، لبقائه على صفة الفقر بسبب هذا الدين ، ويجوز الاحتساب من سهم الغارمين أيضا.

______________________________________________________

لو أقرض النصاب وحال عليه الحول كانت الزكاة على المقترض دون المقرض.

ونُسب خلافه إلى الشيخ في المقام (١) ، إمّا لبنائه على أنّ القرض يملك بالتصرّف لا بالقبض فلم ينثلم النصاب على تقدير بقاء العين عند الفقير ، أو لبنائه على ثبوت الزكاة في الدين كالعين. وكلاهما في غير محلّه كما تقدّم محلّه (٢).

(١) ضرورة أنّ الإعطاء بعنوان الأمانة بمثابة الإيداع في صندوق للصيانة في عدم الخروج عن الملك بذلك ، ومن الضروري أنّ العبرة في الوجوب بالبقاء في ملكه بحيث له السحب متى شاء لا بالبقاء عنده وتحت يده مباشرةً.

وعليه ، ففي المقام إذا كانت العين باقية عند الفقير إلى نهاية الحول ساغ الاحتساب بعد فرض بقاء الفقير على صفة الاستحقاق ، لعدم المانع عنه بوجه. وبذلك يتّضح الفرق بين الإيداع وبين الإقراض المتقدّم آنفا.

(٢) على المشهور ، خلافاً لابن إدريس فمنع عن الاحتساب ، لصيرورته

__________________

(*) في جواز احتسابه عليه من باب الفقر إشكال.

(١) المدارك ٥ : ٢٩٦.

(٢) شرح العروة ٢٣ : ٩٢.

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

غنيّاً بالدين ، ولا تنافي بين الأمرين ، ومن ثمّ تجب الزكاة على من تملّك النصاب وإن كان عليه دين ، قال : لأنّ الدين في الذمّة والزكاة في العين (١).

أقول : قد تقدّم عند التكلّم حول شرط الفقر : أنّ من ملك فوق سنته بالفعل أو بالقوّة فهو غني شرعاً لا يستحقّ الزكاة من سهم الفقراء وإن كان عليه دين خارجي. نعم ، يستحقّها من سهم الغارمين ، وهو أمر آخر خارج عمّا نحن بصدده ، فالدين بما هو دين لا يمنع عن صدق الغنى شرعاً بل ولا عرفاً. ألا ترى أنّ كثيراً من التجار والأغنياء لعلّهم مدينون بأكثر ممّا يملكون من جهة المظالم والكفّارات أو الإتلافات والضمانات أو المعاملات الفاسدة ونحو ذلك من موجبات شغل الذمّة ، ومع ذلك يعدّون عرفاً من الأغنياء بل الأثرياء ، فلا تضادّ ولا تعاند بين الغنى وبين الدين بوجه.

لكن هذا يختصّ بالغنى الناشئ من غير ناحية الدين والذي لم يكن مسبّباً عنه ، كمن كانت له مزرعة أو حرفة تفي بقوت سنته ومعيشة عائلته ، فإنّه ما لم يصرفها في سدّ الدين غنيٌّ شرعاً بل وعرفاً أحياناً حسبما عرفت.

وأمّا الناشئ عن الدين نفسه والمتسبّب عنه الذي هو محلّ الكلام في المقام ، كمن كانت مئونة سنته مائتي دينار ولم تكن له حرفة ولا مال فاستدانها في أوّل السنة ، فإنّه لا ينبغي التأمّل في عدم خروجه عن عنوان الفقر بمجرّد هذه الاستدانة ، فإنّها لا تستوجب انقلاب الموضوع بعد أن كانت الحاجة لا تزال باقية وإن كان مالكاً لقوت السنة ، إذ أنّ هذه الملكيّة نشأت من نفس الدين لا غير فهو متّصف بالفقر لاحقاً كما كان كذلك سابقاً وإن تغيّرت جهة الفقر وتبدّل بلون آخر.

وعليه ، فلا مانع من احتساب الزكاة عليه بعد حلول الحول ما دام الدين

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٥٥.

٢٦٦

وأمّا لو استغنى بنماء هذا المال أو بارتفاع قيمته إذا كان قيميّاً وقلنا إنّ المدار قيمته يوم القرض لا يوم الأداء لم يجز الاحتساب عليه (*) (١).

______________________________________________________

باقياً إلى نهاية السنة كما هو المفروض ، بعد وضوح الفرق بين الغنى المستند إلى غير الدين وبين المستند إليه حسبما عرفت.

(١) أمّا إذا كان الاستغناء بنماء المال فلا ينبغي الاستشكال في عدم جواز الاحتساب ، لخروجه عن صفة الفقر عند حلول الحول ، وقد تقدّم اشتراط الاحتساب باستمرار الفقر ، وهذا واضح.

وأمّا إذا كان الاستغناء بارتفاع قيمة المال الذي اقترضه فهل يجوز الاحتساب عليه حينئذٍ؟

يبتني ذلك على أنّ العبرة في ضمان القيميّات هل هي بيوم التلف أو بقيمة يوم الأداء أو أعلى القيم؟ والمراد بيوم التلف في المقام هو يوم القرض ، إذ هو اليوم الذي تتلف فيه العين وتنتقل إلى الذمّة بالضمان المسبّب عن عقد القرض.

كما أنّ المراد بيوم الأداء هو يوم الاحتساب دون الأداء الخارجي فإنّه اليوم الذي تفرغ فيه ذمّة المدين باحتساب الزكاة عليه الذي هو بمثابة الأداء خارجاً ، فلا يراد من يوم الأداء في المقام إلّا يوم الاحتساب كما لا يخفى.

فعلى القول الأوّل لا سبيل للاحتساب ، لوضوح زوال صفة الفقر عند نهاية السنة ، فلو أقرضه خمسة من الشياه مثلاً قبل حلول وقت الزكاة وكانت قيمتها يومئذٍ عشرة دنانير فترقّت ترقّياً فاحشاً في وقت الحلول وبلغت مائتي دينار فالذمّة حينئذٍ غير مشغولة إلّا بتلك العشرة على الفرض ، فإذا كانت مئونة سنته مائة وتسعين ديناراً فهو واجد في هذه الحالة لتمام المائتين فارغاً

__________________

(*) في إطلاقه إشكال.

٢٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عن كلّ دين وواجداً للمئونة ، فهو طبعاً غني ومثله لا يستحقّ الزكاة ، ومعه لا موقع للاحتساب.

وأمّا على القول الثاني فالاحتساب سائغ وواقع في محلّه ، ضرورة اشتغال الذمّة في يوم الاحتساب الذي عرفت اتّحاده مع يوم الأداء بتمام المائتين ، فيكون استغناؤه مسبّباً عن الدين ، وقد عرفت أنّ مثله مشمول لدليل الاحتساب.

ولعلّ الأظهر في المقام هو الأوّل حتّى لو قلنا بالثاني في باب الإتلاف وسائر موارد الضمان ، إذ بالقرض الموجب للضمان العقدي يضمن المقترض قيمة العين حين القرض وزمان العقد بلا ايّ موجب لضمان القيمة يوم الأداء ، ومعه لا مجال للاحتساب في مفروض الكلام ، فلاحظ.

٢٦٨

فصل

[في أنّ الزكاة من العبادات]

الزكاة من العبادات فيعتبر فيها نيّة القربة (١).

______________________________________________________

(١) ويدلّ عليه بعد الإجماع القطعي بل تسالم الفريقين إلّا من شذّ ، بل الارتكاز الثابت في أذهان عامّة المتشرّعة أُمور :

منها : التعبير عنها بالصدقة في الكتاب والسنّة ، بل عبّر عن العامل في لسان الأخبار بالمصدّق ، ومن المعلوم أنّ الصدقة واجبة كانت أم مندوبة يعتبر في مفهومها قصد القربة ، بل كان ذلك هو الفارق بينها وبين الهديّة.

ومنها : عدّها من مباني الإسلام الخمس في جملة من الأخبار ، بل في بعضها أنّ إحداها لا تقبل إلّا بصاحبتها ، فإنّ مناسبة الحكم والموضوع ومقارنتها مع أخواتها من سائر العبادات ولا سيّما الصلاة تقضي بأنّ الكلّ من سنخ واحد في اعتبار العباديّة كما لا يخفى.

ومنها : ما ورد في الكتاب والسنّة من أنّ الله سبحانه هو الذي يباشر بنفسه لأخذ الصدقة ، قال تعالى (هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) إلخ (١).

وفي صحيح سالم بن أبي حفصة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إنّ الله يقول : ما من شي‌ء إلّا وقد وكّلت به من يقبضه غيري ، إلّا الصدقة ، فإنّي أتلقّفها بيدي تلقّفاً» إلخ (٢).

__________________

(١) التوبة ٩ : ١٠٤.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٨٢ / أبواب الصدقة ب ٧ ح ٧.

٢٦٩

والتعيين (١) مع تعدّد ما عليه بأن يكون عليه خمس وزكاة وهو هاشمي فأعطى هاشميّاً فإنّه يجب عليه أن يعيّن أنّه من أيّهما ، وكذا لو كان عليه زكاة وكفّارة فإنّه يجب التعيين.

______________________________________________________

ومن ثمّ ورد استحباب تقبيل اليد لدى التصدّق ، فإنّ مناسبة الحكم والموضوع تقضي بأنّ الشي‌ء الذي يباشر سبحانه بنفسه لأخذه لا بدّ وأن يكون منسوباً ومضافاً إليه جلّ شأنه.

(١) هذا لا يتوقّف على العباديّة ، بل لأجل أنّه لا بدّ في تحقّق العناوين القصديّة ومنها الزكاة من تعلّق القصد بها بخصوصها وتعيينها لتمتاز عمّا عداها ، وبدونه لا يتحقّق المأمور به في الخارج ، فلا يكاد يكون المأمور بإكرام زيد ممتثلاً إلّا إذا قصد هذا العنوان وإن تحقّق ذات الإكرام خارجاً ، كما لا يكفي الإتيان بذات الركعتين ما لم يقصد عنوان الفجر أو نافلته مثلاً وبدونه لا يتحقّق شي‌ء منهما.

وعليه ، فلا يتّصف المدفوع بعنوان الزكاة التي لها عنوان خاصّ في مقابل الخمس والكفّارة وما شاكلهما إلّا مع قصد ذلك العنوان ، لجواز انطباق سائر العناوين عليه ، ولا يكاد يمتاز عن غيرها إلّا بالقصد ، فلا بدّ من مراعاته في تحقّق الامتثال.

بل لا يبعد أن يكون الحال كذلك في الأفعال التكوينيّة الخارجيّة من المشي والقيام والقعود ونحوها ، نظراً إلى أنّ ذات الفعل وإن صدق كيفما تحقّق لكن المأمور به لمّا كانت هي الحصّة الاختياريّة المتقوّمة بالقصد فلا بدّ من رعايته في تحقّق امتثاله ، إلّا إذا نهض دليل خارجي على أنّ العبرة بتحقّق ذات الفعل كيفما كان ، كما في تطهير الثوب ونحوه.

وكيفما كان ، فلا بدّ من قصد التعيين في المقام حسبما عرفت ، فلو كان على

٢٧٠

بل وكذا إذا كان عليه زكاة المال والفطرة فإنّه يجب التعيين على الأحوط (١) بخلاف ما إذا اتّحد الحقّ الذي عليه فإنّه يكفيه الدفع بقصد ما في الذمّة وإن جهل نوعه ، بل مع التعدّد أيضاً يكفيه التعيين الإجمالي بأن ينوي ما وجب عليه أوّلاً أو ما وجب ثانياً مثلاً ولا يعتبر نيّة الوجوب والندب.

______________________________________________________

هاشمي خمس وزكاة فأعطى لهاشمي ولم يعيّن لا يقع امتثال لأيّ منهما ، ونحوه ما لو كانت عليه زكاة وكفّارة يمكن إعطاؤها من النقود ، كما في كفّارة الوطء في الحيض.

نعم ، لا يجب عليه القصد التفصيلي ، بل تكفي النيّة الإجماليّة ، فيجزئ قصد ما في الذمّة مع اتّحاد الحقّ والجهل بنوعه وقصد ما وجب أوّلاً أو ثانياً مع التعدّد حسبما أُشير إليه في المتن.

(١) هذا الاحتياط وإن كان في محلّه لاحتمال تغاير الحقّين واختلاف حقيقة الزكاتين ، ولكنّه لا يبعد الاتّحاد وأنّهما فردان من حقيقة واحدة وهي الصدقة الواجبة وإن تسبّبت إحداهما عن ملك النصاب والأُخرى عن دخول شهر شوال ، فالتعدّد إنّما هو في ناحية السبب دون المسبّب ، ومعه لا حاجة إلى قصد التعيين.

وكون إحداهما زكاة عن المال والأُخرى عن البدن كالاختلاف من ناحية الوقت لا يستوجب اختلافاً في الحقيقة والماهية بعد الاتّحاد في متعلّق الوجوب أعني الزكاة ، ولا سيّما بعد ملاحظة ما ورد من أنّ الآية المباركة إنّما نزلت في زكاة الفطرة ، حيث لم يكن يومئذٍ للمسلمين مال وبعد ذلك أمر (صلّى الله عليه وآله) بإلحاق زكاة المال بها.

وبالجملة : حال اختلاف السبب في المقام حال اختلاف الأسباب في الأجناس الزكويّة ، فكما أنّ سبب الوجوب قد يكون ملكيّة عشرين ديناراً وأُخرى

٢٧١

وكذا لا يعتبر أيضاً نيّة الجنس (*) الذي تخرج منه الزكاة (١) أنّه من الأنعام أو الغلّات أو النقدين ، من غير فرق بين أن يكون محلّ الوجوب متّحداً أو متعدّداً ، بل ومن غير فرق بين أن يكون نوع الحقّ متّحداً أو متعدّداً ، كما لو كان عنده أربعون من الغنم وخمس من الإبل فإنّ الحقّ في كلّ منهما شاة ،

______________________________________________________

وأُخرى أربعين شاةً وهكذا ، فكذلك قد يكون السبب هلال شهر شوّال ، ومن البيّن عدم لزوم قصد تعيين السبب بعد اتّحاد المسبّب ، فمن كان مديناً لزيد بدرهم للإتلاف وآخر للاستقراض وثالث لأجل الشراء لا يلزمه في مقام الوفاء قصد سبب خاصّ ، بل هو بحسب النتيجة مدين له بثلاثة دراهم ، فإذا أدّى درهماً بقي عليه درهمان من غير تعيين ، فلا يلزمه تعيين السبب كما هو الحال في باب الأغسال.

(١) بل يكفى مجرّد قصد كونه زكاةً في تفريغ الذمّة عن زكاة المال ، ولا تلزم نيّة الجنس المتعلّق به الزكاة ، سواء أكان متّحداً أم متعدّداً ، وسواء أكان نوع الحقّ متّحداً أيضاً أم مختلفاً ، وسواء أكان المدفوع من نفس الجنس المتعلّق به

__________________

(*) في المسألة صور ثلاث : فإن ما يعطى زكاة إن كان مصداقاً لأحد المالين الزكويين دون الآخر كما إذا كان عنده أحد النقدين والحنطة مثلاً وأعطى الزكاة نقداً من غير أن يقصد عن أحدهما المعين فإنّه لا محالة يقع عن النقد دون الحنطة فإن وقوعه عنها بحاجة إلى التعيين ، وإن كان مصداقاً لكليهما معاً كما إذا كان عنده أربعون شاة وخمس من الإبل فإنّ الواجب عليه في كل منهما شاة فإذا أعطى شاة زكاة لا محالة وزّع عليهما إلّا إذا قصد عن أحدهما المعين ولو إجمالاً ، وإن لم يكن مصداقاً لشي‌ء منهما كما إذا كان عنده حنطة وعنب وأعطى الزكاة نقداً فإنّه حينئذ إن قصد عن كليهما وزّع عليهما ، وإن قصد عن أحدهما المعين وقع له ، وإن قصد أحدهما لا بعينه لم يقع عن شي‌ء منهما إلّا إذا كان قصده عنه مبنياً على أن يعينه فيما بعد.

٢٧٢

أو كان عنده من أحد النقدين ومن الأنعام فلا يجب تعيين شي‌ء من ذلك ، سواء كان المدفوع من جنس واحد ممّا عليه أو لا فيكفي مجرّد قصد كونه زكاة ، بل لو كان له مالان متساويان أو مختلفان حاضران أو غائبان أو مختلفان فأخرج الزكاة عن أحدهما من غير تعيين أجزأه وله التعيين بعد ذلك ، ولو نوى الزكاة عنها وزّعت ، بل يقوى التوزيع مع نيّة مطلق الزكاة.

______________________________________________________

الزكاة أم من غيره بعنوان القيمة.

والوجه في ذلك كلّه :

أمّا بناءً على ما اختاره الماتن تبعاً للمشهور من تعلّق الزكاة بالأعمّ من العين الزكوية ومطلق القيمة من غير اختصاص بالفقد الرائج وأنّ الوجوب متعلّق بجامع المقدار المعيّن من المال المنطبق تارةً على نفس متعلّق الحقّ وأُخرى على النقود والعملات الرائجة وثالثة على سائر الأمتعة أنّ متعلّق الأمر الزكاتي حينئذٍ في جميع الأجناس الزكويّة التسعة أمر واحد وطبيعة فأرده وهي المالية المقدّرة بالكمّيّة الخاصّة. إذن فتعدّد الأجناس متّفقة كانت أم مختلفة يكون من باب تعلّق الأمر بفردين أو أفراد من طبيعة واحدة لا ميّز بينها حتّى في صقع الواقع ، نظير تعلّق الأمر بفردين من الصوم القضائي ، فكما أنّه إذا أتى بفرد امتثل أمره وبقي عليه الآخر ولا يقصد في كلّ منهما إلّا امتثال الأمر المتعلّق بالطبيعة ، فكذا في المقام ، فإذا كان عليه مقدار ماليّة عشرة دراهم زكاةً للغنم وعشرة زكاةً للحنطة ودفع عشرة بقصد الزكاة من غير تعيين فرغت ذمّته عن إحداهما وبقيت الأُخرى ، على حذو ما عرفت فيمن كان مديناً لزيد بدرهم في قرض وآخر في إتلاف وثالث في شراء ، في أنّه لدى دفع درهم واحد بعنوان الوفاء يسقط أحد الدراهم ويبقى الآخران من غير حاجة إلى التعيين ، حيث عرفت أنّ الاختلاف في سبب الوجوب لا يستوجب الاختلاف في متعلّق الحقّ.

٢٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، إذا كان للفرد بماله من الخصوصيّة أثر يترتّب عليه لم يكن بدّ من تعلّق القصد به وتعيينه في ترتّب الأثر عليه ، فإذا جعل الفراش مثلاً رهناً لأحد الدينين والكتاب رهناً للآخر لم ينفكّ شي‌ء من الرهنين ما لم يقصد أنّ المدفوع أداء لأيّ منهما ، لعدم ترجيح في البين وإن حصل الوفاء لأصل الدين في أحدهما من غير تعيين.

وعلى ضوء ذلك نقول : إنّ للفرد في المقام أثرين :

أحدهما : جواز التصرّف في الباقي بعد التزكية.

ثانيهما : الضمان إذا تلف قبل التزكية.

فالعشرة المدفوعة في المثال إن عيّنها في الغنم جاز التصرّف بعد ذلك في تمام الغنم دون الحنطة ، كما أنّ عليه الضمان إذا تلفت الحنطة دون الغنم ، أمّا إذا لم يعيّن لم يجز التصرّف في شي‌ء منهما ، وعليه الضمان إذا تلف كلّ منهما ، لما عرفت من عدم الترجيح لأحدهما وإن سقط التكليف عن الزكاة بهذا المقدار بطبيعة الحال ، إلّا إذا نوى حين الدفع ما سيعينه فيما بعد فإنّ له واقعاً محفوظاً عند الله وإن كان مجهولاً عندنا ، فيكون ذلك نوع قصد إجمالي ، وهو مجزٍ عن القصد التفصيلي.

وهل للمالك التعيين بعد ذلك فيما لم يكن ناوياً أصلاً كما اختاره في المتن؟

الظاهر : العدم ، إذ لا دليل على ولايته على هذا التعيين.

نعم ، لا مانع من الرجوع إلى القرعة التي هي لكلّ أمر مشكل ، بناءً على ما هو الصواب من عدم اختصاصها ممّا له واقع معيّن مجهول ، بل تشمل ما لا تعيّن له حتّى في صقع الواقع كما في المقام ، فيتعيّن بها أنّ الزكاة عن أيٍّ من المالين أوان الأداء من أيٍّ من الدينين.

هذا كلّه على المسلك المشهور من عدم اختصاص القيمة بالنقدين.

٢٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا بناءً على المختار من الاختصاص بحيث كان متعلق الأمر الزكاتي إخراج الجامع بين متعلّق الحقّ وبين قيمته من النقد الرائج خاصّة ففيه تفصيل ، فإنّه إذا كان له نوعان من الأعيان الزكويّة :

فتارةً : يكون جنس الحقّ فيهما متّحداً ، كما إذا كان له أربعون من الغنم وفيها شاة وخمسة من الإبل وفيها أيضاً شاة ، فإنّ التكليف في كلّ منهما متعلّق بشي‌ء واحد وهو دفع الجامع بين الشاة والنقد ، فحينئذٍ يصحّ دفع شاتين أو نقدين أو دفع شاة ونقد بلا تعيين ، إذ هو من قبيل تعلّق الأمر بفردين من طبيعة واحدة الذي عرفت حكمه ويجري فيه التفصيل المتقدّم بالنسبة إلى الآثار ولو لم يدفع حينئذٍ إلّا شاة واحدة ولم يعيّن ، فبما أنّها صالحة للانطباق على كلّ منهما فلا جرم توزّع عليهما ، إلّا إذا قصد عن أحدهما المعيّن ولو إجمالاً.

وأُخرى : يكون جنس الحقّ مختلفاً ، كما إذا كان له غنم وحنطة ، فإنّ التكليف في أحدهما متعلّق بدفع الجامع بين الغنم والنقد ، وفي الآخر بين الحنطة والنقد ، وهما متغايران ، فحينئذٍ إن أدّى من جنس ما تعلّق به الزكاة كالشاة فوقوعه زكاة عن الغنم قهري لا حاجة فيه إلى التعيين ، لعدم صلاحيّته لوقوعة زكاةً عن الحنطة على القول المزبور.

وإن أدّى من النقد فلأجل أنّه يصلح أن يكون زكاةً لكلّ من المالين والمفروض تغاير متعلقي التكليفين ولزوم التعيين مع التغاير ، فلا جرم يلزمه إمّا تعيين أحدهما فيقع زكاة عنه خاصّة ، أو قصد الزكاة عنهما الراجع إلى قصد التوزيع ، فيوزّع عليهما بالمناصفة ، لتساوي النسبة إلى كلّ منهما ، أو قصد مطلق الزكاة فإنّه أيضاً راجع إلى قصد التوزيع ، بيد أنّه قصد إجمالي ولا ضير فيه ، ويوزّع أيضاً بالنسبة ، ويكون كما إذا كان عليه لزيد عشرة ولعمرو عشرة واتّحد وكيلهما ، فدفع عشرة إلى الوكيل بقصد أداء ما في ذمّته من دون تعيين أحد الدينين ، حيث إنّه يوزّع عليهما بالتساوي.

٢٧٥

[٢٧٨٢] مسألة ١ : لا إشكال في أنّه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة ، كما يجوز له التوكيل في الإيصال إلى الفقير (١).

______________________________________________________

(١) ينبغي التكلّم تارةً في صحّة التوكيل بقسميه ، وأُخرى فيمن يتولّى النيّة المعتبرة في صحّة العبادة ، وثالثة في وقت النيّة ، فهنا مقامات ثلاثة :

أمّا المقام الأوّل : فغير خفي أنّ صحّة التوكيل في كلّ من الأداء والإيصال وقبولهما للنيابة ممّا تقتضيه القواعد الأوّلية كما ستعرف من غير حاجة إلى نصّ خاصّ.

نعم ، وردت أخبار كثيرة على طبق القاعدة كما تقدّم بعضها ولكنّها بأجمعها مختصّة بالمورد الثاني ، وأمّا الأوّل أعني : التوكيل في الأداء فلم ترد فيه ولا رواية واحدة بعد وضوح أنّ الأخبار الحاثّة على الإيصاء بالزكاة مختصّة بالنيابة عن الميّت ، ولا دلالة فيها على صحّة النيابة في الأداء عن الأحياء التي هي محلّ الكلام.

نعم ، قد يقال بأنّ معتبرة عليّ بن يقطين ظاهرة في ذلك ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عمّن يلي صدقة العُشر (على) من لا بأس به «فقال : إن كان ثقة فمره أن يضعها في مواضعها ، وإن لم يكن ثقة فخذها أنت وضعها في مواضعها» (١).

بدعوى أنّها ناظرة إلى أمر المالك وتوكيله الغير في أداء الزكاة عنه ووضعها في مواضعها والاجتزاء بذلك إن كان ثقة.

ولكنّه يندفع بأنّ الرواية أجنبيّة عن محلّ الكلام بالكلّيّة ، وإنّما هي واردة في المصدّق ، أي العامل الذي يأخذ الصدقات ويلي أمرها ، ومن هنا ذكرها الكليني

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٨٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٥ ح ١.

٢٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

في الكافي والكاشاني في الوافي في آداب المصدّق (١) وإن أدرجها صاحب الوسائل في أبواب المقام ، وهي في الكتابين خالية من كلمة (على) وإن زيدت فيما بين القوسين في الوسائل ، وعلى الأوّل تكون جملة : من لا بأس به ، صفة للمصدّق ، وعلى الثاني صفة للفقير.

وعلى أيّ حال فالسؤال ناظر إلى صفة المصدّق الذي يلي أمر الصدقة ويوصلها بعد جمعها إلى أربابها ، فأجاب (عليه السلام) لعليّ بن يقطين الذي كان وزيراً مقتدراً بأنّه إن كان ثقة فمره بذلك وإلّا فخذها منه ، لقدرتك على الأخذ ، وأوصلها أنت إلى أربابها. ولا نظر فيها إلى توكيل المالك غيره بالأداء أو بالإيصال الذي هو محلّ الكلام بوجه ، ومن ثمّ أمره (عليه السلام) بالأخذ منه لا أنّه نهاه عن الإيتاء إليه ليرتبط بما نحن فيه.

وكيفما كان ، فالعمدة في المقام ما عرفت من أنّ صحة التوكيل بكلا قسميه مطابق لمقتضى القاعدة.

بيان ذلك : أنّ الفعل الصادر عن المباشر بتسبيب وتوكيل من غيره إن كان من الأُمور الاعتباريّة المعامليّة كالبيع والنكاح والطلاق ونحوها كان الفعل الصادر عنه مباشرةً مستنداً إلى الموكّل المسبّب أيضاً استناداً حقيقيّا من دون أيّة عناية أو مسامحة ، وعليه يجري بناء العرف والعقلاء من غير أيّ نكير.

ويلحق بهذا القسم ما هو من قبيل الأخذ والصرف والعطاء ونحوها من الشؤون الراجعة إلى الأموال ، فإنّ قبض الوكيل أو دفعه أو صرفه المال في مصرفه وإن كان فعلاً تكوينيّاً إلّا أنّه بالنظر العقلائي منسوب إلى الموكّل حقيقيةً ويده يده اعتبارا.

وأمّا إذا كان من الأفعال التكوينيّة غير ما ذكر التوصّليّة منها أو التعبّديّة من أكل أو نوم أو صلاة وما شاكلها فاستنادها إلى المسبّب غير

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٩ / ٦ ، الوافي ١٠ : ١٦٠ / ٩٣٥١.

٢٧٧

وفي الأوّل ينوي الوكيل حين الدفع إلى الفقير عن المالك (١).

______________________________________________________

المباشر لا يكون إلّا بضرب من التجوّز والعناية ، وإلّا فهو في الحقيقة فعل للمباشر لا غير ، وتحتاج صحّة التوكيل والاستنابة فيما كان من هذا القبيل إلى قيام الدليل عليها شرعاً لتفيد فراغ ذمّة المنوب عنه بفعل النائب ، وقد ورد في الحجّ ولو عن الحي في الجملة ، وفي الصلاة والصيام عن الميّت خاصّة كما يفصح عنه ما ورد من الحثّ على الإيصاء بها.

هذا ، ومرجع النيابة في هذا القسم إلى كون الفعل الصادر من النائب موجباً لتفريغ ذمّة المنوب عنه بدلالة الشرع على ذلك وقصد النائب النيابة عنه حينئذٍ ، معناه : أن يقصد بالفعل الواجب على المنوب عنه تفريغ ذمّته ، والتعبير عنها كما في جملة من الكلمات بتنزيل النفس منزلة الغير ونحو ذلك لا يخلو عن المسامحة أو أنّه تفنّن في العبارة ، وإلّا فحقيقتها ما ذكرناه.

وقد ظهر ممّا ذكرناه أنّ إيصال الزكاة إلى مستحقّها ودفعها إليه مندرج فيما هو ملحق بالقسم الأوّل أعني : القبض والإقباض ونظائرهما وقد عرفت أنّ قبول النيابة حينئذٍ مطابق لمقتضى القاعدة.

وهكذا الحال بالنسبة إلى أداء الزكاة وإخراجها وإيتائها الذي هو متعلّق الأمر الزكاتي ، فإنّه من الشؤون الراجعة إلى الأموال ، والنظر العرفي العقلائي يقضي بأنّ الأداء الصادر من الوكيل كما يستند إليه حقيقةً يستند إلى المالك كذلك بمناطٍ واحد.

(١) المقام الثاني : فيمن يتولّى نيّة الزكاة.

أمّا في التوكيل في الإيصال ، فلا ريب في أنّ المتولّي للنيّة إنّما هو الموكّل ، ضرورة أنّه المؤدّي للزكاة مباشرةً ، ولا شأن للوكيل ما عدا أنّه يوصلها إلى مستحقّها ، ولا ريب أنّ إيصالها كإيصال سائر الأموال غير متقوّم بالقصد ، لعدم

٢٧٨

والأحوط تولّي المالك للنيّة (*) أيضاً حين الدفع إلى الوكيل (١) ، وفي الثاني

______________________________________________________

كون المقصود إلّا مجرّد الوصول كيفما اتّفق وبأيّ وجه تحقّق ، حتّى إذا لم يكن له إدراك وشعور كالصبي والحيوان والمجنون ، فلم يعتبر فيه شي‌ء سرى الوصول إلى يد المستحقّ الذي لا يفتقر في تحقّقه إلى قصد عنوان الإيصال فضلاً عن قصد الزكاة والتقرّب به ، وهذا واضح.

وأمّا في التوكيل في الأداء : فالذي تقتضيه القواعد لزوم تولّي الموكّل بنفسه أيضاً للنيّة ، خلافاً للمتن.

والوجه فيه : أنّ الموكّل هو المخاطب بأداء الزكاة العباديّة ، والمفروض أنّه بتسبيبه وتوكيله مؤدٍّ للزكاة حقيقةً كما عرفت. فإذا كان أداؤه هذا عن قربة فقد أدّى ما عليه من التكليف ، أمّا الوكيل فهو غير مخاطب بأداء الزكاة وإنّما هو يمتثل أمر موكّله ، وتوقّف صحّة الأداء منه نيابةً على قصده القربة يحتاج إلى دليل مفقود ، فإنّ المتّصف بالقربيّة إنّما هو حيثيّة استناد الفعل إلى المالك لا حيثيّة استناده إلى الوكيل النائب كما لعلّه ظاهر.

وهذا بخلاف النيابة في مثل الصلاة والصيام ، فإنّ الفعل لمّا كان فعلاً للنائب خاصّة من دون استناده بنفسه إلى المنوب عنه على العكس من باب الوكالة حسبما عرفت غاية الأمر أن نتيجته وهي تفريغ الذمّة يعود إليه ، ولا تفريغ إلّا لدى صدور العمل العبادي الصحيح من النائب ، فلا جرم يلزمه تصدّي النيّة وتولّي أمرها بنفسه كما لا يخفى.

(١) المقام الثالث : في وقت نيّة الموكّل القربة.

__________________

(*) هذا هو الأقوى حيث إنّ الوكيل وكيل في الإيصال فقط ، ولا دليل على كون فعله فعل الموكل حتّى يتولّى القربة حين الدفع إلى الفقير ، والفرق بينه وبين موارد النيابة ظاهر.

٢٧٩

لا بدّ من تولّي المالك للنيّة حين الدفع إلى الوكيل ، والأحوط استمرارها إلى حين دفع الوكيل إلى الفقير.

______________________________________________________

والظاهر أنّه حين التوكيل أو الدفع إلى الوكيل لا حين الوصول إلى الفقير ، وذلك لأنّ نيّة القربة في العبادات لمّا كانت هي الداعي إلى العمل فلا جرم كانت مقارنة لنيّة العمل كأداء الزكاة في المقام ، ومن الواضح أنّ نيّة العمل عباديّاً كان أم لا إنّما تصدر من الموكّل حين تسبيبه إليه وإيجاده مقدّمته بإعمال الوكالة وإيقاعها بشؤونها ، فلا بدّ وأن يكون ذلك بداعي التقرّب إليه تعالى إن كان العمل الموكّل فيه قربيّاً. ولا يقدح الفصل بين ما يصدر من الموكّل من التسبيب المزبور وما يقع من الوكيل من الإيتاء أو الإيصال بعد أن كان الإتيان المتأخّر مستنداً إلى تسبيب الموكّل ومترتّباً عليه ومنسوباً إليه. إذن فلا وجه لاعتبار نيّته حين الدفع الصادر من الوكيل والوصول الحاصل للفقير.

ويعتضد ذلك بما ورد في جملة من الأخبار من جواز بعث الزكاة إلى الوكيل في بلد آخر ليوزّعها فيه على أربابها من دون أيّ تعرّض لحكم النيّة ، مع وضوح أنّ الغالب عدم علم الموكّل بزمان الإيصال ليتصدّى للنيّة آن ذاك ، فإنّ هذا خير دليل على إيكال أمرها إلى ما هو المتعارف من كفاية النيّة حال البعث والتسبيب ، أعني : زمان الدفع والتوكيل.

أضف إلى ذلك أنّ التوكيل في الإيصال لا ينفكّ عن العزل ، ومقتضى ذلك بعد ملاحظة ما سيأتي في المسألة الرابعة والثلاثين من مسائل الختام من كفاية النيّة حال العزل عن النيّة حال الدفع إلى المستحقّ هو كفاية نيّة الموكّل حال الدفع إلى الوكيل كما لا يخفى.

٢٨٠